Search
Close this search box.

نقدم لكم الرسالة العملية الكاملة لسماحة السيد روح الله الموسوي الخميني قدس سره

  • المقدمه

     

    تَحریرالوَسیلة

     

    آيَة الله العُظمى الإمام الخُميني (قدس سره)

     

     

    الحمدللّه الّذي فتح قلوب العلماء بمفاتيح الإيمان وشرح صدور العرفاء بمصابيح الإيقان، وصلّ اللّهمّ على جميع أنبيائك ورسلك سيّما خاتمهم وأفضلهم محمّدٍ المصطفى، وعلى آله المنتجبين حملة علومه ونقلة آدابه.
    وبعد، فعجيبٌ أمر هذه الرسالة العمليّة، فهي - فضلاً عن كونها تناولت كلّ أبواب الفقه الإسلاميّ ابتداءً من التقليد والطهارة وانتهاءً بالحدود والديات - تطرّقت ولأوّل مرّة (حينذاك) لأحكام الجهاد والدفاع والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وقضايا الساعة ولمعالجتها للحوادث الواقعة، نراها ترجمت الى لغات شتّى، منها وعلى سبيل المثال إلى اللغة البوسنيّة على يد رئيس جمهوريّتها المجاهد عزّت علي بيگوفيج؛ أيّام سجنه.
    وعجيبٌ أمر محرّرها الإمام الخميني (قدس سره)، إذ أنّ هذه الشخصيّة العظيمة العملاقة - في الفكر والجهاد والعرفان والزهد والسياسة والريادة والفقه والاُصول والفلسفة والعلوم - استطاعت أن تقيم أعظم كيانٍ إسلاميّ في القرن العشرين يناطح به كلّ الطروحات الأرضيّة المعادية والتحالفات الاستكباريّة المتنافرة، ويوقظ كلّ نيام الاُمّة والمستضعفين في دنيا الاستغلال والاضطهاد، حتّى أصبح؛ أمل الشعوب.
    هذا المرجع الربّانيّ والقائد الميدانيّ استطاع كذلك لعلوّ همّته ونافذ بصيرته أن ينشئ بفعل دروسه العلميّة والأخلاقيّة كوادر على شاكلته في الإخلاص والوعي والشجاعة والفداء والعلم والتقوى ، يحذون حذوَه ويقْفون أثره حذو القذّة بالقذّة وتتمنّاهم الشعوب قادةً لنهضاتها، ليضمن استمرار المسيرة الثوريّة الهادية وعزّتها وتكاملها ووحدتها وكرامتها وحفظ النظام ومِنعته حتّى يسلّموا الراية إلى صاحب العصر والزمان عجّل اللّه فرجه، وفي مقدّمتهم خليفته المنتخب ووريثه في المحبوبيّة وليّ أمر المسلمين آيةاللّه السيّد عليّ الخامنئيّ أعزّه اللّه وأدام ظلّه الوارف.
    فما أعظم الإمام روح اللّه من مؤلّفٍ واُستاذ، ومربّ وزعيم، وما أعظم رسالته الّتي صارت مناراً للثائرين ومنهجاً عمليّاً للعارفين. فرحمهُ اللّه ورفع مقامه في الخالدين.
    والمؤسّسة إذ تقوم بطبع ونشر هذه الرسالة المجيدة - بعد إراءتها لمؤسّسة نشر آثار الإمام الخميني (قدس سره) - تتقدّم بجزيل شكرها ووافر ثنائها لسماحة حجّةالإسلام والمسلمين الشيخ محمّدحسين أمراللّهي على تدقيقه إيّاها من ضبط عباراتها ونصوصها ومطابقتها مع عدّة نسخ. شكر اللّه سعيه وبارك له في مجهوده المثمر هذا، راجين أن يجد فيها عشّاق الإمام وسائر القرّاء الكرام الدقّة والنفع، ومنه تعالى التوفيق.

    مؤسّسة النشر الإسلامي
    التابعة لجماعة المدرّسين بقم المشرّفة


     

     


    الحمد للّه رب العالمين، والصلاة والسلام على محمّد و آله الطاهرين، ولعنة اللّه على أعدائهم أجمعين.
    وبعد، فقد علّقت في سالف الزمان تعليقةً على كتاب «وسيلة النجاة» تصنيف السيّد الحجّة الفقيه الإصبهانيّ قدّس سرّه العزيز، فلمّا اُقصيت في أواخر شهر جمادى الثانية عام 1384 عن مدينة «قم» إلى «بورسا» من مدائن تركيا لأجل حوادث محزنة حدثت للإسلام والمسلمين - لعلّ التاريخ يضبطها - وكنت فارغ البال تحت النظر و المراقبة فيها أحببت أن اُدرج التعليقة في المتن لتسهيل التناول، ولو وفّقني اللّه تعالى لاُضيف إليه مسائل كثيرة الابتلاء، ونرجو من اللّه تعالى التوفيق، ومن الناظرين دعاء الخير لرفع البليّات عن بلاد المسلمين، سيّما عاصمة الشيعة، ولقطع يد الأجانب عنها، ولحسن العاقبة للفقير.

  • احكام التقليد
     
    المقدّمة
    [فی أحکام التقلید]
    إعلم أنّه یجب علی کلّ مکلّف غیر بالغ مرتبة الاجتهاد فی غیر الضروریّات من عباداته و معاملاته - ولو فی المستحبّات والمباحات - أن یکون إمّا مقلّدا أو محتاطا بشرط أن یعرف موارد الاحتیاط، ولا یعرف ذلک إلّا القلیل؛ فعمل العامیّ غیرالعارف بمواضع الاحتیاط من غیر تقلید باطلٌ بتفصیل یأتی.
    مسألة 1 - یجوز العمل بالاحتیاط ولو کان مستلزماً للتکرار علی الأقوی.
    مسألة 2 - التقلید هو العمل مستندا إلی فتوی فقیه معیّن، وهو الموضوع للمسألتین الآتیتین. نعم، ما یکون مصحّحا للعمل هو صدوره عن حجّة - کفتوی الفقیه - وإن لم یصدق علیه عنوان التقلید. وسیأتی أنّ مجرّد انطباقه علیه مصحّح له.
    مسألة 3 - یجب أن یکون المرجع للتقلید عالما مجتهدا عادلا ورعا فی دین اللّه، بل غیر مکبّ علی الدنیا، ولا حریصا علیها وعلی تحصیلها - جاها ومالا - علی الأحوط. وفی الحدیث: «من کان من الفقهاء صائنا لنفسه حافظا لدینه مخالفا لهواه مطیعا لأمر مولاه فللعوامّ أن یقلّدوه».
    مسألة 4 - یجوز العدول بعد تحقّق التقلید من الحیّ إلی الحیّ المساوی. ویجب العدول إذا کان الثانی أعلم علی الأحوط.
    مسألة 5 - یجب تقلید الأعلم مع الإمکان علی الأحوط، ویجب الفحص عنه. وإذا تساوی المجتهدان فی العلم أو لم یعلم الأعلم منهما تخیّر بینهما. وإذا کان أحدهما المعیّن أورع أو أعدل فالأولی و الأحوط اختیاره. وإذا تردّد بین شخصین یحتمل أعلمیّة أحدهما المعیّن دون الآخر تعیّن تقلیده علی الأحوط.
    مسألة 6 - إذا کان الأعلم منحصرا فی شخصین ولم یتمکّن من تعیینه تعیّن الأخذ بالاحتیاط أو العمل بأحوط القولین منهما علی الأحوط مع التمکّن، ومع عدمه یکون مخیّرا بینهما.
    مسألة 7 - یجب علی العامیّ أن یقلّد الأعلم فی مسألة وجوب تقلید الأعلم؛ فإن أفتی بوجوبه لا یجوز له تقلید غیره فی المسائل الفرعیّة، وإن أفتی بجواز تقلید غیر الأعلم تخیّر بین تقلیده وتقلید غیره. ولا یجوز له تقلید غیر الأعلم إذا أفتی بعدم وجوب تقلید الأعلم. نعم، لو أفتی بوجوب تقلید الأعلم یجوز الأخذ بقوله، لکن لا من جهة حجّیّة قوله بل لکونه موافقا للاحتیاط.
    مسألة 8 - إذا کان المجتهدان متساویین فی العلم یتخیّرالعامیّ فی الرجوع إلی أیّهما، کما یجوز له التبعیض فی المسائل بأخذ بعضهامن أحدهماوبعضهامن الآخر.
    مسألة 9 - یجب علی العامیّ فی زمان الفحص عن المجتهد أو الأعلم أن یعمل بالاحتیاط. ویکفی فی الفرض الثانی الاحتیاط فی فتوی الّذین یحتمل أعلمیّتهم، بأن یأخذ بأحوط أقوالهم.
    مسألة 10 - یجوز تقلید المفضول فی المسائل الّتی توافق فتواه فتوی الأفضل فیها، بل فی ما لا یعلم تخالفهما فی الفتوی أیضا.
    مسألة 11 - إذا لم یکن للأعلم فتوی فی مسألة من المسائل یجوز الرجوع فی تلک المسألة إلی غیره مع رعایة الأعلم فالأعلم علی الأحوط.
    مسألة 12 - إذا قلّد من لیس له أهلیّة الفتوی ثمّ التفت وجب علیه العدول. وکذا إذا قلّد غیر الأعلم وجب العدول إلی الأعلم علی الأحوط وکذا إذا قلّد الأعلم ثمّ صار غیره أعلم منه، علی الأحوط فی المسائل الّتی یعلم تفصیلا مخالفتهما فیها فی الفرضین.
    مسألة 13 - لا یجوز تقلید المیّت ابتداءً. نعم، یجوز البقاء علی تقلیده بعد تحقّقه بالعمل ببعض المسائل مطلقا ولو فی المسائل الّتی لم یعمل بها علی الظاهر. ویجوز الرجوع إلی الحیّ الأعلم، والرجوع أحوط. ولا یجوز بعد ذلک الرجوع إلی فتوی المیّت ثانیا علی الأحوط، ولا إلی حیّ آخر کذلک إلّا إلی أعلم منه، فإنّه یجب علی الأحوط. ویعتبر أن یکون البقاء بتقلید الحیّ، فلو بقی علی تقلید المیّت من دون الرجوع إلی الحیّ الّذی یفتی بجواز ذلک کان کمن عمل من غیر تقلید.
    مسألة 14 - إذا قلّد مجتهدا ثمّ مات فقلّد غیره ثمّ مات فقلّد فی مسألة البقاء علی تقلید المیّت من یقول بوجوب البقاء أو جوازه فهل یبقی علی تقلید المجتهد الأوّل أو الثانی؟ الأظهر البقاء علی تقلیدالأوّل إن کان الثالث قائلاً بوجوب البقاء، ویتخیّر بین البقاء علی تقلید الثانی والرجوع إلی الحیّ إن کان قائلًا بجوازه.
    مسألة 15 - المأذون والوکیل عن المجتهد فی التصرّف فی الأوقاف أو الوصایا أو فی أموال القصّر ینعزل بموت المجتهد. وأمّا المنصوب من قبله - بأن نصبه متولّیا للوقف أو قیّما علی القصّر - فلا یبعد عدم انعزاله، لکن لا ینبغی ترک الاحتیاط بتحصیل الإجازة أو النصب الجدید للمنصوب من المجتهد الحیّ.
    مسألة 16 - إذا عمل عملا- من عبادة أو عقد أو إیقاع - علی طبق فتوی من یقلّده فمات ذلک المجتهد فقلّد من یقول ببطلانه یجوز له البناء علی صحّة الأعمال السابقة، ولا یجب علیه إعادتها وإن وجب علیه فی ما یأتی العمل بمقتضی فتوی المجتهد الثانی.
    مسألة 17 - إذا قلّد مجتهدا من غیر فحص عن حاله ثمّ شکّ فی أنّه کان جامعا للشرائط وجب علیه الفحص؛ وکذا لو قطع بکونه جامعا لها ثمّ شکّ فی ذلک علی الأحوط. وأمّا إذا أحرز کونه جامعا لها ثمّ شکّ فی زوال بعضها عنه -کالعدالة والاجتهاد- لا یجب علیه الفحص، ویجوز البناء علی بقاء حالته الاُولی.
    مسألة 18 - إذا عرض للمجتهد ما یوجب فقده للشرائط - من فسق أو جنون أو نسیان - یجب العدول إلی الجامع لها، ولا یجوز البقاء علی تقلیده؛ کما أنّه لو قلّد من لم یکن جامعا للشرائط ومضی علیه برهة من الزمان کان کمن لم یقلّد أصلًا، فحاله حال الجاهل القاصر أو المقصّر.
    مسألة 19 - یثبت الاجتهاد بالاختبار، وبالشیاع المفید للعلم، وبشهادة العدلین من أهل الخبرة؛ وکذا الأعلمیّة. ولا یجوز تقلید من لم یعلم أنّه بلغ مرتبة الاجتهاد وإن کان من أهل العلم؛ کما أنّه یجب علی غیر المجتهد أن یقلّد أو یحتاط وإن کان من أهل العلم وقریبا من الاجتهاد.
    مسألة 20 - عمل الجاهل المقصّر الملتفت من دون تقلید باطل، إلّا إذا أتی به برجاء درک الواقع وانطبق علیه أو علی فتوی من یجوز تقلیده. وکذا عمل الجاهل القاصر أو المقصّر الغافل مع تحقّق قصد القربة صحیح إذا طابق الواقع أو فتوی المجتهد الّذی یجوز تقلیده.
    مسألة 21 - کیفیّة أخذ المسائل من المجتهد علی أنحاء ثلاثة:
    أحدها: السماع منه. الثانی: نقل العدلین أو عدل واحد عنه أو عن رسالته المأمونة من الغلط، بل الظاهر کفایة نقل شخص واحد إذا کان ثقةً یطمأنّ بقوله. الثالث: الرجوع إلی رسالته إذا کانت مأمونةً من الغلط.
    مسألة 22 - إذا اختلف ناقلان فی نقل فتوی المجتهد فالأقوی تساقطهما مطلقا، سواء تساویا فی الوثاقة أم لا، فإذا لم یمکن الرجوع إلی المجتهد أو رسالته یعمل بما وافق الاحتیاط من الفتویین أو یعمل بالاحتیاط.
    مسألة 23 - یجب تعلّم مسائل الشکّ والسهو وغیرها ممّا هو محلّ الابتلاء غالبا، إلّا إذا اطمأنّ من نفسه بعدم الابتلاء بها، کما یجب تعلّم أجزاء العبادات وشرائطها وموانعها ومقدّماتها. نعم، لو علمٍ إجمالا أنّ عمله واجد لجمیع الأجزاء والشرائط وفاقد للموانع صحّ وإن لم یعلم تفصیلا.
    مسألة 24 - إذا علم أنّه کان فی عباداته بلا تقلید مدّةً من الزمان ولم یعلم مقداره: فإن علم بکیفیّتها وموافقتها لفتوی المجتهد الّذی رجع إلیه أو کان له الرجوع إلیه فهو، وإلّا یقضی الأعمال السابقة بمقدار العلم بالاشتغال وإن کان الأحوط أن یقضیها بمقدار یعلم معه بالبراءة.
    مسألة 25 - إذا کان أعماله السابقة مع التقلید ولا یعلم أنّها کانت عن تقلید صحیح أم فاسد یبنی علی الصحّة.
    مسألة 26 - إذا مضت مدّة من بلوغه وشکّ بعد ذلک فی أنّ أعماله کانت عن تقلیدٍ صحیح أم لا، یجوز له البناء علی الصحّة فی أعماله السابقة، وفی اللاحقة یجب علیه التصحیح فعلا.
    مسألة 27 - یعتبر فی المفتی والقاضی العدالة. وتثبت بشهادة عدلین، وبالمعاشرة المفیدة للعلم أو الاطمینان، وبالشیاع المفید للعلم، بل تعرف بحسن الظاهر ومواظبته علی الشرعیّات والطاعات وحضور الجماعات ونحوها. والظاهر أنّ حسن الظاهر کاشف تعبّدیّ ولو لم یحصل منه الظنّ أو العلم.
    مسألة 28 - العدالة عبارة عن ملکة راسخة باعثة علی ملازمة التقوی: من ترک المحرّمات وفعل الواجبات.
    مسألة 29 - تزول صفة العدالة - حکما - بارتکاب الکبائر أو الإصرار علی الصغائر، بل بارتکاب الصغائر علی الأحوط، وتعود بالتوبة إذا کانت الملکة المذکورة باقیة.
    مسألة 30 - إذا نقل شخصٌ فتوی المجتهد خطأً یجب علیه إعلام من تعلّم منه.
    مسألة 31 - إذا اتّفق فی أثناءالصلاة مسألةٌ لایعلم حکمها ولم یتمکّن حینئذٍ من استعلامها بنی علی أحد الطرفین بقصد أن یسأل عن الحکم بعد الصلاة وأن یعیدها إذا ظهر کون المأتیّ به خلاف الواقع، فلو فعل کذلک فظهرت المطابقة صحّت صلاته.
    مسألة 32 - الوکیل فی عمل عن الغیر - کإجراء عقد أو إیقاع أو أداء خمس أو زکاة أو کفّارة أو نحوها - یجب علیه أن یعمل بمقتضی تقلید الموکّل لا تقلید نفسه إذا کانا مختلفین؛ و أمّا الأجیر عن الوصیّ أو الولیّ فی إتیان الصلاة ونحوها عن المیّت فالأقوی لزوم مراعاة تقلیده، لا تقلید المیّت ولا تقلیدهما؛ وکذا لو أتی الوصیّ بها تبرّعا أو استیجارا یجب علیه مراعاة تقلیده لا تقلید المیّت؛وکذا الولیّ.
    مسألة 33 - إذا وقعت معاملة بین شخصین و کان أحدهما مقلّدا لمن یقول بصحّتها والآخر مقلّدا لمن یقول ببطلانها یجب علی کلّ منهما مراعاة فتوی مجتهده، فلو وقع النزاع بینهما یترافعان عند أحد المجتهدین أو عند مجتهد آخر، فیحکم بینهما علی طبق فتواه وینفذ حکمه علی الطرفین. وکذا الحال فی ما إذا وقع إیقاعٌ متعلّقٌ بشخصین، کالطلاق والعتق ونحوهما.
    مسألة 34 - الاحتیاط المطلق فی مقام الفتوی من غیر سبق فتوی علی خلافه أو لحوقها کذلک لا یجوز ترکه، بل یجب إمّا العمل بالاحتیاط أو الرجوع إلی الغیر: الأعلم فالأعلم؛ وأمّا إذا کان الاحتیاط فی الرسائل العملیّة مسبوقا بالفتوی علی خلافه کما لو قال بعد الفتوی فی المسألة: «وإن کان الأحوط کذا» أو ملحوقا بالفتوی علی خلافه کأن یقول: «الأحوط کذا وإن کان الحکم کذا» أو «وإن کان الأقوی کذا» أو کان مقرونا بما یظهر منه الاستحباب کأن یقول: «الأولی والأحوط کذا» جاز فی الموارد الثلاثة ترک الاحتیاط.
  • كتاب الطهارة
    • احكام المياه

       

      فصل في المياه

      الماء إمّا مطلق، أو مضاف كالمعتصر من الأجسام، كماء الرَقّي والرمّان، والممتزج بغيره ممّا يخرجه عن صدق اسم الماء، كماء السكّر والملح.
      والمطلق أقسام: الجاري والنابع بغير جريان، والبئر، والمطر، والواقف، ويقال له:الراكد.
      مسألة ۱ - الماء المضاف طاهر في نفسه، وغير مطهّر لا من الحدث ولا من الخبث. ولو لاقى نجسا ينجس جميعه ولو كان ألف كرّ. نعم، إذا كان جاريا من العالي إلى السافل - ولو بنحو الانحدار مع الدفع بقوّة - ولاقى أسفله النجاسة تختصّ بموضع الملاقاة وما دونه، ولا تسري إلى الفوق.
      مسألة ۲ - الماء المطلق لا يخرج بالتصعيد عن الإطلاق. نعم، لو مزج معه غيره وصعّد ربما يصير مضافا، كماء الورد ونحوه، كما أنّ المضاف المصعّد قد يكون مضافا. والمناط هو حال الاجتماع بعد التصعيد، فربما يكون المصعّد الأجزاء المائيّة وبعد الاجتماع يكون ماءً مطلقا، وربما يكون مضافا.
      مسألة ۳ - إذا شكّ في مائع أنّه مطلق أو مضاف: فإن علم حالته السابقة يبني عليها إلّا في بعض الفروض، كالشبهة المفهوميّة والشكّ في بقاء الموضوع، وإن لم يعلم حالته السابقة فلا يرفع حدثا ولا خبثا. وإذا لاقى النجاسة: فإن كان قليلا ينجس قطعا، وإن كان كثيرا فالظاهر أنّه يحكم بطهارته.
      مسألة 4 - الماء المطلق بجميع أقسامه يتنجّس في ما إذا تغيّر بسبب ملاقاة النجاسة أحد أوصافه: اللون والطعم والرائحة، ولا يتنجّس في ما إذا تغيّر بالمجاورة، كما إذا كان قريبا من جيفة فصار جائفا. نعم، إذا وقعت الجيفة خارج الماء ووقع جزء منها فيه وتغيّر بسبب المجموع من الداخل والخارج تنجّس.
      مسألة 5 - المعتبر تأثّر الماء بأوصاف النجاسة لا المتنجّس، فإذا احمرّ الماء بالبَقّم المتنجّس لا ينجس إذا كان كرّا أو جاريا أو نحوهما.
      مسألة 6 - المناط تغيّر أحد الأوصاف الثلاثة بسبب النجاسة وإن كان من غير سنخ النجس، فلو اصفرّ الماء - مثلا - بوقوع الدم فيه تنجّس.
      مسألة 7 - لو وقع في الماء المعتصم متنجّس حامل لوصف النجس بوقوعه فيه فغيّره بوصف النجس لم يتنجّس على الأقوى، كما إذا وقعت ميتة في ماء فغيّرت ريحه ثمّ اُخرجت منه وصُبّ ذلك الماء في كرّ فغيّر ريحه. نعم، لو حمل المتنجّس أجزاء النجس فتغيّر المعتصم بها تنجّس.
      مسألة 8 - الماء الجاري - وهو النابع السائل - لا ينجس بملاقاة النجس، كثيرا كان أو قليلا. ويلحق به النابع الواقف كبعض العيون. وكذلك البئر على الأقوى؛ فلا ينجس المياه المزبورة إلّا بالتغيّر.
      مسألة 9 - الراكد المتّصل بالجاري حكمه حكم الجاري؛ فالغدير المتّصل بالنهر بساقية ونحوها كالنهر، وكذا أطراف النهر وإن كان ماؤها واقفا.
      مسألة 10 - يطهر الجاري وما في حكمه لو تنجّس بالتغيّر إذا زال تغيّره ولو من قِبَل نفسه وامتزج بالمعتصم.
      مسألة 11 - الراكد بلا مادّة ينجس بملاقاة النجاسة إذا كان دون الكرّ، سواء كان واردا عليها أو مورودا. ويطهر بالامتزاج بماء معتصم، كالجاري والكرّ وماء المطر. والأقوى عدم الاكتفاء بالاتّصال بلا امتزاج.
      مسألة 12 - إذا كان الماء قليلا وشكّ في أنّ له مادّة أم لا: فإن كان في السابق ذامادّة وشكّ في انقطاعها يبني على الحالة الاُولى، وإلّا فلا، لكن مع ملاقاته للنجاسة يحكم بطهارته على الأقوى.
      مسألة 13 - الراكد إذا بلغ كرّا لاينجس بالملاقاة إلّا بالتغيّر. وإذا تغيّر بعضه: فإن كان الباقي بمقدار كرّ يبقى غير المتغيّر على طهارته، ويطهر المتغيّر إذا زال تغيّره بالامتزاج بالكرّ الباقي، وإذا كان الباقي دون الكرّ ينجس الجميع.
      مسألة 14 - للكرّ تقديران: أحدهما بحسب الوزن، وهو ألف ومائتا رطل عراقيّ، وهو بحسب حُقّة كربلاء والنجف المشرّفتين - وهي عبارة عن تسعمائة وثلاثة وثلاثين مثقالا و ثلث مثقال - خمس و ثمانون حقّة وربع ونصف ربع بقّاليّ ومثقالان ونصف مثقال صيرفيّ، وبحسب حقّة إسلامبول - وهي مائتان وثمانون مثقالًا - مائتا حقّة واثنتان وتسعون حقّة ونصف حقّة، وبحسب المنّ الشاهيّ -وهو ألف ومائتان وثمانون مثقالا- يصير أربعة وستّين منّا إلّا عشرين مثقالا، وبحسب المنّ التبريزيّ يصير مائة وثمانية وعشرين منّا إلّا عشرين مثقالًا، وبحسب منّ البمبئيّ - وهو أربعون سيرا، وكلّ سير سبعون مثقالا - يصير تسعة وعشرين منّا وربع منّ، وبحسب الكيلوالمتعارف (384) إلّا عشرين مثقالا أو 383/906/25 غراما على الأقرب.(۱)
      وثانيهما: بحسب المساحة، وهو ما بلغ ثلاثة وأربعين شبرا إلّا ثمن شبر على الأحوط، بل لا يخلو من قوّة.
      مسألة 15 - الماء المشكوك كرّيّته إن علم حالته السابقة يبني على تلك الحالة، وإلّا فالأقوى عدم تنجّسه بالملاقاة وإن لم يجر عليه سائر أحكام الكرّ.
      مسألة 16 - إذا كان الماء قليلاً فصار كرّا وقد علم ملاقاته للنجاسة ولم يعلم سبق الملاقاة على الكرّيّة أو العكس يحكم بطهارته، إلّا إذا علم تاريخ الملاقاة دون الكرّيّة. وأمّا إذا كان كرّا فصار قليلا وقد علم ملاقاته للنجاسة ولم يعلم سبق الملاقاة على القلّة أو العكس فالظاهر الحكم بطهارته مطلقا حتّى في ما إذا علم تاريخ القلّة.
      مسألة 17 - ماء المطر حال نزوله من السماء كالجاري، فلا ينجس ما لم يتغيّر. والأحوط اعتبار كونه بمقدار يجري على الأرض الصلبة وإن كان كفاية صدق المطر عليه لا يخلو من قوّة.
      مسألة 18 - المراد بماء المطر - الّذي لا يتنجّس إلّا بالتغيّر - القطرات النازلة والمجتمع منها تحت المطر حال تقاطره عليه، وكذا المجتمع المتّصل بما يتقاطر عليه المطر؛ فالماء الجاري من الميزاب تحت سقف حال عدم انقطاع المطر كالماء المجتمع فوق السطح المتقاطر عليه المطر.
      مسألة 19 - يطهّر المطر كلّ ما أصابه من المتنجّسات القابلة للتطهير: من الماء والأرض والفرش والأواني. والأقوى اعتبار الامتزاج في الأوّل، ولا يحتاج في الفرش و نحوه إلى العصر والتعدّد، بل لا يحتاج في الأواني أيضا إلى التعدّد. نعم، إذا كان متنجّسا بولوغ الكلب فالأقوى لزوم التعفير أوّلا ثمّ يوضع تحت المطر، فإذا نزل عليه يطهر من دون حاجة إلى التعدّد.
      مسألة 20 - الفراش النجس إذا وصل إلى جميعه المطر ونفذ في جميعه يطهر ظاهرا وباطنا، ولو أصاب بعضه يطهر ما أصابه، ولو أصاب ظاهره ولم ينفذ فيه يطهر ظاهره فقط.
      مسألة 21 - إذا كان السطح نجسا فنفذ فيه الماء وتقاطر من السقف حال نزول المطر يكون طاهرا وإن كان عين النجس موجودا على السطح وكان الماء المتقاطر مارّا عليها؛ وكذلك المتقاطر بعد انقطاع المطر إذا احتمل كونه من الماء المحتبس في أعماق السقف أو كونه غير مارّ على عين النجس ولا على ما تنجّس بها بعد انقطاع المطر. وأمّا لو علم أنّه من المارّ على أحدهما بعد انقطاعه يكون نجسا.
      مسألة 22 - الماء الراكد النجس يطهر بنزول المطر عليه وامتزاجه به، وبالاتّصال بماء معتصم - كالكرّ والجاري - والامتزاج به. ولا يعتبر كيفيّة خاصّة في الاتّصال، بل المدار مطلقه ولو بساقية أو ثقب بينهما، كما لا يعتبر علوّ المعتصم أو تساويه مع الماء النجس. نعم، لو كان النجس جاريا من الفوق على المعتصم فالظاهر عدم الكفاية في طهارة الفوقانيّ في حال جريانه عليه.
      مسألة 23 - الماء المستعمل في الوضوء لا إشكال في كونه طاهرا ومطهّرا للحدث والخبث، كما لا إشكال في كون المستعمل في رفع الحدث الأكبر طاهرا ومطهّرا للخبث، بل الأقوى كونه مطهّرا للحدث أيضا.
      مسألة 24 - الماء المستعمل في رفع الخبث المسمّى بالغسالة نجس مطلقا.
      مسألة 25 - ماء الاستنجاء - سواء كان من البول أو الغائط - طاهر إذا لم يتغيّر أحد أوصافه الثلاثة، ولم يكن فيه أجزاء متميّزة من الغائط، ولم يتعدّ فاحشا على وجه لايصدق معه الاستنجاء، ولم تصل إليه نجاسة من خارج. ومنه ما إذا خرج مع البول أو الغائط نجاسة اُخرى - مثل الدم - حتّى ما يعدّ جزءا منهما على الأحوط.
      مسألة 26 - لا يشترط في طهارة ماء الاستنجاء سبق الماء على اليد وإن كان أحوط.
      مسألة 27 - إذا اشتبه نجس بين أطراف محصورة - كإناء في عشرة - يجب الاجتناب عن الجميع. وإذا لاقى بعض أطرافه شي ء وكانت الحالة السابقة في ذلك البعض النجاسة فالأحوط - لو لم يكن الأقوى - الحكم بنجاسة الملاقي، ومع عدمها ففيه تفصيل.
      مسألة 28 - لو اُريق أحد الإناءين المشتبهين يجب الاجتناب عن الآخر.


      ۱- في طبعة نشرآثارالإمام ورد هكذا: «وبحسب الكيلوالمتعارف(377/419)على الأقرب».
    • التخلى
      • فصل في أحكام التخلى

         

        فصل في أحكام التخلّي

        مسألة ۱ - يجب في حال التخلّي كسائر الأحوال ستر العورة عن الناظر المحترم، رجلا كان أو امرأة، حتّى المجنون والطفل المميّزين، كما يحرم النظر إلى عورة الغير ولو كان المنظور مجنونا أو طفلا مميّزا. نعم، لايجب سترها عن غير المميّز، كما يجوز النظر إلى عورة الطفل غير المميّز. وكذا الحال في الزوجين والمالك ومملوكته ناظرا ومنظورا. وأمّا المالكة ومملوكها فلا يجوز لكلّ منهما النظر إلى عورة الآخر، بل إلى سائر بدنه أيضا على الأظهر. والعورة في المرأة هنا القبل والدبر، وفي الرجل هما مع البيضتين، وليس منها الفخذان ولا الأليتان(۱)، بل ولا العانة ولا العجان. نعم، في الشعر النابت أطراف العورة الأحوط الاجتناب ناظرا ومنظورا. ويستحبّ ستر السرّة والرُكبة وما بينهما.
        مسألة ۲ - يكفي الستر بكلّ ما يستر ولو بيده أو يد زوجته مثلاً.
        مسألة ۳ - لا يجوز النظر إلى عورة الغير من وراء الزجاج، بل ولا في المرآة والماء الصافي.
        مسألة 4 - لو اضطُرّ إلى النظر إلى عورة الغير - كما في مقام العلاج - فالأحوط أن ينظر إليها في المرآة المقابلة لها إن اندفع الاضطرار بذلك، وإلّا فلابأس.
        مسألة 5 - يحرم في حال التخلّي استدبار القبلة واستقبالها بمقاديم بدنه، وهي الصدر والبطن وإن أمال العورة عنها. والميزان هو الاستدبار والاستقبال العرفيّان، والظاهر عدم دخل الركبتين فيهما. والأحوط ترك الاستقبال بعورته فقط وإن لم تكن مقاديم بدنه إليها. والأحوط حرمتهما حال الاستبراء، بل الأقوى لو خرج معه القطرات. ولا ينبغي ترك الاحتياط في حال الاستنجاء وإن كان الأقوى عدم حرمتهما فيه. ولو اضطُرّ إلى أحدهما تخيّر، والأحوط اختيار الاستدبار. ولو دار أمره بين أحدهما و ترك الستر عن الناظر المحترم اختار الستر. ولو اشتبهت القبلة بين الجهات ولم يمكن له الفحص ويتعسّر عليه التأخير إلى أن تتّضح القبلة يتخيّر بينها، ولا يبعد لزوم العمل بالظنّ لو حصل له.


         ۱- هكذا في جميع الطبعات. والصحيح: «الأليان» بدون التاء.
      • فصل في الاستنجاء

         

        فصل في الاستنجاء

        مسألة ۱ - يجب غسل مخرج البول بالماء مرّتين على الأحوط، وإن كان الأقوى كفاية المرّة في الرجل مع الخروج عن مخرجه الطبيعيّ، والأفضل ثلاث. ولا يجزي غير الماء. ويتخيّر في مخرج الغائط بين الغسل بالماء والمسح بشي ء قالع للنجاسة، كالحجر والمدر والخرق وغيرها، والغسل أفضل، والجمع بينهما أكمل. ولا يعتبر في الغسل التعدّد، بل الحدّ النقاء، بل الظاهر في المسح أيضا كذلك وإن كان الأحوط الثلاث وإن حصل النقاء بالأقلّ، وإن لم يحصل بالثلاث فإلى النقاء. ويعتبر في ما يمسح به الطهارة، فلا يجزي النجس ولا المتنجّس قبل تطهيره. ويعتبر أن لا يكون فيه رطوبة سارية، فلا يجزي الطين والخرقة المبلولة. نعم، لا تضرّ النداوة الّتي لا تسري.
        مسألة ۲ - يجب في الغسل بالماء إزالة العين والأثر - أعني الأجزاء الصغار الّتي لا تُرى - وفي المسح يكفي إزالة العين، ولا يضرّ بقاء الأثر.
        مسألة ۳ - إنّما يُكتفى بالمسح في الغائط إذا لم يتعدّ المخرج على وجه لايصدق عليه الاستنجاء، وأن لا يكون في المحلّ نجاسة من الخارج، حتّى إذا خرج مع الغائط نجاسة اُخرى كالدم يتعيّن الماء.
        مسألة 4 - يحرم الاستنجاء بالمحترمات، وكذا بالعظم والروث على الأحوط. ولو فعل فحصول الطهارة محلّ إشكال، خصوصا في العظم والروث، بل حصول الطهارة مطلقا - حتّى في الحجر ونحوه - محلّ إشكال. نعم، لا إشكال في العفو في غير ما ذكر.
        مسألة 5 - لا يجب الدلك باليد في مخرج البول. نعم، لو احتمل خروج المذي معه فالأحوط الدلك.

      • فصل في الاستبراء

         

        فصل في الاستبراء

        وكيفيّته على الأحوط الأولى أن يمسح بقوّةٍ ما بين المقعد وأصل الذكر ثلاثا، ثمّ يضع سبّابته - مثلا - تحت الذكر وإبهامه فوقه و يمسح بقوّة إلى رأسه ثلاثا، ثمّ يعصر رأسه ثلاثا، فإذا رأى بعده رطوبةً مشتبهةً - لا يدري أنّها بول أو غيره - يحكم بطهارتها وعدم ناقضيّتها للوضوء لو توضّأ قبل خروجها، بخلاف ما إذا لم يستبرئ، فإنّه يحكم بنجاستها وناقضيّتها. وهذا هو فائدة الاستبراء. ويلحق به في الفائدة المزبورة على الأقوى طول المدّة وكثرة الحركة بحيث يقطع بعدم بقاء شي ء في المجرى وأنّ البلل المشتبه نزل من الأعلى، فيحكم بطهارته وعدم ناقضيّته.
        مسألة 1 - لا يلزم المباشرة في الاستبراء، فيكفي إن باشره غيره، كزوجته أو مملوكته.
        مسألة 2 - إذا شكّ في الاستبراء يبني على عدمه ولومضت مدّةوكان من عادته. نعم، لو استبرأ وشكّ بعد ذلك أنّه كان على الوجه الصحيح أم لا بنى على الصحّة.
        مسألة 3 - إذا شكّ من لم يستبرئ في خروج الرطوبة وعدمه بنى على عدمه، كما إذا رأى في ثوبه رطوبةً مشتبهةً - لا يدري أنّها خرجت منه أو وقعت عليه من الخارج - فيحكم بطهارتها وعدم انتقاض الوضوء بها.
        مسألة 4 - إذا علم أنّ الخارج منه مذي ولكن شكّ في أنّه خرج معه بول أم لا؟ لا يحكم عليه بالنجاسة ولا الناقضيّة، إلّا أن يصدق عليه الرطوبة المشتبهة، كأن يشكّ في أنّ هذا الموجود هل هو بتمامه مذي أو مركّب منه ومن البول.
        مسألة 5 - إذا بال وتوضّأ ثمّ خرجت منه رطوبة مشتبهة بين البول والمنيّ: فإن استبرأ بعد البول يجب عليه الاحتياط بالجمع بين الوضوء والغسل، وإن لم يستبرئ فالأقوى جواز الاكتفاء بالوضوء، وإن خرجت الرطوبة المشتبهة قبل أن يتوضّأ يكتفي بالوضوء خاصّة، ولايجب عليه الغسل، سواءاستبرأ بعدالبول أم لا.

    • فصل في الوضوء
    •  

      فصل في الوضوء

      والكلام في واجباته وشرائطه وموجباته وغاياته وأحكام الخلل:

      • القول في الواجبات

         

        القول في الواجبات

        مسألة ۱ - الواجب في الوضوء: غسل الوجه واليدين ومسح الرأس والقدمين. والمراد بالوجه ما بين قصاص الشعر وطرف الذقن طولا وما دارت عليه الإبهام والوسطى من متناسب الأعضاء عرضا، وغيره يرجع إليه؛ فما خرج عن ذلك لا يجب غسله. نعم، يجب غسل شي ء ممّا خرج عن الحدّ المذكور مقدّمةً لتحصيل اليقين بغسل تمام ما اشتمل عليه الحدّ.
        مسألة 2 - يجب على الأحوط أن يكون الغسل من أعلى الوجه. ولا يجوز على الأحوط الغسل منكوسا. نعم، لوردّ الماء منكوسا ولكن نوى الغسل من الأعلى برجوعه جاز.
        مسألة 3 - لا يجب غسل ما استرسل من اللحية، أمّا ما دخل منها في حدّ الوجه فيجب غسله. والواجب غسل الظاهر منه، من غير فرق بين الكثيف والخفيف مع صدق إحاطة الشعر بالبشرة وإن كان التخليل في الثاني أحوط. وأمّا اليدان فالواجب غسلهما من المرفقين إلى أطراف الأصابع. ويجب غسل شي ء من العضد للمقدّمة كالوجه. ولا يجوز ترك شي ء من الوجه أو اليدين بلا غسل ولو مقدار مكان شعرة.
        مسألة 4 - لا يجب غسل شي ء من البواطن - كالعين والأنف - وما لا يظهر من الشفتين بعد الانطباق؛ كما لا يجب غسل باطن الثقبة الّتي في الأنف موضع الحلقة، سواء كانت الحلقة فيها أم لا.
        مسألة 5 - لا يجب إزالة الوسخ تحت الأظفار، إلّاماكان معدودا من الظاهر؛ كما أنّه لو قصّ أظفاره فصار ما تحتها ظاهرا وجب غسله بعد إزالة الوسخ عنه.
        مسألة 6 - إذا انقطع لحم من اليدين أو الوجه وجب غسل ما ظهر بعد القطع، ويجب غسل ذلك اللحم أيضا وإن كان اتّصاله بجلدة رقيقة.
        مسألة 7 - الشقوق الّتي تحدث على ظهر الكفّ إن كانت وسيعةً يرى جوفها وجب إيصال الماء إليها، وإلّا فلا.
        مسألة 8 - ما يعلو البشرة - مثل الجدريّ - عند الاحتراق مادام باقيا يكفي غسل ظاهره وإن انخرق، ولا يجب إيصال الماء تحت الجلدة، بل لو قطع بعض الجلدة وبقي البعض الآخر يكفي غسل ظاهر ذلك البعض، ولا يجب قطعها بتمامها، ولو ظهر ما تحت الجلدة بتمامه لكنّ الجلدة متّصلة قد تلصق وقد لا تلصق يجب غسل ماتحتها، وإن كانت لاصقةً يجب رفعها أو قطعها.
        مسألة 9 - يصحّ الوضوء بالارتماس مع مراعاة الأعلى فالأعلى، لكن في اليد اليسرى لابدّ من أن يقصد الغسل حال الإخراج حتّى لا يلزم المسح بماء جديد، بل وكذا في اليمنى، إلّا أن يبقي شيئا من اليسرى ليغسله باليمنى حتّى يكون ما يبقى عليها من ماء الوضوء.
        مسألة10 - يجب رفع ما يمنع وصول الماء، أو تحريكه بحيث يصل الماء إلى ما تحته. ولو شكّ في وجود الحاجب لم يلتفت إذا لم يكن له منشأ عقلائيّ. ولو شكّ في شي ء أنّه حاجب وجب إزالته أو إيصال الماء إلى ما تحته.
        مسألة 11 - ما ينجمد على الجرح عند البرء ويصير كالجلدة لا يجب رفعه، ويجزي غسل ظاهره وإن كان رفعه سهلا. وأمّا الدواء الّذي انجمد عليه فمادام لم يمكن رفعه يكون بمنزلة الجبيرة يكفي غسل ظاهره، وإن أمكن رفعه بسهولة وجب.
        مسألة 12 - لا يجب إزالة الوسخ على البشرة إن لم يكن جرما مرئيّا - وإن كان عند المسح بالكيس يجتمع ويكون كثيرا - مادام يصدق عليه غسل البشرة؛ وكذا مثل البياض الّذي يتبيّن على اليد - من الجصّ ونحوه - مع صدق غسل البشرة. ولو شكّ في كونه حاجبا وجب إزالته.
        وأمّا مسح الرأس فالواجب مسح شي ء من مقدّمه، والأحوط عدم الاجتزاء بما دون عرض إصبع، وأحوط منه مسح مقدار ثلاثة أصابع مضمومة، بل الأولى كون المسح بالثلاثة. والمرأة كالرجل في ذلك.
        مسألة 13 - لا يجب كون المسح على البشرة، فيجوز على الشعر النابت على المقدّم. نعم، إذا كان الشعر الّذي منبته مقدّم الرأس طويلا - بحيث يتجاوز بمدّه عن حدّه - لا يجوز المسح على ذلك المقدار المتجاوز، سواء كان مسترسلا أو مجتمعا في المقدّم.
        مسألة 14 - يجب أن يكون المسح بباطن الكفّ الأيمن على الأحوط وإن كان الأقوى جوازه بظاهره. ولا يتعيّن الأيمن على الأقوى. والجواز بالذراع لايخلو من وجه. والأولى المسح بأصابع الأيمن. ويجب أن يكون المسح بما بقي في يده من نداوة الوضوء، فلا يجوز استيناف ماء جديد.
        مسألة 15 - يجب جفاف الممسوح على وجه لا ينتقل منه أجزاء الماء إلى الماسح. وأمّا مسح القدمين فالواجب مسح ظاهرهما من أطراف الأصابع إلى المفصل على الأحوط طولا وإن كان الأقوى كفايته إلى الكعب، وهو قبّة ظهر القدم. ولا تقدير للعرض، فيُجزي ما يتحقّق به اسم المسح، والأفضل بل الأحوط أن يكون بتمام الكفّ. وما تقدّم في مسح الرأس من جفاف الممسوح وكون المسح بما بقي في يده من نداوة الوضوء يجري في القدمين أيضا.
        مسألة 16 - الأحوط المسح بباطن الكفّ. وإن تعذّر مسح بظاهرها. وإن تعذّر مسح بذراعه وإن كان الأقوى جوازه بظاهرها بل بالذراع اختيارا.
        مسألة 17 - إذا جفّت رطوبة اليد أخذ من سائر مواضع الوضوء - من حاجبه أو لحيته أو غيرهما - ومسح بها؛ وإن لم يمكن الأخذ منها أعاد الوضوء؛ ولو لم تنفع الإعادة من جهة حرارة الهواء أو البدن - بحيث كلّما توضّأ جفّ ماء وضوئه - مسح بالماء الجديد. والأحوط الجمع بين المسح باليد اليابسة ثمّ بالماء الجديد ثمّ التيمّم.
        مسألة 18 - لابدّ في المسح من إمرار الماسح على الممسوح، فلو عكس لم يجز. نعم، لا تضرّ الحركة اليسيرة في الممسوح.
        مسألة 19 - لا يجب في مسح القدمين وضع أصابع الكفّ - مثلا - على أصابعهما وجرّها إلى الحدّ، بل يجزي أن يضع تمام كفّه على تمام ظهر القدم ثمّ يجرّها قليلا بمقدار يصدق عليه المسح.
        مسألة 20 - يجوز المسح على القناع والخفّ والجورب وغيرها عند الضرورة: من تقيّة أو برد أو سبع أو عدوّ ونحو ذلك ممّا يخاف بسببه من رفع الحائل. ويعتبر في المسح على الحائل كلّ ما اعتبر في مسح البشرة: من كونه بالكفّ وبنداوة الوضوء وغير ذلك.

      • القول في شرائط الوضوء

         

        القول في شرائط الوضوء

        مسألة ۱ - شرائط الوضوء اُمور:
        منها: طهارة الماء، وإطلاقه، وإباحته، وطهارة المحلّ المغسول والممسوح، ورفع الحاجب عنه، والأحوط اشتراط إباحة المكان - أي الفضاء الّذي يقع فيه الغسل والمسح - وكذا إباحة المصبّ إن عُدّ الصبّ تصرّفا في المغصوب عرفا أو جزءا أخيرا للعلّة التامّة، وإلّا فالأقوى عدم البطلان، بل عدم البطلان مطلقا فيه وفي غصبيّة المكان لا يخلو من قوّة، وكذا إباحة الآنية مع الانحصار، بل و مع عدمه أيضا إذا كان الوضوء بالغمس فيها لا بالاغتراف منها، وعدم المانع من استعمال الماء: من خوف مرض، أو عطش على نفسه أو نفس محترمة، ونحو ذلك ممّا يجب معه التيمّم؛ فلو توضّأ والحال هذه بطل.
        مسألة ۲ - المشتبه بالنجس بالشبهةالمحصورةكالنجس في عدم جوازالتوضّؤ به، فإذا انحصر الماء في المشتبهين يتيمّم للصلاة حتّى مع إمكان أن يتوضّأ بأحدهما ويصلّي، ثمّ يغسل محالّ الوضوء بالآخر، ثمّ يتوضّأ به ويعيد صلاته ثانيا.
        مسألة ۳ - لو لم يكن عنده إلّا ماء مشكوك إضافته وإطلاقه: فلو كان حالته السابقة الإطلاق يتوضّأ به، ولو كانت الإضافة يتيمّم، ولو لم يعلم الحالة السابقة يجب الاحتياط بالجمع بين الوضوء والتيمّم.
        مسألة 4 - لو اشتبه مضاف في محصور ولم يكن عنده ماء آخر يجب عليه الاحتياط بتكرار الوضوء على نحو يعلم التوضّؤ بماء مطلق. والضابط أن يزاد عدد الوضوءات على عدد المضاف المعلوم بواحد.
        مسألة 5 - المشتبه بالغصب كالغصب لا يجوز الوضوء به، فإذا انحصر الماء به تعيّن التيمّم.
        مسألة 6 - طهارة الماء وإطلاقه شرط واقعيّ يستوي فيهما العالم والجاهل؛ بخلاف الإباحة، فلو توضّأ بماء مغصوب مع الجهل بغصبيّته أو نسيانها صحّ وضوؤه، حتّى أنّه لو التفت إلى الغصبيّة في أثنائه صحّ ما مضى من أجزائه ويتمّ الباقي بماء مباح. وإذا التفت إليها بعد غسل اليد اليسرى هل يجوز المسح بما في يده من الرطوبة ويصحّ وضوؤه أم لا؟ وجهان، بل قولان. ولا يبعد التفصيل بين كون ما في اليد أجزاءً مائيّةً تعدّ ماءً عرفا وكونه محض الرطوبة الّتي كأنّها من الكيفيّات عرفا، فيصحّ في الثاني دون الأوّل. وكذا الحال في ما إذا كان على محالّ وضوئه رطوبة من ماء مغصوب وأراد أن يتوضّأ بماء مباح قبل جفاف الرطوبة.
        مسألة 7 - يجوز الوضوء و الشرب و سائر التصرّفات اليسيرة - ممّاجرت السيرة عليه - من الأنهار الكبيرة من القنوات وغيرها وإن لم يعلم رضى المالكين، بل وإن كان فيهم الصغار والمجانين. نعم، مع النهي منهم أو من بعضهم يشكل الجواز. وإذا غصبها غاصب يبقى الجواز لغيره دونه.
        مسألة 8 - لو كان ماء مباح في إناء مغصوب لا يجوز الوضوء منه بالغمس فيه مطلقا، وأمّا بالاغتراف منه فلا يصحّ مع الانحصار به ويتعيّن التيمّم. نعم، لو صبّه في الإناء المباح صحّ. ولو تمكّن من ماء آخر مباح صحّ بالاغتراف منه وإن فعل حراما من جهة التصرّف في الإناء.
        مسألة 9 - يصحّ الوضوء تحت الخيمة المغصوبة، بل في البيت المغصوب إذا كانت أرضه مباحة.
        مسألة 10- لا يجوز الوضوء من حياض المساجد والمدارس ونحوهما في صورة الجهل بكيفيّة الوقف واحتمال شرط الواقف عدم استعمال غير المصلّين والساكنين منها ولو لم يزاحمهم. نعم، إذا جرت السيرة والعادة على وضوء غيرهم منها من غير منع منهم صحّ.
        مسألة 11 - الوضوء من آنية الذهب والفضّة كالوضوء من الآنية المغصوبة على الأحوط، فيأتي فيها التفصيل المتقدّم. ولو توضّأ منها جهلاً أو نسيانا بل مع الشكّ في كونها منهما صحّ ولو بنحو الرمس أو الاغتراف مع الانحصار.
        مسألة 12 - إذا شكّ في وجود الحاجب قبل الشروع في الوضوء أو في الأثناء لا يجب الفحص، إلّا إذا كان منشأ عقلائيّ لاحتماله، وحينئذٍ يجب حتّى يطمئنّ بعدمه. وكذا يجب في ما إذا كان مسبوقا بوجوده. ولو شكّ بعد الفراغ في أنّه كان موجودا أم لا بنى على عدمه وصحّة وضوئه. وكذا إذا كان موجودا وكان ملتفتا حال الوضوء أو احتمل الالتفات وشكّ بعده في أنّه أزاله أو أوصل الماء تحته أم لا بنى على صحّته. وكذا إذا علم بوجود الحاجب وشكّ في أنّه كان موجودا حال الوضوء أو طرأ بعده. نعم، لو علم بوجود شي ء في حال الوضوء ممّا يمكن أن لا يصل الماء تحته - و قد يصل وقد لا يصل - كالخاتم وقد علم أنّه لم يكن ملتفتا إليه حين الغسل أو علم أنّه لم يحرّكه ومع ذلك شكّ في أنّه وصل الماء تحته من باب الاتّفاق أم لا؟ يشكل الحكم بالصحّة، بل الظاهر وجوب الإعادة.
        مسألة 13 - لو كان بعض محالّ الوضوء نجسا فتوضّأ وشكّ بعده في أنّه طهّره قبل الوضوء أم لا؟ يحكم بصحّته، لكن يبني على بقاء نجاسة المحلّ، فيجب غسله للأعمال الآتية. نعم، لو علم بعدم التفاته حال الوضوء يجب الإعادة على الظاهر.
        ومنها: المباشرة اختيارا، ومع الاضطرار جاز بل وجب الاستنابة، فيوضّئه الغير وينوي هو الوضوء وإن كان الأحوط نيّة الغير أيضا. وفي المسح لابدّ من أن يكون بيد المنوب عنه وإمرار النائب، وإن لم يمكن أخذ الرطوبة الّتي في يده ومسح بها. والأحوط مع ذلك ضمّ التيمّم لو أمكن.
        ومنها: الترتيب في الأعضاء، فيقدّم الوجه على اليد اليمنى، وهي على اليسرى، وهي على مسح الرأس، وهو على مسح الرجلين. والأحوط تقديم اليمنى على اليسرى، بل الوجوب لا يخلو من وجه.
        ومنها: الموالاة بين الأعضاء، بمعنى أن لا يؤخّر غسل العضو المتأخّر بحيث يحصل بسببه جفاف جميع ما تقدّم.
        مسألة 14 - إنّما يضرّ جفاف الأعضاء السابقة إذا كان بسبب التأخير وطول الزمان، وأمّا إذا تابع عرفا في الأفعال ومع ذلك حصل الجفاف بسبب حرارة الهواء أو غيرها لم يبطل وضوؤه.
        مسألة 15 - لو لم يتابع في الأفعال ومع ذلك بقيت الرطوبة من جهة البرودة ورطوبة الهواء - بحيث لو كان الهواء معتدلا لحصل الجفاف - صحّ، فالعبرة في صحّة الوضوء بأحد الأمرين: إمّا بقاء البلل حسّا، أو المتابعة عرفا.
        مسألة 16 - إذا ترك الموالاة نسيانا بطل وضوؤه، وكذا لو اعتقد عدم الجفاف ثمّ تبيّن الخلاف.
        مسألة 17 - لو لم يبق من الرطوبة إلّا في اللحية المسترسلة ففي كفايتها إشكال. وكذا إن بقيت في غيرها ممّا هو خارج عن الحدّ، كالشعر فوق الجبهة، بل هو أشكل.
        ومنها: النيّة، وهي القصد إلى الفعل، ولابدّ من أن يكون بعنوان الامتثال أو القربة. ويعتبر فيها الإخلاص، فلو ضمّ إليها ما ينافيه بطل، خصوصا الرياء، فإنّه إذا دخل في العمل على أيّ نحو أفسده. وأمّا غيره من الضمائم: فإن كانت راجحةً لايضرّ ضمّها، إلّا إذا كانت هي المقصودة بالأصل ويكون قصد امتثال الأمر الوضوئيّ تبعا، أو تركّب الداعي منهما بحيث يكون كلّ منهما جزءا للداعي، وكذا لو استقلّ الداعيان على الأحوط؛ وإن كانت مباحةً كالتبرّد يبطل بها، إلّا إذا دخلت على وجه التبعيّة وكان امتثال أمره هو المقصود الأصليّ.
        مسألة 18 - لا يعتبر في النيّة التلفّظ، ولا الإخطار في القلب تفصيلًا، بل يكفي فيها الإرادة الإجماليّة المرتكزة في النفس بحيث لو سئل عن شغله يقول: أتوضّأ، وهذه هي الّتي يسمّونها بالداعي. نعم، لو شرع في العمل ثمّ ذهل عنه وغفل بالمرّة بحيث لو سئل عن شغله بقي متحيّرا ولا يدري ما يصنع يكون عملا بلانيّة.
        مسألة 19 - كما تجب النيّة في أوّل العمل كذلك يجب استدامتها إلى آخره؛ فلو تردّد أو نوى العدم وأتمّ الوضوء على هذه الحال بطل، ولو عدل إلى النيّة الاُولى قبل فوات الموالاة وضمّ إلى ما أتى به مع النيّة بقيّة الأفعال صحّ.
        مسألة 20 - يكفي في النيّة قصد القربة، ولا تجب نيّة الوجوب أو الندب، لاوصفا ولا غايةً؛ فلا يلزم أن يقصد أنّي أتوضّأ الوضوء الواجب عليّ، بل لونوى الوجوب في موضع الندب أو العكس اشتباها بعد ما كان قاصدا للقربة والامتثال على أيّ حال كفى وصحّ.
        مسألة 21 - لا يعتبر في صحّة الوضوء نيّة رفع الحدث، ولا نيّة استباحة الصلاة وغيرها من الغايات، بل لو نوى التجديد فتبيّن كونه محدثا صحّ الوضوء، ويجوز معه الصلاة وغيرها. ويكفي وضوء واحد عن الأسباب المختلفة وإن لم يلحظها بالنيّة، بل لو قصد رفع حدث بعينه صحّ وارتفع الجميع. نعم، لوكان قصده ذلك على وجه التقييد - بحيث كان من نيّته عدم ارتفاع غيره - ففي الصحّة إشكال.

      • فصل في موجبات الوضوء

         

        فصل في نواقض الوضوء وموجباته

        مسألة 1 - الأحداث الناقضة للوضوء والموجبة له اُمور:
        الأوّل والثاني: خروج البول وما في حكمه، كالبلل المشتبه قبل الاستبراء، وخروج الغائط من الموضع الطبيعيّ، أو من غيره مع انسداد الطبيعيّ أو بدونه، كثيرا كان أو قليلا ولوبمصاحبة دود أو نواة مثلا.
        الثالث: خروج الريح عن الدُبُر إذا كان من المعدة أو الأمعاء، سواء كان له صوت ورائحة أم لا. ولا عبرة بما يخرج من قُبُل المرأة ولا بما لا يكون من المعدة أو الأمعاء، كما إذا دخل من الخارج ثمّ خرج.
        الرابع: النوم الغالب على حاسّتي السمع والبصر.
        الخامس: كلّ ما أزال العقل، مثل الجنون والإغماء والسكر ونحوها.
        السادس: الاستحاضة القليلة والمتوسّطة بل الكثيرة على الأحوط وإن أوجبتا الغسل أيضا.
        مسألة 2 - إذا خرج ماء الاحتقان ولم يكن معه شي ء من الغائط لم ينتقض الوضوء، وكذا لو شكّ في خروج شي ء معه؛ وكذلك الحال في ما إذا خرج دود أو نواة غير متلطّخ بالغائط.
        مسألة 3 - المسلوس والمبطون إن كانت لهما فترة تسع الطهارة والصلاة ولو بالاقتصار على أقلّ واجباتها انتظراها وأوقعا الصلاة في تلك الفترة، وإن لم تكن لهما تلك الفترة فإمّا أن يكون خروج الحدث في أثناء الصلاة مرّة أو مرّتين أو ثلاث - مثلا - بحيث لا حرج عليهما في التوضّؤ والبناء، وإمّا أن يكون متّصلا بحيث لو توضّ-ا بعد كلّ حدث وبنيا لزم عليهما الحرج.
        ففي الصورة الاُولى يتوضّأ المبطون ويشتغل بالصلاة ويضع الماء قريبا منه، فإذا خرج منه شي ء توضّأ بلا مهلة وبنى على صلاته، والأحوط أن يصلّي صلاةً اُخرى بوضوء واحد. والأحوط للمسلوس عمل المبطون، وإن كان جواز الاكتفاء له بوضوء واحد لكلّ صلاة - من غير التجديد في الأثناء - لا يخلو من قوّة.
        وأمّا في الصورة الثانية فالأحوط أن يتوضّ-ا لكلّ صلاة، ولا يجوز أن يصلّيا صلاتين بوضوء واحد، فريضةً كانتا أو نافلةً أو مختلفتين وإن لا يبعد عدم لزوم التجديد للمسلوس إن لم يتقاطر منه بين الصلاتين، فيأتي بوضوء واحد صلوات كثيرة ما لم يتقاطر في فواصلها وإن تقاطر في أثنائها،لكن لا ينبغي ترك الاحتياط. والأقوى إلحاق مسلوس الريح بالمبطون، بل لا يبعد دخوله فيه موضوعا.
        مسألة 4 - يجب على المسلوس التحفّظ من تعدّي بوله بكيس فيه قطن ونحوه، والظاهر عدم وجوب تغييره أو تطهيره لكلّ صلاة. نعم، الأحوط تطهير الحشفة إن أمكن من غير حرج. ويجب التحفّظ بما أمكن على المبطون أيضا، كما أنّ الأحوط له أيضا تطهير المخرج إن أمكن من غير حرج.
        مسألة 5 - لايجب على المسلوس والمبطون قضاء ما مضى من الصلوات بعد بُرئهما.نعم،الظاهروجوب إعادتهاإذابرئ في الوقت واتّسع الزمان للصلاةمع الطهارة.

      • فصل في غاياته

         

        فصل في غاياته

        غايات الوضوء ما كان وجوب الوضوء أو استحبابه لأجله، من جهة كونه شرطا لصحّته كالصلاة، أو شرطا لجوازه وعدم حرمته كمسّ كتابة القرآن، أو شرطا لكماله كقراءته، أو لرفع كراهته كالأكل حال الجنابة، فإنّه مكروه، وترتفع كراهته بالوضوء.
        أمّا الأوّل: فهو شرط للصلاة - فريضةً كانت أو نافلةً، أداءً كانت أو قضاءً، عن النفس أو الغير - ولأجزائها المنسيّة، ولسجدتي السهو على الأحوط وإن كان الأقوى عدم الاشتراط. وكذا شرط للطواف الّذي هو جزء للحجّ أو العمرة الواجبين؛ والأحوط اشتراطه في المندوبين أيضا.
        وأمّا الثاني: فهو شرط لجواز مسّ كتابةالقرآن، فيحرم مسّها على المحدث. ولا فرق بين آياته وكلماته، بل والحروف والمدّ والتشديد وأعاريبها. ويلحق بها أسماءاللّه وصفاته الخاصّة. وفي إلحاق أسماء الأنبياء والأئمّة (علیهم السلام) والملائكة تأمّل وإشكال، والأحوط التجنّب خصوصا في الاُوليين.
        مسألة 1 - لا فرق في حرمة المسّ بين أجزاء البدن ظاهرا وباطنا. نعم، لايبعد جواز المسّ بالشعر. كما لا فرق بين أنواع الخطوط حتّى المهجور منها كالكوفيّ، وكذا بين أنحاء الكتابة من الكتب بالقلم أو الطبع أو غير ذلك.
        وأمّا الثالث فهو أقسام كثيرة لا يناسب ذكرها في هذه الوجيزة. وفي كون الوضوء مستحبّا بنفسه تأمّل.
        مسألة 2 - يستحبّ للمتوضّئ أن يجدّد وضوءه، والظاهر جوازه ثالثا ورابعا فصاعدا. ولو تبيّن مصادفته للحدث يرتفع به على الأقوى، فلا يحتاج إلى وضوءآخر.

      • القول في أحكام الخلل

         

        القول في أحكام الخلل

        مسألة 1 - لو تيقّن الحدث وشكّ في الطهارة أو ظنّ بها تطهّر ولو كان شكّه في أثناء العمل، فلو دخل في الصلاة وشكّ في أثنائها في الطهارة يقطعها ويتطهّر، والأحوط الإتمام ثمّ الاستيناف بطهارة جديدة. ولو كان شكّه بعد الفراغ من العمل بنى على صحّته وتطهّر للعمل اللاحق. ولو تيقّن الطهارة وشكّ في الحدث لم يلتفت. ولو تيقّنهما وشكّ في المتأخرّ منهما تطهّر حتّى مع علمه بتاريخ الطهارة على الأقوى. هذا إذا لم يعلم الحالة السابقة على اليقين بهما، وإلّا فالأقوى هو البناء على ضدّها، فلو تيقّن الحدث قبل عروض الحالتين بنى على الطهارة، ولو تيقّن الطهارة بنى على الحدث. هذا في مجهولي التاريخ. وكذا الحال في ما إذا علم تاريخ ما هو ضدّ الحالة السابقة. وأمّا إذا علم تاريخ ما هو مثله فيبني على المُحدثيّة ويتطهّر؛ لكن لا ينبغي ترك الاحتياط في جميع الصور المذكورة. ولو تيقّن ترك غسل عضو أو مسحه أتى به وبما بعده لو لم يحصل مفسدمن فوات موالاة ونحوه، وإلّا استأنف. ولو شكّ في فعل شي ء من أفعال الوضوء قبل الفراغ منه أتى بما شكّ فيه مراعيا للترتيب والموالاة وغيرهما ممّا يعتبر فيه. والظنّ هنا كالشكّ. وكثير الشكّ لا عبرة بشكّه. كما أنّه لا عبرة بالشكّ بعد الفراغ، سواء كان شكّه في فعل من أفعال الوضوء أو في شرط من شروطه.
        مسألة 2 - إذا كان متوضّأً وتوضّأ للتجديد وصلّى ثمّ تيقّن بطلان أحد الوضوءين لا أثر لهذا العلم الإجماليّ، لا بالنسبة إلى الصلاة الّتي أوقعها ولابالنسبة إلى الصلوات الآتية؛ وأمّا إذا صلّى بعد كلّ من الوضوءين ثمّ تيقّن بطلان أحدهما فالصلاة الثانية صحيحة قطعا، كما أنّه تصحّ الصلوات الآتية ما لم ينتقض الوضوء؛ ولا يبعد الحكم بصحّة الصلاة الاُولى وإن كان الأحوط إعادتها.
        مسألة 3 - إذا توضّأ وضوءين وصلّى صلاة واحدة أو متعدّدة بعدهما ثمّ تيقّن وقوع الحدث بعد أحدهما يجب عليه الوضوء للصلوات الآتية ويحكم بصحّة الصلوات الّتي أتى بها. وأمّا لو صلّى بعد كلّ وضوء ثمّ علم بوقوع الحدث بعد أحد الوضوءين أو الوضوءات قبل الصلاة يجب عليه إعادة الصلوات. نعم، إذا كانت الصلاتان متّفقتين في العدد كالظهرين فالظاهر كفاية صلاة واحدة بقصد مافي الذمّة وإن كانت إعادتهما أحوط.

      • فصل في وضوء الجبيرة

         

        فصل في وضوء الجبيرة

        مسألة 1 - من كان على بعض أعضائه جبيرة فإن أمكن نزعُها نزعها وغسل أو مسح ما تحتها. نعم، لايتعيّن النزع لو كانت على محلّ الغسل، بل ما يجب هو إيصال الماء تحتها على نحو يحصل مسمّى الغسل بشرائطه ولو مع وجود الجبيرة. نعم، يجب النزع عن محلّ المسح. وإن لم يمكن النزع: فإن كان في موضع المسح مسح عليها، وإن كان في موضع الغسل وأمكن إيصال الماء تحتها على نحو يحصل مسمّى الغسل بشرائطه وجب، وإلّا مسح عليها.
        مسألة 2 - يجب استيعاب المسح في أعضاء الغسل. نعم، لا يلزم مسح ما يتعذّر أو يتعسّر مسحه ممّا بين الخيوط. وأمّا في أعضاء المسح يكون حال المسح على الجبيرة كمسح محلّها قدرا وكيفيّةً، فيعتبر أن يكون باليد ونداوتها، بخلاف ما كان في موضع الغسل.
        مسألة 3 - الظاهر جريان أحكام الجبيرة مع استيعابها لعضو واحد، خصوصا محلّ المسح. ولو كانت مستوعبةً لمعظم الأعضاء لا يترك الاحتياط بالجمع بين عمل الجبيرة والتيمّم إن أمكن ذلك بلا حائل وإن لا تبعد كفاية التيمّم. نعم، إذا استوعب الحائل أعضاء التيمّم أيضا ولا يمكن التيمّم على البشرة تعيّن الوضوء على الجبيرة.
        مسألة 4 - إذا وقعت الجبيرة على بعض الأطراف الصحيحة فالمقدار المتعارف - الّذي يلزمه شدّ غالب الجبائر - يُلحق بها في الحكم، فيمسح عليه؛ وإن كان أزيد من ذلك المقدار: فإن أمكن رفعُها رفعها وغسل المقدار الصحيح ثمّ وضعها ومسح عليها، وإن لم يمكن ذلك مسح عليها، ولا يترك الاحتياط بضمّ التيمّم أيضا.
        مسألة 5 - إذا لم يمكن المسح على الجبيرة من جهة النجاسة وضع خرقةً فوقها على نحو تعدّ جزءا منها ومسح عليها.
        مسألة 6 - الأقوى أنّ الجرح المكشوف الّذي لا يمكن غسله يجوز الاكتفاء بغسل ما حوله، والأحوط مع ذلك وضع خرقة عليه والمسح عليها.
        مسألة 7 - إذا أضرّ الماء بالعضو - من دون أن يكون جرح أو قرح أو كسر- يتعيّن التيمّم. نعم، لو أضرّ ببعض العضو و أمكن غسل ما حوله لا يبعد جواز الاكتفاء بغسله وعدم الانتقال إلى التيمّم. والأحوط مع ذلك ضمّ التيمّم، ولايترك هذا الاحتياط. وأحوط منه وضع خرقة والمسح عليها ثمّ التيمّم. وكذا يتعيّن التيمّم إذا كان الكسر أو الجرح في غير مواضع الوضوء ولكن استعمال الماء في مواضعه يضرّ بالكسر أو الجرح.
        مسألة 8 - في الرمد الّذي يضرّ به الوضوء يتعيّن التيمّم. ومع إمكان غسل ماحول العين بلا إضرار لا يبعد جواز الاكتفاء به على إشكال، فلا يترك الاحتياط بضمّ التيمّم إليه. ولواحتاط مع ذلك بوضع خرقة والمسح عليها ثمّ التيمّم كان حسنا.
        مسألة 9 - لو كان مانع على البشرة ولا يمكن إزالته - كالقير ونحوه - يُكتفى بالمسح عليه، والأحوط كونه على وجه يحصل أقلّ مسمّى الغسل، وأحوط من ذلك ضمّ التيمّم.
        مسألة 10 - من كان على بعض أعضائه جبيرة وحصل موجب الغسل مسح على الجبيرة وغسل المواضع الخالية عنها مع الشرائط المتقدّمة في وضوء ذي الجبيرة. والأحوط كون غسله ترتيبيّا لا ارتماسيّا.
        مسألة 11 - وضوء ذي الجبيرة وغسله رافعان للحدث لا مبيحان فقط، وكذا تيمّمه إذا كان تكليفه التيمّم.
        مسألة 12 - من كان تكليفه التيمّم وكان على أعضائه جبيرة لا يمكن رفعهإ؛*!ظظ مسح عليها. وكذا في ما إذا كان حائل آخر لا يمكن إزالته.
        مسألة 13 - إذا ارتفع عذر صاحب الجبيرة لا يجب عليه إعادة الصلوات الّتي صلّاها، بل الظاهر جواز إتيان الصلوات الآتية بهذا الوضوء ونحوه.
        مسألة 14 - يجوز أن يصلّي صاحب الجبيرة أوّل الوقت مع اليأس من زوال العذر إلى آخره، ومع عدمه الأحوط التأخير.

    • فصل في الاغسال
    •  

      فصل في الأغسال

      والواجب منها ستّة: غسل الجنابة، والحيض، والاستحاضة، والنفاس، ومسّ الميّت، وغسل الأموات. والأقوى عدم الوجوب الشرعيّ في غير الأخير.

      • فصل في غسل الجنابة
      •  

        فصل في غسل الجنابة

        والكلام في سبب الجنابة، وأحكام الجنب، وواجبات الغسل:

        • القول في السبب

           

          القول في السبب

          مسألة 1 - سبب الجنابة أمران:
          أحدهما: خروج المنيّ وما في حكمه من البلل المشتبه قبل الاستبراء بالبول، كما يأتي إن شاء اللّه تعالى. والمعتبر خروجه إلى الخارج، فلو تحرّك من محلّه ولم يخرج لم يوجب الجنابة. كما أنّ المعتبر كونه منه، فلو خرج من المرأة منيّ الرجل لا يوجب جنابتها إلّا مع العلم باختلاطه بمنيّها.
          والمنيّ إن علم فلا إشكال، وإلّا رجع الصحيح في معرفته إلى اجتماع الدفق والشهوة وفتور الجسد. والظاهر كفاية حصول الشهوة للمريض والمرأة، ولا ينبغي ترك الاحتياط - سيّما في المرأة - بضمّ الوضوء إلى الغسل لو لم يكن مسبوقا بالطهارة، بل الأحوط مع عدم اجتماع الثلاث الغسل والوضوء إذا كان مسبوقا بالحدث الأصغر، والغسل وحده إن كان مسبوقا بالطهارة.
          ثانيهما: الجماع وإن لم يُنزل. ويتحقّق بغيبوبة الحشفة في القُبُل أو الدُبُر، وحصول مسمّى الدخول من مقطوعها على وجه لايخلو من قوّة؛ فيحصل حينئذٍ وصف الجنابة لكلّ منهما، من غير فرق بين الصغير والمجنون وغيرهما، ووجب الغسل عليهما بعد حصول شرائط التكليف. ويصحّ الغسل من الصبيّ المميّز، فلو اغتسل يرتفع عنه حدث الجنابة.
          مسألة 2 - لو رأى في ثوبه منيّا وعلم أنّه منه ولم يغتسل بعده يجب عليه قضاء الصلوات الّتي صلّاها بعده، وأمّا الّتي يحتمل وقوعها قبله فلا يجب قضاؤها. ولو علم أنّه منه ولم يعلم أنّه من جنابة سابقة اغتسل منها أو جنابة اُخرى لم يغتسل منها فالظاهر عدم وجوب الغسل عليه وإن كان أحوط.
          مسألة 3 - إذا تحرّك المنيّ عن محلّه - في اليقظة أو النوم بالاحتلام - لا يجب الغسل ما لم يخرج؛ فإن كان بعد دخول الوقت ولم يكن عنده ماء للغسل فلا يبعد عدم وجوب حبسه وإن لا يخلو من تأمّل مع عدم التضرّر به، فإذا خرج يتيمّم للصلاة. نعم، إذا لم يكن عنده ما يتيمّم به أيضا لا يبعد وجوب حبسه إذا كان على طهارة، إلّا إذا تضرّر به. وكذا الحال في إجناب نفسه اختيارا بعد دخول الوقت بإتيان أهله بالجماع طلبا للّذّة، فيجوز لو لم يكن عنده ماء الغسل دون ما يتيمّم به، بخلاف ما إذا لم يكن عنده ما يتيمّم به أيضا كما مرّ. وفي إتيانها لغير ما ذكر جوازه محلّ تأمّل وإن لا يبعد.

        • القول في أحكام الجنب

           

          القول في أحكام الجنب

          منها: أنّه يتوقّف على الغسل من الجنابة اُمور، بمعنى أنّه شرط في صحّتها:
          الأوّل: الصلاة بأقسامها عدا صلاة الجنازة، وكذا لأجزائها المنسيّة. والأقوى عدم الاشتراط في سجدتي السهو وإن كان أحوط.
          الثاني: الطواف الواجب، بل لا يبعد الاشتراط في المندوب أيضا.
          الثالث: صوم شهر رمضان و قضاؤه، بمعنى بطلانه إذا أصبح جنبا متعمّدا أو ناسيا للجنابة؛ وأمّا سائر أقسام الصيام فلا تبطل بالإصباح جنبا في غير الواجب منها، ولا يترك الاحتياط في ترك تعمّده في الواجب منها. نعم، الجنابة العمديّة في أثناء النهار تُبطل جميع أقسام الصيام حتّى المندوب منها، وغير العمديّة -كالاحتلام- لا يضرّ بشي ء منها حتّى صوم شهر رمضان.
          و منها: أنّه يحرم على الجنب اُمور:
          الأوّل: مسّ كتابة القرآن على التفصيل المتقدّم في الوضوء، ومسّ اسم اللّه تعالى وسائر أسمائه وصفاته المختصّة به، وكذا مسّ أسماء الأنبياء والأئمّة (علیهم السلام) على الأحوط.
          الثاني: دخول المسجد الحرام و مسجد النبيّ (صلي الله علیه وآله وسلم) وإن كان بنحو الاجتياز.
          الثالث: المكث في غير المسجدين من المساجد، بل مطلق الدخول فيها إن لم يكن مارّا، بأن يدخل من باب و يخرج من آخر أو دخل فيها لأجل أخذ شي ء منها فإنّه لا بأس به. ويلحق بها المشاهد المشرّفة على الأحوط، وأحوط من ذلك إلحاقها بالمسجدين، كما أنّ الأحوط فيها إلحاق الرواق بالروضة المشرّفة.
          الرابع: وضع شي ء في المساجد وإن كان من الخارج أو في حال العبور.
          الخامس: قراءة السور العزائم الأربع - وهي: إقرأ والنجم و الم تنزيل و حم السجدة - ولو بعض منها حتّى البسملة بقصد إحداها.
          مسألة 1 - إذا احتلم في أحد المسجدين أو دخل فيهما جنبا - عمدا أو سهوا أو جهلا - وجب عليه التيمّم للخروج، إلّا أن يكون زمان الخروج أقصر من المكث للتيمّم أو مساويا له، فحينئذٍ يخرج بدون التيمّم على الأقوى.
          مسألة 2 - لو كان جنبا وكان ما يغتسل به في المسجد يجب عليه أن يتيمّم ويدخل المسجد لأخذ الماء. ولا ينتقض التيمّم بهذا الوجدان إلّا بعد الخروج مع الماء أو بعد الاغتسال. وهل يباح بهذا التيمّم غير دخول المسجد واللبث فيه بمقدار الحاجة؟ فيه تأمّل وإشكال.
          ومنها: يكره على الجنب اُمور: كالأكل والشرب، ويرتفع كراهتهما بالوضوء الكامل، وتخفّف كراهتهما بغسل اليد والوجه والمضمضة ثمّ غسل اليدين فقط؛ وكقراءة مازاد على سبع آيات من غير العزائم، وتشتدّ الكراهة إن زاد على سبعين آية؛ وكمسّ ما عدا خطّ المصحف من الجلد والورق والهامش وما بين السطور؛ وكالنوم، وترتفع كراهته بالوضوء، وإن لم يجد الماء تيمّم بدلا عن الغسل أو عن الوضوء، وعن الغسل أفضل؛ وكالخضاب، وكذا إجناب المختضب نفسه قبل أن يأخذ اللون؛ وكالجماع لو كان جنبا بالاحتلام؛ وكحمل المصحف وتعليقه.

      • القول في واجبات الغسل

         

        القول في واجبات الغسل

        مسألة 1 - واجبات الغسل اُمور:
        الأوّل: النيّة. ويعتبر فيها الإخلاص. ولابدّ من استدامتها ولو ارتكازا.
        مسألة ۲ - لو دخل الحمّام بنيّة الغسل: فإن بقي في نفسه الداعي الأوّل وكان غمسه واغتساله بذلك الداعي بحيث لو سئل عنه حين غمسه ما تفعل؟ يقول: «أغتسل» فغسله صحيح، وقد وقع غسله مع النيّة؛ وأمّا إذا كان غافلا بالمرّة بحيث لو قيل له: ما تفعل؟ بقي متحيّرا بطل غسله، بل لم يقع منه أصلا.
        مسألة ۳ - لو ذهب إلى الحمّام ليغتسل و بعد ما خرج شكّ في أنّه اغتسل أم لا بنى على العدم؛ وأمّا لو علم أنّه اغتسل ولكن شكّ في أنّه على الوجه الصحيح أم لا بنى على الصحّة.
        الثاني: غسل ظاهر البشرة؛ فلا يجزي غيره، فيجب عليه حينئذٍ رفع الحاجب وتخليل ما لا يصل الماء إليه إلّا بتخليله. ولا يجب غسل باطن العين والأنف والاُذن وغيرها حتّى الثقبة الّتي في الاُذن والأنف للقُرط أو الحلقة، إلّا إذا كانت واسعةً بحيث تعدّ من الظاهر. والأحوط غسل ما شُكّ في أنّه من الظاهر أو الباطن.
        مسألة 4 - يجب غسل ما تحت الشعر من البشرة، وكذا الشعر الدقيق الّذي يعدّ من توابع الجسد. والأحوط وجوب غسل الشعر مطلقا.
        الثالث: الترتيب في الترتيبيّ الّذي هو أفضل من الارتماسيّ الّذي هو عبارة عن تغطية البدن في الماء مقارنا للنيّة. ويكفي فيها استمرار القصد ولو ارتكازا. والترتيب عبارة عن غسل تمام الرأس - ومنه العنق - مُدخلا لبعض الجسد معه مقدّمةً، ثمّ تمام النصف الأيمن مُدخلا لبعض الأيسر وبعض العنق معه مقدّمةً. والأحوط الأولى إدخال تمام الجانب الأيمن من العنق في النصف الأيمن، وإدخال بعض الرأس معه مقدّمةً، ثمّ تمام النصف الأيسر مُدخلا لبعض الأيمن والعنق معه مقدّمةً. والأحوط الأولى إدخال تمام الجانب الأيسر من العنق في الجانب الأيسر، وإدخال بعض الرأس مقدّمةً. وتدخل العورة والسرّة في التنصيف المذكور، فيغسل نصفهما الأيمن مع الأيمن ونصفهما الأيسر مع الأيسر، إلّا أنّ الأولى غسلهما مع الجانبين. واللازم استيعاب الأعضاء الثلاثة بالغسل بصبّة واحدة أو أكثر بفرك أو دلك أو غير ذلك.
        مسألة 5 - لا ترتيب في العضو؛ فيجوز غسله من الأسفل إلى الأعلى وإن كان الأولى البدأة بأعلى العضو فالأعلى. كما أنّه لا كيفيّة مخصوصة للغسل هنا، بل يكفي مسمّاه، فيجزي رمس الرأس في الماء، ثمّ الجانب الأيمن ثمّ الأيسر، ويجزيه أيضا رمس البعض والصبّ على آخر. ولو ارتمس ثلاث ارتماسات ناويا بكلّ واحد غسل عضو صحّ، بل يتحقّق مسمّاه بتحريك العضو في الماء على وجه يجري الماء عليه، فلا يحتاج إلى إخراجه منه ثمّ غمسه فيه.
        مسألة 6 - الظاهر حصول الارتماسيّ بالغمس في الماء تدريجا. واللازم -على الأحوط - أن يكون تمام البدن في الماء في آن واحد، فلو خرج بعض بدنه من الماء قبل أن ينغمس البعض الآخر لا يتحقّق الارتماس. نعم، لا يضرّ دخول رجله في الطين يسيرا عند انغماسه للغسل؛ ففي الأنهار والجداول الّتي تدخل الرجل في الطين يسيرا يجوز الارتماسيّ وإن كان الأحوط اختيار الترتيبيّ. والأحوط أن يكون الغمس بالدفعة العرفيّة.
        مسألة 7 - لو تيقّن بعد الغسل عدم انغسال جزء من بدنه وجبت إعادة الغسل في الارتماسيّ؛ وأمّا في الترتيبيّ: فإن كان ذلك الجزء من الطرف الأيسر يكفي غسل ذلك الجزء ولو طالت المدّة حتّى جفّ تمام الأعضاء، ولا يحتاج إلى إعادة الغسل ولا إعادة غسل سائر أجزاء الأيسر، وإن كان من الأيمن يغسل خصوص ذلك الجزء ويعيد غسل الأيسر، وإن كان من الرأس يغسل خصوص ذلك الجزء ويعيد غسل الطرفين.
        مسألة 8 - لا يجب الموالاة في الترتيبيّ؛ فلو غسل رأسه ورقبته في أوّل النهار والأيمن في وسطه والأيسر في آخره صحّ.
        مسألة 9 - يجوز الغسل تحت المطر وتحت الميزاب ترتيبا، لا ارتماسا.
        الرابع من الواجبات: إطلاق الماء وطهارته وإباحته، بل الأحوط إباحة المكان والمصبّ والآنية وإن كان عدم الاشتراط فيها لا يخلو من وجه. ويعتبر أيضا المباشرة اختيارا، وعدم المانع من استعمال الماء لمرض ونحوه على ما مرّ في الوضوء. وكذا طهارة المحلّ الّذي يراد إجراء ماء الغسل عليه، فلو كان نجسا طهّره أوّلا ثم أجرى الماء عليه للغسل.
        مسألة 10 - إذا كان قاصدا عدم إعطاء الاُجرة للحمّاميّ أو كان بناؤه على إعطائها من الحرام أو على النسيئة من غير تحقّق رضى الحمّاميّ بطل غسله وإن استرضاه بعده.
        مسألة 11 - يشكل الوضوء والغسل بالماء المسبّل، إلّا مع العلم بعموم الإباحة من مالكه.
        مسألة 12 - الظاهر أنّ ماء غسل المرأة من الجنابة والحيض والنفاس وكذا اُجرة تسخينه إذا احتاج إليه على زوجها.
        مسألة 13 - يتعيّن على المجنب في نهار شهر رمضان أن يغتسل ترتيبا؛ فلو اغتسل ارتماسا بطل غسله وصومه على الأحوط فيهما.
        مسألة 14 - لو شكّ في شي ء من أجزاء الغسل وقد فرغ من الغسل بنى على الصحّة؛ وكذا لو شكّ فيه وقد دخل في جزء آخر على الأقوى وإن كان الأحوط في هذا الفرض التدارك.
        مسألة 15 - ينبغي للمجنب - إذا أنزل - الاستبراء بالبول قبل الغسل. وليس هو شرطا في صحّة غسله، ولكن فائدته أنّه لو فعله واغتسل ثمّ خرج منه بلل مشتبه لايجب عليه إعادة الغسل؛ بخلاف ما لو اغتسل بدونه، فإنّ البلل المشتبه حينئذٍ محكوم بكونه منيّا، سواء استبرأ بالخرطات لتعذّر البول عليه أم لا. نعم، لو اجتهد في الاستبراء بحيث قطع بنقاء المحلّ وعدم بقاء المنيّ في المجرى واحتمل أن يكون حادثا لا تجب الإعادة على الأقوى. وكذا لو كان طول المدّة منشأً لقطعه؛ لكنّ الأحوط الإعادة في الصورتين.
        مسألة 16 - المجنب بسبب الإنزال لو اغتسل ثمّ خرج منه بلل مشتبه بين المنيّ والبول: فإن لم يستبرئ بالبول يحكم بكونه منيّا، فيجب عليه الغسل خاصّة، وإن بال ولم يستبرئ بالخرطات بعده يحكم بكونه بولا، فيجب عليه الوضوء خاصّة. ولا فرق في هاتين الصورتين بين احتمال غيرهما من المذي وغيره وعدمه. وإن استبرأ بالبول وبالخرطات بعده: فإن احتمل غير البول والمنيّ أيضا ليس عليه غسل ولا وضوء، وإن لم يحتمل غيرهما فإن أوقع الأمرين قبل الغسل وخرج البلل المشتبه بعده يجب الاحتياط بالجمع بين الغسل والوضوء، وإن أوقعهما بعده ثمّ خرج البلل المزبور يكفي الوضوء خاصّة.
        مسألة 17 - لو خرجت بعد الإنزال والغسل رطوبة مشتبهة بين المنيّ وغيره وشكّ في أنّه استبرأ بالبول أم لا؟ بنى على عدمه، فيجب عليه الغسل؛ ومع احتمال كونه بولا الأحوط ضمّ الوضوء أيضا.
        مسألة 18 - يجزي غسل الجنابة عن الوضوء لكلّ ما اشترط به.
        مسألة 19 - لو أحدث بالأصغر في أثناء الغسل لم يبطل على الأقوى، لكن يجب الوضوء بعده لكلّ ما اشترط به. والأحوط استيناف الغسل قاصدا به مايجب عليه من التمام أو الإتمام والوضوء بعده.
        مسألة 20 - لو ارتمس في الماء بقصد الاغتسال وشكّ في أنّه كان ناويا للغسل الارتماسيّ حتّى يكون فارغا أو الترتيبيّ وكان ارتماسه بقصد غسل الرأس والرقبة وبقي الطرفان يحتاط بغسل الطرفين، ولا يجب الاستيناف، بل لا يكفي الارتماسيّ على الأحوط.
        مسألة 21 - لو صلّى المجنب ثمّ شك في أنّه اغتسل من الجنابة أم لا بنى على صحّة صلاته، ولكن يجب عليه الغسل للأعمال الآتية. ولو كان الشكّ في أثناء الصلاة بطلت، والأحوط إتمامها ثمّ إعادتها مع الغسل.
        مسألة 22 - إذا اجتمع عليه أغسال متعدّدة - واجبة أو مستحبّة أو مختلفة - فإن نوى الجميع بغسل واحد صحّ وكفى عن الجميع مطلقا، فإن كان فيها غسل الجنابة لا حاجة إلى الوضوء للمشروط به، و إلّا وجب الوضوء قبل الغسل أو بعده؛ ومع عدم نيّة الجميع ففي الكفاية إشكال، فلا يترك الاحتياط. نعم، لا يبعد كفاية نيّة الجنابة عن سائر الأغسال، لكن لا ينبغي ترك الاحتياط بنيّة الجميع.

      • الاغسال الخاصة بالنساء
        • فصل في غسل الحيض
          • اوصاف دم الحيض وشرائطه

             

            فصل في الحيض

            دم الحيض أحمر يضرب إلى السواد، أو أحمر طريّ له دفع وحرقة وحرارة. ودم الاستحاضة مقابله في الأوصاف. وهذه صفات غالبيّة لهما يرجع إليها في مقام التميز والاشتباه في بعض المقامات، وربما كان كلّ منهما بصفات الآخر. وكلّ دم تراه الصبيّة قبل إكمال تسع سنين ليس بحيض وإن كان بصفاته، وفي كونه استحاضةً مع عدم العلم بغيرها تردّد وإن لا يبعد. وكذا ما تراه المرأة بعد اليأس ليس بحيض، وفي كونه استحاضةً مع احتمالها تردّد وإن لا يبعد. وتيأس المرأةبإكمال ستّين سنة إن كانت قرشيّة، وخمسين إن كانت غيرها. وفي إلحاق المشكوك كونها قرشيّة بغيرها إشكال. والمشكوك بلوغها يحكم بعدمه؛ وكذلك المشكوك يأسها.
            مسألة ۱ - لو خرج ممّن شكّ في بلوغها دم بصفات الحيض: فإن حصل الوثوق بحيضيّته لا يبعد الحكم بها وبالبلوغ، وإلّا فمحلّ تأمّل وإشكال.
            مسألة ۲ - الحيض يجتمع مع الإرضاع. وفي اجتماعه مع الحمل قولان، أقواهما ذلك وإن ندر وقوعه، فيحكم بحيضيّة ما تراه الحامل - مع اجتماع الشرائط والصفات - ولو بعد استبانة الحمل؛ لكن لا ينبغي ترك الاحتياط لو رأت بعد العادة بعشرين يوما بالجمع بين تروك الحائض وأعمال المستحاضة.
            مسألة ۳ - لا إشكال في حدوث صفة الحيض وترتّب أحكامه عند خروج دمه إلى الخارج ولو بإصبع ونحوه وإن كان بمقدار رأس إبرة. كما لا إشكال في أنّه يكفي في بقائها واستدامتها تلوّث الباطن به ولو قليلا بحيث يتلطّخ به القطنة لو أدخلتها. وأمّا إذا انصبّ من محلّه في فضاء الفرج بحيث يمكن إخراجه بالإصبع ونحوه ولم يخرج بعد فهل يحدث به صفة الحيض ويترتّب عليه أحكامه أم لا؟ فيه تأمّل وإشكال، فلا يترك الاحتياط بالجمع بين تروك الحائض وأفعال الطاهرة؛ ولا يبعد جواز إخراج الدم حينئذٍ ولو بالعلاج وإجراء أحكام الحائض.
            مسألة 4 - لو شكّ في أصل الخروج حكم بعدمه؛ كما أنّه لو شكّ في أنّ الخارج دم أو غيره من الفضلات حكم بالطهارة من الحدث والخبث. ولو علم أنّه دم وتردّد بين كونه خارجا من الموضع أو من غيره حكم بالطهارة من الحدث خاصّة. ولا يجب عليها الفحص في الصور الثلاث. ولو علمت خروج الدم واشتبه حاله فله صور يعرف حكمها في ضمن المسائل الآتية.
            مسألة 5 - لو اشتبه دم الحيض بدم البكارة - كما إذا افتضّت البكر فسال دم كثير لا ينقطع فشكّ في أنّه من الحيض أو البكارة أو منهما - يختبر بإدخال قطنة والصبر قليلا ثمّ إخراجها، والأحوط الأولى إدخالها وتركها مليّا ثمّ إخراجها رقيقا، فإن كانت مطوّقةً بالدم فهو من البكارة ولو كان بصفات الحيض، وإن كانت منغمسةً به فهو من الحيض. والاختبار المذكور واجب؛ وأمّا كونه شرطا لصحّة عملها فغير معلوم، فالأقوى صحّته لو حصلت منها نيّة القربة مع تبيّن عدم كونه حيضا. ولو تعذّر عليها الاختبار ترجع إلى الحالة السابقة - من طهر أو حيض - فتبني عليها، ومع الجهل بها تحتاط بالجمع بين تروك الحائض وأفعال الطاهرة.
            مسألة 6 - الظاهر أنّ التطويق والانغماس المذكورين علامتان للبكارة والحيض مطلقا حتّى عند الشكّ في البكارة والافتضاض. ووجوب الاختبار حينئذٍ أيضا لا يخلو من وجه.
            مسألة 7 - لو اشتبه دم الحيض بدم القرحة الّتي في جوفها لا يبعد وجوب الاختبار، فإن خرج الدم من الجانب الأيسر فحيض، وإلّا فمن القرحة؛ لكن لاينبغي ترك الاحتياط ولو مع العلم بالحالة السابقة. نعم، مع تعذّر الاختبار تعمل بالحالة السابقة، ومع الجهل بها تجمع بين أعمال الطاهرة وتروك الحائض.
            مسألة 8 - أقلّ الحيض ثلاثة أيّام، وأكثره كأقلّ الطهر عشرة؛ فكلّ دم تراه المرأة ناقصا عن الثلاثة أو زائدا على العشرة ليس بحيض؛ وكذا ما تراه بعد انقطاع الدم - الّذي حكم بحيضيّته من جهة العادة أو غيرها - من دون فصل العشرة ولم يمكن حيضيّة الدمين مع النقاء المتخلّل في البين - لكون المجموع زائدا على العشرة - ليس بحيض، بل هو استحاضة، كما اذا رأت ذات العادة سبعة أيّام -مثلا- في العادة ثمّ انقطع سبعة أيّام ثمّ رأت ثلاثة أيّام فالثاني ليس بحيض، بل هو استحاضة.
            مسألة 9 - الأقوى اعتبار التوالي في الأيّام الثلاثة؛ فلا يكفي كونها في ضمن العشرة، كأن رأت يوما أو يومين وانقطع ثمّ رأت قبل انقضاء العشرة ما به يتمّ الثلاثة؛ لكن لاينبغي ترك الاحتياط بالعمل على الوظيفتين. ويكفي في التوالي استمرار الدم فيها عرفا، فلايضرّ الفترات اليسيرةالمتعارفة بين النساء.كماأنّ الظاهر كفاية التلفيق في الأيّام، كما لو رأت الدم من الظهر إلى الظهر من اليوم الرابع.
            مسألة 10 - المراد باليوم النهار. وهو ما بين طلوع الفجر إلى الغروب، فالليالي خارجة؛ فإذا رأت من الفجر إلى الغروب وانقطع ثمّ رأت يومين آخرين كذلك في ضمن العشرة كفى عند من لم يعتبر التوالي. نعم، بناءً على اعتباره - كما هو الأقوى - يدخل الليلتان المتوسّطتان خاصّة لو كان مبدأ الدم أوّل النهار، والليالي الثلاث لو كان مبدؤه أوّل الليل، أو عند التلفيق كالمثال المتقدّم.
            مسألة 11 - الحائض إمّا ذات العادة أو غيرها. والثانية إمّا مبتدأة وهي الّتي لم ترحيضا قطّ، وإمّا مضطربة وهي الّتي تكرّر منها الحيض ولم يستقرّ لها عادة، وإمّا ناسية وهي الّتي نسيت عادتها. وتصير المرأة ذات عادة بتكرّر الحيض مرّتين متواليتين متّفقتين في الزمان أو العدد أو فيهما، فتصير بذلك ذات عادة وقتيّة أو عدديّة أو وقتيّة وعدديّة. ولمّا كان تحقّق العادة الوقتيّة فقط بل العدديّة فقط بالمرّتين لا يخلو من شوب إشكال فلا ينبغي ترك الاحتياط.
            مسألة 12 - لا إشكال في أنّه لا تزول العادة برؤية الدم على خلافها مرّة؛ كمإ؛/،ظظ أنّه لا إشكال في زوالها بطروّ عادة اُخرى حاصلة من تكرّر الدم مرّتين متماثلتين على خلافها. وفي زوالها بتكرّره على خلافها لا على نسق واحد بل مختلفا قولان، أقواهما ذلك في ما لو وقع التخلّف مرارا بحيث يصدق في العرف أنّها ليس لها أيّام معلومة؛ وأمّا لو رأت مرّتين غير متماثلتين ففي بقاء العادة تأمّل.
            مسألة 13 - ذات العادة الوقتيّة - سواء كانت عدديّة أيضا أم لا - تتحيّض بمجرّد رؤية الدم في العادة، فتترك العبادة سواء كان بصفة الحيض أم لا. وكذا لو رأت قبل العادة أو بعدها بيوم أو يومين أو أزيد، مادام يصدق عليه تعجيل الوقت والعادة وتأخّرهما؛ فإن انكشف عليها بعد ذلك عدم كونه حيضا - لكونه أقلّ من أقلّه - تقضي ما تركته من العبادة. وأمّا غير ذات العادة المذكورة فتتحيّض أيضا بمجرّد الرؤية إن كان بصفات الحيض، ومع عدمه تحتاط بالجمع بين تروك الحائض وأعمال المستحاضة، فإن استمرّ إلى ثلاثة أيّام تجعلها حيضا، ولو زاد عليها إلى العشرة تجعل الزائد أيضا حيضا، فتكتفي بوظيفة الحائض، ولا تحتاج إلى مراعاة أعمال المستحاضة وإن كان ترك الاحتياط لا ينبغي.
            مسألة 14 - ذات العادة الوقتيّة لو رأت في العادة وقبلها أو رأت فيها وبعدها أو رأت فيها وفي الطرفين: فإن لم يتجاوز المجموع عن العشرة جعلت المجموع حيضا، وإن تجاوز عنها فالحيض خصوص أيّام العادة، والزائد استحاضة.
            مسألة 15 - إذا رأت المرأة ثلاثة أيّام متواليات وانقطع بأقلّ من عشرة ثمّ رأت ثلاثة أيّام أو أزيد: فإن كان مجموع الدمين والنقاء المتخلّل في البين لا يزيد على العشرة كان الطرفان حيضا، ويلحق بهما النقاء المتخلّل، سواء كان الدمان أو أحدهما بصفة الحيض أم لا، وسواء كانت ذات العادة وصادف الدمان أو أحدهما العادة أم لا ؛ وإن تجاوز المجموع عن العشرة وكان كلّ واحد من الدمين والنقاء أقلّ منها: فإن كانت ذات عادة وكان أحد الدمين في العادة جعلته خاصّة حيضا دون الآخر، وكذلك إذا وقع بعض أحدهما في العادة دون الآخر تجعل ذلك حيضا دون الآخر، وكذلك لو كانت ذات عادة عدديّة وكان أحد الدمين موافقا لها تجعله حيضا دون الآخر، ويتقدّم على التميز على الأقوى؛ وإن لم تكن ذات عادة أو لم يقع أحدهما أو بعض أحدهما في العادة تجعل ما كان بصفة الحيض حيضا دون الآخر؛ ولو كانت ذات عادة وقتيّة وعدديّة ووقع بعض أحد الدمين في الوقت غير موافق للعدد وكان الآخر بمقدار العدد في غير الوقت تحتاط في كليهما بالجمع بين تروك الحائض وأعمال المستحاضة، ولو تساويا في الصفة ولم يقع واحد منهما - كلّاً أو بعضا - في العادة ولا موافقا لها في العدد فالأحوط لو لم يكن الأقوى أن تجعل أوّلهما حيضا وتحتاط إلى تمام العشرة؛ فلو رأت ثلاثة أيّام دما وثلاثة أيّام طهرا وستّة أيّام دما جعلت الثلاثة الاُولى حيضا وتحتاط في البقيّة إلى تمام العشرة، بالجمع بين تروك الحائض وأفعال الطاهرة في النقاء المتخلّل، وبالجمع بين تروك الحائض وأفعال المستحاضة في أيّام الدم إلى تمام العشرة.
            مسألة 16 - ذات العادة إذا رأت أزيد من العادة ولم يتجاوز العشرة فالمجموع حيض.
            مسألة 17 - إذا كانت عادتها في كلّ شهر مرّة فرأت في شهر مرّتين مع فصل أقلّ الطهر في البين: فإن كان أحدهما في العادة تجعله حيضا، وكذلك الآخر إن كان بصفة الحيض، وأمّا إن كان بصفة الاستحاضة فتحتاط بالجمع بين تروك الحائض وأعمال المستحاضة؛ وإن كانا معا في غير وقت العادة تجعلهما حيضا، سواء كانا واجدين لصفة الحيض أو فاقدين لها أو مختلفين، وإن كان الاحتياط في الدم الثاني في الصورة الثانية وفي الفاقد منهما في الثالثة لا ينبغي تركه.
            مسألة 18 - المبتدأة والمضطربة ومن كانت عادتها عشرة إذا انقطع عنهنّ الدم في الظاهر قبل العشرة مع احتمال بقائه في الباطن يجب عليهنّ الاستبراء، بإدخال قطنة ونحوها والصبر هنيئةً ثمّ إخراجها، فإن خرجت نقيّةً اغتسلن وصلّين، وإن خرجت متلطّخةً ولو بالصفرة صبرن حتّى النقاء أو مضيّ عشرة أيّام، فإن لم يتجاوز عن العشرة كان الكلّ حيضا، وإن تجاوز عنها فسيأتي حكمه.
            وذات العادة الّتي عادتها أقلّ من عشرة: إن انقطع عنها الدم ظاهرا استبرأت، فإن نقيت اغتسلت وصلّت، وإلّا صبرت إلى إكمال العادة، فإن بقي الدم حتّى كملت العادة وانقطع عليها بالمرّة اغتسلت وصلّت، وكذلك لو انقطع الدم ظاهرا على العادة فاستبرأت فرأت نفسها نقيّةً؛ ولو لم ينقطع على العادة وتجاوز عنها استظهرت بترك العبادة إلى العشرة استحبابا - على الأقوى - ولو كان بصفة الحيض. والأحوط وجوبه في يوم واحد، ولا ينبغي ترك الاحتياط في الزائد بالجمع بين تروك الحائض وأفعال المستحاضة، فحينئذٍ إذا لم يتجاوز الدم عن العشرة كان الكلّ حيضا، وسيأتي حكم المتجاوز.
            مسألة 19 - لو تجاوز الدم عن العشرة - قليلا كان أو كثيرا - فقد اختلط حيضها بطهرها:
            فإن كان لها عادة معلومة من حيث الزمان والعدد تجعلها حيضا وإن لم يكن بصفاته، والبقيّة استحاضة وإن كان بصفاته.
            ولو لم تكن لها عادة معلومة لا عددا ولا وقتا، بأن كانت مبتدأةً أو مضطربةً وقتا وعددا أو ناسيةً كذلك:
            فإن اختلف لون الدم فبعضه أسود أو أحمر وبعضه أصفر ترجع إلى التميز، فتجعل ما بصفة الحيض حيضا وغيره استحاضة، بشرط أن لا يكون ما بصفة الحيض أقلّ من ثلاثة ولا أزيد من عشرة، وأن لا يعارضه دم آخر واجد لصفة الحيض، مفصول بينه وبينه بالفاقد الّذي يكون أقلّ من عشرة، كما إذا رأت خمسة أيّام دما أسود ثمّ خمسة أيّام أصفر ثمّ خمسة أسود. ولو كان ما بصفة الحيض أقلّ من ثلاثة أو أكثر من عشرة فإلغاؤها مطلقا وصيرورتها فاقدة التميز محلّ إشكال؛ ولا يبعد لزوم الأخذ بالصفات في الدم الأوّل - مثلا - في المثال وتتميمه أو تنقيصه بما هو وظيفتها من الأخذ بالروايات أو عادة نسائها.
            وإن كان الدم على لون واحد تكون فاقدة التميز: فإن لم تكن لها أقارب ذوات عادات متّفقات فالأحوط لو لم يكن الأقوى أن تجعل سبعة من كلّ شهر حيضا والبقيّة استحاضة، وإن كانت لها أقارب من اُمّ واُخت وخالة وعمّة وغيرهنّ مع اتّفاقهنّ في العادة والعلم بحالهنّ ترجع المبتدأة إليهنّ فتأخذ بها. وأمّا من لم تستقرّ لها عادة وكانت لها أقارب كما ذكرت فلا تترك الاحتياط في ما إذا كانت عادتهنّ أقلّ من سبعة أو أكثر، بأن تجمع في مقدار التفاوت بين وظيفتي الحائض والمستحاضة.
            مسألة 20 - الأحوط لو لم يكن الأقوى أن تجعل فاقدة التميز التحيّض في أوّل رؤية الدم، فمع فقد الأقارب - بما ذكر في المسألة السابقة - تحيّضت سبعة، ومع وجودهنّ لا يبعد وجوب جعله بمقدارهنّ عددا. وعلى أيّ حال لو استمرّ الدم إلى أزيد من شهر واحد يجب عليها الموافقة بين الشهور، فإن كان ابتداء الدم في الشهر الأوّل من أوّله جعلتها في الشهور التالية أيضا في أوّلها، وإن كان في وسطه جعلتها في وسطها، وهكذا.
            مسألة 21 - ذات العادة الوقتيّة فقط لو تجاوز دمها العشرة ترجع في الوقت إلى عادتها، وأمّا في العدد فإن كان لها تميز يمكن رعايته في الوقت رجعت إليه، وإلّا رجعت إلى أقاربها مع الوجدان بالشرط المتقدّم، وإلّا تحيّضت سبعة أيّام وجعلتها في وقت العادة. وذات العادة العدديّة فقط ترجع في العدد إلى عادتها، وأمّا بحسب الوقت فإن كان لها تميز يوافق العدد رجعت إليه، وكذا إن كان مخالفا له لكن تزيد مع نقصانه عن العدد بمقداره وتنقص مع زيادته عليه، ومع عدم التميز أصلا تجعل العدد في أوّل الدم كما تقدّم.

          • القول في أحكام الحائض

             

            القول في أحكام الحائض

            وهي اُمور:
            منها: عدم جواز الصلاة والصيام والطواف والاعتكاف لها.
            ومنها: حرمة ما يحرم على مطلق المحدث عليها. وهي مسّ اسم اللّه تعالى، وكذا مسّ أسماء الأنبياء والأئمّة (علیهم السلام) على الأحوط، ومسّ كتابة القرآن على التفصيل المتقدّم في الوضوء.
            ومنها: حرمة ما يحرم على الجنب عليها. وهي قراءة السور العزائم أو بعضها، ودخول المسجدين، واللبث في غيرهما، ووضع شي ء في المساجد على ما مرّ في الجنابة، فإنّ الحائض كالجنب في جميع الأحكام.
            ومنها: حرمة الوطء بها في القُبُل على الرجل وعليها. ويجوز الاستمتاع بغيره من التقبيل والتفخيذ ونحوهما، حتّى الوطء في دبرها على الأقوى وإن كره كراهة شديدة، والأحوط اجتنابه. وكذا يكره الاستمتاع بها بما بين السرّة والركبة. وإنّما تحرم المذكورات مع العلم بحيضها وجدانا، أو بالأمارات الشرعيّة، كالعادة والتميز ونحوهما، بل مع التحيّض بسبعة أيّام أو الرجوع إلى عادة نسائها أيضا. ولو جهل بحيضها وعلم به في حال المقاربة يجب المبادرة بالإخراج؛ وكذا لو لم تكن حائضا فحاضت في حالها. وإذا أخبرت بالحيض أو ارتفاعه يسمع قولها، فيحرم الوطء عند إخبارها به، ويجوز عند إخبارها بارتفاعه.
            مسألة 1 - لافرق في حرمةالوطءبين الزوجةالدائمةوالمنقطعةوالحرّةوالأمة.
            مسألة 2 - إذا طهرت جاز لزوجها وطؤها قبل الغسل على كراهيّة، بل وقبل غسل فرجها وإن كان الأحوط اجتنابه قبله.
            ومنها: ترتّب الكفّارة على وطئها على الأحوط. وهي في وطء الزوجة دينار في أوّل الحيض ونصفه في وسطه، وربعه في آخره. ولا كفّارة على المرأة وإن كانت مطاوعة؛ وإنّما يوجب الكفّارة مع العلم بالحرمة وكونها حائضا، بل ومع الجهل عن تقصير في بعض الموارد على الأحوط.
            مسألة 3 - المراد بأوّل الحيض ثلثه الأوّل، وبوسطه ثلثه الثاني، وبآخره ثلثه الأخير، فإن كان أيّام حيضها ستّة فكلّ ثلث يومان،أو سبعة فيومان وثلث، وهكذا.
            مسألة 4 - لو وَطِئها معتقدا حيضها فبان عدمه أو معتقدا عدم الحيض فبان وجوده لا كفّارة عليه.
            مسألة 5 - لو اتّفق حيضها حال المقاربة ولم يبادر في الإخراج ففي ثبوت الكفّارة إشكال، والأحوط ذلك.
            مسألة 6 - يجوز إعطاء قيمة الدينار. والمعتبر قيمة وقت الأداء.
            مسألة 7 - تُعطى الكفّارة المذكورة لمسكين واحد كما تُعطى لثلاثة مساكين.
            مسألة 8 - تتكرّر الكفّارة بتكرّر الوطء لو وقع في أوقات مختلفة، كما إذا وطئها في أوّله وفي وسطه وفي آخره، فيكفّر بدينار وثلاثة أرباع الدينار. وكذا لو تكرّر في وقت واحد مع تخلّل التكفير؛ وأمّا مع عدمه ففيه قولان، أحوطهما ذلك.
            ومنها: بطلان طلاقها إن كانت مدخولا بها ولم تكن حاملا وكان زوجها حاضرا أو بحكمه بأن يتمكّن من استعلام حالها بسهولة مع غيبته؛ فلو لم تكن مدخولا بها أو كانت حاملا أو كان زوجها غائبا أو بحكمه بأن لم يكن متمكّنا من استعلام حالها مع حضوره صحّ طلاقها. ولخصوصيّات المسألة محلّ آخر.
            مسألة 9 - لو كان الزوج غائبا ووكّل حاضرا متمكّنا من استعلام حالها لايجوز له طلاقها في حال الحيض.
            ومنها: وجوب الغسل عند انقطاع الحيض لكلّ مشروط بالطهارة من الحدث الأكبر. وغسله كغسل الجنابة في الكيفيّة والأحكام، إلّا أنّه لا يجزي عن الوضوء، فيجب الوضوء معه قبله أو بعده لكلّ مشروط به كالصلاة؛ بخلاف غسل الجنابة كما مرّ. ولو تعذّر الوضوء فقط تغتسل وتتيمّم بدلا عنه. ولو تعذّر الغسل فقط تتوضّأ وتتيمّم بدلا عنه. ولو تعذّرا معا تتيمّم تيمّمين أحدهما بدلا عن الغسل والآخر بدلا عن الوضوء.
            مسألة 10 - لولم يكن عندها الماء إلّا بقدر أحدهما تقدّم الغسل على الأحوط.
            مسألة 11 - لو تيمّمت بدلا عن الغسل ثمّ أحدثت بالأصغر لم يبطل تيمّمها إلى أن تتمكّن من الغسل. والأحوط تجديده.
            ومنها: وجوب قضاء ما تركته في حال الحيض من الصيام الواجب، سواء كان صوم شهر رمضان أو غيره على الأقوى؛ وكذا الصلاة الواجبة غير اليوميّة، كالآيات وركعتي الطواف والمنذورة على الأحوط؛ بخلاف الصلاة اليوميّة، فإنّه لايجب عليها قضاء ما تركته في حال حيضها. نعم، لو حاضت بعد دخول الوقت وقد مضى منه مقدار أقلّ الواجب من صلاتها بحسب حالها - من البطء والسرعة والصحّة والمرض والحضر والسفر - ومقدار تحصيل الشرائط غير الحاصلة بحسب تكليفها الفعليّ - من الوضوء والغسل أو التيمّم - ولم تصلّ وجب عليها قضاء تلك الصلاة؛ بخلاف من لم تدرك من أوّل الوقت هذا المقدار، فإنّه لا يجب عليها القضاء. والأحوط القضاء لو أدركت مقدار أداء الصلاة مع الطهارة وإن لم تدرك مقدار تحصيل سائر الشرائط، وإن كان الأقوى عدم وجوبه.
            مسألة 12 - لو طهرت من الحيض قبل خروج الوقت فإن أدركت منه مقدار أداء ركعة مع إحراز الشرائط وجب عليها الأداء، ومع تركها القضاء؛ بل الأحوط القضاء مع عدم سعة الوقت إلّا للطهارة من الشرائط وأداء ركعة وإن كان الأقوى عدم وجوبه.
            مسألة 13 - لو ظنّت ضيق الوقت عن أداء ركعة مع تحصيل الشرائط فتركت فبان السعة وجب القضاء.
            مسألة 14 - لو طهرت في آخر النهار وأدركت من الوقت مقدار أربع ركعات في الحضر أو ركعتين في السفر صلّت العصر وسقط عنها الظهر أداءً وقضاءً. ولو أدركت مقدار خمس ركعات في الحضر أو ثلاث ركعات في السفر تجب عليها الصلاتان، وإن تركتهما يجب قضاؤهما؛ وأمّا العشاءان فإن بقي من آخر الليل أقلّ من مقدار خمس ركعات في الحضر أو أربع في السفر يجب عليها خصوص العشاء وسقط عنها المغرب أداءً وقضاءً.
            مسألة 15 - لو اعتقدت سعة الوقت للصلاتين فأتت بهما ثمّ تبيّن عدمها وأنّ وظيفتها خصوص الثانية صحّت ولا شي ء عليها؛ وكذا لو أتت بالثانية فتبيّن الضيق. ولو تركتهما وجب عليها قضاء الثانية. وإن قدّمت الثانية باعتقاد الضيق فبانت السعة صحّت ووجب إتيان الاُولى بعدها. وإن كان التبيّن بعد خروج الوقت وجب قضاؤها.
            مسألة 16 - يستحبّ للحائض أن تبدّل القطنة، وتتوضّ-أ وقت كلّ صلاة وتجلس بمقدار صلاتها مستقبلةً ذاكرةً للّه تعالى. ويُكره لها الخضاب بالحِنّاء وغيره، وقراءة القرآن ولو أقلّ من سبع آيات، وحمل المصحف ولو بغلافه، ولمس هامشه وما بين سطوره.

        • فصل في الاستحاضة

           

          فصل في الاستحاضة

          والكلام في دمها وأحكامها:
          دم الاستحاضة في الأغلب أصفر بارد رقيق يخرج بغير قوّة ولذع وحرقة، وقد يكون بصفة الحيض كما مرّ. وليس لقليله ولا لكثيره حدّ. وكلّ دم تراه المرأة قبل بلوغها أو بعد يأسها أو أقلّ من ثلاثة ولم يكن دم قرح ولا جرح ولا نفاس فهو استحاضة، على إشكال في الكلّيّة؛ وكذا لو لم يعلم كونه من القرح أو الجرح إن لم تكن المرأة مقروحة أو مجروحة على الأحوط؛ وكذا لو تجاوز الدم عن عشرة أيّام، لكن حينئذٍ قد امتزج حيضها بالاستحاضة فلابدّ في تعيينهما من أن ترجع إلى التفصيل الّذي سبق في الحيض.
          وأمّا أحكامها فهي ثلاثة أقسام: قليلة ومتوسّطة وكثيرة:
          فالاُولى: أن تتلوّث القطنة بالدم من دون أن يثقبها ويظهر من الجانب الآخر. وحكمها وجوب الوضوء لكلّ صلاة، وغسل ظاهر فرجها لو تلوّث به، والأحوط تبديل القطنة أو تطهيرها.
          والثانية: أن يثقب الدم القطنة ويظهر من الجانب الآخر ولا يسيل منها إلى الخرقة الّتي فوقها. وحكمها - مضافا إلى ما ذكر - أنّه يجب عليها غسل واحد لصلاة الغداة، بل لكلّ صلاة حدثت قبلها أو في أثنائها على الأقوى؛ فإن حدثت بعد صلاة الغداة يجب للظهرين، ولو حدثت بعدهما يجب للعشاءين.
          والثالثة: أن يسيل من القطنة إلى الخرقة. وحكمها - مضافا إلى ما ذكر وإلى تبديل الخرقة أو تطهيرها - غسل آخر للظهرين تجمع بينهما، وغسل للعشاءين تجمع بينهما. هذا إذا حدثت قبل صلاة الفجر. ولو حدثت بعدها يجب في ذلك اليوم غسلان: غسل للظهرين و غسل للعشاءين. ولو حدثت بعد الظهرين يجب غسل واحد للعشاءين. والظاهر أنّ الجمع بين الصلاتين بغسل واحد مشروط بالجمع بينهما، وأنّه رخصة لا عزيمة، فلو لم تجمع بينهما يجب الغسل لكلّ منهما؛ فظهر ممّا مرّ أنّ الاستحاضة الصغرى حدث أصغر كالبول، فإن استمرّت أو حدثت قبل كلّ صلاةمن الصلوات الخمس تكون كالحدث المستمرّ مثل السلس، والوسطى والكبرى حدث أصغر وأكبر.
          مسألة ۱ - يجب على المستحاضة على الأحوط اختبار حالها في وقت كلّ صلاة بإدخال قطنة ونحوها، والصبر قليلا لتعلم أنّها من أيّ قسم من الأقسام لتعمل بمقتضى وظيفتها. ولا يكفي الاختبار قبل الوقت إلّا إذا علمت بعدم تغيّر حالها إلى ما بعد الوقت؛ فلو لم تتمكّن من الاختبار: فإن كان لها حالة سابقة معلومة من القلّة أو التوسّط أو الكثرة تأخذ بها وتعمل بمقتضى وظيفتها، وإلّا فتأخذ بالقدر المتيقّن، فإن تردّدت بين القليلة وغيرها تعمل عمل القليلة، وإن تردّدت بين المتوسّطة والكثيرة تعمل عمل المتوسّطة. والأحوط مراعاة أسوأ الحالات.
          مسألة ۲ - إنّما يجب تجديدالوضوء لكلّ صلاة والأعمال المذكورة لو استمرّ الدم؛ فلو فرض انقطاعه قبل صلاة الظهر يجب لها فقط، ولا يجب للعصر ولاللعشاءين؛ وإن انقطع بعد الظهر وجب للعصر فقط وهكذا، بل لو انقطع وتوضّأت للظهر وبقي وضوؤها إلى المغرب والعشاء صلّتهما بذلك الوضوء، ولم تحتج إلى تجديده.
          مسألة ۳ - يجب بعد الوضوء والغسل المبادرة إلى الصلاة لو لم ينقطع الدم بعدهما، أو خافت عوده بعدهما قبل الصلاة أو في أثنائها. نعم، لو توضّ-أت واغتسلت في أوّل الوقت - مثلا - وانقطع الدم حين الشروع في الوضوء والغسل -ولو انقطاع فترة- وعلمت بعدم عوده إلى آخر الوقت جازلها تأخير الصلاة.
          مسألة 4 - يجب عليها بعد الوضوء والغسل التحفّظ من خروج الدم - مع عدم خوف الضرر - بحشو قطنة أو غيرها وشدّها بخرقة؛ فلو خرج الدم لتقصير منها في التحفّظ والشدّ أعادت الصلاة، بل الأحوط لو لم يكن الأقوى إعادة الغسل والوضوء أيضا. نعم، لو كان خروجه لغلبته - لا لتقصير منها في التحفّظ - فلابأس.
          مسألة 5 - لو انتقلت الاستحاضة من الأدنى إلى الأعلى - كما إذا صارت القليلة متوسّطة أو كثيرة، أو المتوسّطة كثيرة - فبالنسبة إلى الصلاة الّتي صلّتها مع وظيفة الأدنى لا أثر لهذا الانتقال، فلا يجب إعادتها؛ وأمّا بالنسبة إلى الصلوات المتأخّرة فتعمل عمل الأعلى. وكذا بالنسبة إلى الصلاة الّتي انتقلت من الأدنى إلى الأعلى في أثنائها، فعليها الاستيناف والعمل على الأعلى؛ فلو تبدّلت القليلة بالمتوسّطة أوبالكثيرة بعد صلاةالصبح مضت صلاتها، وتكون بالنسبة إلى الظهرين والعشاءين كما إذا حدثتا بعد الصلاة من دون سبق القلّة، فتغتسل غسلا واحدا للظهرين في الصورة الاُولى، وغسلين لهما وللعشاءين في الثانية؛ بخلاف ما لو تبدّلت إليهما قبل صلاة الصبح أو في أثنائها، فإنّها تغتسل لها، بل لو توضّأت قبل التبدّل تستأنف الوضوء، حتّى لو تبدّلت المتوسّطة بالكثيرة بعد الاغتسال لصلاة الصبح استأنفت الغسل، وتعمل في ذلك اليوم عمل الكثيرة كما إذا لم تكن مسبوقةً بالتوسّط. وإن انتقلت من الأعلى إلى الأدنى تعمل لصلاة واحدة عمل الأعلى، ثمّ تعمل عمل الأدنى؛ فلو تبدّلت الكثيرة إلى القليلة قبل الاغتسال لصلاة الصبح واستمرّت عليها اغتسلت للصبح واكتفت بالوضوء للبواقي؛ ولو تبدّلت الكثيرة إلى المتوسّطة بعد صلاة الصبح اغتسلت للظهر واكتفت بالوضوء للعصر والعشاءين.
          مسألة 6 - يصحّ الصوم من المستحاضة القليلة، ولا يشترط في صحّته الوضوء. وأمّا غيرها فيشترط في صحّة صومها الأغسال النهاريّة على الأقوى. ولا يترك الاحتياط في الكثيرة بالنسبة الى الليليّة للّيلة الماضية.
          مسألة 7 - لو انقطع دمها: فإن كان قبل فعل الطهارة أتت بها وصلّت، وإن كان بعد فعلها وقبل فعل الصلاة أعادتها وصلّت إن كان الانقطاع لبرء؛ وكذا لو كان لفترة واسعة للطهارة والصلاة في الوقت؛ وأمّا لو لم تكن واسعةً لهما اكتفت بتلك الطهارة وصلّت؛ وكذلك لو كانت شاكّةً في سعتها. والأحوط لمن علمت بالسعة ولكن شكّت في أنّه للبرء أو الفترة إعادة الطهارة. ولو انقطع في أثناء الصلاة أعادت الطهارة والصلاة إن كان لبرء أو لفترة واسعة؛ وإن لم تكن واسعةً أتمّت صلاتها. ولو انقطع بعد فعل الصلاة فلا إعادة عليها على الأقوى وإن كان لبرء.
          مسألة 8 - قد تبيّن - ممّا مرّ - حكم المستحاضة وما لها من الأقسام ووظائفها بالنسبة إلى الصلاة والصيام؛ وأمّا بالنسبة إلى سائر الأحكام فلا إشكال في أنّه يجب عليها الوضوء فقط للطواف الواجب لو كانت ذات الصغرى، وهو مع الغسل لو كانت ذات الوسطى أو الكبرى. والأحوط عدم كفاية الوضوء الصلاتيّ في الاُولى مع استدامتها، ولا هو مع الغسل في غيرها، خصوصا لو أوقعت ذات الوسطى الطواف في غير وقت الغداة، أو ذات الكبرى في غير الأوقات الثلاثة، فيتوقّف صحّة طوافها على الوضوء والغسل له مستقلّاً على الأحوط. وأمّا الطواف المستحبّ فحيث إنّه لا يشترط فيه الطهارة من الحدث لا يحتاج إلى الوضوء ولا إلى الغسل من حيث هو وإن احتاج إلى الغسل في غير ذات الصغرى من جهة دخول المسجد لو قلنا به. وأمّا مسّ كتابة القرآن فلا إشكال في أنّه لا يحلّ لها إلّا بالوضوء فقط في ذات الصغرى، وبه مع الغسل في غيرها. والأحوط عدم الاكتفاء بمجرّد الإتيان بوظائف الصلاة، فتأتي بالوضوء أو الغسل له مستقلّاً. نعم، الظاهر جوازه حال إيقاع الصلاة الّتي أتت بوظيفتها.
          وهل تكون ذات الوسطى والكبرى بحكم الحائض مطلقا فيحرم عليهما مايحرم عليها بدون الغسل أم لا؟ الأحوط أن لا يغشاها زوجها ما لم تغتسل، ولايجب ضمّ الوضوء وإن كان أحوط، ويكفي الغسل الصلاتيّ لو واقع في وقتها بعد الصلاة، وأمّا لو واقع في وقت آخر فيحتاج إلى غسل له مستقلّاً على الأحوط كما قلنا في الطواف. وأمّا مكثها في المساجد ودخولها المسجدين فالأقوى جوازه لها بدون الاغتسال وإن كان الأحوط الاجتناب بدونه للصلاة أو له مستقلّاً كالوطء. وأمّا صحّة طلاقها فلا إشكال في عدم كونها مشروطة بالاغتسال.

        • فصل في النفاس

           

          فصل في النفاس

          وهو دم الولادة معها أو بعدها قبل انقضاء عشرة أيّام من حينها ولو كان سقطا ولم تلج فيه الروح، بل ولو كان مضغةً أو علقةً إذا علم كونها مبدأ نشوء الولد، ومع الشكّ لم يحكم بكونه نفاسا. وليس لأقلّه حدّ، فيمكن أن يكون لحظةً بين العشرة. ولو لم تر دما أصلا أو رأته بعد العشرة من حين الولادة فلا نفاس لها. وأكثره عشرة أيّام. وابتداء الحساب بعد انفصال الولد، لا من حين الشروع في الولادة. وإن ولدت في أوّل النهار فالليلة الأخيرة خارجة، وأمّا الليلة الاُولى فهي جزء النفاس إن ولدت فيها وإن لم تحسب من العشرة. وإن ولدت في وسط النهار يلفّق من اليوم الحادي عشر. ولو ولدت اثنين كان ابتداء نفاسها من الأوّل ومبدأ العشرة من وضع الثاني.
          مسألة 1 - لو انقطع دمها على العشرة أو قبلها فكلّ ما رأته نفاس، سواء رأت تمام العشرة أم بعضها، وسواء كانت ذات عادة في حيضها أم لا. والنقاء المتخلّل بين الدمين أو الدماء بحكم النفاس على الأقوى؛ فلو رأت يوما بعد الولادة وانقطع ثمّ رأت العاشر يكون الكلّ نفاسا؛ وكذا لو رأت يوما فيوما لا إلى العشرة. ولو لم تر الدم إلّا اليوم العاشر يكون هو النفاس، والنقاء السابق طهر كلّه. ولو رأت الثالث ثمّ العاشر يكون نفاسها ثمانية.
          مسألة 2 - لو رأت الدم في تمام العشرة واستمرّ إلى أن تجاوزها:
          فإن كانت ذات عادة عدديّة في الحيض ترجع في نفاسها إلى مقدار أيّام حيضها، سواء كانت عشرة أو أقلّ، وعملت بعدها عمل المستحاضة؛ وإن لم تكن ذات عادة تجعل نفاسها عشرة وتعمل بعدها عمل المستحاضة، وإن كان الاحتياط إلى الثمانية عشر - بالجمع بين وظيفتي النفساء والمستحاضة - لا ينبغي تركه.
          مسألة 3 - يعتبر فصل أقلّ الطهر - وهو العشرة - بين النفاس والحيض المتأخّر؛ فلو رأت الدم من حين الولادة إلى اليوم السابع ثمّ رأت بعد العشرة ثلاثة أيّام أو أكثر لم يكن حيضا، بل كان استحاضةً، وإن كان الأحوط إلى الثمانية عشر الجمع بين وظيفتي النفساء والمستحاضة إذا لم تكن ذات عادة كما مرّ. وأمّا بينه وبين الحيض المتقدّم فلا يعتبر فصل أقلّ الطهر على الأقوى؛ فلو رأت قبل المخاض ثلاثة أيّام أو أكثر - متّصلًا به أو منفصلًا عنه بأقلّ من عشرة - يكون حيضا، خصوصا إذا كان في العادة.
          مسألة 4 - لو استمرّ الدم إلى شهر أو أقلّ أو أزيد فبعد مضيّ العادة في ذات العادة والعشرة في غيرها محكوم بالاستحاضة. نعم، بعد مضيّ عشرة أيّام من دم النفاس يمكن أن يكون حيضا؛ فإن كانت معتادةً وصادف العادة يحكم بكونه حيضا، وإلّا فترجع إلى الصفات والتميز، وإلّا فإلى الأقارب، وإلّا فتجعل سبعةً حيضا وما عداها استحاضةً على التفصيل المتقدّم في الحيض، فراجع.
          مسألة 5 - لو انقطع دم النفاس في الظاهر يجب عليها الاستظهار على نحو ما مرّ في الحيض، فإذا انقطع الدم واقعا يجب عليها الغسل للمشروط به كالحائض.
          مسألة 6 - أحكام النفساء كأحكام الحائض في عدم جواز وطئها، وعدم صحّة طلاقها، وحرمة الصلاة والصوم عليها، وكذا مسّ كتابة القرآن، وقراءة العزائم، ودخول المسجدين، والمكث في غيرهما، ووجوب قضاء الصوم عليها دون الصلاة، وغير ذلك على التفصيل الّذي سبق في الحيض.

      • فصل في غسل مسّ الميّت

         

        فصل في غسل مسّ الميّت

        وسبب وجوبه مسّ ميّت الإنسان بعد برد تمام جسده وقبل تمام غسله، لابعده ولو كان غسلا اضطراريّا، كما إذا كانت الأغسال الثلاثة بالماء القراح لفقد الخليطين، بل ولو كان المغسّل كافرا لفقد المسلم المماثل وإن كان الأحوط عدم الاكتفاء به. ويلحق بالغسل التيمّم عند تعذّره وإن كان الأحوط عدمه. ولا فرق في الميّت بين المسلم والكافر والكبير والصغير حتّى السقط إذا تمّ له أربعة أشهر؛ كما لا فرق بين ما تحلّه الحياة وغيره، ماسّا و ممسوسا بعد صدق اسم المسّ، فيجب الغسل بمسّ ظفره بالظفر. نعم، لا يوجبه مسّ الشعر ماسّا وممسوسا.
        مسألة ۱ - القطعة المبانة من الحيّ بحكم الميّت في وجوب الغسل بمسّها إذإ؛»:ظظ اشتملت على العظم، دون المجرّدة عنه. والأحوط إلحاق العظم المجرّد باللحم المشتمل عليه وإن كان الأقوى عدمه. وأمّا القطعة المبانة من الميّت فكلّ ما كان يوجب مسّه الغسل في حال الاتّصال يكون كذلك حال الانفصال.
        مسألة 2 - الشهيد كالمغسّل، فلا يوجب مسّه الغسل؛ وكذا من وجب قتله قصاصا أو حدّا فاُمر بتقديم غسله ليقتل.
        مسألة ۳ - لو مسّ ميّتا وشكّ أنّه قبل برده أو بعده لا يجب الغسل؛ وكذا لو شكّ في أنّه كان شهيدا أو غيره؛ بخلاف ما إذا شكّ في أنّه كان قبل الغسل أو بعده، فيجب الغسل.
        مسألة 4 - إذا يبس عضو من أعضاء الحيّ وخرج منه الروح بالمرّة لايوجب مسّه الغسل مادام متّصلا؛ وأمّا بعد الانفصال فيجب الغسل بمسّه إذا اشتمل على العظم، وإلّا ففيه إشكال. وكذا لو قطع عضو منه واتّصل ببدنه ولو بجلدة لا يجب الغسل بمسّه في حال الاتّصال، ويجب بعد الانفصال إذا اشتمل على العظم.
        مسألة 5 - مسّ الميّت ينقض الوضوء على الأحوط، بل لا يخلو من قوّة، فيجب الوضوء مع غسله لكلّ مشروط به.
        مسألة 6 - يجب غسل المسّ لكلّ مشروط بالطهارة من الحدث الأصغر على الأحوط، بل لا يخلو من قوّة، وشرطٌ في ما يشترط فيه الطهارة - كالصلاة والطواف الواجب ومسّ كتابة القرآن - على الأحوط، بل لا يخلو من قوّة.
        مسألة 7 - يجوز للماسّ قبل الغسل دخول المساجد والمشاهد، والمكث فيها، وقراءة العزائم، ويجوز وطؤه لو كان امرأةً، فحال المسّ حال الحدث الأصغر إلّا في إيجاب الغسل للصلاة ونحوها.
        مسألة 8 - تكرار المسّ لا يوجب تكرار الغسل كسائر الأحداث ولو كان الممسوس متعدّدا.

      • أحكام الأموات
        • أحكام المحتضر

           

          أحكام المحتضر

          يجب على من ظهر عنده أمارات الموت أداء الحقوق الواجبة خَلقيّا أو خالقيّا، وردّ الأمانات الّتي عنده، أو الإيصاء بها مع الاطمينان بإنجازها. و كذا يجب الإيصاء بالواجبات الّتي لا تقبل النيابة حال الحياة - كالصلاة والصوم والحجّ غالبا ونحوها - إذا كان له مال، وفي ما يجب على الوليّ كالصلاة والصوم يتخيّر بين إعلامه والإيصاء به.
          مسألة ۱ - لا يجب عليه نصب القيّم على أطفاله الصغار ، إلّا إذا كان عدمه تضييعا لهم ولحقوقهم، فإذا نصب فليكن المنصوب أمينا، وكذا من عيّنه لأداء الحقوق الواجبة.
          مسألة ۲ - يجب كفايةً - على الأحوط، بل لا يخلو من قوّة - في حال الاحتضار والنزع توجيه المحتضر المسلم إلى القبلة، بأن يُلقى على ظهره ويجعل باطن قدميه ووجهه إلى القبلة، بحيث لو جلس كان وجهه إليها، رجلا كان أو امرأة، صغيرا كان أو كبيرا. والأحوط مراعاة الاستقبال بالكيفيّة المذكورة ما لم ينقل عن محل الاحتضار. وأمّا مراعاته في جميع الحالات إلى ما بعد الفراغ من الغسل فالأقوى عدم لزومه، والأحوط مراعاته أيضا. وأمّا ما بعد الغسل إلى حال الدفن فالأولى بل الأحوط وضعه بنحو ما يوضع حال الصلاة عليه.
          مسألة ۳ - يستحبّ تلقينه الشهادتين، والإقرار بالأئمّة الاثني عشر (علیهم السلام)، وكلمات الفرج، ونقله إلى مصلّاه إذا اشتدّ نزعه بشرط أن لا يوجب أذاه، وقراءة سورتي «يس» و «الصافّات» عنده لتعجيل راحته. وكذا يستحبّ تغميض عينيه، وتطبيق فمه، وشدّ فكّيه، ومدّ يديه إلى جنبيه، ومدّ رجليه، وتغطيته بثوب، والإسراج عنده في الليل، وإعلام المؤمنين ليحضروا جنازته، والتعجيل في تجهيزه إلّا مع اشتباه حاله، فينتظر إلى حصول اليقين بموته. ويكره مسّه في حال النزع، ووضع شي ء ثقيل على بطنه، وإبقاؤه وحده. وكذا يكره حضور الجنب والحائض عنده حال الاحتضار.

        • القول في غسل الميت
          • أحكام غسل الميت وشرائطه

             

            أحكام غسل الميت وشرائطه

            يجب كفايةً تغسيل كلّ مسلم ولوكان مخالفا على الأحوط فيه؛ كما أنّ الأحوط تغسيله بالكيفيّة الّتي عندنا والّتي عندهم. ولايجوز تغسيل الكافر ومنّ حكم بكفره من المسلمين، كالنواصب والخوارج وغيرهما على التفصيل الآتي في النجاسات. وأطفال المسلمين حتّى ولد الزنا منهم بحكمهم، فيجب تغسيلهم، بل يجب تغسيل السقط إذا تمّ له أربعة أشهر، ويكفّن و يُدفن على المتعارف. ولو كان له أقلّ من أربعة أشهر لا يجب غسله، بل يُلفّ في خرقة ويُدفن.
            مسألة ۱ - يسقط الغسل عن الشهيد - وهو المقتول في الجهاد مع الإمام (علیه السلام) أو نائبه الخاصّ - بشرط خروج روحه في المعركة حين اشتعال الحرب أو في غيرها قبل إدراكه المسلمون حيّا. وأمّا لو عثروا عليه بعد الحرب في المعركة وبه رمق فيجب غسله وتكفينه على الأحوط لو خرج روحه فيها، ولو خرج خارجها فالظاهر وجوب غسله وتكفينه. ويلحق به المقتول في حفظ بيضة الإسلام، فلايُغسّل ولايُحنّط ولايُكفّن، بل يُدفن بثيابه، إلّا إذاكان عاريا فيكفّن. وكذا يسقط عمّن وجب قتله برجم أو قصاص، فإنّ الإمام (علیه السلام) أو نائبه الخاصّ أو العامّ يأمره بأن يغتسل غسل الميّت، ثمّ يكفّن كتكفينه و يُحنّط ثمّ يقتل ويُصلّى عليه ويُدفن بلا تغسيل. والظاهر أنّ نيّة الغسل من المأمور وإن كان الأحوط نيّة الآمر أيضا.
            مسألة ۲ - القطعة المنفصلة من الميّت قبل الاغتسال إن لم تشتمل على العظم لا يجب غسلها، بل تُلفّ في خرقة وتُدفن على الأحوط. وإن كان فيها عظم ولم تشتمل على الصدر تُغسّل وتُدفن بعد اللفّ في خرقة. ويُلحق بها إن كانت عظما مجرّدا في الدفن، والأحوط الإلحاق في الغسل أيضا وإن كان عدمه لايخلو من قوّة. وإن كانت صدرا أو اشتملت على الصدر أو كانت بعض الصدر الّذي محلّ القلب في حال الحياة وإن لم يشتمل عليه فعلا تُغسّل وتُكفّن ويُصلّى عليها وتُدفن. ويجوز الاقتصار في الكفن على الثوب واللفّافة، إلّا إذا كانت مشتملةً على بعض محلّ المئزر أيضا. ولو كان معها بعض المساجد يُحنّط ذلك البعض.
            وفي إلحاق المنفصلة من الحيّ بالميّت في جميع ما تقدّم إشكال، لا يترك الاحتياط بالإلحاق فيها وعدم الإلحاق في المسّ بعد الغسل في العظم أو المشتمل عليه.
            مسألة ۳ - تغسيل الميّت كتكفينه والصلاة عليه فرض، على الكفاية على جميع المكلّفين، وبقيام بعضهم به يسقط عن الباقين وإن كان أولى الناس بذلك أولاهم بميراثه، بمعنى أنّ الوليّ لو أراد القيام به أو عيّن شخصا لذلك لا يجوز مزاحمته، بل قيام الغير به مشروط بإذنه على الأقوى، فلا يجوز بدونه. نعم، تسقط شرطيّته مع امتناعه عنه وعن القيام به على الأقوى و إن كان الأحوط الاستيذان من المرتبة المتأخّرة. ولو كان الوليّ قاصرا أو غائبا لا يبعد وجوب الاستيذان من الحاكم الشرعيّ. والإذن أعمّ من الصريح والفحوى وشاهد الحال القطعيّ.
            مسألة 4 - المراد بالوليّ - الّذي لا يجوز مزاحمته أو يجب الاستيذان منه - كلّ من يرثه بنسب أو سبب. ويترتّب ولايتهم على ترتيب طبقات الإرث، فالطبقة الاُولى مقدّمون على الثانية، وهي على الثالثة، فإذا فقدت الأرحام فالأحوط الاستيذان من المولى المعتق ثمّ ضامن الجريرة ثمّ الحاكم الشرعيّ. وأمّا في نفس الطبقات فتقدّم الرجال على النساء لا يخلو من وجه، لكن لا ينبغي ترك الاحتياط في الاستيذان عنهنّ أيضا. والبالغون مقدّمون على غيرهم، ومن تقرّب إلى الميّت بالأبوين أولى ممّن تقرّب إليه بأحدهما، ومن انتسب إليه بالأب أولى ممّن انتسب إليه بالاُمّ. وفي الطبقة الاُولى الأب مقدّم على الاُمّ والأولاد، وهم على أولادهم. وفي الطبقة الثانية الجدّ مقدّم على الإخوة على وجه وإن لا يخلو من تأمّل، وهم على أولادهم. وفي الثالثة العمّ مقدّم على الخال وهما على أولادهما.
            مسألة 5 - الزوج أولى بزوجته من جميع أقاربها إلى أن يضعها في قبرها، دائمةً كانت أو منقطعةً، على إشكال في الأخيرة.
            مسألة 6 - لو أوصى الميّت في تجهيزه إلى غير الوليّ فالأحوط الاستيذان منه ومن الوليّ.
            مسألة 7 - يشترط المماثلة بين المغسّل والميّت في الذكورة والاُنوثة؛ فلايغسّل الرجل المرأة ولا العكس ولو كان من وراء الستر ومن دون لمس ونظر، إلّا الطفل الّذي لا يزيد عمره من ثلاث سنين، فيجوز لكلّ من الرجل والمرأة تغسيل مخالفه ولو مع التجرّد، وإلّا الزوج والزوجة فيجوز لكلّ منهما تغسيل الآخر ولو مع وجود المماثل والتجرّد، حتّى أنّه يجوز لكلّ منهما النظر إلى عورة الآخر على كراهيّة. ولا فرق في الزوجة بين الحرّة والأمة والدائمة والمنقطعة والمطلّقة الرجعيّة قبل انقضاء عدّة الطلاق، على إشكال في الأخيرتين.
            مسألة 8 - لا إشكال في جواز تغسيل الرجل محارمه وبالعكس مع فقد المماثل حتّى عاريا مع ستر العورة؛ وأمّا مع وجوده ففيه تأمّل وإشكال، فلا يترك الاحتياط.
            مسألة 9 - يجوز للمولى تغسيل أمته إذا لم تكن مزوّجةً ولا معتدّةً ولامبعّضةً، بل ولا مكاتبةً على الأحوط. وأمّا تغسيل الأمة مولاها ففيه إشكال.
            مسألة 10 - الميّت المشتبه بين الذكر والاُنثى -ولو من جهة كونه خنثى- يغسّله من وراء الثوب كلّ من الرجل والاُنثى.
            مسألة 11 - يعتبر في المغسّل الإسلام، بل والإيمان في حال الاختيار؛ فلو انحصر المغسّل المماثل في الكتابيّ أو الكتابيّة أمر المسلم الكتابيّة والمسلمة الكتابيّ أن يغتسل أوّلا ثمّ يغسّل الميّت؛ وإن أمكن أن لا يمسّ الماء و بدن الميّت أو يغسّل في الكرّ أو الجاري تعيّن على الأحوط. ولو انحصر المماثل في المخالف فكذلك، إلّا أنّه لا يحتاج إلى الاغتسال قبل التغسيل، ولا إلى عدم مسّ الماء وبدن الميّت، ولا إلى الغسل في الكرّ والجاري. ولو انحصر المماثل في الكتابيّ والمخالف يقدّم الثاني.
            مسألة 12 - لو لم يوجد المماثل حتّى الكتابيّ سقط الغسل على الأقوى. ولايبعد أن يكون الأحوط ترك غسله ودفنه بثيابه؛ كما أنّ الأحوط أن ينشّف بدنه قبل التكفين، لاحتمال بقاء نجاسته فيتنجّس الكفن به.
            مسألة 13 - الأحوط اعتبار البلوغ في المغسّل؛ فلا يجزي تغسيل الصبيّ المميّز على الأحوط، حتّى بناءً على صحّة عباداته كما هو الأقوى.

          • القول في كيفية غسل الميت

             

            القول في كيفيّة غسل الميّت

            يجب أوّلا إزالة النجاسة عن بدنه. والأقوى كفاية غسل كلّ عضو قبل تغسيله وإن كان الأحوط تطهير جميع الجسد قبل الشروع في الغسل. ويجب تغسيله ثلاثة أغسال: أوّلها بماء السدر، ثمّ بماء الكافور، ثمّ بالماء الخالص. ولو خالف الترتيب عاد إلى ما يحصل به بإعادة ما حقّه التأخير. وكيفيّة كلّ غسل من الأغسال الثلاثة كغسل الجنابة، فيبدأ بغسل الرأس والرقبة ثمّ الطرف الأيمن ثمّ الأيسر. ولا يكفي الارتماس في الأغسال الثلاثة على الأحوط، بأن يكتفي في كلّ غسل بارتماسة واحدة. نعم، يجوز في غسل كلّ عضو من الأعضاء الثلاثة من كلّ غسل من الأغسال الثلاثة رمس العضو في الماء الكثير مع مراعاة الترتيب.
            مسألة 1 - يعتبر في كلّ من السدر والكافور أن يكون بمقدار يصدق أنّه مخلوط بهما مع بقاء الماء على إطلاقه.
            مسألة 2 - لو تعذّر أحد الخليطين أو كلاهما غُسّل بالماء الخالص بدلا عمّا تعذّر على الأحوط، بل وجوبه لايخلومن قوّة قاصدا به البدليّةمراعياللترتيب بالنيّة.
            مسألة 3 - لو فقد الماء للغسل ييمّم ثلاث تيمّمات بدلًا عن الأغسال على الترتيب. والأحوط تيمّم آخر بقصد بدليّته عن المجموع وإن كان الأقوى عدم لزومه. وييمّم أيضا لو كان مجروحا أو محروقا أو مجدورا بحيث يخاف من تناثر جلده لو غسّل. ولا يترك الاحتياط بالتيمّم بيد الحيّ وبيد الميّت مع الإمكان وإن لا يبعد جواز الاكتفاء بيد الميّت إن أمكن. ويكفي ضربة واحدة للوجه واليدين وإن كان الأحوط التعدّد.
            مسألة 4 - لو لم يكن عنده من الماء إلّا بمقدار غسل واحد غسّله غسلاً واحدا وييمّمه تيمّمين؛ فإن كان عنده الخليطان أو السدر خاصّة صرف الماء في الغسل الأوّل وييمّمه للأخيرين؛ وكذا إن لم يكونا عنده على الأقوى. و يحتمل بعيدا وجوب صرفه للثالث والتيمّم للأوّلين. و طريق الاحتياط في مراعاة الاحتمالين بأن ييمّم تيمّمين بدلا عن الغسلين الأوّلين على الترتيب احتياطا، ثمّ يغسّل بالماء بقصد ما في الذمّة مردّدا بين كونه الغسل الأوّل أو الثالث، ثمّ تيمّمين بقصد الاحتياط: أحدهما بدلا عن الغسل الثاني والآخر بدلا عن الثالث. ولو كان عنده الكافور فقط صرفه في الغسل الأوّل وييمّمه تيمّمين للثاني والثالث، ويحتمل بعيدا صرفه في الثاني والتيمّم للأوّل والثالث. والأحوط أن ييمّم أوّلا بدلا عن الغسل الأوّل، ثمّ يغسّل بماء الكافور قاصدا به ما في الواقع: من بدليّته عن الغسل بماء السدر أو كونه الغسل الثاني، ثمّ ييمّم تيمّمين: أحدهما بدلا عن الغسل بماء الكافور و الثاني بدلا عن الغسل بالماء الخالص. ولو كان ما عنده من الماء يكفي لغسلين فإن كان عنده الخليطان صرفه في الأوّلين وييمّمه للثالث؛ وكذا لو كان عنده أحد الخليطين أو لم يكن شي ء منهما.
            مسألة 5 - لو كان الميّت محرما يغسّله ثلاثة أغسال كالمحلّ، لكن لا يخلط الماء بالكافور في الغسل الثاني، إلّا أن يكون موته بعد التقصير في العمرة، وبعد السعي في الحجّ. وكذلك لا يحنّط بالكافور إلّا بعدهما.
            مسألة 6 - لو يمّمه عند تعذّر الغسل أو غسّله بالماء الخالص لأجل تعذّر الخليط ثمّ ارتفع العذر فإن كان قبل الدفن يجب الغسل في الأوّل، والأحوط إعادته مع الخليط في الثاني؛ وإن كان بعده مضى.
            مسألة 7 - لو كان على الميّت غسل جنابة أو حيض أو نحوهما أجزأ عنها غسل الميّت.
            مسألة 8 - لو دفن بلا غسل ولو نسيانا وجب نبشه لتغسيله إن لم يكن فيه محذور: من هتك حرمة الميّت لأجل فساد جثّته، أو الحرج على الأحياء بواسطة رائحته أو تجهيزه؛ وكذا إذا ترك بعض أغساله أو تبيّن بطلانه؛ وكذا إذا دفن بلاتكفين. وأمّا لو دفن مع الكفن الغصبيّ فإن لم يكن في النبش محذور يجب، وأمّا مع المحذور المتقدّم ففيه إشكال. والأحوط للمغصوب منه أخذ قيمة الكفن. نعم، لو كان الغاصب هو الميّت فالأقوى جواز نبشه حتّى مع الهتك. ولو تبيّن أنّه لم يصلّ عليه أو تبيّن بطلانها لايجوز نبشه، بل يصلّى على قبره.
            مسألة 9 - لا يجوز أخذ الاُجرة على تغسيل الميّت، إلّا إذا جعلت الاُجرة في قبال بعض الاُمور غير الواجبة، مثل تليين أصابعه ومفاصله، وغسل يديه قبل التغسيل إلى نصف الذراع، وغسل رأسه برغوة السدر أو الخطميّ، وغسل فرجيه بالسدر أو الإشنان قبل التغسيل، و تنشيفه بعد الفراغ بثوب نظيف، وغير ذلك.
            مسألة 10 - لو تنجّس بدن الميّت بعد الغسل أو في أثنائه بخروج نجاسته أو نجاسة خارجيّة لا يجب إعادة غسله حتّى في ما خرج منه بول أو غائط على الأقوى وإن كان الأحوط إعادته لو خرجا في أثنائه. نعم، يجب إزالة الخبث عن جسده؛ والأحوط ذلك ولو كان بعد وضعه في القبر، إلّا مع التعذّر ولو لاستلزامه هتك حرمته بسبب الإخراج.
            مسألة 11 - اللوح أو السرير الّذي يغسّل عليه الميّت لا يجب غسله بعد كلّ غسل من الأغسال الثلاثة. نعم، الأحوط غسله لميّت متأخّر وإن كان الأقوى أنّه يطهر بالتبعيّة؛ وكذا الحال في الخرقة الموضوعة عليه، فإنّها أيضا تطهر بالتبع.
            مسألة 12 - الأحوط أن يوضع الميّت حال الغسل مستقبل القبلة على هيئة المحتضر وإن كان الأقوى أنّه من السنن.
            مسألة 13 - لا يجب الوضوء للميّت على الأصحّ. نعم، يقوى استحبابه، بل هو الأحوط، وينبغي تقديمه على الغسل.

          • القول في آداب الغسل

             

            القول في آداب الغسل

            وهي اُمور: وضعه على ساجة أو سرير، وأن ينزع قميصه من طرف رجليه وإن استلزم فتقه، لكن حينئذٍ يراعى رضى الورثة على الأحوط، وأن يكون تحت الظلال من سقف أو خيمة ونحوهما، وستر عورته وإن لم ينظر إليها أو كان المغسّل ممّن يجوز له النظر إليها، وتليين أصابعه ومفاصله برفق، وغسل يديه قبل التغسيل إلى نصف الذراع، وغسل رأسه برغوة السدر أو الخطميّ، وغسل فرجيه بالسدر أو الإشنان أمام الغسل، ومسح بطنه برفق في الغسلين الأوّلين، إلّا أن يكون الميّت امرأةً حاملا، وتثليث غسل اليدين والفرجين، وتثليث غسل كلّ عضو من كلّ غسل، فيصير مجموع الغسلات سبعا وعشرين، وتنشيف بدنه بعد الفراغ بثوب نظيف وغير ذلك.
            مسألة - لو سقط من بدن الميّت شي ء- : من جلد أو شعر أو ظفر أو سنّ - يجعل معه في كفنه ويدفن.

        • القول في تكفين الميت
          • أحكام تكفين الميت

             

            أحكام تكفين الميت

            وهو واجب كفائيّ كالتغسيل. والواجب منه ثلاثة أثواب: مئزريستر بين السرّة والركبة، وقميص يصل إلى نصف الساق لا أقلّ على الأحوط، وإزار يغطّي تمام البدن، فيجب أن يكون طوله زائدا على طول الجسد، وعرضه بمقدار يمكن أن يوضع أحد جانبيه على الآخر، ويلفّ عليه بحيث يستر جميع الجسد. وعند تعذّر الجميع أتى بما تيسّر مقدّما للأشمل على غيره لدى الدوران؛ ولو لم يمكن إلّا ستر العورة وجب.
            مسألة ۱ - لا يجوز التكفين بالمغصوب ولو في حال الاضطرار، ولا بالحرير الخالص ولو للطفل والمرأة، ولا بجلد الميتة، ولا بالنجس حتّى ما عفي عنه في الصلاة، ولا بما لا يؤكل لحمه جلدا كان أو شعرا أو وبرا، بل ولا بجلد المأكول أيضا على الأحوط، دون صوفه وشعره ووبره، فإنّه لا بأس به.
            مسألة ۲ - يختصّ عدم جواز التكفين بما ذكر - في ما عدا المغصوب - بحال الاختيار؛ فيجوز الجميع مع الاضطرار، بل لو عمل جلد المأكول على نحو يصدق عليه الثوب يجوز في حال الاختيار أيضا، ومع عدم الصدق لا يجوز اختيارا. ومع الدوران يقدّم النجس، ثمّ الحرير على الأحوط، ثمّ المأكول، ثمّ غيره.
            مسألة 3 - لو تنجّس الكفن قبل الوضع في القبر وجبت إزالة النجاسة عنه بغسل أو قرض غير قادح في الكفن، وكذا بعد الوضع فيه، والأولى القرض في هذه الصورة. ولو تعذّر غسله ولو من جهة توقّفه على إخراجه تعيّن القرض؛ كما أنّه يتعيّن الغسل لو تعذّر القرض ولو من جهة استلزامه زوال ساتريّة الكفن. نعم، لوتوقّف الغسل على إخراجه من القبر و هتكه فلا يجب، بل لا يجوز. ولو تعذّرا وجب التبديل مع الإمكان لو لم يلزم الهتك، وإلّا لا يجوز.
            مسألة 4 - يخرج الكفن - عدا ما استثني - من أصل التركة مقدّما على الديون والوصايا والميراث. والظاهر خروج ما هو المتعارف اللائق بشأنه منه، وكذا سائر مُؤَن التجهيز. ولا ينبغي ترك الاحتياط في الزائد على الواجب مع التحفّظ على عدم إهانته. وكذا يخرج من الأصل الماء والسدر والكافور وقيمة الأرض واُجرة الحمّال والحفّار وغيرها من مُؤَن التجهيز، حتّى ما تأخذه الحكومة للدفن في الأرض المباحة. ولو كانت التركة متعلّقةً لحقّ الغير بسبب الفلس أو الرهانة فالظاهر تقديم الكفن عليه. نعم، في تقديمه على حقّ الجناية إشكال. ولو لم تكن له تركة بمقدار الكفن دُفن عريانا؛ ولا يجب على المسلمين بذله بل يستحبّ.
            مسألة 5 - كفن الزوجة وسائر مُؤَن تجهيزها على زوجها ولو مع يسارها، كبيرةً كانت أو صغيرةً، مجنونةً أو عاقلةً، حرّةً أو أمةً، مدخولةً أو غيرَها، مطيعةً أو ناشزةً. وفي المنقطعة إشكال، سيّما إذا كانت مدّة نكاحها قصيرةً جدّا. ولا يترك الاحتياط في المطلّقة الرجعيّة، بل الظاهر كونها عليه.
            مسألة 6 - لو تبرّع متبرّع بكفنها ولم يكن وهنا عليها سقط عن الزوج.
            مسألة 7 - لو مات الزوج بعد زوجته أو قبلها أو مقارنا لها ولم يكن له مال إلّا بمقدار كفن واحد قُدّم عليها.
            مسألة 8 - لو كان الزوج معسرا فكفن الزوجة من تركتها؛ فلو أيسربعد دفنها ليس للورثة مطالبة قيمته.
            مسألة 9 - لا يُلحق بالزوجة في وجوب الكفن من وجبت نفقته من الأقارب. نعم، كفن المملوك على سيّده، إلّا الأمة المزوّجة فعلى زوجها.

          • القول في مستحبات الكفن وآداب التكفين

             

            القول في مستحبّات الكفن وآداب التكفين

            يستحبّ الزيادة على القطع الثلاث في كلّ من الرجل والمرأة بخرقة للفخذين، طولها ثلاثة أذرع ونصف، وعرضها شبر إلى شبر ونصف، تُشدّ من الحَقوين ثمّ تُلفّ على الفخذين لفّا شديدا على وجه لا يظهر منهما شي ء إلى أن تصل إلى الركبتين، ثمّ يُخرج رأسها من تحت رجليه إلى جانب الأيمن، ثمّ يُغمز في الموضع الّذي انتهى إليه اللفّ؛ وجعل شي ء من القطن بين الأليتين على وجه (۱) يستر العورتين بعد وضع شي ء من الذريرة عليه، ويُحشى دبره بشي ء منه إذا خشي خروج شي ء منه، بل وقُبُل المرأة أيضا، سيّما إذا كان يخشى خروج دم النفاس ونحوه منه، كلّ ذلك قبل اللفّ بالخرقة المذكورة؛ ولفّافة اُخرى فوق اللفّافة الواجبة، والأفضل كونها بُردا يمانيّا؛ بل يقوى استحباب لفّافة ثالثة سيّما في المرأة؛ وفي الرجل خاصّة بعمامة يُلفّ بها رأسه بالتدوير، ويجعل طرفاها تحت الحنك، ويُلقى فضل الشقّ الأيمن على الأيسر وبالعكس، ثمّ يُمدّان إلى صدره؛ وفي المرأة خاصّة بمقنعة بدل العمامة، ولفّافة يُشدّ بها ثدياها إلى ظهرها. ويستحبّ إجادة الكفن، وكونه من طهور المال لا تشوبه شبهة، وأن يكون من القطن، وأن يكون أبيض عدا الحَبَرة، فإنّ الأولى أن تكون بُردا أحمر، وأن يكون من ثياب أحرم فيها أو كان يصلّي فيها، وأن يخاط على الاُولى بخيوطه إذا احتاج إلى الخياطة، وأن يُلقى على كلّ ثوب منه شي ء من الكافور والذريرة، وأن يكتب على حاشية جميع قِطَع الكفن وعلى الجريدتين: «إنّ فلان بن فلان يشهد أن لا إله إلّا اللّه وحده لا شريك له، وأنّ محمّدا رسول اللّه(صلي الله علیه وآله وسلم)، وأنّ عليّا والحسن والحسين - ويعدّ الأئمّة(علیهم السلام) إلى آخرهم - أئمّته وسادته وقادته، وأنّ البعث والثواب والعقاب حقّ»؛ وأن يكتب عليه الجوشن الكبير. نعم، الأولى بل الأحوط أن يكون ذلك كلّه في مقام يؤمن عليه من النجاسة والقذارة. والأحوط التجنّب عن الكتابة في المواضع الّتي تنافي احترامها عرفا. والأولى للمباشر للتكفين لوكان هو المغسّل الغسلُ من المسّ والوضوء قبل التكفين، وإذا كان غيره الطهارة من الحدث الأكبر والأصغر.


            ۱- في جميع الطبعات هكذا، ولكنّ الصحيح: «الأليين» بدون التاء.

          • القول في الحنوط

             

            القول في الحنوط

            وهو واجب على الأصحّ، صغيرا كان الميّت أو كبيرا، ذكرا كان أو اُنثى، ولا يجوز تحنيط المحرم كما تقدّم. ويشترط أن يكون بعد الغسل أو التيمّم. والأقوى جوازه قبل التكفين وبعده وفي الأثناء وإن كان الأوّل أولى.
            وكيفيّته أن يمسح الكافور على مساجده السبعة. ويستحبّ إضافة طرف الأنف إليها، بل هو الأحوط. ولا يبعد استحباب مسح إبطيه ولَبّته ومفاصله به، والأولى الإتيان به رجاءً. ولا يقوم مقام الكافور طيب آخر حتّى عند الضرورة.
            مسألة ۱ - لا يجب مقدار معيّن من الكافور في الحنوط، بل الواجب المسمّى ممّا يصدق معه المسح به. والأفضل الأكمل أن يكون سبعة مثاقيل صيرفيّة، ودونه في الفضل أربعة مثاقيل شرعيّة، ودونه أربعة دراهم، ودونه مثقال شرعيّ، ودونه درهم. ولو تعذّر الجميع حتّى المسمّى منه دُفن بغير حنوط.
            مسألة 2 - يستحبّ خلط كافور الحنوط بشي ء من التربة الشريفة، لكن لا يمسح به المواضع المنافية لاحترامها كالإبهامين.

          • القول في الجريدتين

             

            القول في الجريدتين

            من السنن الأكيدة وضع عودين رطبين مع الميّت، صغيرا أو كبيرا، ذكرا أو اُنثى. ويوضع مع الصغير رجاءً. والأفضل كونهما من جريد النخل، وإن لم يتيسّر فمن السدر، وإلّا فمن الخلاف، وإلّا فمن الرمّان، وإلّا فمن كلّ شجر رطب. والأولى كونهما بمقدار عظم الذراع وإن أجزأ الأقلّ إلى شبر والأكثر إلى ذراع؛ كما أنّ الأولى في كيفيّة وضعهما جعلُ أحدهما في جانبه الأيمن من عند الترقوة إلى ما بلغ ملصقا بجلده، والآخر في جانبه الأيسر من عند الترقوة إلى ما بلغ فوق القميص تحت اللفّافة.

        • القول في تشييع الجنازة

           

          القول في تشييع الجنازة

          وفضله كثير، وثوابه خطير، حتّى ورد في الخبر: «من شيّع جنازة فله بكلّ خطوة حتّى يرجع مائة ألف ألف حسنة، ويُمحى عنه مائة ألف ألف سيّئة، ويُرفع له مائة ألف ألف درجة، فإن صلّى عليها يشيّعه مائة ألف ألف ملك كلّهم يستغفرون له، فإن شهد دفنها وكّل اللّه به مائة ألف ألف ملَك يستغفرون له حتّى يُبعث من قبره، ومن صلّى على ميّت صلّى عليه جبرئيل وسبعون ألف ألف ملك، وغُفر له ما تقدّم من ذنبه، وإن أقام عليه حتّى يدفنه وحثى عليه من التراب انقلب من الجنازة وله بكلّ قدم - من حيث تبعها حتّى يرجع إلى منزله - قيراط من الأجر، والقيراط مثل جبل اُحد يُلقى في ميزانه من الأجر».
          وأمّا آدابه فهي كثيرة:
          منها: أن يقول حامل الجنازة حين حملها: «بسم اللّه وباللّه، وصلّى اللّه على محمّد وآل محمّد، اللّهمّ اغفر للمؤمنين والمؤمنات».
          ومنها: أن يحملوها على أكتافهم، لا على الدابّة ونحوها إلّا لعذر كبعد المسافة، لئلّا يحرموا من فضل حملها على الأكتاف. وأمّا كراهة حملها على الدابّة فغير معلومة.
          ومنها: أن يكون المشيّع خاشعا متفكّرا، متصوّرا أنّه هو المحمول وقد سأل الرجوع إلى الدنيا فاُجيب.
          ومنها: المشي. والركوب مكروه إلّا لعذر. نعم، لا يكره في الرجوع.
          ومنها: المشي خلف الجنازة أو جانبيها، والأوّل أفضل .
          ومنها: التربيع، بمعنى أن يحمل الشخص الواحد جوانبها الأربعة. والأفضل أن يبتدئ بمقدّم السرير من طرف يمين الميّت فيضعه على عاتقه الأيمن، ثمّ يحمل مؤخّره الأيمن على عاتقه الأيمن، ثمّ مؤخّره الأيسر على عاتقه الأيسر، ثمّ ينتقل إلى المقدّم الأيسر ويضعه على عاتقه الأيسر.
          ومنها: أن يكون صاحب المصيبة حافيا واضعا رداءه، أو مغيّرا زيّه على وجه آخر مناسب للمعزّى حتّى يعرف.
          ويكره الضحك واللعب واللهو، ووضع الرداء لغير صاحب المصيبة، والإسراع في المشي على وجه ينافي الرفق بالميّت، سيّما إذا كان بالعدو، بل ينبغي الوسط في المشي، وإتباعها بالنار، إلّا المصباح بل مطلق الضياء في الليل، والقيام عند مرورها إذا كان جالسا، إلّا إذا كان الميت كافرا فيقوم. والأولى ترك النساء تشييع الجنازة حتّى للنساء. ولا يبعد الكراهة للشابّة.

        • القول في الصلاة على الميت
          • أحكام صلاة الميت وموارد وجوبها

             

            أحكام صلاة الميت وموارد وجوبها

            يجب الصلاة على كلّ مسلم وإن كان مخالفا للحقّ على الأصحّ. ولا يجوز على الكافر بأقسامه حتّى المرتدّ ومن حكم بكفره ممّن انتحل الإسلام، كالنواصب والخوارج. ومن وُجد ميّتا في بلاد المسلمين يُلحق بهم، وكذا لقيط دارالإسلام؛ وأمّا لقيط دارالكفر إن وُجد فيها مسلم يحتمل كونه منه ففيه إشكال. وأطفال المسلمين حتّى ولدالزنا منهم بحكمهم في وجوب الصلاة عليهم إذا بلغوا ستّ سنين؛ وفي الاستحباب على من لم يبلغ ذلك الحدّ إذا وُلد حيّا تأمّل. وأمّا من وُلد ميّتا فلا تستحبّ وإن ولجه الروح قبل ولادته. وقد تقدّم سابقا أنّ حكم بعض البدن إن كان صدرا أو مشتملا عليه أو كان بعض الصدر الّذي محلّ القلب - وإن لم يشتمل عليه فعلا - حكم تمام البدن في وجوب الصلاة عليه.
            مسألة 1 - محلّ الصلاة بعد الغسل والتكفين؛ فلا تجزي قبلهما، ولا تسقط بتعذّرهما، كما أنّه لا تسقط بتعذّر الدفن أيضا؛ فلو وجد في الفلاة ميّت ولم يمكن غسله وتكفينه ولا دفنه يُصلّى عليه ويُخلّى. والحاصل: أنّ كلّ ما تعذّر من الواجبات يسقط، وكلّ ما يمكن يثبت.
            مسألة 2 - يعتبر في المصلّي على الميّت أن يكون مؤمنا؛ فلا يجزي صلاة المخالف فضلا عن الكافر. ولا يعتبر فيه البلوغ على الأقوى؛ فيصحّ صلاة الصبيّ المميّز، لكن في إجزائها عن المكلّفين البالغين تأمّل. ولا يعتبر فيه الذكورة؛ فتصحّ صلاة المرأة ولو على الرجال. ولا يشترط في صحّتها عدم الرجال، ولكن ينبغي تقديمهم مع وجودهم، بل هو أحوط.
            مسألة 3 - الصلاة على الميّت وإن كان فرضا على الكفاية إلّا أنّه كسائر أنواع تجهيزه أولى الناس بها أولاهم بميراثه؛ فلو أراد المباشرة بنفسه أو عيّن شخصا لها لايجوز مزاحمته، بل الأقوى اشتراط إذنه في صحّة عمل غيره. ولو أوصى الميّت بأن يصلّي عليه شخص معيّن فالأحوط على الوليّ الإذن وعلى الوصيّ الاستيذان منه.
            مسألة 4 - يستحبّ فيها الجماعة. والأحوط اعتبار اجتماع شرائط الإمامة -من العدالة ونحوها- هنا أيضا، بل الأحوط اعتبار اجتماع شرائط الجماعة - من عدم الحائل ونحوه - وإن لا يبعد عدم اشتراط شي ء من شرائط الإمامة والجماعة إلّا في ما يشترط في صدقها عرفا، كعدم البعد المفرط والحائل الغليظ. ولا يتحمّل الإمام هنا عن المأمومين شيئا.
            مسألة 5 - يجوز أن يصلّي على ميّت واحد في زمان واحد أشخاص متعدّدون فرادى، بل وبالجماعات المتعدّدة. ويجوز لكلّ واحد منهم قصد الوجوب ما لم يفرغ منها أحد؛ فإذا فرغ نوى الباقون الاستحباب أو القربة، وكذلك الحال في المصلّين المتعدّدين في جماعة واحدة.
            مسألة 6 - يجوز للمأموم نيّة الانفراد في الأثناء، لكن بشرط أن لا يكون بعيدا عن الجنازة بما يضرّ، ولا خارجا عن المحاذاة المعتبرة في المنفرد.

          • القول في كيفية صلاة الميت

             

            القول في كيفيّة صلاة الميّت

            وهي خمس تكبيرات: يأتي بالشهادتين بعد الاُولى، والصلاة على النبيّ وآله بعد الثانية، والدعاء للمؤمنين والمؤمنات بعد الثالثة، والدعاء للميّت بعد الرابعة، ثمّ يكبّر الخامسة وينصرف. ولا يجوز أقلّ من خمس تكبيرات إلّا للتقيّة. وليس فيها أذان ولا إقامة ولا قراءة ولا ركوع ولا سجود ولا تشهّد ولا سلام.
            ويكفي في الأدعية الأربعة مسمّاها، فيجزي أن يقول بعد التكبيرة الاُولى: «أشهد أن لا إله إلّا اللّه وأشهد أنّ محمّدا رسول اللّه»، وبعد الثانية: «اللّهمّ صلّ على محمّد وآل محمّد»، وبعد الثالثة: «اللّهمّ اغفر للمؤمنين والمؤمنات»، وبعد الرابعة: «اللّهمّ اغفر لهذا الميّت»، ثمّ يقول: «اللّه أكبر» وينصرف.
            والأولى أن يقول بعد التكبيرة الاُولى: «أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلهَ إلّا اللّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، إِلها وَاحِدا أحدا صَمَدا فَرْدا حَيّا قَيّوما دَآئِما أَبَدا، لَمْ يَتّخِذْ صَاحِبَةً وَلَا وَلَدا، وَأَشْهَدُ أَنّ مُحَمّدا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، أَرْسَلَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدّينِ كُلّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ»، وبعد الثانية: «أَللّهُمّ صَلّ عَلَى مُحَمّدٍ وَآلِ مُحَمّدٍ، وَبَارِكْ عَلَى مُحَمّدٍ وَآلِ مُحَمّدٍ، وَارْحَمْ مُحَمّدا وَآلَ مُحَمّدٍ، أَفْضَلَ مَا صَلّيَت وَبَارَكْتَ وَتَرَحّمْتَ عَلَى إِبْراهِيمَ وَآلِ إِبْراهيمَ، إنّكَ حَمِيدٌ مَجيدٌ، وَصَلّ عَلَى جَمِيعِ الأَنْبِيآءِ وَالْمُرْسَلينَ»، وبعد الثالثة: «أَللّهُمّ اغْفِرْ لِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِماتِ، اَلْأَحْياءِ مِنْهُمْ وَالْأَمْواتِ، تَابِعِ اللّهُمّ بَيْنَنا وَبَيْنَهُمْ بِالْخَيْراتِ، إنّكَ عَلَى كُلّ شَىْ غ ءٍ قَدِيرٌ»، وبعد الرابعة: «أَللّهُمّ إِنّ هَذا الْمُسَجّى قُدّامَنا عَبْدُكَ وَابْنُ عَبْدِكَ، وَابْنُ أَمَتِكَ، نَزَلَ بِكَ وَأَنْتَ خَيْرُ مَنْزُولٍ بِهِ، أَللّهُمّ إِنّكَ قَبَضْتَ رُوحَهُ إِلَيْكَ، وَقَدِ احْتاجَ إِلَى رَحْمَتِكَ، وَأَنْتَ غَنِىّ عَنْ عَذَابِهِ، أَللّهُمّ إِنّا لا نَعْلَمُ مِنْهُ إِلّا خَيْرَاً، وَأَنْتَ أَعْلَمُ بِهِ مِنّا، أَللّهُمّ إِنْ كَانَ مُحْسِنا فَزِدْ فِي إِحْسَانِهِ، وَإِنْ كَانَ مُسِيئا فَتَجَاوَزْ عَنْ سَيّئاتِهِ، وَاغْفِرْ لَنا وَلَهُ، أَللّهُمّ احْشُرْهُ مَعَ مَنْ يَتَولّاهُ وَيُحِبّهُ، وَأَبْعِدْهُ مِمّنْ يَتَبرّأُ مِنْهُ وَيُبْغِضُهُ، أَللّهُمّ ألْحِقْهُ بِنَبِيّكَ وَعَرّفْ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ، وَارْحَمْنا إِذا تَوَفّيْتَنا يَا إِلهَ الْعالَمِيْنَ، أَللّهُمّ اكْتُبْهُ عِنْدَكَ فِي أَعْلَى عِلّيّينَ، وَاخْلُفْ عَلَى عَقِبِهِ فِي الْغَابِرينَ، وَاجْعَلْهُ مِنْ رُفَقآءِ مُحَمّدٍ وَآلِهِ الطّاهِرِينَ، وَارْحَمْهُ وَإِيّانا بِرَحْمَتِكَ يَا أَرْحَمَ الرّاحِمِينَ، أَللّهُمّ عَفْوَكَ عَفْوَكَ عَفْوَكَ».
            وإن كان الميّت امرأةً يقول بدل قوله «هذا المسجّى» إلى آخره: «هَذِهِ الْمُسَجّاةَ قُدّامَنا أَمَتُكَ وَابْنَةُ عَبْدِكَ وَابْنَةُ أَمَتِكَ» وأتى بالضمائر المؤنّثة، وإن كان الميّت طفلا دعا في الرابعة لأبويه بأن يقول: «أَللّهُمّ اجْعَلْهُ لِأَبَوَيْهِ وَلَنا سَلَفا وَفَرَطا وَأَجْرا».
            مسألة ۱ - في كلّ من الرجل والمرأة يجوز تذكير الضمائر باعتبار أنّه ميّت أو شخص، وتأنيثها باعتبار أنّه جنازة؛ فيسهل الأمر في ما إذا لم يعلم أنّ الميّت رجل أو امرأة، ولا يحتاج إلى تكرار الدعاء أو الضمائر.
            مسألة ۲ - لو شكّ في التكبيرات بين الأقلّ والأكثر فالأحوط الإتيان بوظيفة الأقلّ والأكثر رجاءً في الأدعية، فإذا شكّ بين الاثنين والثلاث - مثلا - بنى على الأقلّ، فأتى بالصلاةعلى النبيّ وآله عليهم الصلاةوالسلام ودعاللمؤمنين والمؤمنات، وكبّر ودعا للمؤمنين والمؤمنات ودعا للميّت، وكبّر ودعا له رجاءً وكبّر.

          • القول في شرائط صلاة الميت

             

            القول في شرائط صلاة الميّت

            تجب فيها نيّة القربة، وتعيين الميّت على وجه يرفع الإبهام ولو بأن يقصد الميّت الحاضر أو من عيّنه الإمام، واستقبال القبلة، والقيام، وأن يوضع الميّت أمامه مستلقيا على قفاه محاذيا له إذا كان إماما أو منفردا، بخلاف ما إذا كان مأموما في صفّ اتّصل بمن يحاذيه، وأن يكون رأسه إلى يمين المصلّي ورجله إلى يساره، وأن لا يكون بينه وبين المصلّي حائل، كستر أو جدار ممّا لا يصدق معه اسم الصلاة عليه، بخلاف الميّت في النعش ونحوه ممّا هو بين يدي المصلّي، وأن لا يكون بينهما بُعد مفرط على وجه لا يصدق الوقوف عليه، إلّا في المأموم مع اتّصال الصفوف، وأن لا يكون أحدهما أعلى من الآخر علوّا مفرطا، وأن تكون الصلاة بعد التغسيل والتكفين والحنوط، إلّا في من سقط عنه ذلك كالشهيد أو تعذّر عليه، فيصلّى عليه بدون ذلك، وأن يكون مستور العورة. ومن لم يكن له كفن أصلا فإن أمكن ستر عورته بشي ء قبل وضعه في القبر سترها وصلّى عليه، وإلّا فليُحفر قبره ويوضع في لحده مستلقيا على قفاه ويُوارى عورته بلبن أو أحجار أو تراب فيصلّى عليه، ثمّ بعد الصلاة عليه يضطجع على الهيئة المعهودة فيُوارى في قبره.
            مسألة ۱ - لا يعتبر فيها الطهارة من الحدث والخبث، ولا سائر شروط الصلاة ذات الركوع والسجود، ولا ترك موانعها إلّا مثل القهقهة والتكلّم، فإنّ الاحتياط فيه لا يترك، بل الأحوط مراعاة جميع ما يعتبر فيها.
            مسألة ۲ - لو لم يمكن الاستقبال أصلا سقط. وإن اشتبهت القبلة ولم يتمكّن من تحصيل العلم بها وفُقدت الأمارات الّتي يرجع إليها عند فقد العلم يعمل بالظنّ مع إمكانه، وإلّا فليصلّ إلى أربع جهات.
            مسألة ۳ - لو لم يقدر على القيام ولم يوجد من يقدر على الصلاة قائما تعيّن عليه الصلاة جالسا، ومع وجوده يجب عينا على المتمكّن، ولا يجزي عنه صلاة العاجز على الأظهر، لكن إذا عصى ولم يقم بوظيفته يجب على العاجز القيام بوظيفته. ولو فُقد المتمكّن وصلّى العاجز جالسا ثمّ وجد قبل أن يدفن فالأحوط إعادة المتمكّن وإن كان الإجزاء لا يخلو من وجه. نعم، الأقوى عدمه في ما إذا اعتقد عدم وجوده ثمّ تبيّن خلافه وظهر كونه موجودا من الأوّل.
            مسألة 4 - من أدرك الإمام في أثناء الصلاة جاز له الدخول معه، وتابعه في التكبير، وجعل أوّل صلاته أوّل تكبيراته، فيأتي بوظيفته من الشهادتين، فإذا كبّر الإمام الثالثة - مثلا - كبّر معه وكانت له الثانية، فيأتي بالصلاة على النبيّ وآله (عليهم السلام)، فإذا فرغ الإمام أتمّ ما عليه من التكبيرات مع الأدعية إن تمكّن منها ولو مخفّفةً، وإن لم يُمهلوه اقتصر على التكبير ولاءً من غير دعاء في موقفه.
            مسألة 5 - لا تسقط صلاة الميّت عن المكلّفين ما لم يأت بها بعضهم على وجه صحيح؛ فإذا شكّ في أصل الإتيان بنى على العدم؛ وإن علم به وشكّ في صحّة ما أتى به حمل على الصحّة؛ وإن علم بفساده وجب عليه الإتيان وإن كان المصلّي قاطعا بالصحّة. نعم، لو تخالف المصلّي مع غيره بحسب التقليد أو الاجتهاد - بأن كانت صحيحةً بحسب تقليد المصلّي أو اجتهاده، فاسدةً عند غيره بحسبهما - ففي الاجتزاء بها وجه لا يخلو عن إشكال، فلا يترك الاحتياط.
            مسألة 6 - يجب أن يكون الصلاة قبل الدفن لا بعده. نعم، لو دفن قبل الصلاة نسيانا أو لعذر آخر أو تبيّن فسادها لا يجوز نبشه لأجل الصلاة، بل يصلّى على قبره مراعيا للشرائط من الاستقبال وغيره مالم يمض مدّة تلاشى فيها بحيث خرج عن صدق اسم الميّت، بل من لم يدرك الصلاة على من صُلّي عليه قبل الدفن يجوز له أن يصلّي عليه بعده إلى يوم وليلة، وإذا مضى أزيد من ذلك فالأحوط الترك.
            مسألة 7 - يجوز تكرار الصلاة على الميّت على كراهيّة، إلّا إذا كان الميّت ذاشرف ومنقبة وفضيلة.
            مسألة 8 - لو حضرت جنازة في وقت الفريضة: فإن لم تزاحم الصلاة عليها الفريضة من جهة سعة وقتها ولم يخش من الفساد على الميّت لو اُخّرت صلاته تخيّر بينهما، والأفضل تقديم صلاته. ولو زاحمت وقت الفضيلة ففي الترجيح إشكال وتأمّل. ويجب تقديمها على الفريضة في سعة وقتها لو خيف على الميّت من الفساد إن اُخّرت صلاته؛ كما أنّه يجب تقديم الفريضة مع ضيق وقتها وعدم الخوف على الميّت. وأمّا مع الخوف عليه وضيق وقت الفريضة: فإن أمكن صونه عن الفساد بوجه ولو بالدفن وإتيان الصلاة في وقتها ثمّ الصلاة عليه مدفونا تعيّن ذلك، وإن لم يمكن ذلك بل زاحم وقت الفريضة الدفنَ الّذي يصونه من الفساد فالأقوى أيضا تقديم الفريضة مقتصرا على أقلّ الواجب.
            مسألة 9 - لو اجتمعت جنازات متعدّدة فالأولى انفراد كلّ منها بصلاة إن لم يخش على بعضها الفساد من جهة تأخير صلاتها، ويجوز التشريك بينها في صلاة واحدة، بأن يوضع الجميع قدّام المصلّي مع رعاية المحاذاة، ويراعى في الدعاء لهم بعد التكبير الرابع ما يناسبهم من تثنية الضمير أو جمعه وتذكيره وتأنيثه.
            مسألة 10 - لو حضرت جنازة اُخرى في أثناء الصلاة على الجنازة كما بعد التكبيرة الاُولى يجوز تشريك الثانية مع الاُولى في التكبيرات الباقية، فتكون ثانية الاُولى اُولى الثانية، وثالثة الاُولى ثانية الثانية وهكذا، فإذا تمّت تكبيرات الاُولى يأتي ببقيّة تكبيرات الثانية،فيأتي بعد كلّ تكبير مختصّ بما يخصّه من الدعاء، وبعد التكبير المشترك يجمع بين الدعاءين، فيأتي بعد التكبير الّذي هو أوّل الثانية وثاني الاُولى بالشهادتين للثانية والصلاة على النبيّ وآله صلوات اللّه عليهم للاُولى، وهكذا.

          • القول في آداب الصلاة على الميت

             

            القول في آداب الصلاة على الميّت

            وهي اُمور:
            منها: أن يقال قبل الصلاة: «الصلاة» ثلاث مرّات، وهي بمنزلة الإقامة للصلاة، والأحوط الإتيان بها رجاءً.
            ومنها: أن يكون المصلّي على طهارة من الحدث: من الوضوء أو الغسل أو التيمّم. ويجوز التيمّم بدل الغسل أو الوضوء هنا حتّى مع وجدان الماء إن خاف فوت الصلاة لو توضّ-أ أو اغتسل، بل مطلقا.
            ومنها: أن يقف الإمام أو المنفرد عند وسط الرجل بل مطلق الذكر، وعند صدر المرأة بل مطلق الاُنثى.
            ومنها: نزع النعل، بل يكره الصلاة بالحذاء، وهو النعل دون الخفّ والجورب، وإن كان الحفاء لا يخلو من رجحان، خصوصا للإمام.
            ومنها: رفع اليدين عند التكبيرات ولا سيّما الاُولى.
            ومنها: اختيار المواضع المعدّة للصلاة على الجنازة، وهو من الراجحات العقليّة، وأمّا رجحانه الشرعيّ فغير ثابت.
            ومنها: أن لا توقع في المساجد عدا المسجد الحرام.
            ومنها: إيقاعها جماعة.

        • القول في الدفن
          • أحكام الدفن

             

            أحكام الدفن

            يجب كفايةً دفن الميّت المسلم ومن بحكمه. وهو مواراته في حفيرة من الأرض؛ فلا يجزي البناء عليه، بأن يوضع على سطح الأرض فيبنى عليه حتّى يوارى، ولا وضعه في تابوت - ولو من صخر أو حديد - مع القدرة على المواراة في الأرض. نعم، لو تعذّر الحفر لصلابة الأرض - مثلا - أجزأ البناء عليها ووضعه فيه ونحو ذلك من أقسام المواراة. ولو أمكن نقله إلى أرض يمكن حفرها قبل أن يحدث بالميّت شي ء وجب. والأحوط كون الحفيرة بحيث تحرس جثّته من السباع وتكتم رائحته عن الناس، وإن كان الأقوى كفاية مجرّد المواراة في الأرض مع الأمن من الأمرين ولو من جهة عدم وجود السباع وعدم من يؤذيه رائحته من الناس أو البناء على قبره بعد مواراته.
            مسألة ۱ - راكب البحر مع تعذّر إيصاله إلى البرّ - لخوف فساده أولمانع آخر- أو تعسّره يغسّل ويكفّن ويحنّط ويصلّى عليه، ويوضع في خابية ونحوها ويوكأ رأسها أو يثقل بحجر أو نحوه في رجله ويُلقى فيه؛ والأحوط اختيار الأوّل مع الإمكان. ولو خيف على ميّت من نبش العدوّ قبره والتمثيل به اُلقي في البحر بالكيفيّة المزبورة.
            مسألة ۲ - يجب كون الدفن مستقبل القبلة، بأن يُضجعه على جنبه الأيمن بحيث يكون رأسه إلى المغرب ورجلاه إلى المشرق - مثلا - في البلاد الشماليّة. وبعبارة اُخرى: يكون رأسه إلى يمين من يستقبل القبلة ورجلاه إلى يساره؛ وكذا في دفن الجسد بلا رأس، بل في الرأس بلا جسد، بل في الصدر وحده، إلّا إذا كان الميّت كافرةً حاملا بولد مسلم، فإنّها تُدفن مستدبرة القبلة على جانبها الأيسر ليصير الولد في بطنها مستقبلا.
            مسألة ۳ - مؤونة الدفن حتّى ما يحتاج إليه لأجل استحكامه من القير والساروج وغير ذلك بل ما يأخذه الجائر للدفن في الأرض المباحة تخرج من أصل التركة؛ وكذا مؤونة الإلقاء في البحر من الحجر أو الحديد الّذي يثقل به الميّت أو الخابية الّتي يوضع فيها.
            مسألة 4 - لو اشتبهت القبلة: فإن أمكن تحصيل العلم أو ما بحكمه ولو بالتأخير على وجه لا يخاف على الميّت ولا يضرّ بالمباشرين وجب، وإلّا فيعمل بالظنّ على الأحوط، ومع عدمه يسقط الاستقبال.
            مسألة 5 - يجب دفن الأجزاء المبانة من الميّت حتّى الشعر والسنّ والظفر. والأحوط لو لم يكن الأقوى إلحاقها ببدن الميّت والدفن معه ما لم يستلزم النبش، وإلّا ففيه تأمّل.
            مسألة 6 - لو مات شخص في البئر ولم يمكن إخراجه ولا استقباله يخلّى على حاله، ويسدّ البئر ويجعل قبرا له مع عدم لزوم محذور، ككون البئر ملكاللغير.
            مسألة 7 - لو مات الجنين في بطن الحامل وخيف عليها من بقائه يجب التوسّل إلى إخراجه بكلّ حيلة، ملاحظا للأرفق فالأرفق ولو بتقطيعه قطعةً قطعةً. ويكون المباشر مع الإمكان زوجها، وإلّا فالنساء، وإلّا فالمحارم من الرجال، فإن تعذّر فالأجانب. ولو ماتت الحامل وكان الجنين حيّا وجب إخراجه ولو بشقّ بطنها؛ والأحوط شقّ جنبها الأيسر مع عدم الفرق بينه وبين غيره من المواضع، وإلّا فيشقّ الموضع الّذي يكون الخروج معه أسلم، ويخرج الطفل ثمّ يخاط وتدفن. ولا فرق في ذلك بين رجاء بقاء الطفل بعد الإخراج وعدمه على تأمّل. ولو خيف مع حياتهما على كلّ منهما ينتظر حتّى يقضي.
            مسألة 8 - لا يجوز الدفن في الأرض المغصوبة عينا أو منفعةً. ومنها الأراضي الموقوفة لغير الدفن، وما تعلّق بها حقّ الغير، كالمرهونة بغير إذن المرتهن. والأحوط الأولى ترك دفنه في قبر ميّت آخر قبل صيرورته رميما. نعم، لايجوز النبش لذلك. وفي جواز الدفن في المساجد مع عدم الإضرار بالمسلمين وعدم المزاحمة للمصلّين كلام، والأحوط بل الأقوى عدم الجواز.
            مسألة 9 - لا يجوز أن يدفن الكفّار وأولادهم في مقبرة المسلمين، بل لو دُفنوا نُبشوا، سيّما إذا كانت مسبّلةً للمسلمين. وكذا لا يجوز دفن المسلم في مقبرة الكفّار. ولو دفن عصيانا أو نسيانا فالأقوى جواز نبشه، خصوصا إذا كان البقاء هتكا له فيجب النبش والنقل.

          • القول في مستحبات الدفن ومكروهاته

             

            القول في مستحبّات الدفن ومكروهاته

            أمّا المستحبّات فهي اُمور:
            منها: حفر القبر إلى الترقوة أو بقدر القامة.
            ومنها: اللحد في الأرض الصلبة، بأن يُحفر في حائط القبر ممّايلي القبلة حفيرة بقدر ما تسع جثّته، فيوضع فيها؛ والشقّ في الأرض الرخوة، بأن يُحفر في قعر القبر حفيرة شبه النهر، فيوضع فيها الميّت ويسقّف عليه.
            ومنها: وضع جنازة الرجل قبل إنزاله في القبر ممّا يلي الرجلين، وجنازة المرأة ممّا يلي القبلة أمام القبر.
            ومنها: أن لا يفجأ به القبر، ولا يُنزله فيه بغتةً، بل يضعه دون القبر بذراعين أو ثلاثة، ويصبر عليه هنيئةً، ثمّ يقدّمه قليلا ويصبر عليه هنيئةً، ثمّ يضعه على شفير القبر ليأخذ اُهبته للسؤال، فإنّ للقبر أهوالا عظيمة نستجير باللّه منها، ثمّ يسلّه من نعشه سلّاً فيدخله برفق، سابقا برأسه إن كان رجلا، وعرضا إن كان امرأةً.
            ومنها: أن يحلّ جميع عقد الكفن بعد وضعه في القبر.
            ومنها: أن يكشف عن وجهه ويجعل خدّه على الأرض، ويعمل له وسادة من تراب، ويسند ظهره بلبنة أو مَدَرة لئلّا يستلقي على قفاه.
            ومنها: أن يسدّ اللحد باللبن أو الأحجار لئلّا يصل إليه التراب، وإذا أحكمها بالطين كان أحسن.
            ومنها: أن يكون من يُنزله في القبر متطهّرا، مكشوف الرأس، حالّاً أزراره، نازعا عمامته ورداءه ونعليه.
            ومنها: أن يكون المباشر لإنزال المرأة وحلّ أكفانها زوجها أو محارمها؛ ومع عدمهم فأقرب أرحامها من الرجال فالنساء، ثمّ الأجانب. والزوج أولى من الجميع.
            ومنها: أن يُهيل عليه التراب غيرُ أرحامه بظهر الأكفّ.
            ومنها: أن يقرأ بالأدعية المأثورة المذكورة في الكتب المبسوطة في مواضع مخصوصة: عند سلّه من النعش، وعند معاينة القبر، وعند إنزاله فيه، وبعد وضعه فيه، وبعد وضعه في لحده، وحال اشتغاله بسدّ اللحد، وعند الخروج من القبر، وعند إهالة التراب عليه.
            ومنها: تلقينه العقائد الحقّة - من اُصول دينه ومذهبه - بالمأثور بعد وضعه في اللحد قبل أن يسدّه.
            ومنها: رفع القبر عن الأرض بمقدار أربع أصابع مضمومة أو مفرّجة.
            ومنها: تربيع القبر، بمعنى تسطيحه وجعله ذا أربع زوايا قائمة. ويكره تسنيمه، بل الأحوط تركه.
            ومنها: أن يرشّ الماء على قبره. والأولى في كيفيّته أن يستقبل القبلة ويبتدئ بالرشّ من عند الرأس إلى الرجل، ثمّ يدور به على القبر حتّى ينتهي إلى الرأس، ثمّ يرشّ على وسط القبر ما يفضل من الماء.
            ومنها: وضع اليد على القبر مفرّجة الأصابع مع غمزها بحيث يبقى أثرها، وقراءة «إنّا أنزلناه في ليلة القدر» سبع مرّات، والاستغفار والدعاء له بنحو: «أَللّهُمّ جَافِ الْأَرْضَ عَنْ جَنْبَيْهِ، وَأَصْعِدْ إِلَيْكَ رُوحَهُ، وَلَقّهِ مِنْكَ رِضْوَانا، وَأَسْكِنْ قَبْرَهُ مِنْ رَحْمَتِكَ مَا تُغْنِيهِ بِهِ عَنْ رَحْمَةِ مَنْ سِوَاكَ» ونحو «أَللّهُمّ ارْحَمْ غُرْبَتَهُ وَصِلْ وَحْدَتَهُ، وَآنِسْ وَحْشَتَهُ، وَآمِنْ رَوْعَتَهُ، وَأَفِضْ عَلَيْهِ مِنْ رَحْمَتِكَ، وَأَسْكِنْ إِلَيْهِ مِنْ بَرْدِ عَفْوِكَ وَسَعَةِ غُفْرَانِكَ وَرَحْمَتِكَ مَا يَسْتَغْنِي بِهَا عَنْ رَحْمَةِ مَنْ سِوَاكَ، وَاحْشُرْهُ مَعَ مَنْ كَانَ يَتَوَلّاهُ».
            ولا يختصّ استحباب الاُمور المزبورة بهذه الحالة، بل تستحبّ عند زيارة كلّ ميّت مؤمن في كلّ زمان وعلى كلّ حال، كما أنّ لها آدابا خاصّةً وأدعيةً مخصوصةً مذكورةً في الكتب المبسوطة.
            ومنها: أن يلقّنه الوليّ أو من يأمره - بعد تمام الدفن ورجوع المشيّعين وانصرافهم - اُصول دينه ومذهبه بأرفع صوته: من الإقرار بالتوحيد، ورسالة سيّدالمرسلين، وإمامة الأئمّة المعصومين، والإقرار بما جاء به النبيّ (صلّى اللّه عليه وآله)، والبعث والنشور والحساب والميزان والصراط والجنّة والنار. وبذلك التلقين يُدفع سؤال منكر ونكير إن شاء اللّه تعالى.
            ومنها: أن يُكتب اسم الميّت على القبر أو على لوح أوحجر، ويُنصب عندرأسه.
            ومنها: دفن الأقارب متقاربين.
            ومنها: إحكام القبر.
            وأمّا المكروهات فهي أيضا اُمور:
            منها: دفن ميّتين في قبر واحد كجمعهما في جنازة واحدة.
            ومنها: فرش القبر بالساج إلّا إذا كانت الأرض نديّة؛ وأمّا كراهة فرشه بغير الساج كالحجر والآجر فمحلّ تأمّل وإن كان استحباب وضع الميّت على التراب لايخلو من وجه.
            ومنها: نزول الوالد في قبر ولده خوفا من جزعه وفوات أجره.
            ومنها: أن يُهيل ذوالرحم على رحمه التراب.
            ومنها: سدّ القبر وتطيينه بغير ترابه.
            ومنها: تجديد القبر بعد اندراسه، إلّا قبور الأنبياء (علیهم السلام) والأوصياء والصلحاء والعلماء.
            ومنها: الجلوس على القبر.
            ومنها: الحدث في المقابر.
            ومنها: الضحك فيها.
            ومنها: الاتّكاء على القبر.
            ومنها: المشي عليه من غير ضرورة.
            ومنها: رفعه عن الأرض أزيد من أربع أصابع مفرّجات.

        • خاتمة تشتمل على مسائل

           

          خاتمة تشتمل على مسائل

          مسألة 1 - يجوز نقل الميّت من بلد موته إلى بلد آخر قبل دفنه على كراهيّة، إلّا إلى المشاهد المشرّفة والأماكن المقدّسة فلا كراهة في النقل إليها، بل فيه فضل ورجحان. وإنّما يجوز النقل مع الكراهة إلى غيرالمشاهد وبدونها إليها لولم يستلزم من جهة بعد المسافة وتأخير الدفن أو غير ذلك تغيّر الميّت وفساده وهتكه؛ وأمّا مع استلزامه ذلك فلا يجوز في غير المشاهد قطعا، والأحوط الترك فيها مع استلزامه ذلك وإيذاء الأحياء. وأمّا بعد الدفن فلو فرض إخراج الميّت عن قبره أو خروجه بسبب من الأسباب يكون بحكم غير المدفون. وأمّا نبشه للنقل فلايجوز في غيرالمشاهد،وأمّا فيها ففيه تأمّل وإشكال.وما يعمله بعض من توديع الميّت وعدم دفنه بالوجه المعروف لينقل في ما بعد إلى المشاهد بتوهّم التخلّص عن محذور النبش غير جائز. والأقوى وجوب دفنه بالمواراة تحت الأرض.
          مسألة 2 - يجوز البكاء على الميّت، بل قد يستحبّ عند اشتداد الحزن، ولكن لا يقول ما يسخط الربّ. وكذا يجوز النوح عليه بالنظم والنثر لو لم يشتمل على الباطل من الكذب وغيره من المحرّمات، بل والويل والثبور على الأحوط. ولا يجوز اللطم والخدش وجزّ الشعر ونتفه والصراخ الخارج عن حدّالاعتدال على الأحوط. ولا يجوز شقّ الثوب على غير الأب والأخ؛ بل في بعض الاُمور المزبورة تجب الكفّارة، ففي جزّ المرأة شعرها في المصيبة كفّارة شهر رمضان، وفي نتفه كفّارة اليمين، وكذا تجب كفّارة اليمين في خدش المرأة وجهها إذا أدمت -بل مطلقا على الأحوط- وفي شقّ الرجل ثوبه في موت زوجته أو ولده؛ وهي إطعام عشرة مساكين أو كسوتهم أو تحرير رقبة، وإن لم يجد فصيام ثلاثة أيّام.
          مسألة 3 - يحرم نبش قبر المسلم ومن بحكمه، إلّا مع العلم باندراسه وصيرورته رميما وترابا. نعم، لا يجوز نبش قبور الأنبياء والأئمّة (علیهم السلام) وإن طالت المدّة، بل و كذا قبور أولاد الأئمّة والصلحاء والشهداء ممّا اتّخذ مزارا أو ملاذا. والمراد بالنبش كشف جسد الميّت المدفون بعد ما كان مستورا بالدفن؛ فلو حفر القبر وأخرج ترابه من دون أن يظهر جسد الميّت لم يكن من النبش المحرّم؛ وكذا إذا كان الميّت موضوعا على وجه الأرض وبُني عليه بناءٌ أو كان في تابوت من صخرة ونحوها فاُخرج.
          ويجوز النبش في موارد:
          منها: في ما إذا دُفن في مكان مغصوب - عينا أو منفعةً - عدوانا أو جهلا أو نسيانا. ولا يجب على المالك الرضى ببقائه مجّانا أو بالعوض وإن كان الأولى بل الأحوط إبقاؤه ولو بالعوض، خصوصا في ما إذا كان وارثا أو رحما أو دُفن فيه اشتباها. ولو أذن المالك في دفن ميّت في ملكه وأباحه له ليس له أن يرجع عن إذنه وإباحته بعد الدفن. نعم، لو خرج الميّت بسبب من الأسباب لا يجب عليه الرضى والإذن بدفنه ثانيا في ذلك المكان، بل له الرجوع عن إذنه. والدفن مع الكفن المغصوب أو مال آخر مغصوب كالدفن في المكان المغصوب، فيجوز النبش لأخذه. ولو كان شي ء من أمواله من خاتم ونحوه فدفن معه ففي جواز نبش الورثة إيّاه لأخذه تأمّل وإشكال، خصوصا في ما إذا لم يجحف بهم.
          ومنها: لتدارك الغسل أو الكفن أو الحنوط في ما إذا دفن بدونها مع التمكّن. كلّ ذلك مع عدم فساد البدن وعدم الهتك على الميّت. ولو دُفن بدونها لعذر كما إذا لم يوجد الماء أو الكفن أو الكافور ثمّ وجد بعد الدفن ففي جواز النبش لتدارك الفائت إشكال وتأمّل، ولا سيّما إذا لم يوجد الماء فيُمّم بدلا عن الغسل ودُفن ثمّ وُجد، بل عدم جوازه لتدارك الغسل حينئذٍ هو الأقوى. وأمّا إذا دفن بلا صلاة فلاينبش لأجل تداركها قطعا، بل يصلّى على قبره كما تقدّم.
          ومنها: إذا توقّف إثبات حقّ من الحقوق على مشاهدة جسده.
          ومنها: في ما إذا دُفن في مكان يوجب هتكه، كما إذا دفن في بالوعة أو مزبلة، وكذا إذا دُفن في مقبرة الكفّار.
          ومنها: لنقله إلى المشاهد المشرّفة مع إيصاء الميّت بنقله إليها بعد دفنه أو قبله فخولف عصيانا أو نسيانا أو جهلا فدفن في مكان آخر، أو بلا وصيّة منه أصلاً، فالأقوى جوازه في الصورةالثانية، وأمّا الاُولى والثالثة ففيهماإشكال وتأمّل،وإنّما يجوز في الثانية لولم يتغيّر البدن ولايتغيّر إلى وقت الدفن بمايوجب الهتك والإيذاء.
          ومنها: لو خيف عليه من سبع أو سيل أو عدوّ ونحو ذلك.
          مسألة 4 - يجوز محو آثار القبور الّتي علم اندراس ميّتها إذا لم يكن فيه محذور، ككون الآثار ملكا للباني، أو الأرض مباحةً حازها وليّ الميّت لقبره، ونحوذلك. وأولى بالجواز ما إذا كانت في المقبرةالمسبّلةللمسلمين مع حاجتهم،عدا ماتقدّم من قبور الشهداء والصلحاء والعلماء وأولاد الأئمّة (علیهم السلام) ممّا جعلت مزارا.
          مسألة 5 - لو اُخرج الميّت عن قبره عصيانا أو بنحو جائز أو خرج بسبب من الأسباب لا يجب دفنه ثانيا في ذلك المكان، بل يجوز أن يدفن في مكان آخر.

        • ختام فيه أمران

           

          ختام فيه أمران

          أحدهما: من المستحبّات الأكيدة التعزية لأهل المصيبة وتسليتهم وتخفيف حزنهم بذكر ما يناسب المقام وماله دخل تامّ في هذا المرام: من ذكر مصائب الدنيا وسرعة زوالها، وأنّ كلّ نفس فانية، والآجال متقاربة، ونقل ما ورد في ما أعدّاللّه تعالى للمصاب من الأجر، ولا سيّما مصاب الولد: من أنّه شافع مشفّع لأبويه، حتّى أنّ السقط يقف وقفة الغضبان على باب الجنّة فيقول: لا أدخل حتّى يدخل أبواي، فيُدخلهما اللّه الجنّة، إلى غير ذلك. وتجوز التعزية قبل الدفن وبعده وإن كان الأفضل كونها بعده، و أجرها عظيم، ولا سيّما تعزية الثكلى واليتيم، ف' «من عزّى مصابا كان له مثل أجره، من غير أن ينتقص من أجر المصاب شي ء»، و«ما من مؤمن يعزّي أخاه بمصيبة إلّا كساه اللّه من حلل الكرامة»، و«كان في ما ناجى به موسى (علیه السلام) ربّه أنّه قال: يا ربّ ما لمن عزّى الثكلى؟ قال: اُظلّه في ظلّي يوم لاظلّ إلّا ظلّي»، وإنّ «من سكّت يتيما عن البكاء وجبت له الجنّة»، و«ما من عبد يمسح يده على رأس يتيم إلّا ويكتب اللّه عزّوجلّ له بعدد كلّ شعرة مرّت عليها يده حسنة»، إلى غير ذلك ممّا ورد في الأخبار. ويكفي في تحقّقها مجرّد الحضور عند المصاب لأجلها بحيث يراه، فإنّ له دخلا في تسلية الخاطر وتسكين لوعة الحزن. ويجوز جلوس أهل الميّت للتعزية، ولا كراهة فيه على الأقوى. نعم، الأولى أن لا يزيد على ثلاثة أيّام؛ كما أنّه يستحبّ إرسال الطعام إليهم في تلك المدّة، بل إلى الثلاثة وإن كان مدّة جلوسهم أقلّ.
          ثانيهما: يستحبّ ليلة الدفن صلاة الهديّة للميّت، وهي المشتهرة في الألسن بصلاة الوحشة، ففي الخبر النبويّ: «لا يأتي على الميّت ساعة أشدّ من أوّل ليلة، فارحموا موتاكم بالصدقة، فإن لم تجدوا فليصلّ أحدكم ركعتين».
          وكيفيّتها على ما في الخبر المزبور أن «يقرأ في الاُولى بفاتحة الكتاب مرّة، و(قل هو اللّه أحد) مرّتين، وفي الثانية فاتحة الكتاب مرّة، و(ألهيكم التكاثر) عشر مرّات، وبعد السلام يقول: أللّهمّ صلّ على محمّد وآل محمّد، وابعث ثوابها إلى قبر فلان بن فلان، فيبعث اللّه من ساعته ألف ملك إلى قبره، مع كلّ ملك ثوب وحلّة، ويوسّع في قبره من الضيق إلى يوم ينفخ في الصور، ويعطي المصلّي بعدد ما طلعت عليه الشمس حسنات، وتُرفع له أربعون درجة».
          وعلى رواية اُخرى: «يقرأ في الركعة الاُولى الحمد وآية الكرسيّ مرّة، و في الثانية الحمد مرّة، و(إنّا أنزلناه) عشر مرّات، ويقول بعد الصلاة: أللّهمّ صلّ على محمّد وآل محمّد، وابعث ثوابها إلى قبر فلان».
          وإن أتى بالكيفيّتين كان أولى. وتكفي صلاة واحدة عن شخص واحد. وما تعارف من عدد الأربعين أو الواحد والأربعين غير وارد. نعم، لا بأس به إذا لم يكن بقصد الورود في الشرع. والأحوط قراءة آية الكرسيّ إلى «هُمْ فِيها خَالِدُونَ». والأقوى جواز الاستيجار وأخذ الاُجرة على هذه الصلاة. والأحوط البذل بنحو العطيّة والإحسان، وتبرّع المصلّي بالصلاة. والظاهر أنّ وقتها تمام الليل وإن كان الأولى إيقاعها في أوّله.

      • القول في الأغسال المندوبة

         

        القول في الأغسال المندوبة

        وهي أقسام: زمانيّة ومكانيّة وفعليّة.
        أمّا الزمانيّة فكثيرة:
        منها: غسل الجمعة. وهو من المستحبّات المؤكّدة، حتّى قال بعض بوجوبه، ولكنّ الأقوى استحبابه. ووقته من طلوع الفجر الثاني إلى الزوال، وبعده إلى غروب الجمعة، ومن أوّل يوم السبت إلى آخره قضاء، ولكنّ الأحوط في ما بعد الزوال إلى غروب الجمعة أن ينوي القربة من غير تعرّض للأداء والقضاء. وأمّا في ليلة السبت ففي مشروعيّة إتيانه تأمّل، لا يترك الاحتياط بإتيانه فيه رجاءً. ويجوز تقديمه يوم الخميس إذا خاف إعواز الماء يوم الجمعة؛ ثمّ إن تمكّن منه يومها قبل الزوال لا بعده يستحبّ إعادته، وإن تركه حينئذٍ يستحبّ قضاؤه بعد الزوال منها ويوم السبت. ولو دار الأمر بين التقديم والقضاء فالأوّل أولى. وفي إلحاق ليلة الجمعة بيوم الخميس تأمّل، فالأحوط إتيانه رجاءً؛ كما أنّ في إلحاق مطلق الأعذار بإعواز الماء يوم الخميس وجها،لكنّ الأحوط تقديمه حينئذٍ رجاءً.
        ومنها: أغسال ليالي شهر رمضان، وهي ليالي الأفراد: الاُولى والثالثة والخامسة وهكذا، وتمام ليالي العشر الأخيرة، والآكد منها ليالي القدر، وليلة النصف، وليلة سبع عشرة والخمس والعشرين والسبع والعشرين والتسع والعشرين. ويستحبّ في ليلة الثالث والعشرين غسلٌ ثانٍ آخر الليل. ووقت الغسل تمام الليل. والأولى إتيانه قبيل الغروب إلّا في ليالي العشر الأخيرة، فإنّه لايبعد رجحانه فيها بين العشاءين.
        ومنها: غسل يومي العيدين: الفطر والأضحى. والغسل في هذين اليومين من السنن الأكيدة. ووقته بعد الفجر إلى الزوال، ويحتمل امتداده إلى الغروب، والأحوط إتيانه بعد الزوال رجاءً.
        ومنها: غسل يوم التروية.
        ومنها: غسل يوم عرفة. والأولى إيقاعه عند الزوال.
        ومنها: غسل أيّام من رجب، أوّله ووسطه وآخره.
        ومنها: غسل يوم الغدير. والأولى إتيانه صدر النهار.
        ومنها: يوم المباهلة. وهو الرابع والعشرون من ذي الحجّة.
        ومنها: يوم دحوالأرض. وهو الخامس والعشرون من ذي القعدة، يؤتى به رجاءً لا بقصد الورود.
        ومنها: يوم المبعث. وهو السابع والعشرون من رجب.
        ومنها: ليلة النصف من شعبان.
        ومنها: يوم المولود. وهو السابع عشر من ربيع الأوّل، يؤتى به رجاءً.
        ومنها: يوم النيروز.
        ومنها: يوم التاسع من ربيع الأوّل، يؤتى به رجاءً.
        ولا تُقضى هذه الأغسال بفوات وقتها، كما أنّها لا تتقدّم على أوقاتها مع خوف فوتها فيها.
        وأمّا المكانيّة فهي ما استحبّ للدخول في بعض الأمكنة الخاصّة، مثل حرم مكّة وبلدها ومسجدها والكعبة وحرم المدينة وبلدتها ومسجدها. وأمّا للدخول في سائر المشاهد المشرّفة فيأتي به رجاءً.
        وأمّا الفعليّة فهي قسمان:
        أحدهما: ما يكون لأجل الفعل الّذي يريد إيقاعه، والأمر الّذي يريد وقوعه، كغسل الإحرام والطواف والزيارة والوقوف بعرفات، وأمّا للوقوف بالمشعر فيؤتى به رجاءً، والغسل للذبح والنحر والحلق، ولرؤية أحد الأئمّة (علیهم السلام) في المنام، كما روي عن الكاظم (علیه السلام): «إذا أراد ذلك يغتسل ثلاث ليال ويناجيهم، فيراهم في المنام»، ولصلاة الحاجة، وللاستخارة، ولعمل الاستفتاح المعروف بعمل اُمّ داود، ولأخذ التربة الشريفة من محلّها، ولإرادة السفر خصوصا لزيارة أبي عبداللّه الحسين(علیه السلام)، ولصلاة الاستسقاء، وللتوبة من الكفر، بل من كلّ معصية، وللتظلّم والاشتكاء إلى اللّه تعالى من ظلم من ظلمه، فإنّه يغتسل ويصلّي ركعتين في موضع لا يحجبه عن السماء، ثمّ يقول: «أَللّهُمّ إِنّ فُلَاَنَ بْنَ فُلَانٍ ظَلَمَنِي، وَلَيْسَ لِي أَحَدٌ أَصُولُ بِهِ عَلَيْهِ غَيْرُكَ، فَاسْتَوْفِ لِي ظُلَامَتِي، اَلسّاعَةَ السّاعَةَ بِالاسْمِ الّذِي إِذَا سَأَلَكَ بِهِ الْمُضْطَرّ أَجَبْتَهُ فَكَشَفْتَ مَا بِهِ مِنْ ضُرّ، وَمَكّنْتَ لَهُ فِي الْأَرْضِ، وَجَعَلْتَهُ خَلِيفَتَكَ عَلَى خَلْقِكَ، فَأَسْأَلُكَ أَنْ تُصَلّيَ عَلى مُحَمّدٍ وَآلِ مُحَمّدٍ، وَأَنْ تَسْتَوْفِيَ ظُلامَتي، اَلسّاعَةَ السّاعَةَ» فيرى ما يحبّ. وللخوف من الظالم، فَإِنّهُ يغتسل ويصلّي، ثمّ يكشف ركبتيه ويجعلهما قريبا من مصلّاه، ويقول مائة مرّة:
        «يَا حَيّ يَا قَيّومُ، يَا لَا إِلهَ إِلّا أَنْتَ، بِرَحْمَتِكَ أَسْتَغِيثُ، فَصَلّ عَلَى مُحَمّدٍ وَآلِ مُحَمّدٍ، وَأَنْ تَلْطُفَ لِي، وَأَنْ تَغْلِبَ لِي، وَأَنْ تَمْكُرَ لِي، وَأَنْ تَخْدَعَ لِي، وَأَنْ تَكِيدَ لِي، وَأنْ تَكْفِيَنِي مَؤُونَةَ فُلانِ بنِ فُلانِ بِلا مَؤُونَةٍ».
        ثانيهما: ما يكون لأجل الفعل الّذي فعله، وهي أغسال:
        منها: لقتل الوزغ.
        ومنها: لرؤية المصلوب مع السعي إلى رؤيته متعمّدا.
        ومنها: للتفريط في أداء صلاة الكسوفين مع احتراق القرص، فإنّه يستحبّ أن يغتسل عند قضائها، بل لا ينبغي ترك الاحتياط فيه.
        ومنها: لمسّ الميّت بعد تغسيله.
        مسألة 1 - وقت إيقاع الأغسال المكانيّة قبل الدخول في تلك الأمكنة، بحيث يقع الدخول فيها بعده من دون فصل كثير. ويكفي الغسل في أوّل النهار أو الليل والدخول فيها في آخرهما، بل كفاية غسل النهار للّيل وبالعكس لا تخلو من قوّة. ولايبعداستحبابهابعدالدخول للكون فيهاإذاترك قبله،خصوصامع عدم التمكّن قبله.
        والقسم الأوّل من الأغسال الفعليّة ممّا استحبّ لإيجاد عمل بعد الغسل -كالإحرام والزيارة ونحوهما- فوقته قبل ذلك الفعل، ولا يضرّ الفصل بينهما بالمقدار المزبور أيضا. وأمّا القسم الثاني منها فوقتها عند تحقّق السبب، ويمتدّ إلى آخر العمر وإن استحبّ المبادرة إليها.
        مسألة 2 - في بقاءالأغسال الزمانيّة والقسم الثاني من الفعليّة وعدم انتقاضها بشي ء من الأحداث تأمّل، لكن لا يشرع الإتيان بها بعد الحدث. وأمّا المكانيّة والقسم الأوّل من الفعليّة فالظاهر انتقاضها بالحدث الأصغر فضلا عن الأكبر، فإذا أحدث بينها وبين الدخول في تلك الأمكنة أو بينها وبين تلك الأفعال أعاد الغسل.
        مسألة 3 - لو كان عليه أغسال متعدّدة - زمانيّة أو مكانيّة أو مختلفة - يكفي غسل واحد عن الجميع إذا نواها.
        مسألة 4 - في قيام التيمّم عند التعذّر مقام تلك الأغسال تأمّل وإشكال، فالأحوط الإتيان به عنده بعنوان الرجاء واحتمال المطلوبيّة.

    • فصل في التيمم
    •  

      فصل في التيمّم

      والكلام في مسوّغاته، وفي ما يصحّ التيمّم به، وفي كيفيّته، وفي ما يعتبر فيه، وفي أحكامه.

      • القول في مسوغاته

         

        القول في مسوّغاته

        مسألة 1 - مسوّغات التيمّم اُمور:
        منها: عدم وجدان ما يكفيه من الماء لطهارته، غسلا كانت أو وضوءا. ويجب الفحص عنه إلى اليأس. وفي البريّة يكفي الطلب غَلوة سهم في الحَزنة وغَلوة سهمين في السهلة في الجوانب الأربعة مع احتمال وجوده في الجميع. ويسقط عن الجانب الّذي يعلم بعدمه فيه، كما أنّه يسقط في الجميع إذا قطع بعدمه فيه وإن احتمل وجوده فوق المقدار. نعم، لو علم بوجوده فوقه وجب تحصيله إذا بقي الوقت ولم يتعسّر.
        مسألة 2 - الظاهر عدم وجوب المباشرة، بل يكفي استنابة شخص أوأشخاص يحصل من قولهم الاطمينان، كما أنّ الظاهر كفاية شخص واحد عن جماعة مع حصول الاطمينان من قوله. وأمّا كفاية مطلق الأمين والثقة فمحلّ إشكال.
        مسألة 3 - لو كانت الأرض في بعض الجوانب حَزنة وفي بعضها سهلة يكون لكلّ جانب حكمه من الغَلوة والغَلوتين.
        مسألة 4 - المناط في السهم والقوس والهواء والرامي هو المتعارف المعتدل. وأمّا المناط في الرمي فغاية ما يقدر الرامي عليه.
        مسألة 5 - لو ترك الطلب حتّى ضاق الوقت تيمّم وصلّى، وصحّت صلاته وإن أثم بالترك؛ والأحوط القضاء، خصوصا في ما لو طلب الماء لعثر عليه. وأمّا مع السعة فتبطل صلاته وتيمّمه في ما لو طلب لعثر عليه، وإلّا فلا يبعد الصحّة لو حصلت نيّة القربة منه.
        مسألة 6 - لو طلب بالمقدار اللازم فتيمّم وصلّى ثمّ ظفر بالماء في محلّ الطلب أو في رحله أو قافلته صحّت صلاته، ولا يجب القضاء أو الإعادة.
        مسألة 7 - يسقط وجوب الطلب مع الخوف على نفسه أو عرضه أو ماله المعتدّ به من سبع أو لصّ أو غير ذلك، وكذلك مع ضيق الوقت عن الطلب. ولو اعتقد الضيق فتركه وتيمّم وصلّى ثمّ تبيّن السعة: فإن كان في مكان صلّى فيه فليجدّد الطلب مع سعة الوقت، فإن لم يجد الماء تجزي صلاته، وإن وجده أعادها، ومع عدم السعة فالأحوط تجديد التيمّم وإعادة الصلاة، وكذا في الفروع الآتية الّتي حكمنا فيها بالإعادة مع عدم إمكان المائيّة؛ وإن انتقل إلى مكان آخر: فإن علم بأنّه لو طلبه لوجده يعيد الصلاة وإن كان في هذا الحال غير قادر على الطلب وكان تكليفه التيمّم، وإن علم بأنّه لو طلب ما ظفر به صحّت صلاته ولا يعيدها، ومع اشتباه الحال ففيه إشكال، فلا يترك الاحتياط بالإعادة أو القضاء.
        مسألة 8 - الظاهر عدم اعتبار كون الطلب في وقت الصلاة؛ فلو طلب قبل الوقت ولم يجد الماء لا يحتاج إلى تجديده بعده؛ وكذا إذا طلب في الوقت لصلاة فلم يجد يكفي لغيرها من الصلوات. نعم، لو احتمل تجدّد الماء بعد ذلك الطلب { P () الصحيح ما أدرجناه في المتن كما في الوسيلة، لكن في جميع الطبعات «تجديد». P} مع وجود أمارة ظنّيّة عليه - بل مطلقا على الأحوط - يجب تجديده.
        مسألة 9 - إذا لم يكن عنده إلّا ماء واحد يكفي الطهارة لايجوز إراقته بعد دخول الوقت. ولو كان على وضوء ولم يكن عنده ماء لايجوز إبطاله. ولو عصى فأراق أو أبطل صحّ تيمّمه وصلاته وإن كان الأحوط قضاءها، بل عدم جواز الإراقة والإبطال قبل الوقت مع فقد الماء حتّى في الوقت لا يخلو من قوّة.
        مسألة 10 - لو تمكّن من حفر البئر بلا حرج وجب على الأحوط.
        ومنها: الخوف من الوصول إليه من اللصّ أو السبع أوالضياع أو نحو ذلك ممّا يحصل معه خوف الضرر على النفس أوالعرض أو المال المعتدّ به، بشرط أن يكون الخوف من منشأ يعتني به العقلاء.
        ومنها: خوف الضرر من استعماله لمرض أو رمد أو ورم أو جرح أو قرح أو نحو ذلك ممّا يتضرّر معه باستعمال الماء على وجه لا يلحق بالجبيرة وما في حكمها. ولا فرق بين الخوف من حصوله أوالخوف من زيادته و بطء برئه وبين شدّة الألم باستعماله على وجه لا يتحمّل للبرد أو غيره.
        ومنها: الخوف باستعماله من العطش على الحيوان المحترم.
        ومنها: الحرج والمشقّة الشديدة الّتي لا تتحمّل عادة في تحصيل الماء أو استعماله وإن لم يكن ضرر ولا خوفه، ومن ذلك حصول المنّة الّتي لا تتحمّل عادة باستيهابه، والذلّ والهوان بالاكتساب لشرائه.
        ومنها: توقّف حصوله على دفع جميع ما عنده، أو دفع ما يضرّ بحاله، بخلاف غير المضرّ، فإنّه يجب وإن كان أضعاف ثمن المثل.
        ومنها: ضيق الوقت عن تحصيله أو عن استعماله.
        ومنها: وجوب استعمال الموجود من الماء في غسل نجاسة ونحوه ممّا لايقوم غيرالماء مقامه، فإنّه يتعيّن التيمّم حينئذٍ، لكنّ الأحوط صرف الماء في الغسل أوّلا ثمّ التيمّم.
        مسألة 11 - لا فرق في العطش الّذي يسوغ معه التيمّم بين المؤدّي إلى الهلاك أو المرض أو المشقّة الشديدة الّتي لا تتحمّل وإن أمن من ضرره، كما لا فرق في ما يؤدّي إلى الهلاك بين ما يخاف على نفسه أو على غيره، آدميّا كان أو غيره، مملوكا كان أو غيره ممّا يجب حفظه عن الهلاك، بل لا يبعد التعدّي إلى من لايجوز قتله وإن لايجب حفظه كالذمّيّ. نعم، الظاهر عدم التعدّي إلى ما يجوز قتله بأيّ حيلة كالمؤذيات من الحيوانات، ومن يكون مهدور الدم من الآدميّ كالحربيّ والمرتدّ عن فطرة ونحوهما. ولو أمكن رفع عطشه بما يحرم تناوله - كالخمر والنجس - وعنده ماء طاهر يجب حفظه لعطشه، ويتيمّم لصلاته، لأنّ وجود المحرّم كالعدم.
        مسألة 12 - لوكان متمكّنا من الصلاة مع الطهارة المائيّة فأخّر حتّى ضاق الوقت عن الوضوء والغسل تيمّم وصلّى، وصحّت صلاته وإن أثم بالتأخير. والأحوط احتياطا شديدا قضاؤها أيضا.
        مسألة 13 - لو شكّ في مقدار ما بقي من الوقت فتردّد بين ضيقه حتّى يتيمّم أو سعته حتّى يتوضّ-أ أو يغتسل يجب عليه التيمّم؛ وكذا لو علم مقدار ما بقي ولو تقريبا وشكّ في كفايته للطهارة المائيّة يتيمّم ويصلّي.
        مسألة 14 - لو دار الأمر بين إيقاع تمام الصلاة في الوقت مع التيمّم وإيقاع ركعة منها مع الوضوء قدّم الأوّل على الأقوى، لكن لا ينبغي ترك الاحتياط بالقضاء مع المائيّة.
        مسألة 15 - التيمّم لأجل ضيق الوقت مع وجدان الماء لا يستباح به إلّا الصلاة الّتي ضاق وقتها، فلا ينفع لصلاة اُخرى ولو صار فاقد الماء حينها. نعم، لو فقد في أثناءالصلاةالاُولى لايبعدكفايته لصلاةاُخرى؛ والأحوطترك سائرالغايات غيرتلك الصلاة حتّى إذا أتى بها حال الصلاة، فلا يجوز مسّ كتابة القرآن على الأحوط.
        مسألة 16 - لا فرق بين عدم الماء رأسا ووجود ما لا يكفي لتمام الأعضاء -وكان كافيا لبعضها- في الانتقال إلى التيمّم. ولو تمكّن من مزج الماء الّذي لايكفيه لطهارته بما لا يخرجه عن الإطلاق و يحصل به الكفاية فالأحوط وجوبه.
        مسألة 17 - لو خالف من كان فرضه التيمّم فتوضّ-أ أو اغتسل فطهارته باطلة على الأحوط وإن كان فيه تفصيل. ولو أتى بها في مقام ضيق الوقت بعنوان الكون على الطهارة أو لغايات اُخر صحّت، كما تصحّ أيضا لو خالف ودفع ثمنا عن الماء مضرّا بحاله، أو تحمّل المنّة والهوان أو المخاطرة في تحصيله، ونحو ذلك ممّا كان الممنوع منه مقدّمات الطهارة لا نفسها؛ وأمّا لو كانت بنفسها ضرريّةً أو حرجيّةً فالظاهر بطلانها. نعم، لو كان الضرر أو الحرج على الغير فخالف وتطهّر فلايبعد الصحّة.
        مسألة 18 - يجوز التيمّم لصلاة الجنازة والنوم مع التمكّن من الماء، إلّا أنّه ينبغي الاقتصار في الأخير على ما كان من الحدث الأصغر، ولا بأس بإتيانه رجاءً للأكبر أيضا؛ كما أنّ الأولى فيه الاقتصار على صورة التذكّر لعدم الوضوء بعدالدخول في فراشه، وفي غيرها يأتي به رجاءً؛ كما أنّ الأولى في الأوّل قصدالرجاء في غير صورة خوف فوت الصلاة.

      • القول فيما يتيمم به

         

        القول في ما يتيمّم به

        مسألة 1 - يعتبر في ما يتيمّم به أن يكون صعيدا. وهو مطلق وجه الأرض، من غير فرق بين التراب والرمل والحجر والمدر وأرض الجصّ والنورة قبل الاحتراق وتراب القبر والمستعمل في التيمّم وذي اللون وغيرها ممّا يندرج تحت اسمها وإن لم يعلق منه شي ء باليد، لكنّ الأحوط التراب؛ بخلاف ما لا يندرج تحته وإن كان منها، كالنبات والذهب والفضّة وغيرهما من المعادن الخارجة من اسمها، وكذا الرماد وإن كان منها.
        مسألة 2 - لو شكّ في كون شي ء ترابا أو غيره ممّا لا يتيمّم به: فإن علم بكونه ترابا في السابق وشكّ في استحالته إلى غيره يجوز التيمّم به، وإن لم يعلم حالته السابقة فمع انحصار المرتبة السابقة به يجمع بين التيمّم به وبالمرتبة اللاحقة من الغبار والطين لو وجدت، وإلّا يحتاط بالجمع بين التيمّم به والصلاة في الوقت والقضاء خارجه.
        مسألة 3 - الأحوط عدم جواز التيمّم بالجصّ والنورة بعد احتراقهما مع التمكّن من التراب ونحوه، ومع عدمه الأحوط الجمع بين التيمّم بواحد منهما وبالغبار أو الطين اللذين هما مرتبة متأخّرة، ومع فرض الانحصار الأحوط الجمع بينه وبين الإعادة أو القضاء. وأمّا الخزف والآجر ونحوهما من الطين المطبوخ فالظاهر جواز التيمّم بها.
        مسألة 4 - لا يصحّ التيمّم بالصعيد النجس وإن كان جاهلا بنجاسته أو ناسيا، ولا بالمغصوب إلّا إذا اُكره على المكث فيه كالمحبوس أو كان جاهلا بالموضوع، ولابالممتزج بغيره بما يخرجه عن إطلاق اسم التراب عليه، فلا بأس بالمستهلك والخليط المتميّز الّذي لا يمنع عن صدق التيمّم على الأرض. وحكم المشتبه بالمغصوب والممتزج هنا حكم الماء بالنسبة إلى الوضوء والغسل؛ بخلاف المشتبه بالنجس مع الانحصار، فإنّه يتيمّم بهما. ولو كان عنده ماء وتراب وعلم بنجاسة أحدهما يجب عليه مع الانحصار الجمع بين التيمّم والوضوء أوالغسل مقدّما للتيمّم عليهما. واعتبار إباحة التراب ومكان التيمّم كاعتبارها في الوضوء، وقد مرّ ما هو الأقوى.
        مسألة 5 - المحبوس في مكان مغصوب يجوز أن يتيمّم فيه بلا إشكال إن كان محلّ الضرب خارج المغصوب. وأمّا التيمّم فيه مع دخول محلّ الضرب أو به فالأقوى جوازه وإن لا يخلو من إشكال. وأمّا التوضّؤ فيه فإن كان بماء مباح فهو كالتيمّم فيه لا بأس به، خصوصا إذا تحفّظ من وقوع قطرات الوضوء على أرض المحبس. وأمّا بالماء الّذي في المحبس فإن كان مغصوبا لا يجوز التوضّؤ به ما لم يحرز رضى صاحبه كخارج المحبس، ومع عدم إحرازه يكون كفاقد الماء يتعيّن عليه التيمّم.
        مسألة 6 - لو فقد الصعيد تيمّم بغبار ثوبه أو لبد سرجه أو عرف دابّته ممّا يكون على ظاهره غبار الأرض ضاربا على ذي الغبار، ولا يكفي الضرب على ما في باطنه الغبار دون ظاهره وإن ثار منه بالضرب عليه. هذا إذا لم يتمكّن من نفضه وجمعه ثمّ التيمّم به، وإلّا وجب. ومع فقد ذلك تيمّم بالوحل. ولو تمكّن من تجفيفه ثمّ التيمّم به وجب. وليس منه الأرض النديّة والتراب النديّ، فإنّهما من المرتبة الاُولى. وإذا تيمّم بالوحل لا يجب إزالته على الأصحّ، لكن ينبغي أن يَفْرُكه كنفض التراب، وأمّا إزالته بالغسل فلا شبهة في عدم جوازها.
        مسألة 7 - لا يصحّ التيمّم بالثلج؛ فمن لم يجد غيره ممّا ذكر ولم يتمكّن من حصول مسمّى الغسل به أو كان حرجيّا يكون فاقد الطهورين. والأقوى سقوط الأداء، والأحوط ثبوت القضاء، والأحوط منه ثبوت الأداء أيضا، بل الأحوط هنا التمسّح بالثلج على أعضاء الوضوء والتيمّم به وفعل الصلاة في الوقت ثمّ القضاء بعده إذا تمكّن.
        مسألة 8 - يكره التيمّم بالرمل، وكذا بالسبخة، بل لا يجوز في بعض أفرادها الخارج عن اسم الأرض. ويستحبّ له نفض اليدين بعد الضرب، وأن يكون ما يتيمّم به من رُبى الأرض وعواليها، بل يكره أيضا أن يكون من مهابطها.

      • القول في كيفية التيمم

         

        القول في كيفيّة التيمّم

        مسألة 1 - كيفيّة التيمّم مع الاختيار ضرب باطن الكفّين بالأرض معا دفعةً، ثمّ مسح الجبهة والجبينين بهما معا مستوعبا لهما من قصاص الشعر إلى طرف الأنف الأعلى وإلى الحاجبين؛ والأحوط المسح عليهما، ثمّ مسح تمام ظاهر الكفّ اليمنى من الزند إلى أطراف الأصابع بباطن الكفّ اليسرى، ثمّ مسح تمام ظاهر الكفّ اليسرى بباطن الكفّ اليمنى. وليس ما بين الأصابع من الظاهر، إذ المراد ما يمسّه ظاهر بشرةالماسح، بل لايعتبر التدقيق والتعمّق فيه. ولا يجزي الوضع دون مسمّى الضرب على الأحوط وإن كانت الكفاية لا تخلو من قوّة، ولا الضرب بإحداهما، ولا بهما على التعاقب، ولا بظاهرهما، ولا ببعض الباطن بحيث لا يصدق عليه الضرب بتمام الكفّ عرفا، ولا المسح بإحداهما أو بهما على التعاقب. ويكفي في مسح الوجه مسح مجموع الممسوح بمجموع الماسح في الجبهة والجبينين على النحو المتعارف، أي الشقّ الأيمن باليد اليمنى والأيسر باليسرى، وفي الكفّين وضع طول باطن كلّ منهما على عرض ظاهرالاُخرى والمسح إلى رؤوس الأصابع.
        مسألة 2 - لو تعذّر الضرب والمسح بالباطن انتقل إلى الظاهر. هذا إذا كان التعذّر مطلقا. وأمّا مع تعذّر بعض أو بلا حائل فالأحوط الجمع بين الضرب والمسح ببعض الباطن، أو الباطن مع الحائل و بينهما بالظاهر. والانتقال إلى الذراع مكان الظاهر في الدوران بينهما لا يخلو من وجه، والأحوط الجمع بينهما. ولا ينتقل من الباطن لو كان متنجّسا بغير المتعدّي وتعذّرت الإزالة، بل يضرب بهما ويمسح. ولو كانت النجاسة حائلةً مستوعبةً ولم يمكن التطهير والإزالة فالأحوط الجمع بين الضرب بالباطن والضرب بالظاهر، بل لا ينبغي ترك الاحتياط بالجمع في الصورة المتقدّمة أيضا.
        ولو تعدّت النجاسة إلى الصعيد ولم يمكن التجفيف ينتقل إلى الذراع أو الظاهر حينئذٍ. ولو كانت النجاسة على الأعضاء الممسوحة وتعذّر التطهير والإزالة مسح عليها.

      • القول فيما يعتبر في التيمم

         

        القول في ما يعتبر في التيمّم

        مسألة 1 - يعتبر النيّة في التيمّم على نحو ما مرّ في الوضوء، قاصدا به البدليّة عمّا عليه من الوضوء أو الغسل، مقارنا بها الضرب الّذي هو أوّل أفعاله.
        ويعتبر فيه المباشرة، والترتيب حسب ما عرفته، والموالاة بمعنى عدم الفصل المنافي لهيئته وصورته، والمسح من الأعلى إلى الأسفل في الجبهة واليدين بحيث يصدق ذلك عليه عرفا، ورفع الحاجب عن الماسح والممسوح حتّى مثل الخاتم، والطهارة فيهما. وليس الشعر النابت على المحلّ من الحاجب فيمسح عليه. نعم، يكون منه الشعر المتدلّي من الرأس إلى الجبهة إذا كان خارجا عن المتعارف ويعدّ حائلًا عرفا - لا مثل الشعرة والشعرتين - فيجب رفعه. هذا كلّه مع الاختيار. أمّا مع الاضطرار فيسقط المعسور، ولكن لا يسقط به الميسور.
        مسألة 2 - يكفي ضربة واحدة للوجه واليدين في بدل الوضوء والغسل، وإن كان الأفضل ضربتين مخيّرا بين إيقاعهما متعاقبتين قبل مسح الوجه أو موزّعتين على الوجه واليدين، وأفضل من ذلك ثلاث ضربات: اثنتان متعاقبتان قبل مسح الوجه، وواحدة قبل مسح اليدين، ومع ذلك لا ينبغي ترك الاحتياط بالضربتين، -خصوصا في ما هو بدل عن الغسل- بإيقاع واحدة للوجه واُخرى لليدين، والأولى الأحوط أن يضرب ضربة ويمسح بها وجهه وكفّيه، ويضرب اُخرى ويمسح بها كفّيه.
        مسألة 3 - العاجز يُيمّمه غيره، لكن يضرب الأرض بيدي العاجز ثمّ يمسح بهما، ومع فرض العجز عن ذلك يضرب المتولّي بيديه ويمسح بهما. ولو توقّف وجوده على اُجرة وجب بذلها وإن كانت أضعاف اُجرة المثل على الأحوط ما لم يضرّ بحاله.
        مسألة 4 - من قُطعت إحدى يديه ضرب الأرض بالموجودة، ومسح بها جبهته، ثمّ مسح ظهرها بالأرض؛ والأحوط الجمع بينه وبين تولية الغير إن أمكن، بأن يضرب يده على الأرض ويمسح بها ظهر كفّ الأقطع. ومن قُطعت يداه يمسح بجبهته على الأرض؛ والأحوط تولية الغير أيضا إن أمكن، بأن يضرب يديه على الأرض ويمسح بهما جبهته. هذا كلّه في من ليس له ذراع، وإلّا تيمّم بها وبالموجودة؛ والأحوط مسح تمام الجبهة والجبينين بالموجودة بعد المسح بها وبالذراع على النحو المتعارف. هذا في الصورة الاُولى؛ وكذا الكلام في الثانية، فمقطوع اليدين لو كان له الذراع تيمّم بها، وهو مقدّم على مسح الجبهة على الأرض وعلى الاستنابة، بل الأحوط تنزيل الذراع منزلة الكفّين في المسح على ظهرهما في مقطوع اليدين، وعلى ظهر المقطوع في الآخر.
        مسألة 5 - في مسح الجبهة واليدين يجب إمرار الماسح على الممسوح، فلايكفي جرّ الممسوح تحت الماسح. نعم، لا تضرّ الحركة اليسيرة في الممسوح إذا صدق كونه ممسوحا.

      • القول في أحكام التيمم

         

        القول في أحكام التيمّم

        مسألة 1 - لا يصحّ التيمّم على الأحوط للفريضة قبل دخول وقتها وإن علم بعدم التمكّن منه في الوقت على إشكال. والأحوط احتياطا لا يترك لمن يعلم بعدم التمكّن منه في الوقت إيجاده قبله لشي ء من غاياته، وعدم نقضه إلى وقت الصلاة مقدّمةً لإدراكها مع الطهور في وقتها، بل وجوبه لا يخلو من قوّة.
        وأمّا بعد دخول الوقت فيصحّ وإن لم يتضيّق مع رجاء ارتفاع العذر في آخره وعدمه، لكن لا ينبغي ترك الاحتياط مع رجاء ارتفاعه، ومع العلم بالارتفاع يجب الانتظار، والأحوط مراعاة الضيق مطلقا. ولا يعيد ما صلّاه بتيمّمه الصحيح بعد ارتفاع العذر، من غير فرق بين الوقت وخارجه.
        مسألة 2 - لو تيمّم لصلاة قد حضر وقتها ولم ينتقض ولم يرتفع العذر حتّى دخل وقت صلاة اُخرى جاز الإتيان بها في أوّل وقتها، إلّا مع العلم بارتفاع العذر في آخره، فيجب تأخيرها، ومع رجاء ارتفاعه لا ينبغي ترك الاحتياط، بل يستبيح بالتيمّم لغاية - كالصلاة - غيرها من الغايات كالمتطهّر، ما لم ينتقض وبقي العذر، فله أن يأتي بكلّ ما يشترط فيه الطهارة، كمسّ كتابة القرآن المجيد، ودخول المساجد وغير ذلك. وهل يقوم الصعيد مقام الماء في كلّ ما يكون الوضوء أو الغسل مطلوبا فيه وإن لم يكن طهارةً، فيجوز التيمّم بدلا عن الأغسال المندوبة والوضوء التجديديّ والصوريّ؟ فيه تأمّل وإشكال، فالأحوط الإتيان به رجاء المطلوبيّة.
        مسألة 3 - المحدث بالأكبر غير الجناية يتيمّم تيمّمين: أحدهما عن الغسل والآخر عن الوضوء. ولو وجد ما لا يمكن صرفه إلّا في أحدهما خاصّةً صرفه فيه وتيمّم عن الآخر. ولو وجد ما يكفي أحدهما وأمكن صرفه في كلّ منهما قدّم الغسل على الأحوط بل لا يخلو من وجه، وتيمّم عن الوضوء. ويكفي في الجنابة تيمّم واحد.
        مسألة 4 - لو اجتمعت أسباب مختلفة للحدث الأكبر ففي كفاية تيمّم واحد عن الجميع إشكال، فالأحوط التيمّم لكلّ واحد منها، فلو كان عليه غسل الجنابة وغسل مسّ الميّت - مثلا - أتى بتيمّمين.
        مسألة 5 - ينتقض التيمّم عن الوضوء بالحدث الأصغر والأكبر، كما أنّه ينتقض ما يكون بدلا عن الغسل بما يوجب الغسل. وهل ينتقض ما يكون بدلا عن الغسل بما ينقض الوضوء فيعود إلى ما كان، فالمجنب المتيمّم إذا أحدث بالأصغر يعيد تيمّمه، والحائض - مثلا - إذا أحدثت انتقض تيمّماها، أو لا، بل لايوجب الحدث الأصغر إلّا الوضوء أو التيمّم بدلا عنه إلى أن يجد الماء أو يتمكّن من استعماله في الغسل، فحينئذٍ ينتقض ما كان بدلا عنه؟ قولان أشهرهما الأوّل، وأقواهما الثاني، خصوصا في غير الجنب؛ فالمجنب لو أحدث بعد تيمّمه يكون كالمغتسل المحدث بعد غسله لا يحتاج إلّا إلى الوضوء أو التيمّم بدلا عنه، والحائض لو أحدثت بعد تيمّمها تكون كما أحدثت بعد أن توضّأت واغتسلت، لا ينتقض إلّا تيمّمها الوضوئيّ. والأحوط لمن تمكّن من الوضوء الجمع بينه وبين التيمّم بدلا عن الغسل، ولمن لم يتمكّن منه الإتيان بتيمّم واحد بقصد ما في الذمّة المردّد بين كونه بدلا عن الغسل أو الوضوء إذا كان مجنبا؛ وأمّا غيره فيأتي بتيمّمين: أحدهما بدلا عن الوضوء والآخر عن الغسل احتياطا.
        مسألة 6 - لو وجد الماء وتمكّن من استعماله شرعا وعقلا أو زال عذره قبل الصلاة انتقض تيمّمه؛ ولا يصحّ أن يصلّي به وإن تجدّد فقدان الماء أو عاد العذر، فيجب أن يتيمّم ثانيا. نعم، لو لم يسع زمان الوجدان أو ارتفاع العذر للوضوء أو الغسل لايبعد عدم انتقاضه وإن كان الأحوط تجديده مطلقا. وكذا إذا كان وجدان الماء أو زوال العذر في ضيق الوقت لا ينتقض تيمّمه، ويكتفي به للصلاة الّتي ضاق وقتها.
        مسألة 7 - المجنب المتيمّم إذا وجد ماءً بقدر كفاية وضوئه لا يبطل تيمّمه؛ وأمّا غيره ممّن تيمّم تيمّمين لو وجد بقدر الوضوء بطل خصوص تيمّمه الّذي هو بدل عنه، ولو وجد ما يكفي للغسل فقط ولا يمكن صرفه في الوضوء صرفه فيه ويتيمّم للوضوء، ولو أمكن صرفه في كلّ منهما لا كليهما فالأحوط صرفه في الغسل والتيمّم بدل الوضوء وإن كان بقاء التيمّم لا يخلو من وجه.
        مسألة 8 - لو وجد الماء بعد الصلاة لا تجب إعادتها، بل تمّت وصحّت؛ وكذا لو وجده في أثنائها بعد الركوع من الركعة الاُولى. وأمّا لو كان قبله ففي بطلان تيمّمه وصلاته إشكال،لايبعد عدم البطلان مع استحباب الرجوع واستيناف الصلاة مع الطهارة المائيّة. والاحتياط بالإتمام والإعادة مع سعة الوقت لا ينبغي تركه.
        مسألة 9 - لو شكّ في بعض أجزاء التيمّم بعد الفراغ منه لا يعتني وبنى على الصحّة؛ وكذا لو شكّ في أجزائه في أثنائه، من غير فرق بين ما هو بدل عن الوضوء أو الغسل على الأقوى، والأحوط الاعتناء بالشكّ.

    • فصل في النجاسات
    •  

      فصل في النجاسات

      والكلام فيها، وفي أحكامها، وكيفيّة التنجّس بها، وما يُعفى عنه منها:

      • القول في أقسام النجاسات

         

        القول في النجاسات

        مسألة 1 - النجاسات إحدى عشر:
        الأوّل والثانى: البول والخرء من الحيوان ذي النفس السائلة غير مأكول اللحم ولو بالعارض، كالجلّال وموطوء الإنسان. أمّا ما كان من المأكول فإنّهما طاهران، وكذا غير ذي النفس ممّا ليس له لحم كالذباب والبقّ وأشباههما. وأمّا ما له لحم منه فمحلّ إشكال وإن كانت الطهارة لا تخلو من وجه، خصوصا في الخرء؛ كما أنّ الأقوى نجاسة الخرء والبول من الطير غير المأكول.
        مسألة 2 - لو شكّ في خرء حيوان أنّه من مأكول اللحم أو محرّمه إمّا من جهة الشكّ في ذلك الحيوان الّذي هذا خرؤه وإمّا من جهة الشكّ في أنّ هذا الخرء من الحيوان الفلانيّ الّذي يكون خرؤه نجسا أو من الّذي يكون طاهرا - كما إذا رأى شيئا لا يدري أنّه بعرة فأر أو خنفساء - فيحكم بالطهارة؛ وكذا لو شكّ في خرء حيوان أنّه ممّا له نفس سائلة أو من غيره ممّا ليس له لحم كالمثال المتقدّم؛ وأمّا لو شكّ في أنّه ممّا له نفس أو من غيره ممّا له لحم بعد إحراز عدم المأكوليّة ففيه إشكال - كما تقدّم - وإن كانت الطهارة لا تخلو من وجه.
        الثالث: المنيّ من كلّ حيوان ذي نفس حلّ أكله أو حرم، دون غير ذي النفس، فإنّه منه طاهر.
        الرابع: ميتة ذي النفس من الحيوان ممّا تحلّه الحياة، وما يقطع من جسده حيّا ممّا تحلّه الحياة، عدا ما ينفصل من بدنه من الأجزاء الصغار، كالبُثُور والثُؤْلُول وما يعلو الشفة والقروح وغيرها عند البرء وقشور الجرب ونحوه. وما لا تحلّه الحياة كالعظم والقرن والسنّ والمنقار والظفر والحافر والشعر والصوف والوبر والريش طاهر؛ وكذا البيض من الميتة الّذي اكتسى القشر الأعلى من مأكول اللحم، بل وغيره. ويلحق بما ذكر الإنفحة (وهي الشي ءالأصفر الّذي يُجبن به ويكون منجمدا في جوف كرش الحمل والجدي قبل الأكل) وكذا اللبن في الضرع. ولا ينجسان بمحلّهما. والأحوط - الّذي لايترك - اختصاص الحكم بلبن مأكول اللحم.
        مسألة 3 - فأرة المسك إن اُحرز أنّها ممّا تحلّه الحياة نجسة على الأقوى لو انفصلت من الحيّ أو الميّت قبل بلوغها واستقلالها و زوال الحياة عنها حال حياة الظبي، ومع بلوغها حدّا لابدّ من لفظها فالأقوى طهارتها، سواء كانت مبانةً من الحيّ أو الميّت؛ ومع الشكّ في كونها ممّا تحلّه الحياة محكومة بالطهارة؛ ومع العلم به والشكّ في بلوغها ذلك الحدّ محكومة بالنجاسة. وأمّا مسكها فلا إشكال في طهارته في جميع الصور، إلّا في ما سرت إليه رطوبة ممّا هو محكوم بالنجاسة، فإنّ طهارته حينئذٍ لاتخلو من إشكال، ومع الجهل بالحال محكوم بالطهارة.
        مسألة 4 - ما يؤخذ من يد المسلم وسوق المسلمين - من اللحم أو الشحم أو الجلد - إذا لم يعلم كونه مسبوقا بيد الكافر محكوم بالطهارة وإن لم يُعلم تذكيته؛ وكذا مايوجد مطروحا في أرض المسلمين. وأمّا إذا علم بكونه مسبوقا بيد الكافر: فإن احتمل أنّ المسلم الّذي أخذه من الكافر قد تفحّص عن حاله وأحرز تذكيته بل وعمل المسلم معه معاملة المذكّى على الأحوط فهو أيضا محكوم بالطهارة، وأمّا لو علم أنّ المسلم أخذه من الكافر من غير فحص فالأحوط بل الأقوى وجوب الاجتناب عنه.
        مسألة 5 - لو أخذ لحما أو شحما أو جلدا من الكافر أو من سوق الكفّار ولم يعلم أنّه من ذي النفس أو غيره كالسمك ونحوه فهو محكوم بالطهارة وإن لم يحرز تذكيته، ولكن لا يجوز الصلاة فيه.
        مسألة 6 - لو اُخذ شي ء من الكفّار أو من سوقهم ولم يعلم أنّه من أجزاء الحيوان أو غيره فهو محكوم بالطهارة ما لم يعلم بملاقاته للنجاسة السارية، بل يصحّ الصلاة فيه أيضا. ومن هذاالقبيل اللاستيك والشمع المجلوبان من بلاد الكفر في هذه الأزمنة عند من لم يطّلع على حقيقتهما.
        الخامس: دم ذي النفس السائلة؛ بخلاف دم غيره - كالسمك والبقّ والقمّل والبراغيث - فإنّه طاهر. والمشكوك في أنّه من أيّهما محكوم بالطهارة. والأحوط الاجتناب عن العلقة المستحيلة من المنيّ حتّى العلقة في البيضة وإن كانت الطهارة في البيضة لا تخلو من رجحان. والأقوى طهارة الدم الّذي يوجد فيها وإن كان الأحوط الاجتناب عنه بل عن جميع ما فيها، إلّا أن يكون الدم في عِرق أو تحت جلدة حائلة بينه وبين غيره.
        مسألة 7 - الدم المتخلّف في الذبيحة إن كان من الحيوان غير المأكول فالأحوط الاجتناب عنه، وإلّا فهو طاهر بعد قذف ما يعتاد قذفه من الدم بالذبح أو النحر، من غير فرق بين المتخلّف في بطنها أو في لحمها أو عروقها أو قلبها أو كبدها إذا لم يتنجّس بنجاسة كآلة التذكية وغيرها؛ وكذا المتخلّف في الأجزاء غير المأكولة وإن كان الأحوط الاجتناب عنه. وليس من الدم المتخلّف الطاهر ما يرجع من دم المذبح إلى الجوف لردّ النفس أو لكون رأس الذبيحة في علوّ. والدم الطاهر من المتخلّف حرام أكله، إلّا ما كان مستهلكا في الأمراق ونحوها، أو كان في اللحم بحيث يعدّ جزءا منها.
        مسألة 8 - ما شكّ في أنّه دم أو غيره طاهر، مثل ما إذا خرج من الجرح شي ء أصفر قد شكّ في أنّه دم أولا، أو شكّ من جهة الظلمة أوالعمى أو غير ذلك في أنّ ما خرج منه دم أو قيح؛ ولا يجب عليه الاستعلام. وكذا ما شكّ في أنّه ممّا له نفس سائلة أو لا إمّا من جهة عدم العلم بحال الحيوان كالحيّة مثلا، أو من جهة الشكّ في الدم وأنّه من الشاة - مثلا - أو من السمك؛ فلو رأى في ثوبه دما ولا يدري أنّه منه أو من البقّ أو البرغوث يحكم بطهارته.
        مسألة 9 - الدم الخارج من بين الأسنان نجس وحرام لا يجوز بلعه. ولو استهلك في الريق يطهر ويجوز بلعه. ولا يجب تطهير الفم بالمضمضة ونحوها.
        مسألة 10 - الدم المنجمد تحت الأظفار أو الجلد بسبب الرضّ نجسٌ إذا ظهر بانخراق الجلد ونحوه إلّا إذا علم استحالته؛ فلو انخرق الجلد ووصل إليه الماء تنجّس، ويشكل معه الوضوء أو الغسل، فيجب إخراجه إن لم يكن حرج، ومعه يجب أن يجعل عليه شي ء كالجبيرة ويمسح عليه، أو يتوضّ-أ ويغتسل بالغمس في ماء معتصم كالكرّ والجاري. هذا إذا علم من أوّل الأمر أنّه دم منجمد، وإن احتمل أنّه لحم صار كالدم بسبب الرضّ فهو طاهر.
        السادس والسابع: الكلب والخنزير البرّيّان عينا ولعابا، وجميع أجزائهما وإن كانت ممّا لا تحلّه الحياةكالشعروالعظم ونحوهما.وأمّاكلب الماءوخنزيره فطاهران.
        الثامن: المسكر المائع بالأصل، دون الجامد كذلك - كالحشيش - وإن غلى وصار مائعا بالعارض. وأمّا العصير العنبيّ فالظاهر طهارته لو غلى بالنار ولم يذهب ثلثاه وإن كان حراما بلا إشكال. والزبيبيّ أيضا طاهر، والأقوى عدم حرمته، ولو غليا بنفسهما وصارا مسكرين - كما قيل - فهما نجسان أيضا؛ وكذا التمريّ على هذا الفرض؛ ومع الشكّ فيه يحكم بالطهارة في الجميع.
        مسألة 11 - لا بأس بأكل الزبيب والتمر إذا غليا في الدهن أو جعلا في المَحْشيّ والطبيخ أو في الأمراق مطلقا، سيّما إذا شكّ في غليان ما في جوفهما كما هوالغالب.
        التاسع: الفُقّاع، وهو شراب مخصوص متّخذ من الشعير غالبا. أمّا المتّخذ من غيره ففي حرمته ونجاسته تأمّل وإن سمّي فقّاعا، إلّا إذا كان مسكرا.
        العاشر: الكافر. وهو من انتحل غير الإسلام، أو انتحله وجحد ما يعلم من الدين ضرورة، بحيث يرجع جحوده إلى إنكار الرسالة، أو تكذيب النبيّ (صلي الله علیه وآله وسلم) ، أو تنقيص شريعته المطهّرة، أو صدر منه ما يقتضي كفره من قول أو فعل، من غير فرق بين المرتدّ والكافر الأصليّ الحربيّ والذمّيّ. وأمّا النواصب والخوارج -لعنهم اللّه تعالى- فهما نجسان من غير توقّف ذلك على جحودهما الراجع إلى إنكار الرسالة. وأمّا الغالي فإن كان غلوّه مستلزما لإنكار الاُلوهيّة أو التوحيد أو النبوّة فهو كافر، وإلّا فلا.
        مسألة 12 - غير الاثني عشريّة من فرق الشيعة إذا لم يظهر منهم نصب ومعاداة وسبّ لسائر الأئمّة الّذين لا يعتقدون بإمامتهم طاهرون، وأمّا مع ظهور ذلك منهم فهم مثل سائر النواصب.
        الحادي عشر: عرق الإبل الجلّالة. والأقوى طهارة عرق ما عداها من الحيوانات الجلّالة، والأحوط الاجتناب عنه؛ كما أنّ الأقوى طهارة عرق الجنب من الحرام،والأحوط التجنّب عنه في الصلاة، وينبغي الاحتياط منه مطلقا.

      • القول في أحكام النجاسات

         

        القول في أحكام النجاسات

        مسألة 1 - يشترط في صحّة الصلاة والطواف واجبهما ومندوبهما طهارة البدن - حتّى الشعر والظفر وغيرهما ممّا هو من توابع الجسد - واللباس الساتر منه وغيره، عدا ما استثني من النجاسات وما في حكمها من المتنجّس بها. وقليلها -ولو مثل رأس الإبرة- ككثيرها عدا ما استثني منها. ويشترط في صحّة الصلاة أيضا طهارة موضع الجبهة في حال السجود دون المواضع الاُخر؛ فلا بأس بنجاستها ما دامت غير سارية إلى بدنه أو لباسه بنجاسة غير معفوّ عنها.
        ويجب إزالة النجاسة عن المساجد بجميع أجزائها من أرضها وبنائها حتّى الطرف الخارج من جدرانها على الأحوط، كما أنّه يحرم تنجيسها. ويلحق بها المشاهد المشرّفة والضرائح المقدّسة، وكلّ ما علم من الشرع وجوب تعظيمه على وجه ينافيه التنجيس، كالتربة الحسينيّة بل وتربة الرسول (صلى الله علیه وآله وسلم) وسائر الأئمّة(علیهم السلام)، والمصحف الكريم حتّى جلده وغلافه، بل وكتب الأحاديث عن المعصومين(علیهم السلام) على الأحوط بل الأقوى لو لزم الهتك، بل مطلقا في بعضها. ووجوب تطهير ما ذكر كفائيّ لا يختصّ بمن نجّسها؛ كما أنّه يجب المبادرة مع القدرة على تطهيرها. ولو توقّف ذلك على صرف مال وجب. وهل يرجع به على من نجّسها لا يخلو من وجه. ولو توقّف تطهير المسجد - مثلا - على حفر أرضه أو تخريب شي ء منه جاز بل وجب. وفي ضمان من نجّسه لخسارة التعمير وجه قويّ. ولو رأى نجاسةً في المسجد - مثلا - وقد حضر وقت الصلاة تجب المبادرة إلى إزالتها مقدّما على الصلاة مع سعة وقتها، فلو تركها مع القدرة واشتغل بالصلاة عصى، لكنّ الأقوى صحّتها؛ ومع ضيق الوقت قدّمها على الإزالة.
        مسألة 2 - حصير المسجد وفرشه كنفس المسجد على الأحوط في حرمة تلويثه ووجوب إزالته عنه ولو بقطع الموضع النجس.
        مسألة 3 - لافرق في المسجد بين المعمور والمخروب والمهجور، بل الأحوط جريان الحكم في ما إذا تغيّر عنوانه، كما إذا غُصب وجُعل دارا أو خانا أو دكّانا.
        مسألة 4 - لو علم إخراج الواقف بعض أجزاء المسجد عنه لا يلحقه الحكم؛ ومع الشكّ فيه لا يلحق به مع عدم أمارة على المسجديّة.
        مسألة 5 - كما يحرم تنجيس المصحف يحرم كتابته بالمداد النجس. ولو كتب جهلا أو عمدا يجب محوه في ما ينمحي، وفي غيره كمداد الطبع يجب تطهيره.
        مسألة 6 - من صلّى في النجاسة متعمّدا بطلت صلاته ووجبت إعادتها، من غير فرق بين الوقت وخارجه. والناسي كالعامد. والجاهل بها حتّى فرغ من صلاته لا يعيد في الوقت ولا خارجه وإن كان الأحوط الإعادة. وأمّا لو علم بها في أثنائها: فإن لم يعلم بسبقها وأمكنه إزالتها - بنزع أو غيره - على وجه لا ينافي الصلاة مع بقاء الستر فعل و مضى في صلاته، وإن لم يمكنه استأنفها لو كان الوقت واسعا، وإلّا فإن أمكن طرح الثوب والصلاة عريانا يصلّي كذلك على الأقوى، وإن لم يمكن صلّى بها، وكذا لو عرضت له في الأثناء. ولو علم بسبقها وجب الاستيناف مع سعة الوقت مطلقا.
        مسألة 7 - لو انحصر الساتر في النجس: فإن لم يقدر على نزعه لبرد ونحوه صلّى فيه إن ضاق الوقت أو لم يحتمل احتمالا عقلائيّا زوال العذر، ولا إعادة عليه؛ وإن تمكّن من نزعه فالأقوى إتيان الصلاة عاريا مع ضيق الوقت، بل ومع سعته لو لم يحتمل زوال العذر، ولا قضاء عليه.
        مسألة 8 - لواشتبه الثوب الطاهر بالنجس يكرّر الصلاة فيهما مع الانحصار بهما، ولو لم يسع الوقت فالأحوط أن يصلّي عاريا مع الإمكان ويقضي خارج الوقت في ثوب طاهر، ومع عدم الإمكان يصلّي في أحدهما ويقضي في ثوب طاهر على الأحوط؛ وفي هذه الصورة لو كان أطراف الشبهة ثلاثة أو أكثر يكرّر الصلاة على نحو يعلم بوقوعها في ثوب طاهر.

      • القول في كيفية التنجيس بها

         

        القول في كيفيّة التنجّس بها

        مسألة 1 - لا ينجس الملاقي لها مع اليبوسة، ولامع النداوة الّتي لم ينتقل منها أجزاء بالملاقاة. نعم، ينجس الملاقي مع بلّة في أحدهما على وجه تصل منه إلى الآخر؛ فلا يكفي مجرّد الميعان كالزيبق، بل والذهب والفضّة الذائبين ما لم تكن رطوبة سارية من الخارج، فالذهب الذائب في البوتقة النجسة لا يتنجّس ما لم تكن رطوبة سارية فيها أو فيه، ولو كانت لا تنجس إلّا ظاهره كالجامد.
        مسألة 2 - مع الشكّ في الرطوبة أوالسراية يحكم بعدم التنجيس؛ فإذا وقع الذباب على النجس ثمّ على الثوب لا يحكم به، لاحتمال عدم تبلّل رجله ببلّة تسري إلى ملاقيه.
        مسألة 3 - لا يحكم بنجاسة شي ء ولا بطهارة ما ثبتت نجاسته إلّا باليقين، أو بإخبار ذي اليد، أو بشهادة عدلين. وفي الاكتفاء بعدل واحد إشكال، فلا يترك مراعاة الاحتياط في الصورتين. ولا يثبت الحكم في المقامين بالظنّ وإن كان قويّا، ولا بالشكّ إلّا في الخارج قبل الاستبراء كما عرفته سابقا.
        مسألة 4 - العلم الإجماليّ كالتفصيليّ؛ فإذا علم بنجاسة أحد الشيئين يجب الاجتناب عنهما، إلّا إذا لم يكن أحدهما قبل حصول العلم محلّاً لابتلائه، فلايجب الاجتناب عمّا هو محلّ ابتلائه، وفي المسألة إشكال وإن كان الأرجح بالنظر ذلك. وفي حكم العلم الإجماليّ الشهادة بالإجمال إذا وقعت على موضوع واحد؛ وأمّا إذا لم ترد الشهادة عليه ففيه إشكال، فلا يترك الاحتياط فيه وفي ما إذا كانت الشهادة بنحو الإجمال حتّى لدى الشاهدين.
        مسألة 5 - لو شهد الشاهدان بالنجاسة السابقة وشكّ في زوالها يجب الاجتناب.
        مسألة 6 - المراد بذي اليد كلّ من كان مستوليا عليه، سواء كان بملك أو إجارة أو إعارة أو أمانة بل أو غصب؛ فإذا أخبرت الزوجة أو الخادمة أو المملوكة بنجاسة ما في يدها من ثياب الزوج أو المولى أو ظروف البيت كفى في الحكم بالنجاسة، بل وكذا إذا أخبرت المربّية للطفل بنجاسته أو نجاسة ثيابه. نعم، يستثنى من الكلّيّة المتقدّمة قول المولى بالنسبة إلى عبده، فإنّ في اعتبار قوله بالنسبة إلى نجاسة بدن عبده أو جاريته ولباسهما الّذي تحت يديهما إشكالا، بل عدم اعتباره لا يخلو من قوّة، خصوصا إذا أخبرا بالطهارة، فإنّ الأقوى اعتبار قولهما لا قوله.
        مسألة 7 - لو كان شي ء بيد شخصين كالشريكين يسمع قول كلّ منهما في نجاسته، ولو أخبر أحدهما بنجاسته والآخر بطهارته تساقطا، كما أنّ البيّنة تسقط عند التعارض، وتقدّم على قول ذي اليد عند التعارض. هذا كلّه لو لم يكن إخبار أحدالشريكين أو إحدى البيّنتين مستندا إلى الأصل والآخر إلى الوجدان، وإلّا فيقدّم ما هو مستند إلى الوجدان، فلو أخبر أحد الشريكين بالطهارة أو النجاسة مستندا إلى أصل والآخر أخبر بخلافه مستندا إلى الوجدان يقدّم الثاني، وكذا الحال في البيّنة. وكذا لا تقدّم البيّنة المستندة إلى الأصل على قول ذي اليد.
        مسألة 8 - لا فرق في ذي اليد بين كونه عادلا أو فاسقا. وفي اعتبار قول الكافر إشكال وإن كان الأقوى اعتباره. ولا يبعد اعتبار قول الصبيّ إذا كان مراهقا، بل يراعى الاحتياط في المميّز غير المراهق أيضا.
        مسألة 9 - المتنجّس منجّس مع قلّة الواسطة كالاثنتين والثلاث، وفي ما زادت على الأحوط وإن كان الأقرب مع كثرتها عدم التنجيس. والأحوط إجراء أحكام النجس على ما تنجّس به، فيغسل الملاقي لملاقي البول مرّتين، ويعمل مع الإناء الملاقي للإناء الّذي ولغ فيه الكلب في التطهير مثل ذلك الإناء، خصوصا إذا صُبّ ماء الولوغ فيه، فيجب تعفيره على الأحوط.
        مسألة 10 - ملاقاة ما في الباطن بالنجاسة الّتي في الباطن لا ينجّسه، فالنخامة إذا لاقت الدم في الباطن وخرجت غير متلطّخة به طاهرة. نعم، لو اُدخل شي ء من الخارج ولاقى النجاسة في الباطن فالأحوط الاجتناب عنه وإن كان الأقوى عدم لزومه.

      • القول فيما يعفي عنه في الصلاة

         

        القول في ما يُعفى عنه في الصلاة

        مسألة 1 - ما يعفى عنه من النجاسات في الصلاة اُمور:
        الأوّل: دم الجروح والقروح في البدن واللباس حتّى تبرأ. والأحوط إزالته أو تبديل ثوبه إذا لم يكن مشقّة في ذلك على النوع، إلّا أن يكون حرجا عليه، فلايجب بمقدار الخروج عنه؛ فالميزان في العفو أحد الأمرين: إمّا أن يكون في التطهير والتبديل مشقّة على النوع فلايجب مطلقا، أو يكون ذلك حرجيّا عليه مع عدم المشقّة النوعيّة، فلايجب بمقدار التخلّص عنه. وكون دم البواسير منها وإن لم يكن قرحة في الخارج وكذا كلّ قرح أو جرح باطنيّ خرج دمه إلى الخارج لا يخلو من قوّة.
        الثاني: الدم في البدن واللباس إن كانت سعته أقلّ من الدرهم البغليّ ولم يكن من الدماء الثلاثة - : الحيض والنفاس والاستحاضة - ونجس العين والميتة، على الأحوط في الاستحاضة وما بعدها وإن كان العفو عمّا بعدها لا يخلو من وجه، بل الأولى الاجتناب عمّا كان من غير مأكول اللحم، ولمّا كانت سعة الدرهم البغليّ غير معلومة يقتصر على القدر المتيقّن، وهو سعة عقد السبّابة.
        مسألة 2 - لو كان الدم متفرّقا في الثياب والبدن لوحظ التقدير على فرض اجتماعه، فيدور العفو مداره، ولكنّ الأقوى العفو عن شبه النضح مطلقا. ولو تفشّى الدم من أحد جانبي الثوب إلى الآخر فهو دم واحد وإن كان الاحتياط في الثوب الغليظ لا ينبغي تركه. وأمّا مثل الظهارة والبطانة والملفوف من طيّات عديدة ونحو ذلك فهو متعدّد.
        مسألة 3 - لو شكّ في الدم الّذي يكون أقلّ من الدرهم أنّه من المستثنيات كالدماء الثلاثة أولا؟ حكم بالعفو عنه حتّى يعلم أنّه منها؛ ولو بان بعد ذلك أنّه منها فهو من الجاهل بالنجاسة على إشكال وإن لا يخلو من وجه. ولو علم أنّه من غيرها وشكّ في أنّه أقلّ من الدرهم أم لا فالأقوى العفو عنه، إلّا إذا كان مسبوقا بكونه أكثر من مقدار العفو وشكّ في صيرورته بمقداره.
        مسألة 4 - المتنجّس بالدم ليس كالدم في العفو عنه إذا كان أقلّ من الدرهم، ولكنّ الدم الأقلّ إذا اُزيل عينه يبقى حكمه.
        الثالث: كلّ ما لا تتمّ فيه الصلاة منفردا كالتكّة والجورب ونحوهما، فإنّه معفوّ عنه لو كان متنجّسا ولو بنجاسة من غير مأكول اللحم. نعم، لا يُعفى عمّا كان متّخذا من النجس، كجزء ميتة أو شعر كلب أو خنزير أو كافر.
        الرابع: ما صار من البواطن والتوابع - كالميتة الّتي أكلها، والخمر الّتي شربها، والدم النجس الّذي أدخله تحت جلده، والخيط النجس الّذي خاط به جلده - فإنّ ذلك معفوّ عنه في الصلاة. وأمّا حمل النجس فيها فالأحوط الاجتناب عنه خصوصا الميتة، وكذا المحمول المتنجّس الّذي تتمّ فيه الصلاة. وأمّا ما لا تتمّ فيه الصلاة مثل السكّين والدراهم فالأقوى جواز الصلاة معه.
        الخامس: ثوب المربّية للطفل اُمّا كانت أو غيرها، فإنّه معفوّ عنه إن تنجّس ببوله. والأحوط أن تغسل كلّ يوم لأوّل صلاة ابتليت بنجاسة الثوب، فتصلّي معه الصلاة بطهر، ثمّ تصلّي فيه بقيّة الصلوات من غير لزوم التطهير، بل هو لا يخلو من وجه. ولا يتعدّى من البول إلى غيره، ولا من الثوب إلى البدن، ولا من المربّية إلى المربيّ، ولا من ذات الثوب الواحد إلى ذات الثياب المتعدّدة مع عدم الحاجة إلى لبسهنّ جميعا، وإلّا كانت كذات الثوب الواحد.

    • فصل في المطهرات
      • أقسام مطهرات

         

        فصل في المطهّرات

        وهي أحد عشر:
        أوّلها: الماء. ويطهّر به كلّ متنجّس حتّى الماء كما تقدّم في فصل المياه، وقد مرّ كيفيّة تطهيره به. وأمّا كيفيّة تطهير غيره به فيكفي في المطر استيلاؤه على المتنجّس بعد زوال العين وبعد التعفير في الولوغ؛ وكذا في الكرّ والجاري، إلّا أنّ الأحوط في ما يقبل العصر اعتباره أو اعتبار ما يقوم مقامه من الفرك والغمز ونحوهما حتّى مثل الحركة العنيفة في الماء حتّى تخرج الماء الداخل. ولا فرق بين أنواع النجاسات وأصناف المتنجّسات سوى الإناء المتنجّس بالولوغ أو بشرب الخنزير وموت الجرذ، فإنّ الأحوط تطهيره بهما كتطهيره بالقليل، بل الأحوط الأولى تطهير مطلق الإناء المتنجّس كالتطهير بالقليل وإن كان الأرجح كفاية المرّة فيه.
        وأمّا غيره فيطهر مالا ينفذ فيه الماء والنجاسة بمجرّد غمسه في الكرّ أوالجاري بعد زوال عين النجاسة وإزالة المانع لو كان، والّذي ينفذ فيه ولا يمكن عصره -كالكوز والخشب والصابون ونحو ذلك- يطهر ظاهره بمجرّد غمسه فيهما، وباطنه بنفوذ الماء المطلق فيه بحيث يصدق أنّه غُسل به، ولا يكفي نفوذ الرطوبة؛ وتحقّق ذلك في غاية الإشكال، بل الظاهر عدم تحقّقه إلّا نادرا؛ ومع الشكّ في تحقّقه - بأن يشكّ في النفوذ أو في حصول الغسل به - يحكم ببقاء النجاسة. نعم، مع القطع بهما والشكّ في بقاء إطلاق الماء يحكم بالطهارة. هذا بعض الكلام في كيفية التطهير بالكرّ والجاري، و سنذكر بعض ما يتعلّق به في طيّ المسائل الآتية.
        وأمّا التطهير بالقليل فالمتنجّس بالبول غير الآنية يعتبر فيه التعدّد مرّتين، والأحوط كونهما غير غسلة الإزالة. والمتنجّس بغير البول إن لم يكن آنيةً يجزي فيه المرّة بعد الإزالة، ولا يُكتفى بما حصل به الإزالة. نعم، يكفي استمرار إجراء الماء بعدها. ويعتبر في التطهير به انفصال الغسالة؛ ففي مثل الثياب ممّا ينفذ فيه الماء ويقبل العصر لابدّ منه أو ما يقوم مقامه، وفي ما لا ينفذ فيه الماء وإن نفذت الرطوبة - كالصابون والحبوب - ولا يقبل العصر يطهر ظاهره بإجراء الماء عليه، ولا يضرّ به بقاء نجاسة الباطن،ولا يطهر الباطن تبعا للظاهر.
        وأمّا الآنية فإن تنجّست بولوغ الكلب في ما فيها من ماء أو غيره ممّا يتحقّق معه اسم الولوغ غُسلت ثلاثا، اُولاهنّ بالتراب - أي التعفير به - والأحوط اعتبار الطهارة فيه، ولا يقوم غيره مقامه ولو عند الاضطرار. والأحوط في الغسل بالتراب مسحه بالتراب الخالص أوّلا ثمّ غسله بوضع ماء عليه بحيث لا يخرجه عن اسم التراب. ولا يترك الاحتياط بإلحاق مطلق مباشرته بالفم، كاللطع ونحوه والشرب بلا ولوغ ومباشرة لعابه بلا ولوغ به. ولا يلحق به مباشرته بسائر أعضائه على الأقوى، والاحتياط حسن.
        مسألة 1 - لو كانت الآنية المتنجّسة بالولوغ ممّا يتعذّر تعفيرها بالتراب بالنحو المتعارف - لضيق رأسه أو غير ذلك - فلا يسقط التعفير بما يمكن، ولو بوضع خرقة على رأس عود و إدخالها فيها و تحريكها تحريكا عنيفا ليحصل الغسل بالتراب والتعفير. وفي حصوله بإدخال التراب فيها وتحريكها تحريكا عنيفا تأمّل. ولو شُكّ في حصوله يحكم ببقاء النجاسة، كما لو فرض التعذّر أصلا بقيت على النجاسة. ولا يسقط التعفير بالغسل بالماء الكثير والجاري والمطر. ولا يترك الاحتياط بالتعدّد أيضا في غير المطر، وأمّا فيه فلا يحتاج إليه.
        مسألة 2 - يجب غسل الإناء سبعا لموت الجرذ ولشرب الخنزير،ولا يجب التعفير. نعم، هو أحوط في الثاني قبل السبع. وينبغي غسله سبعا أيضا لموت الفأرة ولشرب النبيذ، بل مطلق المسكر فيه، ولمباشرة الكلب وإن لم يجب ذلك، وإنّما الواجب غسله بالقليل ثلاثا كسائر النجاسات.
        مسألة 3 - تطهير الأواني الصغيرة والكبيرة - ضيّقة الرأس وواسعته - بالكثير والجاري واضح، بأن توضع فيه حتّى يستولي عليها الماء؛ ولاينبغي ترك الاحتياط بالتثليث كذلك. وأمّا بالقليل فبصبّ الماء فيها وإدارته حتّى يستوعب جميع أجزائها بالإجراء الّذي يتحقّق به الغسل، ثمّ يراق منها، يفعل بها ثلاثا. والأحوط الفوريّة في الإدارة عقيب الصبّ فيها،والإفراغ عقيب الإدارة على جميع أجزائها. هذا في الأواني الصغار والكبار الّتي يمكن فيها الإدارة والإفراغ عقيبها. وأمّا الأواني الكبار المثبتة والحياض ونحوها فتطهيرها بإجراء الماء عليها حتّى يستوعب جميع أجزائها، ثمّ يخرج حينئذٍ ماء الغسالة المجتمع في وسطها - مثلا - بنزح وغيره، من غير اعتبار الفوريّة المزبورة. والأحوط اعتبار تطهير آلة النزح إذا اُريد عودها إليه. ولا بأس بما يتقاطر فيه حال النزح وإن كان الأحوط خلافه.
        مسألة 4 - لو تنجّس التنّور يطهر بصبّ الماء على الموضع النجس من فوق إلى تحت، ولا يحتاج إلى التثليث، فيصبّ عليه مرّتين في التنجّس بالبول، ويكفي مرّة في غيره.
        مسألة 5 - لو تنجّس ظاهر الأرز والماش ونحوهما يجعلها في شي ء ويغمس في الكرّ أو الجاري فيطهر؛ وكذا يطهر بإجراء الماء القليل عليها. وإن نفذ فيها الرطوبة النجسة فتطهيرها بالقليل غير ميسور، وكذا في الكرّ والجاري. نعم، لايبعد إمكان تطهير الكوز الّذي صنع من الطين النجس بوضعه في الكثير أو الجاري إلى أن ينفذ الماء في أعماقه، ولا يحتاج إلى التجفيف. ولو شكّ في وصول الماء بنحو يصدق عليه الغسل في أعماقه يحكم ببقاء نجاسته.
        مسألة 6 - اللحم المطبوخ بالماء النجس يمكن تطهيره بالكثير والقليل لو صبّ عليه الماء ونفذ فيه إلى المقدار الّذي نفذ فيه الماء النجس مع بقاء إطلاقه وإخراج الغسالة؛ ولو شكّ في نفوذ الماء النجس إلى باطنه يكفي تطهير ظاهره.
        مسألة 7 - لو غسل ثوبه المتنجّس ثمّ رأى فيه شيئا من الإشنان ونحوه فإن علم بعدم منعه عن وصول الماء إلى الثوب فلا إشكال؛ وفي الاكتفاء بالاحتمال إشكال، بل في الحكم بطهارة الإشنان لابدّ من العلم بانغساله، ولا يكفي الاحتمال على الأحوط.
        مسألة 8 - لو أكل طعاما نجسا فما يبقى منه بين أسنانه باقٍ على نجاسته، ويطهر بالمضمضة مع مراعاة شرائط التطهير. وأمّا لو كان الطعام طاهرا وخرج الدم من بين أسنانه فإن لم يلاقه الدم وإن لاقاه الريق الملاقي له فهو طاهر، وإن لاقاه فالأحوط الحكم بنجاسته.
        ثانيها: الأرض، فإنّها تطهّر ما يماسّها من القدم بالمشي عليها أو بالمسح بها بنحو يزول معه عين النجاسة إن كانت؛ وكذا ما يوقى به القدم كالنعل. ولو فرض زوالها قبل ذلك كفى في التطهير حينئذ المماسّة على إشكال، والأحوط أقلّ مسمّى المسح أو المشي حينئذٍ، كما أنّ الأحوط قصر الحكم بالطهارة على ما إذا حصلت النجاسة من المشي على الأرض النجسة. ولا فرق في الأرض بين التراب والرمل والحجر، أصليّا كان أو مفروشا عليها. ويلحق بها المفروشة بالآجر والجصّ على الأقوى، بخلاف المطليّة بالقير والمفروشة بالخشب. ويعتبر جفاف الأرض وطهارتها على الأقوى.
        ثالثها: الشمس، فإنّها تطهّر الأرض وكلّ ما لا ينقل من الأبنية وما اتّصل بها: من الأخشاب والأبواب والأعتاب والأوتاد المحتاج إليها في البناء المستدخلة فيه - لا مطلق ما في الجدار على الأحوط - والأشجار والنبات والثمار والخَضْراوات وإن حان قطفها، وغير ذلك حتّى الأواني المثبتة، وكذا السفينة؛ ولكن لاتخلو الأشجار وما بعدها من الإشكال وإن لا تخلو من قوّة. ولا يترك الاحتياط في الطرّادة، وكذا العَرَبة ونحوها. والأقوى تطهيرها للحُصُر والبواري. ويعتبر في طهارة المذكورات ونحوها بالشمس بعد زوال عين النجاسة عنها أن تكون رطبةً رطوبةً تعلق باليد ثمّ تجفّفها الشمس تجفيفا يستند إلى إشراقها بدون واسطة، بل لا يبعد اعتبار اليبس على النحو المزبور.
        ويطهر باطن الشي ء الواحد إذا أشرقت على ظاهره وجفّ باطنه بسبب إشراقها على الظاهر، ويكون باطنه المتنجّس متّصلا بظاهره المتنجّس على الأحوط؛ فلوكان الباطن فقط نجسا أو كان بين الظاهر والباطن فصلا بالجزء الطاهر بقي الباطن على نجاسته على الأحوط، بل لا يخلو من قوّة. وأمّا الأشياء المتعدّدة المتلاصقة فلا تطهر إذا أشرقت على بعضها وجفّت البقيّة به، وإنّما يطهر ماأشرقت عليه بلاوسط.
        مسألة 9 - لو كانت الأرض أو نحوها جافّةً واُريد تطهيرها بالشمس يُصبّ عليها الماء الطاهر أو النجس ممّا يورث الرطوبة فيها حتّى تجفّفها وتطهر.
        مسألة 10 - الحصى والتراب والطين والأحجار مادامت واقعةً على الأرض وتعدّ جزءا منها عرفا تكون بحكمها، وإن اُخذت منها أو خرجت عن الجزئيّة اُلحقت بالمنقولات. وكذا الآلات الداخلة في البناء كالأخشاب والأوتاد يلحقها حكمها، وإذا قُلعت زال الحكم، ولو اُعيدت عاد، وهكذا كلّ ما يشبه ذلك.
        رابعها: الاستحالة إلى جسم آخر؛ فيطهر ما أحالته النار رمادا أو دخانا أو بخارا، سواء كان نجسا أو متنجّسا؛ وكذا المستحيل بغيرها بخارا أو دخانا أو رمادا. أمّا ما أحالته فحما أو خزفا أو آجرا أو جصّا أو نورةً فهو باقٍ على النجاسة. ويطهر كلّ حيوان تكوّن من نجس أو متنجّس كدود الميتة والعذرة، ويطهر الخمر بانقلابها خلّاً بنفسها أو بعلاج كطرح جسم فيها، سواء استُهلك الجسم أم لا. نعم، لو لاقت الخمر نجاسة خارجيّة ثمّ انقلبت خلّاً لم تطهر على الأحوط.
        خامسها: ذهاب الثلثين في العصير بالنار أو بالشمس إذا غلى بأحدهما، فإنّه مطهّر للثلث الباقي بناءً على النجاسة، وقد مرّ أنّ الأقوى طهارته، فلا يؤثّر التثليث إلّا في حلّيّته. وأمّا إذا غلى بنفسه فإن اُحرز أنّه يصير مسكرا بذلك فهو نجس ولا يطهر بالتثليث، بل لابدّ من انقلابه خلّاً، ومع الشكّ محكوم بالطهارة.
        سادسها: الانتقال، فإنّه موجب لطهارة المنتقل إذا اُضيف إلى المنتقل إليه وعُدّ جزءا منه، كانتقال دم ذي النفس إلى غير ذي النفس؛ وكذا لو كان المنتقل غير الدم والمنتقل إليه غير الحيوان من النبات وغيره. ولو علم عدم الإضافة أو شكّ فيها من حيث عدم الاستقرار في بطن الحيوان - مثلا - على وجه يستند إليه - كالدم الّذي يمصّه العلق - بقي على النجاسة.
        سابعها: الإسلام، فإنّه مطهّر للكافر بجميع أقسامه، حتّى الرجل المرتدّ عن فطرة إذا تاب، فضلا عن المرأة. ويتبع الكافرَ فضلاته المتّصلة به: من شعره وظفره وبصاقه ونخامته وقيحه ونحو ذلك.
        ثامنها: التبعيّة، فإنّ الكافر إذا أسلم يتبعه ولده في الطهارة، أبا كان أو جدّا أو اُمّا. وأمّا تبعيّة الطفل للسابي المسلم إن لم يكن معه أحد آبائه فمحلّ إشكال، بل عدمها لا يخلو من قوّة. ويتبع الميّت بعد طهارته آلات تغسيله: من الخرقة الموضوعة عليه، وثيابه الّتي غسّل فيها، ويد المغسّل، والخرقة الملفوفة بها حين تغسيله. وفي باقي بدنه وثيابه إشكال أحوطه العدم، بل الأولى الاحتياط في ما عدا يد المغسّل.
        تاسعها: زوال عين النجاسة بالنسبة الى الصامت من الحيوان وبواطن الإنسان؛ فيطهر منقار الدجاجة الملوّثة بالعذرة بمجرّد زوال عينها وجفاف رطوبتها؛ وكذا بدن الدابّة المجروح وفم الهرّة الملوّث بالدم ونحوه، وولد الحيوان المتلطّخ به عند الولادة بمجرّد زواله عنه؛ وكذا يطهر فم الإنسان إذا أكل أو شرب نجسا أو متنجّسا بمجرّد بلعه.
        عاشرها: الغيبة، فإنّها مطهّرة للإنسان وثيابه وفرشه وأوانيه وغيرها من توابعه، فيعامل معه معاملة الطهارة، إلّا مع العلم ببقاء النجاسة. ولا يبعد عدم اعتبار شي ء فيه، فيجري الحكم سواء كان عالما بالنجاسة أم لا، معتقدا نجاسة ما أصابه أم لا، كان متسامحا في دينه أم لا. والاحتياط حسن.
        حادي عشرها: استبراء الجلّال من الحيوان بما يخرجه عن اسم الجلل، فإنّه مطهّر لبوله وخرئه. ولا يترك الاحتياط مع زوال اسمه في استبراء الإبل أربعين يوما، والبقر عشرين، والغنم عشرة أيّام، والبطّة خمسة أيّام، والدجاجة ثلاثة أيّام، بل لا يخلو كلّ ذلك من قوّة؛ وفي غيرها يكفي زوال الاسم.

      • القول في الأوانى

         

        القول في الأواني

        مسألة 1 - أواني الكفّار كأواني غيرهم محكومة بالطهارة ما لم يعلم ملاقاتهم لها مع الرطوبة السارية؛ وكذا كلّ ما في أيديهم من اللباس والفرش وغير ذلك. نعم، ما كان في أيديهم من الجلود محكومة بالنجاسة لو علم كونها من الحيوان الّذي له نفس سائلة ولم يعلم تذكيته ولم يعلم سبق يد مسلم عليها؛ وكذا الكلام في اللحوم والشحوم الّتي في أيديهم بل في سوقهم، فإنّها محكومة بالنجاسة مع الشروط المزبورة.
        مسألة 2 - يحرم استعمال أواني الذهب والفضّة في الأكل والشرب وسائر الاستعمالات، نحو التطهير من الحدث والخبث وغيرها. والمحرّم هو الأكل والشرب فيها أو منها، لا تناول المأكول والمشروب منها، ولا نفس المأكول والمشروب؛ فلو أكل منها طعاما مباحا في نهار رمضان لا يكون مفطرا بالحرام وإن ارتكب الحرام من جهة الشرب منها. هذا في الأكل والشرب. وأمّا في غيرهما فالمحرّم استعمالها؛ فإذا اغترف منها للوضوء يكون الاغتراف محرّما دون الوضوء. وهل التناول الّذي هو مقدّمة للأكل والشرب أيضا محرّم من باب حرمة مطلق الاستعمال حتّى يكون في الأكل والشرب محرّمان: هما والاستعمال بالتناول؟ فيه تأمّل وإشكال وإن كان عدم حرمة الثاني لا يخلو من قوّة.
        ويدخل في استعمالها المحرّم على الأحوط وضعها على الرفوف للتزيين وإن كان عدم الحرمة لا يخلو من قرب. والأحوط الأولى ترك تزيين المساجد والمشاهد بها أيضا. والأقوى عدم حرمة اقتنائها من غير استعمال. والأحوط حرمة استعمال الملبّس بأحدهما إن كان على وجه لو انفصل كان إناءً مستقلّاً، دون ما إذا لم يكن كذلك، ودون المفضّض والمموّه بأحدهما. والممتزج منهما بحكم أحدهما وإن لم يصدق عليه اسم أحدهما؛ بخلاف الممتزج من أحدهما بغيرهما لو لم يكن بحيث يصدق عليه اسم أحدهما.
        مسألة 3 - الظاهر أنّ المراد بالأواني ما يستعمل في الأكل والشرب والطبخ والغسل والعجن، مثل الكأس والكوز والقصاع والقدور والجفان والأقداح والطست والسماور والقوري والفنجان، بل وكوز القليان والنعلبكي، بل والملعقة على الأحوط؛ فلا يشمل مثل رأس القليان ورأس الشطب وغلاف السيف والخنجر والسكّين والصندوق وما يصنع بيتا للتعويذ وقاب الساعة والقنديل والخلخال وإن كان مجوّفا. وفي شمولها للهاون والمجامر والمباخر وظروف الغالية والمعجون والترياك ونحو ذلك تردّد وإشكال، فلا يترك الاحتياط.
        مسألة 4 - كما يحرم الأكل والشرب من آنية الذهب والفضّة بوضعهما على فمه وأخذ اللقمة منها - مثلاً - كذلك يحرم تفريغ ما فيها في إناء آخر بقصد الأكل والشرب. نعم، لو كان التفريغ في إناء آخر بقصد التخلّص من الحرام لا بأس به، بل ولا يحرم الأكل والشرب من ذلك الإناء بعد ذلك، بل لا يبعد أن يكون المحرّم في الصورة الاُولى أيضا نفس التفريغ في الآخر بذلك القصد، دون الأكل والشرب منه؛ فلو كان الصابّ منها في إناء آخر بقصد أكل الآخر أو شربه كان الصابّ مرتكبا للحرام بصبّه دون الآكل والشارب. نعم، لو كان الصبّ بأمره واستدعائه لايبعد أن يكون كلاهما مرتكبا للحرام: المأمور باستعمال الآنية، والآمر بالأمر بالمنكر، بناءً على حرمته كما لا تبعد.
        مسألة 5 - الظاهر أنّ الوضوء من آنية الذهب والفضّة كالوضوء من الآنية المغصوبة، يبطل إن كان بنحو الرمس، وكذا بنحو الاغتراف مع الانحصار، ويصحّ مع عدمه كما تقدّم.

  • كتاب الصلاة
  •  

    كتاب الصلاة

    وهي الّتي تنهى عن الفحشاء والمنكر، وهي عمود الدين
    إن قبلت قبل ما سواها و إن ردّت ردّ ما سواها.

    • فصل في مقدمات الصلاة
    •  

      فصل فی مقدّمات الصلاة
      و هی ستّ:

      • المقدّمة الاولى
         
        المقدّمة الاُولی 
        فی أعداد الفرائض ومواقیت الیومیّة ونوافلها
        مسألة 1 - الصلاة واجبة ومندوبة:
        فالواجبة خمس: الیومیّة، ومنها الجمعة، وکذا قضاء الولد الأکبر عن والده، وصلاة الآیات، والطواف الواجب، والأموات، وما التزمه المکلّف بنذر أو إجارة أو غیرهما. وفی عدّ الأخیرة فی الواجب مسامحة، إذ الواجب هو الوفاء بالنذر ونحوه، لا عنوان الصلاة.
        والمندوبة أکثر من أن تحصی؛ منها الرواتب الیومیّة، وهی ثمانِ رکعات للظهر قبله، وثمانٍ للعصر قبله، وأربع للمغرب بعده، ورکعتان من جلوس للعشاء بعده تُعدّان برکعة تسمّی بالوتیرة، ویمتدّ وقتها بامتداد وقت صاحبها، ورکعتان للفجر قبل الفریضة، ووقتهما الفجر الأوّل، ویمتدّ إلی أن یبقی من طلوع الحمرة مقدار أداء الفریضة، ویجوز دسّهما فی صلاة اللیل قبل الفجر ولو عند نصف اللیل، بل لایبعد أن یکون وقتهما بعد مقدار إتیان صلاة اللیل من انتصافها، ولکنّ الأحوط عدم الإتیان بهما قبل الفجر الأوّل إلّا بالدسّ فی صلاة اللیل، وإحدی عشرة رکعة نافلة اللیل، صلاة اللیل ثمان رکعات ثمّ رکعتا الشفع ثمّ رکعة الوتر، وهی مع الشفع أفضل صلاة اللیل، ورکعتا الفجر أفضل منهما، ویجوز الاقتصار علی الشفع والوتر، بل علی الوتر خاصّة عند ضیق الوقت، وفی غیره یأتی به رجاءً. ووقت صلاة اللیل نصفها إلی الفجر الصادق، والسحر أفضل من غیره، والثلث الأخیر من اللیل کلّه سحر، وأفضله القریب من الفجر، وأفضل منه التفریق کما کان یصنعه النبیّ (صلی الله علیه وآله وسلم) ؛ فعدد النوافل - بعد عدّ الوتیرة رکعة - أربع وثلاثون رکعة ضعف عدد الفرائض. وتسقط فی السفر الموجب للقصر ثمانیة الظهر وثمانیة العصر، وتثبت البواقی، والأحوط الإتیان بالوتیرة رجاءً.
        مسألة 2 - الأقوی ثبوت استحباب صلاة الغفیلة، ولیست من الرواتب. وهی رکعتان بین صلاة المغرب وسقوط الشفق الغربیّ علی الأقوی، یقرأ فی الاُولی بعد الحمد: (وَذَا النّونِ إِذ ذّهَبَ مُغَ-ضِبًا فَظَنّ أَن لّن نّقْدِرَ عَلَیْهِ فَنَادَی فِی الظّلُمَ-تِ أَن لّا إِلَ-هَ إِلّا أَنتَ سُبْحَ-نَکَ إِنِّی کُنتُ مِنَ الظّ-لِمِینَ * فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجّیْنَ-هُ مِنَ الْغَمِ ّ وَکَذَالِکَ نُ-ن-جِی الْمُؤْمِنِینَ) وفی الثانیة بعد الحمد: (وَعِندَهُ مَفَاتِحُ الْغَیْبِ لَایَعْلَمُهَآ إِلّا هُوَ وَیَعْلَمُ مَافِی الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِن وَرَقَةٍ إِلّا یَعْلَمُهَا وَلَاحَبّةٍ فِی ظُلُمَ-تِ الْأَرْضِ وَلَارَطْبٍ وَلَایَابِسٍ إِلّا فِی کِتَ-بٍ مّبِینٍ). فإذا فرغ رفع یدیه وقال: «أَللّهُمّ إِنّی أَسْأَلُکَ بِمفَاتِحِ ألْغَیْبِ الّتِی لَا یَعْلَمُهَا إِلّا أَنْتَ أَنْ تُصَلّیَ عَلَی مُحَمّدٍ وَآلِ مُحَمّدٍ وَأَنْ تَفْعَلَ بِی کذا وَکَذا»، فیدعوبما أراد ثمّ قال: «أَللّهُمّ أَنْتَ وَلِیّ نِعْمَتِی وَالْقادِرُ عَلَی طَلِبَتی تَعْلَمُ حَاجَتِی فَأسْأَلُکَ بِحَقّ مُحَمّدٍ وَآلِ مُحَمّدٍ عَلَیْهِ وَعَلَیْهِمُ السّلامُ لَمّا قَضَیْتَها لِی» وسأل اللّه حاجته أعطاه اللّه عزّوجلّ ما سأله إنْ شاءَ اللّه.
        مسألة 3 - یجوز إتیان النوافل الرواتب وغیرها جالسا حتّی فی حال الاختیار، لکنّ الأولی حینئذٍ عدّ کلّ رکعتین برکعة حتّی فی الوتر، فیأتی بها مرّتین کلّ مرّة رکعة.
        مسألة 4 - وقت نافلة الظهر من الزوال إلی الذراع - أی سبعی الشاخص - والعصر إلی الذراعین - أی أربعة أسباعه - فإذا وصل إلی هذا الحدّ یقدّم الفریضة.
        مسألة 5 - لا إشکال فی جواز تقدیم نافلتی الظهر والعصر علی الزوال فی یوم الجمعة، بل یزاد علی عددهما أربع رکعات فتصیر عشرین رکعة. وأمّا فی غیر یوم الجمعة فعدم الجواز لا یخلو من قوّة؛ ومع العلم بعدم التمکّن من إتیانهما فی وقتهما فالأحوط الإتیان بهما رجاءً. ویجوز تقدیم نافلة اللیل علی النصف للمسافر والشابّ الّذی یخاف فوتها فی وقتها، بل وکلّ ذی عذر کالشیخ وخائف البرد أو الاحتلام، وینبغی لهم نیّة التعجیل لا الأداء.
        مسألة 6 - وقت الظهرین من الزوال إلی المغرب. ویختصّ الظهر بأوّله بمقدار أدائها بحسب حاله، والعصر بآخره کذلک، وما بینهما مشترک بینهما. ووقت العشاءین للمختار من المغرب إلی نصف اللیل. ویختصّ المغرب بأوّله بمقدار أدائها، والعشاء بآخره کذلک بحسب حاله، وما بینهما مشترک بینهما. والأحوط لمن أخّرهما عن نصف اللیل - اضطرارا لنوم أو نسیان أو حیض أو غیرها أو عمدا- الإتیان بهما إلی طلوع الفجر بقصد ما فی الذمّة؛ ولو لم یبق إلی طلوعه بمقدار الصلاتین یأتی بالعشاء احتیاطا، والأحوط قضاؤهما مترتّبا بعد الوقت. وما بین طلوع الفجر الصادق إلی طلوع الشمس وقت الصبح.
        ووقت فضیلة الظهر من الزوال إلی بلوغ الظلّ الحادث مثل الشاخص، کما أنّ منتهی فضیلة العصر المثلان. ومبدأ فضیلته إذا بلغ الظلّ أربعة أقدام - أی أربعة أسباع الشاخص - علی الأظهر وإن لا یبعد أن یکون مبدؤها بعد مقدار أداء الظهر. ووقت فضیلة المغرب من المغرب إلی ذهاب الشفق، وهو الحمرة المغربیّة، وهو أوّل فضیلة العشاء إلی ثلث اللیل، فلها وقتا إجزاء: قبل ذهاب الشفق، وبعد الثلث إلی النصف. ووقت فضیلة الصبح من أوّله إلی حدوث الحمرة المشرقیّة، ولعلّ حدوثها یساوق مع زمان التجلّل والإسفار وتنوّر الصبح المنصوص بها.
        مسألة 7 - المراد باختصاص الوقت عدم صحّة الشریکة فیه مع عدم أداء صاحبتها بوجه صحیح، فلا مانع من إتیان غیر الشریکة فیه کصلاة القضاء من ذلک الیوم أو غیره، وکذا لا مانع من إتیان الشریکة فیه إذا حصل فراغ الذمّة من صاحبة الوقت؛ فإذا قدّم العصر سهوا علی الظهر وبقی من الوقت مقدار أربع رکعات یصحّ إتیان الظهر فی ذلک الوقت أداءً؛ وکذا لو صلّی الظهر قبل الزوال بظنّ دخول الوقت فدخل الوقت قبل تمامها لا مانع من إتیان العصر بعدالفراغ منها، ولا یجب التأخیر إلی مضیّ مقدار أربع رکعات؛ بل لو وقع تمام العصر فی وقت الظهر صحّ علی الأقوی، کما لو اعتقد إتیان الظهر فصلّی العصر ثمّ تبیّن عدم إتیانه وأنّ تمام العصر وقع فی الوقت المختصّ بالظهر، لکن لا یترک الاحتیاط فی ما لم یدرک جزءا من الوقت المشترک.
        مسألة 8 - لو قدّم العصر علی الظهر أو العشاء علی المغرب عمدا بطل ما قدّمه، سواء کان فی الوقت المختصّ أو المشترک. ولو قدّم سهوا وتذکّر بعد الفراغ صحّ ما قدّمه، ویأتی بالاُولی بعده؛ وإن تذکّر فی الأثناء عدل بنیّته إلی السابقة، إلّا إذا لم یبق محلّ العدول، کما إذا قدّم العشاء وتذکّر بعدالدخول فی رکوع الرابعة فلاعدول، بل صحّته لا تخلو من قوّة وإن کان الأحوط حینئذٍ الإتمام ثمّ الإتیان بالمغرب ثمّ العشاء.
        مسألة 9 - إن بقی للحاضر مقدار خمس رکعات إلی الغروب وللمسافر ثلاث قدّم الظهر وإن وقع بعض العصر فی خارج الوقت. وإن بقی للحاضر أربع رکعات أو أقلّ وللمسافر رکعتان أو أقلّ صلّی العصر. وإن بقی للحاضر إلی نصف اللیل خمس رکعات أو أکثر وللمسافر أربع رکعات أو أکثر قدّم المغرب. وإن بقی للحاضر والمسافر إلیه أقلّ ممّا ذکر قدّم العشاء، ویجب المبادرة إلی إتیان المغرب بعده إن بقی مقدار رکعة أو أزید، والظاهر کونه أداءً وإن کان الأحوط عدم نیّة الأداء والقضاء.
        مسألة 10 - یجوز العدول من اللاحقة إلی السابقة بخلاف العکس؛ فلو دخل فی الظهر أو المغرب فتبیّن فی الأثناء أنّه صلّاهما لایجوز له العدول إلی اللاحقة؛ بخلاف ما إذا دخل فی الثانیة بتخیّل أنّه صلّی الاُولی فتبیّن فی الأثناء خلافه، فإنّه یعدل إلی الاُولی إن بقی محلّ العدول.
        مسألة 11 - لو کان مسافرا وبقی من الوقت مقدار أربع رکعات فشرع فی الظهر -مثلا- ثمّ نوی الإقامة فی الأثناء بطلت صلاته، ولا یجوز له العدول إلی اللاحقة فیقطعها ویشرع فیها، کما أنّه إذا کان فی الفرض ناویا للإقامة فشرع فی اللاحقة ثمّ عدل عن نیّة الإقامة یکون العدول إلی الاُولی مشکلا.
        مسألة 12 - یجب علی الأحوط علی ذوی الأعذار تأخیر الصلاة عن أوّل وقتها مع رجاء زوالها فی الوقت، إلّا فی التیمّم فإنّه یجوز فیه البدار إلّا مع العلم بارتفاع العذر فیه، کما مرّ فی بابه.
        مسألة 13 - الأقوی جواز التطوّع فی وقت الفریضة ما لم یتضیّق، وکذا لمن علیه قضاؤها.
        مسألة 14 - لو تیقّن بدخول الوقت فصلّی أو عوّل علی أمارة معتبرة کشهادة العدلین: فإن وقع تمام الصلاة قبل الوقت بطلت، وإن وقع بعضها فیه ولو قلیلا منها صحّت.
        مسألة 15 - لو مضی من أوّل الوقت مقدار أداء الصلاة و تحصیل مقدّماتها -کالطهارة المائیّة أو الترابیّة وغیرها- علی حسب حاله ثمّ حصل أحد الأعذار کالجنون والحیض وجب علیه القضاء، وإلّا لم یجب. نعم، لو کانت المقدّمات حاصلةً أوّل الوقت کفی فیه مقدار أدائها حسب حاله وتکلیفه الفعلیّ. وإن ارتفع العذر فی آخر الوقت فإن وسع الطهارة والصلاتین وجبتا، أو الطهارة وصلاةً واحدةً وجبت صاحبة الوقت. وکذا الحال فی إدراک رکعة مع الطهور، فإن بقی مقدار تحصیل الطهور وإدراک رکعة أتی بالثانیة، وإن زاد علیها بمقدار رکعة مع تحصیل الطهور وجبتا معا.
        مسألة 16 - یعتبر لغیر ذی العذر العلم بدخول الوقت حین الشروع فی الصلاة. ویقوم مقامه شهادة العدلین إذا کانت شهادتهما عن حسّ کالشهادة بزیادة الظلّ بعد نقصه. ولا یکفی الأذان ولو کان المؤذّن عدلا عارفا بالوقت علی الأحوط. وأمّا ذو العذر ففی مثل الغیم ونحوه من الأعذار العامّة یجوز له التعویل علی الظنّ به، وأمّا ذو العذر الخاصّ کالأعمی والمحبوس فلا یترک الاحتیاط بالتأخیر إلی أن یحصل له العلم بدخوله.
      • المقدّمة الثانية في القبلة

         

        المقدّمة الثانية في القبلة

        مسألة 1 - يجب الاستقبال مع الإمكان في الفرائض، يوميّةً كانت أو غيرها حتّى صلاة الجنائز، و في النافلة إذا أتى بها على الأرض حال الاستقرار، وأمّا حال المشي والركوب وفي السفينة فلا يعتبر فيها.
        مسألة 2 - يعتبر العلم بالتوجّه إلى القبلة حال الصلاة. وتقوم البيّنة مقامه على الأقوى مع استنادها إلى المبادئ الحسّيّة. ومع تعذّرهما يبذل تمام جهده ويعمل على ظنّه. ومع تعذّره و تساوي الجهات صلّى إلى أربع جهات إن وسع الوقت، وإلّا فبقدر ما وسع. ولو ثبت عدمها في بعض الجهات بعلم ونحوه صلّى إلى المحتملات الاُخر. ويعوّل على قبلة بلد المسلمين في صلاتهم وقبورهم ومحاريبهم إذا لم يعلم الخطأ.
        مسألة 3 - المتحيّر الّذي يجب عليه الصلاة إلى أزيد من جهة واحدة لو كان عليه صلاتان فالأحوط أن تكون الثانية إلى جهات الاُولى، كما أنّ الأحوط أن يتمّ جهات الاُولى ثمّ يشرع في الثانية وإن كان الأقوى جواز إتيان الثانية عقيب الاُولى في كلّ جهة.
        مسألة 4 - من صلّى إلى جهة بطريق معتبر ثمّ تبيّن خطؤه: فإن كان منحرفا عنها إلى ما بين اليمين والشمال صحّت صلاته، وإن كان في أثنائها مضى ما تقدّم منها واستقام في الباقي، من غير فرق بين بقاء الوقت وعدمه. وإن تجاوز انحرافه عمّا بينهما أعاد في الوقت دون خارجه وإن بان استدباره، إلّا أنّ الأحوط القضاء مع الاستدبار بل مطلقا. وإن انكشف في الأثناء انحرافه عمّا بينهما: فإن وسع الوقت حتّى لإدراك ركعة قطع الصلاة وأعادها مستقبلا، وإلّا استقام للباقي وصحّت على الأقوى ولو مع الاستدبار، والأحوط قضاؤها أيضا.

      • المقدّمة الثالثة في الستر والساتر

         

        المقدّمة الثالثة في الستر والساتر

        مسألة 1 - يجب مع الاختيار ستر العورة في الصلاة وتوابعها كالركعة الاحتياطيّة، وقضاء الأجزاء المنسيّة على الأقوى، وسجدتي السهو على الأحوط؛ وكذا في النوافل، دون صلاة الجنازة وإن كان أحوط فيها أيضا. ولا يترك الاحتياط في الطواف.
        مسألة 2 - لو بدت العورة لريح أو غفلة أو كانت منكشفةً من أوّل الصلاة وهو لا يعلم فالصلاة صحيحة، لكن يبادر إلى الستر إن علم في الأثناء، والأحوط الإتمام ثمّ الاستيناف؛ وكذا لو نسي سترها في الصورتين.
        مسألة 3 - عورة الرجل في الصلاة عورته في حرمة النظر. وهي الدبر والقضيب والاُنثيان. والأحوط ستر الشبح الّذي يُرى من خلف الثوب من غير تميّز للونه. وعورة المرأة في الصلاة جميع بدنها حتّى الرأس والشعر ما عدا الوجه الّذي يجب غسله في الوضوء واليدين إلى الزندين والقدمين إلى الساقين. ويجب عليها ستر شي ء من أطراف المستثنيات مقدّمة.
        مسألة 4 - يجب على المرأة ستر رقبتها و تحت ذقنها حتّى المقدار الّذي يُرى منه عند اختمارها على الأحوط.
        مسألة 5 - الأمة والصبيّة كالحرّة والبالغة، إلّا أنّه لا يجب عليهما ستر الرأس والشعر والعنق.
        مسألة 6 - لا يجب التستّر من جهة التحت. نعم، لو وقف على طرف سطح أو شُبّاك يتوقّع وجود ناظر تحته بحيث تُرى عورته لو كان هناك ناظر فالأحوط بل الأقوى التستّر من جهته أيضا وإن لم يكن ناظر فعلا؛ وأمّا الشُبّاك الّذي لايتوقّع وجود الناظر تحته - كالشُبّاك على البئر - فلا يجب على الأقوى إلّا مع وجود ناظر فيه.
        مسألة 7 - الستر عن النظر يحصل بكلّ ما يمنع عن النظر ولو باليد أو الطلي بالطين أو الولوج في الماء، حتّى أنّه يكفي الأليتان في ستر الدبر.(1) وأمّا الستر في الصلاة فلا يكفي فيه ما ذكر حتّى حال الاضطرار. وأمّا الستر بالورق والحشيش والقطن والصوف غير المنسوجين فالأقوى جوازه مطلقا وإن لا ينبغي ترك الاحتياط في تركه في الأوّلين. والأقوى لمن لا يجد شيئا يصلّي فيه - حتّى مثل الحشيش والورق - جواز إتيان صلاة فاقد الساتر وإن كان الأحوط لمن يجد ما يطلي به الجمع بينه و بين واجده.
        مسألة 8 - يعتبر في الساتر بل مطلق لباس المصلّي اُمور:
        الأوّل: الطهارة إلّا في ما لا تتمّ الصلاة فيه منفردا كما تقدّم.
        الثاني: الإباحة؛ فلا يجوز في المغصوب مع العلم بالغصبيّة؛ فلو لم يعلم بها صحّت صلاته؛ وكذا مع النسيان إلّا في الغاصب نفسه،فلايترك الاحتياط بالإعادة.
        مسألة 9 - لا فرق بين كون المغصوب عين المال أو منفعته أو متعلّقا لحقّ الغير كالمرهون. ومن الغصب عينا ما تعلّق به الخمس أو الزكاة مع عدم أدائهما ولو من مال آخر.
        مسألة 10 - إن صُبغ الثوب بصبغ مغصوب فمع عدم بقاء عين الجوهر الّذي صُبغ به - والباقي هو اللون فقط - تصحّ الصلاة فيه على الأقوى؛ وأمّا لو بقي عينه فلا تصحّ على الأقوى؛ كما أنّ الأقوى عدم صحّتها في ثوب خيط بالمغصوب وإن لم يمكن ردّه بالفتق، فضلا عمّا يمكن. نعم، لا إشكال في الصحّة في ما إذا اُجبر الصبّاغ أو الخيّاط على عمله ولم يُعط اُجرته مع كون الصبغ والخيط من مالك الثوب؛ وكذا إذا غسل الثوب بماء مغصوب أو اُزيل وسخه بصابون مغصوب مع عدم بقاء عين منهما فيه، أو اُجبر الغاسل على غسله ولم يُعط اُجرته.
        الثالث: أن يكون مذكّىً من مأكول اللحم؛ فلا تجوز الصلاة في جلد غير المذكّى ولا في سائر أجزائه الّتي تحلّه الحياة ولو كان طاهرا من جهة عدم كونه ذانفس سائلة - كالسمك - على الأحوط، وتجوز في ما لا تحلّه الحياة من أجزائه كالصوف والشعر والوبر ونحوها.
        وأمّا غير المأكول فلا تجوز الصلاة في شي ء منه وإن ذُكّي، من غير فرق بين ماتحلّه الحياةمنه أوغيره، بل يجب إزالةالفضلات الطاهرةمنه، كالرطوبةوالشعرات الملتصقة بلباس المصلّي وبدنه. نعم، لو شكّ في اللباس أو في ما عليه في أنّه من المأكول أو غيره أو من الحيوان أو غيره صحّت الصلاة فيه؛ بخلاف ما لو شكّ في ما تحلّه الحياة من الحيوان أنّه مذكّىً أو ميتة، فإنّه لا يصلّى فيه حتّى يحرز التذكية. نعم، ما يؤخذ من يد المسلم أوسوق المسلمين مع عدم العلم بسبق يد الكافر عليه أو مع سبق يده مع احتمال أنّ المسلم الّذي بيده تفحّص عن حاله بشرط معاملته معه معاملة المذكّى على الأحوط محكوم بالتذكية، فتجوز الصلاة فيه.
        مسألة 11 - لا بأس بالشمع والعسل والحرير الممتزج وأجزاء مثل البقّ والبرغوث والزنبور ونحوها ممّا لا لحم لها، وكذلك الصدف.
        مسألة 12 - استثني ممّا لا يؤكل الخزّ، وكذا السنجاب على الأقوى، ولكن لاينبغي ترك الاحتياط في الثاني. وما يسمّونه الآن بالخزّ ولم يعلم أنّه منه واشتبه حاله لا بأس به وإن كان الأحوط الاجتناب عنه.
        مسألة 13 - لا بأس بفضلات الإنسان كشعره وريقه ولبنه، سواء كان للمصلّي أو لغيره؛ فلا بأس بالشعر الموصول بالشعر، سواء كان من الرجل أو المرأة.
        الرابع: أن لا يكون الساتر بل مطلق اللباس من الذهب للرجال في الصلاة ولو كان حُليّا كالخاتم ونحوه، بل يحرم عليهم في غيرها أيضا.
        مسألة 14 - لابأس بشدّ الأسنان بالذهب، بل ولا بجعله غلافا لهاأو بدلا منها في الصلاة بل مطلقا. نعم، في مثل الثنايا ممّا كان ظاهرا وقصد به التزيين لا يخلو من إشكال، فالأحوط الاجتناب. وكذا لا بأس بجعل قاب الساعة منه واستصحابها فيها. نعم، إذا كان زنجيرها منه وعلّقه على رقبته أو بلباسه يشكل الصلاة معه؛ بخلاف ما إذا كان غير معلّق - وإن كان معه في جيبه - فإنّه لا بأس به.
        الخامس: أن لايكون حريرا محضا للرجال، بل لا يجوز لبسه لهم في غير الصلاة أيضا وإن كان ممّا لا تتمّ الصلاة فيه منفردا - كالتكّة والقلنسوة ونحوهما - على الأحوط. والمراد به ما يشمل القزّ. ويجوز للنساء ولو في الصلاة وللرجال في الضرورة وفي الحرب.
        مسألة 15 - الّذي يحرم على الرجال خصوص لبس الحرير، فلا بأس بالافتراش والركوب عليه والتدثّر به - أي التغطّي به عند النوم - ولا بزرّ الثياب وأعلامها والسفائف والقياطين الموضوعة عليها؛ كما لا بأس بعصابة الجروح والقروح وحفيظة المسلوس، بل ولا بأس بأن يرقّع الثوب به ولا الكفّ به(2) لو لم يكونا بمقدار يصدق معه لبس الحرير، وإن كان الأحوط في الكفّ أن لا يزيد على مقدار أربع أصابع مضمومة، بل الأحوط ملاحظة التقدير المزبور في الرقاع أيضا.
        مسألة 16 - قد عرفت أن المحرّم لبس الحرير المحض، أي الخالص الّذي لم يمتزج بغيره، فلا بأس بالممتزج. والمدار على صدق مسمّى الامتزاج الّذي يخرج به عن المحوضة ولو كان الخليط بقدر العشر. ويشترط في الخليط - من جهة صحّة الصلاة فيه - كونه من جنس ما تصحّ الصلاة فيه؛ فلا يكفي مزجه بصوف أو وبر ما لا يؤكل لحمه وإن كان كافيا في رفع حرمة اللبس. نعم، الثوب المنسوج من الإبريسم المفتول بالذهب يحرم لبسه، كما لا تصحّ الصلاة فيه.
        مسألة 17 - لبس لباس الشهرة وإن كان حراما على الأحوط وكذا ما يختصّ بالنساء للرجال وبالعكس على الأحوط لكن لا يضرّ لبسهما بالصلاة.
        مسألة 18 - لو شكّ في أنّ اللباس أوالخاتم ذهب أو غيره يجوز لبسه والصلاة فيه؛ وكذا ما شكّ أنّه حرير أو غيره، ومنه ما يسمّى بالشعريّ لمن لا يعرف حقيقته؛ وكذا لو شكّ في أنّه حرير محض أو ممتزج وإن كان الأحوط الاجتناب عنه.
        مسألة 19 - لا بأس بلبس الصبيّ الحرير؛ فلا يحرم على الوليّ إلباسه، ولا يبعد صحّة صلاته فيه أيضا.
        مسألة 20 - لولم يجد المصلّي ساترا حتّى الحشيش والورق يصلّي عريانا قائما على الأقوى إن كان يأمن من ناظر محترم، وإن لم يأمن منه صلّى جالسا. وفي الحالين يومئ للركوع والسجود، ويجعل إيماءه للسجود أخفض؛ فإن صلّى قائما يستر قُبُله بيده، وإن صلّى جالسا يستره بفخذيه.
        مسألة 21 - يجب على الأحوط تأخير الصلاة عن أوّل الوقت إن لم يكن عنده ساتر واحتمل وجوده في آخره، ولكن عدم الوجوب لا يخلو من قوّة.
        (1) هكذا في جميع الطبعات، لكنّ الصحيح: «الأليان» بدون التاء.
        (2) كفّ الثوب: خاط حاشيته، وهو الخياطة الثانية بعد الشلّ.
      • المقدّمة الرابعة في المكان

         

        المقدّمة الرابعة في المكان

        مسألة 1 - كلّ مكان يجوز الصلاة فيه إلّا المغصوب عينا أو منفعةً. وفي حكمه ما تعلّق به حقّ الغير - كالمرهون - وحقّ الميّت إذا أوصى بالثلث ولم يخرج بعد، بل ما تعلّق به حقّ السبق بأن سبق شخص إلى مكان من المسجد أو غيره للصلاة -مثلًا- ولم يُعرض عنه على الأحوط. وإنّما تبطل الصلاة في المغصوب إن كان عالما بالغصبيّة وكان مختارا، من غير فرق بين الفريضة والنافلة. أمّا الجاهل بها والمضطرّ والمحبوس بباطل فصلاتهم - والحالة هذه - صحيحة؛ وكذا الناسي لها إلّا الغاصب نفسه، فإنّ الأحوط بطلان صلاته. وصلاة المضطرّ كصلاة غيره بقيام وركوع وسجود.
        مسألة 2 - الأرض المغصوبة المجهول مالكها لا يجوز الصلاة فيها، ويرجع أمرها إلى الحاكم الشرعيّ. ولا تجوز أيضا في الأرض المشتركة إلّا بإذن جميع الشركاء.
        مسألة 3 - لا تبطل الصلاة تحت السقف المغصوب وفي الخيمة المغصوبة والصهوة والدار الّتي غصب بعض سورها إذا كان ما يصلّى فيه مباحا وإن كان الأحوط الاجتناب في الجميع.
        مسألة 4 - لو اشترى دارا بعين المال الّذي تعلّق به الخمس أو الزكاة تبطل الصلاة فيها، إلّا إذا جعل الحقّ في ذمّته بوجه شرعيّ كالمصالحة مع المجتهد. وكذا لايجوز التصرّف مطلقا في تركة الميّت المتعلّقة للزكاة والخمس وحقوق الناس كالمظالم قبل أداء ما عليه. وكذا إذا كان عليه دين مستغرق للتركة بل وغير المستغرق، إلّا مع رضى الديّان، أو كون الورثة بانين على الأداء غير متسامحين. والأحوط الاسترضاء من وليّ الميّت أيضا.
        مسألة 5 - المدار في جواز التصرّف والصلاة في ملك الغير على إحراز رضاه وطيب نفسه وإن لم يأذن صريحا، بأن علم ذلك بالقرائن وشاهد الحال وظواهر تكشف عن رضاه كشفا اطمينانيّا لا يعتنى باحتمال خلافه، وذلك كالمضايف المفتوحة الأبواب والحمّامات والخانات ونحو ذلك.
        مسألة 6 - يجوز الصلاة في الأراضي المتّسعة كالصحاري والمزارع والبساتين الّتي لم يُبن عليها الحيطان، بل وسائر التصرّفات اليسيرة ممّا جرت عليه السيرة كالاستطراقات العاديّة غير المضرّة والجلوس والنوم فيها وغيرذلك. ولا يجب التفحّص عن ملّاكها، من غير فرق بين كونهم كاملين أو قاصرين كالصغار والمجانين. نعم، مع ظهور الكراهة والمنع عن ملّاكها ولو بوضع ما يمنع المارّة عن الدخول فيها يشكل جميع ما ذكر وأشباهها فيها إلّا في الأراضي المتّسعة جدّا، كالصحاري الّتي من مرافق القرى وتوابعها العرفيّة ومراتع دوابّها ومواشيها، فإنّه لا يبعد فيها الجواز حتّى مع ظهور الكراهة والمنع.
        مسألة 7 - المراد بالمكان الّذي تبطل الصلاة بغصبه: ما استقرّ عليه المصلّي ولو بوسائط على إشكال فيه، وما شغله من الفضاء في قيامه وركوعه وسجوده ونحوها؛ فقد يجتمعان كالصلاة في الأرض المغصوبة، وقد يفترقان كالجناح المباح الخارج إلى فضاء غيرمباح، وكالفرش المغصوب المطروح على أرض غيرمغصوبة.
        مسألة 8 - الأقوى صحّة صلاة كلّ من الرجل والمرأة مع المحاذاة أو تقدّم المرأة، لكن على كراهيّة بالنسبة إليهما مع تقارنهما في الشروع، وبالنسبة إلى المتأخّر مع اختلافهما، لكنّ الأحوط ترك ذلك. ولا فرق فيه بين المحارم وغيرهم، ولا بين كونهما بالغين أو غير بالغين أو مختلفين، بل يعمّ الحكم الزوج والزوجة أيضا. وترتفع الكراهة بوجود الحائل وبالبعد بينهما عشرة أذرع بذراع اليد. والأحوط في الحائل كونه بحيث يمنع المشاهدة، كما أنّ الأحوط في التأخّر كون مسجدها وراء موقفه وإن لا تبعد كفاية مطلقهما.
        مسألة 9 - الظاهر جواز الصلاة مساويا لقبر المعصوم(علیه السلام) بل ومقدّما عليه، ولكن هو من سوء الأدب؛ والأحوط الاحتراز منهما. ويرتفع الحكم بالبعد المفرط على وجه لا يصدق معه التقدّم والمحاذاة ويخرج عن صدق وحدة المكان؛ وكذا بالحائل الرافع لسوءالأدب. والظاهر أنّه ليس منه الشُبّاك والصندوق الشريف وثوبه.
        مسألة 10 - لا يعتبر الطهارة في مكان المصلّي إلّا مع تعدّي النجاسة غير المعفوّ عنها إلى الثوب أو البدن. نعم، تعتبر في خصوص مسجد الجبهة كما مرّ؛ كما يعتبر فيه أيضا مع الاختيار كونه أرضا أو نباتا أو قرطاسا؛ والأفضل التربة الحسينيّة الّتي تخرق الحجب السبع، وتنوّر إلى الأرضين السبع على ما في الحديث. ولا يصحّ السجود على ما خرج عن اسم الأرض من المعادن كالذهب والفضّة والزجاج والقير ونحو ذلك، وكذا ما خرج عن اسم النبات كالرماد. والأقوى جوازه على الخزف والآجر والنورة والجصّ ولو بعد الطبخ، وكذا الفحم؛ وكذا يجوز على طين الأرمنيّ وحجر الرحى وجميع أصناف المرمر، إلّا ما هو مصنوع ولم يعلم أنّ مادّته ممّا يصحّ السجود عليها. ويعتبر في جواز السجود على النبات أن يكون من غير المأكول والملبوس؛ فلا يجوز على ما في أيدي الناس من المآكل والملابس، كالمخبوز والمطبوخ والحبوب المعتاد أكلها من الحنطة والشعير ونحوهما، والفواكه والبقول المأكولة، والثمرة المأكولة ولو قبل وصولها إلى زمان الأكل. ولا بأس بالسجود على قشورها بعد انفصالها عنها دون المتّصل بها، إلّا مثل قشر التفّاح والخيار ممّا هو مأكول ولو تبعا أو يؤكل أحيانا أو يأكله بعض الناس، وكذا قشور الحبوب ممّا هي مأكولة معها تبعا على الأحوط. نعم، لابأس بقشر نوى الأثمار إذا انفصل عن اللبّ المأكول، ومع عدم مأكوليّة لبّه ولو بالعلاج لابأس بالسجود عليه مطلقا؛ كما لابأس بغير المأكول كالحنظل والخرنوب ونحوهما؛ وكذلك لا بأس بالتبن والقصيل ونحوهما. ولا يمنع شرب التتن من جواز السجود عليه. والأحوط ترك السجود على نخالة الحنطة والشعير وكذا على قشر البطّيخ ونحوه. ولا يبعد الجواز على قشر الأرز والرمّان بعد الانفصال.
        والكلام في الملبوس كالكلام في المأكول؛ فلا يجوز على القطن والكتّان ولو قبل وصولهما إلى أوان الغزل. نعم، لا بأس بالسجود على خشبتهما وغيرها كالورق والخوص ونحوهما ممّا لم يكن معدّا لاتّخاذ الملابس المعتادة منها، فلابأس حينئذٍ بالسجود على القبقاب والثوب المنسوج من الخوص - مثلا - فضلا عن البوريا والحصير والمروحة ونحوها. والأحوط ترك السجود على القنّب، كما أنّ الأحوط الأولى تركه على القرطاس المتّخذ من غير النبات كالمتّخذ من الحرير والإبريسم وإن كان الأقوى الجواز مطلقا.
        مسألة 11 - يعتبر في ما يسجد عليه مع الاختيار كونه بحيث يمكن تمكين الجبهة عليه؛ فلا يجوز على الوحل غير المتماسك، بل ولا على التراب الّذي لايتمكّن الجبهة عليه. ومع إمكان التمكين لا بأس بالسجود على الطين وإن لصق بجبهته، لكن تجب إزالته للسجدة الثانية لو كان حاجبا؛ ولو لم يكن عنده إلّا الطين غير المتماسك سجد عليه بالوضع من غير اعتماد.
        مسألة 12 - إن كانت الأرض والوحل بحيث لو جلس للسجود والتشهّد يتلطّخ بدنه وثيابه ولم يكن له مكان آخر يصلّي قائما مومئا للسجود والتشهّد على الأحوط الأقوى.
        مسألة 13 - إن لم يكن عنده ما يصحّ السجود عليه أو كان ولم يتمكّن من السجود عليه لعذر - من تقيّة ونحوها - سجد على ثوب القطن أو الكتّان؛ ومع فقده سجد على ثوبه من غير جنسهما؛ ومع فقده سجد على ظهر كفّه؛ وإن لم يتمكّن فعلى المعادن.
        مسألة 14 - لو فقد ما يصحّ السجود عليه في أثناء الصلاة قطعها في سعةالوقت، وفي الضيق سجد على غيره بالترتيب المتقدّم.
        مسألة 15 - يعتبر في المكان الّذي يصلّي فيه الفريضة أن يكون قارّا غير مضطرب؛ فلو صلّى اختيارا في سفينة أو على سرير أو بيدر: فإن فات الاستقرار المعتبر بطلت صلاته، وإن حصل بحيث يصدق أنّه مستقرّ مطمئنّ صحّت صلاته وإن كانت في سفينة سائرة وشبهها كالطيّارة والقطار ونحوهما، لكن تجب المحافظة على بقيّة ما يعتبر فيها من الاستقبال ونحوه. هذا كلّه مع الاختيار. وأمّإ؛ظظظظ مع الاضطرار فيصلّي ماشيا وعلى الدابّة وفي السفينة غير المستقرّة ونحوها مراعيا للاستقبال بما أمكنه من صلاته، وينحرف إلى القبلة كلّما انحرف المركوب مع الإمكان؛ فإن لم يتمكّن من الاستقبال إلّا في تكبيرةالإحرام اقتصر عليه، وإن لم يتمكّن منه أصلا سقط، لكن يجب عليه تحرّي الأقرب إلى القبلة فالأقرب. وكذا بالنسبة إلى غيره ممّا هو واجب في الصلاة، فإنّه يأتي بما هو الممكن منه أو بدله، ويسقط ما تقتضي الضرورة سقوطه.
        مسألة 16 - يستحبّ الصلاة في المساجد، بل يكره عدم حضورها بغير عذر كالمطر، خصوصا لجار المسجد، حتّى ورد في الخبر: «لا صلاة لجار المسجد إلّا في المسجد». وأفضلها المسجد الحرام، ثمّ مسجد النبيّ (صلى الله علیه وآله وسلم)، ثمّ مسجد الكوفة والأقصى، ثمّ مسجد الجامع، ثمّ مسجد القبيلة، ثمّ مسجد السوق. والأفضل للنساء الصلاة في بيوتهنّ، والأفضل بيت المخدع. وكذا يستحبّ الصلاة في مشاهد الأئمّة(علیهم السلام) ، خصوصا مشهد أمير المؤمنين (علیه السلام) وحائر أبي عبداللّه الحسين (علیه السلام).
        مسألة 17 - يكره تعطيل المسجد؛ وقد ورد أنّه أحد الثلاثة الّذين يشكون إلى اللّه عزّوجلّ يوم القيامة، والآخران عالم بين جهّال، ومصحف معلّق قد وقع عليه الغبار لا يُقرأ فيه؛ وورد أنّ «من مشى إلى مسجد من مساجد اللّه فله بكلّ خطوة خطاها حتّى يرجع إلى منزله عشر حسنات، ومحي عنه عشر سيّئات، ورفع له عشر درجات».
        مسألة 18 - من المستحبّات الأكيدة بناء المسجد، وفيه أجر عظيم وثواب جسيم؛ وقد ورد أنّه قال رسول اللّه (صلی الله علیه وآله وسلم): «من بنى مسجدا في الدنيا أعطاه اللّه بكلّ شبر منه - أو قال: بكلّ ذراع منه - مسيرة أربعين ألف عام مدينة من ذهب وفضّة ودرّ وياقوت وزُمُرّد وزبرجد ولؤلؤ» الحديث.
        مسألة 19-عن المشهوراعتبارإجراءصيغةالوقف في صيرورةالأرض مسجدا، بأن يقول: «وقفتها مسجدا قربةً إلى اللّه تعالى»، لكنّ الأقوى كفاية البناء بقصد كونه مسجدا مع قصد القربة وصلاة شخص واحد فيه بإذن الباني، فتصير مسجدا.
        مسألة 20- تكره الصلاة في الحمّام حتّى المسلخ منه، وفي المزبلة والمجزرة والمكان المتّخذ للكنيف - ولو سطحا متّخذا مبالا - وبيت المسكر، وفي أعطان الإبل، وفي مرابط الخيل والبغال والحمير والبقر ومرابض الغنم، والطرق إن لم تضرّ بالمارّة، وإلّا حرمت، وفي قرى النمل ومجاري المياه وإن لم يتوقّع جريانها فيها فعلا، وفي الأرض السبخة، وفي كلّ أرض نزل فيها عذاب، وعلى الثلج، وفي معابد النيران بل كلّ بيت اُعدّ لإضرام النار فيه، وعلى القبر وإليه وبين القبور. وترتفع الكراهة في الأخيرين بالحائل، وببعد عشرة أذرع. ولا بأس بالصلاة خلف قبور الأئمّة (علیهم السلام) وعن يمينها وشمالها وإن كان الأولى الصلاة عند الرأس على وجه لا يساوي الإمام (علیه السلام). وكذا تكره وبين يديه نار مُضرمة أو سراج أو تمثال ذي روح؛ و تزول في الأخير بالتغطية. وتكره وبين يديه مصحف أو كتاب مفتوح أو مقابله باب مفتوح، أو حائط ينزّ من بالوعة يبال فيها؛ وترتفع بستره. والكراهة في بعض تلك الموارد محلّ نظر، والأمر سهل.
      • المقدّمة الخامسة في الأذان والإقامة

         

        المقدّمة الخامسة في الأذان والإقامة

        مسألة 1 - لا إشكال في تأكّد استحبابهما للصلوات الخمس، أداءً وقضاءً، حضرا وسفرا، في الصحّة والمرض، للجامع والمنفرد، للرجال والنساء، حتّى قال بعض بوجوبهما؛ والأقوى استحبابهما مطلقا وإن كان في تركهما حرمان عن ثواب جزيل.
        مسألة 2 - يسقط الأذان في العصر والعشاء إذا جمع بينهما وبين الظهر والمغرب، من غير فرق بين موارد استحباب الجمع، مثل عصر يوم الجمعة وعصر يوم عرفة وعشاء ليلة العيد في المزدلفة، حيث إنّه يستحبّ الجمع بين الصلاتين في هذه المواضع الثلاثة وبين غيرها. ويتحقّق التفريق المقابل للجمع بطول الزمان بين الصلاتين، وبفعل النافلة الموظّفة بينهما على الأقوى؛ فبإتيان نافلة العصر بين الظهرين ونافلة المغرب بين العشاءين يتحقّق التفريق الموجب لعدم سقوط الأذان. والأقوى أنّ سقوط الأذان في حال الجمع في عصر يوم عرفة وعشاء ليلة العيد بمزدلفة عزيمة بمعنى عدم مشروعيّته، فيحرم إتيانه بقصدها، والأحوط الترك في جميع موارد الجمع.
        مسألة 3 - يسقط الأذان والإقامة في مواضع:
        منها: الداخل في الجماعة الّتي أذّنوا وأقاموا لها وإن لم يسمعهما ولم يكن حاضرا حينهما.
        ومنها: من صلّى في مسجد فيه جماعة لم تتفرّق، سواء قصد الإتيان إليها أم لا، وسواء صلّى جماعةً - إماما أو مأموما - أم منفردا؛ فلو تفرّقت أو أعرضوا عن الصلاة وتعقيبها وإن بقوا في مكانهم لم يسقطا عنه؛ كما لا يسقطان لو كانت الجماعة السابقة بغير أذان وإقامة ولو كان تركهم لهما من جهة اكتفائهم بالسماع من الغير؛ وكذا في ما إذا كانت باطلةً من جهة فسق الإمام مع علم المأمومين به أو من جهة اُخرى؛ وكذا مع عدم اتّحاد مكان الصلاتين عرفا، بأن كانت إحداهما داخل المسجد والاُخرى على سطحه، أو بعدت إحداهما عن الاُخرى كثيرا. وهل يختصّ الحكم بالمسجد أو يجري في غيره أيضا؟ محلّ إشكال، فلا يترك الاحتياط بالترك مطلقا في المسجد وغيره، بل لا يبعد عدم الاختصاص بالمسجد. وكذا لايترك في ما لم تكن صلاته مع الجماعة أدائيّتين، بأن كانت إحداهما أو كلتاهما قضائيّةً عن النفس أو الغير على وجه التبرّع أو الإجارة. وكذا في ما لم تشتركا في الوقت، كما إذا كانت الجماعة السابقة عصرا وهو يريد أن يصلّي المغرب. والإتيان بهما في موارد الإشكال رجاءً لا بأس به.

      • المقدّمة السادسة

         

        المقدّمة السادسة

        ينبغي للمصلّي إحضار قلبه في تمام الصلاة أقوالها وأفعالها، فإنّه لا يُحسب للعبد من صلاته إلّا ما أقبل عليه. ومعناه الالتفات التامّ إليها وإلى مايقول فيها، والتوجّه الكامل نحو حضرة المعبود جلّ جلاله، واستشعار عظمته وجلال هيبته، وتفريغ قلبه عمّا عداه، فيرى نفسه متمثّلا بين يدي ملك الملوك عظيم العظماء مخاطبا له مناجيا إيّاه، فإذا استشعر ذلك وقع في قلبه هيبة يهابه، ثمّ يرى نفسه مقصّرا في أداء حقّه فيخافه، ثمّ يلاحظ سعة رحمته فيرجو ثوابه، فيحصل له حالة بين الخوف والرجاء، وهذه صفة الكاملين، ولها درجات شتّى ومراتب لا تحصى على حسب درجات المتعبّدين. وينبغي له الخضوع والخشوع، والسكينة والوقار، والزيّ الحسن والطيب والسواك قبل الدخول فيها والتمشيط. وينبغي أن يصلّي صلاة مودّع، فيجدّد التوبة والإنابة والاستغفار، وأن يقوم بين يدي ربّه قيام العبد الذليل بين يدي مولاه، وأن يكون صادقا في مقالة «إِيّاكَ نَعْبُدُ وَإِيّاكَ نَسْتَعِينُ»، لايقول هذا القول وهو عابد لهواه ومستعين بغير مولاه. وينبغي له أيضا أن يبذل جهده في التحذّر عن موانع القبول: من العجب والحسد والكبر والغيبة وحبس الزكاة وسائر الحقوق الواجبة ممّا هو من موانع القبول.

    • فصل في أفعال الصلاة
    •  

      فصل في أفعال الصلاة

      وهي واجبة ومسنونة. والواجب أحد عشر: النيّة، وتكبيرة الإحرام، والقيام، والركوع، والسجود، والقراءة، والذكر، والتشهّد، والتسليم، والترتيب، والموالاة.
      وسيأتي أنّ بعض ما ذكر ركن تبطل الصلاة بزيادته ونقصانه عمدا وسهوا، لكن لايتصوّر الزيادة في النيّة بناءً على الداعي، وبناءً على الإخطار غير قادحة. وغير الركن من الواجبات لا تبطل الصلاة بزيادته أو نقصانه سهوا دون عمد.

      • القول في النيّة

         

        القول في النيّة

        مسألة 1 - النيّة عبارة عن قصد الفعل. ويعتبر فيها التقرّب إلى اللّه تعالى وامتثال أمره. ولا يجب فيها التلفّظ، لأنّها أمر قلبيّ، كمالا يجب فيها الإخطار أي الحديث الفكريّ والإحضار بالبال، بأن يرتّب في فكره وخزانة خياله مثلا: اُصلّي صلاةً فلانيّةً امتثالا لأمره، بل يكفي الداعي وهو الإرادة الإجماليّة المؤثّرة في صدور الفعل، المنبعثة عمّا في نفسه من الغايات على وجه يخرج به عن الساهي والغافل ويدخل فعله في فعل الفاعل المختار - كسائر أفعاله الإراديّة والاختياريّة- ويكون الباعث والمحرّك للعمل الامتثال ونحوه.
        مسألة 2 - يعتبر الإخلاص في النيّة؛ فمتى ضمّ إليها ما ينافيه بطل العمل، خصوصا الرياء، فإنّه مفسد على أيّ حال، سواء كان في الابتداء أو الأثناء، في الأجزاء الواجبة أو المندوبة، وكذلك في الأوصاف المتّحدة مع الفعل، ككون الصلاة في المسجد أو جماعة ونحو ذلك. ويحرم الرياء المتأخّر وإن لم يكن مبطلًا، كما لو أخبر بمافعله من طاعة رغبةً في الأغراض الدنيويّة من المدح والثناء والجاه والمال؛ فقد ورد في المرائي عن النبيّ (صلی الله علیه وآله وسلم) أنّه قال: «المرائي يُدعى يوم القيامة بأربعة أسماء: يا فاجر يا كافر يا غادر يا خاسر حبط عملك، وبطل أجرك، ولاخلاص لك اليوم، التمس أجرك ممّن كنت تعمل له».
        مسألة 3 - غير الرياء من الضمائم المباحة أو الراجحة إن كانت مقصودةً تبعا وكان الداعي والغرض الأصليّ امتثال الأمر الصلاتيّ محضا فلا إشكال، وإن كان بالعكس بطلت بلا إشكال؛ وكذا إذا كان كلّ منهما جزءا للداعي بحيث لو لم ينضمّ كلّ منهما إلى الآخر لم يكن باعثا ومحرّكا. والأحوط بطلان العمل في جميع موارد اشتراك الداعي، حتّى مع تبعيّة داعي الضميمة، فضلًا عن كونهما مستقلّين.
        مسألة 4 - لو رفع صوته بالذكر أو القراءة لإعلام الغير لم تبطل الصلاة بعد ما كان أصل إتيانهمابقصد الامتثال؛ وكذلك لو أوقع صلاته في مكان أو زمان خاصّ لغرض من الأغراض المباحة، بحيث يكون أصل الإتيان بداعي الامتثال وكان الداعي على اختيار ذلك المكان أو الزمان لغرض كالبرودة ونحوها.
        مسألة 5 - يجب تعيين نوع الصلاة الّتى يأتي بها في القصد ولو إجمالا، بأن ينوي - مثلا - ما اشتغلت به ذمّته إذا كان متّحدا، أو ما اشتغلت به ذمّته أوّلا أو ثانيا إذا كان متعدّدا.
        مسألة 6 - لايجب قصدالأداء والقضاء بعد قصد العنوان الّذي يتّصف بصفتي القضاء والأداء كالظهر والعصر - مثلا - ولو على نحو الإجمال؛ فلو نوى الإتيان بصلاة الظهر الواجبة عليه فعلا ولم يشتغل ذمّته بالقضاء يكفي. نعم، لو اشتغلت ذمّته بالقضاء أيضا لا بدّ من تعيين ما يأتي به وأنّه فرض لذلك اليوم أو غيره. ولو كان من قصده امتثال الأمر المتعلّق به فعلا وتخيّل أنّ الوقت باقٍ فنوى الأداء فبان انقضاء الوقت صحّت ووقعت قضاءً؛ كما لو نوى القضاء بتخيّل خروج الوقت فبان عدم الخروج صحّت ووقعت أداءً.
        مسألة 7 - لايجب نيّة القصر والإتمام في موضع تعيّنهما، بل ولا في أماكن التخيير؛ فلو شرع في صلاة الظهر - مثلا - مع الترديد والبناء على أنّه بعد التشهّد الأوّل إمّا يسلّم على الركعتين أو يلحق بهما الأخيرتين صحّت، بل لو عيّن أحدهما لم يلتزم به على الأظهر، وكان له العدول إلى الآخر، بل الأقوى عدم التعيّن بالتعيين، ولا يحتاج إلى العدول، بل القصر يحصل بالتسليم بعد الركعتين، كما أنّ الإتمام يحصل بضمّ الركعتين إليهما خارجا من غير دخل القصد فيهما؛ فلو نوى القصر فشكّ بين الاثنتين والثلاث بعد إكمال السجدتين يبني على الثلاث، ويعالج صلاته عن الفساد من غير لزوم نيّة العدول، بل لا يبعد أن يتعيّن العمل بحكم الشكّ. ولا ينبغي ترك الاحتياط بنيّة العدول في أشباهه ثمّ العلاج ثمّ إعادة العمل.
        مسألة 8 - لا يجب قصد الوجوب والندب، بل يكفي قصد القربة المطلقة، والأحوط قصدهما.
        مسألة 9 - لا يجب حين النيّة تصوّر الصلاة تفصيلا، بل يكفي الإجمال.
        مسألة 10 - لو نوى في أثناء الصلاة قطعها أو الإتيان بالقاطع مع الالتفات إلى منافاته للصلاة: فإن أتمّ صلاته في تلك الحال بطلت، وكذا لو أتى ببعض الأجزاء ثمّ عاد إلى النيّة الاُولى واكتفى بما أتى به؛ ولو عاد إلى الاُولى قبل أن يأتي بشي ء لم يبطل، كما أنّ الأقوى عدم البطلان مع الإتمام أو الإتيان ببعض الأجزاء في تلك الحال لو لم يلتفت إلى منافاة ما ذُكر للصلاة. والأحوط على جميع التقادير الإتمام ثمّ الإعادة.
        مسألة 11 - لو شكّ في ما بيده أنّه عيّنها ظهرا أو عصرا ويدري أنّه لم يأت بالظهر ينويها ظهرا في غير الوقت المختصّ بالعصر؛ وكذا لو شكّ في إتيان الظهر على الأقوى. وأمّا في الوقت المختصّ به: فإن علم أنّه لم يأت بالعصر رفع اليد عنها واستأنف العصر إن أدرك ركعةً من الوقت وقضى الظهر بعده، وإن لم يدرك رفع اليد عنها وقضى الصلاتين. والأحوط - الّذي لا يترك - إتمامها عصرا مع إدراك بعض الركعة ثمّ قضاؤهما. وإن لم يدر إتيان الظهر فلا يبعد جواز عدم الاعتناء بشكّه، لكنّ الأحوط قضاؤه أيضا. ولو علم بإتيان الظهر قبل ذلك يرفع اليد عنها و يستأنف العصر. نعم، لو رأى نفسه في صلاة العصر وشكّ في أنّه من أوّل الأمر نواها أو نوى الظهر بنى على أنّه من أوّل الأمر نواها.
        مسألة 12 - يجوز العدول من صلاة إلى اُخرى في مواضع:
        منها: في الصلاتين المرتّبتين - كالظهرين والعشاءين - إذا دخل في الثانية قبل الاُولى سهوا أو نسيانا، فإنّه يجب أن يعدل إليها إن تذكّر في الأثناء ولم يتجاوز محلّ العدول؛ بخلاف ما إذا تذكّر بعد الفراغ أو بعد تجاوز محلّ العدول، كما إذا دخل في ركوع الركعة الرابعة من العشاء فتذكّر ترك المغرب فلا عدول، بل يصحّ اللاحقة، فيأتي بعدها بالسابقة في الفرض الأوّل - أي التذكّر بعد الفراغ - بل في الفرض الثاني أيضا لا يخلو من قوّة وإن كان الأحوط الإتمام ثمّ الإتيان بالمغرب والعشاء مترتّبا. وكذا الحال في الصلاتين المقضيّتين المترتّبتين، كما لو فات الظهران أو العشاءان من يوم واحد فشرع في قضائهما مقدّما للثانية على الاُولى فتذكّر؛ بل الأحوط لو لم يكن الأقوى أنّ الأمر كذلك في مطلق الصلوات القضائيّة.
        ومنها: إذا دخل في الحاضرة فذكر أنّ عليه قضاءً فإنّه يستحبّ أن يعدل إليه مع بقاء المحلّ، إلّا إذا خاف فوت وقت فضيلة ما بيده فإنّ في استحبابه تأمّلا، بل عدمه لا يخلو من قوّة.
        ومنها: العدول من الفريضة إلى النافلة، وذلك في موضعين:
        أحدهما: في ظهر يوم الجمعة لمن نسي قراءة سورة الجمعة وقرأ سورة اُخرى وبلغ النصف أو تجاوز.
        ثانيهما: في ما إذا كان متشاغلا بالصلاة واُقيمت الجماعة وخاف السبق، فيجوز له العدول إلى النافلة وإتمامها ركعتين ليلحق بها.
        مسألة 13 - لا يجوز العدول من النفل إلى الفرض، ولا من النفل الى النفل حتّى في ما كان كالفرائض في التوقيت والسبق واللحوق. وكذا لايجوز من الفائتة إلى الحاضرة؛ فلو دخل في فائتة ثمّ ذكر في أثنائها أنّ الحاضرة قد ضاق وقتها قطعها وأتى بالحاضرة، ولا يجوز العدول عنها إليها. وكذا لا يجوز في الحاضرتين المرتّبتين من السابقة إلى اللاحقة؛ بخلاف العكس، فلو دخل في الظهر بتخيّل عدم إتيانه فبان في الأثناء إتيانه لم يجز له العدول إلى العصر. وإذا عدل في موضع لايجوز العدول لا يبعد القول بصحّة المعدول عنه لو تذكّر قبل الدخول في ركن، فعليه الإتيان بما أتى بغير عنوانه بعنوانه.
        مسألة 14 - لو دخل في ركعتين من صلاة الليل - مثلا - بقصد الركعتين الثانيتين فتبيّن أنّه لم يصلّ الأوّلتين صحّت وحُسبت له الأوّلتان قهرا؛ وليس هذا من باب العدول ولا يحتاج إليه، حيث إنّ الأوّليّة والثانويّة لا يعتبر فيها القصد، بل المدار على ما هو الواقع.

      • القول في تكبيرة الإحرام

         

        القول في تكبيرة الإحرام

        وتسمّى تكبيرة الافتتاح أيضا. وصورتها «اللّه أكبر»، ولا يجزي غيرها ولا مرادفها من العربيّة، ولاترجمتها بغيرالعربيّة. وهي ركن تبطل الصلاةبنقصانها عمدا وسهوا، وكذا بزيادتها؛ فإذا كبّر للافتتاح ثمّ زاد ثانيةً له أيضا بطلت الصلاة واحتاج إلى ثالثة، فإن أبطلها برابعة احتاج إلى خامسة وهكذا. ويجب في حالها القيام منتصبا؛ فلو تركه عمدا أو سهوا بطلت، بل لا بدّ من تقديمه عليها مقدّمةً، من غير فرق في ذلك بين المأموم الّذي أدرك الإمام راكعا وغيره، بل ينبغي التربّص في الجملة حتّى يعلم وقوع التكبير تامّا قائما منتصبا. والأحوط أنّ الاستقرار في القيام كالقيام في البطلان بتركه عمدا أو سهوا؛ فلو ترك الاستقرار سهوا أتى بالمنافي احتياطا ثمّ كبّر مستقرّا، وأحوط منه الإتمام ثمّ الإعادة بتكبير مستقرّا.
        مسألة 1 - الأحوط ترك وصلها بما قبلها من الدعاء ليحذف الهمزة من «اللّه». والظاهر جواز وصلها بما بعدها من الاستعاذة أو البسملة، فيظهر إعراب راء «أكبر». والأحوط تركه أيضا، كما أنّ الأحوط تفخيم اللام والراء وإن كان الأقوى جواز تركه.
        مسألة 2 - يستحبّ زيادة ستّ تكبيرات على تكبيرة الإحرام قبلها أو بعدها أو بالتوزيع، والأحوط الأوّل، فيجعل الافتتاح السابعة، والأفضل أن يأتي بالثلاث ولاءا ثمّ يقول: «أَللّهُمّ أَنْتَ الْمَلِكُ الْحَقّ الْمُبينُ، لَا إِلهَ إِلّا أَنْتَ سُبْحانَكَ إِنّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْلي ذَنْبِي ، إِنّهُ لَا يَغْفِرْ الذّنُوبَ إِلّا أَنْتَ»، ثمّ يأتي باثنتين فيقول: «لَبّيْكَ وَسَعْدَيْكَ وَالْخَيْرُ فِي يَدَيْكَ وَالشّرّ لَيْسَ إِلَيْكَ، وَالْمَهْدِىّ مَنْ هَدَيْتَ، لَا مَلْجَأَ مِنْكَ إِلّا إِلَيْكَ، سُبْحانَكَ وَحَنانَيْكَ، تَبارَكْتَ وَتَعالَيْتَ، سُبْحانَكَ رَبّ الْبَيْتِ»، ثمّ كبّر تكبيرتين، ثمّ يقول: «وَجّهْتُ وَجْهِيَ لِلّذِي فَطَرَ السّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ، عالِمِ الْغَيْبِ وَالشّهَادَةِ، حَنِيفا مُسْلِما وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ، إِنّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي للّهِ ِ رَبّ الْعَالَمِينَ، لَا شَريكَ لَهُ، وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ»، ثمّ يشرع في الاستعاذة والقراءة.
        مسألة 3 - يستحبّ للإمام الجهر بتكبيرة الإحرام بحيث يسمع من خلفه، والإسرار بالستّ الباقية.
        مسألة 4 - يستحبّ رفع اليدين عند التكبير إلى الاُذنين أو إلى حيال وجهه، مبتدئا بالتكبير بابتداء الرفع و منتهيا بانتهائه. والأولى أن لا يتجاوز الاُذنين، وأن يضمّ أصابع الكفّين، ويستقبل بباطنهما القبلة.
        مسألة 5 - إذا كبّر ثمّ شكّ وهو قائم في كونه تكبيرة الإحرام أو الركوع بنى على الأوّل.

      • القول في القيام

         

        القول في القيام

        مسألة 1 - القيام ركن في تكبيرة الإحرام الّتي تقارنها النيّة، وفي الركوع، وهو الّذي يقع الركوع عنه، وهو المعبّر عنه بالقيام المتّصل بالركوع؛ فمن أخلّ به في هاتين الصورتين عمدا أو سهوا (بأن كبّر للافتتاح وهو جالس، أو صلّى ركعةً تامّةً من جلوس، أو ذكر حال الهويّ إلى السجود ترك الركوع وقام منحنيا بركوعه، أو ذكر قبل الوصول إلى الركوع وقام متقوّسا وغير منتصب ولو ساهيا) بطلت صلاته. والقيام في غيرهما واجب ليس بركن، لا تبطل الصلاة بنقصانه إلّا عن عمد، كالقيام حال القراءة، فمن سها وقرأ جالسا ثمّ ذكر وقام فصلاته صحيحة؛ وكذا بزيادته، كمن قام ساهيا في محلّ القعود.
        مسألة 2 - يجب مع الإمكان الاعتدال في القيام والانتصاب بحسب حال المصلّي؛ فلو انحنى أو مال إلى أحد الجانبين بحيث خرج عن صدقه بطل؛ بل الأحوط الأولى نصب العنق وإن كان الأقوى جواز إطراق الرأس. ولا يجوز الاستناد إلى شي ء حال القيام مع الاختيار. نعم، لا بأس به مع الاضطرار، فيستند إلى إنسان أو غيره. ولا يجوز القعود مستقلّاً مع التمكّن من القيام مستندا.
        مسألة 3 - يعتبر في القيام عدم التفريج الفاحش بين الرجلين بحيث يخرج عن صدق القيام، بل وعدم التفريج غير المتعارف وإن صدق عليه القيام على الأقوى.
        مسألة 4 - لا يجب التسوية بين الرجلين في الاعتماد. نعم، يجب الوقوف على القدمين على الأقوى، لا على قدم واحدة، ولا على الأصابع، ولا على أصلهما.
        مسألة 5 - إن لم يقدر على القيام أصلا ولو مستندا أو منحنيا أو متفرّجا -وبالجملة لم يقدر على جميع أنواع القيام حتّى الاضطراريّ منه بجميع أنحائه- صلّى من جلوس. ويعتبر فيه الانتصاب والاستقلال؛ فلا يجوز فيه الاستناد والتمايل مع التمكّن من الاستقلال والانتصاب، ويجوز مع الاضطرار. ومع تعذّر الجلوس رأسا صلّى مضطجعا على الجانب الأيمن كالمدفون؛ فإن تعذّر منه فعلى الأيسر عكس الأوّل؛ فإن تعذّر صلّى مستلقيا كالمحتضر.
        مسألة 6 - لو تمكّن من القيام ولم يتمكّن من الركوع قائما صلّى قائما ثمّ جلس وركع جالسا. وإن لم يتمكّن من الركوع والسجود أصلا ولا من بعض مراتبهما الميسورة حتّى جالسا صلّى قائما وأومأ للركوع والسجود. والأحوط في ما إذا تمكّن من الجلوس أن يكون إيماؤه للسجود جالسا، بل الأحوط وضع ما يصحّ السجود عليه على جبهته إن أمكن.
        مسألة 7 - لو قدر على القيام في بعض الركعات دون الجميع وجب أن يقوم إلى أن يعجز فيجلس، ثمّ إذا قدر على القيام قام وهكذا.
        مسألة 8 - يجب الاستقرار في القيام وغيره من أفعال الفريضة كالركوع والسجود والقعود؛ فمن تعذّر عليه الاستقرار وكان متمكّنا من الوقوف مضطربا قدّمه على القعود مستقرّا؛ وكذا الركوع والذكر ورفع الرأس، فيأتي بكلّ منها مضطربا ولا ينتقل إلى الجلوس وإن حصل به الاستقرار.

      • القول في القراءة والذكر

         

        القول في القراءة والذكر

        مسألة 1 - يجب في الركعة الاُولى والثانية من الفرائض قراءة الفاتحة وسورة كاملة عقيبها. وله ترك السورة في بعض الأحوال، بل قد يجب مع ضيق الوقت والخوف ونحوهما من أفراد الضرورة. ولو قدّمها على الفاتحة عمدا استأنف الصلاة. ولو قدّمها سهوا وذكر قبل الركوع: فإن لم يكن قرأ الفاتحة بعدها أعادها بعد أن يقرأ الفاتحة، وإن قرأها بعدها أعادها دون الفاتحة.
        مسألة 2 - يجب قراءة الحمد في النوافل كالفرائض، بمعنى كونها شرطا في صحّتها. وأمّا السورة فلا تجب في شي ء منها وإن وجبت بالعارض بنذر ونحوه. نعم، النوافل الّتي وردت في كيفيّتها سور خاصّة يعتبر في تحقّقها تلك السور، إلّا أن يعلم أنّ إتيانها بتلك السور شرط لكمالها، لا لأصل مشروعيّتها وصحّتها.
        مسألة 3 - الأقوى جواز قراءة أزيد من سورة واحدة في ركعة من الفريضة على كراهيّة، بخلاف النافلة فلا كراهة فيها، والأحوط تركها في الفريضة.
        مسألة 4 - لا يجوز قراءة ما يفوت الوقت بقراءته من السور الطوال؛ فإن فعله عامدا بطلت صلاته على إشكال، وإن كان سهوا عدل إلى غيرها مع سعة الوقت، وإن ذكر بعد الفراغ منها وقد فات الوقت أتمّ صلاته. وكذا لا يجوز قراءة إحدى السور العزائم في الفريضة؛ فلو قرأها نسيانا إلى أن قرأ آية السجدة أو استمعها وهو في الصلاة فالأحوط أن يومئ إلى السجدة وهو في الصلاة ثمّ يسجد بعد الفراغ، وإن كان الأقوى جواز الاكتفاء بالإيماء في الصلاة وجواز الاكتفاء بالسورة.
        مسألة 5 - البسملة جزء من كلّ سورة - فيجب قراءتها - عدا سورة البراءة.
        مسألة 6 - سورة الفيل والإيلاف سورة واحدة،وكذلك والضحى وألم نشرح؛ فلا تجزي واحدة منها، بل لابدّ من الجمع مرتّبا مع البسملة الواقعة في البين.
        مسألة 7 - يجب تعيين السورة عند الشروع في البسملة على الأقوى. ولو عيّن سورةً ثمّ عدل إلى غيرها تجب إعادة البسملة للمعدول إليها. وإذا عيّن سورةً عند البسملة ثمّ نسيها ولم يدر ما عيّن أعاد البسملة مع تعيين سورة معينّة. ولو كان بانيا من أوّل الصلاة على أن يقرأ سورةً معينّةً فنسي وقرأ غيرها أو كانت عادته قراءة سورة فقرأ غيرها كفى ولم يجب إعادة السورة.
        مسألة 8 - يجوز العدول اختيارا من سورة إلى غيرها ما لم يبلغ النصف، عدا التوحيد والجحد، فإنّه لايجوز العدول منهما إلى غيرهما، ولا من إحداهما إلى الاُخرى بمجرّد الشروع. نعم، يجوز العدول منهما إلى الجمعة والمنافقين في ظهر يوم الجمعة، وفي الجمعة على الأقوى إذا شرع فيهما نسيانا ما لم يبلغ النصف.
        مسألة 9 - يجب الإخفات بالقراءة عدا البسملة في الظهر والعصر. ويجب على الرجال الجهر بها في الصبح واُوليي المغرب والعشاء؛ فمن عكس عامدا بطلت صلاته. ويُعذر الناسي بل مطلق غير العامد والجاهل بالحكم من أصله غير المتنبّه للسؤال، بل لا يعيدون ما وقع منهم من القراءة بعد ارتفاع العذر في الأثناء. أمّا العالم به في الجملة الّذي جهل محلّه أو نساه والجاهل بأصل الحكم المتنبّه للسؤال عنه فالأحوط لهما الاستيناف وإن كان الأقوى الصحّة مع حصول نيّة القربة منهما. ولا جهر على النساء، بل يتخيّرن بينه وبين الإخفات مع عدم الأجنبيّ. ويجب عليهنّ الإخفات في ما يجب على الرجال ويُعذرن في ما يُعذرون فيه.
        مسألة 10 - يستحبّ للرجال الجهر بالبسملة في الظهرين للحمد والسورة، كما أنّه يستحبّ لهم الجهر بالقراءة في ظهر يوم الجمعة، ولكن لا ينبغي ترك الاحتياط بالإخفات.
        مسألة 11 - مناط الجهر والإخفات ظهور جوهر الصوت وعدمه، لاسماع من بجانبه وعدمه. ولا يجوز الإفراط في الجهر كالصياح؛ كما أنّه لايجوز الإخفات بحيث لا يسمع نفسه مع عدم المانع.
        مسألة 12 - يجب أن تكون القراءة صحيحة؛ فلو أخلّ عامدا بحرف أو حركة أو تشديد أو نحو ذلك بطلت صلاته. ومن لا يحسن الفاتحة أو السورة يجب عليه تعلّمهما.
        مسألة 13 - المدار في صحّة القراءة على أداء الحروف من مخارجها على نحو يعدّه أهل اللسان مؤدّيا للحرف الفلانيّ دون حرف آخر، ومراعاة حركات البنية وماله دخل في هيئة الكلمة، والحركات والسكنات الإعرابيّة والبنائيّة على وفق ما ضبطه علماء العربيّة، وحذف همزة الوصل في الدرج كهمزة «أل» وهمزة «إهْدِنَا» على الأحوط، وإثبات همزة القطع كهمزة «أَنْعَمْتَ». ولا يلزم مراعاة تدقيقات علماء التجويد في تعيين مخارج الحروف، فضلا عمّا يرجع إلى صفاتها: من الشدّة والرخوة والتفخيم والترقيق والاستعلاء وغير ذلك، ولا الإدغام الكبير، وهو إدراج الحرف المتحرّك بعد إسكانه في حرف مماثل له مع كونهما في كلمتين، مثل «يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيِهمْ» بإدراج الميم في الميم، أو مقارب له ولو في كلمة واحدة ك «يَرْزُقُكُمْ» و«زُحْزِحَ عَنِ النّارِ» بإدراج القاف في الكاف والحاء في العين، بل الأحوط ترك مثل هذا الإدغام خصوصا في المقارب، بل ولا يلزم مراعاة بعض أقسام الإدغام الصغير، كإدراج الساكن الأصليّ في ما يقاربه، ك«مِنْ رَبّكَ» بإدراج النون في الراء. نعم، الأحوط مراعاة المدّ اللازم، وهو ما كان حرف المدّ وسبباه - أي الهمزة والسكون - في كلمة واحدة، مثل «جآء» و«سوء» و«جي ء» و«دآبّة» و«ق» و«ص»؛ وكذا ترك الوقف على المتحرّك، والوصل مع السكون، وإدغام التنوين والنون الساكنة في حروف «يرملون» وإن كان المترجّح في النظر عدم لزوم شي ء ممّا ذكر.
        مسألة 14 - الأحوط عدم التخلّف عن إحدى القراءات السبع، كما أنّ الأحوط عدم التخلّف عمّا في المصاحف الكريمة الموجودة بين أيدي المسلمين، وإن كان التخلّف في بعض الكلمات مثل «مَلِكِ يَوْمِ الدّينِ» و «كُفُوا أَحَدٌ» غير مضرّ، بل لايبعد جواز القراءة بإحدى القراءات.
        مسألة 15 - يجوز قراءة «مَالِكِ يَوْمِ الدّينِ» و «مَلِكِ يَوْمِ الدّينِ»، ولا يبعد أن يكون الأوّل أرجح؛ وكذا يجوز في «الصراط» أن يقرأ بالصاد والسين، والأرجح بالصاد. وفي «كُفُوا أَحَدٌ» وجوه أربعة: بضم الفاء وسكونه مع الهمزة أو الواو، ولا يبعد أن يكون الأرجح بضمّ الفاء مع الواو.
        مسألة 16 - من لا يقدر إلّا على الملحون أو تبديل بعض الحروف ولا يستطيع أن يتعلّم أجزأه ذلك، ولا يجب عليه الايتمام وإن كان أحوط. ومن كان قادرا على التصحيح والتعلّم ولم يتعلّم يجب عليه على الأحوط الايتمام مع الإمكان.
        مسألة 17 - يتخيّر في ما عدا الركعتين الاُوليين من الفريضة بين الذكر والفاتحة. ولا يبعد أن يكون الأفضل للإمام القراءة، وللمأموم الذكر، وهما للمنفرد سواء. وصورته: «سبحان اللّه والحمد للّه ولا إله إلّا اللّه واللّه أكبر». وتجب المحافظة على العربيّة. ويجزي مرّة واحدة. والأحوط الأفضل التكرار ثلاثا، والأولى إضافة الاستغفار إليها. ويجب الإخفات في الذكر والقراءة حتّى البسملة على الأحوط. ولا يجب اتّفاق الركعتين الأخيرتين في الذكر أو القراءة.
        مسألة 18 - لو قصد التسبيح مثلاً فسبق لسانه إلى القراءة من غير تحقّق القصد إليها ولو ارتكازا فالأقوى عدم الاجتزاء بها، ومع تحقّقه فالأقوى الصحّة؛ وكذا الحال لو فعل ذلك غافلا من غير قصد إلى أحدهما، فإنّه مع عدمه ولو ارتكازا فالأقوى عدم الصحّة، وإلّا فالأقوى الصحّة.
        مسألة 19 - لو قرأ الفاتحة بتخيّل أنّه في الاُوليين فتبيّن كونه في الأخيرتين يجتزئ بها؛ وكذا لو قرأها بتخيّل أنّه في الأخيرتين فتبيّن كونه في الاُوليين.
        مسألة 20 - الأحوط أن لا يزيد على ثلاثة تسبيحات إلّا بقصد الذكر المطلق.
        مسألة 21 - يستحبّ قراءة «عمّ يتساءلون» أو «هل أتى» أو «الغاشية» أو «القيامة» وأشباهها في صلاة الصبح، وقراءة «سبّح اسم» أو «والشمس» في الظهر، و«إذا جاء نصراللّه» و«ألهيكم التكاثر» في العصر والمغرب. والأولى اختيار قراءة «الجمعة» في الركعة الاُولى من العشاءين «والأعلى» في الثانية منهما في ليلة الجمعة، وقراءة سورة «الجمعة» في الركعة الاُولى و«المنافقين» في الثانية في الظهر والعصر من يوم الجمعة، وكذا في صبح يوم الجمعة، أو يقرأ فيها في الاُولى «الجمعة» و«التوحيد» في الثانية، وفي المغرب في ليلة الجمعة في الاُولى «الجمعة» وفي الثانية «التوحيد»، كما أنّه يستحبّ في كلّ صلاة قراءة سورة «القدر» في الاُولى و«التوحيد» في الثانية.
        مسألة 22 - قد عرفت أنّه يجب الاستقرار حال القراءة والأذكار؛ فلو أراد حالهما التقدّم أو التأخّر أو الانحناء لغرض يجب تركهما حال الحركة، لكن لايضرّ مثل تحريك اليد أو أصابع الرجلين وإن كان الترك أولى. ولو تحرّك حال القراءة قهرا فالأحوط إعادة ما قرأه في تلك الحالة.
        مسألة 23 - لو شكّ في صحّة قراءة آية أو كلمة يجب إعادتها إذا لم يتجاوز، ويجوز بقصد الاحتياط مع التجاوز؛ ولو شكّ ثانيا أو ثالثا لا بأس بالتكرار ما لم يكن عن وسوسة، وإلّا فلا يعتني بشكّه.

      • القول في الركوع

         

        القول في الركوع

        مسألة 1 - يجب في كلّ ركعة من الفرائض اليوميّة ركوع واحد. وهو ركن تبطل الصلاة بزيادته ونقصانه عمدا وسهوا، إلّا في الجماعة للمتابعة بتفصيل يأتي في محلّه. ولابدّ فيه من الانحناء المتعارف بحيث تصل يده إلى ركبته، والأحوط وصول الراحة إليها، فلا يكفي مسمّى الانحناء.
        مسألة 2 - من لم يتمكّن من الانحناء المزبور اعتمد؛ فإن لم يتمكّن ولو بالاعتماد أتى بالممكن منه، ولا ينتقل إلى الجلوس وإن تمكّن منه جالسا. نعم، لولم يتمكّن من الانحناء أصلا انتقل إليه، والأحوط صلاة اُخرى بالإيماء قائما. وإن لم يتمكّن من الركوع جالسا أجزأ الإيماء حينئذٍ، فيومئ برأسه قائما؛ فإن لم يتمكّن غمض عينيه للركوع وفتحهما للرفع منه. ويتحقّق ركوع الجالس بانحنائه بحيث يساوي وجهه ركبتيه؛ والأفضل الأحوط الزيادة على ذلك بحيث يحاذي مسجده.
        مسألة 3 - يعتبر في الانحناء أن يكون بقصد الركوع؛ فلو انحنى بقصد وضع شي ء على الأرض - مثلا - لايكفي في جعله ركوعا، بل لابدّمن القيام ثمّ الانحناءله.
        مسألة 4 - من كان كالراكع - خلقةً أو لعارض - إن تمكّن من الانتصاب ولو بالاعتماد - لتحصيل القيام الواجب ليركع عنه - وجب؛ وإن لم يتمكّن من الانتصاب التامّ فلابدّ منه في الجملة وما هو أقرب إلى القيام؛ وإن لم يتمكّن أصلا وجب أن ينحني أزيد من المقدار الحاصل إن لم يخرج بذلك عن حدّ الركوع؛ وإن لم يتمكّن منه - بأن لم يقدر على زيادة الانحناء أو كان انحناؤه بالغا أقصى مراتب الركوع بحيث لو زاد خرج عن حدّه - نوى الركوع بانحنائه، ولا يترك الاحتياط بالإيماء بالرأس إليه أيضا، ومع عدم تمكّنه من الإيماء يجعل غمض العينين ركوعا وفتحهما رفعا على الأحوط، وأحوط منه أن ينوي الركوع بالانحناء مع الإيماء وغمض العين مع الإمكان.
        مسألة 5 - لو نسي الركوع فهوى إلى السجود وتذكّر قبل وضع جبهته على الأرض رجع إلى القيام ثمّ ركع؛ ولا يكفي أن يقوم منحنيا إلى حدّ الركوع. ولو تذكّر بعد الدخول في السجدة الاُولى أو بعد رفع الرأس منها فالأحوط العود إلى الركوع - كما مرّ - وإتمام الصلاه ثمّ إعادتها.
        مسألة 6 - لو انحنى بقصد الركوع ولمّا وصل إلى حدّه نسي وهوى إلى السجود: فإن تذكّر قبل أن يخرج من حدّه بقي على تلك الحال مطمئنّا وأتى بالذكر، وإن تذكّر بعد خروجه من حدّه فإن عرض النسيان بعد وقوفه في حدّ الركوع آنامّا فالأقوى السجود بلا انتصاب، وإلّا فلا يترك الاحتياط بالانتصاب ثمّ الهويّ إلى السجود وإتمام الصلاة وإعادتها.
        مسألة 7 - يجب الذكر في الركوع. والأقوى الاجتزاء بمطلقه. والأحوط كونه بمقدار الثلاث من الصغرى أو الواحدة من الكبرى؛ كما أنّ الأحوط مع اختيار التسبيح اختيار الثلاث من الصغرى، وهي «سبحان اللّه»، أو الكبرى الواحدة، وهي «سبحان ربّي العظيم وبحمده»؛ والأحوط الأولى اختيار الأخيرة، وأحوط منه تكرارها ثلاثا.
        مسألة 8 - يجب الطمأنينة حال الذكر الواجب؛ فإن تركها عمدا بطلت صلاته؛ بخلافه سهوا وإن كان الأحوط الاستيناف معه أيضا. ولو شرع في الذكر الواجب عامدا قبل الوصول إلى حدّ الركوع أو بعده قبل الطمأنينة أو أتمّه حال الرفع قبل الخروج عن اسمه أو بعده لم يجز الذكر المزبور قطعا، والأقوى بطلان صلاته؛ والأحوط إتمامها ثمّ استينافها، بل الأحوط ذلك في الذكر المندوب أيضا لو جاء به كذلك بقصد الخصوصيّة، وإلّا فلا إشكال. ولو لم يتمكّن من الطمأنينة لمرض أو غيره سقطت، لكن يجب عليه إكمال الذكر الواجب قبل الخروج عن مسمّى الركوع. ويجب أيضا رفع الرأس منه حتّى ينتصب قائما مطمئنّا؛ فلو سجد قبل ذلك عامدا بطلت صلاته.
        مسألة 9 - يستحبّ التكبير للركوع وهو قائم منتصب، والأحوط عدم تركه. ويستحبّ رفع اليدين حال التكبير، ووضع الكفّين مفرّجات الأصابع على الركبتين حال الركوع، والأحوط عدم تركه مع الإمكان. وكذا يستحبّ ردّ الركبتين إلى الخلف وتسوية الظهر ومدّ العنق والتجنيح بالمرفقين، وأن تضع المرأة يديها على فخذيها فوق الركبتين، واختيار التسبيحةالكبرى، وتكرارها ثلاثا أو خمسا أوسبعا بل أزيد، ورفع اليدين للانتصاب من الركوع، وأن يقول بعد الانتصاب: «سمع اللّه لمن حمده»، وأن يكبّر للسجود ويرفع يديه له. ويكره أن يطأطئ رأسه حال الركوع، وأن يضمّ يديه إلى جنبيه، وأن يُدخل يديه بين ركبتيه.

      • القول في السجود

         

        القول في السجود

        مسألة 1 - يجب في كلّ ركعة سجدتان. وهما معا ركن تبطل الصلاة بزيادتهما معاً في الركعة الواحدة ونقصانهما كذلك عمدا أو سهوا؛ فلو أخلّ بواحدة -زيادةً أو نقصانا- سهوا فلا بطلان. ولا بدّ فيه من الانحناء ووضع الجبهة على وجه يتحقّق به مسمّاه. وهذا مدار الركنيّة والزيادة العمديّة والسهويّة.
        ويعتبر فيه اُمور اُخر، لا مدخليّة لها في ذلك:
        منها: السجود على ستّة أعضاء: الكفّين والركبتين والإبهامين. والمعتبر باطن الكفّين، والأحوط الاستيعاب العرفيّ. هذا مع الاختيار. وأمّا مع الاضطرار فيجزي مسمّى الباطن. ولو لم يقدر إلّا على ضمّ الأصابع إلى كفّه والسجود عليها يجتزئ به؛ ومع تعذّر ذلك كلّه يجزي الظاهر؛ ومع عدم إمكانه أيضا -لقطع ونحوه- ينتقل إلى الأقرب من الكفّ. وأمّا الركبتان فيجب صدق مسمّى السجود على ظاهرهما وإن لم يستوعبه. وأمّا الإبهامان فالأحوط مراعاة طرفيهما. ولا يجب الاستيعاب في الجبهة، بل يكفي صدق السجود على مسمّاها، ويتحقّق بمقدار رأس الأنملة؛ والأحوط أن يكون بمقدار الدرهم، كما أنّ الأحوط كونه مجتمعا لا متفرّقا وإن كان الأقوى عدم الفرق، فيجوز على السبحة إذا كان ما وقع عليه الجبهة بمقدار رأس الأنملة. ولا بدّ من رفع ما يمنع من مباشرتها لمحلّ السجود من وسخ أو غيره فيها أو فيه، حتّى لو لصق بجبهته تربة أو تراب أو حصاة ونحوها في السجدة الاُولى تجب إزالتها للثانية على الأحوط لو لم يكن الأقوى. والمراد بالجبهة هنا: ما بين قصاص الشعر وطرف الأنف الأعلى والحاجبين طولاً وما بين الجبينين عرضا.
        مسألة 2 - الأحوط الاعتماد على الأعضاء السبعة؛ فلا يجزي مجرّد المماسّة. ولا يجب مساواتها فيه؛ كما لا تضرّ مشاركة غيرها معها فيه كالذراع مع الكفّين وسائر أصابع الرجلين مع الإبهامين.
        ومنها: وجوب الذكر على نحو ما تقدّم في الركوع. والتسبيحة الكبرى هاهنا: «سبحان ربيّ الأعلى وبحمده».
        ومنها: وجوب الطمأنينة حال الذكر الواجب نحو ما سمعته في الركوع.
        ومنها: وجوب كون المساجد السبعة في محالّها حال الذكر؛ فلا بأس بتغيير المحلّ في ما عدا الجبهة أثناء الذكر الواجب حال عدم الاشتغال؛ فلو قال: «سبحان اللّه» ثمّ رفع يده لحاجة أو غيرها ووضعها وأتى بالبقيّة لا يضرّ.
        ومنها: وضع الجبهة على ما يصحّ السجود عليه على ما مرّ في مبحث المكان.
        ومنها: رفع الرأس من السجدة الاُولى والجلوس مطمئنّا معتدلا.
        ومنها: أن ينحني للسجود حتّى يساوي موضع جبهته موقفه؛ فلو ارتفع أحدهما على الآخر لا تصحّ، إلّا أن يكون التفاوت بينهما قدر لبنة موضوعة على سطحها الأكبر في اللبن المتعارفة أو أربع أصابع كذلك مضمومات. ولا يعتبر التساوي في سائر المساجد لا بعضها مع بعض، ولا بالنسبة إلى الجبهة؛ فلا يقدح ارتفاع مكانها أو انخفاضه مالم يخرج به السجود عن مسمّاه.
        مسألة 3 - المراد بالموقف - الّذي يجب عدم التفاوت بينه وبين موضع الجبهة بما تقدّم - الركبتان والإبهامان على الأحوط؛ فلو وضع إبهاميه على مكان أخفض أو أعلى من جبهته بأزيد ممّا تقدّم بطلت صلاته على الأحوط وإن ساوى موضع ركبتيه موضعَ جبهته.
        مسألة 4 - لو وقعت جبهته على مكان مرتفع أزيد من المقدار المغتفر: فإن كان الارتفاع بمقدار لا يصدق معه السجود عرفا فالأحوط الأولى رفعها ووضعها على المحلّ الجائز، ويجوز جرّها أيضا، وإن كان بمقدار يصدق معه السجود عرفا فالأحوط الجرّ إلى الأسفل، ولو لم يمكن فالأحوط الرفع والوضع ثمّ إعادة الصلاة بعد إتمامها.
        مسألة 5 - لو وضع جبهته من غير عمد على الممنوع من السجود عليه جرّها عنه إلى ما يجوز السجود عليه، وتصحّ صلاته، وليس له رفعها عنه. ولو لم يمكن إلّا الرفع المستلزم لزيادة السجود فالأحوط إتمام صلاته ثم استينافها من رأس، سواء كان الالتفات إليه قبل الذكر الواجب أو بعده. نعم، لو كان الالتفات بعد رفع الرأس من السجود كفاه الإتمام.
        مسألة 6 - من كان بجبهته علّة كالدمّل: فإن لم تستوعبها وأمكن وضع الموضع السليم منها على الأرض ولو بحفر حفيرة وجعل الدمّل فيها وجب، وإن استوعبتها أو لم يمكن وضع الموضع السليم منها على الأرض سجد على أحد الجبينين؛ والأولى تقديم الأيمن على الأيسر. وإن تعذّر سجد على ذقنه. وإن تعذّر فالأحوط تحصيل هيئة السجود بوضع بعض وجهه أو مقدّم رأسه على الأرض. ومع تعذّره فالأحوط تحصيل ما هو الأقرب إلى هيئته.
        مسألة 7 - لو ارتفعت جبهته من الأرض قهرا وعادت إليها قهرا فلا يبعدأن يكون عودا إلى السجدة الاُولى، فيحسب سجدة واحدة، سواء كان الارتفاع قبل القرار أو بعده، فيأتي بالذكر الواجب. ومع القدرة على الإمساك بعد الرفع يحسب هذا الوضع سجدة واحدة مطلقا، سواء كان الرفع قبل القرار أو بعده.
        مسألة 8 - من عجز عن السجود فإن أمكنه تحصيل بعض المراتب الميسورة من السجدة يجب، محافظا على ما عرفت وجوبه: من وضع المساجد في محالّها مع التمكّن والاعتماد والذكر والطمأنينة ونحوها؛ فإذا تمكّن من الانحناء فعل بمقدار ما يتمكّن، ورفع المسجد إلى جبهته واضعا لها عليه، مراعيا لما تقدّم من الواجبات؛ وإن لم يتمكّن من الانحناء أصلا أومأ إليه برأسه؛ وإن لم يتمكّن فبالعينين، والأحوط له رفع المسجد مع ذلك إذا تمكّن من وضع الجبهة عليه. ومع عدم تحقّق الميسور من السجود لا يجب وضع المساجد في محالّها وإن كان أحوط.
        مسألة 9 - يستحبّ التكبير حال الانتصاب من الركوع للأخذ في السجود وللرفع منه، والسبق باليدين إلى الأرض عند الهويّ إليه، واستيعاب الجبهة على ما يصحّ السجود عليه، والإرغام بمسمّاه بالأنف على مسمّى ما يصحّ السجود عليه، والأحوط عدم تركه، وتسوية موضع الجبهة مع الموقف، بل جميع المساجد، وبسط الكفّين مضمومتي الأصابع حتّى الإبهام حذاء الاُذنين موجّها بهما إلى القبلة، والتجافي حال السجود بمعنى رفع البطن عن الأرض، والتجنيح بأن يرفع مرفقيه عن الأرض مفرّجا بين عضديه وجنبيه مبعّدا يديه عن بدنه جاعلا يديه كالجناحين، والدعاء بالمأثور قبل الشروع في الذكر وبعد رفع الرأس من السجدة الاُولى، واختيار التسبيحة الكبرى وتكرارها، والختم على الوتر، والدعاء في السجود أو الأخير منه بما يريد من حاجات الدنيا والآخرة، سيّما طلب الرزق الحلال، بأن يقول: «يَا خَيْرَ الْمَسْؤُولِينَ وَيَا خَيْرَ الْمُعْطِينَ، اُرْزُقْنِي وَارْزُقْ عِيَالِي مِنْ فَضْلِكَ، فَإنّكَ ذُوالْفَضْلِ الْعَظِيمِ»، والتورّك في الجلوس بين السجدتين وبعدهما، بأن يجلس على فخذه الأيسر جاعلا ظهر القدم اليمنى على بطن اليسرى، وأن يقول: بين السجدتين: «أستغفر اللّه ربّي وأتوب إليه»، ووضع اليدين حال الجلوس على الفخذين: اليمنى على اليمنى واليسرى على اليسرى، والجلوس مطمئنّا بعد رفع الرأس من السجدة الثانية قبل أن يقوم، وهو المسمّى بالجلسة الاستراحة، والأحوط لزوما عدم تركها، وأن يقول إذا أراد النهوض إلى القيام: «بحول اللّه وقوّته أقوم وأقعد»، وأن يعتمد على يديه عند النهوض من غير عجن بهما، أي لا يقبضهما بل يبسطهما على الأرض.
        مسألة 10 - تختصّ المرأة في الصلاة بآداب: الزينة بالحليّ والخضاب، والإخفات في قولها، والجمع بين قدميها حال القيام، وضمّ ثدييها بيديها حاله، ووضع يديها على فخذيها حال الركوع، غير رادّة ركبتيها إلى ورائها، والبدأة للسجود بالقعود، والتضمّم حاله لاطئةً بالأرض فيه غير متجافية، والتربّع في جلوسها مطلقا.

      • القول في سجدتي التلاوة والشكر

         

        القول في سجدتي التلاوة والشكر

        مسألة 1 - يجب السجود عند تلاوة آياتٍ أربع في السورالأربع: آخر«النجم» و«العلق» و«لَا يَسْتَكْبِرُونَ» في الم تنزيل و«تَعْبُدُونَ» في «حم فصّلت»، وكذا عند استماعها دون سماعها على الأظهر، ولكن لاينبغي ترك الاحتياط. والسبب مجموع الآية؛ فلا يجب بقراءة بعضها ولو لفظ السجدة منهإ؛گ كظظ وإن كان أحوط. ووجوبها فوريّ لا يجوز تأخيرها؛ وإن أخّرها ولو عصيانا يجب إتيانها ولا تسقط.
        مسألة 2 - يتكرّر السجود بتكرّر السبب مع التعاقب وتخلّل السجود قطعا، وهو مع التعاقب بلا تخلّله لا يخلو من قوّة، ومع عدم التعاقب لا يبعد عدمه.
        مسألة 3 - إن قرأها أو استمعها في حال السجود يجب رفع الرأس منه ثمّ الوضع، ولا يكفي البقاء بقصده، ولا الجرّ إلى مكان آخر؛ وكذا في ما إذا كان جبهته على الأرض لا بقصد السجدة فسمع أو قرأ آية السجدة.
        مسألة 4 - الظاهر أنّه يعتبر في وجوبها على المستمع كون المسموع صادرا بعنوان التلاوة وقصد القرآنيّة؛ فلو تكلّم شخص بالآية لا بقصدها لا تجب بسماعها؛ وكذالو سمعها من صبيّ غير مميّز أو نائم أو من حبس صوت وإن كان الأحوط ذلك، خصوصا في النائم.
        مسألة 5 - يعتبر في السماع تمييز الحروف والكلمات؛ فلا يكفي سماع الهمهمة وإن كان أحوط.
        مسألة 6 - يعتبر في هذا السجود بعد تحقّق مسمّاه النيّة وإباحة المكان. والأحوط وضع المواضع السبعة، ووضع الجبهة على ما يصحّ السجود عليه وإن كان الأقوى عدم اللزوم. نعم، الأحوط ترك السجود على المأكول والملبوس، بل عدم الجواز لا يخلو من وجه. ولا يعتبر فيه الاستقبال، ولا الطهارة من الحدث والخبث، ولا طهارة موضع الجبهة، ولا ستر العورة.
        مسألة 7 - ليس في هذا السجود تشهّد ولا تسليم ولا تكبيرة افتتاح. نعم، يستحبّ التكبير للرفع عنه، ولا يجب فيه الذكر، بل يستحبّ، ويكفي مطلقه، والأولى أن يقول: «لَا إِلهَ إِلّا اللّهُ حَقّا حَقّا، لَا إِلهَ إِلّا اللّهُ إيمَ-انا وَتَصْدِيقا، لَا إِلهَ إِلّا اللّهُ عُبُودِيّةً وَرِقّا، سَجَدْتُ لَكَ يَا رَبّ تَعَبّدا وَرِقّا، لَا مُسْتَنْكِفا وَلَا مُسْتَكْبِرا، بَلْ أَنَا عَبْدٌ ذَلِيلٌ خآئِفٌ مُسْتَجِيرٌ».
        مسألة 8 - السجود للّه تعالى في نفسه من أعظم العبادات؛ وقد ورد فيه أنّه «ما عُبداللّه بمثله» و«أقرب ما يكون العبد إلى اللّه وهو ساجد». ويستحبّ أكيدا للشكرللّه عند تجدّد كلّ نعمة، ودفع كلّ نقمة، وعند تذكّرهما، وللتوفيق لأداء كلّ فريضة أو نافلة، بل كلّ فعل خير حتّى الصلح بين اثنين. ويجوز الاقتصار على واحدة. والأفضل أن يأتي باثنتين، بمعنى الفصل بينهما بتعفير الخدّين أو الجبينين. ويكفي في هذا السجود مجرّد وضع الجبهة مع النيّة. والأحوط فيه وضع المساجد السبعة، ووضع الجبهة على ما يصحّ السجود عليه، بل اعتبار عدم كونه ملبوسا أو مأكولا لايخلو من قوّة كماتقدّم في سجودالتلاوة. ويستحبّ فيه افتراش الذراعين وإلصاق الجؤجؤ والصدر والبطن بالأرض. ولا يشترط فيه الذكر وإن استحبّ أن يقول: «شكرا للّه» أو «شكرا شكرا» مائةمرّة؛ ويكفي ثلاث مرّات، بل مرّة واحدة.
        وأحسن ما يقال فيه ما ورد عن مولانا الكاظم(عليه السلام) : قل وأنت ساجد: «أَللّهُمّ إِنّي اُشْهِدُكَ وَاُشْهِدُ مَلآئِكَتَكَ وَأَنْبِيآئَكَ وَرُسُلَكَ وَجَمِيعَ خَلْقِكَ أَنّكَ أَنْتَ اللّهُ رَبّي ، وَالإِسْلَامَ دِينِي ، وَمُحَمّدا نَبِيّي ، وَعَلِيّا وَالْحَسَنَ وَالْحُسَيْنَ - تعدّهم إلى آخرهم - أَئِمّتِي ، بِهمْ أَتَوَلّى وَمِنْ أَعْدَآئِهِمْ أَتَبَرّأُ، أَللّهُمّ إِنّي اُنْشِدُكَ دَمَ الْمَظْلُوم - ثلاثا - أَللّهُمّ إِنّي اُنْشِدُكَ بِإِيوَآئِكَ عَلَى نَفْسِكَ لِأَعْدآئِكَ لِتُهْلِكَنّهُمْ بِأَيْدِينَا وَأَيْدِي الْمُؤْمِنِينَ، أَللّهُمّ إِنّي اُنْشِدُكَ بِإِيوَآئِكَ عَلَى نَفْسِكَ لِأَوْلِيآئِكَ لِتَظْفُرَنّهُمْ بِعَدُوّكَ وَعَدُوّهِمْ أنْ تُصَلّيَ عَلَى مُحَمّدٍ وَعَلَى الْمُسْتَحْفِظِينَ مِنْ آلِ مُحَمّدٍ - ثلاثا - أَللّهُمّ إِنّي أَسْأَلُكَ الْيُسْرَ بَعْدَ الْعُسْرِ» ثلاثا، ثمّ تضع خدّك الأيمن على الأرض وتقول: «يا كَهْفِي حِينَ تُعْيِيني الْمَذَاهِبُ وَتَضِيقُ عَلَيّ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ، يا بارِئَ خَلْقِي رَحْمَةً بِي وَقَدْ كُنْتَ عَنْ خَلْقِي غَنِيّا صَلّ عَلَى مُحَمّدٍ وَعَلَى الْمُسْتَحْفِظِينَ مِنْ آلِ مُحَمّدٍ»، ثمّ تضع خدّك الأيسر وتقول: «يا مُذِلّ كُلّ جَبّارٍ وَيا مُعِزّ كُلّ ذَليلٍ قَد وَعِزّتِكَ بَلَغَ مَجْهُودِي » ثلاثا، ثمّ تقول: «يا حَنّانُ يا مَنّانُ يا كاشِفَ الْكُرَبِ الْعِظامِ»، ثمّ تعود للسجود فتقول مائة مرّة: «شكرا شكرا»، ثمّ تسأل حاجتك تُقضى إن شاء اللّه.

      • القول في التشهّد

         

        القول في التشهّد

        مسألة 1 - يجب التشهّد في الثنائيّة مرّةً بعد رفع الرأس من السجدة الأخيرة، وفي الثلاثيّة والرباعيّة مرّتين: الاُولى بعد رفع الرأس من السجدة الأخيرة في الركعة الثانية، والثانية بعد رفع الرأس منها في الركعة الأخيرة. وهو واجب غير ركن تبطل الصلاة بتركه عمدا - لا سهوا - حتّى يركع وإن وجب عليه قضاؤه كما يأتي في الخلل.
        والواجب فيه أن يقول: «أشهد أن لا إله إلّا اللّه وحده لا شريك له وأشهد أنّ محمّدا عبده ورسوله، أللّهمّ صلّ على محمّد وآل محمّد». ويستحبّ الابتداء بقوله: «الحمدللّه» أو «بسم اللّه وباللّه والحمد للّه وخير الأسماء للّه - أو - الأسماء الحسنى كلّها للّه»، وأن يقول بعد الصلاة على النبيّ وآله: «وتقبّل شفاعته في اُمّته وارفع درجته». والأحوط عدم قصد التوظيف والخصوصيّة به في التشهّد الثاني. ويجب فيه اللفظ الصحيح الموافق للعربيّة. ومن عجز عنه وجب عليه تعلّمه.
        مسألة 2 - يجب الجلوس مطمئنّا حال التشهّد بأيّ كيفيّة كان. ويُكره الإقعاء، وهو أن يعتمد بصدر قدميه على الأرض ويجلس على عقبيه، والأحوط تركه. ويستحبّ فيه التورّك كما يستحبّ ذلك بين السجدتين و بعدهما كما تقدّم.

      • القول في التسليم

         

        القول في التسليم

        مسألة 1 - التسليم واجب في الصلاة، وجزء منها ظاهرا، ويتوقّف تحلّل المنافيات والخروج عن الصلاة عليه. وله صيغتان: الاُولى: «السلام علينا وعلى عباداللّه الصالحين»، والثانية: «السلام عليكم» بإضافة «ورحمة اللّه وبركاته» على الأحوط وإن كان الأقوى استحبابه. والثانية على تقدير الإتيان بالاُولى جزء مستحبّ، وعلى تقدير عدمه جزء واجب على الظاهر. ويجوز الاجتزاء بالثانية، بل بالاُولى أيضا وإن كان الأحوط عدم الاجتزاء بها. وأمّا «السلام عليك أيّها النبيّ ورحمة اللّه وبركاته» فهي من توابع التشهّد لا يحصل بها تحلّل، ولا تبطل الصلاة بتركها عمدا ولا سهوا، لكنّ الأحوط المحافظة عليها، كما أنّ الأحوط الجمع بين الصيغتين بعدها مقدّما للاُولى.
        مسألة 2 - يجب في التسليم بكلّ من الصيغتين العربيّة والإعراب. ويجب تعلّم إحداهما مع الجهل؛ كما أنّه يجب الجلوس حالته مطمئنّا،ويستحبّ فيه التورّك.

      • القول في الترتيب

         

        القول في الترتيب

        مسألة - يجب الترتيب في أفعال الصلاة؛ فيجب تقديم تكبيرة الإحرام على القراءة، والفاتحة على السورة، وهي على الركوع، وهو على السجود وهكذا؛ فمن صلّى مقدّما للمؤخّر وبالعكس عمدا بطلت صلاته، وكذا سهوا لو قدّم ركنا على ركن. أمّا لو قدّم ركنا على ما ليس بركن سهوا كما لو ركع قبل القراءة فلابأس ويمضي في صلاته. وكذا لو قدّم غير ركن على ركن سهواكما لو قدّم التشهّد على السجدتين فلا بأس، لكن مع إمكان التدارك يعود إلى ما يحصل به الترتيب وتصحّ صلاته. كما أنّه لا بأس بتقديم غير الأركان بعضها على بعض سهوا، فيعود أيضا إلى ما يحصل به الترتيب مع الإمكان وتصحّ صلاته.

      • القول في الموالاة

         

        القول في الموالاة

        مسألة 1 - يجب الموالاة في أفعال الصلاة، بمعنى عدم الفصل بين أفعالها على وجه تنمحي صورتها بحيث يصحّ سلب الاسم عنها؛ فلو ترك الموالاة بالمعنى المزبور عمدا أو سهوا بطلت صلاته. وأمّا الموالاة بمعنى المتابعة العرفيّة فواجبة أيضا على الأحوط، فتبطل الصلاة بتركها عمدا على الأحوط لا سهوا.
        مسألة 2 - كما تجب الموالاة في أفعال الصلاة بعضها مع بعض كذلك تجب في القراءة والتكبير والذكر والتسبيح بالنسبة إلى الآيات والكلمات، بل والحروف؛ فمن تركها عمدا في أحد المذكورات الموجب لمحو أسمائها بطلت صلاته في ماإذا لزم من تحصيل الموالاة زيادة مبطلة، بل مطلقا على الأحوط؛ وإن كان سهوا فلا بأس، فيعيد ماتحصل به الموالاة إن لم يتجاوز المحلّ. لكن هذا إذا لم يكن فوات الموالاة المزبورة في أحد المذكورات موجبا لفوات الموالاة في الصلاة بالمعنى المزبور، وإلّا فتبطل ولو مع السهو.

      • القول في القنوت

         

        بقي أمران: القنوت والتعقيب

        القول في القنوت

        مسألة 1 - يستحبّ القنوت في الفرائض اليوميّة، ويتأكّد في الجهريّة، بل الأحوط عدم تركه فيها. ومحلّه قبل الركوع في الركعة الثانية بعد الفراغ عن القراءة. ولو نسي أتى به بعد رفع الرأس من الركوع، ثمّ هوى إلى السجود؛ وإن لم يذكره في هذا الحال وذكره بعد ذلك فلا يأتي به حتّى يفرغ من صلاته فيأتي به حينئذٍ؛ وإن لم يذكره إلّا بعد انصرافه أتى به متى ذكره ولو طال الزمان. ولو تركه عمدا فلا يأتي به بعد محلّه. ويستحبّ أيضا في كلّ نافلة ثنائيّة في المحلّ المزبور حتّى نافلة الشفع على الأقوى؛ والأولى إتيانه فيه رجاءً. ويستحبّ أكيدا في الوتر. ومحلّه ما عرفت قبل الركوع بعد القراءة.
        مسألة 2 - لا يعتبر في القنوت قول مخصوص، بل يكفي فيه كلّ ما تيسّر من ذكر ودعاء، بل يجزي البسملة مرّةواحدة، بل «سبحان اللّه» خمس أو ثلاث مرّات، كما يجزي الاقتصار على الصلاةعلى النبيّ وآله. والأحسن ماوردعن المعصوم (عليه السلام) من الأدعية، بل والأدعية الّتي في القرآن. ويستحبّ فيه الجهر، سواء كانت الصلاة جهريّةً أو إخفاتيّةً، إماما أو منفردا، بل أو مأموما إن لم يسمع الإمام صوته.
        مسألة 3 - لايعتبر رفع اليدين في القنوت على إشكال، فالأحوط عدم تركه.
        مسألة 4 - يجوز الدعاء في القنوت وفي غيره بالملحون - مادّةً أو إعرابا - إن لم يكن فاحشا أو مغيّرا للمعنى؛ وكذا الأذكار المندوبة، والأحوط الترك مطلقا. أمّا الأذكار الواجبة فلا يجوز فيها غير العربيّة الصحيحة.

      • القول في التعقيب

         

        القول في التعقيب

        مسألة 1 - يستحبّ التعقيب بعد الفراغ من الصلاة ولو نافلةً، وفي الفريضة آكد، خصوصا في الغداة. والمراد به الاشتغال بالدعاء والذكر والقرآن ونحو ذلك.
        مسألة 2 - يعتبر في التعقيب أن يكون متّصلا بالفراغ من الصلاة على وجه لايشاركه الاشتغال بشي ء آخر يذهب بهيئته عند المتشرّعة كالصنعة ونحوها. والأولى فيه الجلوس في مكانه الّذي صلّى فيه، والاستقبال والطهارة. ولا يعتبر فيه قول مخصوص. والأفضل ماوردعنهم (عليهم السلام): ممّاتضمّنته كتب الأدعية والأخبار.
        ولعلّ أفضلها تسبيح الصدّيقة الزهراء (سلام اللّه عليها). وكيفيّته على الأحوط أربع وثلاثون تكبيرة، ثمّ ثلاث وثلاثون تحميدة، ثمّ ثلاث وثلاثون تسبيحة. ولو شكّ في عددها يبني على الأقلّ إن لم يتجاوز المحلّ؛ فلو سها فزاد على عدد التكبير أو غيره رفع اليد عن الزائد وبنى على الأربع وثلاثين أو الثلاث وثلاثين، والأولى أن يبني على نقص واحدة ثمّ يكمّل العدد بها في التكبير والتحميد دون التسبيح.
        ومن التعقيبات قول: «لا إِلهَ إلّا اللّهُ وَحْدَهُ وَحْدَهُ، أَنْجَزَ وَعْدَهُ، وَنَصَرَ عَبْدَهُ، وَأَعَزّ جُنْدَهُ، وَغَلَبَ الأَحْزابَ وَحْدَهُ، فَلَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ، يُحْيِي وَيُمِيتُ، وَهُوَ عَلى كُلّ شَيْ ءٍ قَدِيرٌ».
        ومنها: قول: «أَللّهُمّ صَلّ عَلَى مُحَمّدٍ وَآلِ مُحَمّدٍ، وَأَجِرْني مِنَ النّارِ، وَارْزُقْنِي الْجَنّةَ، وَزَوّجْنِي مِنَ الْحُورِالْعِينِ».
        ومنها: قول: «أَللّهُمّ اهْدِنِي مِنْ عِنْدِكَ، وَأَفِضْ عَلَيّ مِنْ فَضْلِكَ، وَانْشُرْ عَلَيّ مِنْ رَحْمَتِكَ، وَأنْزِلْ عَلَيّ مِنْ بَرَكاتِكَ».
        ومنها: قول: «أَعُوذُ بِوَجْهِكَ الْكَرِيمِ، وَعِزّتِكَ الّتِي لَا تُرامُ، وَقُدْرَتِكَ الّتِي لَا يَمْتَنِعُ مِنْها شَيْ ءٌ، مِنْ شَرّ الدّنْيا وَالْآخِرَةِ، وَمِنْ شَرّ الْأَوْجَاعِ كُلّها، وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوّةَ إِلّا بِاللّهِ الْعَلِيّ الْعَظِيمِ».
        ومنها: قول: «أَللّهُمّ إِنّي أَسْأَلُكَ مِنْ كُلّ خَيْرٍ أَحاطَ بِهِ عِلْمُكَ، وَأَعُوذُبِكَ مِنْ كُلّ شَرّ أَحَاطَ بِهِ عِلْمُكَ، أَللّهُمّ إِنّي أَسْأَلُكَ عافِيَتَكَ فِي أُمُورِي كُلّها، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ خِزْيِ الدّنْيا وَعَذابِ الْاخِرَةِ».
        ومنها: قول: «سبحان اللّه والحمدللّه ولاإله إلّااللّه واللّه أكبر» مائة مرّة أو ثلاثين.
        ومنها: قراءة آية الكرسيّ والفاتحة وآية «شَهِدَ اللّهُ أَنّهُ لَا إِلهَ إِلّا هُوَ» وآية «قُلِ اللّهُمّ مَالِكَ الْمُلْكِ».
        ومنها: الإقرار بالنبيّ والأئمّة عليهم الصلاة والسلام.
        ومنها: سجود الشكر، وقد مرّ كيفيّته سابقا.

    • القول في مبطلات الصلاة

       

      القول في مبطلات الصلاة

      وهي اُمور:
      أحدها: الحدث الأصغر والأكبر، فإنّه مبطل لها أينما وقع فيها ولو عند الميم من التسليم على الأقوى، عمدا أو سهوا أو سبقا، عدا المسلوس والمبطون والمستحاضة على ما مرّ.
      ثانيها: التكفير. وهو وضع إحدى اليدين على الاُخرى نحو ما يصنعه غيرنا. وهو مبطل عمدا على الأقوى، لا سهوا وإن كان الأحوط فيه الإعادة. ولا بأس به حال التقيّة.
      ثالثها: الالتفات بكلّ البدن إلى الخلف أو اليمين أو الشمال، بل وما بينهما على وجه يخرج به عن الاستقبال، فإنّ تعمّد ذلك كلّه مبطل لها، بل الالتفات بكلّ البدن بما يخرج به عمّا بين المشرق والمغرب مبطل حتّى مع السهو أو القسر ونحوهما. نعم، لا يبطل الالتفات بالوجه يمينا وشمالا مع بقاء البدن مستقبلا إذا كان يسيرا، إلّا أنّه مكروه. وأمّا إذا كان فاحشا بحيث يجعل صفحة وجهه بحذاء يمين القبلة أو شمالها فالأقوى كونه مبطلا.
      رابعها: تعمّد الكلام ولو بحرفين مهملين، بأن استعمل اللفظ المهمل المركّب من حرفين في معنىً كنوعه وصنفه، فإنّه مبطل على الأقوى، ومع عدمه كذلك على الأحوط. وكذا الحرف الواحد المستعمل في المعنى كقوله: «ب» مثلا رمزا إلى أوّل بعض الأسماء بقصد إفهامه، بل لا يخلو إبطاله من قوّة؛ فالحرف المفهم مطلقا - وإن لم يكن موضوعا - إن كان بقصد الحكاية لا تخلو مبطليّته من قوّة؛ كما أنّ اللفظ الموضوع إذا تلفّظ به لا بقصد الحكاية وكان حرفا واحدا لا يبطل على الأقوى؛ وإن كان حرفين فصاعدا فالأحوط مبطليّته ما لم يصل إلى حدّ محو اسم الصلاة، وإلّا فلا شبهة فيها حتّى مع السهو. وأمّا التكلّم في غير هذه الصورة فغير مبطل مع السهو؛ كما أنّه لا بأس بردّ سلام التحيّة، بل هو واجب. ولو تركه واشتغل بالقراءة ونحوها لا تبطل الصلاة، فضلا عن السكوت بمقداره، لكن عليه إثم ترك الواجب خاصّة.
      مسألة 1 - لا بأس بالذكر والدعاء وقراءة القرآن - غير ما يوجب السجود - في جميع أحوال الصلاة. والأقوى إبطال مطلق مخاطبة غير اللّه حتّى في ضمن الدعاء، بأن يقول: «غفر اللّه لك» وقوله: «صبّحك اللّه بالخير» إذا قصد الدعاء، فضلا عمّا إذا قصد التحيّة به. وكذا الابتداء بالتسليم.
      مسألة 2 - يجب ردّ السلام في أثناء الصلاة بتقديم السلام على الظرف وإن قدّم المسلّم الظرف على السلام على الأقوى. والأحوط مراعاة المماثلة في التعريف والتنكير والإفراد والجمع وإن كان الأقوى عدم لزومها. وأمّا في غيرالصلاة فيستحبّ الردّ بالأحسن، بأن يقول في جواب «سلام عليكم» مثلا: «عليكم السلام و رحمة اللّه وبركاته».
      مسألة 3 - لو سلّم بالملحون بحيث لم يخرج عن صدق سلام التحيّة يجب الجواب صحيحا، وإن خرج عنه لا يجوز في الصلاة ردّه.
      مسألة 4 - لو كان المسلّم صبيّا مميّزا يجب ردّه. والأحوط عدم قصد القرآنيّة، بل عدم جوازه قويّ.
      مسألة 5 - لو سلّم على جماعة كان المصلّي أحدهم فالأحوط له عدم الردّ إن كان غيره يردّه. وإذا كان بين جماعة فسلّم واحد عليهم وشكّ في أنّه قصده أم لا؟ لا يجوز له الجواب.
      مسألة 6 - يجب إسماع ردّ السلام في حال الصلاة وغيرها، بمعنى رفع الصوت به على المتعارف بحيث لو لم يكن مانع عن السماع لسمعه. وإذا كان المسلّم بعيدا لا يمكن إسماعه الجواب لا يجب جوابه على الظاهر، فلا يجوز ردّه في الصلاة. وإذا كان بعيدا بحيث يحتاج إسماعه إلى رفع الصوت يجب رفعه،إلّا إذا كان حرجيّا فيكتفي بالإشارة مع إمكان تنبّهه عليها على الأحوط. وإذا كان في الصلاة ففي وجوب رفعه وإسماعه تردّد، والأحوط الجواب بالإشارة مع الإمكان. وإذا كان المسلّم أصمّ فإن أمكن أن ينبّهه على الجواب ولو بالإشارة لايبعد وجوبه مع الجواب على المتعارف، وإلّا يكفي الجواب كذلك من غير إشارة.
      مسألة 7 - تجب الفوريّة العرفيّة في الجواب؛ فلا يجوز تأخيره على وجه لايصدق معه الجواب وردّ التحيّة؛ فلو أخّره عصيانا أو نسيانا أو لعذر إلى ذلك الحدّ سقط، فلا يجوز في حال الصلاة ولا يجب في غيرها؛ ولو شكّ في بلوغ التأخير إلى ذلك الحدّ فكذلك لا يجوز فيها ولا يجب في غيرها.
      مسألة 8 - الابتداء بالسلام مستحبّ كفائيّ، كما أنّ ردّه واجب كفائيّ؛ فلو دخل جماعة على جماعة يكفي في الوظيفة الاستحبابيّة تسليم شخص واحد من الواردين وجواب شخص واحد من المورود عليهم.
      مسألة 9 - لو سلّم شخص على أحد شخصين ولم يعلما أنّه أيّهما أراد لايجب الردّ على واحد منهما، ولا يجب عليهما الفحص والسؤال، وإن كان الأحوط الردّ من كلّ منهما إذا كانا في غير حال الصلاة.
      مسألة 10 - لو سلّم شخصان كلّ على الآخر يجب على كلّ منهما ردّ سلام الآخر حتّى من وقع سلامه عقيب سلام الآخر. ولو انعكس الأمر بأن سلّم كلّ منهما بعنوان الردّ بزعم أنّه سلّم عليه لا يجب على واحد منهما ردّ الآخر. ولو سلّم شخص على أحد بعنوان الردّ بزعم أنّه سلّم مع أنّه لم يسلّم عليه وتنبّه على ذلك المسلّم عليه لم يجب ردّه على الأقوى وإن كان أحوط، بل الاحتياط حسن في جميع الصور.
      خامسها: القهقهة ولو اضطرارا. نعم، لا بأس بالسهويّة، كما لا بأس بالتبسّم ولو عمدا. والقهقهة هي الضحك المشتمل على الصوت والترجيع. ويلحق بها حكما على الأحوط المشتمل على الصوت. ولو اشتمل عليه أو على الترجيع أيضا تقديرا - كمن منع نفسه عنه إلّا أنّه قد امتلأ جوفه ضحكا واحمرّ وجهه وارتعش مثلا - فلا يبطلها إلّا مع محو الصورة.
      سادسها: تعمّد البكاء بالصوت لفوات أمر دنيويّ ، دون ما كان منه للسهو عن الصلاة، أو على أمر اُخرويّ، أو طلب أمر دنيويّ من اللّه تعالى خصوصا إذا كان المطلوب راجحا شرعا، فإنّه غير مبطل. وأمّا غير المشتمل على الصوت فالأحوط فيه الاستيناف وإن كان عدم إبطاله لا يخلو من قوّة. ومن غلب عليه البكاء المبطل قهرا فالأحوط الاستيناف بل وجوبه لا يخلو من قوّة. وفي جواز البكاء على سيّد الشهداء - أرواحنا فداه - تأمّل وإشكال، فلا يترك الاحتياط.
      سابعها: كلّ فعلٍ ماحٍ لها مُذهب لصورتها على وجه يصحّ سلب الاسم عنها وإن كان قليلا ، فإنّه مبطل لها عمدا و سهوا. أمّا غير الماحي لها: فإن كان مفوّتا للموالاةفيها - بمعنى المتابعةالعرفيّة - فهومبطل مع العمد على الأحوط دون السهو، وإن لم يكن مفوّتا لها فعمده غيرمبطل، فضلا عن سهوه وإن كان كثيرا، كحركة الأصابع، والإشارة باليد أو غيرها لنداء أحد، وقتل الحيّة والعقرب، وحمل الطفل ووضعه وضمّه وإرضاعه، ونحو ذلك ممّا هو غيرمناف للموالاة ولا ماحٍ للصورة.
      ثامنها: الأكل والشرب وإن كانا قليلين على الأحوط. نعم، لابأس بابتلاع ذرّات بقيت في الفم أو بين الأسنان، والأحوط الاجتناب عنه. ولا يترك الاحتياط بالاجتناب عن إمساك السكّر ولو قليلا في الفم ليذوب وينزل شيئا فشيئا وإن لم يكن ماحيا للصورة ولا مفوّتا للموالاة.
      ولا فرق في جميع ما سمعته من المبطلات بين الفريضة والنافلة، إلّا الالتفات في النافلة مع إتيانها حال المشي، وفي غيرها الأحوط الإبطال، وإلّا العطشان المتشاغل بالدعاء في الوتر العازم على صوم ذلك اليوم إن خشي مفاجأة الفجر وكان الماء أمامه واحتاج الى خطوتين أو ثلاث، فإنّه يجوز له التخطّي والشرب حتّى يروي وإن طال زمانه لو لم يفعل غير ذلك من منافيات الصلاة، حتّى إذا أراد العود إلى مكانه رجع القهقرى لئلّا يستدبر القبلة. والأقوى الاقتصار على خصوص شرب الماء، دون الأكل ودون شرب غيره وإن قلّ زمانه؛ كما أنّ الأحوط الاقتصار على خصوص الوتر دون سائر النوافل. ولا يبعد عدم الاقتصار على حال الدعاء، فيلحق بها غيرها من أحوالها وإن كان الأحوط الاقتصار عليها. وأحوط منه الاقتصار على ما إذا حدث العطش بين الاشتغال بالوتر؛ بل الأقوى عدم استثناء من كان عطشانا فدخل في الوتر ليشرب بين الدعاء قُبيل الفجر.
      تاسعها: تعمّد قول «آمين» بعد إتمام الفاتحة إلّا مع التقيّة، فلابأس به كالساهي.
      عاشرها: الشكّ في عدد غير الرباعيّة من الفرائض، والاُوليين منها على ما يأتي في محلّه إن شاء اللّه تعالى.
      حادي عشرها: زيادة جزء أو نقصانه مطلقا إن كان ركنا، وعمدا إن كان غيره.
      مسألة 11 - يكره في الصلاة - مضافا إلى ما سمعته سابقا - نفخ موضع السجود إن لم يحدث منه حرفان، وإلّا فالأحوط الاجتناب عنه، والتأوّه والأنين والبصاق بالشرط المذكور والاحتياط المتقدّم، والعبث وفرقعة الأصابع والتمطّي والتثاؤب الاختياريّ، ومدافعة البول والغائط ما لم تصل إلى حدّ الضرر، وإلّا فيجتنب وإن كانت الصلاة صحيحة مع ذلك.
      مسألة 12 - لا يجوز قطع الفريضة اختيارا. وتُقطع للخوف على نفسه أو نفس محترمة أو عرضه أو ماله المعتدّ به ونحو ذلك، بل قد يجب القطع في بعض تلك الأحوال، لكن لو عصى فلم يقطعها أثم وصحّت صلاته. والأحوط عدم جواز قطع النافلة أيضا اختيارا وإن كان الأقوى جوازه.

    • القول في صلاة الآيات

       

      القول في صلاة الآيات

      مسألة 1 - سبب هذه الصلاة كسوف الشمس وخسوف القمر ولو بعضهما، والزلزلة، وكلّ آية مخوّفة عند غالب الناس، سماويّةً كانت كالريح السوداء أو الحمراء أو الصفراء غير المعتادة، والظلمة الشديدة، والصيحة، والهدّة، والنار الّتي قد تظهر في السماء، وغير ذلك؛ أو أرضيّةً - على الأحوط فيها - كالخسف ونحوه. ولا عبرة بغير المخوّف ولا بخوف النادر من الناس. نعم، لا يعتبر الخوف في الكسوفين والزلزلة، فيجب الصلاة فيها مطلقا.
      مسألة 2 - الظاهر أنّ المدار في كسوف النيّرين صدق اسمه وإن لم يستند إلى سببيه المتعارفين من حيلولة الأرض والقمر، فيكفي انكسافهما ببعض الكواكب الاُخر أو بسبب آخر. نعم، لو كان قليلا جدّا بحيث لا يظهر للحواسّ المتعارفة وإن أدركه بعض الحواسّ الخارقة أو يدرك بواسطة بعض الآلات المصنوعة فالظاهر عدم الاعتبار به وإن كان مستندا إلى أحد سببيه المتعارفين؛ وكذا لا اعتبار به لو كان سريع الزوال كمرور بعض الأحجار الجوّيّة عن مقابلهما بحيث ينطمس نورهما عن البصر وزال بسرعة.
      مسألة 3 - وقت أداء صلاة الكسوفين من حين الشروع إلى الشروع في الانجلاء. ولا يترك الاحتياط بالمبادرة إليها قبل الأخذ في الانجلاء. ولو أخّر عنه أتى بها لا بنيّة الأداء والقضاء بل بنيّة القربة المطلقة. وأمّا في الزلزلة ونحوهإ؛ن مظظ ممّا لاتسع وقتها للصلاة غالبا - كالهدّة والصيحة - فهي من ذوات الأسباب لاالأوقات، فتجب حال الآية، فإن عصى فبعدها طول العمر، والكلّ أداء.
      مسألة 4 - يختصّ الوجوب بمن في بلد الآية، فلا تجب على غيرهم. نعم، يقوى إلحاق المتّصل بذلك المكان ممّا يعدّ معه كالمكان الواحد.
      مسألة 5 - تثبت الآية وكذا وقتها ومقدار مكثها بالعلم وشهادة العدلين، بل وبالعدل الواحد على الأحوط، وبإخبار الرصديّ الّذي يطمأنّ بصدقه أيضا على الأحوط لو لم يكن الأقوى.
      مسألة 6 - تجب هذه الصلاة على كلّ مكلّف. والأقوى سقوطها عن الحائض والنفساء، فلا قضاء عليهما في الموقّتة، ولا يجب أداء غيرها. هذا في الحيض والنفاس المستوعبين، وأمّا غيره ففيه تفصيل، والاحتياط حسن.
      مسألة 7 - من لم يعلم بالكسوف إلى تمام الانجلاء ولم يحترق جميع القرص لم يجب عليه القضاء. أمّا إذا علم به وتركها ولو نسيانا أو احترق جميع القرص وجب القضاء. وأمّا في سائرالآيات فمع التأخير متعمّدا أو لنسيان يجب الإتيان بها مادام العمر؛ ولو لم يعلم بها حتّى مضى الزمان المتّصل بالآية فالأحوط الإتيان بها وإن لا يخلو عدم الوجوب من قوّة.
      مسألة 8 - لو أخبر جماعة غير عدول بالكسوف ولم يحصل له العلم بصدقهم وبعد مضيّ الوقت تبيّن صدقهم فالظاهر إلحاقه بالجهل، فلا يجب القضاء مع عدم احتراق جميع القرص. وكذا لو أخبر شاهدان ولم يعلم عدالتهما ثمّ ثبتت عدالتهما بعد الوقت؛ لكنّ الأحوط القضاء خصوصا في الصورة الثانية، بل لايترك فيها.
      مسألة 9 - صلاة الآيات ركعتان في كلّ واحدة منهما خمسة ركوعات فيكون المجموع عشرة. وتفصيله بأن يُحرم مع النيّة كما في الفريضة، ثمّ يقرأ الفاتحة وسورة، ثمّ يركع، ثمّ يرفع رأسه، ثمّ يقرأ الحمد وسورة، ثمّ يركع، ثمّ يرفع رأسه ويقرأ، وهكذا حتّى يتمّ خمسا على هذا الترتيب، ثمّ يسجد سجدتين بعد رفع رأسه من الركوع الخامس، ثمّ يقوم ويفعل ثانيا كما فعل أوّلا، ثمّ يتشهّد ويسلّم. ولا فرق في السورة بين كونها متّحدة في الجميع أو متغايرة.
      ويجوز تفريق سورة كاملة على الركوعات الخمسة من كلّ ركعة، فيقرأ بعد تكبيرةالإحرام الفاتحة، ثمّ يقرأ بعدها آية من سورة أو أقلّ أو أكثر، ثمّ يركع، ثم يرفع رأسه ويقرأ بعضا آخر من تلك السورة متّصلا بما قرأه منها أوّلا، ثمّ يركع، ثمّ يرفع رأسه ويقرأ بعضا آخر منها كذلك، وهكذا إلى الركوع الخامس حتّى يُتمّ سورةً ثمّ يركع الخامس ثمّ يسجد؛ ثمّ يقوم إلى الثانية ويصنع كما صنع في الركعة الاُولى، فيكون في كلّ ركعة الفاتحة مرّة مع سورة تامّة متفرّقة؛ ويجوز الإتيان في الركعة الثانية بالسورة المأتيّة في الاُولى وبغيرها. ولا يجوز الاقتصار على بعض سورة في تمام الركعة؛ كما أنّه في صورة تفريق السورة على الركوعات لا تشرع الفاتحة إلّا مرّة واحدة في القيام الأوّل، إلّا إذا أكمل السورة في القيام الثاني أو الثالث مثلا، فإنّه تجب عليه في القيام اللاحق بعد الركوع قراءة الفاتحة ثمّ سورة أو بعضها، وهكذا كلّما ركع عن تمام السورة وجبت الفاتحة في القيام منه؛ بخلاف ما لو ركع عن بعضها، فإنّه يقرأ من حيث قطع، ولا يعيد الحمد كما عرفت. نعم، لو ركع الركوع الخامس عن بعض السورة فسجد ثمّ قام للثانية فالأقوى وجوب الفاتحة ثمّ القراءة من حيث قطع؛ لكن لا ينبغي ترك الاحتياط بالركوع الخامس عن آخر السورة وافتتاح سورة في الثانية بعد الحمد.
      مسألة 10 - يعتبر في صلاة الآيات ما يعتبر في الفرائض اليوميّة من الشرائط وغيرها وجميع ما عرفته وتعرفه: من واجب وندب في القيام والقعود والركوع والسجود وأحكام السهو والشكّ في الزيادة والنقيصة بالنسبة إلى الركعات وغيرها؛ فلو شكّ في عدد ركعتيها بطلت كما في كلّ فريضة ثنائيّة، فإنّها منها وإن اشتملت ركعتها على خمسة ركوعات؛ ولو نقص ركوعا منها أوزاده عمدا أو سهوا بطلت، لأنّها أركان، وكذا القيام المتّصل بها. ولو شكّ في ركوعها يأتي به ما دام في المحلّ، ويمضي إن خرج عنه، ولا تبطل إلّا إذا بان بعد ذلك النقصان أو الزيادة أو رجع شكّه فيه إلى الشكّ في الركعات، كما إذا لم يعلم أنّه الخامس فيكون آخر الركعة الاُولى أو السادس فيكون أوّل الركعة الثانية.
      مسألة 11 - يستحبّ فيها الجهر بالقراءة ليلا أو نهارا حتّى صلاة كسوف الشمس، والتكبير عند كلّ هويّ للركوع وكلّ رفع منه، إلّا في الرفع من الخامس والعاشر، فإنّه يقول: «سمع اللّه لمن حمده» ثمّ يسجد. ويستحبّ فيها التطويل خصوصا في كسوف الشمس،وقراءة السورالطوال ك«يس» و«الروم» و«الكهف» ونحوها، وإكمال السورة في كلّ قيام، والجلوس في المصلّى مشتغلا بالدعاء والذكر إلى تمام الانجلاء، أو إعادة الصلاة إذا فرغ منها قبل تمام الانجلاء. ويستحبّ فيها في كلّ قيامٍ ثانٍ بعد القراءة قنوت، فيكون في مجموع الركعتين خمسة قنوتات؛ ويجوز الاجتزاء بقنوتين: أحدهما قبل الركوع الخامس لكن يأتي به رجاءً، والثاني قبل العاشر؛ ويجوز الاقتصار على الأخير منها.
      مسألة 12 - يستحبّ فيها الجماعة. ويتحمّل الإمام عن المأموم القراءة خاصّة كما في اليوميّة، دون غيرها من الأفعال والأقوال. والأحوط للمأموم الدخول في الجماعة قبل الركوع الأوّل أو فيه من الركعة الاُولى أو الثانية حتّى ينتظم صلاته.

    • القول في الخلل الواقع في الصلاة

       

      القول في الخلل الواقع في الصلاة

      مسألة 1 - من أخلّ بالطهارة من الحدث بطلت صلاته مع العمد والسهو والعلم والجهل؛ بخلاف الطهارة من الخبث، كما مرّ تفصيل الحال فيها وفي غيرها من الشرائط كالوقت والاستقبال والستر وغيرها. ومن أخلّ بشي ء من واجبات صلاته عمدا ولو حركةً من قراءتها وأذكارها الواجبة بطلت. وكذا إن زاد فيها جزءا متعمّدا قولا أو فعلا، من غير فرق بين الركن وغيره، بل ولا بين كونه موافقا لأجزائها أو مخالفا وإن كان الحكم في المخالف بل وفي غير الجزء الركنيّ لايخلو من تأمّل وإشكال. ويعتبر في تحقّق الزيادة في غير الأركان الإتيان بالشي ء بعنوان أنّه من الصلاة أو أجزائها؛ فليس منها الإتيان بالقراءة والذكر والدعاء في أثنائها إذا لم يأت بها بعنوان أنّها منها؛ فلابأس بها ما لم يحصل بها المحو للصورة؛ كما لابأس بتخلّل الأفعال المباحة الخارجيّة كحكّ الجسد ونحوه لو لم يكن مفوّتا للموالاة أو ماحيا للصورة كما مرّ سابقا.
      وأمّا الزيادة السهويّة فمن زاد ركعةً أو ركنا من ركوع أو سجدتين من ركعة أو تكبيرةالإحرام سهوا بطلت صلاته على إشكال في الأخير. وأمّا زيادة القيام الركنيّ فلا تتحقّق إلّا مع زيادة الركوع أو تكبيرة الإحرام. وأمّا النيّة فبناءً على أنّها الداعي لا تتصوّر زيادتها، وعلى القول بالإخطار لا تضرّ. وزيادة غيرالأركان سهوا لا تبطل وإن أوجبت سجدتي السهو على الأحوط كما سيأتي.
      مسألة 2 - من نقص شيئا من واجبات صلاته سهوا ولم يذكره إلّا بعد تجاوز محلّه فإن كان ركنا بطلت صلاته، وإلّا صحّت وعليه سجود السهو على تفصيل يأتي في محلّه. وقضاء الجزء المنسيّ بعد الفراغ منها إن كان المنسيّ التشهّد أو إحدى السجدتين. ولا يقضي من الأجزاء المنسيّة غيرهما. ولو ذكره في محلّه تداركه وإن كان ركنا، وأعاد ما فعله ممّا هو مترتّب عليه بعده.
      والمراد بتجاوز المحلّ الدخول في ركن آخر بعده، أو كون محلّ إتيان المنسيّ فعلا خاصّا وقد جاوز محلّ ذلك الفعل، كالذكر في الركوع والسجود إذا نسيه وتذكّر بعد رفع الرأس منهما؛ فمن نسي الركوع حتّى دخل في السجدة الثانية أو نسي السجدتين حتّى دخل في الركوع من الركعة اللاحقة بطلت صلاته؛ بخلاف ما لو نسي الركوع وتذكّر قبل أن يدخل في السجدة الاُولى أو نسي السجدتين وتذكّر قبل الركوع رجع وأتى بالمنسيّ، وأعاد ما فعله سابقا ممّا هو مترتّب عليه.
      ولو نسي الركوع وتذكّر بعد الدخول في السجدة الاُولى فالأحوط أن يرجع ويأتي بالمنسيّ وما هو مترتّب عليه، ويعيد الصلاة بعد إتمامها. ومن نسي القراءة أو الذكر أو بعضهما أو الترتيب فيهما وذكر قبل أن يصل إلى حدّ الركوع تدارك ما نسيه وأعاد ما هو مترتّب عليه. ومن نسي القيام أو الطمأنينة في القراءة أو الذكر وذكر قبل الركوع فالأحوط إعادتهما بقصد القربة المطلقة لا الجزئيّة.
      نعم، لو نسي الجهر أو الإخفات في القراءة فالظاهر عدم وجوب تلافيهما وإن كان الأحوط التدارك سيّما إذا تذكّر في الأثناء، فإنّه لا ينبغي له ترك الاحتياط بالإتيان بقصد القربة المطلقة. ومن نسي الانتصاب من الركوع أو الطمأنينة فيه وذكر قبل الدخول في السجود انتصب مطمئنّا، لكن بقصد الاحتياط والرجاء في نسيان الطمأنينة، ومضى في صلاته. ومن نسي الذكر في السجود أو الطمأنينة فيه أو وضع أحد المساجد حاله وذكر قبل أن يخرج عن مسمّى السجود أتى بالذكر، لكن في غير نسيان الذكر يأتي به بقصد القربة المطلقة لا الجزئيّة. ولو ذكر بعد رفع الرأس فقد جاز محلّ التدارك فيمضي في صلاته. ومن نسي الانتصاب من السجود الأوّل أو الطمأنينة فيه وذكر قبل الدخول في مسمّى السجود الثاني انتصب مطمئنّا ومضى فيها، لكن في نسيان الطمأنينة يأتي رجاءً واحتياطا. ولو ذكر بعد الدخول في السجدة الثانية فقد جاز محلّ التدارك فيمضي فيها.
      ومن نسي السجدة الواحدة أو التشهّد أو بعضه وذكر قبل الوصول إلى حدّالركوع أو قبل التسليم إن كان المنسيّ السجدة الأخيرة أو التشهّد الأخير يتدارك المنسيّ ويعيد ما هو مترتّب عليه. ولو نسي سجدةً واحدةً أو التشهّد من الركعة الأخيرة وذكر بعد التسليم: فإن كان بعد فعل ما يبطل الصلاة عمدا وسهوا كالحدث فقد جاز محلّ التدارك، وإنّما عليه قضاء المنسيّ وسجدتا السهو؛ وإن كان قبل ذلك فالأحوط في صورة نسيان السجدة الإتيان بها من دون تعيين للأداء والقضاء، ثمّ بالتشهّد والتسليم احتياطا، ثمّ سجدتي السهو احتياطا، وفي صورة نسيان التشهّد الإتيان به كذلك، ثمّ بالتسليم وسجدتي السهو احتياطا وإن كان الأقوى فوت محلّ التدارك فيهما بعد التسليم مطلقا، وعليه قضاء المنسيّ وسجدتا السهو. ومن نسي التسليم وذكره قبل حصول ما يبطل الصلاة عمدا وسهوا تداركه، فإن لم يتداركه بطلت صلاته، وكذا لو لم يتدارك ما ذكره في المحلّ على ما تقدّم.
      مسألة 3 - من نسي الركعة الأخيرة - مثلا - فذكرها بعد التشهّد قبل التسليم قام وأتى بها، ولو ذكرها بعده قبل فعل ما يبطل سهوا قام وأتمّ أيضا، ولو ذكرها بعده استأنف الصلاة من رأس، من غير فرق بين الرباعيّة وغيرها؛ وكذا لو نسي أكثر من ركعة؛ وكذا يستأنف لو زاد ركعة قبل التسليم بعد التشهّد أو قبله.
      مسألة 4 - لو علم إجمالا - قبل أن يتلبّس بتكبير الركوع على فرض الإتيان به وقبل الهويّ إلى الركوع على فرض عدمه - إمّا بفوات سجدتين من الركعة السابقة أو القراءة من هذه الركعة يكتفي بالإتيان بالقراءة على الأقوى. وكذا لوحصل له ذلك بعد الشروع في تكبير القنوت أو بعد الشروع فيه أو بعده، فيكتفي بالقراءة على الأقوى، لكن لا ينبغي ترك الاحتياط بإعادة الصلاة.
      مسألة 5 - لو علم بعد الفراغ أنّه ترك سجدتين ولم يدر أنّهما من ركعة أو ركعتين فالأحوط أن يأتي بقضاء سجدتين، ثمّ بسجدتي السهو مرّتين، ثمّ أعاد الصلاة. وكذا لو كان في الأثناء لكن بعد الدخول في الركوع. وأمّا لو كان قبل الدخول فيه فله صور لا يسع المجال بذكرها.
      مسألة 6 - لو علم بعد القيام إلى الثالثة أنّه ترك التشهّد ولا يدري أنّه ترك السجدة أيضا أم لا فلايبعد جوازالاكتفاء بالتشهّد، والأحوط إعادة الصلاة مع ذلك.

    • القول في الشك
    •  

      القول في الشكّ

      وهو إمّا في أصل الصلاة، وإمّا في أجزائها، وإمّا في ركعاتها:
      مسألة 1 - من شكّ في الصلاة فلم يدر أنّه صلّى أم لا: فإن كان بعد مضيّ الوقت لم يلتفت وبنى على الإتيان بها، وإن كان قبله أتى بها. والظنّ بالإتيان وعدمه هنا بحكم الشكّ.
      مسألة 2 - لو علم أنّه صلّى العصر ولم يدر أنّه صلّى الظهر أيضا أم لا فالأحوط بل الأقوى وجوب الإتيان بها، حتّى في ما لو لم يبق من الوقت إلّا مقدار الاختصاص بالعصر. نعم، لو لم يبق إلّا هذا المقدار وعلم بعدم الإتيان بالعصر وكان شاكّا في الإتيان بالظهر أتى بالعصر ولم يلتفت إلى الشكّ. وأمّا لو شكّ في إتيان العصر في الفرض فيأتي به، والأحوط قضاء الظهر. وكذا الحال في ما مرّ بالنسبة إلى العشاءين.
      مسألة 3 - إن شكّ في بقاء الوقت وعدمه يلحقه حكم البقاء.
      مسألة 4 - لو شك في أثناء صلاة العصر في أنّه صلّى الظهر أم لا: فإن كان في وقت الاختصاص بالعصر بنى على الإتيان بالظهر، وإن كان في وقت المشترك بنى على عدم الإتيان بها، فيعدل إليها.
      مسألة 5 - لو علم أنّه صلّى إحدى الصلاتين من الظهر أو العصر ولم يدر المعيّن منهما: فإن كان في الوقت المختصّ بالعصر يأتي به، والأحوط قضاء الظهر، وإن كان في الوقت المشترك أتى بأربع ركعات بقصد ما في الذمّة. ولو علم أنّه صلّى إحدى العشاءين ففي الوقت المختصّ بالعشاء يأتي به ويقضي المغرب احتياطا، وفي الوقت المشترك يأتي بهما.
      مسألة 6 - إنّما لا يعتني بالشكّ في الصلاة بعد الوقت، ويبني على إتيانها في ما إذا كان حدوثه بعده؛ فإذا شكّ فيها في أثناء الوقت ونسي الإتيان بها حتّى خرج الوقت وجب قضاؤها.
      مسألة 7 - لو شكّ في الإتيان واعتقد أنّه خارج الوقت ثمّ تبيّن بعده أنّ شكّه كان في أثنائه قضاها. بخلاف العكس، بأن اعتقد حال الشكّ أنّه في الوقت فترك الإتيان بها عمدا أو سهوا ثمّ تبيّن أنّه كان خارج الوقت فليس عليه القضاء.
      مسألة 8 - حكم كثير الشكّ في الإتيان بالصلاة وعدمه حكم غيره، فيجري فيه التفصيل بين كونه في الوقت وخارجه. وأمّا الوسواسيّ فالظاهر أنّه لا يعتني بالشكّ وإن كان في الوقت.

      • القول في الشكّ في شي ء من أفعال الصلاة

         

        القول في الشكّ في شي ء من أفعال الصلاة

        مسألة 1 - من شكّ في شي ء من أفعال الصلاة: فإن كان قبل الدخول في غيره ممّا هو مترتّب عليه وجب الإتيان به، كما إذا شكّ في تكبيرة الإحرام قبل أن يدخل في القراءة حتّى الاستعاذة، أو في الحمد قبل الدخول في السورة، أو فيها قبل الأخذ في الركوع، أو فيه قبل الهويّ إلى السجود، أو فيه قبل القيام أو الدخول في التشهّد؛ وإن كان بعد الدخول في غيره ممّا هو مترتّب عليه وإن كان مندوبا لم يلتفت وبنى على الإتيان به، من غير فرق بين الأوّلتين والأخيرتين؛ فلا يلتفت إلى الشكّ في الفاتحة وهو آخذ في السورة، ولا فيها وهو في القنوت، ولا في الركوع أو الانتصاب منه وهو في الهويّ للسجود، ولا في السجود وهو قائم أو في التشهّد، ولا فيه وهو قائم، بل وهو آخذ في القيام على الأقوى. نعم، لو شكّ في السجود في حال الأخذ في القيام يجب التدارك.
        مسألة 2 - الأقوى في البناء على الإتيان - وعدم الاعتناء بالشكّ - بعد الدخول في الغير عدمُ الفرق بين أن يكون الغير من الأجزاء المستقلّة -كالأمثلة المتقدّمة- وبين غيرها، كما إذا شكّ في الإتيان بأوّل السورة وهو في آخرها، أو أوّل الآية وهو في آخرها، بل أوّل الكلمة وهو في آخرها، وإن كان الأحوط الإتيان بالمشكوك فيه بقصد القربة المطلقة.
        مسألة 3 - لو شكّ في صحّة ما وقع وفساده - لا في أصل الوقوع - لم يلتفت وإن كان في المحلّ، وإن كان الاحتياط في هذه الصورة بإعادة القراءة والذكر بنيّة القربة، وفي الركن بإتمام الصلاة ثمّ الإعادة مطلوبا.
        مسألة 4 - لو شكّ في التسليم لم يلتفت إن كان قد دخل في ما هو مترتّب على الفراغ من التعقيب ونحوه، أو في بعض المنافيات أو نحو ذلك ممّا لا يفعله المصلّي إلّا بعد الفراغ؛ كما أنّ المأموم لو شكّ في التكبير مع اشتغاله بفعل مترتّب عليه ولو كان بمثل الإنصات المستحبّ في الجماعة ونحو ذلك لم يلتفت.
        مسألة 5 - ما شكّ فى إتيانه في المحلّ فأتى به ثمّ ذكر أنّه فعله لا يُبطل الصلاة إلّا أن يكون ركنا؛ كما أنّه لو لم يفعله مع التجاوز عنه فبان عدم إتيانه لم يبطل ما لم يكن ركنا ولم يمكن تداركه بأن كان داخلا في ركن آخر، وإلّا تداركه مطلقا.
        مسألة 6 - لو شكّ وهو في فعلٍ أنّه هل شكّ في بعض الأفعال المتقدّمة عليه سابقا أم لا؟ لا يعتني به؛ وكذلك لو شكّ في أنّه هل سها كذلك أم لا؟. نعم، لو شكّ في السهو وعدمه وهو في محلّ تدارك المشكوك فيه يأتي به.

      • القول في الشكّ في عدد ركعات الفريضة

         

        القول في الشكّ في عدد ركعات الفريضة

        مسألة 1 - لا حكم للشكّ المزبور بمجرّد حصوله إن زال بعد ذلك. وأمّا لو استقرّ فهو مفسد للثنائيّة والثلاثيّة والاُوليين من الرباعيّة، وغير مفسد بل له علاج في صور منها بعد إحراز الاُوليين منها، الحاصل برفع الرأس من السجدة الأخيرة، وأمّا مع إكمال الذكر الواجب فيها فالأحوط البناء والعمل بالشكّ ثمّ الإعادة وإن كان الأقوى لزوم الإعادة ومفسديّته:
        الصورة الاُولى: الشكّ بين الاثنتين والثلاث بعد إكمال السجدتين، فيبني على الثلاث ويأتي بالرابعة ويتمّ صلاته، ثمّ يحتاط بركعة من قيام أوركعتين من جلوس؛ والأحوط الأولى الجمع بينهما مع تقديم الركعة من قيام، ثمّ استيناف الصلاة.
        الثانية: الشكّ بين الثلاث والأربع في أيّ موضع كان، فيبني على الأربع؛ وحكمه كالسابق حتّى في الاحتياط، إلّا في تقديم الركعة من قيام.
        الثالثة: الشكّ بين الاثنتين والأربع بعد إكمال السجدتين، فيبني على الأربع ويتمّ صلاته، ثمّ يحتاط بركعتين من قيام.
        الرابعة: الشكّ بين الاثنتين والثلاث والأربع بعد إكمال السجدتين، فيبني على الأربع ويتمّ صلاته، ثمّ يحتاط بركعتين من قيام وركعتين من جلوس؛ والأحوط بل الأقوى تقديم الركعتين من قيام.
        الخامسة: الشكّ بين الأربع والخمس. وله صورتان: إحداهما بعد رفع الرأس من السجدة الأخيرة، فيبني على الأربع ويتشهّد ويسلّم ثمّ يسجد سجدتي السهو. ثانيتهما حال القيام. وهذه مندرجة تحت الشكّ بين الثلاث والأربع حال القيام ولم يدر أنّه ثلاثا صلّى أو أربعا، فيبني على الأربع، ويجب عليه هدمُ القيام والتشهّدُ والتسليمُ وصلاة ركعتين جالسا أو ركعة قائما. وكذا الحال في جميع صور الهدم، فإنّه لا يوجب انقلاب الشكّ، بل هو مقدّمة للتسليم بعد صدق الشكّ بين الركعات حال القيام.
        السادسة: الشكّ بين الثلاث والخمس حال القيام. وهو مندرج في الشكّ بين الاثنتين والأربع، فيجلس ويتمّ الصلاة ويعمل عمل الشكّ.
        السابعة: الشكّ بين الثلاث والأربع والخمس حال القيام. وهو راجع إلى الشكّ بين الاثنتين والثلاث والأربع، فيجلس ويتمّ صلاته ويعمل عمله.
        الثامنة: الشكّ بين الخمس والستّ حال القيام. وهو راجع إلى الشكّ بين الأربع والخمس، فيجلس ويتمّ ويسجد سجدتي السهو مرّتين: مرّةً وجوبا للشكّ المزبور، ومرّةً احتياطا لزيادة القيام، وإن كان عدم وجوبها لزيادته لا يخلو من قوّة. والأحوط في الصور الأربع المتأخّرة استيناف الصلاة مع ذلك.
        مسألة 2 - لو شكّ بين الثلاث والأربع أو بين الثلاث والخمس أو بين الثلاث والأربع والخمس في حال القيام وعلم أنّه ترك سجدة أو سجدتين من الركعة الّتي قام منها بطلت صلاته، لأنّه راجع إلى الشكّ بين الاثنتين والزائدة قبل إكمال السجدتين.
        مسألة 3 - في الشكوك المعتبر فيها إكمال السجدتين لو شكّ في الإكمال وعدمه: فإن كان في المحلّ - أي حال الجلوس قبل القيام أو التشهّد - بطلت صلاته، وإن كان بعد التجاوز عنه ففيه إشكال، لا يترك الاحتياط بالبناء والعمل بالشكّ والإعادة.
        مسألة 4 - الشكّ في الركعات ما عدا الصور المزبورة موجب للبطلان وإن كان الطرف الأقلّ الأربعَ وكان بعد إكمال السجدتين أو كان الشكّ بين الأربع والأقلّ والأكثر بعد إكمالهما، كالشكّ بين الثلاث والأربع والستّ.
        مسألة 5 - لو شكّ بين الاثنتين والثلاث وعمل عمل الشكّ وبعد الفراغ عن صلاة الاحتياط شكّ في أنّ شكّه السابق كان قبل إكمال السجدتين أو بعده يبني على الصحّة ولا يعتني بشكّه. وأمّا لو شكّ في ذلك في أثناء الصلاة أو بعدها وقبل الإتيان بصلاة الاحتياط أو في أثنائها فالأحوطالبناء وعمل الشكّ ثمّ إعادةالصلاة.
        مسألة 6 - لو شكّ بعد الفراغ من الصلاة أنّ شكّه كان موجبا لركعة أو ركعتين فالأحوط الإتيان بهما ثمّ إعادة الصلاة. وكذا لو لم يدر أنّه أيّ شكّ من الشكوك الصحيحة، فإنّه يعيدها بعد العمل بموجب الجميع؛ ويحصل ذلك بالإتيان بركعتين من قيام وركعتين من جلوس وسجود السهو. وكذا لو لم ينحصر المحتملات في الشكوك الصحيحة بل احتمل بعض الوجوه الباطلة، فإنّ الأحوط العمل بموجب الشكوك الصحيحة ثمّ الإعادة.
        مسألة 7 - لو عرض له أحد الشكوك ولم يعلم الوظيفة: فإن لم يسع الوقتُ أو لم يتمكّن من التعلّم في الوقت تعيّن عليه العمل بالراجح من المحتملات لو كان، أو أحدها لو لم يكن، ويتمّ صلاته ويعيدها احتياطا مع سعة الوقت؛ ولو تبيّن بعد ذلك أنّ عمل الشكّ مخالف للواقع يستأنف الصلاة لو لم يأت بها في الوقت؛ وإن اتّسع الوقت وتمكّن من التعلّم فيه يقطع ويتعلّم وإن جاز له إتمام العمل على طبق بعض المحتملات ثمّ التعلّم، فإن كان موافقا اكتفى به، وإلّا أعاد، وإن كان الأحوط الإعادة حتّى مع الموافقة.
        مسألة 8 - لو انقلب شكّه بعد الفراغ إلى شكّ آخر كما إذا شكّ بين الاثنتين والأربع وبعد الصلاة انقلب إلى الثلاث والأربع أو شكّ بين الاثنتين والثلاث والأربع فانقلب إلى الثلاث والأربع فلا يبعد لزوم ركعة متّصلة في الفرع الأوّل وأشباهه، ولزوم عمل الشكّ الثاني في أشباه الفرع الثاني، أي الثلاثيّ الأطراف الّذي خرج أحد الأطراف عن الطرفيّة. هذا إذا لم ينقلب إلى ما يعلم معه بالنقيصة كالمثالين المذكورين. وأمّا إذا انقلب إلى ذلك كما إذا شكّ بين الاثنتين والأربع ثمّ انقلب بعد السلام إلى الاثنتين والثلاث فلا شكّ في أنّ اللازم أن يعمل عمل الشكّ المنقلب إليه، لتبيّن كونه في الصلاة وأنّ السلام وقع في غير محلّه، فيضيف إلى عمل الشكّ الثاني سجدتي السهو للسلام في غير محلّه.
        مسألة 9 - إن شكّ بين الاثنتين والثلاث فبنى على الثلاث ثمّ شكّ بين الثلاث البنائيّ والأربع فالظاهر انقلاب شكّه إلى الشكّ بين الاثنتين والثلاث والأربع، فيعمل عمله.
        مسألة 10 - لو شكّ بين الاثنتين والثلاث فبنى على الثلاث فلمّا أتى بالرابعة تيقّن أنّه حين الشكّ لم يأت بالثلاثة لكن يشكّ أنّه في ذلك الحين أتى بركعة أو ركعتين يرجع شكّه بالنسبة إلى حاله الفعليّ إلى الاثنتين والثلاث، فيعمل عمله.
        مسألة 11 - من كان عاجزا عن القيام وعرض له أحد الشكوك الصحيحة فالظاهر أنّ صلاته الاحتياطيّة القياميّة بالتعيين تصير جلوسيّة، والجلوسيّة بالتعيين تبقى على حالها، وتتعيّن الجلوسيّة الّتي هي إحدى طرفي التخيير؛ ففي الشكّ بين الاثنتين والثلاث أو بين الثلاث والأربع تتعيّن عليه الركعتان من جلوس، وفي الشكّ بين الاثنتين والأربع يأتي بالركعتين جالسا بدلا عنهما قائما، وفي الشكّ بين الاثنتين والثلاث والأربع يأتي بالركعتين جالسا بدلا عنهما قائما ثمّ الركعتين جالسا لكونهما وظيفته، مقدّما للركعتين بدلا على ما هما وظيفته. والأحوط الأولى في الجميع إعادة الصلاة بعد العمل المذكور.
        مسألة 12 - لا يجوز في الشكوك الصحيحة قطع الصلاة واستينافها، بل يجب العمل على طبق وظيفة الشاكّ. نعم، لو أبطلها يجب عليه الاستيناف وصحّت صلاته وإن أثم للإبطال.
        مسألة 13 - في الشكوك الباطلة إذا غفل عن شكّه وأتمّ صلاته ثمّ تبيّن له موافقتها للواقع ففي الصحّة وعدمها وجهان، أوجههما الصحّة في غير الشكّ في الاُوليين، فإنّ الأحوط فيه الإعادة.
        مسألة 14 - لو كان المسافر في أحد مواطن التخيير فنوى القصر وشكّ في الركعات فلا يبعد تعيّن العمل بحكم الشكّ ولزوم العلاج، من غير حاجة إلى نيّة العدول، ولكن لاينبغي ترك الاحتياط بالعمل بالشكّ بعد نيّةالعدول وإعادةالصلاة.
        مسألة 15 - لو شكّ وهو جالس بعد السجدتين بين الاثنتين والثلاث وعلم بعدم إتيان التشهّد في هذه الصلاة فالأقوى وجوب المضيّ بعد البناء على الثلاث وقضاء التشهّد بعد الصلاة. وكذا لو شكّ وهو قائم بين الثلاث والأربع مع علمه بعدم الإتيان بالتشهّد فيبني على الأربع ويمضي ويقضي التشهّد بعدها.

      • القول في الشكوك الّتي لا اعتباربها

         

        القول في الشكوك الّتي لا اعتباربها

        وهي في مواضع:
        منها: الشكّ بعد تجاوز المحلّ، وقد مرّ.
        ومنها: الشكّ بعد الوقت، وقد مرّ أيضا.
        ومنها: الشكّ بعد الفراغ من الصلاة، سواء تعلّق بشروطها أو أجزائها أو ركعاتها، بشرط أن يكون أحد طرفي الشكّ الصحّة؛ فلو شكّ في الرباعيّة أنّه صلّى الثلاث أو الأربع أو الخمس وفي الثلاثيّة أنّه صلّى الثلاث أو الأربع أو الخمس وفي الثنائيّة أنّه صلّى اثنتين أو أزيد أو أقلّ بنى على الصحيح في الكلّ؛ بخلاف ما إذا شكّ في الرباعيّة بين الثلاث والخمس وفي الثلاثيّة بين الاثنتين والأربع، فإنّ صلاته باطلة في نظائرهما.
        ومنها: شكّ كثير الشكّ، سواء كان في الركعات أو الأفعال أو الشرائط، فيبني على وقوع ما شكّ فيه وإن كان في محلّه، إلّا إذا كان مفسدا فيبني على عدمه. ولوكان كثير الشكّ في شي ء خاصّ أو صلاة خاصّة يختصّ الحكم به؛ فلو شكّ في غير ذلك الفعل يعمل عمل الشكّ.
        مسألة 1 - المرجع في كثرة الشكّ إلى العرف. ولا يبعد تحقّقه في ما إذا لم تخلُ منه ثلاث صلوات متوالية. ويعتبر في صدقها أن لايكون ذلك من جهةعروض عارض: من خوف أو غضب أو همّ ونحو ذلك ممّا يوجب اغتشاش الحواسّ.
        مسألة 2 - لو شكّ في أنّه حصل له حالة كثرة الشكّ أم لا بنى على عدمها. ولو شكّ كثير الشكّ في زوال تلك الحالة بنى على بقائها لو كان الشكّ من جهة الاُمور الخارجيّة لا الشبهة المفهوميّة، وإلّا فيعمل عمل الشكّ.
        مسألة 3 - لا يجوز لكثير الشكّ الاعتناء بشكّه؛ فلو شكّ في الركوع وهو في المحلّ لا يجوز أن يركع، ولو ركع بطلت صلاته، والأحوط ترك القراءة والذكر ولو بقصد القربة لمراعاة الواقع رجاءً، بل عدم الجواز لا يخلو من قوّة.
        ومنها: شكّ كلّ من الإمام والمأموم في الركعات مع حفظ الآخر؛ فيرجع الشاكّ منهما إلى الآخر. وجريان الحكم في الشكّ في الأفعال أيضا لا يخلو من وجه. ولا يرجع الظانّ إلى المتيقّن، بل يعمل على طبق ظنّه، ويرجع الشاكّ إلى الظانّ على الأقوى. ولو كان الإمام شاكّا والمأمومون مختلفين في الاعتقاد لم يرجع إليهم. نعم، لو كان بعضهم شاكّا وبعضهم متيقّنا يرجع إلى المتيقّن منهم، بل يرجع الشاكّ منهم بعد ذلك إلى الإمام لو حصل له الظنّ، ومع عدم حصوله فالأقوى عدم رجوعه إليه ويعمل عمل شكّه.
        مسألة 4 - لو عرض الشكّ لكلّ من الإمام والمأموم: فإن اتّحد شكّهما عمل كلّ منهما عمل ذلك الشكّ، كما أنّه لو اختلف ولم يكن بين الشكّين رابطة - كما إذا شكّ أحدهما بين الاثنتين والثلاث والآخر بين الأربع والخمس - ينفرد المأموم، ويعمل كلّ عمل شكّه، وأمّا لو كان بينهما رابطة وقدر مشترك كما لو شكّ أحدهما بين الاثنتين والثلاث والآخر بين الثلاث والأربع ففي مثله يبنيان على القدر المشترك، كالثلاث في المثال، لأنّ ذلك قضيّة رجوع الشاكّ منهما إلى الحافظ، حيث إنّ الشاكّ بين الاثنتين والثلاث معتقد بعدم الأربع وشاكّ في الثلاث، والشاكّ بين الثلاث والأربع معتقد بوجود الثلاث وشاكّ في الأربع، فالأوّل يرجع إلى الثاني في تحقّق الثلاث والثاني يرجع إلى الأوّل في نفي الأربع، فينتج بناءهما على الثلاث، والأحوط مع ذلك إعادة الصلاة. نعم، يكتفى في تحقّق الاحتياط في الأوّل البناء على الثلاث والإتيان بصلاةالاحتياط إذا عرض الشكّ بعدالسجدتين.
        ومنها: الشكّ في ركعات النافلة، سواء كانت ركعةً كالوتر أو ركعتين، فيتخيّر بين البناء على الأقلّ أوالأكثر، والأوّل أفضل، وإن كان الأكثرمفسدايبني على الأقلّ.
        وأمّا الشكّ في أفعال النافلة فهو كالشكّ في أفعال الفريضة يأتي بها في المحلّ، ولا يعتني به بعد التجاوز. ولا يجب قضاء السجدة المنسيّة ولا التشهّد المنسيّ. ولا يجب سجود السهو فيها لموجباته.
        مسألة 5 - النوافل الّتي لها كيفيّة خاصّة أو سورة مخصوصة - كصلاة ليلة الدفن والغفيلة - إذا نسي فيها تلك الكيفيّة: فإن أمكن الرجوع والتدارك يتدارك، وإن لم يمكن أعادها. نعم، لو نسي بعض التسبيحات فى صلاة جعفر قضاه متى تذكّر في حالة اُخرى من حالات الصلاة، ولو تذكّر بعد الصلاة يأتي به رجاءً.

    • القول في حكم الظن في أفعال الصلاة وركعاتها

       

      القول في حكم الظنّ في أفعال الصلاة وركعاتها

      مسألة 1 - الظنّ في عدد الركعات مطلقا - حتّى في ما تعلّق بالركعتين الأوّلتين من الرباعيّة أو بالثنائيّة والثلاثيّة - كاليقين، فضلا عمّا تعلّق بالأخيرتين من الرباعيّة، فيجب العمل بمقتضاه ولو كان مسبوقا بالشكّ؛ فلو شكّ أوّلا ثمّ ظنّ بعد ذلك في ما كان شاكّا فيه كان العمل على الأخير؛ وكذا لو انقلب ظنّه إلى الشكّ أو شكّه إلى شكّ آخر عمل بالأخير؛ فلو شكّ في حال القيام بين الثلاث والأربع وبنى على الأربع فلمّا رفع رأسه من السجود - مثلا - انقلب شكّه الى الشكّ بين الأربع والخمس، عمل عمل الشكّ الثاني وهكذا. والأحوط في ما تعلّق الظنّ بغير الركعتين الأخيرتين من الرباعيّة العمل على الظنّ ثمّ الإعادة.
      وأمّا الظنّ في الأفعال ففي اعتباره إشكال، فلا يترك الاحتياط في ما لو خالف الظنّ مع وظيفة الشكّ - كما إذا ظنّ بالإتيان وهو في المحلّ - بإتيان مثل القراءة بنيّة القربة المطلقة وإتيان مثل الركوع ثمّ الإعادة، وكذا إذا ظنّ بعدم الإتيان بعد المحلّ مع بقاء محلّ التدارك؛ ومع تجاوز محلّه أيضا يتمّ الصلاة، ويعيدها في مثل الركوع.
      مسألة 2 - لو تردّد في أنّ الحاصل له ظنّ أو شكّ - كما قد يتّفق - ففيه إشكال لايترك الاحتياط بالعلاج، أمّا في الركعات فيعمل على طبق أحدهما ويعيدالصلاة، والأحوط العمل على طبق الشكّ ثمّ الإعادة، وأمّا في الأفعال فمثل مامرّ. نعم، لوكان مسبوقا بالظنّ أو الشكّ وشكّ في انقلابه فلا يبعد البناء على الحالة السابقة.

    • القول في ركعات الاحتياط

       

      القول في ركعات الاحتياط

      مسألة 1 - ركعات الاحتياط واجبة، فلا يجوز تركها وإعادة الصلاة من الأصل. وتجب المبادرة إليها بعد الفراغ من الصلاة، كما أنّه لا يجوز الفصل بينها وبين الصلاة بالمنافي؛ فإن فعل ذلك فالأحوط الإتيان بها وإعادة الصلاة. ولو أتى بالمنافي قبل صلاة الاحتياط ثمّ تبيّن له تماميّة صلاته لا تجب إعادتها.
      مسألة 2 - لا بدّ في صلاة الاحتياط من النيّة وتكبيرة الإحرام وقراءة الفاتحة -والأحوط الإسرار بها وبالبسملة أيضا- والركوع والسجود والتشهّد والتسليم. ولا قنوت فيها وإن كانت ركعتين، كما أنّه لا سورة فيها.
      مسألة 3 - لو نسي ركنا من ركعات الاحتياط أو زاده فيها بطلت، فلا يترك الاحتياط باستيناف الاحتياط ثمّ إعادة الصلاة.
      مسألة 4 - لو بان الاستغناء عن صلاة الاحتياط قبل الشروع فيها لا يجب الإتيان بها. وإن كان بعد الفراغ منها وقعت نافلة. وإن كان في الأثناء أتمّها كذلك. والأحوط إضافة ركعة ثانية لو كانت ركعةً من قيام. ولو تبيّن نقص الصلاة بعد الفراغ من صلاة الاحتياط فإن كان النقص بمقدار ما فعله من الاحتياط - كما إذا شكّ بين الثلاث والأربع وأتى بركعة قائما فتبيّن كونها ثلاثا - تمّت صلاته، والأحوط الاستيناف. لكن ذلك في ما إذا كان ما فعله أحد طرفي الشكّ من النقص، كالمثال المذكور. وأمّا مجرّد موافقة ما فعله للنقص في المقدار ففي جبره إشكال، كما لو شكّ بين الاثنتين والأربع و بنى على الأربع وأتى بركعةقائما عوض ركعتي الاحتياط اشتباها فتبيّن أنّ النقص بركعة، فالأحوط في مثله الإعادة. ولو كان النقص أزيد منه - كما إذا شكّ بين الثلاث والأربع فبنى على الأربع وصلّى صلاة الاحتياط فتبيّن كونها ركعتين - تجب عليه الإعادة بعد الإتيان بركعة أو ركعتين متّصلة. وكذا لو كان أقلّ منه، كما إذا شكّ بين الاثنتين والأربع فبنى على الأربع و أتى بركعتين من قيام ثمّ تبيّن كون صلاته ثلاث ركعات، فيأتي بركعة متّصلة ثمّ يعيد الصلاة. ولو تبيّن النقص في أثناء صلاة الاحتياط فالأقوى الا كتفاء بما جعله الشارع جبرا ولو كان مخالفا في الكمّ والكيف لما نقص من صلاته، فضلا عمّا كان موافقا له؛ فمن شكّ بين الثلاث والأربع وبنى على الأربع وشرع في الركعتين جالسا فتبيّن كون صلاته ثلاث ركعات أتمّهما واكتفى بهما، لكن لا ينبغي ترك الاحتياط مطلقا بالإعادة، خصوصا في صورة المخالفة. وأمّا في غير صورة ما جعله جبرا كما لو شكّ بين الثلاث والأربع واشتغل بصلاة ركعتين جالسا فتبيّن كونها ثنتين فالأحوط قطعها وجبر الصلاة بركعتين موصولتين ثمّ إعادتها. وإذا تبيّن النقص قبل الدخول في صلاة الاحتياط كان له حكم من نقص من الركعات من غير عمد من التدارك الّذي قد عرفته، فلاتكفي صلاة الاحتياط، بل اللازم حينئذ إتمام ما نقص وسجدتا السهو للسلام في غير محلّه.
      مسألة 5 - لو شكّ في إتيان صلاة الاحتياط: فإن كان بعد الوقت لا يلتفت إليه، وإن كان في الوقت فإن لم يدخل في فعل آخر ولم يأت بالمنافي ولم يحصل الفصل الطويل بنى على عدم الإتيان. ومع أحد الاُمور الثلاثة فللبناء على الإتيان بها وجه، ولكنّ الأحوط الإتيان بها ثمّ إعادة الصلاة.
      مسألة 6 - لو شكّ في فعل من أفعالها أتى به لو كان في المحلّ، وبنى على الإتيان لو تجاوز كما في أصل الصلاة. ولو شكّ في ركعاتها فالأقوى وجوب البناء على الأكثر، إلّا أن يكون مبطلا فيبني على الأقلّ، لكنّ الأحوط مع ذلك إعادتها ثمّ إعادة أصل الصلاة.
      مسألة 7 - لو نسيها ودخل في صلاة اُخرى - من نافلة أو فريضة - قطعها وأتى بها، خصوصا إذا كانت الثانية مترتّبةً على الاُولى، والأحوط مع ذلك إعادة أصل الصلاة. هذا إذا كان ذلك غير مخلّ بالفوريّة، وإلّا فلا يبعد وجوب العدول إلى أصل الصلاة إن كانت مترتّبةً، والأحوط إعادتها بعدذلك أيضا؛ ومع عدم الترتّب يرفع اليد عنها ويعيد أصل الصلاة؛ والأحوط الإتيان بصلاة الاحتياط ثمّ الإعادة.

    • القول في الأجزاء المنسية

       

      القول في الأجزاء المنسيّة

      مسألة 1 - لا يقضي من الأجزاء المنسيّة في الصلاة غير السجود والتشهّد على الأحوط في الثاني، فينوي أنّهما قضاء المنسيّ مقارنا للنيّة لأوّلهما، محافظا على ماكان واجبا فيهماحال الصلاة، فإنّهماكالصلاةفي الشرائطوالموانع،بل لايجوز الفصل بينهما وبين الصلاة بالمنافي على الأحوط؛ فلو فصل به يأتي بهما مع الشرائط. والأحوط إعادة الصلاة خصوصا في الترك العمديّ وإن كان الأقوى عدم وجوبها. والأقوى عدم وجوب قضاءأبعاض التشهّدحتّى الصلاةعلى النبيّ وآله.
      مسألة 2 - لو تكرّر نسيان السجدة والتشهّد يتكرّر قضاؤهما بعدد المنسيّ. ولا يشترط التعيين ولا ملاحظة الترتيب. نعم، لو نسي السجدة والتشهّد معا فالأحوط تقديم قضاء السابق منهما في الفوت، ولو لم يعلم السابق احتاط بالتكرار، فيأتي بما قدّمه مؤخّرا أيضا.
      مسألة 3 - لا يجب التسليم في التشهّد القضائيّ، كما لا يجب التشهّد والتسليم في السجدة القضائيّة. نعم، لو كان المنسيّ التشهّد الأخير فالأحوط إتيانه بقصد القربة المطلقة من غير نيّة الأداء والقضاء مع الإتيان بالسلام بعده، كما أنّ الأحوط إتيان سجدتي السهو. ولو كان المنسيّ السجدة من الركعة الأخيرة فالأحوط إتيانها كذلك مع الإتيان بالتشهّد والتسليم وسجدتي السهو وإن كان الأقوى كونها قضاءً ووقوع التشهّد والتسليم في محلّهما، ولا يجب إعادتهما.
      مسألة 4 - لو اعتقد نسيان السجدة أو التشهّد مع فوات محلّ تداركهما ثمّ بعدالفراغ من الصلاة انقلب اعتقاده إلى الشكّ فالأحوط وجوب القضاء وإن كان الأقوى عدمه.
      مسألة 5 - لو شكّ في أنّ الفائت سجدة واحدة أو سجدتان من ركعتين بنى على الأقلّ.
      مسألة 6 - لو نسي قضاء السجدة أو التشهّد وتذكّر بعد الدخول في صلاة اُخرى قطعها إن كانت نافلةً، وأمّا إن كانت فريضةً ففي قطعها إشكال، خصوصا إذا كان المنسيّ التشهّد.
      مسألة 7 - لو كان عليه قضاء أحدهما في صلاة الظهر وضاق وقت العصر: فإن لم يدرك منها لو أتى به حتّى ركعة قدّم العصر وقضى الجزء بعدها، وإن أدرك منها ركعةً فلا يبعد وجوب تقديم العصر أيضا. ولو كان عليه صلاة الاحتياط للظهر وضاق وقت العصر: فإن أدرك منها ركعةً قدّم صلاة الاحتياط، وإلّا قدّم العصر ويحتاط بإتيان صلاة الاحتياط بعدها وإعادة الظهر.

    • القول في سجود السهو

       

      القول في سجود السهو

      مسألة 1 - يجب سجود السهو للكلام ساهيا ولو لظنّ الخروج، ونسيان السجدة الواحدة إن فات محلّ تداركها، والسلام في غير محلّه، ونسيان التشهّد مع فوت محلّ تداركه على الأحوط فيهما، والشكّ بين الأربع والخمس. والأحوط إتيانه لكلّ زيادة ونقيصة في الصلاة لم يذكرها في محلّها وإن كان الأقوى عدم وجوبه لغير ما ذكر، بل عدم وجوبه في القيام موضع القعود وبالعكس لا يخلومن قوّة، ولكن لا ينبغي ترك الاحتياط. وللكلام سجدتا سهو وإن طال إن عُدّ كلاما واحدا. نعم، إن تعدّد - كما لو تذكّر في الأثناء ثمّ سها بعده فتكلّم - تعدّد السجود.
      مسألة 2 - التسليم الزائد لو وقع مرّة واحدة ولو بجميع صيغه سجد له سجدتي السهو مرّة واحدة، وإن تعدّد سجد له متعدّدا. والأحوط تعدّده لكلّ تسليم. وكذا الحال في التسبيحات الأربع.
      مسألة 3 - لو كان عليه سجود سهو وقضاء أجزاء منسيّة وركعات احتياطيّة أخّر السجود عنهما. والأحوط تقديم الركعات الاحتياطيّة على قضاء الأجزاء، بل وجوبه لا يخلو من رجحان.
      مسألة 4 - تجب المبادرة في سجود السهو بعد الصلاة. ويعصي بالتأخير وإن صحّت صلاته؛ ولم يسقط وجوبه بذلك ولا فوريّته فيسجد مبادرا؛ كما أنّه لو نسيه -مثلا- يسجد حين الذكر فورا، فلو أخّر عصى.
      مسألة 5 - تجب في السجود المزبور النيّة مقارنا لأوّل مسمّاه. ولا يجب فيه تعيين السبب ولو مع التعدّد، كما لا يجب الترتيب فيه بترتيب أسبابه على الأقوى. ولا يجب فيه التكبير وإن كان أحوط. والأحوط مراعاة جميع ما يجب في سجود الصلاة، خصوصا وضع المساجد السبعة، وإن كان عدم وجوب شي ء ممّا لايتوقّف صدق مسمّى السجود عليه لا يخلو من قوّة. نعم، لا يترك الاحتياط في ترك السجود على الملبوس والمأكول. والأحوط فيه الذكر المخصوص، فيقول في كلّ من السجدتين: «بسم اللّه وباللّه، وصلّى اللّه على محمّد وآل محمّد» أو يقول: «بسم اللّه وباللّه، أللّهمّ صلّ على محمّد وآل محمّد» أو يقول: «بسم اللّه وباللّه، السلام عليك أيّها النبيّ ورحمة اللّه وبركاته».
      والأحوط اختيار الأخير، لكن عدم وجوب الذكر سيّما المخصوص منه لايخلو من قوّة. ويجب بعد السجدة الأخيرة التشهّد والتسليم؛ والواجب من التشهّد المتعارفُ منه في الصلاة، ومن التسليم «السلام عليكم».
      مسألة 6 - لو شكّ في تحقّق موجبه بنى على عدمه. ولو شكّ في إتيانه بعد العلم بوجوبه وجب الإتيان به. ولو علم بالموجب وتردّد بين الأقلّ والأكثر بنى على الأقلّ. ولو شكّ في فعل من أفعاله فإن كان في المحلّ أتى به، وإن تجاوز لايعتني به. وإذا شكّ في أنّه سجد سجدتين أو واحدةً بنى على الأقلّ، إلّا إذا كان شكّه بعدالدخول في التشهّد. ولو علم بأنّه زاد سجدةً أو علم أنّه نقص واحدةً أعاد.

    • ختام فيه مسائل متفرفة

       

      ختام فيه مسائل متفرّقة

      مسألة 1 - لو شكّ في أنّ ما بيده ظهر أو عصر: فإن كان قد صلّى الظهر بطل ما بيده، وإن كان لم يصلّها أو شكّ في أنّه صلّاها أولا فإن كان لم يصلّ العصر وكان في الوقت المشترك عدل به إلى الظهر، وكذا إن كان في الوقت المختصّ بالعصر لوكان الوقت واسعا لإتيان بقيّة الظهر وإدراك ركعة من العصر، ومع عدم السعة فإن كان الوقت واسعا لإدراك ركعة من العصر ترك ما بيده وصلّى العصر ويقضي الظهر، وإلّا فالأحوط إتمامه عصرا وقضاء الظهر والعصر خارج الوقت وإن كان جواز رفع اليد عنه لا يخلو من وجه. وفي المسألة صور كثيرة ربما تبلغ ستّا وثلاثين. وممّا ذُكر ظهر حال ما إذا شكّ في أنّ ما بيده مغرب أو عشاء. نعم، موضع جواز العدول هاهنا في ما إذا لم يدخل في ركوع الرابعة.
      مسألة 2 - لو علم بعد الصلاة أنّه ترك سجدتين من ركعتين - سواء كانتا من الأوّلتين أو الأخيرتين - صحّت، وعليه قضاؤهما وسجدتا السهو مرّتين؛ وكذا إن لم يدر أنّهما من أيّ الركعات بعد العلم بأنّهما من ركعتين؛ وكذا إن علم في أثنائها بعد فوت محلّ التدارك.
      مسألة 3 - لو كان في الركعة الرابعة - مثلا - وشكّ في أنّ شكّه السابق بين الاثنتين والثلاث كان قبل إكمال السجدتين أو بعده فالأحوط الجمع بين البناء وعمل الشكّ وإعادة الصلاة؛ وكذلك إذا شكّ بعد الصلاة.
      مسألة 4 - لو شكّ في أنّ الركعة الّتي بيده آخر الظهر أو أنّه أتمّها وهذه أوّل العصر: فإن كان في الوقت المشترك جعلها آخر الظهر، وإن كان في الوقت المختصّ بالعصر فالأقوى هو البناء على إتيان الظهر ورفعُ اليد عمّا بيده وإتيانُ العصر إن وسع الوقت لإدراك ركعة منه، ومع عدم السعة له فالأحوط إتمامه عصرا وقضاؤه خارج الوقت وإن كان جواز رفع اليد عنه لا يخلو من وجه.
      مسألة 5 - لو شكّ في العشاء بين الثلاث والأربع وتذكّر أنّه لم يأت بالمغرب بطلت صلاته وإن كان الأحوط إتمامها عشاءً والإتيان بالاحتياط ثمّ إعادتها بعدالإتيان بالمغرب.
      مسألة 6 - لو تذكّر في أثناء العصر أنّه ترك من الظهر ركعةً فالأقوى رفع اليد عن العصر وإتمام الظهر ثمّ الإتيان بالعصر، بل لإتمام العصر ثمّ إتيان الظهر وجه. والأحوط إعادة الصلاة بعد إتمام الظهر، وأحوط منه إعادتهما. هذا في الوقت المشترك، وفي المختصّ تفصيل.
      مسألة 7 - لو صلّى صلاتين ثمّ علم نقصان ركعة - مثلا - من إحداهما من غيرتعيين: فإن كان مع الإتيان بالمنافي بعد كلّ منهما فإن اختلفا في العدد أعادهما، وإلّا أتى بواحدة بقصد ما في الذمّة؛ وإن كان قبل المنافي في الثانية مع الإتيان بالمنافي بعد الاُولى ضمّ إلى الثانية ما يحتمل النقصان ثمّ أعاد الاُولى، ومع عدم الإتيان به بعدهما لا يبعد جواز الاكتفاء بركعة متّصلة بقصد ما في الذمّة، لكن لاينبغى ترك الاحتياط بالإعادة. هذا في الوقت المشترك. وأمّافي المختصّ بالعصر فالظاهر جواز الاكتفاء بركعة متّصلة بقصد الثانية، وعدم وجوب إعادة الاُولى.
      مسألة 8 - لو شكّ بين الثلاث والاثنتين أو غيره من الشكوك الصحيحة ثمّ شكّ في أنّ ما بيده آخر صلاته أو صلاة الاحتياط يتمّها بقصد ما في الذمّة، ثمّ يأتي بصلاة الاحتياط،ولا تجب عليه إعادة الصلاة. هذا إذا كانت صلاة الاحتياط المحتملة ركعةً واحدةً. وأمّا إذا كانت ركعتين كالشكّ بين الاثنتين والأربع فالأحوط مع ذلك إعادة الصلاة.
      مسألة 9 - لو شكّ في أنّ ما بيده رابعة المغرب أو أنّه سلّم على الثلاث وهذه اُولى العشاء: فإن كان بعد الركوع بطلت، ووجبت عليه إعادة المغرب، وإن كان قبله يجعلها من المغرب ويجلس ويتشهّد ويسلّم، ولا شي ء عليه.
      مسألة 10 - لو شكّ وهو جالس بعد السجدتين بين الاثنتين والثلاث وعلم بعدم إتيان التشهّد في هذه الصلاة يبني على الثلاث ويقضي التشهّد بعد الفراغ. وكذا لو شكّ في حال القيام بين الثلاث والأربع مع علمه بعدم الإتيان بالتشهّد.
      مسألة 11 - لو شكّ في أنّه بعد الركوع من الثالثة أو قبل الركوع من الرابعة فالظاهر بطلان صلاته. ولو انعكس بأن كان شاكّا في أنّه قبل الركوع من الثالثة أو بعده من الرابعة فيبني على الأربع ويأتي بالركوع ثمّ يأتي بوظيفة الشاكّ، لكنّ الأحوط إعادة الصلاة أيضا.
      مسألة 12 - لو كان قائما وهو في الركعة الثانية من الصلاة ويعلم أنّه أتى فيها بركوعين ولا يدري أنّه أتى بهما في الاُولى أو أتى فيها بواحد وأتى بالآخر في هذه الركعة فالظاهر بطلان صلاته.
      مسألة 13 - لو علم بعد الفراغ من الصلاة أنّه ترك سجدتين ولم يدر أنّهما من ركعة واحدة أو من ركعتين فالأحوط قضاء السجدة مرّتين، وكذا سجود السهو مرّتين، ثمّ إعادة الصلاة. وكذا إذا كان في الأثناء مع عدم بقاء المحلّ الشكّيّ، وأمّا مع بقائه فالأقوى الإتيان بهما، ولا شي ء عليه.
      مسألة 14 - لو علم بعد ما دخل في السجدة الثانية - مثلا - أنّه إمّا ترك القراءة أو الركوع فالظاهر صحّة صلاته. وكذا لو حصل الشكّ بعد الفراغ من صلاته. ولو شكّ في الفرضين في أنّه ترك سجدة من الركعة السابقة أو ركوع هذه الركعة تجب عليه الإعادة بعد الاحتياط بإتمام الصلاة وقضاء السجدة وسجدتي السهو.
      مسألة 15 - لو علم قبل أن يدخل في الركوع أنّه إمّا ترك سجدتين من الركعة السابقة أو ترك القراءة فمع بقاء المحلّ الشكّيّ فالأقوى الاكتفاء بإتيان القراءة، وكذا في كلّ علم إجماليّ مشابه لذلك؛ ومع التجاوز عن المحلّ لزوم العود لتداركهما مع بقاء محلّ التدارك.
      مسألة 16 - لو علم بعد القيام إلى الثالثة أنّه ترك التشهّد وشكّ في أنّه ترك السجدة أيضا أم لا فالأقوى الاكتفاء بإتيان التشهّد.
      مسألة 17 - لو علم إجمالا أنّه أتى بأحد الأمرين من السجدة والتشهّد من غير تعيين وشكّ في الآخر: فإن كان بعد الدخول في القيام لم يعتن بشكّه، وإن كان في المحلّ الشكّيّ فالظاهر جواز الاكتفاء بالتشهّد ولا شي ء عليه.
      مسألة 18 - لو علم أنّه ترك إمّا السجدة من الركعة السابقة أو التشهّد من هذه الركعة: فإن كان جالسا أتى بالتشهّد وأتمّ الصلاة ولا شي ء عليه، وإن نهض إلى القيام أو بعد الدخول فيه فشكّ فالأقوى وجوب العود لتدارك التشهّد والإتمام وقضاء السجدة وسجود السهو. وكذا الحال في نظائر المسألة، كما إذا علم أنّه ترك سجدةً إمّا من الركعة السابقة أو من هذه الركعة.
      مسألة 19 - لو تذكّر وهو في السجدة أو بعدها من الركعة الثانية - مثلا - أنّه ترك سجدةً أو سجدتين من الاُولى وترك أيضا ركوع هذه الركعة جعل السجدة أو السجدتين للركعة الاُولى، وقام وقرأ وقنت وأتمّ صلاته ولا شي ء عليه. وكذا الحال في نظير المسألة بالنسبة إلى سائر الركعات.
      مسألة 20 - لو صلّى الظهرين وقبل أن يسلّم للعصر علم إجمالا أنّه إمّا ترك ركعةً من الظهر والّتي بيده رابعة العصر أو أنّ ظهره تامّة وهذه الركعة ثالثة العصر يبني على أنّ الظهر تامّة، وبالنسبة إلى العصر يبني على الأكثر ويتمّ ويأتي بصلاة الاحتياط؛ ويحتمل جواز الاكتفاء بركعة متّصلة بقصد ما في الذمّة. وكذلك الحال في المغرب والعشاء.
      مسألة 21 - لو صلّى الظهرين ثماني ركعات والعشاءين سبع ركعات لكن لم يدر أنّه صلّاها صحيحةً أو نقص من إحدى الصلاتين ركعةً وزاد في قرينتها صحّت ولا شي ء عليه.
      مسألة 22 - لو شكّ - مع العلم بأنّه صلّى الظهرين ثماني ركعات - قبل السلام من العصر في أنّه صلّى الظهر أربع فالّتي بيده رابعة العصر أو صلّاها خمسا(1) فالّتي بيده ثالثة العصر يبني على صحّة صلاة ظهره، وبالنسبة إلى العصر يبني على الأربع ويعمل عمل الشكّ. وكذا الحال في العشاءين إذا شكّ - مع العلم بإتيان سبع ركعات - قبل السلام من العشاء في أنّه سلّم في المغرب على الثلاث أو على الأربع.
      مسألة 23 - لو علم أنّه صلّى الظهرين تسع ركعات ولم يدر أنّه زاد ركعةً في الظهر أو في العصر: فإن كان بعد السلام من العصر وجب عليه إتيان صلاة أربع ركعات بقصد ما في الذمّة، وإن كان قبل السلام فإن كان قبل إكمال السجدتين فالظاهر الحكم ببطلان الثانية وصحّة الاُولى، وإن كان بعده عدل إلى الظهر وأتمّ الصلاة ولا شي ء عليه.
      مسألة 24 - لو علم أنّه صلّى العشاءين ثماني ركعات ولا يدري أنّه زاد الركعة في المغرب أو العشاء وجبت إعادتهما مطلقا، إلّا في ما كان الشكّ قبل إكمال السجدتين، فإنّ الظاهر الحكم ببطلان الثانية وصحّة الاُولى.
      مسألة 25 - لو صلّى صلاةً ثمّ اعتقد عدم الإتيان بها وشرع فيها وتذكّر قبل السلام أنّه كان آتيا بها لكن علم بزيادة ركعة - إمّا في الاُولى أو الثانية - له أن يكتفي بالاُولى ويرفع اليد عن الثانية.
      مسألة 26 - لو شكّ في التشهّد وهو في المحلّ الشكّيّ الّذي يجب الإتيان به ثمّ غفل وقام ليس شكّه بعد تجاوز المحلّ، فيجب عليه الجلوس للتشهّد. ولو كان المشكوك فيه الركوع ثمّ دخل في السجود يرجع ويركع ويتمّ الصلاة ويعيدها احتياطا. ولو تذكّر بعد الدخول في السجدة الثانية بطلت صلاته. ولو كان المشكوك فيه غير ركن وتذكّر بعد الدخول في الركن صحّت وأتى بسجدتي السهو إن كان ممّا يوجب ذلك.
      مسألة 27 - لو علم نسيان شي ء قبل فوات محلّ المنسيّ ووجب عليه التدارك فنسي حتّى دخل في ركن بعده ثمّ انقلب علمه بالنسيان شكّا يحكم بالصحّة إن كان ذلك الشي ء ركنا، وبعدم وجوب القضاء وسجدتي السهو في ما يوجب ذلك. هذا إذا عرض العلم بالنسيان بعد المحلّ الشكّيّ، وأمّا إذا كان في محلّه فهو محلّ إشكال وإن لا يخلو من قرب.
      مسألة 28 - لو تيقّن بعد السلام قبل إتيان المنافي - عمدا أو سهوا - نقصان الصلاة وشكّ في أنّ الناقص ركعة أو ركعتان يجري عليه حكم الشكّ بين الاثنتين والثلاث، فيبني على الأكثر ويأتي بركعة، ويأتي بصلاة الاحتياط ويسجد سجدتي السهو لزيادة السلام احتياطا. وكذا لو تيقّن نقصان ركعة وبعد الشروع فيها شكّ في ركعة اُخرى. وعلى هذا إذا كان ذلك في صلاة المغرب يحكم ببطلانها.
      مسألة 29 - لو تيقّن بعد السلام قبل إتيان المنافي نقصان ركعة ثمّ شكّ في أنّه أتى بها أم لا؟ يجب عليه الإتيان بركعة متّصلة. ولو كان ذلك الشكّ قبل السلام فالظاهر جريان حكم الشكّ من البناء على الأكثر في الرباعيّة، والحكم بالبطلان في غيرها.
      مسألة 30 - لو علم أنّ ما بيده رابعة لكن لا يدري أنّها رابعة واقعيّة أو رابعة بنائيّة وأنّه شكّ سابقا بين الاثنتين والثلاث فبنى على الثلاث فتكون هذه رابعة، يجب عليه صلاة الاحتياط.
      مسألة 31 - لو تيقّن بعد القيام إلى الركعة التالية أنّه ترك سجدةً أو سجدتين أو تشهّدا ثمّ شكّ في أنّه هل رجع وتدارك ثمّ قام أو هذا هو القيام الأوّل؟ فالظاهر وجوب العود والتدارك. ولو شكّ في ركن بعد تجاوز المحلّ ثمّ أتى به نسيانا فالظاهر بطلان صلاته. ولو شكّ في ما يوجب زيادته سجدتي السهو بعد تجاوز محلّه ثمّ أتى به نسيانا فالأحوط وجوب سجدتي السهو عليه.
      مسألة 32 - لو كان في التشهّد فذكر أنّه نسي الركوع ومع ذلك شكّ في السجدتين أيضا فالظاهر لزوم العود إلى التدارك ثمّ الإتيان بالسجدتين، من غير فرق بين سبق تذكّر النسيان وبين سبق الشكّ في السجدتين، والأحوط إعادة الصلاة أيضا.
      مسألة 33 - لو شكّ بين الثلاث والأربع - مثلاً - وعلم أنّه على فرض الثلاث ترك ركنا أو عمل ما يوجب بطلان صلاته فالظاهر بطلان صلاته؛ وكذا لو علم ذلك على فرض الأربع. ولو علم أنّه على فرض الثلاث أو الأربع أتى بما يوجب سجدتي السهو أو ترك ما يوجب القضاء فلا شي ء عليه.
      مسألة 34 - لو علم بعد القيام أو الدخول في التشهّد نسيان إحدى السجدتين وشكّ في الاُخرى فالأقرب العود إلى تدارك المنسيّ، ويجري بالنسبة إلى المشكوك فيه قاعدة التجاوز. وكذا الحال في أشباه ذلك.
      مسألة 35 - لو دخل في السجود من الركعة الثانية فشكّ في ركوع هذه الركعة وفي السجدتين من الاُولى يبني على إتيانهما. وعلى هذا لو شكّ بين الاثنتين والثلاث بعد إكمال السجدتين مع الشكّ في ركوع الّتي بيده وفي السجدتين من السابقة يكون من الشكّ بين الاثنتين والثلاث بعد الإكمال، فيعمل عمل الشكّ وصحّت صلاته. نعم، لو علم بتركهما مع الشكّ المذكور بطلت صلاته.
      مسألة 36 - لا يجري حكم كثير الشكّ في أطراف العلم الإجماليّ؛ فلو علم ترك أحد الشيئين إجمالا يجب عليه مراعاته وإن كان شاكّا بالنسبة إلى كلّ منهما.
      مسألة 37 - لو علم أنّه إمّا ترك سجدةً من الاُولى أو زاد سجدةً في الثانية فلايجب عليه شي ء. ولو علم أنّه إمّا ترك سجدةً أو تشهّدا وجب على الأحوط الإتيان بقضائهما وسجدتي السهو مرّة.
      مسألة 38 - لو كان مشغولا بالتشهّد أو بعد الفراغ منه وشكّ في أنّه صلّى ركعتين وأنّ التشهّد في محلّه أو ثلاث ركعات وأنّه في غير محلّه يجري عليه حكم الشكّ بين الاثنتين والثلاث، وليس عليه سجدتا السهو وإن كان الأحوط الإتيان بهما.
      مسألة 39 - لو صلّى من كان تكليفه الصلاة إلى أربع جهات ثمّ بعد السلام من الأخيرة علم ببطلان واحدة منها بنى على صحّة صلاته ولا شي ء عليه.
      مسألة 40 - لو قصد الإقامة وصلّى صلاةً تامّةً ثمّ رجع عن قصده وصلّى صلاةً قصرا غفلةً أو جهلا ثمّ علم ببطلان إحداهما يبني على صحّة صلاته التامّة، وتكليفه التمام بالنسبة إلى الصلوات الآتية.


      ورد في جميع الطبعات «أربع»، والصحيح «أربعاً».

    • القول في صلاة القضاء

       

      القول في صلاة القضاء

      بجب قضاء الصلوات اليوميّة الّتي فاتت في أوقاتها - عدا الجمعة - عمدا كان أو سهوا أو جهلا أو لأجل النوم المستوعب للوقت وغير ذلك؛ وكذا المأتيّ بها فاسدا لفقد شرط أو جزء يوجب تركه البطلان. ولا يجب قضاء ما تركه الصبيّ في زمان صباه، والمجنون في حال جنونه، والمغمى عليه إذا لم يكن إغماؤه بفعله، وإلّا فيقضي على الأحوط، والكافر الأصليّ في حال كفره، دون المرتدّ، فإنّه يجب عليه قضاء ما فاته في حال ارتداده بعد توبته، وتصحّ منه وإن كان عن فطرة على الأصحّ، والحائض والنفساء مع استيعاب الوقت.
      مسألة 1 - يجب على المخالف بعد استبصاره قضاء ما فات منه أو أتى على وجه يخالف مذهبه؛ بخلاف ما أتى به على وفق مذهبه، فإنّه لا يجب عليه قضاؤها وإن كانت فاسدةً بحسب مذهبنا. نعم، إذا استبصر في الوقت يجب عليه الأداء؛ فلو تركها أو أتى بها فاسدا بحسب المذهب الحقّ يجب عليه القضاء.
      مسألة 2 - لو بلغ الصبيّ أو أفاق المجنون أو المغمى عليه في الوقت وجب عليهم الأداء وإن لم يُدركوا إلّا مقدار ركعة مع الطهارة ولو كانت ترابيّةً، ومع الترك يجب عليهم القضاء؛ وكذلك الحائض والنفساء إذا زال عذرهما. كما أنّه لو طرأالجنون أو الإغماء أو الحيض أو النفاس بعد مضيّ مقدار صلاة المختار من أوّل الوقت بحسب حالهم - من السفر والحضر والوضوء والتيمّم - ولم يأتوا بالصلاة وجب عليهم القضاء.
      مسألة 3 - فاقد الطهورين يجب عليه القضاء، ويسقطعنه الأداءعلى الأقوى، لكن لا ينبغي له ترك الاحتياط بالأداء أيضا.
      مسألة 4 - يجب قضاء غير اليوميّة من الفرائض - سوى العيدين وبعض صور صلاة الآيات - حتّى المنذورة في وقت معيّن على الأحوط فيها.
      مسألة 5 - يجوز قضاء الفرائض في كلّ وقت من ليل أو نهار أو سفر أو حضر. ويصلّي في السفر ما فات في الحضر تماما، كما أنّه يصلّي في الحضر ما فات في السفر قصرا. ولو كان في أوّل الوقت حاضرا وفي آخره مسافرا أو بالعكس فالعبرة بحال الفوت على الأصحّ، فيقضي قصرا في الأوّل وتماما في الثاني، لكن لا ينبغي ترك الاحتياط بالجمع. وإذا فاتته في ما يجب عليه الاحتياط بالجمع بين القصر والتمام يحتاط في القضاء أيضا.
      مسألة 6 - لو فاتت الصلاة في أماكن التخيير فالظاهر التخيير في القضاء أيضا إذا قضاها في تلك الأماكن، وتعيّن القصر على الأحوط لو قضاها في غيرها.
      مسألة 7 - يستحبّ قضاء النوافل الرواتب. ويكره أكيدا تركه إذا شغله عنها جمع الدنيا. ومن عجز عن قضائها استحبّ له التصدّق بقدر طوله. وأدنى ذلك التصدّق عن كلّ ركعتين بمدّ، وإن لم يتمكّن فعن كلّ أربع ركعات بمدّ، وإن لم يتمكّن فمدّ لصلاة الليل ومدّ لصلاة النهار.
      مسألة 8 - إذا تعدّدت الفوائت فمع العلم بكيفيّة الفوت والتقديم والتأخير فالأحوط تقديم قضاء السابق في الفوات على اللاحق. وأمّا ما كان الترتيب في أدائها معتبرا شرعا - كالظهرين والعشاءين من يوم واحد - فيجب في قضائها الترتيب على الأقوى. وأمّا مع الجهل بالترتيب فالأحوط ذلك وإن كان عدمه لايخلو من قوّة، بل عدم وجوب الترتيب مطلقا - إلّا ما كان الترتيب في أدائها معتبرا - لا يخلو من قوّة.
      مسألة 9 - لو علم أنّ عليه إحدى الصلوات الخمس من غير تعيين يكفيه صبح ومغرب وأربع ركعات بقصد ما في الذمّة، مردّدةً بين الظهر والعصر والعشاء، مخيّرا فيها بين الجهر والإخفات. وإذا كان مسافرا يكفيه مغرب وركعتان مردّدتان بين الأربع.وإن لم يعلم أنّه كان حاضرا أو مسافرا يأتي بمغرب وركعتين مردّدتين بين الأربع، وأربع ركعات مردّدة بين الثلاث. وإن علم أنّ عليه اثنتين من الخمس من يوم أتى بصبح، ثمّ أربع ركعات مردّدة بين الظهر والعصر، ثمّ مغرب، ثمّ أربع مردّدة بين العصر والعشاء، وله أن يأتي بصبح، ثمّ بأربع مردّدة بين الظهر والعصر والعشاء، ثمّ مغرب، ثمّ أربع مردّدة بين العصر والعشاء. وإذا علم أنّهما فاتتا في السفر أتى بركعتين مردّدتين بين الأربع، وبمغرب وركعتين مردّدتين بين الثلاث ما عدا الاُولى، وله أن يأتي بركعتين مردّدتين بين الصبح والظهر والعصر، ومغرب وركعتين مردّدتين بين الظهرين والعشاء. وإن لم يعلم أنّ الفوت في الحضر أو السفر أتى بركعتين مردّدتين بين الأربع، وبمغرب وركعتين مردّدتين بين الثلاث ما عدا الاُولى، وأربعٍ مردّدة بين الظهرين والعشاء، وأربعٍ مردّدة بين العصر والعشاء. وإن علم أنّ عليه ثلاثا من الخمس يأتي بالخمس إن كان في الحضر، وإن كان في السفر يأتي بركعتين مردّدتين بين الصبح والظهرين، وركعتين مردّدتين بين الظهرين والعشاء، وبمغرب وركعتين مردّدتين بين العصر والعشاء. وتتصوّر طرق اُخر للتخلّص. والميزان هو العلم بإتيان جميع المحتملات.
      مسألة 10 - إذا علم بفوات صلاة معيّنة كالصبح - مثلا - مرّات ولم يعلم عددها يجوز الاكتفاء بالقدر المعلوم على الأقوى، لكنّ الأحوط التكرار حتّى يغلب على ظنّه الفراغ، وأحوط وأحسن منه التكرار حتّى يحصل العلم بالفراغ، خصوصا مع سبق العلم بالمقدار وحصول النسيان بعده. وكذلك الحال في ما إذا فاتت منه صلوات أيّام لا يعلم عددها.
      مسألة 11 - لا يجب الفور في القضاء، بل هو موسّع مادام العمر لو لم ينجرّ إلى المسامحة في أداء التكليف والتهاون به.
      مسألة 12 - الأحوط لذوي الأعذار تأخير القضاء إلى زمان رفع العذر، إلّا إذا علم ببقائه إلى آخر العمر أو خاف من مفاجأة الموت لظهور أماراته. نعم، لو كان معذورا عن الطهارة المائيّة فللمبادرة إلى القضاء مع الترابيّة وجه - حتّى مع رجاء زوال العذر - لا يخلو من إشكال، فالأحوط تأخيره إلى الوجدان.
      مسألة 13 - لا يجب تقديم الفائتة على الحاضرة، فيجوز الاشتغال بالحاضرة لمن عليه القضاء وإن كان الأحوط تقديمها عليها خصوصا في فائتة ذلك اليوم، بل إذا شرع في الحاضرة قبلها استحبّ له العدول منها إليها إن لم يتجاوز محلّ العدول، بل لا ينبغي ترك الاحتياط المتقدّم وترك العدول إلى الفائتة.
      مسألة 14 - يجوز لمن عليه القضاء الإتيان بالنوافل على الأقوى، كما يجوز الإتيان بها أيضا بعد دخول الوقت قبل إتيان الفريضة.
      مسألة 15 - يجوز الإتيان بالقضاء جماعةً، سواء كان الإمام قاضيا أو مؤدّيا، بل يستحبّ ذلك. ولا يجب اتّحاد صلاة الإمام والمأموم.
      مسألة 16 - يجب على الوليّ - وهو الولد الأكبر - قضاء ما فات عن والده من الصلوات لعذر: من نوم ونسيان ونحوهما. ولا تُلحق الوالدة بالوالد وإن كان أحوط. والأقوى عدم الفرق بين الترك عمدا وغيره. نعم، لا يبعد عدم إلحاق ما تركه طغيانا على المولى وإن كان الأحوط إلحاقه، بل لا يترك هذ الاحتياط. والظاهر وجوب قضاء ما أتى به فاسدا من جهة إخلاله بما اعتُبر فيه. وإنّما يجب عليه قضاء ما فات عن الميّت من صلاة نفسه، دون ما وجب عليه بالإجارة أو من جهة كونه وليّا. ولا يجب على البنات، ولا على غير الولد الأكبر من الذكور، ولا على سائر الأقارب حتّى الذكور - كالأب والأخ والعمّ والخال - وإن كان هو الأحوط في ذكورهم. وإذا مات الولد الأكبر بعد والده لا يجب على من دونه في السنّ من إخوته.
      ولا يعتبر في الوليّ أن يكون بالغا عاقلا عند الموت، فيجب على الصبيّ إذا بلغ، وعلى المجنون إذا عقل؛ كما أنّه لا يعتبر كونه وارثا، فيجب على الممنوع منه بسبب القتل أو الكفر أو نحوهما. ولو تساوى الولدان في السنّ يقسّط القضاء عليهما، ولو كان كسرٌ يجب عليهما كفايةً. ولا يجب على الوليّ المباشرة، بل يجوز له أن يستأجر. والأجير ينوي النيابة عن الميّت لا عن الوليّ. وإن باشر الوليّ أو غيره الإتيان يراعي تكليف نفسه باجتهاد أو تقليد في أحكام الشكّ والسهو، بل في أجزاء الصلاة وشرائطها، دون تكليف الميّت؛ كما أنّه يراعي تكليف نفسه في أصل وجوب القضاء إذا اختلف مقتضى تقليده أو اجتهاده مع الميّت.

    • القول في صلاة الاستئجار

       

      القول في صلاة الاستيجار

      يجوز الاستيجار للنيابة عن الأموات في قضاء الصلوات كسائر العبادات؛ كما تجوز النيابة عنهم تبرّعا. ويقصد النائب بفعله - أجيرا كان أو متبرّعا - النيابة والبدليّة عن فعل المنوب عنه، وتفرغ ذمّته، ويتقرّب به ويثاب عليه. ويعتبر فيه قصد تقرّب المنوب عنه لا تقرّب نفسه. ولا يحصل له بذلك تقرّب، إلّا أن يقصد في تحصيل هذا التقرّب للمنوب عنه الإحسانَ إليه للّه تعالى، فيحصل له القرب أيضا كالمتبرّع لو كان قصده ذلك؛ وأمّا وصول الثواب إلى الأجير كما يظهر من بعض الأخبار فهو لمحض التفضّل. ويجب تعيين الميّت المنوب عنه في نيّته ولو بالإجمال، كصاحب المال ونحوه.
      مسألة 1 - يجب على من عليه واجب - من الصلاة والصيام - الإيصاء باستيجاره، إلّا من له وليّ يجب عليه القضاء عنه ويطمئنّ بإتيانه. ويجب على الوصيّ - لو أوصى - إخراجها من الثلث، ومع إجازة الورثة من الأصل. وهذا بخلاف الحجّ والواجبات الماليّة كالزكاة والخمس والمظالم والكفّارات ونحوها، فإنّها تخرج من أصل المال، أوصى بها أو لم يوص، إلّا إذا أوصى بأن تخرج من الثلث فتخرج منه، فإن لم يف بها يخرج الزائد من الأصل. وإن أوصى بأن يُقضى عنه الصلاة والصوم ولم يكن له تركة لا يجب على الوصيّ المباشرة أو الاستيجار من ماله. والأحوط للولد - ذكرا كان أو اُنثى - المباشرة لو أوصى إليه بها لو لم تكن حرجا عليه. نعم، يجب على وليّه قضاء ما فات منه إمّا بالمباشرة أو الاستيجار من ماله وإن لم يوص به كما مرّ.
      مسألة 2 - لو آجر نفسه لصلاة أو صوم أو حجّ فمات قبل الإتيان به: فإن اشترط عليه المباشرة بطلت الإجارة بالنسبة إلى ما بقي عليه، وتشتغل ذمّته بمال الإجارة إن قبضه، فيخرج من تركته، وإن لم يشترط المباشرة وجب الاستيجار من تركته إن كانت له تركة، وإلّا فلا يجب على الورثة كسائر ديونه مع فقد التركة.
      مسألة 3 - يشترط في الأجير أن يكون عارفا بأجزاء الصلاة وشرائطها ومنافياتها وأحكام الخلل وغيرها عن اجتهاد أو تقليد صحيح. نعم، لا يبعد جواز استيجار تارك الاجتهاد والتقليد إذا كان عارفا بكيفيّة الاحتياط وكان محتاطا في عمله.
      مسألة 4 - لا يشترط عدالة الأجير، بل يكفي كونه أمينا بحيث يُطمأَنّ بإتيانه على الوجه الصحيح. وهل يعتبر فيه البلوغ فلا يصحّ استيجار الصبيّ المميّز ونيابته وإن علم إتيانه على الوجه الصحيح؟ لا يبعد عدمه وإن كان الأحوط اعتباره.
      مسألة 5 - لا يجوز استيجار ذوي الأعذار كالعاجز عن القيام مع وجود غيره، بل لو تجدّد له العجز ينتظر زمان رفعه، وإن ضاق الوقت انفسخت الإجارة، بل الأحوط عدم جواز استيجار ذي الجبيرة ومن كان تكليفه التيمّم.
      مسألة 6 - لو حصل للأجير سهو أو شكّ يعمل بحكمه على طبق اجتهاده أو تقليده وإن خالف الميّت؛ كما أنّه يجب عليه أن يأتي بالصلاة على مقتضى تكليفه واعتقاده من اجتهاد أو تقليد لو استؤجر على الإتيان بالعمل الصحيح؛ وإن عيّن له كيفيّة خاصة يرى بطلانه بحسبها فالأحوط له عدم إجارة نفسه له.
      مسألة 7 - يجوز استيجار كلّ من الرجل والمرأة للآخر. وفي الجهر والإخفات والتستّر وشرائط اللباس يراعى حال النائب لا المنوب عنه؛ فالرجل يجهر في الجهريّة ولا يستر ستر المرأة وإن كان نائبا عنها، والمرأة مخيّرة في الجهر والإخفات فيها، ويجب عليها الستر بالكيفيّة الّتي لها وإن كانت نائبةً عن الرجل.
      مسألة 8 - قد عرفت سابقا أنّ عدم وجوب الترتيب مطلقا في القضاء -خصوصا في ما إذا جهل بكيفيّة الفوت- لا يخلو من قوّة؛ فيجوز استيجار جماعة عن واحد في قضاء صلواته، ولا يجب تعيين الوقت لهم، ويجوز لهم الإتيان في وقت واحد، سيّما مع العلم بجهل الميّت أو الجهل بحاله.
      مسألة 9 - لا يجوز للأجير أن يستأجر غيره للعمل بلا إذن من المستأجر. نعم، لو تقبّل العمل من دون أن يؤاجر نفسه له يجوز أن يستأجر غيره له، لكن حينئذٍ لا يجوز أن يستأجره بأقلّ من الاُجرة المجعولة له على الأحوط، إلّا إذا أتى ببعض العمل وإن قلّ.
      مسألة 10 - لو عيّن للأجير وقتا ومدّةً ولم يأت بالعمل أو تمامه في تلك المدّة ليس له أن يأتي به بعدها إلّا بإذن من المستأجر؛ ولو أتى به فهو كالمتبرّع لا يستحقّ اُجرة. نعم، لوكان القرار على الإتيان في الوقت المعيّن بعنوان الاشتراط يستحقّ الاُجرة المسمّاة لو تخلّف، وللمستأجر خيار الفسخ لتخلّف الشرط؛ فإن فسخ يرجع إلى الأجير بالاُجرة المسمّاة، وهو يستحقّ اُجرة المثل للعمل.
      مسألة 11 - لو تبيّن بعد العمل بطلان الإجارة استحقّ الأجير اُجرة المثل بعمله؛ وكذا إذا فُسخت الإجارة من جهة الغبن أو غيره.
      مسألة 12 - لو لم يعيّن كيفيّة العمل من حيث الإتيان بالمستحبّات ولم يكن انصراف يجب الإتيان بالمستحبّات المتعارفة، كالقنوت وتكبيرةالركوع ونحوذلك.

    • البحث في صلاة الجمعة
    •  

      البحث في صلاة الجمعة

      مسألة 1 - تجب صلاةالجمعة في هذه الأعصار مخيّرا بينها وبين صلاة الظهر. والجمعة أفضل والظهر أحوط، وأحوط من ذلك الجمع بينهما؛ فمن صلّى الجمعة سقطت عنه صلاة الظهر على الأقوى، لكنّ الأحوط الإتيان بالظهر بعدها. وهي ركعتان كالصبح.
      مسألة 2 - من ائتمّ بإمام في الجمعة جاز الاقتداء به في العصر، لكن لو أراد الاحتياط أعاد الظهرين بعد الايتمام، إلّا إذا احتاط الإمام بعد صلاة الجمعة قبل العصر بأداءالظهر وكذا المأموم، فيجوزالاقتداء به في العصر ويحصل به الاحتياط.
      مسألة 3 - يجوز الاقتداء في الظهر الاحتياطيّ؛ فإذا صلّوا الجمعة جاز لهم صلاة الظهر جماعةً احتياطا؛ ولو ائتمّ بمن يصلّيها احتياطا من لم يصلّ الجمعة لايجوز له الاكتفاء بها، بل تجب عليه إعادة الظهر.

      • القول في شرائط صلاة الجمعة

         

        القول في شرائط صلاة الجمعة

        وهي اُمور:
        الأوّل: العدد. وأقلّه خمسة نفر أحدهم الإمام، فلا تجب ولا تنعقد بأقلّ منها. وقيل: أقلّه سبعة نفر، والأشبه ما ذكرناه؛ فلو اجتمع سبعة نفر وما فوق تكون الجمعة آكد في الفضل.
        الثاني: الخطبتان. وهما واجبتان كأصل الصلاة. ولا تنعقد الجمعة بدونهما.
        الثالث: الجماعة، فلا تصحّ الجمعة فرادى.
        الرابع: أن لا يكون هناك جمعة اُخرى وبينهما دون ثلاثة أميال؛ فإذا كان بينهما ثلاثة أميال صحّتا جميعا. والميزان هو البعد بين الجمعتين لا البلدين اللذين ينعقد فيهما الجمعة، فجازت إقامة جُمُعات في بلاد كبيرة تكون طولها فراسخ.
        مسألة 1 - لو اجتمع خمسة نفر للجمعة فتفرّقوا في أثناء الخطبة أو بعدها قبل الصلاة ولم يعودوا ولم يكن هناك عدد بقدر النصاب تعيّن على كلّ صلاة الظهر.
        مسألة 2 - لو تفرّقوا في أثناء الخطبة ثمّ عادوا: فإن كان تفرّقهم بعد تحقّق مسمّى الواجب فالظاهر عدم وجوب إعادتها ولو طالت المدّة، كما أنّه كذلك لو تفرّقوا بعدها فعادوا، وإن كان قبل تحقّق الواجب منها فإن كان التفرّق للانصراف عن الجمعة فالأحوط استينافها مطلقا، وإن كان لعذر كمطر - مثلا - فإن طالت المدّة بمقدار أضرّ بالوحدة العرفيّة فالظاهر وجوب الاستيناف، وإلّا بنوا عليها وصحّت.
        مسألة 3 - لو انصرف بعضهم قبل الإتيان بمسمّى الواجب ورجع من غيرفصل طويل: فإن سكت الإمام في غيبته اشتغل بها من حيث سكت، وإن أدامها ولم يسمعها الغائب أعادها من حيث غاب ولم يدركها، وإن لم يرجع إلّا بعد فصل طويل يضرّ بوحدة الخطبة عرفا أعادها، وإن لم يرجع وجاء آخر تجب استينافها مطلقا.
        مسألة 4 - لو زاد العدد على نصاب الجمعة لا يضرّ مفارقة بعضهم مطلقا بعد بقاء مقدار النصاب.
        مسألة 5 - إن دخل الإمام في الصلاة وانفضّ الباقون قبل تكبيرهم ولم يبق إلّا الإمام فالظاهر عدم انعقاد الجمعة. وهل له العدول إلى الظهر أو يجوز إتمامها ظهرا من غير نيّة العدول بل تكون ظهرا بعد عدم انعقاد الجمعة فيتمّها أربع ركعات؟ فيه إشكال، والأحوط نيّة العدول وإتمامها ثمّ الإتيان بالظهر، وأحوط منه إتمامها جمعةً ثمّ الإتيان بالظهر وإن كان الأقرب بطلانها، فيجوز رفع اليد عنهإ؛ك ظظ والإتيان بالظهر.
        مسألة 6 - إن دخل العدد - أي أربعة نفر - مع الإمام في صلاة الجمعة ولو بالتكبير وجب الإتمام ولو لم يبق إلّا واحد على قول معروف، والأشبه بطلانها، سواء بقي الإمام وانفضّ الباقون أو بعضهم أو انفضّ الإمام وبقي الباقون أو بعضهم، وسواء صلّوا ركعة أو أقلّ، لكن لا ينبغي ترك الاحتياط بالإتمام جمعةً ثمّ الإتيان بالظهر. نعم، لا يبعد الصحّة جمعةً إذا انفضّ بعض في أخيرة الركعة الثانيةبل بعد ركوعها؛ والاحتياط بإتيان الظهر مع ذلك بعدها لا ينبغي تركه.
        مسألة 7 - يجب في كلّ من الخطبتين التحميد، ويعقّبه بالثناء عليه تعالى على الأحوط، والأحوط أن يكون التحميد بلفظ الجلالة وإن كان الأقوى جوازه بكلّ ما يعدّ حمدا له تعالى، والصلاة على النبيّ صلّى اللّه عليه وآله على الأحوط في الخطبة الاُولى، وعلى الأقوى في الثانية، والإيصاء بتقوى اللّه تعالى في الاُولى على الأقوى، وفي الثانية على الأحوط، وقراءة سورة صغيرة في الاُولى على الأقوى، وفي الثانية على الأحوط. والأحوط الأولى في الثانية الصلاة على أئمّة المسلمين: بعد الصلاة على النبيّ 9 والاستغفار للمؤمنين والمؤمنات. والأولى اختيار بعض الخطب المنسوبة إلى أمير المؤمنين سلام اللّه عليه أو المأثورة عن أهل بيت العصمة:.
        مسألة 8 - الأحوط إتيان الحمد والصلاة في الخطبة بالعربيّ وإن كان الخطيب والمستمع غير عربيّ. وأمّا الوعظ والإيصاء بتقوى اللّه تعالى فالأقوى جوازه بغيره، بل الأحوط أن يكون الوعظ ونحوه - من ذكر مصالح المسلمين - بلغة المستمعين، وإن كانوا مختلطين يجمع بين اللغات. نعم، لو كان العدد أكثر من النصاب جاز الاكتفاء بلغة النصاب، لكنّ الأحوط أن يعظهم بلغتهم.
        مسألة 9 - ينبغي للإمام الخطيب أن يذكر في ضمن خطبته ما هو من مصالح المسلمين في دينهم ودنياهم، ويخبرهم بما جرى في بلاد المسلمين وغيرها من الأحوال الّتي لهم فيها المضرّة أو المنفعة، وما يحتاج المسلمون إليه في المعاش والمعاد، والاُمور السياسيّة والاقتصاديّة ممّا هي دخيلة في استقلالهم وكيانهم، وكيفيّة معاملتهم مع سائر الملل، والتحذير عن تدخّل الدول الظالمة المستعمرة في اُمورهم - سيّما السياسيّة والاقتصاديّة - المنجرّ إلى استعمارهم واستثمارهم. وبالجملة: الجمعة وخطبتاها من المواقف العظيمة للمسلمين كسائر المواقف العظيمة، مثل الحجّ والمواقف الّتي فيه والعيدين وغيرها، ومع الأسف أغفل المسلمون عن الوظائف المهمّة السياسيّة فيها وفي غيرها من المواقف السياسيّة الإسلاميّة، فالإسلام دين السياسة بشؤونها، يظهر لمن له أدنى تدبّر في أحكامه الحكوميّة والسياسيّة والاجتماعيّة والاقتصاديّة؛ فمن توهّم أنّ الدين منفكّ عن السياسة فهو جاهل لم يعرف الإسلام ولا السياسة.
        مسألة 10 - يجوز إيقاع الخطبتين قبل زوال الشمس بحيث إذا فرغ منهما زالت، والأحوط إيقاعهما عند الزوال.
        مسألة 11 - يجب أن تكون الخطبتان قبل صلاة الجمعة؛ فلو بدأ بالصلاة تبطل. وتجب الصلاة بعدهما لو بقي الوقت. والظاهر عدم وجوب إعادتهما إذا كان الإتيان جهلا أو سهوا، فيأتي بالصلاة بعدهما. ولو قيل بعدم وجوب إعادة الصلاة أيضا إذا كان التقديم عن غير عمد و علم لكان له وجه.
        مسألة 12 - يجب أن يكون الخطيب قائما وقت إيراد الخطبة، ويجب وحدة الخطيب والإمام؛ فلو عجز الخطيب عن القيام خطب غيره وأمّهم الّذي خطبهم؛ ولو لم يكن غير العاجز فالظاهر الانتقال إلى الظهر. نعم، لو كانت الجمعة واجبةً تعيينا خطبهم العاجز عن القيام جالسا. والأحوط الإتيان بالظهر بعد الجمعة. ويجب الفصل بين الخطبتين بجلسة خفيفة.
        مسألة 13 - الأحوط لو لم يكن الأقوى وجوب رفع الصوت في الخطبة بحيث يسمع العدد، بل الظاهر عدم جواز الإخفات بها، بل لا إشكال في عدم جواز إخفات الوعظ والإيصاء. وينبغي أن يرفع صوته بحيث يسمع الحضّار بل هو أحوط، أو يخطب بواسطة السمّاعات إذا كان الجماعة كثيرة لإبلاغ الوعظ والترغيب والترهيب والمسائل المهتمّ بها.
        مسألة 14 - الأحوط بل الأوجه وجوب الإصغاء إلى الخطبة، بل الأحوط الإنصات وترك الكلام بينها وإن كان الأقوى كراهته. نعم، لو كان التكلّم موجبا لترك الاستماع وفوات فائدة الخطبة لزم تركه. والأحوط الأولى استقبال المستمعين الإمامَ حال الخطبة، وعدم الالتفات زائدا على مقدار الجواز في الصلاة، وطهارة الإمام حال الخطبة عن الحدث والخبث، وكذا المستمعين. والأحوط الأولى للإمام أن لا يتكلّم بين الخطبة بما لا يرجع إلى الخطابة. ولابأس بالتكلّم بعد الخطبتين إلى الدخول في الصلاة. وينبغي أن يكون الخطيب بليغا مراعيا لمقتضيات الأحوال بالعبارات الفصيحة الخالية عن التعقيد، عارفا بما جرى على المسلمين في الأقطار سيّما قطره، عالما بمصالح الإسلام والمسلمين، شجاعا لا يلومه في اللّه لومة لائم، صريحا في إظهار الحقّ وإبطال الباطل حسب المقتضيات والظروف، مراعيا لما يوجب تأثير كلامه في النفوس: من مواظبة أوقات الصلوات، والتلبّس بزيّ الصالحين والأولياء، وأن يكون أعماله موافقا لمواعظه وترهيبه وترغيبه، وأن يجتنب عمّا يوجب وهنه ووهن كلامه، حتّى كثرة الكلام والمزاح وما لا يعني. كلّ ذلك إخلاصا للّه تعالى وإعراضا عن حبّ الدنيا والرئاسة - فإنّه رأس كلّ خطيئة - ليكون لكلامه تأثير في النفوس. ويستحبّ له أن يتعمّم في الشتاء والصيف، ويتردّى ببرد يمنيّ أو عدنيّ، ويتزيّن، ويلبس أنظف ثيابه متطيّبا، على وقار وسكينة، وأن يسلّم إذا صعد المنبر، واستقبل الناس بوجهه، ويستقبلونه بوجوههم، وأن يعتمد على شي ء من قوس أو عصا أو سيف، وأن يجلس على المنبر أمام الخطبة حتّى يفرغ المؤذّنون.
        مسألة 15 - قد مرّ اعتبار الفاصلة بين الجمعتين بثلاثة أميال؛ فإن اُقيمت جمعتان دون الحدّ المعتبر فإن اقترنتا بطلتا جميعا، وإن سبقت إحداهما ولو بتكبيرة الإحرام بطلت المتأخّرة، سواء كان المصلّون عالمين بسبق جمعة أم لا، وصحّت المتقدّمة، سواء علم المصلّون بلحوق جمعة أم لا. والميزان في الصحّة تقدّم الصلاة لا الخطبة؛ فلو تقدّم إحدى الجمعتين في الخطبة والاُخرى في الصلاة بطلت المتأخّرة في الشروع في الصلاة.
        مسألة 16 - الأحوط عند إرادة إقامة جمعة في محلّ إحراز أن لا جمعة هناك -دون الحدّ المقرّر- مقارنةً لها أو منعقدةً قبلها، وإن كان الأشبه جواز الانعقاد وصحّة الجمعة ما لم يحرز انعقاد جمعة اُخرى مقارنةً لها أو مقدّمةً عليها، بل الظاهر جواز الانعقاد لو علم بانعقاد اُخرى وشكّ في مقارنتها أو سبقها.
        مسألة 17 - لو علموا بعد الفراغ من الصلاة بعقد جمعة اُخرى واحتمل كلّ من الجماعتين السبق واللحوق فالظاهر عدم وجوب الإعادة عليهما -لا جمعةً ولاظهرا- وإن كان الوجوب أحوط. ويجب على الجماعة الّتي لم يحضروا الجمعتين إذا أرادوا إقامة جمعة ثالثة إحرازُ بطلان الجمعتين المتقدّمتين، ومع احتمال صحّة إحداهما لا يجوز إقامة جمعة اُخرى.

      • القول في من تجب عليه

         

        القول في من تجب عليه

        مسألة 1 - يشترط في وجوبها اُمور: التكليف، والذكورة، والحرّيّة، والحضر، والسلامة من العمى والمرض، وأن لا يكون شيخا كبيرا، وأن لا يكون بينه وبين محلّ إقامة الجمعة أزيد من فرسخين؛ فهؤلاء لا يجب عليهم السعي إلى الجمعة لو قلنا بالوجوب التعيينيّ، ولا تجب عليهم ولو كان الحضور لهم غير حرجيّ ولا مشقّة فيه.
        مسألة 2 - كلّ هؤلاء إذا اتّفق منهم الحضور أو تكلّفوه صحّت منهم وأجزأت عن الظهر؛ وكذا كلّ من رُخّص له في تركها لمانع: من مطر، أو برد شديد، أو فقد رجل، ونحوها ممّا يكون الحضور معه حرجا عليه. نعم، لا تصحّ من المجنون، وصحّت صلاة الصبيّ؛ وأمّا إكمال العدد به فلا يجوز، وكذا لا تنعقد بالصبيان فقط.
        مسألة 3 - يجوز للمسافر حضور الجمعة. وتنعقد منه وتجزيه عن الظهر، لكن لو أراد المسافرون إقامتها من غير تبعيّة للحاضرين لا تنعقد منهم، وتجب عليهم صلاة الظهر. ولو قصدوا الإقامة جازت لهم إقامتها. ولا يجوز أن يكون المسافر مكمّلا للعدد.
        مسألة 4 - يجوز للمرأة الدخول في صلاة الجمعة، وتصحّ منها وتجزيها عن الظهر إن كان عدد الجمعة - أي خمسة نفر - رجالا؛ وأمّا إقامتها للنساء أو كونها من جملة الخمسة فلاتجوز، ولا تنعقد إلّا بالرجال.
        مسألة 5 - تجب الجمعة على أهل القرى والسواد كما تجب على أهل المدن والأمصار مع استكمال الشرائط. وكذا تجب على ساكني الخيم والبوادي إذا كانوا قاطنين فيها.
        مسألة 6 - تصحّ الجمعة من الخنثى المشكل. ولا يصحّ جعله إماما أو مكمّلا للعدد، فلو لم يكمّل إلّا به لا تنعقد الجمعة وتجب الظهر.

      • القول في وقتها

         

        القول في وقتها

        مسألة 1 - يدخل وقتها بزوال الشمس، فإذا زالت فقد وجبت؛ فإذا فرغ الإمام من الخطبتين عند الزوال فشرع فيها صحّت. وأمّا آخر وقتها بحيث تفوت بمضيّه ففيه خلاف وإشكال، والأحوط عدم التأخير عن الأوائل العرفيّة من الزوال، وإذا اُخّرت عن ذلك فالأحوط اختيار الظهر وإن لا يبعد امتداده إلى قدمين من في ء المتعارف من الناس.
        مسألة 2 - لا يجوز إطالة الخطبة بمقدار يفوت وقت الجمعة إذا كان الوجوب تعيينيّا؛ فلو فعل أثم ووجبت صلاة الظهر، كما تجب الظهر في الفرض على التخيير أيضا، وليس للجمعة قضاء بفوات وقتها.
        مسألة 3 - لو دخلوا في الجمعة فخرج وقتها فإن أدركوا منها ركعة في الوقت صحّت، وإلّا بطلت على الأشبه؛ والأحوط الإتمام جمعةً ثمّ الإتيان بالظهر. ولو تعمّدوا إلى بقاء الوقت بمقدار ركعة فإن قلنا بوجوبها تعيينا أثموا وصحّت صلاتهم، وإن قلنا بالتخيير - كما هو الأقوى - فالأحوط اختيار الظهر، بل لا يترك الاحتياط بإتيان الظهر في الفرض الأوّل أيضا مع القول بالتخيير.
        مسألة 4 - لو تيقّن أنّ الوقت يتّسع لأقلّ الواجب من الخطبتين وركعتين خفيفتين تخيّر بين الجمعة والظهر. ولو تيقّن بعدم الاتّساع لذلك تعيّن الظهر. ولو شكّ في بقاء الوقت صحّت، ولو انكشف بعدُ عدم الاتّساع حتّى لركعة يأتي بالظهر. ولو علم مقدار الوقت وشكّ في اتّساعه لها يجوز الدخول فيها، فإن اتّسع صحّت، وإلّا يأتي بالظهر؛ والأحوط اختيار الظهر، بل لا يترك في الفرع السابق مع الاتّساع لركعة.
        مسألة 5 - لو صلّى الإمام بالعدد المعتبر في اتّساع الوقت ولم يحضر المأموم من غير العدد الخطبةَ وأوّلَ الصلاة ولكنّه أدرك مع الإمام ركعةً صلّى جمعةً ركعةً مع الإمام وأضاف ركعةً اُخرى منفردا وصحّت صلاته. وآخر إدراك الركعة إدراك الإمام في الركوع؛ فلو ركع والإمام لم ينهض إلى القيام صحّت صلاته. والأفضل لمن لم يدرك تكبيرة الركوع الإتيان بالظهر أربع ركعات. ولو كبّر وركع ثمّ شكّ في أنّ الإمام كان راكعا وأدرك ركوعه أو لا لم تقع صلاته جمعةً؛ وهل تبطل أو تصحّ ويجب الإتمام ظهرا؟ فيه إشكال، والأحوط إتمامها ظهرا ثمّ إعادتها.

      • فروع

         

        فروع

        الأوّل: شرائطالجماعة في غيرالجمعة معتبرة في الجمعةأيضا:من عدم الحائل، وعدم علوّ موقف الإمام، وعدم التباعد وغيرها. وكذا شرائط الإمام في الجمعة هي الشرائط في إمام الجماعة: من العقل والإيمان وطهارة المولد والعدالة. نعم، لايصحّ في الجمعة إمامة الصبيان ولا النساء وإن قلنا بجوازها لمثلهما في غيرها.
        الثاني: الأذان الثاني يوم الجمعة بدعة محرّمة. وهو الأذان الّذي يأتي المخالفون به بعد الأذان الموظّف، وقد يطلق عليه الأذان الثالث، ولعلّه باعتبار كونه ثالث الأذان والإقامة، أو ثالث الأذان للإعلام والأذان للصلاة، أو ثالث باعتبار أذان الصبح والظهر. والظاهر أنّه غير الأذان للعصر.
        الثالث: لا يحرم البيع ولا غيره من المعاملات يوم الجمعة بعد الأذان في أعصارنا ممّا لا تجب الجمعة فيها تعيينا.
        الرابع: لو لم يتمكّن المأموم - لزحام ونحوه - من السجود مع الإمام في الركعة الاُولى الّتي أدرك ركوعها معه: فإن أمكنه السجود واللحاق به قبل الركوع أو فيه فعل وصحّت جمعته، وإن لم يمكنه ذلك لم يتابعه في الركوع، بل اقتصر على متابعته في السجدتين، ونوى بهما للاُولى، فيكمل له ركعة مع الإمام، ثمّ يأتي بركعة ثانية لنفسه، وقد تمّت صلاته. وإن نوى بهما الثانية قيل: يحذفهما ويسجد للاُولى ويأتي بالركعة الثانية وصحّت صلاته، وهو مرويّ؛ وقيل: تبطل الصلاة. ويحتمل جعلهما للاُولى إذا كانت نيّته للثانية لغفلة أو جهل، وأتى بالركعة الثانية كالفرض الأوّل. والمسألة لا تخلو من إشكال، فالأحوط الإتمام بحذفهما والسجدة للاُولى والإتيان بالظهر؛ وكذا لو نوى بهما التبعيّة للإمام.
        الخامس: صلاة الجمعة ركعتان. وكيفيّتها كصلاة الصبح. ويستحبّ فيها الجهر بالقراءة، وقراءة «الجمعة» في الاُولى و«المنافقين» في الثانية. وفيها قنوتان: أحدهما قبل ركوع الركعة الاُولى، وثانيهما بعد ركوع الثانية.
        وقد مرّ بعض الأحكام الراجعة إليها في مباحث القراءة وغيرها. ثمّ إنّ أحكامها في الشرائط والموانع والقواطع والخلل والشكّ والسهو وغيرها ما تقدّمت في كتاب الطهارة والصلاة.

    • القول في صلاة العيدين

       

      القول في صلاة العيدين
      الفطر والأضحى
       
      وهي واجبة مع حضور الإمام (عليه السلام) وبسط يده واجتماع سائر الشرائط، ومستحبّة في زمان الغيبة. والأحوط إتيانها فرادى في ذلك العصر. ولابأس بإتيانها جماعةً رجاءً، لا بقصد الورود. ووقتها من طلوع الشمس إلى الزوال، ولاقضاء لها لوفاتت. وهي ركعتان في كلّ منهما يقرأ«الحمد» وسورةً. والأفضل أن يقرأ في الاُولى سورة «الشمس» وفي الثانية سورة «الغاشية»، أو في الاُولى سورة «الأعلى» وفي الثانية سورة «الشمس». وبعد السورة في الاُولى خمس تكبيرات وخمسة قنوتات، بعد كلّ تكبيرة قنوت، وفي الثانية أربع تكبيرات وأربعة قنوتات، بعد كلّ تكبيرةٍ قنوت. ويجزي في القنوت كلّ ذكر ودعاء كسائر الصلوات. ولو أتى بما هو المعروف رجاء الثواب لا بأس به وكان حسنا، وهو:
      «أَللّهُمّ أَهْلَ الْكِبْرِيَآءِ وَالْعَظَمَةِ، وَأَهْلَ الْجُودِ وَالْجَبَرُوتِ، وَأَهْلَ الْعَفْوِ وَالرّحْمَةِ، وَأَهْلَ التّقْوى وَالْمَغْفِرَةِ، أَسْأَلُكَ بِحَقّ هَذا الْيَوْمِ، أَلّذِي جَعَلْتَهُ لِلْمُسْلِمينَ عِيدا، وَلِمُحَمّدٍ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ ذُخْرا وَشَرَفا، وَكَرَامَةً وَمَزِيدا، أَنْ تُصَلّيَ عَلَى مُحَمّدٍ وَآلِ مُحَمّدٍ، وَأَنْ تُدْخِلَنِي فِي كُلّ خَيْرٍ أَدْخَلْتَ فِيهِ مُحَمّدا وَآلَ مُحَمّدٍ، وَأَنْ تُخْرِجَنِي مِنْ كُلّ سُوءٍ أَخْرَجْتَ مِنْهُ مُحَمّدا وَآلَ مُحَمّدٍ، صَلَواتُكَ عَلَيْهِ وَعَلَيْهِمْ، أَللّهُمّ إِنّي أَسْأَلُكَ بِهِ خَيْرَ مَا سَأَلَكَ بِهِ عِبَادُكَ الصّالِحُونَ، وَأَعُوذُبِكَ مِمّا اسْتَعَاذَ مِنْهُ عِبَادُكَ الْمُخْلَصُونَ».
      ولو صلّى جماعةً رجاءً يأتي بخطبتين بعدها رجاءً أيضا. ويجوز تركهما في زمان الغيبة. ويستحبّ فيها الجهر للإمام والمنفرد، ورفع اليدين حال التكبيرات، والإصحار بها إلّا في مكّة. ويكره أن يصلّي تحت السقف.
      مسألة 1 - لا يتحمّل الإمام فيها ما عدا القراءة كسائر الجماعات.
      مسألة 2 - لو شكّ في التكبيرات أو القنوتات وهو في المحلّ بنى على الأقلّ.
      مسألة 3 - لو أتى بموجب سجود السهو فيها فالأحوط الإتيان رجاءً وإن كان عدم وجوبه في صورة استحبابها لا يخلو من قوّة. وكذا الحال في قضاء التشهّد والسجدة المنسيّين.
      مسألة 4 - ليس في هذه الصلاة أذان ولا إقامة. نعم، يستحبّ أن يقول المؤذّن: «الصلاة» ثلاثا.
    • القول في بعض الصلوات المندوبة
      • صلاة جعفر بن أبي‌طالب (عليه السلام)


        صلاة جعفر بن أبي‌طالب (عليه السلام)

        فمنها: صلاة جعفر بن أبي طالب (عليه السلام) وهي من المستحبّات الأكيدة، ومن المشهورات بين العامّة والخاصّة، وممّا حباه النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) ابن عمّه حين قدومه من سفره حبّا له وكرامةً عليه؛ فعن الصادق (عليه السلام) أنّه «قال النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) لجعفر حين قدومه من الحبشة يوم فتح خيبر: ألا أمنحك؟ ألا اُعطيك؟ ألا أحبوك؟ فقال: بلى يا رسول اللّه(صلى الله عليه وآله وسلم) - قال: - فظنّ الناس أنّه يعطيه ذهبا أو فضّةً، فأشرف الناس لذلك، فقال له: إنّي اُعطيك شيئا إن أنت صنعته في كلّ يوم كان خيرا لك من الدنيا وما فيها، فإن صنعته بين يومين غفراللّه لك ما بينهما، أو كلّ جمعة أو كلّ شهر أو كلّ سنةٍ غفر لك ما بينهما».
        وأفضل أوقاتها يوم الجمعة حين ارتفاع الشمس. ويجوز احتسابها من نوافل الليل أو النهار، تحسب له من نوافله وتحسب له من صلاة جعفر7 كما في الخبر، فينوي بصلاة جعفر نافلة المغرب مثلا.
        وهي أربع ركعات بتسليمتين، يقرأ في كلّ ركعة «الحمد» وسورةً ثمّ يقول: «سبحان اللّه والحمد للّه ولا إله إلّا اللّه واللّه أكبر» خمس عشرة مرّة، ويقولها في الركوع عشر مرّات، وكذا بعد رفع الرأس منه عشر مرّات، وكذا في السجدة الاُولى وبعد رفع الرأس منها، وفي السجدة الثانية وبعد رفع الرأس منها يقولها عشر مرّات، فتكون في كلّ ركعة خمس وسبعون مرّة، ومجموعها ثلاثمائة تسبيحة. والظاهر الاكتفاء بالتسبيحات عن ذكر الركوع والسجود، والأحوط عدم الاكتفاء بها عنه. ولا تتعيّن فيها سورة مخصوصة، لكنّ الأفضل أن يقرأ في الركعة الاُولى «إِذَا زُلْزِلَتْ» وفي الثانية «وَالْعَادِيَاتِ»، وفي الثالثة «إِذَا جَآءَ نَصْرُ اللّهِ»، وفي الرابعة «قُلْ هُوَ اللّهُ أَحَدٌ».
        مسألة 1 - يجوز تأخير التسبيحات إلى ما بعد الصلاة إذا كان مستعجلا؛ كما يجوز التفريق في أصل الصلاة إذا كانت له حاجة ضروريّة، فيأتي بركعتين، وبعد قضاء تلك الحاجة يأتي بالبقيّة.
        مسألة 2 - لوسها عن بعض التسبيحات في محلّه: فإن تذكّره في بعض المحالّ الاُخر قضاه في ذلك المحلّ مضافا إلى وظيفته، فإذا نسي تسبيحات الركوع وتذكّرها بعد رفع الرأس منه سبّح عشرين تسبيحة، وهكذا في باقي المحالّ والأحوال، وإن لم يتذكّرها إلّا بعد الصلاة فالأولى والأحوط أن يأتي بها رجاءً.
        مسألة 3 - يستحبّ أن يقول في السجدة الثانية من الركعة الرابعة بعد التسبيحات: «يَا مَنْ لَبِسَ الْعِزّ وَالْوَقَارَ، يَا مَنْ تَعَطّفَ بِالْمَجْدِ وَتَكَرّمَ بِهِ، يَا مَنْ لَا يَنْبَغِي التّسْبِيحُ إِلّا لَهُ، يَا مَنْ أَحْصَى كُلّ شَيْ ءٍ عِلْمُهُ، يَا ذَا النّعْمَةِ وَالطّوْلِ، يَا ذَاالْمَنّ وَالْفَضْلِ، يَا ذَا الْقُدْرَةِ وَالْكَرَمِ، أَسْأَلُكَ بِمَعَاقِدِ الْعِزّ مِنْ عَرْشِكَ، وَمُنْتَهَى الرّحْمَةِ مِنْ كِتابِكَ، وَبِاِسْمِكَ الْأَعْظَمِ الأَعْلَى وَكَلِمَاتِكَ التّامّاتِ، أَنْ تُصَلّيَ عَلَى مُحَمّدٍ وَآلِ مُحَمّدٍ، وَأَنْ تَفْعَلَ بِي كَذَا وَكَذَا» ويذكر حاجاته.
        ويستحبّ أن يدعو بعد الفراغ من الصلاة ما رواه الشيخ الطوسيّ والسيّد ابن طاووس عن المفضّل بن عمر، قال: «رأيت أبا عبداللّه (عليه السلام) يصلّي صلاة جعفر، ورفع يديه ودعا بهذا الدعاء: «يَا رَبّ يَا رَبّ» حتّى انقطع النفس «يَا رَبّاهُ يَا رَبّاهُ» حتّى انقطع النفس «رَبّ رَبّ» حتّى انقطع النفس «يَا أَللّهُ يَا أللّهُ» حتّى انقطع النفس «يَا حَيّ يَا حَيّ» حتّى انقطع النفس «يَا رَحِيمُ يَا رَحِيمُ» حتّى انقطع النفس «يَارَحْمَانُ يَا رَحْمَانُ» سبع مرّات «يَا أَرْحَمَ الرّاحِمِينَ» سبع مرّات، ثمّ قال: «أَللّهُمّ إِنّي أَفْتَتِحُ الْقَوْلَ بِحَمْدِكَ، وَأَنْطِقُ بِالثّنآءِ عَلَيْكَ، وَاُمَجّدُكَ، وَلَا غَايَةَ لِمَدْحِكَ، وَأُثْنِي عَلَيْكَ، وَمَنْ يَبْلُغُ غَايَةَ ثَنآئِكَ وَأَمَدَ مَجْدِكَ؟! وَأَنّى لِخَلِيقَتِكَ كُنْهُ مَعْرِفَةِ مَجْدِكَ؟! وَأَيّ زَمَنٍ لَمْ تَكُنْ مَمْدُوحا بِفَضْلِكَ، مَوْصُوفا بِمَجْدِكَ، عَوّادا عَلَى الْمُذْنِبينَ بِحِلْمِكَ؟! تَخَلّفَ سُكّانُ أَرْضِكَ عَنْ طَاعَتِكَ، فَكُنْتَ عَلَيْهِمْ عَطُوفا بِجُودِكَ، جَوادا بِفَضْلِكَ، عَوّادا بِكَرَمِكَ، يَا لَا إِلهَ إِلّا أَنْتَ الْمَنّانُ، ذُوالْجَلالِ وَالْإِكْرَامِ». ثمّ قال لي: يا مفضّل إذا كانت لك حاجة مهمّة فصلّ هذه الصلاة وادع بهذا الدعاء وسل حاجتك يقضها اللّه إن شاء اللّه وبه الثقة».
      • صلاة الإستسقاء

         

        ومنها: صلاة الاستسقاء

        وهو طلب السُقيا. وهي مستحبّة عند غور الأنهار وفتور الأمطار، ومنع السماء قطرها لأجل شيوع المعاصي، وكفران النعم، ومنع الحقوق، والتطفيف في المكيال والميزان، والظلم والغدر، وترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ومنع الزكاة، والحكم بغير ما أنزل اللّه، وغير ذلك ممّا يوجب غضب الرحمان الموجب لحبس الأمطار كما في الأثر.
        وكيفيّتها كصلاة العيدين ركعتان في جماعة. ولا بأس بالفرادى رجاءً. يقرأ في كلّ منهما «الحمد» وسورةً، ويكبّر بعد السورة في الاُولى خمس تكبيرات، ويأتي بعد كلّ تكبيرة بقنوت، وفي الثانية أربع تكبيرات، يأتي بعد كلّ تكبيرة بقنوت. ويجزي في القنوت كلّ دعاء. والأولى اشتماله على طلب الغيث والسقي واستعطاف الرحمان بإرسال الأمطار وفتح أبواب السماء بالرحمة. ويقدّم على الدعاء الصلاة على محمّد وآله عليهم الصلاة والسلام.
        ومسنوناتها اُمور:
        منها: الجهر بالقراءة، وقراءة السور الّتي تستحبّ في العيدين.
        ومنها: أن يصوم الناس ثلاثة أيّام، ويكون خروجهم يوم الثالث، ويكون ذلك الثالث يوم الاثنين، وإن لم يتيسّر فيوم الجمعة لشرفه وفضله.
        ومنها: أن يخرج الإمام ومعه الناس إلى الصحراء في سكينة ووقار وخشوع ومسألة، ويتّخذوا مكانا نظيفا للصلاة. والأولى أن يكون الخروج في زيّ يجلب الرحمة، ككونهم حُفاةً.
        ومنها: إخراج المنبر معهم إلى الصحراء، وخروج المؤذّنين بين يدي الإمام.
        ومنها: ما ذكره الأصحاب من أن يُخرجوا معهم الشيوخ والأطفال والعجائز والبهائم، ويفرّق بين الأطفال واُمّهاتهم ليكثروا من الضجيج والبكاء، ويكون سببا لدرّ الرحمة، ويمنعون خروج الكفّار كأهل الذمّة وغيرهم معهم.
        مسألة 1 - الأولى إيقاعها وقت صلاة العيد وإن لا يبعد عدم توقيتها بوقت.
        مسألة 2 - لا أذان ولا إقامة لها، بل يقول المؤذّن بدلا عنهما: «الصلاة» ثلاث مرّات.
        مسألة 3 - إذا فرغ الإمام من الصلاة حوّل رداءه استحبابا، بأن يجعل ما على اليمين على اليسار وبالعكس، وصعد المنبر، واستقبل القبلة، وكبّر مائة تكبيرة رافعا بها صوته، ثمّ التفت إلى الناس عن يمينه فسبّح اللّه مائة تسبيحة رافعا بها صوته. ثمّ التفت إلى الناس على يساره فهلّل اللّه مائة تهليلة رافعا بها صوته، ثمّ استقبل الناس فحمد اللّه مائة تحميدة. ولابأس برفع الصوت فيها أيضا، كما لابأس بمتابعة المأمومين الإمام في الأذكار، بل وفي رفع الصوت، ولعلّه أجلب للرحمة وأرجى لتحصيل المقصود. ثمّ يرفع الإمام يديه ويدعو ويدعو الناس، ويبالغون في الدعاء والتضرّع والاستعطاف والابتهال إليه تعالى. ولا بأس بأن يؤمّن الناس على دعاء الإمام. ثمّ يخطب الإمام ويبالغ في التضرّع والاستعطاف. والأولى اختيار بعض ما ورد عن المعصومين: كالواردة عن مولانا أمير المؤمنين 7 ممّا أوّلها «أَلْحَمْدُ للّهِ ِ سَابِ-غِ النّعَمِ ...». والأولى أن يخطب فيها خطبتين كما في العيدين، ويأتي بالثانية رجاءً.
        مسألة 4 - كما تجوز هذه الصلاة عند قلّة الأمطار تجوز عند جفاف مياه العيون والآبار.
        مسألة 5 - لو تأخّر الإجابة كرّروا الخروج حتّى يدركهم الرحمة إن شاء اللّه تعالى. ولو لم يجبهم فلمصالح هو تعالى عالم بها، وليس لنا الاعتراض ولا اليأس من رحمة اللّه تعالى. ويجوز التكرار متّصلا والاكتفاء بصوم الثلاثة، وغيرَ متّصل مع صوم ثلاثة أيّام اُخر يأتي بها رجاءً، بل يأتي بالتكرار أيضا رجاءً.
        ومنها: صلاة الغفيلة. وهي ركعتان بين المغرب والعشاء. وقد تقدّم تفصيلها في المقدّمة الاُولى من كتاب الصلاة.
        ومنها: صلاة ليلة الدفن. وقد مرّت في باب الدفن من أحكام الأموات أيضا.
        ومنها: صلاة أوّل الشهر، وصلاة الحاجة وغيرهما ممّا هو مذكور في محالّها مفصّلا.

    • فصل في صلاة المسافر
      • شرائط السفر

         

         شرائط السفر

        يجب القصر على المسافر في الصلوات الرباعيّة مع اجتماع الشروط الآتية؛ وأمّا الصبح والمغرب فلا قصر فيهما.
        ويشترط في التقصير للمسافر اُمور:
        أحدها: المسافة. وهي ثمانية فراسخ امتداديّة ذهابا أو إيابا أو ملفّقة، بشرط عدم كون الذهاب أقلّ من أربعة، سواء اتّصل إيابه بذهابه ولم يقطعه بمبيت ليلة فصاعدا في الأثناء، أو قطعه بذلك لا على وجه تحصل به الإقامة القاطعة للسفر ولا غيرها من القواطع، فيقصّر ويفطر، إلّا أنّ الأحوط احتياطا شديدا في الصورة الأخيرة التمام مع ذلك وقضاء الصوم.

        مسألة 1- الفرسخ ثلاثة أميال. والميل أربعة آلاف ذراع بذراع اليد، الّذي طوله عرض أربعة وعشرين إصبعا، وكلّ إصبع عرض سبع شعيرات، وكلّ شعيرة عرض سبع شعرات من أوسط شعر البِرْذَون، فإن نقصت عن ذلك ولو يسيرا بقي على التمام.
        مسألة 2 - لو كان الذهاب خمسة فراسخ والإياب ثلاثة وجب القصر؛ بخلاف العكس. ولو تردّد في أقلّ من أربعة فراسخ ذاهبا وجائيا مرّات حتّى بلغ المجموع ثمانية وأكثر لم يقصّر وإن كان خارجا عن حدّ الترخّص؛ فلا بدّ في التلفيق أن يكون المجموع من ذهاب واحد وإياب واحد ثمانيةً.
        مسألة 3 - لو كان للبلد طريقان والأبعد منهما مسافة دون الأقرب: فإن سلك الأبعد قصّر، وإن سلك الأقرب أتمّ، وإن ذهب من الأقرب وكان أقلّ من أربعة فراسخ بقي على التمام وإن رجع من الأبعد وكان المجموع مسافةً.
        مسألة 4 - مبدأ حساب المسافة سور البلد، وفي ما لا سور له آخر البيوت. هذا في غير البلدان الكبار الخارقة؛ وأمّا فيها فهو آخر المحلّة إذا كان منفصل المحالّ بحيث تكون المحلّات كالقرى المتقاربة، وإلّا ففيه إشكال كالمتّصل المحالّ، فالأحوط الجمع فيها في ما إذا لم يبلغ المسافة من آخر البلد وكان بمقدارها إذا لوحظ منزله، وإن كان القول بأنّ مبدأ الحساب في مثلها من منزله ليس ببعيد.
        مسألة 5 - لو كان قاصدا للذهاب إلى بلد وكان شاكّا في كونه مسافةً أو معتقدا للعدم ثمّ بان في أثناء السير كونه مسافةً يقصّر وإن لم يكن الباقي مسافةً.
        مسألة 6 - تثبت المسافة بالعلم وبالبيّنة. ولو شهد العدل الواحد فالأحوط الجمع؛ فلو شكّ في بلوغها أو ظنّ به بقي على التمام. ولا يجب الاختبار المستلزم للحرج. نعم، يجب الفحص بسؤال ونحوه عنها على الأحوط. ولو شكّ العاميّ في مقدار المسافة شرعا ولم يتمكّن من التقليد وجب عليه الاحتياط بالجمع.
        مسألة 7 - لو اعتقد كونه مسافةً فقصّر ثمّ ظهر عدمها وجبت الإعادة؛ ولو اعتقد عدم كونه مسافةً فأتمّ ثمّ ظهر كونه مسافةً وجبت الإعادة في الوقت على الأقوى، وفي خارجه على الأحوط.
        مسألة 8 - الذهاب في المسافة المستديرة هو السير إلى النقطة المقابلة لمبدأ السير؛ فإذا أراد السير مستديرا يقصّر ولو كان شغله قبل البلوغ إلى النقطة المقابلة، بشرط كون السير إليها أربعة فراسخ، والأحوط الجمع إذا كان شغله قبلها.
        ثانيها: قصد قطع المسافة من حين الخروج؛ فلو قصد ما دونها و بعد الوصول إلى المقصد قصد مقدارا آخر دونها وهكذا يتمّ في الذهاب وإن كان المجموع مسافةً وأكثر. نعم، لو شرع في العود يقصّر إذا كملت المسافة وكان من قصده قطعها؛ وكذا لو لم يكن له مقصد معيّن ولا يدري أيّ مقدار يقطع - كما لو طلب دابّةً شاردةً مثلا ولم يدر إلى أين مسيره - لا يقصّر في ذهابه وإن قطع المسافة فأكثر. نعم، يقصّر في العود بالشرط المتقدّم. ولو عيّن في الأثناء مقصدا يبلغ المسافة ولوبالتلفيق مع الشرط المتقدّم فيه يقصّر. ولو خرج إلى ما دون الأربعة وينتظر رفقةً إن تيسّروا سافر معهم، وإلّا فلا، أو كان سفره منوطا بحصول أمر ولم يطمئنّ بتيسّر الرفقة أو حصول ذلك الأمر يجب عليه التمام.
        مسألة 9 - المدار قصد قطع المسافة - وإن حصل ذلك منه في أيّام - مع عدم تخلّل أحد قواطع السفر، ما لم يخرج بذلك عن صدق اسم السفر عرفا، كما لو قطع في كلّ يوم مقدارا يسيرا جدّا للتنزّه ونحوه، لا من جهة صعوبة السير، فإنّه يتمّ حينئذٍ، والأحوط الجمع.
        مسألة 10 - لا يعتبر في قصد المسافة أن يكون مستقلّاً، بل يكفي ولو من جهة التبعيّة، سواء كان لوجوب الطاعة كالزوجة، أو قهرا كالأسير، أو اختيارا كالخادم، بشرط العلم بكون قصد المتبوع مسافةً، وإلّا بقي على التمام، والأحوط الاستخبار وإن كان الأقوى عدم وجوبه. ولا يجب على المتبوع الإخبار وإن فرض وجوب الاستخبار على التابع.
        مسألة 11 - لو اعتقد التابع أنّ متبوعه لم يقصد المسافة أو شكّ في ذلك وعلم في الأثناء أنّه كان قاصدا لها: فإن كان الباقي مسافةً يجب عليه القصر، وإلّا فالظاهر وجوب التمام عليه.
        ثالثها: استمرار القصد؛ فلو عدل عنه قبل بلوغ أربعة فراسخ أو تردّد أتمّ، ومضى ما صلّاه قصرا، ولا إعادة عليه في الوقت ولا خارجه؛ وإن كان العدول أو التردّد بعد بلوغ الأربعة بقي على التقصير وإن لم يرجع ليومه إذا كان عازما على العود قبل عشرة أيّام.
        مسألة 12 - يكفي في استمرار القصد بقاء قصد النوع وان عدل عن الشخص، كما لو قصد السفر إلى مكان خاصّ وكان مسافةً فعدل في أثناء الطريق إلى آخر يبلغ ما مضى مع ما بقي إليه مسافةً، فإنّه يقصّر حينئذٍ على الأصحّ؛ كما أنّه يقصّر لوكان من أوّل الأمر قاصدا للنوع دون الشخص، بأن يشرع في السفر قاصدا للذهاب إلى أحد الأمكنة الّتي كلّها مسافة ولم يعيّن أحدها بل أوكل التعيين إلى وقت الوصول إلى الحدّ المشترك بينها.
        مسألة 13 - لو تردّد في الأثناء قبل بلوغ أربعة فراسخ ثمّ عاد إلى الجزم: فإن لم يقطع شيئا من الطريق حال التردّد بقي على القصر وإن لم يكن ما بقي مسافةً ولو ملفّقة؛ وإن قطع شيئا منه حاله: فإن كان ما بقي مسافةً بقي على القصر أيضا، وإن لم يكن مسافةً فلا إشكال في وجوب التمام إذا لم يكن ما بقي بضمّ ما قطع قبل حصول التردّد مسافةً؛ وأمّا إذا كان المجموع بإسقاط ما تخلّل في البين مسافةً فالأحوط الجمع وإن لا يبعد العود إلى القصر، خصوصا إذا كان القطع يسيرا.
        رابعها: أن لا ينوي قطع السفر بإقامة عشرة أيّام فصاعدا في أثناء المسافة أو بالمرور على وطنه كذلك، كما لو عزم على قطع أربعة فراسخ قاصدا للإقامة في أثنائها أو على رأسها أو كان له وطن كذلك وقد قصد المرور عليه، فإنّه يُتمّ حينئذٍ؛ وكذا لو كان متردّدا في نيّة الإقامة أو المرور على المنزل المزبور على وجه ينافي قصد قطع المسافة. ومنه ما إذا احتمل عروض عارضٍ منافٍ لإدامة السير أو عروض مقتضٍ لنيّة الإقامة في الأثناء أو المرور على الوطن، بشرط أن يكون ذلك ممّا يعتني به العقلاء؛ وأمّا مع احتمالٍ غير معتنىً به كاحتمال حدوث مرض أو غيره ممّا يكون مخالفا للأصل العقلائيّ فإنّه يقصّر.
        مسألة 14 - لو كان حين الشروع قاصدا للإقامة أو المرور على الوطن قبل بلوغ الثمانية أو كان متردّدا ثمّ عدل وبنى على عدم الأمرين: فإن كان ما بقي بعد العدول مسافةً ولو ملّفقةً قصّر، وإلّا فلا.
        مسألة 15 - لو لم يكن من نيّته الإقامة وقطع مقدارا من المسافة ثمّ بدا له قبل بلوغ الثمانية ثمّ عدل عمّا بدا له وعزم على عدم الإقامة: فإن كان ما بقي بعدالعدول عمّا بدا له مسافةً قصّر بلا إشكال؛ وكذا إن لم يكن كذلك ولم يقطع بين العزمين شيئا من المسافة وكان المجموع مسافةً؛ وأمّا لو قطع شيئا بينهما فهل يضمّ ما مضى قبل العدول إلى ما بقي - بإسقاط ما تخلّل في البين - إذا كان المجموع مسافةً أم لا؟ فالأحوط الجمع وإن لا يبعد العود إلى التقصير، خصوصا إذا كان القطع يسيرا كما مرّ نظيره.
        خامسها: أن يكون السفر سائغا؛ فلو كان معصيةً لم يقصّر، سواء كان بنفسه معصيةً كالفرار من الزحف ونحوه، أو غايته كالسفر لقطع الطريق ونيل المظالم من السلطان ونحو ذلك. نعم، ليس منه ما وقع المحرّم في أثنائه مثل الغيبة ونحوها ممّا ليس غايةً لسفره، فيبقى على القصر،بل ليس منه ما لو ركب دابّةً مغصوبةً على الأقوى؛ وكذا ما كان ضدّا لواجب وقد تركه وسافر، كما إذا كان مديونا وسافر مع مطالبة الديّان وإمكان الأداء في الحضر دون السفر. نعم، لا يترك الاحتياط بالجمع في ما إذا كان السفر لأجل التوصّل إلى ترك واجب وإن كان تعيّن الإتمام فيه لا يخلو من قوّة.
        مسألة 16 - التابع للجائر يقصّر إن كان مجبورا في سفره أو كان قصده دفع مظلمة ونحوه من الأغراض الصحيحة؛ وأمّا إن كان من قصده إعانته في جوره أو كان متابعته له معاضدةً له في جهة ظلمه أو تقويةً لشوكته مع كون تقويتها محرّمةً وجب عليه التمام.
        مسألة 17 - لو كانت غاية السفر طاعةً ويتبعها داعي المعصية - بحيث ينسب السفر إلى الطاعة - يقصّر؛ وأمّا في غير ذلك ممّا كانت الغاية معصيةً يتبعها داعي الطاعة أو كان الداعيان مشتركين بحيث لو لا اجتماعهما لم يسافر أو مستقلّين فيتمّ، لكن لا ينبغي ترك الاحتياط بالجمع في غير الصورة الاُولى - أي تبعيّة داعي الطاعة - فإنّه يتمّ بلاإشكال.
        مسألة 18 - لو كان ابتداء سفره طاعةً ثمّ قصد المعصية به في الأثناء فمع تلبّسه بالسير مع قصدها انقطع ترخّصه وإن كان قد قطع مسافات، ولا تجب إعادة ما صلّاه قصرا، ومع عدم تلبّسه به فالأوجه عدم انقطاعه، والأحوط الجمع ما لم يتلبّس به. ثمّ لو عاد إلى قصد الطاعة بعد ضربه في الأرض: فإن كان الباقي مسافةً ولو ملفّقةً بأن كان الذهاب إلى المقصد أربعة أو أزيد يجب عليه القصر أيضا، وكذا لو لم يكن الباقي مسافةً لكن مجموع ما مضى مع ما بقي بعد طرح ما تخلّل في البين من المصاحب للمعصية بقدر المسافة، لكن في هذه الصورة الأحوط الأولى ضمّ التمام أيضا، ولو لم يكن المجموع مسافةً إلّا بضمّ ما تخلّل من المصاحب للمعصية فوجوب التمام لا يخلو من قوّة، والأحوط الجمع. وإن كان ابتداء سفره معصيةً ثمّ عدل إلى الطاعة يقصّر إن كان الباقي مسافةً ولو ملفّقةً، وإلّا فالأحوط الجمع وإن كان البقاء على التمام لا يخلو من قوّة.
        مسألة 19 - لو كان ابتداء سفره معصيةً فنوى الصوم ثمّ عدل إلى الطاعة: فإن كان قبل الزوال وجب الإفطار إن كان الباقي مسافةً ولو ملفّقةً، وإلّا صحّ صومه؛ وإن كان بعده لا يبعد الصحّة، لكنّ الأحوط الإتمام ثمّ القضاء. ولو كان ابتداؤه طاعةً ثمّ عدل إلى المعصية في الأثناء: فإن كان بعد تناول المفطر أو بعدالزوال لم يصحّ منه الصوم، وإن كان قبلهما فصحّته محلّ تأمّل، فلايترك الاحتياط بالصوم والقضاء.
        مسألة 20 - الراجع من سفرالمعصية إن كان بعد التوبة أو بعد عروض ما يخرج العود عن جزئيّة سفر المعصية - كما لو كان محرّكه للرجوع غايةً اُخرى مستقلّةً، لاالرجوع إلى وطنه - يقصّر، وإلّا فلا يبعد وجوب التمام عليه، والأحوط الجمع.
        مسألة 21 - يلحق بسفر المعصية السفر للصيد لهوا كما يستعمله أبناء الدنيا. وأمّا إن كان للقوت يقصّر. وكذا إذا كان للتجارة بالنسبة إلى الإفطار؛ وأمّا بالنسبة إلى الصلاة ففيه إشكال، والأحوط الجمع. ولا يلحق به السفر بقصد مجرّد التنزّه، فلا يوجب ذلك التمام.
        سادسها: أن لا يكون من الّذين بيوتهم معهم، كبعض أهل البوادي الّذين يدورون في البراري، وينزلون في محلّ الماء والعشب والكلأ، ولم يتّخذوا مقرّا معيّنا؛ ومن هذا القبيل الملّاحون وأصحاب السفن الّذين كانت منازلهم فيها معهم، فيجب على أمثال هؤلاء التمام في سيرهم المخصوص. نعم، لو سافروا لمقصد آخر -من حجّ أو زيارة ونحوهما- قصّروا كغيرهم. ولو سار أحدهم لاختيار منزل مخصوص أو لطلب محلّ الماء والعشب - مثلا - وكان يبلغ مسافةً ففي وجوب القصر أوالتمام عليه إشكال، فلا يترك الاحتياط بالجمع.
        سابعها: أن لا يتّخذ السفر عملا له، كالمكاري والساعي وأصحاب السيّارات ونحوهم؛ ومنهم أصحاب السفن والملّاح إذا كان منزلهم خارج السفينة واتّخذوا الملاحة صنعةً؛ وأمّا إذا كان منزلهم معهم فهم من الصنف السابق، فإنّ هؤلاء يتمّون الصلاة في سفرهم الّذي هو عمل لهم وإن استعملوه لأنفسهم لا لغيرهم، كحمل المكاري - مثلا - متاعه وأهله من مكان إلى مكان آخر. نعم، يقصّرون في السفر الّذي ليس عملا لهم، كما لو فارق المّلاح - مثلا - سفينته وسافر للزيارة أو غيرها. والمدار صدق اتّخاذ السفر عملاً وشغلا له. ويتحقّق ذلك بالعزم عليه مع الاشتغال بالسفر مقدارا معتّدا به. ولا يحتاج في الصدق تكرّر السفر مرّتين أو مرّات. نعم، لايبعد وجوب القصر في السفر الأوّل مع صدق العناوين أيضا، وإن كان الأحوط الجمع فيه وفي السفر الثاني، ويتعيّن التمام في الثالث.
        مسألة 22 - من كان شغله المكاراة في الصيف دون الشتاء أو بالعكس فالظاهر أنّه يجب عليه التمام في حال شغله وإن كان الأحوط الجمع. وأمّا مثل الحملداريّة الّذين يتشاغلون بالسفر في خصوص أشهر الحجّ فالظاهر وجوب القصر عليهم.
        مسألة 23 - يعتبر في استمرار من عمله السفر على التمام أن لا يقيم في بلده أو غير بلده عشرة أيّام ولو غير منويّة، وإلّا انقطع حكم عمليّة السفر وعاد إلى القصر، لكن في السفرة الاُولى خاصّة دون الثانية، فضلاً عن الثالثة؛ لكن لا ينبغي ترك الاحتياط بالجمع في السفرة الاُولى لمن أقام في غير بلده عشرة من دون نيّة الإقامة، بل الأحوط الجمع في السفرة الثانية والثالثة أيضا له مطلقا ولمن أقام في بلده بنيّة أو بلا نيّة.
        مسألة 24 - لو لم يكن شغله السفر لكن عرض له عارض فسافر أسفارا عديدة يقصّر، كما لو كان له شغل في بلد وقد احتاج إلى التردّد إليه مرّات عديدة، بل وكذا في ما إذا كان منزله إلى الحائر الحسينيّ - مثلا - مسافةً ونذر أو بنى على أن يزوره كلّ ليلة جمعة، وكذا في ما إذا كان منزله إلى بلد كان شغله فيه مسافةً ويأتي منه إليه كلّ يوم، فإن الظاهر أنّ عليه القصر في السفر والبلد الّذي ليس وطنه.
        مسألة 25 - ممّن شغله السفر الراعي الّذي كان الرعي عمله، سواء كان له مكان مخصوص أولا؛ والتاجر الّذي يدور في تجارته؛ ومنه السائح الّذي لم يتّخذ وطنا وكان شغله السياحة، ويمكن إدراجه في العنوان السادس؛ وكيف كان، يجب عليهم التمام.
        ثامنها: وصوله إلى محلّ الترخّص؛ فلا يقصّر قبله. والمراد به المكان الّذي يخفى عليه فيه الأذان، أو يتوارى عنه فيه الجدران وأشكالها لا أشباحها. ولايترك الاحتياط في مراعاة حصولهما معا. ويعتبر أن يكون الخفاء والتواري المذكوران لأجل البعد لا عوارض اُخر.
        مسألة 26 - كما أنّه يعتبر في التقصير الوصول إلى محلّ الترخّص إذا سافر من بلده فهل يعتبر في السفر من محلّ الإقامة ومن محلّ التردّد ثلاثين يوما أولا؟ فيه تأمّل، فلا يترك مراعاة الاحتياط فيهما.
        مسألة 27 - كما أنّه من شروط القصر في ابتداء السفر الوصول إلى حدّ الترخّص كذلك عند العود ينقطع حكم السفر بالوصول إليه، فيجب عليه التمام، والأحوط مراعاة رفع الأمارتين، والأحوط الأولى تأخير الصلاة إلى الدخول في منزله، والجمع بين القصر والتمام إن صلّى بعد الوصول إلى الحدّ. وأمّا بالنسبة إلى المحلّ الّذي عزم على الإقامة فيه فهل يعتبر فيه حدّ الترخّص فينقطع حكم السفر بالوصول إليه أو لا؟ فيه إشكال، فلايترك الاحتياط إمّا بتأخير الصلاة إليه أو الجمع.
        مسألة 28 - المدار في عين الرائي واُذن السامع وصوت المؤذّن والهواء هو المتوسّط المعتدل.
        مسألة 29 - الأقوى أنّ الميزان في خفاء الأذان هو خفاؤه بحيث لا يتميّز بين كونه أذانا أو غيره. وينبغي الاحتياط في ما إذا تميّز كونه أذانا لكن لا يتميّز بين فصوله، وفي ما إذا لم يصل إلى حدّ خفاء الصوت رأسا.
        مسألة 30 - لو لم يكن هناك بيوت ولا جدران يعتبر التقدير؛ بل الأحوط ذلك في مثل بيوت الأعراب ونحوهم ممّن لا جدران لبيوتهم.
        مسألة 31 - لو شكّ في البلوغ إلى حدّ الترخّص بنى على عدمه؛ فيبقى على التمام في الذهاب وعلى القصر في الإياب، إلّا إذا استلزم منه محذور، كمخالفة العلم الإجماليّ أو التفصيليّ ببطلان صلاته، كمن صلّى الظهر تماما في الذهاب في المكان المذكور وأراد إتيان العصر في الإياب فيه قصرا.
        مسألة 32 - لو كان في السفينة ونحوها فشرع في الصلاة قبل حد الترخّص بنيّة التمام ثمّ وصل إليه في الأثناء: فإن كان قبل الدخول في ركوع الركعة الثالثة أتمّها قصرا وصحّت صلاته إن كان معتقدا لإتمامها قبل الوصول إلى حدّ الترخّص، وإلّا فإن وصل إليه قبل الدخول في الركعة الثالثة أتمّها قصرا وصحّت، ومع الدخول فيها فمحلّ إشكال، فالأحوط إتمامها قصرا ثمّ إعادتها تماما، أو تماما ثمّ الإعادة قصرا؛ كما أنّه لو وصل إليه بعد الدخول في الركوع فمحلّ إشكال، فلا يترك الاحتياط بإتمامها تماما ثمّ إعادتها قصرا. ولو كان في حال العود وشرع في الصلاة بنيّة القصر قبل الوصول إلى الحدّ ثمّ وصل إليه في الأثناء أتمّها تماما وصحّت.

      • القول في قواطع السفر

         

        القول في قواطع السفر

        و هى اُمور:
        الأوّل: الوطن؛ فينقطع السفر بالمرور عليه، ويحتاج في القصر بعده إلى قصد مسافة جديدة، سواء كان وطنه الأصليّ ومسقط رأسه أو المستجدّ - وهو المكان الّذي اتّخذه مسكنا ومقرّا له دائما - ولا يعتبر فيه حصول ملك ولا إقامة ستّة أشهر. نعم، يعتبر في المستجدّ الإقامة فيه بمقدار يصدق عرفا أنّه وطنه ومسكنه، بل قد يصدق الوطن بواسطة طول الإقامة إذا أقام في بلد بلا نيّة للإقامة دائما ولا نيّة تركها.
        مسألة 1 - لو أعرض عن وطنه الأصليّ أو المستجدّ وتوطّن في غيره: فإن لم يكن له فيه ملك أو كان ولم يكن قابلا للسكنى أو كان ولم يسكن فيه ستّة أشهر بقصد التوطّن الأبديّ يزول عنه حكم الوطنيّة، وأمّا إذا كان له ملك وقد سكن فيه ستّة أشهر بعد اتّخاذه وطنا دائما أو كونه وطنا أصليّا فالمشهور على أنّه بحكم الوطن الفعليّ، ويسمّونه بالوطن الشرعيّ، فيوجبون عليه التمام بالمرور عليه مادام ملكه باقيا فيه، بل قال بعضهم بوجوب التمام إذا كان له فيه ملك غير قابل للسكنى ولو نخلة ونحوها، بل في ما إذا سكن ستّة أشهر ولو لم يكن بقصد التوطّن دائما بل بقصد التجارة مثلا. والأقوى خلاف ذلك كلّه، فلا يجري حكم الوطن في ما ذكر كلّه. ويزول حكم الوطن مطلقا بالإعراض وإن كان الأحوط الجمع بين إجراء حكم الوطن وغيره فيها، خصوصا الصورة الاُولى.
        مسألة 2 - يمكن أن يكون للإنسان وطنان فعليّان في زمان واحد، بأن جعل بلدين مسكنا له دائما، فيقيم في كلّ منهما ستّة أشهر - مثلاً - في كلّ سنة. وأمّا الزائد عليهما فمحلّ إشكال لا بدّ من مراعاة الاحتياط.
        مسألة 3 - الظاهر أنّ التابع الّذي لا استقلال له في الإرادة والتعيّش تابعٌ لمتبوعه في الوطن، فيعدّ وطنه وطنه، سواء كان صغيرا - كما هو الغالب - أو كبيرا شرعا، كما قديتّفق للولد الذكر وكثيرا مّاللاُنثى، خصوصافي أوائل البلوغ. والميزان هو التبعيّة وعدم الاستقلال، فربما يكون الصغير المميّز مستقلّاً في الإرادة والتعيّش كما ربما لا يستقلّ الكبير الشرعيّ. ولا يختصّ ذلك بالآباء والأولاد، بل المناط هو التبعيّة وإن كانت لسائر القرابات أو للأجنبيّ أيضا. هذا كلّه في الوطن المستجدّ. وأمّا الأصليّ ففي تحقّقه لا يحتاج إلى الإرادة، وليس اتّخاذيّا إراديّا، لكن في الإعراض الّذي يحصل بالإعراض العمليّ يأتي الكلام المتقدّم فيه.
        مسألة 4 - لو تردّد في المهاجرة عن الوطن الأصليّ فالظاهر بقاؤه على الوطنيّة ما لم يتحقّق الخروج والإعراض عنه؛ وأمّا في الوطن المستجدّ فلاإشكال في زواله إن كان ذلك قبل أن يبقى فيه مقدارا يتوقّف عليه صدق الوطن عرفا، وإن كان بعد ذلك فالأحوط الجمع بين أحكام الوطن وغيره وإن كان الأقوى بقاؤه على الوطنيّة أيضا.
        الثاني من قواطع السفر: العزم على إقامة عشرة أيّام متواليات، أو العلم ببقائه كذلك وإن كان لا عن اختياره.
        مسألة 5 - الليالي المتوسّطة داخلة في العشرة، دون الليلة الاُولى والأخيرة، فيكفي عشرة أيّام وتسع ليالٍ، ويكفي تلفيق اليوم المنكسر من يوم آخر على الأقوى، كما إذا نوى المقام عند الزوال من اليوم الأوّل إلى الزوال من اليوم الحادي عشر. ومبدأ اليوم طلوع الفجر الثاني على الأقوى؛ فلو دخل حين طلوع الشمس كان انتهاء العشرة طلوع الشمس من الحادي عشر، لا غروب الشمس من العاشر.
        مسألة 6 - يشترط وحدة محلّ الإقامة؛ فلو قصدالإقامة في أمكنة متعدّدة عشرة أيّام لم ينقطع حكم السفر، كما إذاعزم على الإقامة عشرة أيّام في النجف والكوفة معا. نعم، لا يضرّ بوحدة المحلّ فصل مثل الشطّ ونحوه بعد كون المجموع بلدا واحدا كجانبي بغداد وإسلامبول؛ فلو قصد الإقامة في مجموع الجانبين يكفي في انقطاع حكم السفر.
        مسألة 7 - لا يعتبر في نيّة الإقامة قصد عدم الخروج عن خطّة سور البلد، بل لو قصد حال نيّتها الخروج إلى بعض بساتينها ومزارعها جرى عليه حكم المقيم، بل لو كان من نيّته الخروج عن حدّ الترخّص بل إلى ما دون الأربعة أيضا لايضرّ إذا كان من قصده الرجوع قريبا، بأن كان مكثه مقدار ساعة أو ساعتين -مثلا- بحيث لا يخرج به عن صدق إقامة عشرة أيّام في ذلك البلد عرفا، وأمّا الزائد على ذلك ففيه إشكال، خصوصا إذا كان من قصده المبيت.
        مسألة 8 - لا يكفي القصد الإجماليّ في تحقّق الإقامة، فالتابع للغير -كالزوجة والرفيق- إن كان قاصدا للمقام بمقدار ما قصده المتبوع لا يكفي وإن كان المتبوع قاصدا لإقامة العشرة إذا لم يدر من أوّل الأمر مقدار قصده؛ فإذا تبيّن له بعد أيّام أنّه كان قاصدا للعشرة يبقى على القصر، إلّا إذا نوى بعد ذلك بقاء عشرة أيّام، بل لو كان قاصدا للمقام إلى آخر الشهر أو إلى يوم العيد - مثلاً - وكان في الواقع عشرة أيّام ولم يكن عالما به حين القصد لا يبعد عدم كفايته ووجوب القصر عليه، ولكن لا يترك الاحتياط ما أمكن.
        مسألة 9 - لو عزم على الإقامة ثمّ عدل عن قصده: فإن صلّى مع العزم المذكور رباعيّةً بتمام بقي على التمام مادام في ذلك المكان ولو كان من قصده الارتحال بعد ساعة أو ساعتين، وإن لم يصلّ أو صلّى صلاةً ليس فيها تقصير -كالصبح- يرجع بعد العدول إلى القصر، ولو صلّى رباعيّةً تماما مع الغفلة عن عزمه على الإقامة أو صلّاها تماما لشرف البقعة بعد الغفلة عن نيّة الإقامة فلا يترك الاحتياط بالجمع وإن كان تعيّن القصر فيهما لا يخلو من وجه.
        مسألة 10 - لو فاتته الصلاة على وجه يجب عليه قضاؤها فقضاها تماما ثمّ عدل عن نيّة الإقامة بقي على حكم التمام على إشكال، والأحوط الجمع. وأمّا إن عدل عنها قبل قضائها فالظاهر العود إلى القصر.
        مسألة 11 - لو عزم على الإقامة فنوى الصوم ثمّ عدل بعد الزوال قبل إتيان الصلاة تماما رجع إلى القصر في صلاته لكن صحّ صومه، فهو كمن صام ثمّ سافر بعد الزوال.
        مسألة 12 - لا فرق في العدول عن قصد الإقامة بين أن يعزم على عدمها أو يتردّد فيها في أنّه لو كان بعد الصلاة تماما بقي على التمام، ولو كان قبله رجع إلى القصر.
        مسألة 13 - إذا تمّت العشرة لا يحتاج البقاء على التمام إلى قصد إقامة جديدة، فمادام لم ينشئ سفرا جديدا يبقى على التمام.
        مسألة 14 - لو قصد الإقامة واستقرّ حكم التمام بإتيان صلاة واحدة بتمام ثمّ خرج إلى ما دون المسافة وكان من نيّته العود إلى مكان الإقامة من حيث إنّه مكان إقامته - بأن كان رحله باقيا فيه - ولم يعرض عنه: فإن كان من نيّته مقام عشرة أيّام فيه بعد العود إليه فلا إشكال في بقائه على التمام، وإن لم يكن من نيّته ذلك -سواء كان متردّدا أو ناويا للعدم- فالأقوى أيضا البقاء على التمام في الذهاب والمقصد والإياب ومحلّ الإقامة ما لم ينشئ سفرا جديدا، خصوصا إذا كان المقصد في طريق بلده. والأحوط الجمع خصوصا في الإياب ومحلّ الإقامة، وبالأخصّ في ما إذا كان محلّ الإقامة في طريق بلده. نعم، لو كان مُنشئا للسفر من حين الخروج عن محلّ الإقامة وكان ناويا للعود إليه من حيث إنّه أحد منازله في سفره الجديد كان حكمه وجوب القصر في العود ومحلّ الإقامة، وأمّا في الذهاب والمقصد فمحلّ إشكال لا يترك الاحتياط بالجمع وإن لا يبعد وجوب التمام فيهما. هذا كلّه في ما إذا لم يكن من نيّته الخروج في أثناء العشرة إلى مادون المسافة من أوّل الأمر، وإلّا فقد مرّ أنّه إن كان من قصده العود قريبا جدّا يكون حكمه التمام، وإلّا ففيه إشكال. ولو خرج إلى ما دون المسافة وكان متردّدا في العود إلى محلّ الإقامة وعدمه أو ذاهلا عنه فالاحتياط بالجمع بين القصر والتمام لا ينبغي تركه، وإن كان الأقوى البقاء على التمام ما لم ينشئ سفرا جديدا.
        مسألة 15 - لو بدا للمقيم السفر ثمّ بدا له العود إلى محلّ الإقامة والبقاء عشرة أيّام: فإن كان ذلك بعد بلوغ أربعة فراسخ قصّر في الذهاب والمقصد والعود، وإن كان قبله قصّر حال الخروج بعد التجاوز عن حدّ الترخّص إلى حال العزم على العود، ولا يجب عليه قضاء ما صلّى قصرا. وأمّا حال العزم فالأحوط الجمع وإن كان البقاء على القصر أقرب؛ وكذا إذا بدا له العود بدون إقامة جديدة بقي على القصر حتّى في محلّ الإقامة.
        مسألة 16 - لو دخل في الصلاة بنيّة القصر ثمّ بدا له الإقامة في أثنائها أتمّها. ولو نوى الإقامة ودخل فيها بنيّة التمام ثمّ عدل عنها في الأثناء: فإن كان قبل الدخول في ركوع الثالثة أتمّها قصرا، وإن كان بعده قبل الفراغ عن الصلاة فالأقوى بطلان صلاته والرجوع إلى القصر وإن كان الأحوط إتمامها تماما ثمّ إعادتها قصرا والجمع بينهما ما لم يسافر.
        الثالث من القواطع: البقاء ثلاثين يوما في مكان متردّدا. ويلحق بالتردّد ما إذا عزم على الخروج غدا أو بعده ولم يخرج، وهكذا إلى أن يمضي ثلاثون يوما، بل يلحق به أيضا إذا عزم على الإقامة تسعة أيّام - مثلا - ثمّ بعدها عزم على إقامة تسعة اُخرى وهكذا، فيقصّر إلى ثلاثين يوما ثمّ يتمّ وإن لم يبق إلّا مقدار صلاة واحدة.
        مسألة 17 - الظاهر إلحاق الشهر الهلاليّ بثلاثين يوما إن كان تردّده من أوّل الشهر.
        مسألة 18 - يشترط اتّحاد مكان التردّد كمحلّ الإقامة، فمع التعدّد لا ينقطع حكم السفر.
        مسألة 19 - حكم المتردّد المستقرّ عليه التمام بعد ثلاثين يوما إذا خرج عن مكان التردّد إلى ما دون المسافة وكان من نيّته العود إلى ذلك المكان حكم العازم على الإقامة، وقد مرّ حكمه.
        مسألة 20 - لو تردّد في مكان تسعة وعشرين - مثلا - أو أقلّ ثمّ سافر إلى مكان آخر وبقي متردّدا فيه كذلك بقي على القصر مادام كذلك، إلّا إذا نوى الإقامة بمكان أو بقي متردّدا ثلاثين يوما.

      • القول في أحكام المسافر

         

        القول في أحكام المسافر

        قد عرفت أنّه تسقط عن المسافر بعد تحقّق الشرائط ركعتان من الظهرين والعشاء؛ كما أنّه تسقط عنه نوافل الظهرين، ويبقى سائر النوافل، والأحوط الإتيان بالوتيرة رجاءً.
        مسألة 1 - لو صلّى المسافر بعد تحقّق شرائط القصر تماما: فإن كان عالما بالحكم والموضوع بطلت صلاته وأعادها في الوقت وخارجه، وإن كان جاهلا بأصل الحكم - وأنّ حكم المسافر التقصير - لم يجب عليه الإعادة فضلا عن القضاء، وإن كان عالما بأصل الحكم وجاهلا ببعض الخصوصيّات - مثل جهله بأنّ السفر إلى أربعة فراسخ مع قصد الرجوع يوجب القصر، أو أنّ من شغله السفر إذا أقام ببلده عشرة أيّام يجب عليه القصر في السفر الأوّل، ونحو ذلك - فأتمّ وجبت عليه الإعادة في الوقت والقضاء في خارجه؛ وكذا إذا كان عالما بالحكم جاهلا بالموضوع، كما إذا تخيّل عدم كون مقصده مسافةً فأتمّ مع كونه مسافةً. وأمّا إذا كان ناسيا لسفره فأتمّ: فإن تذكّر في الوقت وجبت عليه الإعادة، وإن تذكّر في خارجه لا يجب عليه القضاء.
        مسألة 3 - يُلحق الصوم بالصلاة في ما ذكر على الأقوى؛ فيبطل مع العلم والعمد، ويصحّ مع الجهل بأصل الحكم، دون خصوصيّاته ودون الجهل بالموضوع. نعم، لا يلحق بها في النسيان، فمعه يجب عليه القضاء.
        مسألة 4 - لو قصّر من كانت وظيفته التمام بطلت صلاته مطلقا، حتّى المقيم المقصّر للجهل بأنّ حكمه التمام.
        مسألة 5 - لو تذكّر الناسي للسفر في أثناء الصلاة: فإن كان قبل الدخول في ركوع الركعة الثالثة أتمّ الصلاة قصرا واجتزأ بها، وإن تذكّر بعد ذلك بطلت ووجبت عليه الإعادة مع سعة الوقت ولو بإدراك ركعة منه.
        مسألة 6 - لو دخل الوقت وهو حاضر متمكّن من فعل الصلاة ثمّ سافر قبل أن يصلّي حتّى تجاوز محلّ الترخّص والوقت باقٍ قصّر، ولكن لا ينبغي ترك الاحتياط بالإتمام أيضا. ولو دخل الوقت وهو مسافر فحضر قبل أن يصلّي والوقت باقٍ أتمّ، والأحوط القصر أيضا.
        مسألة 7 - لو فاتت منه الصلاة في الحضر يجب عليه قضاؤها تماما ولو في السفر، كما أنّه لو فاتت منه في السفر يجب قضاؤها قصرا ولو في الحضر.
        مسألة 8 - إن فاتت منه الصلاة وكان في أوّل الوقت حاضرا وفي آخره مسافرا أو بالعكس فالأقوى مراعاة حال الفوت في القضاء وهو آخر الوقت، فيقضي في الأوّل قصرا وفي الثاني تماما، لكن لا ينبغي له ترك الاحتياط بالجمع.
        مسألة 9 - يتخيّر المسافر مع عدم قصد الإقامة بين القصر والإتمام في الأماكن الأربعة: وهي المسجد الحرام، ومسجد النبيّ 9 ، ومسجد الكوفة، والحائر الحسينيّ على مشرّفه السلام، والإتمام أفضل. وفي إلحاق بلدي مكّة والمدينة بمسجديهما تأمّل، فلا يترك الاحتياط باختيار القصر. ولا يلحق بها سائر المساجد والمشاهد. ولا فرق في تلك المساجد بين السطوح والصحن والمواضع المنخفضة، كبيت الطشت في مسجد الكوفة. والأقوى دخول تمام الروضة الشريفة في الحائر، فيمتدّ من طرف الرأس إلى الشُبّاك المتّصل بالرواق، ومن طرف الرجل إلى الباب المتّصل بالرواق، ومن الخلف إلى حدّ المسجد. ودخول المسجد والرواق الشريف فيه أيضا لا يخلو من قوّة، لكنّ الاحتياط بالقصر لا ينبغي تركه.
        مسألة 10 - التخيير في هذه الأماكن الشريفة استمراريّ، فيجوز لمن شرع في الصلاة بنيّة القصر العدول إلى التمام وبالعكس ما لم يتجاوز محلّ العدول، بل لابأس بأن ينوي الصلاة من غير تعيين للقصر والإتمام من أوّل الأمر فيختار أحدهما بعده.
        مسألة 11 - لا يلحق الصوم بالصلاة في التخيير المزبور، فلا يصحّ له الصوم فيها ما لم ينو الإقامة أو لم يبق ثلاثين متردّدا.
        مسألة 12 - يستحبّ أن يقول عقيب كلّ صلاة مقصورة ثلاثين مرّة: «سبحان اللّه والحمد للّه ولا إله إلّا اللّه واللّه أكبر».

    • فصل في صلاة الجماعة
      • بعض أحكام الجماعة

         

        بعض أحكام الجماعة

        وهي من المستحبّات الأكيدة في جميع الفرائض خصوصا اليوميّة، ويتأكّد في الصبح والعشاءين، ولها ثواب عظيم. وليست واجبةً بالأصل -لا شرعا ولاشرطا- إلّا في الجمعة مع الشرائط المذكورة في محلّها. ولا تشرع في شي ء من النوافل الأصليّة وإن وجبت بالعارض بنذر ونحوه عدا صلاة الاستسقاء، وقد مرّ أنّ الأحوط في صلاة العيدين الإتيان بها فرادى، ولا بأس بالجماعة رجاءً.
        مسألة 1 - لا يشترط في صحّة الجماعة اتّحاد صلاة الإمام والمأموم نوعا أو كيفيّةً، فيأتمّ مصلّي اليوميّة أيّ صلاة كانت بمصلّيها كذلك وإن اختلفتا في القصروالإتمام أو الأداء والقضاء، وكذا مصلّي الآية بمصلّيها وإن اختلفت الآيتان. نعم، لايجوز اقتداء مصلّي اليوميّة بمصلّي العيدين والآيات والأموات بل وصلاة الاحتياط والطواف وبالعكس. وكذا لايجوز الاقتداء في كلّ من الخمس بعضها ببعض،بل مشروعيّة الجماعة في صلاة الطواف وكذا صلاةالاحتياط محلّ إشكال.
        مسألة 2 - أقلّ عدد تنعقد به الجماعة في غير الجمعة والعيدين اثنان أحدهما الإمام، سواء كان المأموم رجلا أو امرأةً بل أو صبيّا مميّزا على الأقوى.
        مسألة 3 - لا يعتبر في انعقاد الجماعة في غير الجمعة والعيدين وبعض فروع المعادة -بناءً على المشروعيّة- نيّة الإمام الجماعةَ والإمامةَ وإن توقّف حصول الثواب في حقّه عليها. وأمّا المأموم فلا بدّ له من نيّة الاقتداء، فلو لم ينوه لم تنعقد وإن تابع الإمام في الأفعال والأقوال. ويجب وحدة الإمام؛ فلو نوى الاقتداء بالاثنين لم تنعقد ولو كانا متقارنين. وكذا يجب تعيين الإمام بالاسم أو الوصف أو الإشارة الذهنيّة أو الخارجيّة، كأن ينوي الاقتداء بهذا الحاضر ولو لم يعرفه بوجه مع علمه بكونه عادلًا صالحا للاقتداء؛ فلو نوى الاقتداء بأحد هذين لم تنعقد وإن كان من قصده تعيين أحدهما بعد ذلك.
        مسألة 4 - لو شكّ في أنّه نوى الاقتداء أم لا بنى على العدم وإن علم أنّه قام بنيّة الدخول في الجماعة، بل وإن كان على هيئة الايتمام. نعم، لو كان مشتغلا بشي ء من أفعال المؤتمّين - ولو مثل الإنصات المستحبّ في الجماعة - بنى عليه.
        مسألة 5 - لو نوى الاقتداء بشخص على أنّه زيد فبان أنّه عمرو: فإن لم يكن عمرو عادلا بطلت جماعته وصلاته إن زاد ركنا بتوهّم الاقتداء، وإلّا فصحّتها لاتخلو عن قوّة، والأحوط الإتمام ثمّ الإعادة، وإن كان عادلا فالأقوى صحّة صلاته وجماعته، سواء كان من قصده الاقتداء بزيد وتخيّل أنّ الحاضر هو زيد أو من قصده الاقتداء بهذا الحاضر ولكن تخيّل أنّه زيد. والأحوط الإتمام والإعادة في الصورة الاُولى إن خالفت صلاة المنفرد.
        مسألة 6 - لا يجوز للمنفرد العدول إلى الايتمام في الأثناء على الأحوط.
        مسألة 7 - الظاهر جواز العدول من الايتمام إلى الانفراد - ولو اختيارا - في جميع أحوال الصلاة وإن كان من نيّته ذلك في أوّل الصلاة، لكنّ الأحوط عدم العدول إلّا لضرورة ولو دنيويّةً، خصوصا في الصورة الثانية.
        مسألة 8 - لو نوى الانفراد بعد قراءة الإمام قبل الركوع لا تجب عليه القراءة، بل لو كان في أثناء القراءة تكفيه بعد نيّة الانفراد قراءة ما بقي منها وإن كان الأحوط استينافها بقصد القربة والرجاء، خصوصا في الصورة الثانية.
        مسألة 9 - لو نوى الانفراد في الأثناء لا يجوز له العود إلى الايتمام على الأحوط.
        مسألة 10 - لو أدرك الإمام في الركوع قبل أن يرفع رأسه منه ولو بعد الذكر أو أدركه قبله ولم يدخل في الصلاة إلى أن ركع جاز له الدخول معه، وتحسب له ركعة، وهو منتهى ما يدرك به الركعة في ابتداء الجماعة؛ فإدراك الركعة في ابتداء الجماعة يتوقّف على إدراك ركوع الإمام قبل الشروع في رفع رأسه، وأمّا في الركعات الاُخر فلا يضرّ عدم إدراك الركوع مع الإمام، بأن ركع بعد رفع رأسه منه، لكن بشرط أن يدرك بعض الركعة قبل الركوع، وإلّا ففيه إشكال.
        مسألة 11 - الظاهر أنّه إذا دخل في الجماعة في أوّل الركعة أو في أثناء القراءة واتّفق تأخّره عن الإمام في الركوع وما لحق به فيه صحّت صلاته وجماعته، وتحسب له ركعة. وما ذكرناه في المسألة السابقة مختصّ بما إذا دخل في الجماعة في حال ركوع الإمام أو قبله بعد تمام القراءة.
        مسألة 12 - لو ركع بتخيّل أنّه يدرك الإمام راكعا ولم يدركه أو شكّ في إدراكه وعدمه فلا تبعد صحّة صلاته فرادى، والأحوط الإتمام والإعادة.
        مسألة 13 - لا بأس بالدخول في الجماعة بقصد الركوع من الإمام رجاءً مع عدم الاطمينان بإدراكه على الأقوى، فإن أدركه صحّت صلاته، والّا بطلت لو ركع؛ كما لابأس بأن يكبّر للإحرام بقصد أنّه إن أدركه لحق، وإلّا انفرد قبل الركوع، أو انتظر الركعة الثانية بالشرط الآتي في المسألة اللاحقة.
        مسألة 14 - لو نوى الايتمام وكبّر فرفع الإمام رأسه قبل أن يركع لزمه الانفراد أو انتظار الإمام قائما إلى الركعة الاُخرى، فيجعلها الاُولى له بشرط أن لا يكون الإمام بطيئا في صلاته بحيث يخرج به عن صدق القدوة، وإلّا فلايجوز الانتظار.
        مسألة 15 - لو أدرك الإمام في السجدة الاُولى أو الثانية من الركعة الأخيرة وأراد إدراك فضل الجماعة نوى وكبّر وسجد معه السجدة أو السجدتين وتشهّد، ثمّ يقوم بعد تسليم الإمام، ولا يترك الاحتياط بأن يتمّ الصلاة ويعيدها، وإن كان الاكتفاء بالنيّة والتكبير وإلقاء ما زاد تبعا للإمام وصحّة صلاته لاتخلو من وجه. والأولى عدم الدخول في هذه الجماعة. ولو أدركه في التشهّد الأخير يجوز له الدخول معه، بأن ينوي ويكبّر ثمّ يجلس معه ويتشهّد، فإذا سلّم الإمام يقوم فيصلّي، ويكتفي بتلك النيّة وذلك التكبير، ويحصل له بذلك فضل الجماعة وإن لم يدرك ركعةً.

      • القول في شرائط الجماعة

         

        القول في شرائط الجماعة

        وهي - مضافا إلى ما مرّ - اُمور:
        الأوّل: أن لا يكون بين المأموم والإمام أو بين بعض المأمومين مع بعض آخرممّن يكون واسطةً في اتّصاله بالإمام حائلٌ يمنع المشاهدة. هذا إذا كان المأموم رجلا. وأمّا المرأة فإن اقتدت بالرجل فلا بأس بالحائل بينها وبينه ولا بينها وبين الرجال المأمومين. وأمّا بينها وبين النساء ممّن تكون واسطةً في اتّصالها وكذا بينها وبين الإمام إذا كان امرأةً - على فرض المشروعيّة - فمحلّ إشكال.
        الثاني: أن لا يكون موقف الإمام أعلى من موقف المأمومين إلّا يسيرا، والأحوط الاقتصار على المقدار الّذي لا يرى العرف أنّه أرفع منهم ولو مسامحةً. ولا بأس بعلوّ المأموم على الإمام ولو بكثير، لكن كثرة متعارفة كسطح الدكّان والبيت، لا كالأبنية العالية المتداولة في هذا العصر على الأحوط.
        الثالث: أن لا يتباعد المأموم عن الإمام أو عن الصفّ المتقدّم عليه بما يكون كثيرا في العادة، والأحوط أن لا يكون بين مسجد المأموم وموقف الإمام أو بين مسجد اللاحق وموقف السابق أزيد من مقدار الخطوة المتعارفة، وأحوط منه أن يكون مسجد اللاحق وراء موقف السابق بلا فصل.
        الرابع: أن لا يتقدّم المأموم على الإمام في الموقف، والأحوط تأخّره عنه ولو يسيرا. ولا يضرّ تقدّم المأموم في ركوعه وسجوده لطول قامته بعد عدم تقدّمه في الموقف وإن كان الأحوط مراعاته في جميع الأحوال، خصوصا حال الجلوس بالنسبة إلى ركبتيه.
        مسألة 1 - ليس من الحائل الظلمة والغبار المانعان من المشاهدة، وكذا نحو النهر والطريق إن لم يكن فيه بُعد ممنوع في الجماعة، بل الظاهر عدم كون الشُبّاك أيضا منه، إلّا مع ضيق الثقب بحيث يصدق عليه السترة والجدار؛ وأمّا الزجاج الحاكي عن ورائه فعدم كونه منه لا يخلو من قرب، والأحوط الاجتناب.
        مسألة 2 - لا بأس بالحائل القصير الّذي لا يمنع المشاهدة في أحوال الصلاة وان كان مانعا منها حال السجود - كمقدار شبر وأزيد - لو لم يكن مانعا حال الجلوس، وإلّا ففيه إشكال لا يترك فيه الاحتياط.
        مسألة 3 - لا يقدح حيلولة المأمومين المتقدّمين وإن لم يدخلوا في الصلاة إذا كانوا متهيّئين مشرفين على العمل، كما لا يقدح عدم مشاهدة بعض أهل الصفّ الأوّل أو أكثرهم للإمام إن كان ذلك من جهة استطالة الصفّ، وكذا عدم مشاهدة بعض أهل الصفّ الثاني للصفّ الأوّل إن كان من جهة أطوليّته من الأوّل.
        مسألة 4 - لو وصلت الصفوف إلى باب المسجد - مثلا - ووقف صفّ أو صفوف في خارج المسجد بحيث وقف واحد منهم - مثلا - بحيال الباب والباقون في جانبيه فالأحوط بطلان صلاة من على جانبيه من الصفّ الأوّل ممّن كان بينهم وبين الإمام أو الصفّ المتقدّم حائل، بل البطلان لا يخلو من قوّة؛ وكذا الحال في المحراب الداخل. نعم، تصحّ صلاة الصفوف المتأخّرة أجمع.
        مسألة 5 - لو تجدّد الحائل أو البُعد في الأثناء فالأقوى كونه كالابتداء، فتبطل الجماعة ويصير منفردا.
        مسألة 6 - لا بأس بالحائل غير المستقرّ كمرور إنسان أو حيوان. نعم، لواتّصلت المارّة لا يجوز وإن كانوا غير مستقرّين.
        مسألة 7 - لو تمّت صلاة أهل الصفّ المتقدّم يشكل بقاء اقتداء المتأخّر وإن عادوا إلى الجماعة بلا فصل، فلا يترك الاحتياط بالعدول إلى الانفراد.
        مسألة 8 - إن علم ببطلان صلاة أهل الصفّ المتقدّم تبطل جماعة المتأخّر لوحصل الفصل أو الحيلولة. نعم، مع الجهل بحالهم تحمل على الصحّة، وإن كانت صلاتهم صحيحةً بحسب تقليدهم وباطلةً بحسب تقليد أهل الصفّ المتأخّر يشكل دخوله فيها مع الفصل أو الحيلولة.
        مسألة 9 - يجوز لأهل الصفّ المتأخّر الإحرام قبل المتقدّم إذا كانوا قائمين متهيّئين للإحرام تهيّؤا مشرفا على العمل.

      • القول في أحكام الجماعة

         

        القول في أحكام الجماعة

        الأقوى وجوب ترك المأموم القراءة في الركعتين الاُوليين من الإخفاتيّة، وكذا في الاُوليين من الجهريّة لو سمع صوت الإمام ولو همهمته، وإن لم يسمع حتّى الهمهمة جاز بل استُحبّ له القراءة. والأحوط في الأخيرتين من الجهريّة تركه القراءة لو سمع قراءته وأتى بالتسبيح؛ وأمّا في الإخفاتيّة فهو كالمنفرد فيهما يجب عليه القراءة أو التسبيح مخيّرا بينهما، سمع قراءة الإمام أو لم يسمع.
        مسألة 1- لا فرق بين كون عدم السماع للبُعد أو لكثرة الأصوات أو للصمم أو لغير ذلك.
        مسألة 2 - لوسمع بعض قراءة الإمام دون بعض فالأحوط ترك القراءة مطلقا.
        مسألة 3 - لو شكّ في السماع وعدمه أو أنّ المسموع صوت الإمام أو غيره فالأحوط ترك القراءة وإن كان الأقوى جوازها.
        مسألة 4 - لا يجب على المأموم الطمأنينة حال قراءة الإمام وإن كان الأحوط ذلك؛ وكذا لا تجب عليه المبادرة إلى القيام حال قراءته في الركعة الثانية، فيجوز أن يطيل سجوده ويقوم بعد أن قرأ الإمام بعض القراءة لو لم ينجرّ إلى التأخّر الفاحش.
        مسألة 5 - لا يتحمّل الإمام عن المأموم شيئا غير القراءة في الاُوليين إذا ائتمّ به فيهما، وأمّا في الأخيرتين فهو كالمنفرد وإن قرأ الإمام فيهما الحمد وسمع المأموم مع التحفّظ على الاحتياط المتقدّم في صدر الباب. ولو لم يدرك الاُوليين وجب عليه القراءة فيهما، لأنّهما أوّلتا صلاته؛ وإن لم يمهله الإمام لإتمامها اقتصر على الحمد وترك السورة ولحق به في الركوع؛ وإن لم يمهله لإتمامه أيضا فالأقوى جواز إتمام القراءة واللحوق بالسجود، ولعلّه أحوط أيضا وإن كان قصدالانفراد جائزا.
        مسألة 6 - لو أدرك الإمام في الركعة الثانية تحمّل عنه القراءة فيها، ويتابع الإمام في القنوت والتشهّد، والأحوط التجافي فيه، ثمّ بعد القيام إلى الثانية تجب عليه القراءة فيها، لكونها ثالثة الإمام، سواء قرأ الإمام فيها الحمد أو التسبيح.
        مسألة 7 - إذا قرأ المأموم خلف الإمام وجوبا - كما إذا كان مسبوقا بركعة أو ركعتين - أو استحبابا (كما في الاُوليين من الجهريّة إذا لم يسمع صوت الإمام) يجب عليه الإخفات وإن كانت الصلاة جهريّةً.
        مسألة 8 - لو أدرك الإمام في الأخيرتين فدخل في الصلاة معه قبل ركوعه وجبت عليه القراءة، وإن لم يُمهله ترك السورة. ولو علم أنّه لو دخل معه لم يمهله لإتمام الفاتحة فالأحوط عدم الدخول إلّا بعد ركوعه، فيحرم ويركع معه وليس عليه القراءة حينئذٍ.
        مسألة 9 - تجب على المأموم متابعة الإمام في الأفعال، بمعنى أن لا يتقدّم فيها عليه ولا يتأخّر عنه تأخّرا فاحشا. وأمّا في الأقوال فالأقوى عدم وجوبها عدا تكبيرةالإحرام، فإنّ الواجب فيها عدم التقدّم والتقارن. والأحوط عدم الشروع فيها قبل تماميّة تكبيرة الإمام، من غير فرق في ما ذكر بين المسموع من الأقوال وغيره وإن كانت أحوط في المسموع وفي خصوص التسليم. ولو ترك المتابعة في ما وجبت فيه عصى ولكن صحّت صلاته وجماعته أيضا، إلّا في ما إذا ركع حال اشتغال الإمام بالقراءة في الاُوليين منه ومن المأموم، فإنّ صحّة صلاته فضلا عن جماعته مشكلة بل ممنوعة، كما أنّه لو تقدّم أو تأخّر فاحشا على وجه ذهبت هيئة الجماعة بطلت جماعته في ما صحّت صلاته.
        مسألة 10 - لو أحرم قبل الإمام سهوا أو بزعم تكبيره كان منفردا، فإن أراد الجماعة عدل إلى النافلة وأتمّها ركعتين.
        مسألة 11 - لو رفع رأسه من الركوع أو السجود قبل الإمام سهوا أو لزعم رفع رأسه وجب عليه العود والمتابعة، ولا يضرّ زيادة الركن حينئذٍ، وإن لم يعد أثم وصحّت صلاته إن كان آتيا بذكرهما وسائر واجباتهما، وإلّا فالأحوط البطلان، وأحوط منه الإتمام ثمّ الإعادة. ولو رفع رأسه قبله عامدا أثم وصحّت صلاته لو كان ذلك بعد الذكر وسائر الواجبات، وإلّا بطلت صلاته إن كان الترك عمدا. ومع الرفع عمدا لا يجوز له المتابعة، فإن تابع عمدا بطلت صلاته للزيادة العمديّة، وإن تابع سهوا فكذلك لو زاد ركنا.
        مسألة 12 - لو رفع رأسه من الركوع قبل الإمام سهوا ثمّ عاد إليه للمتابعة فرفع الإمام رأسه قبل وصوله إلى حدّ الركوع لا يبعد بطلان صلاته، والأحوط الإتمام ثمّ الإعادة.
        مسألة 13 - لو رفع رأسه من السجود فرأى الإمام في السجدة فتخيّل أنّها الاُولى فعاد إليها بقصد المتابعة فبان كونها الثانية ففي احتسابها ثانية إشكال لايترك الاحتياط بالإتمام والإعادة؛ ولو تخيّل أنّها الثانية فسجد اُخرى بقصدها فبان أنّها الاُولى حسبت ثانيةً، فله قصد الانفراد والإتمام، ولا يبعد جواز المتابعة في السجدة الثانية وجواز الاستمرار إلى اللحوق بالإمام، والأوّل أحوط، كما أنّه مع المتابعة إعادة الصلاة أحوط.
        مسألة 14 - لو ركع أو سجد قبل الإمام عمدا لا يجوز له المتابعة، وإن كان سهوا فوجوبها - بالعود إلى القيام أو الجلوس ثمّ الركوع أو السجود - لا يخلو من وجه وإن لا يخلو من إشكال، والأحوط مع ذلك إعادة الصلاة.
        مسألة 15 - لوكان مشتغلاً بالنافلة فاُقيمت الجماعة وخاف عدم إدراكها استُحبّ قطعها. ولو كان مشتغلاً بالفريضة منفرداً استحبّ العدول إلى النافلة وإتمامها ركعتين إن لم يتجاوز محلّ العدول، كما لو دخل في ركوع الركعة الثالثة.

      • القول في شرائط إمام الجماعة

         

        القول في شرائط إمام الجماعة

        ويشترط فيه اُمور: الإيمان، وطهارة المولد، والعقل، والبلوغ إذا كان المأموم بالغاً، بل إمامة غير البالغ ولو لمثله محلّ إشكال، بل عدم جوازه لا يخلو من قرب، والذكورة إذا كان المأموم ذكراً بل مطلقاً على الأحوط، والعدالة، فلا تجوز الصلاة خلف الفاسق ولا مجهول الحال. وهي حالة نفسانيّة باعثة على ملازمة التقوى مانعة عن ارتكاب الكبائر بل والصغائر على الأقوى، فضلاً عن الإصرار عليها(۱) الّذي عدّ من الكبائر، وعن ارتكاب أعمال دالّة عرفاً على عدم مبالاةفاعلهابالدين. والأحوط اعتبار الاجتناب عن منافيات المروّة وإن كان الأقوى عدم اعتباره.
        وأمّا الكبائر فهي كلّ معصية ورد التوعيد عليها بالنار أو بالعقاب أو شدّد عليها تشديداً عظيماً، أو دلّ دليل على كونها أكبر من بعض الكبائر أو مثله، أو حكم العقل بأنّها كبيرة، أو كان في ارتكاز المتشرّعة كذلك، أو ورد النصّ بكونها كبيرة.
        وهي كثيرة: منها اليأس من روح اللّه، والأمن من مكره، والكذب عليه أو على رسوله وأوصيائه:، وقتل النفس الّتي حرّمها اللّه إلّا بالحقّ، وعقوق الوالدين، وأكل مال اليتيم ظلماً، وقذف المحصنة، والفرار من الزحف، وقطيعة الرحم، والسحر، والزنا، واللواط، والسرقة، واليمين الغَمُوس، وكتمان الشهادة، وشهادة الزور، ونقض العهد، والحيف في الوصيّة، وشرب الخمر، وأكل الربا، وأكل السحت، والقمار، وأكل الميتة والدم ولحم الخنزير وما اُهلّ لغير اللّه من غير ضرورة، والبخس في المكيال والميزان، والتعرّب بعد الهجرة، ومعونة الظالمين، والركون إليهم، وحبس الحقوق من غير عذر، والكذب، والكبر، والإسراف، والتبذير، والخيانة، والغيبة، والنميمة، والاشتغال بالملاهي، والاستخفاف بالحجّ، وترك الصلاة، ومنع الزكاة، والإصرار على الصغائر من الذنوب. وأمّا الإشراك باللّه تعالى وإنكار ما أنزله ومحاربة أوليائه فهي من أكبر الكبائر، لكن في عدّها من الّتي يعتبر اجتنابها في العدالة مسامحة.
        مسألة 1 - الإصرار الموجب لدخول الصغيرة في الكبائر هو المداومة والملازمة على المعصية من دون تخلّل التوبة. ولا يبعد أن يكون من الإصرار العزم على العود إلى المعصية بعد ارتكابها وإن لم يعد إليها، خصوصا إذا كان عزمه على العود حال ارتكاب المعصية الاُولى. نعم، الظاهر عدم تحقّقه بمجرّد عدم التوبة بعد المعصية من دون العزم على العود إليها.
        مسألة 2 - الأقوى جواز تصدّي الإمامة لمن يعرف من نفسه عدم العدالة مع اعتقاد المأمومين عدالته وإن كان الأحوط الترك. وهي جماعة صحيحة يترتّب عليها أحكامها.
        مسألة 3 - تثبت العدالة بالبيّنة والشياع الموجب للاطمينان، بل يكفي الوثوق والاطمينان من أيّ وجه حصل ولو من جهة اقتداء جماعة من أهل البصيرة والصلاح، كما أنّه يكفي حسن الظاهر الكاشف ظنّا عن العدالة، بل الأقوى كفاية حسن الظاهر ولو لم يحصل منه الظنّ وإن كان الأحوط اعتباره.
        مسألة 4 - لا يجوز إمامة القاعد للقائم، ولا المضطجع للقاعد، ولا من لايحسن القراءة - بعدم تأدية الحروف من مخرجه أو إبداله بغيره حتّى اللحن في الإعراب وإن كان لعدم استطاعته - لمن يحسنها، وكذا الأخرس للناطق وإن كان ممّن لا يحسنها. وفي جواز إمامة من لا يحسن القراءة في غير المحلّ الّذي يتحمّلها الإمام عن المأموم - كالركعتين الأخيرتين - لمن يحسنها إشكال، فلايترك الاحتياط.
        مسألة 5 - جواز الاقتداء بذوي الأعذار مشكل، لا يترك الاحتياط بتركه وإن كان إمامته لمثله أو لمن هو متأخّر عنه رتبةً كالقاعد للمضطجع لا يخلو من وجه. نعم، لابأس بإمامة القاعد لمثله والمتيمّم وذي الجبيرة لغيرهما.
        مسألة 6 - لو اختلف الإمام مع المأموم في المسائل المتعلّقة بالصلاة اجتهادا أو تقليدا صحّ الاقتداء به - وإن لم يتّحدا في العمل - في ما إذا رأى المأموم صحّة صلاته مع خطئه في الاجتهاد أو خطأ مجتهده، كما إذا اعتقد المأموم وجوب التسبيحات الأربعة ثلاثا ورأى الإمام أنّ الواجب واحدة منها وعمل به. ولا يصحّ الاقتداء مع اعتقاده اجتهادا أو تقليدا بطلان صلاته؛ كما يشكل ذلك في ما إذا اختلفا في القراءة ولو رأى المأموم صحّة صلاته، كما لو لم يرالإمام وجوب السورة وتركها ورأى المأموم وجوبها، فلايترك الاحتياط بترك الاقتداء. نعم، إذا لم يعلم اختلافهما في الرأي يجوز الايتمام، ولا يجب الفحص والسؤال. وأمّا مع العلم باختلافهما في الرأي والشكّ في تخالفهما في العمل فالأقوى عدم جوازالاقتداء في ما يرجع إلى المسائل الّتي لا يجوز معها الاقتداء مع وضوح الحال، ويشكل في ما يرجع إلى المسائل المحكومة بالإشكال.
        مسألة 7 - لو دخل الإمام في الصلاة معتقدا دخول الوقت واعتقد المأموم عدمه أو شكّ فيه لايجوز له الايتمام في تلك الصلاة. نعم، لو علم بالدخول في أثناء صلاة الإمام جاز له الايتمام عند دخوله إذا دخل الإمام على وجه يحكم بصحّة صلاته.
        مسألة 8 - لو تشاحّ الأئمّة فالأحوط الأولى ترك الاقتداء بهم جميعا. نعم، إذا تشاحّوا في تقديم الغير وكلّ يقول: «تقدّم يا فلان» يرجّح من قدّمه المأمومون، ومع الاختلاف أو عدم تقديمهم يقدّم الفقيه الجامع للشرائط، وإن لم يكن أو تعدّد يقدّم الأجود قراءة، ثمّ الأفقه في أحكام الصلاة، ثمّ الأسنّ. والإمام الراتب في المسجد أولى بالإمامة من غيره وإن كان أفضل، لكنّ الأولى له تقديم الأفضل. وصاحب المنزل أولى من غيره المأذون في الصلاة، والأولى له تقديم الأفضل. والهاشميّ أولى من غيره المساوي له في الصفات. والترجيحات المذكورة إنّما هي من باب الأفضليّة والاستحباب، لا على وجه اللزوم والإيجاب حتّى في أولويّة الإمام الراتب، فلا يحرم مزاحمة الغير له وإن كان مفضولا من جميع الجهات، لكن مزاحمته قبيحة، بل مخالفة للمروّة وإن كان المزاحم أفضل منه من جميع الجهات.
        مسألة 9 - الأحوط للأجذم والأبرص والمحدود بعد توبته ترك الإمامة وترك الاقتداء بهم. ويُكره إمامة الأغلف المعذور في ترك الختان، ومن يَكره المأمومون إمامته، والمتيمّم للمتطهّر، بل الأولى عدم إمامة كلّ ناقص للكامل.
        مسألة 10 - لو علم المأموم بطلان صلاة الإمام - من جهة كونه محدثا أو تاركا لركن ونحوه - لايجوز له الاقتداء به وإن اعتقد الإمام صحّتها جهلا أو سهوا.
        مسألة 11 - لو رأى المأموم في ثوب الإمام نجاسةً غير معفوّ عنها: فإن علم أنّه قد نسيها لايجوز الاقتداء به، وإن علم أنّه جاهل بها يجوز الاقتداء به، وإن لم يدر أنّه جاهل أو ناسٍ ففي جوازه تأمّل وإشكال، فلايترك الاحتياط.
        مسألة 12 - لو تبيّن بعد الصلاة كون الإمام فاسقا أو محدثا صحّ ما صلّى معه جماعةً، ويغتفر فيه ما يغتفر في الجماعة.


        قد استفتي أخيرا من حضرةالإمام بالنسبة إلى الصغائر، فكتب بالاحتياط، كما احتاط في كتاب الشهادات.

  • كتاب الصوم
    • القول في النية

       

      القول في النيّة

      مسألة 1 - يشترط في الصوم النيّة، بأن يقصد تلك العبادة المقرّرة في الشريعة ويعزم على الإمساك عن المفطرات المعهودة بقصد القربة. ولا يعتبر في الصحّة العلم بالمفطرات على التفصيل؛ فلو نوى الإمساك عن كلّ مفطر ولم يعلم بمفطريّة بعض الأشياء كالاحتقان - مثلا - أو زعم عدمها ولكن لم يرتكبه صحّ صومه. وكذا لونوى الإمساك عن اُمور يعلم باشتمالها على المفطرات صحّ على الأقوى. ولايعتبر في النيّة - بعد القربة والإخلاص - سوى تعيين الصوم الّذي قصد إطاعة أمره. ويكفي في صوم شهر رمضان نيّة صوم غد من غير حاجة إلى تعيينه، بل لونوى غيره فيه جاهلا به أو ناسيا له صحّ ووقع عن رمضان، بخلاف العالم به فإنّه لا يقع لواحد منهما، ولابدّ في ما عدا شهر رمضان من التعيين، بمعنى قصد صنف الصوم المخصوص، كالكفّارة والقضاء والنذر المطلق بل المعيّن أيضا على الأقوى. ويكفي التعيين الإجماليّ، كما إذا كان ما وجب في ذمّته صنفا واحدا فقصد ما في الذمّة فإنّه يجزيه. والأظهر عدم اعتبار التعيين في المندوب المطلق؛ فلو نوى صوم غد للّه تعالى صحّ ووقع ندبا لو كان الزمان صالحا له وكان الشخص ممّن يصحّ منه التطوّع بالصوم؛ بل وكذا المندوب المعيّن أيضا إن كان تعيّنه بالزمان الخاصّ، كأيّام البيض والجمعة والخميس. نعم، في إحراز ثواب الخصوصيّة يعتبر إحراز ذلك اليوم وقصده.
      مسألة 2 - يعتبر في القضاء عن الغير نيّة النيابة ولولم يكن في ذمّته صوم آخر.
      مسألة 3 - لا يقع في شهر رمضان صوم غيره، واجبا كان أو ندبا، سواء كان مكلّفا بصومه أم لا كالمسافر ونحوه، بل مع الجهل بكونه رمضانا أو نسيانه لو نوى فيه صوم غيره يقع عن رمضان كما مرّ.
      مسألة 4 - الأقوى أنّه لا محلّ للنيّة شرعا في الواجب المعيّن، رمضانا كان أو غيره، بل المعيار حصول الصوم عن عزمٍ وقصدٍ باقٍ في النفس ولو ذهل عنه بنوم أو غيره. ولا فرق في حدوث هذا العزم بين كونه مقارنا لطلوع الفجر أو قبله، ولابين حدوثه في ليلة اليوم الّذي يريد صومه أو قبلها؛ فلو عزم على صوم الغد من اليوم الماضي ونام على هذا العزم إلى آخر النهار صحّ على الأصحّ. نعم، لو فاتته النيّة لعذر - كنسيان أو غفلة أو جهل بكونه رمضانا أو مرض أو سفر - فزال عذره قبل الزوال يمتدّ وقتها شرعا إلى الزوال لو لم يتناول المفطر، فإذا زالت الشمس فات محلّها. نعم، في جريان الحكم في مطلق الأعذار إشكال، بل في المرض لايخلو من إشكال وإن لا يخلو من قرب. ويمتدّ محلّها اختيارا في غير المعيّن إلى الزوال دون ما بعده؛ فلو أصبح ناويا للإفطار ولم يتناول مفطرا فبدا له قبل الزوال أن يصوم قضاء شهر رمضان أو كفّارةً أو نذرا مطلقا جاز وصحّ دون ما بعده. ومحلّها في المندوب يمتدّ إلى أن يبقى من الغروب زمان يمكن تجديدها فيه.
      مسألة 5 - يوم الشكّ في أنّه من شعبان أو رمضان يبني على أنّه من شعبان، فلا يجب صومه. ولو صامه بنيّة أنّه من شعبان ندبا أجزأه عن رمضان لو بان أنّه منه. وكذا لو صامه بنيّة أنّه منه قضاءً أو نذرا أجزأه لو صادفه؛ بل لو صامه على أنّه إن كان من شهر رمضان كان واجبا وإلّا كان مندوبا لا يبعد الصحّة ولو على وجه الترديد في النيّة في المقام. نعم، لو صامه بنيّة أنّه من رمضان لم يقع لا له ولا لغيره.
      مسألة 6 - لو كان في يوم الشكّ بانيا على الإفطار ثمّ ظهر في أثناء النهار أنّه من شهر رمضان: فإن تناول المفطر أو ظهر الحال بعد الزوال وإن لم يتناوله يجب عليه إمساك بقيّة النهار تأدّبا وقضاء ذلك اليوم، وإن كان قبل الزوال ولم يتناول مفطرا يجدّد النيّة وأجزأ عنه.
      مسألة 7 - لو صام يوم الشكّ بنيّة أنّه من شعبان ثمّ تناول المفطر نسيانا وتبيّن بعد ذلك أنّه من رمضان أجزأ عنه. نعم، لو أفسد صومه برياء ونحوه لم يُجزِه منه حتّى لو تبيّن كونه منه قبل الزوال وجدّد النيّة.
      مسألة 8 - كما تجب النيّة في ابتداء الصوم تجب الاستدامة عليها في أثنائه؛ فلو نوى القطع في الواجب المعيّن - بمعنى قصد رفع اليد عمّا تلبّس به من الصوم - بطل على الأقوى وإن عاد إلى نيّة الصوم قبل الزوال؛ وكذا لو قصد القطع لزعم اختلال صومه ثمّ بان عدمه. وينافي الاستدامة أيضا التردّد في إدامة الصوم أو رفع اليد عنه؛ وكذا لو كان تردّده في ذلك لعروض شي ء لم يدر أنّه مبطل لصومه أولا. وأمّا في غير الواجب المعيّن لو نوى القطع ثمّ رجع قبل الزوال صحّ صومه. هذا كلّه في نيّة القطع. وأمّا نيّة القاطع - بمعنى نيّة ارتكاب المفطر - فليست بمفطرة على الأقوى وإن كانت مستلزمةً لنيّة القطع تبعا. نعم، لو نوى القاطع والتفت إلى استلزامها ذلك فنواه استقلالا بطل على الأقوى.

    • القول فيما يجب الامساك عنه

       

      القول في ما يجب الإمساك عنه

      مسألة 1 - يجب على الصائم الإمساك عن اُمور:
      الأوّل والثاني: الأكل والشرب، معتادا كان كالخبز والماء، أو غيره كالحصاة وعصارة الأشجار، ولو كانا قليلين جدّا كعُشر حبّة وعُشر قطرة.
      مسألة 2 - المدار هو صدق الأكل والشرب ولو كانا على النحوغيرالمتعارف؛ فإذا أوصل الماء إلى جوفه من طريق أنفه صدق الشرب عليه وإن كان بنحو غير متعارف.
      الثالث: الجماع، ذكرا كان الموطوء أو اُنثى، إنسانا أو حيوانا، قُبلا أو دُبرا، حيّا أو ميّتا، صغيرا أوكبيرا، واطئا كان الصائم أو موطوءا؛ فتعمّد ذلك مبطل وإن لم يُنزل. ولا يبطل مع النسيان أو القهر السالب للاختيار، دون الإكراه فإنّه مبطل أيضا؛ فإن جامع نسيانا أو قهرا فتذكّر أو ارتفع القهر في الأثناء وجب الإخراج فورا، فإن تراخى بطل صومه. ولو قصد التفخيذ - مثلا - فدخل بلا قصد لم يبطل، وكذا لو قصد الإدخال ولم يتحقّق، لما مرّ من عدم مفطريّة قصد المفطر. ويتحقّق الجماع بغيبوبة الحشفة أو مقدارها، بل لا يبعد إبطال مسمّى الدخول في المقطوع وإن لم يكن بمقدارها.
      الرابع: إنزال المنيّ باستمناء أو ملامسة أو قُبلة أو تفخيذ أو نحو ذلك من الأفعال الّتي يقصد بها حصوله، بل لو لم يقصد حصوله وكان من عادته ذلك بالفعل المزبور فهو مبطل أيضا. نعم، لو سبقه المنيّ من دون إيجاد شي ء يترتّب عليه حصوله - ولو من جهة عادته من دون قصد له - لم يكن مبطلا.
      مسألة 3 - لا بأس بالاستبراء بالبول أو الخرطات لمن احتلم في النهار وإن علم بخروج بقايا المنيّ الّذي في المجرى إذا كان ذلك قبل الغسل من الجنابة، وأمّا الاستبراء بعده فمع العلم بحدوث جنابة جديدة به فالأحوط تركه، بل لا يخلو لزومه من قوّة. ولا يجب التحفّظ من خروج المنيّ بعد الإنزال إن استيقظ قبله، خصوصا مع الحرج والإضرار.
      الخامس: تعمّد البقاء على الجنابة إلى الفجر في شهر رمضان وقضائه؛ بل الأقوى في الثاني البطلان بالإصباح جنبا وإن لم يكن عن عمد؛ كما أنّ الأقوى بطلان صوم شهر رمضان بنسيان غسل الجنابة ليلا قبل الفجر حتّى مضى عليه يوم أو أيّام، بل الأحوط إلحاق غير شهر رمضان - من النذر المعيّن ونحوه - به وإن كان الأقوى خلافه إلّا في قضاء شهر رمضان، فلا يترك الاحتياط فيه. وأمّا غير شهر رمضان وقضائه من الواجب المعيّن والموسّع والمندوب ففي بطلانه بسبب تعمّد البقاء على الجنابة إشكال، الأحوط ذلك خصوصا في الواجب الموسّع، والأقوى العدم خصوصا في المندوب.
      مسألة 4 - من أحدث سبب الجنابة في وقت لا يسع الغسل ولا التيمّم مع علمه بذلك فهو كمتعمّد البقاء عليها، ولو وسع التيمّم خاصّة عصى وصحّ صومه المعيّن، والأحوط القضاء.
      مسألة 5 - لو ظنّ السعة وأجنب فبان الخلاف لم يكن عليه شي ء إذا كان مع المراعاة، وإلّا فعليه القضاء.
      مسألة 6 - كما يبطل الصوم بالبقاء على الجنابة متعمّدا كذا يبطل بالبقاء على حدث الحيض والنفاس إلى طلوع الفجر، فإذا طهرتا منهما قبل الفجر وجب عليهما الغسل أو التيمّم، ومع تركهما عمدا يبطل صومهما. وكذا يشترط على الأقوى في صحّة صوم المستحاضة الأغسال النهاريّة الّتي للصلاة دون غيرها؛ فلو استحاضت قبل الإتيان بصلاة الصبح أو الظهرين بما يوجب الغسل -كالمتوسّطة والكثيرة- فتركت الغسل بطل صومها، بخلاف ما لو استحاضت بعد الإتيان بصلاة الظهرين فتركت الغسل إلى الغروب فإنّه لا يبطله. ولا يترك الاحتياط بإتيان الغسل لصلاة الليلة الماضية. ويكفي عنه الغسل قبل الفجر لإتيان صلاة الليل أو الفجر، فصحّ صومها حينئذٍ على الأقوى.
      مسألة 7 - فاقد الطهورين يصحّ صومه مع البقاء على الجنابة أو حدث الحيض أو النفاس. نعم، في ما يفسده البقاء على الجنابة ولو عن غير عمد - كقضاء شهر رمضان - فالظاهر بطلانه به.
      مسألة 8 - لا يشترط في صحّة الصوم الغسل لمسّ الميّت، كما لا يضرّ مسّه به في أثناء النهار.
      مسألة 9 - من لم يتمكّن من الغسل - لفقد الماء أو لغيره من أسباب التيمّم ولو لضيق الوقت - وجب عليه التيمّم للصوم، فمن تركه حتّى أصبح كان كتارك الغسل. ولا يجب عليه البقاء على التيمّم مستيقظا حتّى يصبح وإن كان أحوط.
      مسألة 10 - لو استيقظ بعد الصبح محتلما: فإن علم أنّ جنابته حصلت في الليل صحّ صومه إن كان مضيّقا، إلّا في قضاء شهر رمضان، فإنّ الأحوط فيه الإتيان به وبعوضه وإن كان جواز الاكتفاء بالعوض بعد شهر رمضان الآتي لا يخلو من قوّة، وإن كان موسّعا بطل إن كان قضاء شهر رمضان، وصحّ إن كان غيره أو كان مندوبا، إلّا أنّ الأحوط إلحاقهما به؛ وإن لم يعلم بوقت وقوع الجنابة أو علم بوقوعها نهارا لا يبطل صومه، من غير فرق بين الموسّع وغيره والمندوب. ولا يجب عليه البدار إلى الغسل كما لا يجب على كلّ من أجنب في النهار بدون اختيار وإن كان أحوط.
      مسألة 11 - من أجنب في الليل في شهر رمضان جاز له أن ينام قبل الاغتسال إن احتمل الاستيقاظ حتّى بعد الانتباه أو الانتباهتين بل وأزيد، خصوصا مع اعتياد الاستيقاظ، فلا يكون نومه حراما وإن كان الأحوط شديدا ترك النوم الثاني فما زاد. ولو نام مع احتمال الاستيقاظ فلم يستيقظ حتّى طلع الفجر: فإن كان بانيا على عدم الاغتسال لو استيقظ أو متردّدا فيه أو غير ناوٍ له وإن لم يكن متردّدا ولا ذاهلا وغافلا لحقه حكم متعمّد البقاء على الجنابة، فعليه القضاء والكفّارة كما يأتي، وإن كان بانيا على الاغتسال لا شي ء عليه، لا القضاء ولا الكفّارة. لكن لاينبغي للمحتلم أن يترك الاحتياط لو استيقظ ثمّ نام ولم يستيقظ حتّى طلع الفجر بالجمع بين صوم يومه وقضائه وإن كان الأقوى صحّته. ولو انتبه ثمّ نام ثانيا حتّى طلع الفجر بطل صومه، فيجب عليه الإمساك تأدّبا والقضاء. ولو عاد إلى النوم ثالثا ولم ينتبه فعليه الكفّارة أيضا على المشهور، وفيه تردّد، بل عدم وجوبها لايخلو من قوّة، لكن لا ينبغي ترك الاحتياط. ولو كان ذاهلا وغافلا عن الاغتسال ولم يكن بانيا عليه ولا على تركه ففي لحوقه بالأوّل أو الثاني وجهان، أوجههما اللحوق بالثاني.
      السادس: تعمّد الكذب على اللّه تعالى ورسوله والأئمّة - صلوات اللّه عليهم - على الأقوى، وكذا باقي الأنبياء والأوصياء: على الأحوط، من غير فرق بين كونه في الدين أو الدنيا، وبين كونه بالقول أو بالكتابة أو الإشارة أو الكناية ونحوها ممّا يصدق عليه الكذب عليهم: ، فلو سأله سائل: هل قال النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) كذا؟ فأشار «نعم» في مقام «لا»، أو «لا» في مقام «نعم» بطل صومه؛ وكذا لو أخبر صادقا عن النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم)  ثمّ قال: «ما أخبرت به عنه كذبٌ» أو أخبر عنه كاذبا في الليل ثمّ قال في النهار: «إنّ ما أخبرت به في الليل صدقٌ» فسد صومه. والأحوط عدم الفرق بين الكذب عليهم في أقوالهم أو غيرها، كالإخبار كاذبا بأنّه فعل كذا أو كان كذا. والأقوى عدم ترتّب الفساد مع عدم القصد الجدّيّ إلى الإخبار، بأن كان هازلا أو لاغيا.
      مسألة 12 - لو قصد الصدق فبان كذبا لم يضرّ، وكذا إذا قصد الكذب فبان صدقا وإن علم بمفطريّته.
      مسألة 13 - لا فرق بين أن يكون الكذب مجعولا له أو لغيره - كما إذا كان مذكورا في بعض كتب التواريخ أو الأخبار - إذا كان على وجه الإخبار. نعم، لايفسده إذا كان على وجه الحكاية والنقل من شخص أو كتاب.
      السابع: رمس الرأس في الماء على الأحوط ولو مع خروج البدن. ولا يلحق المضاف بالمطلق. نعم، لا يترك الاحتياط في مثل الجلّاب خصوصا مع ذهاب رائحته. ولا بأس بالإفاضة ونحوها ممّا لا يسمّى رمسا وإن كثر الماء، بل لابأس برمس البعض وإن كان فيه المنافذ، ولا بغمس التمام على التعاقب، بأن غمس نصفه ثمّ أخرجه وغمس نصفه الآخر.
      مسألة 14 - لو ألقى نفسه في الماء بتخيّل عدم الرمس فحصل لم يبطل صومه إذا لم تقض العادة برمسه، وإلّا فمع الالتفات فالأحوط إلحاقه بالعمد إلّإ؛ظظ مع القطع بعدمه.
      مسألة 15 - لو ارتمس الصائم مغتسلا: فإن كان تطوّعا أو واجبا موسّعا بطل صومه وصحّ غسله، وإن كان واجبا معيّنا فإن قصد الغسل بأوّل مسمّى الارتماس بطل صومه وغسله على تأمّل فيه، وإن نواه بالمكث أو الخروج صحّ غسله دون صومه في غير شهر رمضان، وأمّا فيه فيبطلان معا، إلّا إذا تاب ونوى الغسل بالخروج فإنّه صحيح حينئذٍ.
      الثامن: إيصال الغبار الغليظ إلى الحلق، بل وغير الغليظ على الأحوط وإن كان الأقوى خلافه، سواء كان الإيصال بإثارته بنفسه بكنس أو نحوه أو بإثارة غيره أو بإثارة الهواء مع تمكينه من الوصول وعدم التحفّظ؛ وفي ما يعسر التحرّز عنه تأمّل. ولا بأس به مع النسيان أو الغفلة أو القهر الرافع للاختيار أو تخيّل عدم الوصول، إلّا أن يجتمع في فضاء الفم ثمّ أكله اختياراً. والأقوى عدم لحوق البخار به إلّا إذا انقلب في الفم ماءً وابتلعه، كما أنّ الأقوى عدم لحوق الدخان به أيضا. نعم، يلحق به شرب الأدخنة على الأحوط.
      التاسع: الحَقنة بالمائع ولو لمرض ونحوه، ولا بأس بالجامد المستعمل للتداوي كالشياف. وأمّا إدخال نحو الترياك للمعتادين به وغيرهم للتغذّي والاستنعاش ففيه إشكال، فلا يترك الاحتياط باجتنابه؛ وكذلك كلّ ما يحصل به التغذّي من هذا المجرى، بل وغيره كتلقيح ما يتغذّى به. نعم، لا بأس بتلقيح غيره للتداوي، كما لابأس بوصول الدواء إلى جوفه من جرحه.
      العاشر: تعمّد القي ء وإن كان للضرورة، دون ما كان منه بلا عمد. والمدار صدق مسمّاه. ولو ابتلع في الليل ما يجب عليه ردّه ويكون القي ء في النهار مقدّمة له صحّ صومه لو ترك القي ء عصيانا ولو انحصر إخراجه به. نعم، لو فرض ابتلاع ما حكم الشارع بقيئه بعنوانه ففي الصحّة والبطلان تردّد، والصحّة أشبه.
      مسألة 16 - لو خرج بالتجشّؤ شي ء ووصل إلى فضاء الفم ثمّ نزل من غير اختيار لم يبطل صومه، ولو بلعه اختيارا بطل وعليه القضاء والكفّارة. ولا يجوز للصائم التجشّؤ اختيارا إذا علم بخروج شي ء معه يصدق عليه القي ء أو ينحدر بعد الخروج بلا اختيار، وإن لم يعلم به بل احتمله فلا بأس به، بل لو ترتّب عليه حينئذٍ الخروج والانحدار لم يبطل صومه. هذا إذا لم يكن من عادته ذلك وإلّا ففيه إشكال، ولا يترك الاحتياط.
      مسألة 17 - لا يبطل الصوم بابتلاع البصاق المجتمع في الفم وإن كان بتذكّر ما كان سببا لاجتماعه، ولا بابتلاع النخامة الّتي لم تصل إلى فضاء الفم، من غير فرق بين النازلة من الرأس والخارجة من الصدر على الأقوى. وأمّا الواصلة إلى فضاء الفم لا يترك الاحتياط بترك ابتلاعها. ولو خرجت عن الفم ثمّ ابتلعها بطل صومه. وكذا البصاق، بل لو كانت في فمه حصاة فأخرجها و عليها بلّة من الريق ثمّ أعادها وابتلعها أو بلّ الخيّاط الخيط بريقه ثم ردّه وابتلع ما عليه من الرطوبة أو استاك وأخرج المسواك المبلّل بالريق فردّه وابتلع ما عليه من الرطوبة إلى غير ذلك بطل صومه. نعم، لو استهلك ما كان عليه من الرطوبة في ريقه - على وجه لا يصدق أنّه ابتلع ريقه مع غيره - لا بأس به. ومثله ذوق المرق ومضغ الطعام والمتخلّف من ماء المضمضة. وكذا لا بأس بالعلك على الأصحّ وإن وجد منه طعما في ريقه، ما لم يكن ذلك بتفتّت أجزائه ولو كان بنحو الذوبان في الفم.
      مسألة 18- كلّ ما مرّ من أنّه يفسد الصوم - ما عدا البقاء على الجنابة الّذي مرّ التفصيل فيه - إنّما يفسده إذا وقع عن عمد، لابدونه كالنسيان أو عدم القصد، فإنّه لا يفسده بأقسامه، كما أنّ العمد يفسده بأقسامه، من غير فرق بين العالم بالحكم والجاهل به مقصّرا على الأقوى أو قاصرا على الأحوط. ومن العمد من أكل ناسيا فظنّ فساده فأفطر عامدا. والمقهور المسلوب عنه الاختيار الموجَر في حلقه لايبطل صومه. والمكره الّذي يتناول بنفسه يبطله. ولو اتّقى من المخالفين في أمر يرجع إلى فتواهم أو حكمهم فلا يفطره؛ فلو ارتكب تقيّةً ما لا يرى المخالف مفطرا صحّ صومه على الأقوى. وكذا لو أفطر قبل ذهاب الحمرة، بل وكذا لو أفطر يوم الشكّ تقيّةً - لحكم قضاتهم بحسب الموازين الشرعيّة الّتي عندهم - لايجب عليه القضاء مع بقاء الشكّ على الأقوى. نعم، لو علم بأنّ حكمهم بالعيد مخالف للواقع يجب عليه الإفطار تقيّةً، وعليه القضاء على الأحوط.

    • القول فيما يكره للصائم ارتكابه

       

      القول في ما يكره للصائم ارتكابه

      مسألة 1 - يكره للصائم اُمور:
      منها: مباشرة النساء تقبيلا ولمسا وملاعبةً، وللشابّ الشبق ومن تتحرّك شهوته أشدّ. هذا إذا لم يقصد الإنزال بذلك ولم يكن من عادته، وإلّا حرم في الصوم المعيّن، بل الأولى ترك ذلك حتّى لمن لم تتحرّك شهوته عادةً مع احتمال التحرّك بذلك.
      ومنها: الاكتحال إذا كان بالذرّ أو كان فيه مسك أو يصل منه إلى الحلق أو يخاف وصوله أو يجد طعمه فيه لما فيه من الصبر ونحوه.
      ومنها: إخراج الدم المضعف بحجامة أو غيرها، بل كلّ ما يورث ذلك أو يصير سببا لهيجان المِرّة، من غير فرق بين شهر رمضان وغيره وإن اشتدّ فيه، بل يحرم ذلك فيه، بل في مطلق الصوم المعيّن إذا علم حصول الغَشَيان المبطل ولم تكن ضرورة تدعو إليه.
      ومنها: دخول الحمّام إذا خشي منه الضعف.
      ومنها: السعوط، وخصوصا مع العلم بوصوله إلى الدماغ أو الجوف، بل يفسد الصوم مع التعدّي إلى الحلق.
      ومنها: شمّ الرياحين خصوصا النرجس. والمراد بها كلّ نبت طيّب الريح. نعم، لابأس بالطيب فإنّه تحفة الصائم، لكنّ الأولى ترك المسك منه، بل يكره التطيّب به للصائم، كما أنّ الأولى ترك شمّ الرائحة الغليظة حتّى تصل إلى الحلق.
      مسألة 2 - لا بأس باستنقاع الرجل في الماء ويكره للامرأة؛ كما أنّه يكره لهما بلّ الثوب ووضعه على الجسد. ولا بأس بمضغ الطعام للصبيّ ولا زقّ الطائر، ولا ذوق المرق، ولا غيرها ممّا لا يتعدّى إلى الحلق أو تعدّى من غير قصد أو مع القصد ولكن عن نسيان؛ ولا فرق بين أن يكون أصل الوضع في الفم لغرض صحيح أو لا. نعم، يكره الذوق للشي ء. ولابأس بالسواك باليابس، بل هومستحبّ. نعم، لا يبعد الكراهة بالرطب؛ كما أنّه يكره نزع الضرس بل مطلق ما فيه إدماء.

    • القول فيما يترتب على الافطار

       

      القول في ما يترتّب على الإفطار

      مسألة 1 - الإتيان بالمفطرات المذكورة كما أنّه موجب للقضاء موجب للكفّارة أيضا إذا كان مع العمد والاختيار من غير كُره، على الأحوط في الكذب على اللّه تعالى ورسوله (صلى الله عليه وآله وسلم) والأئمّة(عليهم السلام) وفي الارتماس والحَقنة، وعلى الأقوى في البقيّة، بل في الكذب عليهم: أيضا لا يخلو من قوّة. نعم، القي ء لا يوجبها على الأقوى. ولا فرق بين العالم والجاهل المقصّر على الأحوط، وأمّا القاصر غير الملتفت إلى السؤال فالظاهر عدم وجوبها عليه وإن كان أحوط.
      مسألة 2 - كفّارة إفطار شهر رمضان اُمور ثلاثة: عتق رقبة، وصيام شهرين متتابعين، وإطعام ستّين مسكينا، مخيّرا بينها، وإن كان الأحوط الترتيب مع الإمكان. والأحوط الجمع بين الخصال إذا أفطر بشي ء محرّم، كأكل المغصوب وشرب الخمر والجماع المحرّم ونحو ذلك.
      مسألة 3 - الأقوى أنّه لا تتكرّر الكفّارة بتكرّر الموجب في يوم واحد حتّى الجماع وإن اختلف جنس الموجب، ولكن لاينبغي ترك الاحتياط في الجماع.
      مسألة 4 - تجب الكفّارة في إفطار صوم شهر رمضان وقضائه بعد الزوال والنذر المعيّن، ولا تجب في ما عداها من أقسام الصوم، واجبا كان أو مندوبا، أفطر قبل الزوال أو بعده. نعم، ذكر جماعة وجوبها في صوم الاعتكاف إذا وجب، وهم بين معمّم لها لجميع المفطرات ومخصّص بالجماع، ولكنّ الظاهر الاختصاص بالجماع، كما أنّ الظاهر أنّها لأجل نفس الاعتكاف لا للصوم، ولذا لا فرق بين وقوعه في الليل أو النهار. نعم، لو وقع في نهار شهر رمضان تجب كفّارتان، كما أنّه لو وقع الإفطار فيه بغير الجماع تجب كفّارة شهر رمضان فقط.
      مسألة 5 - لو أفطر متعمّدا لم تسقط عنه الكفّارة على الأقوى لو سافر فرارا من الكفّارة أو سافر بعد الزوال، وعلى الأحوط في غيره. وكذا لا تسقط لو سافر وأفطر قبل الوصول إلى حدّ الترخّص على الأحوط؛ بل الأحوط عدم سقوطها لو أفطر متعمّدا ثمّ عرض له عارض قهريّ من حيض أو نفاس أو مرض وغير ذلك وإن كان الأقوى سقوطها؛ كما أنّه لو أفطر يوم الشكّ في آخر الشهر ثمّ تبيّن أنّه من شوّال فالأقوى سقوطها كالقضاء.
      مسألة 6 - لو جامع زوجته في شهر رمضان وهما صائمان: فإن طاوعته فعلى كلّ منهما الكفّارة والتعزير، وهو خمسة وعشرون سوطا، وإن أكرهها على ذلك يتحمّل عنها كفّارتها وتعزيرها، وإن أكرهها في الابتداء على وجه سلب منها الاختيار والإرادة ثمّ طاوعته في الأثناء فالأقوى ثبوت كفّارتين عليه وكفّارة عليها، وإن كان الإكراه على وجه صدر الفعل بإرادتها وإن كانت مكرهةً فالأقوى ثبوت كفّارتين عليه وعدم كفّارة عليها، وكذا الحال في التعزير على الظاهر. ولا تلحق بالزوجة المكرهة الأجنبيّة. ولا فرق في الزوجة بين الدائمة والمنقطعة. ولو أكرهت الزوجة زوجها لا تتحمّل عنه شيئا.
      مسألة 7 - لو كان مفطرا لكونه مسافرا أو مريضا وكانت زوجته صائمةً لايجوز إكراهها على الجماع، وإن فعل فالأحوط أن يتحمّل عنها الكفّارة.
      مسألة 8 - مصرف الكفّارة في إطعام الفقراء إمّا بإشباعهم وإمّا بالتسليم إلى كلّ واحد منهم مدّا من حنطة أو شعير أو دقيق أو أرز أو خبز أو غير ذلك من أقسام الطعام، والأحوط مدّان. ولا يكفي في كفّارة واحدة مع التمكّن من الستّين إشباع شخص واحد مرّتين أو مرّات أو إعطاؤه مدّين أو أمداد، بل لا بدّ من ستّين نفسا. ولو كان للفقير عيال يجوز إعطاؤه بعدد الجميع لكلّ واحد مدّا مع الوثوق بأنّه يطعمهم أو يعطيهم. والمدّ ربع الصاع، والصاع ستّمائة مثقال وأربعة عشر مثقالا وربع مثقال.
      مسألة 9 - يجوز التبرّع بالكفّارة عن الميّت، لصوم كانت أو لغيره. وفي جوازه عن الحيّ إشكال، والأحوط العدم خصوصا في الصوم.
      مسألة 10 - يكفي في حصول التتابع في الشهرين صوم الشهر الأوّل ويوم من الشهر الثاني، ويجوزله التفريق في البقيّة ولو اختيارا. ولو أفطر في أثناء ما يعتبر فيه التتابع لغير عذر وجب استينافه، وإن كان للعذر - كالمرض والحيض والنفاس والسفر الاضطراريّ - لم يجب عليه استينافه، بل يبني على ما مضى. ومن العذر نسيان النيّة حتّى فات وقتها، بأن تذكّر بعد الزوال.
      مسألة 11 - لو عجز عن الخصال الثلاث في كفّارة شهر رمضان يجب عليه التصدّق بما يطيق، ومع عدم التمكّن يستغفر اللّه ولو مرّة. والأحوط الإتيان بالكفّارة إن تمكّن بعد ذلك في الأخيرة.
      مسألة 12 - يجب القضاء دون الكفّارة في موارد:
      الأوّل: في ما إذا نام المجنب في الليل ثانيا بعد انتباهه من النوم واستمرّ نومه إلى طلوع الفجر ، بل الأقوى ذلك في النوم الثالث بعد انتباهتين وإن كان الأحوط شديدا فيه وجوب الكفّارة أيضا. والنوم الّذي احتلم فيه لا يعدّ من النومة الاُولى حتّى يكون النوم الّذي بعده النومة الثانية، لكن لا ينبغي ترك الاحتياط الّذي مرّ.
      الثاني: إذا أبطل صومه لمجرّد عدم النيّة أو بالرياء أو نيّة القطع مع عدم الإتيان بشي ء من المفطرات.
      الثالث: إذا نسي غسل الجنابة ومضى عليه يوم أو أيّام كما مرّ.
      الرابع: إذا أتى بالمفطر قبل مراعاة الفجر ثمّ ظهر سبق طلوعه إذا كان قادرا على المراعاة، بل أو عاجزا على الأحوط؛ وكذا مع المراعاة وعدم التيقّن ببقاء الليل، بأن كان ظانّا بالطلوع أو شاكّا فيه على الأحوط وإن كان الأقوى عدم وجوب القضاء مع حصول الظنّ بعد المراعاة، بل عدمه مع الشكّ بعدها لا يخلو من قوّة أيضا؛ كما أنّه لو راعى وتيقّن البقاء فأكل ثمّ تبيّن خلافه صحّ صومه. هذا في صوم شهر رمضان. وأمّا غيره من أقسام الصوم حتّى الواجب المعيّن فالظاهر بطلانه بوقوع الأكل بعد طلوع الفجر مطلقا، حتّى مع المراعاة وتيقّن بقاء الليل.
      الخامس: الأكل تعويلا على إخبار من أخبر ببقاء الليل مع كون الفجر طالعا.
      السادس: الأكل إذا أخبره مخبر بطلوع الفجر لزعمه سخريّة المخبر.
      مسألة 13 - يجوز لمن لم يتيقّن بطلوع الفجر تناول المفطر من دون فحص؛ فلو أكل أو شرب والحال هذه ولم يتبيّن الطلوع ولا عدمه لم يكن عليه شي ء. وأمّا مع عدم التيقّن بدخول الليل فلا يجوز له الإفطار؛ فلو أفطر والحال هذه يجب عليه القضاء والكّفارة وإن لم يحصل له اليقين ببقاء النهار وبقي على شكّه.
      السابع: الإفطار تعويلا على من أخبر بدخول الليل ولم يدخل إذا كان المخبر ممّن جاز التعويل على إخباره، كما إذاأخبر عدلان بل عدل واحد، وإلّا فالأقوى وجوب الكفّارة أيضا.
      الثامن: الإفطار لظلمة قطع بدخول الليل منها ولم يدخل مع عدم وجود علّة في السماء. وأمّا لو كانت فيها علّة فظنّ دخول الليل فأفطر ثمّ بان له الخطأ فلايجب عليه القضاء.
      التاسع: إدخال الماء في الفم للتبرّد بمضمضة أو غيرها فسبقه ودخل الحلق. وكذا لو أدخله عبثا. وأمّا لو نسي فابتلعه فلا قضاء عليه. وكذا لو تمضمض لوضوء الصلاة فسبقه الماء فلا يجب عليه القضاء. والأحوط الاقتصار على ما إذا كان الوضوء لصلاة فريضة، وإن كان عدمه لمطلق الوضوء بل لمطلق الطهارة لا يخلو من قوّة.

    • القول في شرائط صحة الصوم ووجوبه

       

      القول في شرائط صحّة الصوم ووجوبه

      مسألة ۱ - شرائط صحّة الصوم اُمور: الإسلام والإيمان والعقل والخلوّ من الحيض والنفاس، فلا يصحّ من غير المؤمن ولو في جزء من النهار؛ فلو ارتدّ في الأثناء ثمّ عاد لم يصحّ وإن كان الصوم معيّنا وجدّد النيّة قبل الزوال؛ وكذا من المجنون ولو إدوارا مستغرقا للنهار أو حاصلا في بعضه؛ وكذا السكران والمغمى عليه. والأحوط لمن أفاق من السكر مع سبق نيّة الصوم الإتمام ثمّ القضاء ولمن أفاق من الإغماء مع سبقها الإتمام، وإلّا فالقضاء. ويصحّ من النائم لو سبقت منه النيّة وإن استوعب تمام النهار. وكذا لا يصحّ من الحائض والنفساء وإن فاجأهما الدم قبل الغروب بلحظة أو انقطع عنهما بعد الفجر بلحظة.
      ومن شرائط صحّته: عدم المرض أو الرمد الّذي يضرّه الصوم، لإيجابه شدّته أو طول برئه أو شدّة ألمه، سواء حصل اليقين بذلك أو الاحتمال الموجب للخوف؛ ويلحق به الخوف من حدوث المرض والضرر بسببه إذا كان له منشأ عقلائيّ يعتني به العقلاء، فلا يصحّ معه الصوم، ويجوز بل يجب عليه الإفطار. ولا يكفي الضعف وإن كان مفرطا. نعم، لو كان ممّا لا يتحمّل عادةً جاز الإفطار. ولو صام بزعم عدم الضرر فبان الخلاف بعد الفراغ من الصوم ففي الصحّة إشكال، بل عدمها لا يخلو من قوّة.
      ومن شرائط الصحّة: أن لا يكون مسافرا سفرا يوجب قصر الصلاة، فلا يصحّ منه الصوم حتّى المندوب على الأقوى. نعم، استثني ثلاثة مواضع، أحدها: صوم ثلاثة أيّام بدل الهدي. الثاني: صوم بدل البدنة ممّن أفاض من عرفات قبل الغروب عامدا ، وهو ثمانية عشر يوما. الثالث: صوم النذر المشترط إيقاعه في خصوص السفر أو المصرّح بأن يوقع سفرا وحضرا، دون النذر المطلق.
      مسألة ۲ - يشترط في صحّة الصوم المندوب - مضافا إلى ما مرّ - أن لايكون عليه قضاء صوم واجب. ولا يترك الاحتياط في مطلق الواجب من كفّارة وغيرها، بل التعميم لمطلقه لا يخلو من قوّة.
      مسألة ۳ - كلّ ما ذكرنا من أنّه شرط للصحّة شرط للوجوب أيضا غير الإسلام والإيمان. ومن شرائط الوجوب أيضا البلوغ، فلا يجب على الصبيّ وإن نوى الصوم تطوّعا وكمل في أثناء النهار. نعم، إن كمل قبل الفجر يجب عليه. والأحوط لمن نوى التطوّع الإتمام لو كمل في أثناء النهار، بل إن كمل قبل الزوال ولم يتناول شيئا فالأحوط الأولى نيّة الصوم وإتمامه.
      مسألة 4 - لو كان حاضرا فخرج إلى السفر: فإن كان قبل الزوال وجب عليه الإفطار، وإن كان بعده وجب عليه البقاء على صومه وصحّ. ولوكان مسافرا وحضر بلده أو بلدا عزم على الإقامة به عشرة أيّام: فإن كان قبل الزوال ولم يتناول المفطر وجب عليه الصوم، وإن كان بعده أو قبله لكن تناول المفطر فلايجب عليه.
      مسألة 5 - المسافر الجاهل بالحكم لو صام صحّ صومه ويجزيه على حسب ما عرفت في الجاهل بحكم الصلاة، إذ القصر كالإفطار، والصيام كالتمام، فيجري هنا حينئذٍ جميع ما ذكرناه بالنسبة إلى الصلاة؛ فمن كان يجب عليه التمام كالمكاري والعاصي بسفره والمقيم والمتردّد ثلاثين يوما وغير ذلك يجب عليه الصيام. نعم، يتعيّن عليه الإفطار في سفر الصيد للتجارة والاحتياط بالجمع في الصلاة. ويجب قضاء الصوم في الناسي لو تذكّر بعد الوقت، دون الصلاة كما مرّ. ويتعيّن عليه الإفطار في الأماكن الأربعة ويتخيّر في الصلاة. ويتعيّن عليه البقاء على الصوم لوخرج بعد الزوال وإن وجب عليه القصر. ويتعيّن عليه الإفطار لو قدم بعده وإن وجب عليه التمام إذا لم يكن قدصلّى. وقدتقدّم في كتاب الصلاة أنّ المدار في قصرها هو وصول المسافر إلى حدّ الترخّص، فكذا هو المدار في الصوم، فليس له الإفطار قبل الوصول إليه، بل لو فعل كان عليه مع القضاء الكفّارة على الأحوط.
      مسألة 6 - يجوز على الأصحّ السفر اختيارا في شهر رمضان ولو كان للفرار من الصوم، لكن على كراهيّة قبل أن يمضي منه ثلاثة وعشرون يوما، إلّا في حجّ، أو عمرة، أو مال يخاف تلفه، أو أخ يخاف هلاكه. وأمّا غير صوم شهر رمضان من الواجب المعيّن فالأحوط ترك السفر مع الاختيار؛ كما أنّه لو كان مسافرا فالأحوط الإقامة لإتيانه مع الإمكان؛ وإن كان الأقوى في النذر المعيّن جواز السفر وعدم وجوب الإقامة لو كان مسافرا.
      مسألة 7 - يكره للمسافر في شهر رمضان بل كلّ من يجوز له الإفطار التملّي من الطعام والشراب،وكذاالجماع في النهار،بل الأحوطتركه وإن كان الأقوى جوازه.
      مسألة 8 - يجوز الإفطار في شهر رمضان لأشخاص: الشيخ والشيخة إذا تعذّر أو تعسّر عليهما الصوم، ومن به داء العطاش، سواء لم يقدر على الصبر أو تعسّر عليه، والحامل المقرب الّتي يضرّ الصوم بها أو بولدها، والمرضعة القليلة اللبن إذا أضرّ الصوم بها أو بولدها، فإنّ جميع هذه الأشخاص يفطرون، ويجب على كلّ واحد منهم التكفير بدل كلّ يوم بمدّ من الطعام، والأحوط مدّان، عدا الشيخين وذي العطاش في صورة تعذّر الصوم عليهم، فإنّ وجوب الكفّارة عليهم محلّ إشكال، بل عدمه لا يخلو من قوّة؛ كما أنّه على الحامل المقرب والمرضعة القليلة اللبن إذا أضرّبهما - لا بولدهما - محلّ تأمّل.
      مسألة 9 - لا فرق في المرضعة بين أن يكون الولد لها أو متبرّعة برضاعه أو مستأجرة. والأحوط الاقتصار على صورة عدم وجود من يقوم مقامها في الرضاع تبرّعا أو باُجرة من أبيه أو منها أو من متبرّع.
      مسألة 10 - يجب على الحامل والمرضعة القضاء بعد ذلك، كما أنّ الأحوط وجوبه على الأوّلين لو تمكّنا بعد ذلك.

    • القول في طريق ثبوت هلال شهر رمضان وشوال

       

      القول في طريق ثبوت هلال شهر رمضان وشوّال

      يثبت الهلال بالرؤية وإن تفرّد به الرائي، والتواتر والشياع المفيدين للعلم، ومضيّ ثلاثين يوما من الشهر السابق، وبالبيّنة الشرعيّة، وهي شهادة عدلين، وحكم الحاكم إذا لم يعلم خطؤه ولا خطأ مستنده. ولا اعتبار بقول المنجّمين، ولا بتطوّق الهلال أو غيبوبته بعدالشفق في ثبوت كونه للّيلة السابقة وإن أفاد الظنّ.
      مسألة 1 - لا بدّ في قبول شهادة البيّنة أن تشهد بالرؤية، فلا تكفي الشهادة العلميّة.
      مسألة 2 - لا يعتبر في حجّيّة البيّنة قيامها عند الحاكم الشرعيّ، فهي حجّة لكلّ من قامت عنده، بل لو قامت عند الحاكم وردّ شهادتها من جهة عدم ثبوت عدالة الشاهدين عنده وكانا عادلين عند غيره يجب ترتيب الأثر عليهامن الصوم أو الإفطار. ولا يعتبر اتّحادهما في زمان الرؤية بعد توافقهما على الرؤية في الليل. نعم، يعتبر توافقهما في الأوصاف، إلّا إذا اختلفا في بعض الأوصاف الخارجة ممّا يحتمل فيه اختلاف تشخيصهما، ككون القمر مرتفعا أو مطوّقا أو له عرض شماليّ أو جنوبيّ، فإنّه لا يبعد معه قبول شهادتهما إذا لم يكن فاحشا. ولو وصفه أحدهما أو كلاهما بما يخالف الواقع - ككون تحدّبه إلى السماء عكس ما يرى في أوائل الشهر - لم يسمع شهادتهما. ولو أطلقا أو وصف أحدهما بما لا يخالف الواقع وأطلق الآخر كفى.
      مسألة 3 - لا اعتبار في ثبوت الهلال بشهادة أربع من النساء، ولا برجل وامرأتين، ولا بشاهد واحد مع ضمّ اليمين.
      مسألة 4 - لا فرق بين أن تكون البيّنة من البلد أو خارجه، كان في السماء علّة أو لا. نعم، مع عدم العلّة والصحو واجتماع الناس للرؤية وحصول الخلاف والتكاذب بينهم بحيث يقوى احتمال الاشتباه في العدلين ففي قبول شهادتهما حينئذٍ إشكال.
      مسألة 5 - لا تختصّ حجّيّة حكم الحاكم بمقلّديه، بل حجّة حتّى على حاكم آخر لو لم يثبت خطؤه أو خطأ مستنده.
      مسألة 6 - لو ثبت الهلال في بلد آخر دون بلده: فإن كانا متقاربين أو علم توافق اُفقهما كفى، وإلّا فلا.
      مسألة 7 - لا يجوز الاعتماد على التلغراف ونحوه في الإخبار عن الرؤية، إلّا إذا تقارب البلدان أو علم توافقهما في الاُفق وتحقّق ثبوتها هناك إمّا بحكم الحاكم أو بالبيّنة الشرعيّة. ويكفي في تحقّق الثبوت كون المخابر بيّنة شرعيّة.

    • القول في قضاء صوم شهر رمضان

       

      القول في قضاء صوم شهر رمضان

      لا يجب على الصبيّ قضاء ما أفطر في زمان صباه، ولا على المجنون والمغمى عليه قضاء ما أفطرا في حال العذر، ولا على الكافر الأصلّي قضاء ما أفطر حال كفره. ويجب على غيرهم حتّى المرتدّ بالنسبة إلى زمان ردّته، وكذا الحائض والنفساء وإن لم يجب عليهما قضاء الصلاة.
      مسألة 1 - قد مرّ عدم وجوب الصوم على من بلغ قبل الزوال ولم يتناول شيئا، وكذا على من نوى الصوم ندبا وبلغ في أثناء النهار، فلا يجب عليهما القضاء لو أفطرا وإن كان أحوط.
      مسألة 2 - يجب القضاء على من فاته الصوم لسكر، سواء كان شرب المسكر للتداوي أو على وجه الحرام، بل الأحوط قضاؤه لو سبقت منه النيّة وأتمّ الصوم.
      مسألة 3 - المخالف اذا استبصر لا يجب عليه قضاء ما أتى به على وفق مذهبه أو مذهب الحقّ إذا تحقّق منه قصد القربة، وأمّا ما فاته في تلك الحال يجب عليه قضاؤه.
      مسألة 4 - لا يجب الفور في القضاء. نعم، لايجوز تأخير القضاء إلى رمضان آخر على الأحوط، وإذا أخّر يكون موسّعا بعد ذلك.
      مسألة 5 - لا يجب الترتيب في القضاء ولا تعيين الأيّام؛ فلو كان عليه أيّام فصام بعددها بنيّة القضاء كفى وإن لم يعيّن الأوّل والثاني وهكذا.
      مسألة 6 - لو كان عليه قضاء رمضانين أو أكثر يتخيّر بين تقديم السابق وتأخيره. نعم، لو كان عليه قضاء رمضان هذه السنة مع قضاء رمضان سابق ولم يسع الوقت لهما إلى رمضان الآتي يتعيّن قضاء رمضان هذه السنة على الأحوط. ولو عكس فالظاهر صحّة ما قدّمه ولزمه الكفّارة، أعني كفّارة التأخير.
      مسألة 7 - لو فاته صوم شهر رمضان لمرض أو حيض أو نفاس ومات قبل أن يخرج منه لم يجب القضاء وإن استُحبّ النيابة عنه.
      مسألة 8 - لو فاته صوم شهر رمضان أو بعضه لعذر واستمرّ إلى رمضان آخر: فإن كان العذر هو المرض سقط قضاؤه وكفّر عن كلّ يوم بمدّ، ولا يجزي القضاء عن التكفير، وإن كان العذر غير المرض كالسفر ونحوه فالأقوى وجوب القضاء فقط؛ وكذا إن كان سبب الفوت هو المرض وسبب التأخير عذرا آخر أو العكس؛ لكن لا ينبغي ترك الاحتياط بالجمع بين القضاء والمدّ، خصوصا إذا كان العذر هو السفر؛ وكذا في الفرع الأخير.
      مسألة 9 - لو فاته شهر رمضان أو بعضه لا لعذر - بل متعمّدا - ولم يأت بالقضاء إلى رمضان آخر وجب عليه - مضافا إلى كفّارة الإفطار العمديّ - التكفير بمدّ بدل كلّ يوم والقضاء في ما بعد. وكذا يجب التكفير بمدّ لو فاته لعذر ولم يستمرّ ذلك العذر ولم يطرأ عذر آخر فتهاون حتّى جاء رمضان آخر. ولو كان عازما على القضاء بعد ارتفاع العذر فاتّفق عذر آخر عند الضيق فالأحوط الجمع بين الكفّارة والقضاء.
      مسألة 10 - لا يتكرّر كفّارة التأخير بتكرّر السنين؛ فإذا فاته ثلاثة أيّام من ثلاث رمضانات متتاليات ولم يقضها وجب عليه كفّارة واحدة للأوّل، وكذإ؛ ظظ للثاني، والقضاء فقط للثالث إذا لم يتأخّر إلى رمضان الرابع.
      مسألة 11 - يجوز إعطاء كفّارة أيّام عديدة من رمضان واحد أو أزيد لفقير واحد، فلا يجب إعطاء كلّ فقير مدّا واحدا ليوم واحد.
      مسألة 12 - يجوز الإفطار قبل الزوال في قضاء شهر رمضان ما لم يتضيّق. وأمّا بعد الزوال فيحرم، بل تجب به الكفّارة وإن لم يجب الإمساك بقيّة اليوم. والكفّارة هنا إطعام عشرةمساكين لكلّ مسكين مدّ، فإن لم يمكنه صام ثلاثة أيّام.
      مسألة 13 - الصوم كالصلاة في أنّه يجب على الوليّ قضاء ما فات عن الميّت مطلقا. نعم، لا يبعد عدم وجوبه عليه لو تركه على وجه الطغيان، لكنّ الأحوط الوجوب أيضا، بل لا يترك هذا الاحتياط. لكنّ الوجوب على الوليّ في ما إذا كان فوته يوجب القضاء؛ فإذا فاته لعذر ومات في أثناء رمضان أو كان مريضا واستمرّ مرضه إلى رمضان آخر لا يجب، لسقوط القضاء حينئذٍ. ولا فرق بين ماإذا ترك الميّت ما يمكن التصدّق به عنه وعدمه وإن كان الأحوط في الأوّل مع رضى الورثة الجمع بين التصدّق والقضاء. وقد تقدّم في قضاء الصلاة بعض الفروع المتعلّقة بالمقام.

    • القول في أقسام الصوم
    •  

      القول في أقسام الصوم

      وهي أربعة: واجب ومندوب ومكروه ومحظور؛ فالواجب منه صوم شهر رمضان، وصوم الكفّارة، وصوم القضاء، وصوم دم المتعة في الحجّ، وصوم اليوم الثالث من أيّام الاعتكاف، وصوم النذر وأخويه وإن كان في عدّ صوم النذر وما يليه من أقسام الصوم الواجب مسامحة.

      • القول في صوم الكفارة

         

        القول في صوم الكفّارة

        وهو على أقسام:
        منها: ما يجب مع غيره. وهي كفّارة قتل العمد، فتجب فيها الخصال الثلاث، وكذا كفّارة الإفطار بمحرّم في شهر رمضان على الأحوط.
        ومنها: ما يجب بعد العجز عن غيره. وهي كفّارة الظهار وكفّارة قتل الخطأ، فإنّ وجوب الصوم فيهما بعد العجز عن العتق. وكفّارة الإفطار في قضاء شهر رمضان، فإنّ الصوم فيها بعد العجز عن الإطعام. وكفّارة اليمين، وهي عتق رقبة أو إطعام عشرة مساكين أو كسوتهم، وإن لم يقدر فصيام ثلاثة أيّام. وكفّارة خدش المرأة وجهها في المصاب حتّى أدمته ونتفها رأسها فيه. وكفّارة شقّ الرجل ثوبه على زوجته أو على ولده، فإنّهما ككفّارة اليمين. وكفّارة الإفاضة من عرفات قبل الغروب عامدا، فإنّها ثمانية عشر يوما بعد العجز عن بدنة. وكفّارة صيد المحرم النعامة، فإنّها بدنة، فإن عجز عنها يفضّ ثمنها على الطعام، ويتصدّق به على ستّين مسكينا لكلّ مسكينٍ مدّ على الأقوى، والأحوط مدّان، ولو زاد عن الستّين اقتصر عليهم، ولو نقص لم يجب الإتمام؛ والاحتياط بالمدّين إنّما هو في ما لا يوجب النقص عن الستّين، وإلّا اقتصر على المدّ ويتمّ الستّين. ولو عجز عن التصدّق صام على الأحوط لكلّ مدّ يوما إلى الستّين، وهو غاية كفّارته؛ ولو عجز صام ثمانية عشر يوما. وكفّارة صيد المحرم البقر الوحشيّ، فإنّها بقرة؛ وإن عجز عنها يفضّ ثمنها على الطعام ويتصدّق به على ثلاثين مسكينا لكلّ واحدٍ مدّ على الأقوى، والأحوط مدّان، فإن زاد فله، وإن نقص لا يجب عليه الإتمام، ولا يحتاط بالمدّين مع إيجابه النقص كما تقدّم؛ ولو عجز عنه صام على الأحوط عن كلّ مدّ يوما إلى الثلاثين، وهي غاية كفّارته؛ ولو عجز صام تسعة أيّام. وحمار الوحش كذلك، والأحوط أنّه كالنعامة. وكفّارة صيد المحرم الغزال، فإنّها شاة، وإن عجز عنها يفضّ ثمنها على الطعام ويتصدّق على عشرة مساكين لكلّ مدّ على الأقوى، ومدّان على الأحوط. وحكم الزيادة والنقيصة ومورد الاحتياط كما تقدّم؛ ولو عجز صام على الأحوط عن كلّ مدّ يوما إلى عشرة أيّام غاية كفّارته؛ ولو عجز صام ثلاثة أيّام.
        ومنها: ما يجب مخيّرا بينه وبين غيره. وهي كفّارة الإفطار في شهر رمضان، وكفّارة إفساد الاعتكاف بالجماع، وكفّارة جزّ المرأة شعرها في المصاب، وكفّارة النذر والعهد، فإنّها فيها مخيّرة بين الخصال الثلاث.
        مسألة - يجب التتابع في صوم شهرين من كفّارة الجمع وكفّارة التخيير والترتيب. ويكفي في حصوله صوم الشهر الأوّل ويوم من الشهر الثاني كما مرّ. وكذا يجب التتابع على الأحوط في الثمانية عشر بدل الشهرين، بل هو الأحوط في صيام سائر الكفّارات. ولا يضرّ بالتتابع في ما يشترط فيه ذلك الإفطارُ في الأثناء لعذر من الأعذار، فيبني على ما مضى كما تقدّم.

      • وأما المندوب منه

         

        وأمّا المندوب منه

        فالمؤكّد منه أفراد:
        منها: صوم ثلاثة أيّام من كلّ شهر. وأفضل كيفيّتها أوّل خميس منه، وآخر خميس منه، وأوّل أربعاء في العشر الثاني.
        ومنها: أيّام البيض. وهي الثالث عشر والرابع عشر والخامس عشر.
        ومنها: يوم الغدير. وهوالثامن عشر من ذي الحجّة.
        ومنها: يوم مولد النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وهو السابع عشر من ربيع الأوّل.
        ومنها: يوم مبعثه (صلى الله عليه وآله وسلم) وهو السابع والعشرون من رجب.
        ومنها: يوم دحوالأرض. وهو الخامس والعشرون من ذي القعدة.
        ومنها: يوم عرفة لمن لم يُضعفه الصوم عمّا عزم عليه من الدعاء مع تحقّق الهلال على وجه لا يحتمل وقوعه في يوم العيد.
        ومنها: يوم المباهلة. وهو الرابع والعشرون من ذي الحجّة، يصومه بقصد القربةالمطلقة وشكرا لإظهار النبي(صلى الله عليه وآله وسلم) فضيلةً عظيمةً من فضائل مولانا أميرالمؤمنين (عليه السلام).
        ومنها: كلّ خميس وجمعة.
        ومنها: أوّل ذي الحجّة إلى يوم التاسع.
        ومنها: رجب وشعبان كلّاً أو بعضا ولو يوما من كلّ منهما.
        ومنها: يوم النيروز.
        ومنها: أوّل يوم من المحرّم وثالثه.

      • وأما المكروه

         

        وأمّا المكروه

        فصوم الضيف نافلةً من دون إذن مضيّفه، وكذا مع نهيه، والأحوط تركه حتّى مع عدم الإذن، وصوم الولد من دون إذن والده مع عدم الإيذاء له من حيث الشفقة، ولا يترك الاحتياط مع نهيه وإن لم يكن إيذاء؛ وكذا مع نهي الوالدة. والأحوط إجراء الحكم على الولد وإن نزل والوالد وإن علا؛ بل الأولى مراعاة إذن الوالدة أيضا. والأولى ترك صوم يوم عرفة لمن يُضعفه الصوم عن الأدعية والاشتغال بها؛ كما أنّ الأولى ترك صومه مع احتمال كونه عيدا. وأمّا الكراهة بالمعنى المصطلح حتّى في العبادات فيهما فالظاهر عدمها.

      • وأما المحظور

         

        وأمّا المحظور

        فصوم يومي العيدين، وصوم يوم الثلاثين من شعبان بنيّة أنّه من رمضان، وصوم أيّام التشريق لمن كان بمنى ناسكا كان أولا، والصوم وفاءً بنذر المعصية، وصوم السكوت بمعنى كونه كذلك منويّا ولو في بعض اليوم، ولا بأس بالسكوت إذا لم يكن منويّا ولو كان في تمام اليوم، وصوم الوصال، والأقوى كونه أعمّ من نيّة صوم يوم وليلة إلى السحر ويومين مع ليلة. ولا بأس بتأخير الإفطار إلى السحر وإلى الليلة الثانية مع عدم النيّة بعنوان الصوم وإن كان الأحوط اجتنابه؛ كما أنّ الأحوط ترك الزوجة الصوم تطوّعا بدون إذن الزوج، بل لا تترك الاحتياط مع المزاحمة لحقّه، بل مع نهيه مطلقا.

    • خاتمة في الاعتكاف
    •  

      خاتمة في الاعتكاف

      وهو اللبث في المسجد بقصد التعبّد به. ولا يعتبر فيه ضمّ قصد عبادة اُخرى خارجة عنه وإن كان هو الأحوط. وهو مستحبّ بأصل الشرع، وربما يجب الإتيان به لأجل نذر أو عهد أو يمين أو إجارة ونحوها. ويصحّ في كلّ وقت يصحّ فيه الصوم. وأفضل أوقاته شهر رمضان، وأفضله العشر الآخر منه. والكلام في شروطه وأحكامه:

      • القول في شروطه

         

        القول في شروطه

        يشترط في صحّته اُمور:
        الأول: العقل؛ فلا يصحّ من المجنون ولو إدوارا في دور جنونه، ولا من السكران وغيره من فاقدي العقل.
        الثاني: النيّة. ولا يعتبر فيها بعد التعيين أزيد من القربة والإخلاص. ولا يعتبر فيها قصد الوجه من الوجوب أو الندب كغيره من العبادات؛ فيقصد الوجوب في الواجب والندب في المندوب وإن وجب فيه الثالث. والأولى ملاحظته في ابتداء النيّة، بل تجديدها في الثالث.
        ووقتها في ابتداء الاعتكاف أوّل الفجر من اليوم الأوّل، بمعنى عدم جواز تأخيرها عنه. ويجوز أن يشرع فيه في أوّل الليل أو أثنائه فينويه حين الشروع، بل الأحوط إدخال الليلة الاُولى أيضا والنيّة من أوّلها.
        الثالث: الصوم؛ فلا يصحّ بدونه. ولا يعتبر فيه كونه له، فيكفي صوم غيره، واجبا كان أو مستحبّا، مؤدّيا عن نفسه أو متحمّلا عن غيره، من غير فرق بين أقسام الاعتكاف وأنواع الصيام، بل يصحّ إيقاع الاعتكاف النذريّ والإجاريّ في شهر رمضان إن لم يكن انصراف في البين، بل لو نذر الاعتكاف في أيّام معيّنة وكان عليه صوم منذور أجزأه الصوم في أيّام الاعتكاف وفاءً بالنذر.
        الرابع: أن لا يكون أقلّ من ثلاثة أيّام بلياليها المتوسّطة. وأمّا الأزيد فلابأس به، ولا حدّ لأكثره وإن وجب الثالث لكلّ اثنين؛ فإذا اعتكف خمسة أيّام وجب السادس، وإذا صار ثمانية وجب التاسع على الأحوط وهكذا. واليوم من طلوع الفجر إلى زوال الحمرة المشرقيّة؛ فلو اعتكف من طلوع الفجر إلى غروب اليوم الثالث كفى. ولا يشترط إدخال الليلة الاُولى ولا الرابعة وإن جاز. وفي كفاية الثلاثة التلفيقيّة - بأن يشرع من زوال يوم مثلا إلى زوال الرابع - تأمّل وإشكال.
        الخامس: أن يكون في أحدالمساجدالأربعة:المسجدالحرام ومسجدالنبيّ 9 ومسجد الكوفة ومسجد البصرة، وفي غيرها محلّ إشكال؛ فلا يترك الاحتياط في سائر المساجد الجامعة بإتيانه رجاءً ولاحتمال المطلوبيّة. وأمّا غير الجامع كمسجد القبيلة أو السوق فلا يجوز.
        السادس: إذن من يعتبر إذنه، كالمستأجر بالنسبة إلى أجيره الخاصّ إذا وقعت الإجارة بحيث ملك منفعة الاعتكاف، وإلّا فاعتبار إذنه غير معلوم بل معلوم العدم في بعض الفروض، وكالزوج بالنسبة إلى الزوجة إذا كان منافيا لحقّه على إشكال، ولكن لا يترك الاحتياط، والوالدين بالنسبة إلى ولدهما إن كان مستلزما لإيذائهما، ومع عدمه لا يعتبر إذنهما وإن كان أحوط.
        السابع: استدامة اللبث في المسجد؛ فلو خرج عمدا واختيارا لغير الأسباب المبيحة بطل ولو كان جاهلا بالحكم. نعم، لو خرج ناسيا أو مكرها لا يبطل؛ وكذا لو خرج لضرورة عقلا أو شرعا أو عادةً، كقضاء الحاجة من بول أو غائط أو للاغتسال من الجنابة ونحو ذلك. ولا يجوز الاغتسال في المسجد الحرام ومسجد النبيّ 9 ، ويجب عليه التيمّم والخروج للاغتسال، وفي غيرهما أيضا إن لزم منه اللبث أو التلويث، ومع عدم لزومهما جاز، بل هو الأحوط وإن جاز الخروج له.
        مسألة 1 - لا يشترط في صحّة الاعتكاف البلوغ؛ فيصحّ من الصبيّ المميّز على الأقوى.
        مسألة 2 - لا يجوز العدول من اعتكاف إلى اعتكاف آخر وإن اتّحدا في الوجوب والندب، ولا عن نيابة شخص إلى نيابة شخص آخر، ولا عن نيابة غيره إلى نفسه وبالعكس.
        مسألة 3 - يجوز قطع الاعتكاف المندوب في اليومين الأوّلين، وبعد تمامهما يجب الثالث، بل يجب الثالث لكلّ اثنين على الأقوى في الثالث الأوّل والثاني أي السادس، وعلى الأحوط في سائرهما. وأمّا المنذور فإن كان معيّنا فلا يجوز قطعه مطلقا، وإلّا فكالمندوب.
        مسألة 4 - لا بدّ من كون الأيّام متّصلة، ويدخل الليلتان المتوسّطتان كما مرّ؛ فلو نذر اعتكاف ثلاثة أيّام منفصلة أو من دون الليلتين لم ينعقد إن كان المنذور الاعتكاف الشرعيّ؛ وكذا لو نذر اعتكاف يوم أو يومين مقيّدا بعدم الزيادة. نعم، لو لم يقيّده به صحّ ووجب ضمّ يوم أو يومين.
        مسألة 5 - لو نذر اعتكاف شهر يجزيه ما بين الهلالين وإن كان ناقصا، لكن يضمّ إليه حينئذٍ يوما على الأحوط.
        مسألة 6 - يعتبر في الاعتكاف الواحد وحدة المسجد؛ فلا يجوز أن يجعله في المسجدين ولو كانا متّصلين، إلّا أن يعدّا مسجدا واحدا. ولو تعذّر إتمام الاعتكاف في محلّ النيّة لخوف أو هدم ونحو ذلك بطل، ولا يجزيه إتمامه في جامع آخر.
        مسألة 7 - سطوح المساجد وسراديبها ومحاريبها من المساجد، فحكمها حكمها ما لم يُعلم خروجها، بخلاف ما اُضيف إليها كالدهليز ونحوه، فإنّها ليس منها ما لم يُعلم دخولها وجعلها منها. ومن ذلك بقعتا مسلم بن عقيل 7 وهاني؛؛ فإنّ الظاهر أنّهما خارجان عن مسجد الكوفة.
        مسألة 8 - لو عيّن موضعا خاصّا من المسجد محلّاً لاعتكافه لم يتعيّن، ويكون قصده لغوا حتّى في ما لو عيّن السطح دون الأسفل أو العكس، بل التعيين ربما يورث الإشكال في الصحّة في بعض الفروض.
        مسألة 9 - من الضروريّات المبيحة للخروج إقامة الشهادة وعيادة المريض إذا كان له نحو تعلّق به حتّى يعدّ ذلك من الضروريّات العرفيّة؛ وكذا الحال في تشييع الجنازة وتشييع المسافر واستقبال القادم ونحو ذلك وإن لم يتعيّن عليه شي ء من ذلك. والضابط: كلّ ما يلزم الخروج إليه عقلا أو شرعا أو عادةً من الاُمور الواجبة أو الراجحة، سواء كانت متعلّقةً باُمور الدنيا أو الآخرة، حصل ضرر بترك الخروج أو لا. نعم، الأحوط مراعاة أقرب الطرق والاقتصار على مقدار الحاجة والضرورة. ويجب أن لايجلس تحت الظلال مع الإمكان. والأحوط عدم الجلوس مطلقا إلّا مع الضرورة، بل الأحوط أن لا يمشي تحت الظلال وإن كان الأقوى جوازه. وأمّا حضور الجماعة في غير مكّة المعظّمة فمحلّ إشكال.
        مسألة 10 - لو أجنب في المسجد وجب عليه الخروج للاغتسال إذا لم يمكن إيقاعه فيه بلا لبث وتلويث. وقد مرّ حكم المسجدين. ولو ترك الخروج بطل اعتكافه من جهة حرمة لبثه.
        مسألة 11 - لو دفع من سبق إليه في المسجد وجلس فيه فلا يبعد عدم بطلان اعتكافه. وكذا لو جلس على فراش مغصوب؛ كما لا إشكال في الصحّة لو كان جاهلا بالغصب أو ناسيا. ولو فرش المسجد بتراب أو آجر مغصوب: فإن أمكن التحرّز عنه وجب، ولو عصى فلا يبعد الصحّة، وإن لم يمكن فلا يترك الاحتياط بالاجتناب عنه.
        مسألة 12 - لو طال الخروج في مورد الضرورة بحيث انمحت صورة الاعتكاف بطل.
        مسألة 13 - يجوز للمعتكف أن يشترط حين النيّة الرجوع عن اعتكافه متى شاء حتّى اليوم الثالث لو عرض له عارض وإن كان من الأعذار العرفيّة العاديّة، كقدوم الزوج من السفر. ولا يختصّ بالضرورات الّتي تبيح المحظورات، فهو بحسب شرطه إن عامّا فعامّ وإن خاصّا فخاصّ. وأمّا اشتراط الرجوع بلاعروض عارض فمحلّ إشكال بل منع. ويصحّ للناذر اشتراط الرجوع عن اعتكافه لو عرضه عارض في نذره، بأن يقول: «للّه عليّ أن أعتكف بشرط أن يكون لي الرجوع عند عروض كذا» مثلا، فيجوز الرجوع، ولا يترتّب عليه إثم ولا حنث ولا قضاء، ولا يترك الاحتياط بذكر ذلك الشرط حال الشروع في الاعتكاف أيضا. ولا اعتبار بالشرط المذكور قبل نيّة الاعتكاف ولا بعدها. ولو شرط حين النيّة ثمّ أسقط شرطه فالظاهر عدم سقوطه.

      • القول في أحكام الاعتكاف

         

        القول في أحكام الاعتكاف

        يحرم على المعتكف اُمور:
        منها: مباشرة النساء بالجماع وباللمس والتقبيل بشهوة، بل هي مبطلة للاعتكاف. ولا فرق بين الرجل والمرأة، فيحرم ذلك على المعتكفة أيضا.
        ومنها: الاستمناء على الأحوط.
        ومنها: شمّ الطيب والريحان متلذّذا؛ ففاقد حاسّة الشمّ خارج.
        ومنها: البيع والشراء. والأحوط ترك غيرهما أيضا من أنواع التجارة كالصلح والإجارة وغيرهما. ولو أوقع المعاملة صحّت وترتّب عليها الأثر على الأقوى. ولابأس بالاشتغال بالاُمور الدنيويّة من أصناف المعايش حتّى الخياطة والنساجة ونحوهما وإن كان الأحوط الاجتناب. نعم، لابأس بها مع الاضطرار، بل لا بأس بالبيع والشراء إذا مسّت الحاجة إليهما للأكل والشرب مع عدم إمكان التوكيل، بل مع تعذّر النقل بغير البيع والشراء أيضا.
        ومنها: الجدال على أمر دنيويّ أو دينىّ إذا كان لأجل الغلبة وإظهار الفضيلة؛ فإن كان بقصد إظهار الحقّ وردّ الخصم عن الخطأ فلا بأس به. والأحوط للمعتكف اجتناب ما يجتنبه المحرم، لكنّ الأقوى خلافه، خصوصا لبس المخيط وإزالة الشعر وأكل الصيد وعقد النكاح، فإنّ جميع ذلك جائز له.
        مسألة 1 - لا فرق في حرمة ما سمعته على المعتكف بين الليل والنهار، عدا الإفطار.
        مسألة 2 - يُفسد الاعتكاف كلّ ما يفسد الصوم من حيث اشتراطه به، فبطلانه يوجب بطلانه؛ وكذا يفسده الجماع ولو وقع في الليل، وكذا اللمس والتقبيل بشهوة. ثمّ إنّ الجماع يفسده ولو سهوا؛ وأمّا سائر ما ذكر من المحرّمات فالأحوط في صورة ارتكابها عمدا أو سهوا - وكذا اللمس والتقبيل بشهوة إذا وقعا سهوا - إتمام الاعتكاف وقضاؤه إن كان واجبا معيّنا، واستينافه في غير المعيّن منه إن كان في اليومين الأوّلين، وإتمامه واستينافه إن كان في اليوم الثالث. وإذا أفسده: فإن كان واجبا معيّنا وجب قضاؤه، ولا يجب الفور فيه وإن كان أحوط، وإن كان غيرمعيّن وجب استينافه. وكذا يجب قضاء المندوب إن أفسده بعداليومين، وأمّا قبلهما فلا شي ء عليه، بل في مشروعيّة قضائه إشكال. وإنّما يجب القضاء أو الاستيناف في الاعتكاف الواجب إذا لم يشترط الرجوع فيه بما مرّ، وإلّا فلاقضاء ولا استيناف.
        مسألة 3 - إذا أفسد الاعتكاف الواجب بالجماع ولو ليلا وجبت الكفّارة. وكذا في المندوب على الأحوط لو جامع من غير رفع اليد عن الاعتكاف؛ وأمّا معه فالأقوى عدم الكفّارة، كما لا تجب في سائر المحرّمات وإن كان أحوط. وكفّارته ككفّارة شهر رمضان وإن كان الأحوط كونها مرتّبةً ككفّارة الظهار.
        مسألة 4 - لو أفسد الاعتكاف الواجب بالجماع في نهار شهر رمضان فعليه كفّارتان؛ وكذا في قضاء شهر رمضان إذا كان بعد الزوال. وإذا أكره زوجته الصائمة في شهر رمضان: فإن لم تكن معتكفةً فعليه كفّارتان عن نفسه لاعتكافه وصومه، وكفّارة عن زوجته لصومها، وكذا إن كانت معتكفةً على الأقوى، وإن كان الأحوط كفّارةً رابعةً عن زوجته لاعتكافها. ولو كانت مطاوعةً فعلى كلّ منهما كفّارة واحدة إن كان في الليل وكفّارتان إن كان في النهار.

  • كتاب الزكاة
  •  

    كتاب الزكاة

    وهي في الجملة من ضروريّات الدين؛ وإنّ منكرها مندرج في الكفّار بتفصيل مرّ في كتاب الطهارة؛ وقد ورد عن أهل بيت الطهارة: : «أنّ مانعَ قيراطٍ منها ليس من المؤمنين ولا من المسلمين» و «فليمت إن شاء يهوديّا و إن شاء نصرانيّا» و«ما من ذي مالٍ - نخلٍ أو زرعٍ أو كرمٍ - يمنع من زكاة ماله إلّا طوّقه اللّه عزّوجلّ ريعة أرضه إلى سبع أرضين إلى يوم القيامة» و «ما من عبدٍ منع من زكاة ماله شيئا إلّا جعل اللّه ذلك يوم القيامة ثعبانا من نارٍ مطوّقا في عنقه، ينهش من لحمه حتّى يفرغ من الحساب» إلى غير ذلك ممّا يُبهر العقول.
    وأمّا فضل الزكاة فعظيم وثوابها جسيم. وقد ورد في فضل الصدقة الشاملة لها: أنّ اللّه يُربيها «كما يُربي أحدكم ولده حتّى يلقاه يوم القيامة وهو مثل اُحُدٍ» وأنّها «تدفع ميتة السوء» و «صدقة السرّ تُطفِئ غضب الربّ» إلى غير ذلك.

    • المقصد الأول في زكاة المال
    •  

      وهنا مقصدان

      المقصد الأوّل في زكاة المال

      والكلام في من تجب عليه الزكاة، وفي ما تجب فيه، وفي أصناف المستحقّين لها ومصارفها، وفي أوصافهم.

      • القول فيمن تجب عليه الزكاة

         

        القول في من تجب عليه الزكاة

        مسألة 1 - يشترط في من تجب عليه الزكاة اُمور:
        أحدها: البلوغ؛ فلا تجب على غير البالغ. نعم، لو اتّجر له الوليّ الشرعيّ استُحِبّ له إخراج زكاة ماله كما يُستحبّ له إخراج زكاة غلّاته؛ وأمّا مواشيه فلاتتعلّق بها على الأقوى. والمعتبر: البلوغ أوّل الحول في ما اعتبر فيه الحول، وفي غيره قبل وقت التعلّق.
        ثانيها: العقل؛ فلا تجب في مال المجنون. والمعتبر: العقل في تمام الحول في ما اعتبر فيه، وحال التعلّق في غيره؛ فلو عرض الجنون في ما يعتبر فيه الحول يقطعه، بخلاف النوم، بل والسكر والإغماء على الأقوى. نعم، إذا كان عروض الجنون في زمانٍ قصير ففي قطعه إشكالٌ.
        ثالثها: الحرّيّة؛ فلا زكاة على العبد وإن قلنا بملكه.
        رابعها: الملك؛ فلا زكاة في الموهوب ولا في القرض إلّا بعد قبضهما، ولا في الموصى به إلّا بعد الوفاة والقبول، لاعتباره في حصول الملكيّة للموصى له على الأقوى.
        خامسها: تمام التمكّن من التصرّف؛ فلازكاة في الوقف وإن كان خاصّا، ولا في نمائه إذا كان عامّا وإن انحصر في واحد، ولا في المرهون وإن أمكن فكّه، ولا في المجحود وإن كانت عنده بيّنة يتمكّن من انتزاعه بها أو بيمين، ولا في المسروق، ولا في المدفون الّذي نسي مكانه، ولا في الضالّ، ولا في الساقط في البحر، ولا في الموروث عن غائب ولم يصل إليه أوإلى وكيله، ولافي الدين وإن تمكّن من استيفائه.
        سادسها: بلوغ النصاب. وسيأتي تفصيله إن شاء اللّه تعالى.
        مسألة 2 - لو شكّ في البلوغ حين التعلّق أو في التعلّق حين البلوغ لم يجب الإخراج؛ وكذا الحال في الشكّ في حدوث العقل في زمان التعلّق مع كونه مسبوقا بالجنون؛ ولوكان مسبوقابالعقل وشكّ في طروءالجنون حال التعلّق وجب الإخراج.
        مسألة 3 - يعتبر تمام التمكّن من التصرّف في ما يعتبر فيه الحول في تمام الحول؛ فإذا طرأ ذلك في أثناء الحول ثمّ ارتفع انقطع الحول ويحتاج إلى حول جديد. وفي ما لا يعتبر فيه الحول ففي اعتباره حال تعلّق الوجوب تأمّل وإشكال، والأقوى ذلك، والأحوط العدم.
        مسألة 4 - ثبوت الخيار لغير المالك لايمنع من تعلّق الزكاة، إلّا في مثل الخيار المشروط بردّ الثمن ممّا تكون المعاملة مبنيّةً على إبقاء العين؛ فلو اشترى نصابا من الغنم وكان للبائع الخيار جرى في الحول من حين العقد، لا من حين انقضائه.
        مسألة 5 - لا تتعلّق الزكاة بنماء الوقف العامّ قبل أن يقبضه من ينطبق عليه عنوان الموقوف عليه؛ وأمّا بعدالقبض فهوكسائرأمواله تتعلّق به مع اجتماع شرائطه.
        مسألة 6 - زكاة القرض على المقترض بعد القبض وجريان الحول عنده. وليس على المقرض والدائن شي ء قبل أن يستوفي طلبه؛ فلو لم يستوفه ولو فرارا من الزكاة لم تجب عليه.
        مسألة 7 - لو عرض عدم التمكّن من التصرّف بعد تعلّق الوجوب أو بعد مضيّ الحول متمكّنا فقد استقرّ وجوب الزكاة، فيجب عليه الأداء إذا تمكّن؛ ولو تمكّن بعد ما لم يكن متمكّنا وقد مضى عليه سنون جرى في الحول من حينه. واستحباب الزكاة لسنة واحدة إذا تمكّن بعد السنين محلّ إشكال، فضلا عمّا تمكّن بعد مضيّ سنة واحدة.
        مسألة 8 - لو كان المال الزكويّ مشتركا بين اثنين أو أزيد تعتبر الحصص لاالمجموع، فكلّ من بلغت حصّته حدّ النصاب وجبت عليه الزكاة، دون من لم تبلغ حصّته النصاب.
        مسألة 9 - لو استطاع الحجّ بالنصاب: فإن تمّ الحول أو تعلّق الوجوب قبل وقت سير القافلة والتمكّن من الذهاب وجبت الزكاة، فإن بقيت الاستطاعة بعد إخراجها وجب الحجّ، وإلّا فلا؛ وإن كان تمام الحول بعد زمان سير القافلة وأمكن صرف النصاب أو بعضه في الحجّ وجب، فإن صرفه فيه سقط وجوب الزكاة، وإن عصى ولم يحجّ وجبت الزكاة بعد تمام الحول؛ وإن تقارن خروج القافلة مع تمام الحول أو تعلّق الوجوب وجبت الزكاة دون الحجّ.
        مسألة 10 - تجب الزكاة على الكافر وإن لم تصحّ منه لو أدّاها. نعم، للإمام(عليه السلام) أو نائبه أخذها منه قهرا، بل له أخذ عوضها منه لو كان أتلفها أو تلفت عنده على الأقوى. نعم، لو أسلم بعد ما وجبت عليه سقطت عنه وإن كانت العين موجودةً على إشكال. هذا لو أسلم بعد تمام الحول. وأمّا لو أسلم ولو بلحظة قبله فالظاهر وجوبها عليه.

      • القول فيما تجب فيه الزكاة وما تستحب
      •  

        القول في ما تجب فيه الزكاة وما تستحبّ

        مسألة 1- تجب الزكاة في الأنعام الثلاثة: الإبل والبقر والغنم، وفي النقدين: الذهب والفضّة، وفي الغلّات الأربع: الحنطة والشعير والتمر والزبيب. ولاتجب في ما عدا هذه التسعة. وتستحبّ في الثمار وغيرها ممّا أنبتت الأرض حتّى الإشنان،دون الخضر والبقول كالقتّ والباذنجان والخيار والبطّيخ ونحو ذلك. واستحبابها في الحبوب لايخلو من إشكال؛ وكذا في مال التجارة والخيل الإناث. وأمّا الخيل الذكور وكذا البغال والحمير فلا تستحبّ فيها. والكلام في التسعة المزبورة الّتي تجب فيها الزكاة يقع في ثلاثة فصول:

        • الفصل الأول في زكاة الأنعام
        •  

          الأوّل في زكاة الأنعام

          وشرائط وجوبها مضافا إلى الشرائط العامّة السابقة أربعة: النصاب، والسوم، والحول، وأن لاتكون عوامل.

          • القول في النصاب

             

            القول في النصاب

            مسألة 1 - في الإبل اثنا عشر نصابا: خمس، وفيها شاة؛ ثمّ عشر، وفيها شاتان؛ ثمّ خمس عشرة، وفيها ثلاث شياه؛ ثمّ عشرون، وفيها أربع شياه؛ ثمّ خمس وعشرون، وفيها خمس شياه؛ ثمّ ستّ وعشرون، وفيها بنت مخاض؛ ثمّ ستّ وثلاثون، وفيها بنت لبون؛ ثمّ ستّ وأربعون، وفيها حِقّة؛ ثمّ إحدى وستّون، وفيها جَذَعَة؛ ثمّ ستّ وسبعون، وفيها بنتا لبون؛ ثمّ إحدى وتسعون، وفيها حِقّتان؛ ثمّ مائة وإحدى وعشرون، ففي كلّ خمسين حِقّة وفي كلّ أربعين بنت لبون، بمعنى وجوب مراعاة المطابق منهما، ولو لم تحصل المطابقة إلّا بهما لوحظا معا، ويتخيّر مع المطابقة بكلّ منهما أو بهما، وعلى هذا لايتصوّر صورة عدم المطابقة، بل هي حاصلة في العقود بأحد الوجوه المزبورة.
            نعم، في ما اشتمل على النيف -وهو ما بين العقدين من الواحد إلى التسعة- لاتتصوّر المطابقة، فتراعى على وجه يستوعب الجميع ما عدا النيف؛ ففي مائة وإحدى وعشرين تُحسب ثلاث أربعينات، وتُدفع ثلاث بنات لبون؛ وفي مائة وثلاثين تُحسب أربعينان وخمسون، فتُدفع بنتا لبون وحِقّة؛ وفي مائة وأربعين تُحسب خمسينان وأربعون، فتُدفع حِقّتان وبنت لبون؛ وفي مائة وخمسين تُحسب ثلاث خمسينات، فتُدفع ثلاث حِقق؛ وفي مائة وستّين تُحسب أربع أربعينات، وتُدفع أربع بنات لبون؛ وهكذا إلى أن يبلغ مائتين، فيتخيّر بين أن تُحسب خمس أربعينات ويُعطى خمس بنات لبون وأن تُحسب أربع خمسينات ويعطى أربع حِقق.
            وفي البقر - ومنه الجاموس - نصابان: ثلاثون وأربعون، وفي كلّ ثلاثين تَبيع أو تبيعة، وفي كلّ أربعين مُسِنّة. ويجب مراعاة المطابقة هنا في ما تُمكن؛ ففي ثلاثين تبيع أو تبيعة وفي أربعين مُسنّة. وليس إلى ستّين شي ء؛ فإذا بلغ الستّين فلايتصوّر عدم المطابقة في العقود إذا لوحظ ثلاثون ثلاثون أو أربعون أربعون أو هما معا؛ ففي الستّين يعدّ بالثلاثين ويدفع تبيعان؛ وفي السبعين يعدّ بالثلاثين والأربعين فيدفع تبيع ومُسنّة؛ وفي الثمانين يحسب أربعينان ويدفع مُسنّتان؛ وفي التسعين يحسب ثلاث ثلاثينات ويدفع ثلاث تبيعات؛ وفي المائة يحسب ثلاثونان وأربعون ويدفع تبيعان ومُسنّة؛ وفي المائة والعشر يحسب أربعونان وثلاثون؛ وفي المائة والعشرين يتخيّربين أن يحسب أربع ثلاثينات أو ثلاث أربعينات.
            وفي الغنم خمسة نصب: أربعون، وفيها شاة؛ ثمّ مائة وإحدى وعشرون، وفيها شاتان؛ ثمّ مائتان وواحدة، وفيها ثلاث شياه؛ ثمّ ثلاثمائة وواحدة، وفيها أربع شياه على الأحوط. والمسألة مشكلة جدّا؛ ثمّ أربعمائة فصاعدا ففي كلّ مائة شاة بالغا مابلغ.
            مسألة 2 - تجب الزكاة في كلّ نصاب من النصب المذكورة، ولا تجب في ما نقص عن النصاب؛ كما لايجب في ما بين النصابين شي ء غير ما وجب في النصاب السابق، بمعنى أنّ ما وجب في النصاب السابق يتعلّق بما بين النصابين إلى النصاب اللاحق، فما بين النصابين عفو، بمعنى عدم تعلّق شي ء به أكثر ممّا تعلّق بالنصاب السابق، لا بمعنى عدم تعلّق شي ء به رأسا.
            مسألة 3 - بنت المخاض: ما دخلت في السنة الثانية، وكذا التبيع والتبيعة. وبنت اللبون: ما دخلت في الثالثة، وكذا المُسنّة. والحِقّة: ما دخلت في الرابعة. والجَذَعة: ما دخلت في الخامسة.
            مسألة 4 - من وجب عليه من الإبل كبنت المخاض - مثلا - ولم تكن عنده وكان عنده أعلى منها بسنّ كبنت اللبون دفعها وأخذ شاتين أو عشرين درهما؛ وإن كان ماعنده أخفض بسنّ دفعها ودفع معها شاتين أوعشرين درهما. ولا يجزي ابن اللبون عن بنت المخاض اختيارا على الأقوى. نعم، إذا لم يكونا معا عنده تخيّر في شراء أيّهما شاء، لكن لاينبغي ترك الاحتياط بشراء بنت المخاض.
            مسألة 5 - لا يضمّ مال شخص إلى غيره وإن كان مشتركا أو مختلطا متّحد المسرح والمراح والمشرب والفحل والحالب والمحلب؛ بل يعتبر في كلّ واحد منهما بلوغ النصاب ولو بتلفيق الكسور. ولا يفرق بين مالي المالك الواحد ولو تباعد مكانهما.

          • القول في السوم أي الرعى

             

            القول في السوم أي الرعي

            مسألة 1- يعتبر السوم تمام الحول؛ فلو علفت في أثنائه بما يخرجها عن اسم السائمة في الحول عرفا فلا زكاة. نعم، لا يقدح بمثل يوم أو يومين، بل عدم قدح أيّام قلائل إذا كانت متفرّقةً جدّا غير بعيد.
            مسألة 2 - لافرق في سقوط الزكاة في المعلوفة بين أن تعلف بنفسها أو علفها مالكها أو غيره من ماله أو من مال المالك بإذنه أولا؛ كما لافرق بين أن يكون بالاختيار أو للاضطرار أو لوجود مانع عن السوم من ثلج ونحوه؛ وكذا لافرق بين أن يعلفها بالعلف المجزور أو يرسلها لترعى بنفسها في الزرع المملوك، فإنّها تخرج عن السوم بذلك كلّه. نعم، الظاهر عدم خروجها عن صدق السوم باستيجار المرعى أو بشرائه إذا لم يكن مزروعا. ثمّ إنّ ما يخلّ به هو الرعي في الأراضي المعدّة للزرع إذا كان مزروعا على النحو المتعارف المألوف؛ وأمّا لو فرض بذر البذور الّتي هي من جنس كلأ المرعى في المراتع من غير عمل في نمائها فلا يبعد عدم إخلاله بالسوم مع الرعي فيها. وكذا لاتخرج عنه بما يدفع إلى الظالم على الرعي في الأرض المباحة.

          • القول في الحول

             

            القول في الحول

            مسألة 1 - يتحقّق الحول بتمام الأحد عشر. والظاهر أنّ الزكاة تنتقل إلى أربابها بحلول الشهر الثاني عشر، فتصير ملكا متزلزلا لهم فيتبعه الوجوب غيرالمستقرّ، فلا يجوز للمالك التصرّف في النصاب تصرّفا مُعدما لحقّهم، ولو فعل ضمن. نعم، لو اختلّ أحد الشروط من غير اختيار - كأن نقص من النصاب بالتلف في خلال الشهر الثاني عشر - يرجع الملك إلى صاحبه الأوّل وينقطع الوجوب. والأقوى احتساب الشهر الثاني عشر من الحول الأوّل لا الثاني، وأمّا الشهر الأحدعشر فكما ينقطع الحول باختلال أحد الشروط فيه بغير اختيار جاز له التصرّف في النصاب بما يوجب اختلالها، بأن عاوضها بغير جنسها وإن كان زكويّا، أو بجنسها كغنم سائمة ستّة أشهر بغنم، أو بمثلها كالضأن بالضأن أو غير ذلك، بل الظاهر بطلان الحول بذلك وإن فعله فرارا من الزكاة.
            مسألة 2 - لو كان مالكا للنصاب لا أزيد فحال عليه أحوال فإن أخرج في كلّ سنة زكاته من غيره تكرّرت، لبقاء النصاب حينئذٍ وعدم نقصانه. نعم، لو أخّر إخراج الزكاة عن آخر الحول ولو بزمان يسير - كما هو الغالب - يتأخّر مبدأ الحول اللاحق عن تمام الحول السابق بذلك المقدار، فلايجري النصاب في الحول الجديد إلّا بعد إخراج زكاته من غيره؛ ولو أخرج زكاته منه أو لم يخرج أصلا ليس عليه إلّا زكاة سنة واحدة. ولو كان مالكا لما زاد عن النصاب ومضى عليه أحوال ولم يؤدّ زكاته تجب عليه زكاة ما مضى من السنين بما زاد على تلك الزيادة بواحد؛ فلو كان عنده واحدة وأربعون من الغنم ومضى عليه أحوال ولم يؤدّ زكاتها تجب عليه زكاة سنتين؛ ولو كان عنده اثنتان وأربعون تجب عليه زكاة ثلاث سنين وهكذا، ولا تجب في ما زاد، لنقصانه عن النصاب.
            مسألة 3 - مالك النصاب إذا حصل له في أثناء الحول ملك جديد بالنتاج أو بالإرث أو الشراء ونحوها: فإن كان بمقدار العفو ولم يكن نصابا مستقلّاً ولا مكمّلا لنصاب آخر فلا شي ء عليه، كما إذا كانت عنده أربعون من الغنم فولدت أربعين، أو خمس من الإبل فولدت أربعا؛ وأمّا لو كان نصابا مستقلّاً كما لو ملك في أوّل السنة خمسا من الإبل وبعد ستّة أشهر ستّا وعشرين، أو مكمّلا لنصاب آخر بأن كان بمقدار لو انضمّ إلى الأصل بعد إخراج الفريضة خرج من ذلك النصاب ودخل في نصاب آخر (كما لو ولدت أحد وثلاثون من البقر عشرا أو ثلاثون منه أحد عشر، ومنه ما إذا ملك خمسا من الإبل ثمّ ملك بعد ستّة أشهر -مثلا- خمسا فإنّ تلك الخمس مكمّلة للخمس السابقة وليست مستقلّةً، فالخمس نصاب والعشر نصاب واحد آخر لانصابان، وخمس عشرة نصاب واحد فيه ثلاث شياه) ففي الأوّل يعتبر لكلّ من القديم والجديد حول بانفراده، ففي المثال المتقدّم يجب عليه في آخر سنة الخمس شاة، وفي آخر سنة الجديد بنت مخاض، ثمّ يترك سنة الخمس ويستأنف للمجموع حولا، وكذا لو ملك في أثناء السنة نصابا مستقلّاً كستّ وثلاثين وستّ وأربعين وهكذا، ويكون مبدأ حول النتاج أو الملك الجديد حصول الأخير الّذي يكمل به النصاب لو كان التحقّق متفرّقا؛ وفي الثاني يستأنف حولا واحدا للمجموع بعد تمام حول الأصل، ويكون مبدأ حول المجموع عند زمان انتهاء حول الأصل، وليس مبدأ حول النتاج حين الاستغناء عن اللبن بالرعي حتّى في ما إذا كانت اُمّها معلوفةً على الأقوى.

          • القول في الشرط الاخير

             

            القول في الشرط الأخير

            مسألة - يعتبر فيها أن لا تكون عوامل في تمام الحول؛ فلو كانت كذلك ولو في بعضه فلا زكاة فيها وإن كانت سائمةً. والمرجع في صدق العوامل العرف.

          • بقى الكلام فيما يؤخذ في الزكاة

             

            بقي الكلام في ما يؤخذ في الزكاة

            مسألة 1 - لايؤخذ المريضة من نصاب السليم، ولا الهرمة من نصاب الشابّ، ولا ذات العوار من نصاب الصحيح وإن عُدّت منه؛ أمّا لو كان النصاب بأجمعه مريضا بمرض متّحد لم يكلّف شراء صحيحة، وأجزأت مريضة منها؛ ولو كان بعضه صحيحا وبعضه مريضا فالأحوط لو لم يكن أقوى إخراج صحيحة من أواسط الشياه من غير ملاحظة التقسيط. وكذا لاتؤخذ الرُبّى - وهي الشاة الوالدة - إلى خمسة عشر يوما وإن بذلها المالك، إلّا إذا كان النصاب كلّه كذلك، ولا الأكولة وهي السمينة المعدّة للأكل، ولا فحل الضراب، بل لا يعدّ المذكورات من النصاب على الأقوى وإن كان الأحوط عدّها منه.
            مسألة 2 - الشاة المأخوذة في الزكاة في الغنم والإبل وفي الجبر: ما كمل له سنة ودخل في الثانية إن كان من الضأن، وما دخل في الثالثة إن كان من المعز، وهو أقلّ مايراد منها. ويجزي الذكر عن الاُنثى وبالعكس،والمعز عن الضأن وبالعكس، لأنّهماجنس واحدفي الزكاةكالبقروالجاموس،والإبل العراب والبَخاتيّ.
            مسألة 3 - لو كان للمالك أموال متفرّقة في أماكن مختلفة كان له إخراج الزكاة من أيّها شاء، ولا يتعيّن عليه أن يدفع من النصاب ولا من جنس ما تعلّقت به الزكاة، بل له أن يدفع قيمتها السوقيّة من الدراهم والدنانير، بل وغيرهما من سائر الأجناس إن كان خيرا للفقراء، وإلّا ففيه تأمّل وإن لا يخلو من وجه. والإخراج من العين أفضل. والمدار في القيمة قيمة وقت الأداء والبلد الّذي هي فيه لو كانت العين موجودة، ولو كانت تالفةً بالضمان فالظاهر أنّ المدار قيمة يوم التلف وبلده، والأحوط أكثر الأمرين من ذلك ومن يوم الأداء وبلده.

        • الفصل الثاني في زكاة النقدين

           

          الفصل الثاني في زكاة النقدين

          ويعتبر فيها - مضافا إلى ما عرفت من الشرائط العامّة - اُمور:
          الأوّل: النصاب. وهو في الذهب عشرون دينارا، وفيه عشرة قراريط هي نصف الدينار. والدينار مثقال شرعيّ، وهو ثلاثة أرباع الصيرفيّ، فيكون العشرون دينارا خمسة عشر مثقالا صيرفيّا، وزكاته ربع المثقال وثمنه. ولا زكاة في ما دون عشرين، ولا في ما زاد عليها حتّى يبلغ أربعة دنانير -وهي ثلاثة مثاقيل صيرفيّة- ففيها قيراطان، إذ كلّ دينار عشرون قيراطا؛ وهكذا كلّ ما زاد أربعة؛ وليس في ما نقص عن أربعة دنانير شي ء، لكن لا بمعنى عدم تعلّق الزكاة به رأسا كما قبل العشرين، بل المراد بالعفو عمّا بين النصابين هو أنّ ما زاد عن نصاب إلى أن بلغ نصابا آخر متعلّق للفرض السابق؛ فالعشرون مبدأ النصاب الأوّل إلى أربعة وعشرين، وهو متعلّق للفرض الأوّل أي نصف الدينار، فإذا بلغت أربعةً وعشرين زاد قيراطان إلى ثمانية وعشرين، فزاد قيراطان وهكذا.
          ونصاب الفضّة مائتا درهم، وفيه خمس دراهم، ثمّ كلّما زاد أربعين كان(۱) فيها درهم بالغا ما بلغ، وليس في ما دون المائتين شي ء، وكذا في ما دون الأربعين، لكن بالمعنى المتقدّم في الذهب. والدرهم ستّة دوانيق عبارة عن نصف مثقال شرعيّ وخمسه، لأنّ كلّ عشرة دراهم سبعة مثاقيل شرعيّة.
          فائدة: الضابط الكلّيّ في تأدية زكاة النقدين أنّهما بعد ما بلغا حدّ النصاب -أعني عشرين دينارا أو مائتي درهم- يعطي من كلّ أربعين واحدا فقد أدّى ما وجب عليه وإن زاد على المفروض في بعض الصور بقليل، ولا بأس به، بل أحسن وزاد خيرا.
          الثاني: كونهما منقوشين بسكّة المعاملة من سلطان أو شبهه - ولو في بعض الأزمنة والأمكنة - بسكّة الإسلام أو الكفر بكتابة أو غيرها ولو صارا ممسوحين بالعارض؛ وأمّا الممسوحان بالأصل فلا تجب فيهما، إلّا إذا كانا رائجين فتجب على الأحوط. ولو اتّخذ المسكوك حليةً للزينة - مثلا - فلاتجب الزكاة فيه، زاده الاتّخاذ في القيمة أو نقصه، كانت المعاملة على وجهها ممكنةً أولا.
          الثالث: الحول. ويعتبر أن يكون النصاب موجودا فيه أجمع؛ فلو نقص عنه في أثنائه أو تبدّلت أعيان النصاب بجنسه أو غيره أو بالسبك ولو بقصد الفرار لم تجب فيه زكاة وإن استحبّت في هذه الصورة، بل هو الأحوط. نعم، لو كان السبك بعد وجوب الزكاة بحول الحول لم تسقط.
          مسألة 1 - يُضمّ الدراهم والدنانير بعضها إلى بعض بالنسبة إلى تحقّق النصاب وإن اختلف من حيث الاسم والسكّة، بل من حيث القيمة واختلاف الرغبة؛ فيضمّ القِران الإيرانيّ إلى المجيديّ والروپية، بل يُضمّ الرائج الفعليّ إلى المهجور؛ وأمّا بالنسبة إلى إخراج الزكاة فإن تطوّع المالك بالإخراج من الأرغب والأكمل فقد أحسن وزاد خيرا، وإلّا أخرج من كلّ بقسطه ونسبته على الأقوى، ولا يجوز الاجتزاء بالفرد الأدون عن الجميع.
          مسألة 2 - الدراهم المغشوشة بما يخرجها عن اسم الفضّة الخالصة ولو الرديّة لا زكاة فيها حتّى بلغ خالصها النصاب. ولو شكّ فيه ولم يكن طريق إلى التعرّف لم تجب الزكاة. والأحوط التصفية ونحوها للاختبار وإن كان الأقوى عدم وجوبه.
          مسألة 3 - لو أخرج المغشوشة زكاةً عن الخالصة أو المغشوشة: فإن علم بأنّ ما فيها من الخالصة بمقدار الفريضة فهو، وإلّا فلابدّ من تحصيل العلم بذلك ولو بإعطاء مقدار يعلم بأنّ ما فيه من الخالصة ليس بأنقص منها.
          مسألة 4 - لو ملك النصاب ولم يعلم هل فيه غشّ أم لا؟ فالأقوى عدم وجوب شي ء وإن كان الأحوط التزكية.
          مسألة 5 - لو اقترض النصاب وتركه بحاله عنده حتّى حال عليه الحول يكون زكاته عليه لاعلى المقرض، بل لو شرط كونها عليه لم يلزم الشرط إذا كان المقصود وجوبها عليه. نعم، لو شرط عليه التبرّع عنه بأداء ما وجب عليه يلزمه، ولو لم يف المقرض بالشرط لم تسقط عن المقترض، بل يجب عليه أداؤها.


          هكذا في جميع الطبعات، لكنّ الظاهر أنّ الصحيح «أربعون»
        • الفصل الثالث في زكاة الغلات
        •  

          الفصل الثالث في زكاة الغلّات

          وقد تقدّم أنّه لاتجب الزكاة إلّا في أربعة أجناس: أي الحنطة والشعيرو التمر والزبيب. ولا يلحق السُلت - الّذي هو كالشعير في طبعه على ما قيل وكالحنطة في ملاسته وعدم قشره - بالشعير، فلا تجب فيها الزكاة وإن كان أحوط. ولا يترك الاحتياط بإلحاق العَلس بالحنطة. ولا تجب في غيرها وإن استحبّت في بعض الأشياء كما مرّ. وحكم ما تستحبّ فيه حكم ما تجب فيه من اعتبار بلوغ النصاب ومقدار ما يخرج منه ونحو ذلك.

          • ويقع الكلام في زكاة الغلات في مطالب
            • المطلب الأول

               

              المطلب الأوّل

              يعتبر فيها أمران:
              الأوّل: بلوغ النصاب. وهو خمسة أوسق، والوسق ستّون صاعا، فهو ثلاثمائة صاع، والصاع تسعة أرطال بالعراقيّ، وستّة بالمدنيّ، لأنّه أربعة أمداد، والمدّ رطلان وربع بالعراقيّ، ورطل ونصف بالمدنيّ، فيكون النصاب ألفين وسبعمائة رطل بالعراقيّ، وألفا وثمانمائة رطل بالمدنيّ. والرطل العراقيّ مائة وثلاثون درهما عبارة عن أحد وتسعين مثقالا شرعيّا وثمانية وستّين مثقالا وربع مثقال صيرفيّ؛ وبحسب حُقّة النجف - الّتي هي عبارة عن تسعمائة وثلاثة وثلاثين مثقالا صيرفيّا وثلث مثقال - ثماني وزنات وخمس حُقق ونصف إلّا ثمانية وخمسين مثقالا وثلث مثقال؛ وبحُقّة الإسلامبول - وهي مائتان وثمانون مثقالا - سبع وعشرون وزنة وعشر حُقق وخمسة وثلاثون مثقالا؛ وبالمنّ الشاهيّ المتداول في بعض بلاد إيران - الّذي هو عبارة عن ألف ومائتي مثقال وثمانين مثقالا صيرفيّا - مائة منٍ ّ وأربعة وأربعون منّا إلّا خمسة وأربعين مثقالاً صيرفيّا؛ وبالمنّ التبريزيّ المتداول في بعض بلاد إيران مائتان وثمانية وثمانون منّا إلّا خمسة وأربعين مثقالا صيرفيّا؛ وبالكيلو المتعارف في هذا العصر (۲۰۷/847) تقريبا؛ فلا زكاة في الناقص عن النصاب ولو يسيرا، كما أنّه تجب في النصاب ومازاد عليه ولو يسيرا.
              مسألة 1 - المدار في بلوغ النصاب ملاحظة حال الجفاف وإن كان زمان التعلّق قبل ذلك؛ فلو كان عنده خمسة أوسق من الرطب لكن ينقص عنها حال الجفاف فلا زكاة، حتّى أنّ مثل البربن وشبهه ممّا يؤكل رطبا إنّما تجب الزكاة فيه إذا بلغ النصاب تمرا وإن قلّ التمر منه؛ ولو فرض عدم صدق التمر على يابسه لم تجب الزكاة.
              مسألة 2 - إذا كان له نخيل أو كروم أو زروع في بلاد متباعدة يدرك بعضها قبل بعض ولو بشهر أو شهرين أو أكثر يضمّ بعضها إلى بعض بعد أن كانت الثمرتان لعام واحد؛ وحينئذٍ إن بلغ ما أدرك منه النصاب تعلّق الوجوب به وأخرج ما هو فريضته، وما لم يدرك يجب ما هو فريضته عند إدراكه قلّ أو كثر، وإن لم يبلغ النصاب ما سبق إدراكه تربّص حتّى يدرك ما يكمل النصاب. ولو كان له نخل يطلع أو كرم يثمر في عام مرّتين ضمّ الثاني إلى الأوّل على إشكال.
              الأمر الثاني: التملّك بالزراعة إن كان ممّا يزرع، أو انتقال الزرع أو الثمرة -مع الشجرة أو منفردةً- إلى ملكه قبل تعلّق الزكاة؛ فتجب عليه الزكاة على الأقوى في ما إذا نمت مع ذلك في ملكه، وعلى الأحوط في غيره.
              مسألة 3 - المشهور عند المتأخّرين أنّ وقت تعلّق الزكاة عند اشتداد الحبّ في الزرع وحين بدوّ الصلاح أعني حين الاصفرار أو الاحمرار في ثمرة النخل، وعند انعقاد الحصرم في ثمرةالكرم. والأقوى أنّ المدار هو التسمية حنطةً أو شعيرا أوتمرا. ولا يترك الاحتياط في الزبيب في الثمرة المترتّبة على القولين في المسألة.
              مسألة 4 - وقت وجوب الإخراج حين تصفية الغلّة واجتذاذ التمر واقتطاف الزبيب. وهذا هو الوقت الّذي لو أخّرها عنه ضمن، ويجوز للساعي مطالبة المالك فيه ويلزمه القبول؛ ولو طالبه قبله لم يجب عليه القبول. وفي جواز الإخراج في هذا الحال إشكال، بل الأقوى عدمه لو انجرّ الإخراج إلى الفساد ولو قلنا بأنّ وقت التعلّق حين بدوّ الصلاح.
              مسألة 5 - لو أراد المالك الاقتطاف حصرما أو عنبا أوبسرا أو رطبا جاز، ووجب أداء الزكاة على الأحوط من العين أو القيمة بعد فرض بلوغ تمرها وزبيبها النصاب وإن كان الأقوى عدم الوجوب.
              مسألة 6 - يجوز للمالك دفع الزكاة والثمر على الشجر قبل الجذاذ وبعد التعلّق من نفس الثمر أو قيمته.
              مسألة 7 - لو ملك نخلا أو كرما أو زرعا قبل زمان التعلّق فالزكاة عليه في ما نمت مع ذلك في ملكه على الأقوى، وفي غيره على الأحوط كما مرّ، فيجب عليه إخراج الزكاة بعد التعلّق مع اجتماع الشرائط؛ بخلاف ما إذا ملك بعد زمان التعلّق، فإنّ الزكاة على من انتقل عنه ممّن كان مالكا حال التعلّق. ولو باعه - مثلا - قبل أداء ما عليه فهو فضوليّ بالنسبة إلى حصّة الزكاة يحتاج إلى إجازة الحاكم، فإن أجاز ردّ الثمن إليه بالنسبة ورجع إلى البائع به، وإن ردّه أدّى الزكاة، وله الرجوع إلى البائع بثمنه بالنسبة. هذا إذا أحرز عدم التأدية؛ ومع إحرازها أو احتمالها لاشي ء عليه.
              مسألة 8 - لو باع الزرع أو الثمر وشكّ في أنّ البيع كان بعد زمان التعلّق حتّى تكون الزكاة عليه أو قبله حتّى تكون على المشتري لم يكن عليه شي ء إلّا إذا علم زمان التعلّق وجهل زمان البيع، فيجب عليه حينئذٍ إخراجها على الأقوى. ولو شكّ المشتري في ذلك: فإن كان قاطعا بأنّ البائع لم يؤدّ زكاته على تقدير كون الشراء بعد زمان التعلّق يجب عليه إخراجها مطلقا، على الأحوط في ما إذا احتمل أنّ الشراء في زمان تمّ نماء الزرع ولم ينم في ملكه، وعلى الأقوى في غيره، وإن لم يكن قاطعا بذلك بل كان قاطعا بأدائها على ذلك التقدير أو احتمله ليس عليه شي ء مطلقا، حتّى في ما إذا علم زمان البيع وشكّ في تقدّم التعلّق وتأخّره على الأقوى وإن كان الأحوط في هذه الصورة إخراجها.
              مسألة 9 - لو مات المالك بعد تعلّق الزكاة وقبل إخراجها تخرج من عين ما تعلّقت به الزكاة إن كان موجودا، ومن تركته إن تلف مضمونا عليه. نعم، لورثته أداء قيمة الزكويّ مع بقائه أيضا. ولو مات قبله وجبت على من بلغ سهمه النصاب من الورثة مع اجتماع سائر الشرائط، على الأحوط في ما إذا انتقل إليهم بعد تمام نموّه وقبل تعلّق الوجوب، وعلى الأقوى إذا كان الانتقال قبل تمامه؛ فإذا لم يبلغ سهم واحد منهم النصاب أو اختلّ بعض شروط اُخر فلا زكاة. ولو لم يعلم أنّ الموت كان قبل التعلّق أو بعده فمن بلغ سهمه النصاب يجب عليه إخراج زكاة حصّته، على الأقوى في بعض الصور، وعلى الأحوط في بعض، ومن لم يبلغ نصيبه حدّ النصاب لا يجب عليه شي ء، إلّا إذا علم زمان التعلّق وشكّ في زمان الموت فتجب على الأقوى.
              مسألة 10 - لو مات الزارع أو مالك النخل والكرم وكان عليه دين: فإن كان موته بعد تعلّق الوجوب وجب إخراج الزكاة - كما مرّ - حتّى في ما إذا كان الدين مستوعبا للتركة، ولا يتحاصّ الغرماء مع أرباب الزكاة، إلّا إذا صارت في ذمّته في زمان حياته بسبب إتلافه أو التلف مع التفريط، فيقع التحاصّ بينهم كسائر الديون؛ وإن كان موته قبل تعلّق الوجوب: فإن كان قبل ظهور الحبّ والثمر فمع استيعاب الدين التركة وكونه زائدا عليها - بحيث يستوعب النماءات أيضا - لا تجب على الورثة الزكاة، بل تكون كأصل التركة بحكم مال الميّت على الأقوى يؤدّى منها دينه، ومع استيعابه التركة وعدم زيادته عليها لو ظهرت الثمرة بعد الموت يصير مقدار الدين بعد ظهورها من التركة أصلا ونماءً بحكم مال الميّت بنحو الإشاعة بينه وبين الورثة، ولا تجب الزكاة في ما يقابله، ويحسب النصاب بعد توزيع الدين على الأصل والثمرة، فإن زادت حصّة الوارث من الثمرة بعد التوزيع وبلغت النصاب تجب الزكاة عليه، ولو تلف بعض الأعيان من التركة يكشف عن عدم كونه ممّا يؤدّى منه الدين وعدم كونه بحكم مال الميّت، وكان ماله في ما سوى التالف واقعا. ومنه يظهر الحال لو كان الموت بعد ظهوره وقبل تعلّق الوجوب. نعم، الاحتياط بالإخراج مع الغرامة للديّان أو استرضائهم مطلقا حسن، سيّما في ما كان الموت قبل ظهوره. ولو كان الورثة قد أدّوا الديون أوضمنوه برضا الديّان قبل تعلّق الوجوب وجبت الزكاة على من بلغ سهمه النصاب مع اجتماع الشرائط.
              مسألة 11 - في المزارعة والمساقاة الصحيحتين حيث إنّ الحاصل مشترك بين المالك والعامل تجب على كلّ منهما الزكاة في حصّته مع اجتماع الشرائط بالنسبة إليه؛ بخلاف الأرض المستأجرة للزراعة، فإنّ الزكاة على المستأجر مع اجتماع الشرائط، وليس على الموجر شي ء وإن كانت الاُجرة من الجنس الزكويّ.
              مسألة 12 - في المزارعة الفاسدة تكون الزكاة على صاحب البذر، واُجرة الأرض والعامل من المُؤَن. وفي المساقاة الفاسدة تكون الزكاة على صاحب الاُصول، وتحسب اُجرة مثل عمل المساقي من المُؤَن.
              مسألة 13 - لو كان عنده أنواع من التمر - كالزاهديّ والخستاويّ والقنطار وغيرذلك - يضمّ بعضها إلى بعض في بلوغ النصاب. والأحوط الدفع من كلّ نوع بحصّته وإن كان الأقوى جواز الاجتزاء بمطلق الجيّد عن الكلّ وإن اشتمل على الأجود. ولا يجوز دفع الردي ء عن الجيّد على الأحوط. وهكذا الحال في أنواع العنب.
              مسألة 14 - يجوز تقبّل كلّ من المالك والحاكم أو من يبعثه حصّة الآخر بخرص أهل الخبرة. والظاهر أنّ التخريص هاهنا كالتخريص في المزارعة ممّا وردت فيها النصوص، وهو معاملة عقلائيّة برأسها، وفائدتها صيرورة المال المشاع معيّنا على النحو الكلّيّ في المعيّن في مال المتقبّل. ولابدّ في صحّتها وقوعها بين المالك ووليّ الأمر، وهو الحاكم أو من يبعثه لعمل الخرص؛ فلا يجوز للمالك الاستبداد بالخرص والتصرّف بعده كيف شاء. نعم، بعد التقبّل بالتخريص مع الوالي يجوز له التصرّف بما شاء، من دون احتياج إلى الضبط والحساب. ويشترط فيه الصيغة، وهي ما دلّت على ذاك التقبّل وتلك المعاملة. والظاهر أنّ التلف بآفة سماويّة وظلم ظالم على المتقبّل، إلّا أن يكون مستغرقا أو بمقدار صارت البقيّة أنقص من الكلّيّ فلا يضمن ما تلف. ويجب ردّ ما بقي إلى الحاكم إن كان المتقبّل المالك دون الحاكم. ثمّ إن زاد ما في يد المالك المتقبّل عمّا عيّن بالخرص كان له، وإن نقص كان عليه. ووقت الخرص بعد تعلّق الزكاة.

            • المطلب الثاني

               

              المطلب الثاني

              إنّما تجب الزكاة بعد إخراج ما يأخذه السلطان من عين الحاصل بعنوان المقاسمة وما يأخذه نقدا باسم الخراج أيضا على الأصحّ إذا كان مضروبا على الأرض باعتبار الجنس الزكويّ، ولو كان باعتبار الأعمّ منه فبحسابه. ولو أخذ العمّال زائدا على ما قرّره السلطان ظلما: فإن أخذوا من نفس الغلّة قهرا فالظلم وارد على الكلّ، ولا يضمن المالك حصّة الفقراء، ويكون بحكم الخراج في أنّ اعتبار الزكاة بعد إخراجه بالنسبة؛ وإن أخذوا من غيرها فالأحوط عدم الاحتساب على الفقراء ، خصوصا إذا كان الظلم شخصيّا، بل عدم جوازه حينئذٍ لايخلو من قوّة. وإنّما يعتبر إخراج ما يأخذه بالنسبة إلى اعتبار الزكاة، فيخرج من الوسط ثمّ يؤدّي العشر أو نصف العشر ممّا بقي؛ وأمّا بالنسبة إلى اعتبار النصاب: فإن كان ما ضرب على الأرض بعنوان المقاسمة فلا إشكال في أنّ اعتباره بعده، بمعنى أنّه يلاحظ بلوغ النصاب في حصّته، لا في المجموع منها ومن حصّة السلطان، ولو كان بغير عنوان المقاسمة ففيه إشكال، والأحوط لو لم يكن الأقوى اعتباره قبله.
              مسألة 1 - الظاهر عدم اختصاص حكم الخراج بما يأخذه السلطان المخالف المدّعي للخلافة والولاية على المسلمين بغير استحقاق، بل يعمّ سلاطين الشيعة الّذين لا يدّعون ذلك، بل لايبعد شموله لكلّ مستولٍ على جباية الخراج، حتّى في ما إذا لم يكن سلطان، كبعض الحكومات المتشكّلة في هذه الأعصار. وفي تعميم الحكم لغير الأراضي الخراجيّة - مثل ما يأخذه الجائر من أراضي الصلح أو الّتي كانت مواتا فتملّكت بالإحياء - وجه لايخلو من قوّة.
              مسألة 2 - الأقوى اعتبار خروج المُؤَن جميعها، من غير فرق بين السابقة على زمان التعلّق واللاحقة. والأحوط لو لم يكن الأقوى اعتبار النصاب قبل إخراجها؛ فإذا بلغ النصاب تعلّق الزكاة به مع اجتماع سائر الشرائط، ولكن تخرج المُؤَن من الكلّ، ثمّ يخرج العشر أو نصف العشر من الباقي قلّ أو كثر. ولو استوعبت المؤونة تمام الحاصل فلا زكاة. والمراد بالمؤونة كلّ ما يغرمه المالك في نفقة هذه الثمرة ويصرفه في تنميتها وحفظها وجمعها، كالبذر وثمن الماء المشترى لسقيها، واُجرة الفلّاح والحارث والحارس والساقي والحصّاد والجذّاذ، واُجرة العوامل الّتي يستأجرها للزرع، واُجرة الأرض ولو كانت غصبا ولم ينو إعطاء اُجرتها لمالكها، وما يصرفه لتجفيف الثمرة وإصلاح النخل وتسطيح الأرض وتنقية النهر، بل وفي إحداثه لو كان هذا الزرع والنخل والكرم محتاجا إليه. والظاهر أنّه ليس منها ما يصرفه مالك البستان - مثلا - في حفر بئر أو نهر أو بناء دولاب أو ناعور أو حائط ونحو ذلك ممّا يعدّ من مؤونة تعمير البستان لا من مؤونة ثمرته. نعم، إذا صرف ذلك مشتري الثمرة ونحوه لأجل الثمر الّذي اشتراه أو ملكه بالإجارة يكون من مؤونته. ولا يحسب منها اُجرة المالك إذا كان هو العامل، ولا اُجرة المتبرّع بالعمل، ولا اُجرة الأرض والعوامل إذا كانت مملوكةً له؛ بل الأحوط عدم احتساب ثمن العوامل والآلات الّتي يشتريها للزرع والسقي ممّا يبقى عينها بعد استيفاء الحاصل. نعم، في احتساب ما يرد عليها من النقص بسبب استعمالها في الزرع والسقي وجه، لكنّ الأحوط خلافه. وفي احتساب ثمن الزرع والثمر إشكال لايبعد الاحتساب، لكن يقسّط على التبن والحنطة - مثلا - بالنسبة.
              مسألة 3 - الظاهر أنّه يلاحظ في البذر قيمته يوم الزرع لا مثله، سواء كان من ماله أو اشتراه؛ فلو كان بعضه من ماله الغير المزكّى فالظاهر صيرورة الفقراء شريكا مع الزارع بمقدار حصّتهم، وتحسب البقيّة من المؤونة.
              مسألة 4 - لو كان مع الزكويّ غيره وزّعت المؤونة عليهما بالنسبة؛ وكذا الخراج الّذي يأخذه السلطان إن كان مضروبا على الأرض باعتبار مطلق الزرع لاخصوص الزكويّ. والظاهر توزيعها على التبن والحبّ.
              مسألة 5 - لو كان للعمل مدخليّة في ثمر سنين عديدة فلا يبعد التفصيل بين ما كان عمله لها فيوزّع عليها، وبين ما إذا عمل للسنة الاُولى وإن انتفع منه في سائر السنين قهرا فيحسب من مؤونة الاُولى، فيكون غيرها بلا مؤونة من هذه الجهة.
              مسألة 6 - لو شكّ في كون شي ء من المُؤَن أولا لم يحسب منها.

            • المطلب الثالث

               

              المطلب الثالث

              كلّ ما سقي سيحا ولو بحفر نهر ونحوه أو بعلا - وهو ما يشرب بعروقه - أو عِذيا - وهو ما يسقى بالمطر - ففيه العشر؛ وما يسقى بالعلاج بالدلو والدوالي والنواضح والمكائن ونحوها من العلاجات ففيه نصف العشر؛ وإن سقي بهما فالحكم للأكثر الّذي يسند السقي إليه عرفا؛ وإن تساويا بحيث لم يتحقّق الإسناد المذكور بل يصدق أنّه سقي بهما ففي نصفه العشر وفي نصفه الآخر نصف العشر؛ لكن لاينبغي ترك الاحتياط بإخراج العشر إذا كان الأكثر بغير علاج ولو مع صدق السقي بهما. ومع الشكّ فالواجب الأقلّ إلّا في المسبوق بالسقي بغير علاج؛ ولو شكّ في سلب ذلك يجب الأكثر، بل الأحوط ذلك مطلقا.
              مسألة 1 - الأمطار العاديّة في أيّام السنة لاتُخرج ما يُسقى بالدوالي عن حكمه، إلّا إذا استغنى بها عن الدوالي أو صار مشتركا بينهما.
              مسألة 2 - لو أخرج شخصٌ الماء بالدوالي على أرض مباحة - مثلا - عبثا أو لغرض فزرعها آخر وشرب الزرع بعروقه يجب العشر على الأقوى. وكذا إذا أخرجه هو بنفسه لغرض آخر غير الزرع ثمّ بدا له أن يزرع زرعا يشرب بعروقه؛ بل وكذا إذا أخرجه لزرع فزاد وجرى على أرض اُخرى فبدا له أن يزرع فيها زرعا يشرب بعروقه.

      • القول في أصناف المستحقين للزكاة ومصارفها

         

        القول في أصناف المستحقّين للزكاة ومصارفها

        وهي ثمانية:
        الأوّل والثاني: الفقراء والمساكين؛ والثاني أسوأ حالا من الأوّل. وهم الّذين لايملكون مؤونة سنتهم اللائقة بحالهم لهم ولمن يقومون به لا فعلا ولا قوّةً؛ فمن كان ذا اكتساب يمون به نفسه وعياله على وجه يليق بحاله ليس من الفقراء والمساكين، ولا تحلّ له الزكاة؛ وكذا صاحب الصنعة والضيعة وغيرهما ممّا يحصل به مؤونته. ولو كان قادرا على الاكتساب لكن لم يفعل تكاسلا فلا يترك الاحتياط بالاجتناب عن أخذها وإعطائها إيّاه، بل عدم الجواز لايخلو من قوّة.
        مسألة 1 - مبدأ السنة الّتي تدور صفتا الفقر والغنى مدارمالكيّةمؤونتهاوعدمها هو زمان إعطاء الزكاة، فيلاحظ كفايته وعدمها في ذلك الزمان؛ فكلّ زمان كان مالكا لمقدار كفاية سنته كان غنيّا، فإذا نقص عن ذلك بعد صرف بعضه يصير فقيرا.
        مسألة 2 - لو كان له رأس مال يكفي لمؤونة سنته لكن لم يكفه ربحه أو ضيعة تقوم قيمتها بمؤونة سنة أو سنوات لكن لاتكفيه عوائدها لا يكون غنيّا، فيجوز له أن يُبقيها ويأخذ من الزكاة بقيّة المؤونة.
        مسألة 3 - الأحوط عدم إعطاء الفقير أزيد من مؤونة سنته؛ كما أنّ الأحوط للفقير عدم أخذه، وأنّ الأحوط أيضا في المكتسب الّذي لا يفي كسبه وصاحب الضيعة الّتي لايفي حاصلها والتاجر الّذي لايكفي ربحه بمؤونته الاقتصار على التتمّة أخذا وإعطاءً.
        مسألة 4 - دار السكنى والخادم وفرس الركوب المحتاج إليها بحسب حاله -ولو لعزّه وشرفه - والثياب والألبسة الصيفيّة والشتويّة والسفريّة والحضريّة - ولو كانت للتجمّل - والفرش والظروف وغير ذلك لا يمنع عن إعطاء الزكاة وأخذها. نعم، لو كان عنده أزيد من مقدار حاجته المتعارفة بحسب حاله وزيّه بحيث لو صرفها تكفي لمؤونة سنته لايجوز له الأخذ.
        مسألة 5 - لو كان قادرا على التكسّب ولو بالاحتطاب والاحتشاش لكن ينافي شأنه أو يشقّ عليه مشقّة شديدة لكبر أو مرض ونحو ذلك يجوز له أخذ الزكاة، وكذا إذا كان صاحب صنعة أو حرفة لايمكنه الاشتغال بها لفقد الأسباب أو عدم الطالب.
        مسألة 6 - إن لم يكن له حرفة وصنعة لائقة بشأنه فعلا ولكن يقدر على تعلّمها بغير مشقّة شديدة ففي جواز تركه التعلّم وأخذه الزكاة إشكال، فلا يترك الاحتياط. نعم، لا إشكال في جوازه إذا اشتغل بالتعلّم مادام مشتغلا به.
        مسألة 7 - يجوز لطالب العلم القادر على التكسّب اللائق بشأنه أخذ الزكاة من سهم سبيل اللّه إذا كان التكسّب مانعا عن الاشتغال أو موجبا للفتور فيه، سواء كان ممّا يجب تعلّمه عينا أو كفايةً أو يستحبّ.
        مسألة 8 - لو شكّ أنّ ما في يده كافٍ لمؤونة سنته لايجوز له أخذ الزكاة، إلّا إذا كان مسبوقا بعدم وجود ما به الكفاية ثمّ وجد ما يشكّ في كفايته.
        مسألة 9 - لو كان له دين على الفقير جاز احتسابه زكاةً ولو كان ميّتا، بشرط أن لايكون له تركة تفي بدينه، وإلّا لا يجوز. نعم، لو كانت له تركة لكن لا يمكن استيفاء الدين منها لامتناع الورثة أو غيره فالظاهر الجواز.
        مسألة 10 - لو ادّعى الفقر: فإن عُرف صدقه أو كذبه عومل به، ولو جُهل حاله اُعطي من غير يمين مع سبق فقره، وإلّا فالأحوط اعتبار الظنّ بصدقه الناشئ من ظهور حاله، خصوصا مع سبق غناه.
        مسألة 11 - لايجب إعلام الفقير أنّ المدفوع إليه زكاة، بل يستحبّ دفعها على وجه الصلة ظاهرا والزكاة واقعا إذا كان ممّن يترفّع ويدخله الحياء منها.
        مسألة 12 - لو دفع الزكاة إلى شخص على أنّه فقير فبان غناه استرجعت منه مع بقاءالعين، بل مع تلفها ضامن مع علمه بكونها زكاةً وإن كان جاهلا بحرمتها على الغنيّ، بل مع احتمال أنّها زكاة فالظاهر ضمانه. نعم، مع إعطائه بغير عنوانهإ؛/، ظظ سقط الضمان، كما أنّه مع قطعه بعدمها سقط. ولا فرق في ذلك بين الزكاة المعزولة وغيرها. وكذا الحال في ما لو دفعها إلى غنيّ جاهلا بحرمتها عليه. ولو تعذّر استرجاعها في الصورتين أو تلفت بلا ضمان أو معه وتعذّر أخذ العوض منه كان ضامنا وعليه الزكاة، إلّا إذا أعطاه بإذن شرعيّ - كدعوى الفقر بناءً على اعتبارها- فالأقوى حينئذٍ عدم الضمان. نعم، لو كان إحرازه بأمارة عقليّة كالقطع فالظاهر الضمان. ولو كان الدافع هو المجتهد أو وكيله لا ضمان عليه مع عدم التقصير، بل ولا على المالك أيضا لو دفعه إليه أو إلى وكيله بعنوان أنّه وليّ عامّ على الفقراء، وأمّا إذا كان بعنوان الوكالة عن المالك فالظاهر ضمانه، فيجب عليه أداء الزكاة ثانيا.
        الثالث: العاملون عليها. وهم الساعون في جبايتها، المنصوبون من قبل الإمام 7 أو نائبه لأخذها وضبطها وحسابها، فإنّ لهم من الزكاة سهما لأجل عملهم وإن كانوا أغنياء، والإمام 7 أو نائبه مخيّر بين أن يقدّر لهم جعالةً أو اُجرةً عن مدّة مقرّرة وبين أن لايجعل لهم جُعلا فيعطيهم ما يراه. والأقوى عدم سقوط هذا الصنف في زمان الغيبة مع بسط يد الحاكم ولو في بعض الأقطار.
        الرابع: المؤلّفة قلوبهم. وهم الكفّار الّذين يراد اُلفتهم إلى الجهاد أو الإسلام، والمسلمون الّذين عقائدهم ضعيفة، فيعطون لتأليف قلوبهم. والظاهر عدم سقوطه في هذا الزمان.
        الخامس: في الرقاب. وهم المكاتَبون العاجزون عن أداء مال الكتابة، والعبيد تحت الشدّة، بل مطلق عتق العبد، سواء وجد المستحقّ للزكاة أم لا؛ فهذا الصنف عامّ لمطلق عتق الرقبة، لكن يشترط في المكاتب العجز المذكور.
        السادس: الغارمون. وهم الّذين عليهم الديون في غير معصية ولا إسراف، ولم يتمكّنوا من وفائها ولو ملكوا قوت سنتهم.
        مسألة 13 - المراد بالدين كلّ ما اشتغلت به الذمّة ولوكان مهرا لزوجته أوغرامةً لما أتلفه أوتلف عنده مضمونا. والأقوى عدم اعتبارالحلول فيه، والأحوطاعتباره.
        مسألة 14 - لو كان المديون كسوبا يتمكّن من قضائه تدريجا: فإن لم يرض بذلك الديّان ويطلبون منه التعجيل فلا إشكال في جواز إعطائه من هذا السهم، وإلّا فالأحوط عدم إعطائه.
        مسألة 15 - لو كان المديون ممّن تجب نفقته على من عليه الزكاة جاز له إعطاؤه لوفاء دينه وإن لم يجز لنفقته.
        مسألة 16 - كيفيّة صرف الزكاة في هذا المصرف إمّا بدفعها إلى المديون ليوفي دينه، وإمّا بالدفع إلى الدائن وفاءً عن دينه. ولو كان الغريم مديونا لمن عليه الزكاة جاز له احتساب ما في ذمّته زكاةً؛ كما جاز له أن يحتسب ما عنده من الزكاة وفاءً للدين الّذي على الغريم، ويبرأ بذلك ذمّته وإن لم يقبضها ولم يوكّل المالك في قبضها بل ولم يكن له اطّلاع بذلك.
        مسألة 17 - لو كان لمن عليه الزكاة دين على شخص وكان لذلك الشخص دين على فقير جاز له احتساب ما على ذلك الشخص زكاةً ثمّ احتسابه له وفاءً عمّا له على ذلك الفقير؛ كما جاز أن يحيله ذلك الشخص على ذلك الفقير، فيبرأ بذلك ذمّة ذلك الشخص عن دين من عليه الزكاة وذمّة الفقير عن دين ذلك الشخص ويشتغل لمن عليه الزكاة، فجاز له أن يحسب ما في ذمّته زكاةً كما مرّ.
        مسألة 18 - قد مرّ اعتبار كون الدين في غير معصية. والمدار صرفه فيها، لاكون الاستدانة لأجلها؛ فلو استدان لا للمعصية فصرفه فيها لم يعط من هذا السهم، بخلاف العكس.
        السابع - في سبيل اللّه. ولا يبعد أن يكون هو المصالح العامّة للمسلمين والإسلام، كبناء القناطر وإيجاد الطرق والشوارع وتعميرها، وما يحصل به تعظيم الشعائر وعلوّ كلمة الإسلام، أو دفع الفتن والمفاسد عن حوزة الإسلام وبين القبيلتين من المسلمين وأشباه ذلك، لا مطلق القربات كالإصلاح بين الزوجين والولد والوالد.
        الثامن - ابن السبيل. وهو المنقطع به في الغربة وإن كان غنيّا في بلده إذا كان سفره مباحا؛ فلو كان في معصية لم يعط؛ وكذا لو تمكّن من الاقتراض وغيره؛ فيدفع إليه منها ما يوصله إلى بلده على وجه يليق بحاله وشأنه، أو إلى محلّ يمكنه تحصيل النفقة ولو بالاستدانة. ولو وصل إلى بلده وفضل ممّا اُعطي شي ء ولو بسبب التقتير على نفسه أعاده على الأقوى حتّى في مثل الدابّة والثياب ونحوها؛ فيوصله إلى الدافع أو وكيله؛ ومع تعذّره أو حرجيّته يوصله إلى الحاكم؛ وعليه أيضا إيصاله إلى أحدهما، أو الاستيذان من الدافع في صرفه على الأحوط لو لم يكن الأقوى.
        مسألة 19 - إذا التزم بنذر أو شبهه أن يعطي زكاته فقيرا معيّنا أو صرفها في مصرف معيّن من مصارف الزكاة وجب عليه، لكن لوسها وأعطى غيره أو صرفها في غيره أجزأه. ولا يجوز استردادها من الفقير حتّى مع بقاء العين، بل الظاهر كذلك في ما لو أعطاه أو صرفها مع الالتفات والعمد وإن أثم بسبب مخالفة النذر حينئذٍ وتجب عليه الكفّارة.

      • القول في أوصاف المستحقين للزكاة

         

        القول في أوصاف المستحقّين للزكاة

        وهي اُمور:
        الأوّل: الإيمان؛ فلا يعطى الكافر، ولا المخالف للحقّ وإن كان من فرق الشيعة، بل ولا المستضعف من فرق المخالفين، إلّا من سهم المؤلّفة قلوبهم. ولايعطى ابن الزنا من المؤمنين في حال صغره، فضلا عمّن كان من غيرهم. ويعطى أطفال الفرقة الحقّة، من غير فرق بين الذكر والاُنثى، ولا بين المميّز وغيره، بل لو تولّد بين المؤمن وغيره اُعطي منها إذا كان الأب مؤمنا، ومع عدم إيمانه لايُعطى وإن كانت الاُمّ مؤمنةً. ولا تسلّم إلى الطفل، بل تُدفع إلى وليّه أو يصرفها عليه بنفسه أو بواسطة أمين. والمجنون كالطفل. أمّا السفيه فيجوز الدفع إليه وإن تعلّق الحجر به مع شرائطه.
        الثاني: أن لا يكون شارب الخمر على الأحوط، بل غير متجاهر بمثل هذه الكبيرة على الأحوط. ولا يشترط فيه العدالة وإن كان أحوط؛ فيجوز الدفع إلى غير العادل من المؤمنين مع عدم التجاهر بما ذكر وإن تفاوتت مراتب الرجحان في الأفراد. نعم، يقوى عدم الجواز إذا كان في الدفع إعانة على الإثم أو إغراء بالقبيح وفي المنع ردع عن المنكر. والأحوط اعتبار العدالة في العامل حال عمله وإن لاتبعد كفاية الوثوق والاطمينان به. وأمّا في الغارم وابن السبيل والرقاب فغير معتبرة، فضلاً عن المؤلّفة وفي سبيل اللّه.
        الثالث: أن لايكون ممّن تجب نفقته على المالك كالأبوين وإن علوا، والأولاد وإن نزلوا، والزوجة الدائمة الّتي لم يسقط عنه وجوب نفقتها بشرط أو غيره من الأسباب الشرعيّة؛ فلا يجوز دفعها إليهم للإنفاق وإن سقط عنه وجوبه لعجزه، من غير فرق بين إعطاء تمام الإنفاق أو إتمام ما يجب عليه بها، كما لو كان قادرا على إطعامهم وعجز عن إكسائهم فأراد إعطاءه منها. نعم، لايبعد جوازه للتوسعة عليهم وإن كان الأحوط خلافه. ويجوز دفعها إليهم لأجل إنفاقهم على من تجب نفقته عليهم دونه، كالزوجة للوالد أوالولد مثلا؛ كما أنّه يجوز دفع الغير إليهم ولو للإنفاق. ولو كان من تجب عليه باذلا فالأحوط عدم الدفع وإن كان الأقوى في غير الزوجة جوازه. ولو عال أحدا تبرّعا جاز له ولغيره دفع زكاته إليه حتّى للإنفاق، من غير فرق بين كون الشخص المزبور قريبا أو أجنبيّا. ولابأس بدفع الزوجة زكاتها إلى زوجها وإن أنفقها عليها؛ وكذا غيرها ممّن تجب نفقته عليه بسبب من الأسباب.
        مسألة 1 - الممنوع إعطاؤه لواجبي النفقة هو ما كان من سهم الفقراء ولأجل فقرهم، وأمّا من غيره - كسهم الغارمين والمؤلّفة قلوبهم وسبيل اللّه والرقاب وابن السبيل - في ما زاد على نفقته الواجبة في الحضر فلا مانع منه إذا كانوا من مصاديقها على إشكال في الأخير، فيجوز للوالد إعطاء الزكاة ولده المشتغل بتحصيل العلم لما يحتاج إليه من الكتب العلميّة وغيرها من سهم سبيل اللّه.
        مسألة 2 - يجوز دفع الزكاة إلى الزوجة الدائمة الّتي سقط وجوب نفقتها بالشرط ونحوه كما مرّ. وأمّا إذا كان السقوط لأجل النشوز فيشكل الجواز لتمكّنها من تحصيلها بتركه. وكذا يجوز الدفع إلى المتمتّع بها حتّى من زوجها. نعم، لو وجب على الزوج نفقتها من جهة الشرط لا يجوز له أن يدفع إليها ولا لغيره مع يسار الزوج وكونه باذلا.
        الرابع: أن لا يكون هاشميّا لو كانت الزكاة من غيره. أمّا زكاة الهاشميّ فلابأس بتناولها منه؛ كما لا بأس بتناولها من غيره مع الاضطرار، ولكنّ الأحوط إن لم يكن الأقوى الاقتصار على قدر الضرورة يوما فيوما، كما أنّ الأحوط له اجتناب مطلق الصدقة الواجبة - ولو كان بالعارض - وإن كان الأقوى خلافه. نعم، لابأس بدفع الصدقات المندوبة إليهم. والمشكوك كونه هاشميّا مع عدم بيّنة أو شياع بحكم غيره، فيُعطى من الزكاة. نعم، لو ادّعى كونه هاشميّا لا تُدفع إليه من جهة إقراره بعدم الاستحقاق، لا من جهة ثبوت مدّعاه بمجرّد دعواه، ولذا لا يُعطى من الخمس أيضا بذلك ما لم يثبت صحّة دعواه من الخارج.

      • القول في بقية أحكام الزكاة

         

        القول في بقيّة أحكام الزكاة

        مسألة 1 - لايجب بسط الزكاة على الأصناف الثمانية وإن استحبّ مع سعتها ووجود الأصناف، فيجوز التخصيص ببعضها؛ وكذا لايجب في كلّ صنف البسط على أفراده، فيجوز التخصيص ببعض.
        مسألة 2 - تجب النيّة في الزكاة، ولا تجب فيها أزيد من القربة والتعيين. دون الوجوب والندب وإن كان أحوط؛ فلو كان عليه زكاة وكفّارة - مثلًا - وجب تعيين أحدهما حين الدفع، بل الأقوى ذلك بالنسبة إلى زكاة المال والفطرة. نعم، لايعتبر تعيين الجنس الّذي تخرج منه الزكاة أنّه من الأنعام أو النقدين أو الغلّات، فيكفي مجرّد كونه زكاةً، لكن ذلك إذا كان المدفوع من غير الجنس الزكويّ قيمةً فيوزّع عليها بالنسبة، وأمّا إذا كان من أحدها فينصرف إليه إلّا مع قصد كونه بدلا أو قيمةً. نعم، لو كان عنده أربعون من الغنم وخمس من الإبل فأخرج شاةً من غير تعيين يوزّع بينهما، إلّا مع الترديد في كونه إمّا من الإبل وإمّا من الغنم فإنّ الظاهر عدم الصحّة. ويتولّى النيّة الحاكم عن الممتنع. ولو وكّل أحدا في أداء زكاته يتولّى الوكيل النيّة إذا كان المال الّذي يزكّيه عند الوكيل وكان مُخرجا لزكاته. وأمّا إذا أخرج مقدار الزكاة ودفع إلى شخص ليوصله إلى محلّه يجب عليه أن ينوي كون ما أوصله الوكيل إلى الفقير زكاةً، ويكفي بقاؤها في خزانة نفسه وإن لم يحضرها وقت الأداء تفصيلا. ولو دفع المال إلى الفقير بلانيّة فله تجديدها ولو بعد زمان طويل مع بقاء العين؛ وأمّا لو كانت تالفةً: فإن كانت مضمونةً على وجه لم يكن معصية اللّه واشتغلت ذمّة الآخذ بها فله أن يحسبها زكاةً كسائر الديون؛ وأمّا مع الضمان على وجه المعصية لا يجوز احتسابها زكاةً؛ كما أنّه مع تلفها بلاضمان لامحلّ لما ينويها زكاةً.
        مسألة 3 - لو كان له مال غائب ودفع إلى الفقير مقدار زكاته ونوى أنّه إن كان باقيا فهذا زكاته وإلّا فصدقة مستحبّة أو من المظالم - مثلا - صحّ وأجزأ.
        مسألة 4 - الأحوط لو لم يكن الأقوى عدم جواز تأخير الزكاة - ولو بالعزل مع الإمكان - عن وقت وجوبها الّذي يغاير وقت التعلّق كالغلّات، بل في ما يعتبر فيه الحول أيضا، لاحتمال أن يكون وقت الوجوب هو وقت الاستقرار بمضيّ السنة؛ بل الأحوط عدم تأخير الدفع والإيصال أيضا مع وجود المستحقّ وإن كان الأقوى الجواز، خصوصا مع انتظار مستحقّ معيّن أو أفضل إلى شهرين أو أزيد في خلال السنة. والأحوط عدم التأخير عن أربعة أشهر. ولو تلفت مع التأخير بغير عذر ضمنها. ولا يجوز تقديمها قبل وقت الوجوب إلّا قرضا على المستحقّ، فيحسبها حينه عليه زكاةً مع بقائه على صفة الاستحقاق وبقاء الدافع والمال على شرائط الوجوب، وله أن يستعيد منه ويدفع إلى غيره، إلّا أنّ الأحوط الأولى الاحتساب حينئذٍ.
        مسألة 5 - الأفضل بل الأحوط دفع الزكاة إلى الفقيه في عصر الغيبة سيّما إذا طلبها، لأنّه أعرف بمواقعها وإن كان الأقوى عدم وجوبه، إلّا إذا حكم بالدفع إليه لمصلحة الإسلام أو المسلمين فيجب اتّباعه وإن لم يكن مقلّدا له.
        مسألة 6 - يستحبّ ترجيح الأقارب على غيرهم، وأهل الفضل والفقه والعقل على غيرهم، ومن لايسأل من الفقراء على غيره.
        مسألة 7 - يجوز عزل الزكاة وتعيينها في مال مخصوص حتّى مع وجود المستحقّ. والتعيين في غير الجنس محلّ إشكال وإن لايخلو من وجه؛ فتكون أمانةً في يده، لايضمنها إلّا مع التعدّي أو التفريط أو التأخير مع وجود المستحقّ، وليس له تبديلها بعد العزل.
        مسألة 8 - لو أتلف الزكاة المعزولة متلفٌ: فإن كان مع عدم ما يوجب الضمان كالتأخير - مثلا - يكون الضمان على المتلف فقط، وإلّا فعلى المالك أيضا وإن كان قراره على المتلف.
        مسألة 9 - لو اتّجر بماعزله تكون الخسارة عليه والربح للفقير إذا كان الاتّجار لمصلحة الزكاة فأجاز وليّ الأمر؛ وكذا في الاتّجار بالنصاب قبل إخراج الزكاة على الأقرب. وأمّا اذا اتّجربهما لنفسه وأوقع التجارة بالعين الخارجيّ فتصحيحهما في الموردين بالإجازة محلّ إشكال، بل يقع باطلا في الجميع في الأوّل، وبالنسبة في الثاني. وإن أوقع التجارة بالذمّة وأدّى من المعزول أو النصاب يكون ضامنا والربح له، إلّا إذا أراد الأداء بهما حال إيقاع التجارة، فإنّه حينئذٍ محلّ إشكال.
        مسألة 10 - يجوز نقل الزكاة من بلده، سواء وجد المستحقّ في البلد أم لا؛ ولو تلفت يضمن في الأوّل دون الثاني، كما أنّ مؤونة النقل عليه مطلقا.
        مسألة 11 - لو قبض الفقيه الزكاة بعنوان الولاية على أخذها برئت ذمّة المالك وإن تلفت عنده بتفريط أو غيره أو أعطى غير المستحقّ اشتباها؛ وإذا قبضها بعنوان الوكالة على المالك لم تبرأ ذمّته إلّا بعد الدفع إلى المحلّ.
        مسألة 12 - اُجرة الكيّال والوزّان والكيل ونحو ذلك على المالك.
        مسألة 13 - من كان عليه أو في ترِكَته الزكاة وأدركه الموت يجب عليه الإيصاء بإخراجها من ترِكَته، وكذا سائر الحقوق الواجبة. ولو كان الورّاث مستحقّين جاز للوصيّ أداؤها إليهم من مال الميّت؛ وكذا جاز أخذها لنفسه مع الاستحقاق وعدم انصرافٍ في الوصيّة إلى أدائها إلى الغير. ويستحبّ دفع شي ء منها إلى غير الوارث إذا أراد دفعها إليه.
        مسألة 14 - يكره لربّ المال أن يطلب من الفقير تملّك ما دفعه إليه صدقةً ولو مندوبةً، سواء كان التملّك مجّانا أو بالعوض. ولو أراد الفقير بيعه بعد تقويمه عند من أراد كان المالك أحقّ به، لكن زوال الكراهة غير معلوم. نعم، لو كانت الصدقة جزء حيوان لا يتمكّن الفقير من الانتفاع به ولا يشتريه غير المالك أو يحصل للمالك ضرر بشراء غيره جاز شراؤه من دون كراهة.
        مسألة 15 - لو دفع شخص زكاته إلى شخص ليصرفها في الفقراء أو خمسه إليه ليصرفه في السادة ولم يعيّن شخصا وكان المدفوع إليه مصرفا ولم ينصرف اللفظ عنه جاز له أن يأخذ مثل أحدهم من غير زيادة؛ وكذا له أن يصرفه في عياله، خصوصا إذا قال: «هذا للفقراء أو للسادة» أو «هذا مصرفه الفقراء والسادة» وإن كان الأحوط عدم الأخذ إلّا بإذن صريح؛ وكذا الحال لو دفع إليه مال آخر ليصرفه في طائفة وكان المدفوع إليه بصفتهم.

    • المقصد الثاني في زكاة الابدان
    •  

      المقصد الثاني في زكاة الأبدان

      وهي المسمّاة بزكاة الفطرة؛ وقد ورد فيها «إنّه يتخوّف الفوت على من لم تدفع عنه» و«إنّها من تمام الصوم، كما أنّ الصلاة على النبيّ 9 من تمام الصلاة».
      والكلام في من تجب عليه، وفي جنسها، وفي قدرها، وفي وقتها، وفي مصرفها.

      • القول فيمن تجب عليه

         

        القول في من تجب عليه

        مسألة 1 - تجب زكاة الفطرة على المكلّف الحرّ الغنيّ فعلا أو قوّةً؛ فلاتجب على الصبيّ، ولا المجنون ولو إدواريّا إذا كان دور جنونه عند دخول ليلة العيد. ولايجب على وليّهما أن يؤدّي عنهما من مالهما، بل الأقوى سقوطها عنهما بالنسبة إلى من يعولانه، ولا على من هو مغمىً عليه عند دخول ليلة العيد، ولا على المملوك، ولا على الفقير الّذي لا يملك مؤونة سنته له ولعياله زائدا على ما يقابل الدين ومستثنياته لافعلا ولا قوّةً؛ والأحوط اعتبار الدين الحالّ في هذه السنة لاغيره. نعم، الأحوط الأولى لمن زاد على مؤونة يومه وليلته صاعٌ إخراجها، بل يستحبّ للفقير مطلقا إخراجها ولو بأن يدير صاعا على عياله ثمّ يتصدّق على الأجنبيّ بعد أن ينتهي الدور إليه. هذا إذا لم يكن بينهم قاصر، وإلّا فالأحوط أن يقتصر في الإدارة بينهم على المكلّفين؛ ولو أخذ الوليّ عن القاصر يصرفها له ولا يردّها إلى غيره.
        مسألة ۲ - يعتبر وجود الشرائط المذكورة عند دخول ليلة العيد، أي قُبيله ولو بلحظة، بأن كان واجدا لها فأدرك الغروب؛ فلا يكفي وجودها قبله إذا زال عنده، ولا بعده لو لم يكن عنده؛ فتجب على من بلغ - مثلا - عنده أو زال جنونه، ولا تجب على من بلغ بعده أو زال جنونه. نعم، يستحبّ أداؤها إذا كان ذلك قبل الزوال من يوم العيد.
        مسألة ۳ - يجب على من استكمل الشرائط المزبورة إخراجها عن نفسه وعمّن يعوله: من مسلم وكافر وحرّ وعبد وصغير وكبير حتّى المولود قبل هلال شوّال ولو بلحظة، وكذا كلّ من يدخل في عيلولته قبله، حتّى الضيف وإن لم يتحقّق منه الأكل مع صدق كونه ممّن يعوله وإن لم يصدق أنّه عياله؛ بخلاف المولود بعده، وكذا من دخل في عيلولته بعده، فلا تجب عليه فطرتهم. نعم، هي مستحبّة إذا كان ما ذكر قبل الزوال من العيد.
        مسألة 4 - من وجبت فطرته على الغير لضيافة أو عيلولة سقطت عنه ولو كان غنيّا جامعا لشرائط الوجوب لولا العيلولة؛ بل الأقوى سقوطها عنه وإن كان المضيف والمعيل فقيرا وهو غنيّ. والأحوط إخراجه عن نفسه لو علم بعدم إخراج الغير - الّذي خوطب بها - نسيانا أو عصيانا وإن كان الأقوى عدم وجوبه.والأقوى وجوبها على الضيف إذا لم يصدق أنّه ممّن يعوله، لكن لاينبغي للمضيف ترك الاحتياط بالإخراج أيضا مضافا إلى إخراج الضيف.
        مسألة 5 - الغائب عن عياله يجب عليه أن يخرجها عنهم، إلّا إذا وكّلهم في إخراجها من ماله وكانوا موثوقا بهم في الأداء.
        مسألة 6 - الظاهر أنّ المدار في العيال هو فعليّة العيلولة، لا على وجوب النفقة وإن كان الأحوط مراعاة أحد الأمرين؛ فلو كانت له زوجة دائمة في عيلولة الغير تجب على ذلك الغير فطرتها لا عليه، ولو لم تكن في عيلولة أحد تجب عليها مع اجتماع الشرائط، ومع عدمه لاتجب على أحد. وكذا الحال في المملوك.
        مسألة 7 - لو كان شخص في عيلولة اثنين تجب فطرته عليهما مع يسارهما، ومع يسار أحدهما تجب عليه حصّته دون الآخر، على الأحوط في الصورتين.
        مسألة 8 - تحرم فطرة غير الهاشميّ على الهاشميّ. والمدار هو المعيل لاالعيال، والأحوط مراعاة كليهما.
        مسألة 9 - تجب فيها النيّة كغيرها من العبادات. ويجوز أن يتولّى الإخراج من وجبت عليه، أو يوكّل غيره في التأدية، فحينئذٍ لابدّ للوكيل من نيّة التقرّب. وإن وكّله في الإيصال يجب عليه أن ينوي كون ما أوصله الوكيل إلى الفقير زكاةً. ويكفي بقاء النيّة في خزانة نفسه، ولا يجب خطورها تفصيلا. ويجوز أن يوكّل غيره في الدفع من ماله والرجوع إليه، فيكون بمنزلة الوكيل في دفعه من مال الموكّل. ولا يبعد جواز التوكيل في التبرّع، بأن يوكّله أن يؤدّي زكاته من ماله بدون الرجوع إليه. نعم، أصل التبرّع بها بلا توكيل محلّ إشكال.

      • القول في جنسها

         

        القول في جنسها

        مسألة 1 - لايبعد أن يكون الضابط فيه ما يتعارف في كلّ قوم أو قطر التغذّي به وإن لم يكتفوا به، كالبرّ والشعير والأرز في مثل غالب بلاد إيران والعراق، والأرز في مثل الجيلان وحواليه، والتمر والأقط واللبن في مثل النجد وبراري الحجاز، وإن كان الأقوى الجواز في الغلّات الأربع مطلقا؛ فإذا غلب في قطرٍ التغذّي بالذرّة ونحوها يجوز إخراجها كما يجوز إخراج الغلّات الأربع، ومع عدم الغلبة فالأحوط إخراج الغلّات الأربع. ويجوز دفع الأثمان قيمةً. وفي إخراج غيرها ممّا لا يكون من جنسها قيمةً إشكال، بل عدم الاجتزاء لايخلو من وجه. وتعتبر في القيمة حال وقت الإخراج وبلده.
        مسألة ۲ - يعتبر في المدفوع فطرةً أن يكون صحيحا؛ فلا يجزي المعيب، كما لايجزي الممزوج بما لا يتسامح فيه؛ بل يشكل إعطاء المعيب والممزوج قيمةً عن الصحيح وغير الممزوج.
        مسألة ۳ - الأفضل إخراج التمر ثمّ الزبيب؛ وقد يترجّح الأنفع بملاحظة المرجّحات الخارجيّة، كما يرجّح لمن يكون قوته من البرّ الأعلى الدفع منه، لامن الأدون أو الشعير.

      • القول في قدرها

         

        القول في قدرها

        وهو صاع من جميع الأقوات حتّى اللبن. والصاع أربعة أمداد، وهي تسعة أرطال بالعراقيّ وستّة بالمدنيّ، وهي عبارة عن ستّمائة وأربعة عشر مثقالا صيرفيّا وربع مثقال؛ فيكون بحسب حُقّة النجف - الّتي هي تسعمائة مثقال وثلاثة وثلاثون مثقالا وثلث مثقال - نصف حُقّة ونصف وُقيّة وأحد وثلاثون مثقالا إلّا مقدار حمّصتين؛ و بحسب حقّة إسلامبول - وهي مائتان و ثمانون مثقالا - حُقّتان وثلاثة أرباع الوُقيّة ومثقال وثلاثة أرباع المثقال؛ وبحسب المنّ الشاهيّ - وهو ألف ومائتان و ثمانون مثقالا - نصف منّ إلّا خمسة وعشرون مثقالا وثلاثة أرباع المثقال؛ وبحسب الكيلو في هذا العصر ما يقارب ثلاث كيلوات.

      • القول في وقت وجوبها

         

        القول في وقت وجوبها

        وهو دخول ليلة العيد. ويستمرّ وقت دفعها إلى وقت الزوال. والأفضل بل الأحوط التأخير إلى النهار. ولو كان يصلّي العيد فلا يترك الاحتياط بإخراجها قبل صلاته؛ فإن خرج وقتها وكان قد عزلها دفعها إلى مستحقّها، وإن لم يعزلها فالأحوط عدم سقوطها، بل يؤدّي ناويا بها القربة من غير تعرّض للأداء والقضاء.
        مسألة 1 - لا يجوز تقديمها على شهر رمضان، بل مطلقا على الأحوط. نعم، لابأس بإعطاء الفقير قرضا ثمّ احتسابه عليه فطرةً عند مجي ء وقتها.
        مسألة ۲ - يجوز عزل الفطرة وتعيينها في مال مخصوص من الأجناس أو عزل قيمتها من الأثمان. والأحوط بل الأوجه الاقتصار في عزل القيمة على الأثمان. ولو عزل أقلّ ممّا تجب عليه اختصّ الحكم به وبقي الباقي غير معزول. ولو عزلها في الأزيد ففي انعزالها بذلك حتّى يكون المعزول مشتركا بينه وبين الزكاة إشكال. نعم، لو عيّنها في مال مشترك بينه وبين غيره مشاعا فالأظهر انعزالها بذلك إذا كانت حصّته بقدرها أو أقلّ منها. ولو خرج الوقت وقد عزلها في الوقت جاز تأخير دفعها إلى المستحقّ - خصوصا مع ملاحظة بعض المرجّحات - وإن كان يضمنها مع التمكّن ووجود المستحقّ لو تلفت؛ بخلافه في ما إذا لم يتمكّن، فإنّه لا يضمن إلّا مع التعدّي والتفريط في حفظه كسائر الأمانات.
        مسألة ۳ - الأحوط عدم نقلها بعد العزل إلى بلد آخر مع وجود المستحقّ.

      • القول في مصرفها

         

        القول في مصرفها

        الأقوى أنّ مصرفها مصرف زكاة المال وإن كان الأحوط الاقتصار على دفعها إلى الفقراء المؤمنين وأطفالهم بل المساكين منهم وإن لم يكونوا عدولا. ويجوز إعطاؤها للمستضعفين من المخالفين عند عدم وجود المؤمنين.
        والأحوط أن لا يدفع إلى الفقير أقلّ من صاع أو قيمته وإن اجتمع جماعة لاتسعهم كذلك. ويجوز أن يُعطى الواحد أصواعا بل إلى مقدار مؤونة سنته؛ والأحوط عدم الإعطاء والأخذ أزيد من مؤونتها. ويستحبّ اختصاص ذوي الأرحام والجيران وأهل الهجرة في الدين والفقه والعقل وغيرهم ممّن يكون فيه بعض المرجّحات. ولا يترك الاحتياط بعدم الدفع إلى شارب الخمر والمتجاهر بمثل هذه الكبيرة. ولا يجوز أن يدفع إلى من يصرفها في المعصية.

  • كتاب الخمس
  •  

    كتاب الخمس

    وهو الّذي جعله اللّه تعالى لمحمّد(صلى الله عليه وآله وسلم) وذرّيّته - كثّراللّه نسلهم المبارك - عوضا عن الزكاة الّتي هي من أوساخ أيدي الناس إكراما لهم، ومن منع منه درهما كان من الظالمين لهم والغاصبين لحقّهم، فعن مولانا الصادق 7: «إنّ اللّه لا إله إلّا هو لمّا حرّم علينا الصدقة أنزل لنا الخمس، فالصدقة علينا حرام، والخمس لنا فريضة، والكرامة لنا حلال»، وعنه 7: «لا يُعذر عبد اشترى من الخمس شيئا أن يقول: يا ربّ اشتريته بمالي حتّى يأذن له أهل الخمس»، وعن أبي جعفر(عليه السلام): «ولا يحلّ لأحد أن يشتري من الخمس شيئا حتّى يصل إلينا حقّنا».
    والكلام في مايجب فيه الخمس،وفي مستحقّيه وكيفيّةقسمته بينهم،وفي الأنفال.

    • القول فيما يجب فيه الخمس

       

      القول في ما يجب فيه الخمس

      يجب الخمس في سبعة أشياء:
      الأوّل: ما يُغتنم قهرا بل سرقةً وغيلةً - إذا كانتا في الحرب ومن شؤونه - من أهل الحرب الّذين يُستحلّ دماؤهم وأموالهم وسبي نسائهم وأطفالهم إذا كان الغزو معهم بإذن الإمام (عليه السلام)، من غير فرق بين ما حواه العسكر وما لم يحوه كالأرض ونحوها على الأصحّ. وأمّا ما اغتُنم بالغزو من غير إذنه: فإن كان في حال الحضور والتمكّن من الاستيذان منه فهو من الأنفال، وأمّا ما كان في حال الغيبة وعدم التمكّن من الاستيذان فالأقوى وجوب الخمس فيه، سيّما إذا كان للدعاء إلى الإسلام، وكذا ما اغتُنم منهم عند الدفاع إذا هجموا على المسلمين في أماكنهم ولو في زمن الغيبة، وما اغتُنم منهم بالسرقة والغيلة - غير ما مرّ - وكذا بالربا والدعوى الباطلة ونحوها، فالأحوط إخراج الخمس منها من حيث كونه غنيمةً لافائدةً، فلا يحتاج إلى مراعاة مؤونة السنة، ولكنّ الأقوى خلافه. ولا يعتبر في وجوب الخمس في الغنيمة بلوغها عشرين دينارا على الأصحّ. نعم، يعتبر فيه أن لايكون غصبا من مسلم أو ذمّيّ أو معاهد ونحوهم من محترمي المال؛ بخلاف ماكان في أيديهم من أهل الحرب وإن لم يكن الحرب معهم في تلك الغزوة. والأقوى إلحاق الناصب بأهل الحرب في إباحة ما اغتُنم منهم وتعلّق الخمس به، بل الظاهر جواز أخذ ماله أين وجد وبأيّ نحو كان ووجوبُ إخراج خمسه.
      الثاني: المعدن. والمرجع فيه العرف. ومنه الذهب، والفضّة، والرصاص، والحديد، والصفر، والزيبق، وأنواع الأحجار الكريمة، والقير، والنفط، والكبريت، والسبخ، والكحل، والزرنيخ، والملح، والفحم الحجريّ، بل والجصّ، والمغرة، وطين الغسل والأرمنيّ على الأحوط. وما شُكّ أنّه منه لايجب فيه الخمس من هذه الجهة. ويعتبر فيه بعد إخراج مؤونة الإخراج والتصفية بلوغه عشرين دينارا أو مائتي درهم عينا أو قيمةً على الأحوط. ولو اختلفا في القيمة يلاحظ أقلّهما على الأحوط؛ وتلاحظ القيمة حال الإخراج. والأحوط الأولى إخراجه من المعدن البالغ دينارا بل مطلقا، بل لاينبغي تركه. ولا يعتبر الإخراج دفعةً على الأقوى؛ فلو أخرج دفعات وبلغ المجموع النصاب وجب خمس المجموع، حتّى في ما لو أخرج أقلّ منه وأعرض ثمّ عاد وأكمله على الأحوط لولم يكن الأقوى. ولو اشترك جماعة في استخراجه فالأقوى اعتبار بلوغ نصيب كلّ واحد منهم النصاب وإن كان الأحوط إخراجه إذا بلغ المجموع ذلك. ولواشتمل معدن واحد على جنسين أو أزيد كفى بلوغ قيمة المجموع نصابا على الأقوى. ولو كانت معادن متعدّدة لايضمّ بعضها إلى بعض على الأقوى وإن كانت من جنس واحد. نعم، لو عدّت معدنا واحدا تخلّل بين أبعاضها الأجزاء الأرضيّة يضمّ بعض إلى بعض.
      مسألة 1 - لافرق في وجوب إخراج خمس المعدن بين كونه في أرض مباحة أو مملوكة وإن كان الأوّل لمن استنبطه والثاني لصاحب الأرض وإن أخرجه غيره؛ وحينئذٍ إن كان بأمر من مالكها يكون الخمس بعد استثناء المؤونة، ومنها اُجرة المخرج إن لم يكن متبرّعا، وإن لم يكن بأمره يكون المُخرَج له وعليه الخمس من دون استثناء المؤونة، لأنّه لم يصرف مؤونةً وليس عليه ما صرفه المخرج. ولو كان المعدن في الأرض المفتوحة عنوة: فإن كان في معمورتها حال الفتح الّتي هي للمسلمين وأخرجه أحد منهم ملكه، وعليه الخمس إن كان بإذن والي المسلمين، وإلّا فمحلّ إشكال، كما أنّه لو أخرجه غير المسلمين ففي تملّكه إشكال؛ وإن كان في مواتها حال الفتح يملكها المخرج، وعليه الخمس ولو كان كافرا كسائر الأراضي المباحة. ولو استنبط المعدن صبيّ أو مجنون تعلّق الخمس به على الأقوى ووجب على الوليّ إخراجه.
      مسألة 2 - قد مرّ أنّه لافرق في تعلّق الخمس بما خرج عن المعدن بين كون المخرج مسلما أو كافرا بتفصيل مرّ ذكره؛ فالمعادن الّتي يستخرجها الكفّار من الذهب والفضّة والحديد والنفط والفحم الحجريّ وغيرها يتعلّق بها الخمس، ومع بسط يد والي المسلمين يأخذه منهم؛ لكن إذا انتقل منهم الى الطائفة المحقّة لايجب عليهم تخميسها حتّى مع العلم بعدم التخميس، فإنّ الأئمّة: قد أباحوا لشيعتهم خمس الأموال غير المخمّسة المنتقلة إليهم ممّن لا يعتقد وجوب الخمس، كافرا كان أو مخالفا، معدنا كان المتعلّق أو غيره من ربح التجارة ونحوه. نعم، لووصل إليهم ممّن لايعتقد الوجوب في بعض أقسام ما يتعلّق به الخمس من الإماميّة - اجتهادا أو تقليدا - أو يعتقد عدم وجوبه مطلقا (بزعم أنّهم: أباحوه مطلقا لشيعتهم) ما يتعلّق به الخمس يجب عليهم التخميس مع عدم تخميسه. نعم، مع الشكّ في رأيه لايجب عليه الفحص ولا التخميس مع احتمال أدائه، ولكن مع العلم بمخالفة رأيهما فالأحوط بل الأقوى التجنّب حتّى يخمّس.
      الثالث: الكنز. والمرجع في تشخيص مسمّاه العرف؛ فإذا لم يعرف صاحبه سواء كان في بلاد الكفّار أو في الأرض الموات أو الخربة من بلاد الإسلام - سواء كان عليه أثر الإسلام أم لا - ففي جميع هذه الصور يكون ملكا لواجده وعليه الخمس. نعم، لو وجده في أرض مملوكة له - بابتياع ونحوه - عرّفه المالك قبله مع احتمال كونه له، وإن لم يعرفه عرّفه السابق إلى أن ينتهي إلى من لايعرفه أو لايحتمل أنّه له، فيكون له وعليه الخمس إذا بلغ عشرين دينارا في الذهب ومائتي درهم في الفضّة، وبأيّهما كان في غيرهما. ويلحق بالكنز على الأحوط ما يوجد في جوف الدابّة المشتراة مثلا، فيجب فيه بعد عدم معرفة البائع. ولا يعتبر فيه بلوغ النصاب، بل يلحق به أيضا على الأحوط ما يوجد في جوف السمكة، بل لا تعريف فيه للبائع إلّا في فرض نادر، بل الأحوط إلحاق غير السمكة والدابّة من الحيوان بهما.
      الرابع: الغوص؛ فكلّ ما يخرج به من الجواهر - مثل اللؤلؤ والمرجان وغيرهما ممّا يتعارف إخراجه بالغوص - يجب فيه الخمس إذا بلغ قيمته دينارا فصاعدا. ولا فرق بين اتّحاد النوع وعدمه، وبين الدفعة والدفعات، فيضمّ بعضها إلى بعض، فلو بلغ المجموع دينارا وجب الخمس. واشتراك جماعة في الإخراج هاهنا كالاشتراك في المعدن في الحكم.
      مسألة 3 - لو أخرج الجواهر من البحر ببعض الآلات من دون غوص يكون بحكمه على الأحوط. نعم، لو خرجت بنفسها على الساحل أو على وجه الماء فأخذها من غير غوص تدخل في أرباح المكاسب لا الغوص إذا كان شغله ذلك، فيعتبر فيها إخراج مؤونة السنة، ولا يعتبر فيها النصاب. وأمّا لو عثر عليها من باب الاتّفاق فتدخل في مطلق الفائدة ويجي ء حكمه.
      مسألة 4 - لافرق في ما يخرج بالغوص بين البحر والأنهار الكبيرة - كدجلة والفرات والنيل - إذا فرض تكوّن الجواهر فيها كالبحر.
      مسألة 5 - لو غرق شي ء في البحر وأعرض عنه مالكه فأخرجه الغوّاص ملكه؛ والأحوط إجراء حكم الغوص عليه إن كان من الجواهر، وأمّا غيرها فالأقوى عدمه.
      مسألة6- لو أخرج العنبر بالغوص جرى عليه حكمه، وإن اُخذ على وجه الماء أو الساحل فمن أرباح المكاسب إذا أخذه المشتغل بذلك، ومع العثور الاتّفاقيّ دخل في مطلق الفائدة.
      مسألة 7 - إنّما يجب الخمس في الغوص والمعدن والكنز بعد إخراج ما يغرمه على الحفر والسبك والغوص والآلات ونحو ذلك، بل الأقوى اعتبار النصاب بعد الإخراج.
      الخامس: ما يفضل عن مؤونة السنة له ولعياله من الصناعات والزراعات وأرباح التجارات، بل وسائر التكسّبات ولو بحيازة مباحات أو استنماءات أواستنتاجات أو ارتفاع قيم أو غير ذلك ممّا يدخل في مسمّى التكسّب. ولا ينبغي ترك الاحتياط بإخراج خمس كلّ فائدة وإن لم يدخل في مسمّى التكسّب، كالهبات والهدايا والجوائز والميراث الّذي لايحتسب؛ وكذا في ما يملك بالصدقة المندوبة، وإن كان عدم التعلّق بغير أرباح ما يدخل في مسمّى التكسّب لايخلو من قوّة؛ كما أنّ الأقوى عدم تعلّقه بمطلق الإرث والمهر وعوض الخلع، والاحتياط حسن. ولا خمس في ما ملك بالخمس أو الزكاة وإن زاد عن مؤونة السنة. نعم، يجب الخمس في نمائهما إذا قصد بإبقائهما الاسترباح والاستنماء لا مطلقا.
      مسألة 8 - لو كان عنده من الأعيان الّتي لم يتعلّق بها الخمس أو أدّى خمسها وارتفعت قيمتها السوقيّة لم يجب عليه خمس تلك الزيادة إن لم تكن الأعيان من مال التجارة ورأس مالها، كما إذا كان المقصود من شرائها وإبقائها اقتناءها والانتفاع بمنافعها ونمائها؛ وأمّا اذا كان المقصود الاتّجار بها فالظاهر وجوب خمس ارتفاع قيمتها بعد تمام السنة إن أمكن بيعها وأخذ قيمتها، وإن لم يمكن إلّا في السنة التالية تكون الزيادة من أرباح تلك السنة - لا الماضية - على الأظهر.
      مسألة 9- لو كان بعض الأموال الّتي يتّجربها وارتفعت قيمتها موجودا عنده في آخر السنة وبعضها دينا على الناس: فإن باع الموجود أو أمكن بيعه وأخذ قيمته يجب عليه خمس ربحه وزيادة قيمته، وأمّا الّذي على الناس فإن كان يطمئنّ باستحصاله متى أراد - بحيث يكون كالموجود عنده - يخمّس المقدار الزائد على رأس ماله، وما لا يطمئنّ باستحصاله يصبر إلى زمان تحصيله، فمتى حصّله تكون الزيادة من أرباح سنة التحصيل.
      مسألة 10 - الخمس في هذا القسم بعد إخراج الغرامات والمصارف الّتي تُصرف في تحصيل النماء والربح. وإنّما يتعلّق بالفاضل من مؤونة السنة الّتي أوّلها حال الشروع في التكسّب في من عمله التكسّب واستفادة الفوائد تدريجا يوما فيوما مثلاً، وفي غيره من حين حصول الربح والفائده؛ فالزارع مبدأ سنته حين حصول فائدة الزرع ووصولها بيده، وهو عند تصفية الغلّة؛ ومن كان عنده الأشجار المثمرة مبدأ سنته وقت اقتطاف الثمرة واجتذاذها. نعم، لو باع الزرع أو الثمار قبل ذلك يكون مبدأ سنته وقت أخذ ثمن المبيع أو كونه كالموجود بأن يستحصل بالمطالبة.
      مسألة 11 - المراد بالمؤونة ما ينفقه على نفسه وعياله الواجبي النفقة وغيرهم. ومنها ما يصرفه في زياراته وصدقاته وجوائزه وهداياه وضيافاته ومصانعاته والحقوق اللازمة عليه بنذر أو كفّارة ونحو ذلك، وما يحتاج إليه من دابّة أو جارية أو عبد أو دار أو فرش أو أثاث أو كتب، بل ما يحتاج إليه لتزويج أولاده واختتانهم ولموت عياله وغير ذلك مما يعدّ من احتياجاته العرفيّة. نعم، يعتبر في ما ذكر الاقتصار على اللائق بحاله دون ما يعدّ سفها وسرفا؛ فلو زاد على ذلك لا يحسب منها، بل الأحوط مراعاة الوسط من المؤونة المناسب لمثله، لاصرف غير اللائق بحاله وغير المتعارف من مثله، بل لايخلو لزومها من قوّة. نعم، التوسعة المتعارفة من مثله من المؤونة. والمراد من المؤونة ما يصرفه فعلا لا مقدارها؛ فلوقتّر على نفسه أو تبرّع بها متبرّع لم يحسب مقداره منها، بل لووجب عليه في أثناء السنة صرف المال في شي ء - كالحجّ أو أداء دين أو كفّارة ونحوها - ولم يصرف فيه عصيانا أو نسيانا ونحوه لم يحسب مقداره منها على الأقوى.
      مسألة 12 - لو كان له أنواع من الاستفادات من التجارة والزرع وعمل اليد وغير ذلك يلاحظ آخر السنة مجموع ما استفاده من الجميع، فيخمّس الفاضل عن مؤونة سنته، ولا يلزم أن يلاحظ لكلّ فائدة سنة على حدة.
      مسألة 13 - الأحوط بل الأقوى عدم احتساب رأس المال مع الحاجة إليه من المؤونة، فيجب عليه خمسه إذا كان من أرباح المكاسب، إلّا اذا احتاج إلى مجموعه في حفظ وجاهته أو إعاشته ممّا يليق بحاله، كما لو فرض أنّه مع إخراج خمسه يتنزّل إلى كسب لايليق بحاله أو لايفي بمؤونته؛ فإذا لم يكن عنده مال فاستفاد بإجارة أو غيرها مقدارا وأراد أن يجعله رأس ماله للتجارة ويتّجر به يجب عليه إخراج خمسه؛ وكذلك الحال في الملك الّذي يشتريه من الأرباح ليستفيد من عائداته.
      مسألة 14 - لو كان عنده أعيان من بستان أو حيوان - مثلا - ولم يتعلّق بها الخمس كما إذا انتقل إليه بالإرث أو تعلّق بها لكن أدّاه، فتارةً يبقيها للتكسّب بعينها، كالأشجار غير المثمرة الّتي لا ينتفع إلّا بخشبها وأغصانها فأبقاها للتكسّب بهما، وكالغنم الذكر الّذي يُبقيه ليكبر ويسمن فيكتسب بلحمه؛ واُخرى للتكسّب بنمائها المنفصل، كالأشجار المثمرة الّتي يكون المقصود الانتفاع بثمرها، وكالأغنام الاُنثى الّتي ينتفع بنتاجها ولبنها وصوفها؛ وثالثةً للتعيّش بنمائها وثمرها بأن كان لأكل عياله وأضيافه؛ أمّا في الصورة الاُولى فيتعلّق الخمس بنمائها المتّصل، فضلا عن المنفصل كالصوف والشعر والوبر؛ وفي الثانية لا يتعلّق بنمائها المتّصل، وإنّما يتعلّق بالمنفصل منه؛ كما أنّ في الثالثة يتعلّق بما زاد على ما صرفه في معيشته.
      مسألة 15 - لو اتّجر برأس ماله في السنة في نوع واحد من التجارة فباع واشترى مرارا فخسر في بعضها و ربح في بعض آخر يجبر الخسران بالربح، فإذا تساويا فلا ربح، وإذا زاد الربح فقد ربح في تلك الزيادة. وكذا لو اتّجر في أنواع مختلفة من الأجناس في مركز واحد ممّا تعارف الاتّجار بها فيه من غير استقلال كلّ برأسه كما هو المتعارف في كثير من البلاد والتجارات؛ بل وكذا لو اتّجر بالأنواع المختلفة في شعب كثيرة يجمعها مركز واحد، كما لو كان لتجارة واحدة بحسب الدفتر والجمع والخرج شعب كثيرة مختلفة، كلّ شعبة تختصّ بنوع تجمعها شعبة مركزيّة أو مركز واحد بحسب المحاسبات والدخل والخرج، كلّ ذلك يجبر خسران بعض بربح بعض. نعم، لو كان أنواع مختلفة من التجارة ومراكز متعدّدة غير مربوطة بعضها ببعض بحسب الخرج والدخل والدفتر والحساب فالظاهر عدم جبر نقص بعض بالآخر، بل يمكن أن يقال: إنّ المعيار استقلال التجارات لااختلاف أنواعها.
      مسألة 16 - لو اشترى لمؤونة سنته من أرباحه بعض الأشياء كالحنطة والشعير والدهن والفحم وغير ذلك وزاد منها مقدار في آخر السنة يجب إخراج خمسه قليلا كان أو كثيرا. وأمّا لو اشترى فرشا أو ظرفا أو فرسا ونحوها ممّا ينتفع بها مع بقاء عينها فالظاهر عدم وجوب الخمس فيها، إلّا إذا خرجت عن مورد الحاجة فيجب الخمس فيها على الأحوط.
      مسألة 17 - إذا احتاج إلى دار لسكناه - مثلا - ولا يمكنه شراؤها إلّا من أرباحه في سنين عديدة فالأقوى أنّه من المؤونة إن اشترى في كلّ سنة بعض مايحتاج إليه الدار، فاشترى في سنة أرضها مثلا، وفي اُخرى أحجارها، وفي ثالثة أخشابها وهكذا، أو اشترى - مثلاً - أرضها وأدّى من سنين عديدة قيمتها إذا لم يمكنه إلّا كذلك. وأمّا إبقاء الثمن في سنين للاشتراء فلا يعدّ من المؤونة، فيجب إخراج خمسه؛ كما أنّ جمع صوف غنمه من سنين عديدة لفراشه اللازم أو لباسه إذا لم يمكنه بغير ذلك يُعدّ من المؤونة على الأقوى؛ وكذلك اشتراء الجهيزيّة لصبيّته من أرباح السنين المتعدّدة في كلّ سنة مقدارها يعدّ من المؤونة، لا إبقاء الأثمان للاشتراء.
      مسألة 18 - لو مات في أثناء حول الربح سقط اعتبار إخراج مؤونة بقيّة السنة على فرض حياته، ويخرج خمس ما فضل عن مؤونته إلى زمان الموت.
      مسألة 19 - لو كان عنده مال آخر لايجب فيه الخمس فالأقوى جواز إخراج المؤونة من الربح خاصّة وإن كان الأحوط التوزيع؛ فلو قام بمؤونته غيره -لوجوب أو تبرّع- لم تُحسب المؤونة، ووجب الخمس من جميع الربح.
      مسألة 20 - لو استقرض في ابتداء سنته لمؤونته أو اشترى بعض ما يحتاج إليه في الذمّة أو صرف بعض رأس المال فيها قبل حصول الربح يجوز له وضع مقداره من الربح.
      مسألة 21 - الدين الحاصل قهرا - مثل قيم المتلفات واُروش الجنايات، ويلحق بها النذور والكفّارات - يكون أداؤه في كلّ سنة من مؤونة تلك السنة، فيوضع من فوائدها وأرباحها كسائر المُؤَن؛ وكذا الحاصل بالاستقراض والنسيئة وغيرذلك إن كان لأجل مؤونة السنوات السابقة إذا أدّاه في سنة الربح فإنّه من المؤونة على الأقوى، خصوصا إذا كانت تلك السنة وقت أدائه. وأمّا الدين الحاصل من الاستقراض عن وليّ الأمر من مال الخمس - المعبّر عنه ب'«دستگردان» - فلا يعدّ من المؤونة حتّى لو أدّاه في سنة الربح، أو كان زمان أدائه في تلك السنة وأدّاه، بل يجب تخميس الجميع ثمّ أداؤه من المخمّس، أو أداؤه واحتسابه حين أداء الخمس وردّ خمسه.
      مسألة 22 - لو استطاع في عام الربح: فإن مشى إلى الحجّ في تلك السنة يكون مصارفه من المؤونة، وإذا أخّر لعذر أو عصيانا يجب إخراج خمسه. ولو حصلت الاستطاعة من أرباح سنين متعدّدة وجب الخمس في ما سبق على عام الاستطاعة. وأمّا المقدار المتمّم لها في تلك السنة فلا خمس فيه لو صرفه في المشي إلى الحجّ. وقد مرّ جواز صرف ربح السنة في المؤونة، ولا يجب التوزيع بينه وبين غيره ممّا لايجب فيه الخمس، فيجوز صرف جميع ربح سنته في مصارف الحجّ وإبقاء أرباح السنوات السابقة المخمّسة لنفسه.
      مسألة 23 - الخمس متعلّق بالعين. وتخيير المالك بين دفعه منها أو من مال آخر لايخلو من إشكال وإن لايخلو من قرب إلّا في الحلال المختلط بالحرام، فلايترك الاحتياط فيه بإخراج خمس العين. وليس له أن ينقل الخمس إلى ذمّته ثمّ التصرّف في المال المتعلّق للخمس. نعم، يجوز للحاكم الشرعيّ ووكيله المأذون أن يصالح معه ونقل الخمس إلى ذمّته، فيجوز حينئذٍ التصرّف فيه؛ كما أنّ للحاكم المصالحة في المال المختلط بالحرام أيضا.
      مسألة 24 - لا يعتبر الحول في وجوب الخمس في الأرباح وغيرها وإن جاز التأخير إلى آخره في الأرباح احتياطا للمكتسب. ولو أراد التعجيل جاز له، وليس له الرجوع على الآخذ لو بان عدم الخمس مع تلف المأخوذ وعدم علمه بأنّه من باب التعجيل.
      السادس: الأرض الّتي اشتراها الذمّيّ من مسلم، فإنّه يجب على الذمّيّ خمسها. ويؤخذ منه قهرا إن لم يدفعه بالاختيار. ولا فرق بين كونها أرض مزرع أو بستان أو دار أو حمّام أو دكّان أو خان أو غيرها مع تعلّق البيع والشراء بأرضها مستقلّاً؛ ولو تعلّق بها تبعا بأن كان المبيع دارا أو حمّاما - مثلا - فالأقوى عدم التعلّق بأرضه. وهل يختصّ وجوب الخمس بما إذا انتقلت إليه بالشراء أو يعمّ سائر المعاوضات؟ فيه تردّد، والأحوط اشتراط أداء مقدار خمس الأرض عليه في عقد المعاوضة، لنفوذه في مورد عدم ثبوته. ولا يصحّ اشتراط سقوطه في مورد ثبوته؛ فلو اشترط الذمّيّ في ضمن عقد المعاوضة مع المسلم عدم الخمس أو كونه على البائع بطل. نعم، لو اشترط عليه أن يعطي مقداره عنه صحّ. ولو باعها من ذمّيّ آخر أو مسلم لم يسقط عنه الخمس بذلك، كما لا يسقط لو أسلم بعد الشراء. ومصرف هذا الخمس كغيره على الأصحّ. نعم، لانصاب له، ولانيّة حتّى على الحاكم، لاحين الأخذ ولا حين الدفع على الأصحّ.
      مسألة 25 - إنّما يتعلّق الخمس برقبة الأرض. والكلام في تخييره كالكلام فيه على ما مرّ قريبا. ولو كانت مشغولةً بالغرس أو البناء - مثلا - ليس لوليّ الخمس قلعه، وعليه اُجرة حصّة الخمس لو بقيت متعلّقةً له. ولو أراد دفع القيمة في الأرض المشغولة بالزرع أو الغرس أو البناء تقوّم مع وصف كونها مشغولةً بها بالاُجرة، فيؤخذ خمسها.
      مسألة 26 - لو اشترى الذمّيّ الأرض المفتوحة عنوة: فإن بيعت بنفسها في مورد صحّ بيعها كذلك - كما لو باعها وليّ المسلمين في مصالحهم - فلا إشكال في وجوب الخمس عليه، وأمّا إذا بيعت تبعا للآثار في ما كانت فيها آثار من غرس أو بناء وكذا في ما إذا انتقلت إليه الأرض الزراعيّة بالشراء من المسلم المتقبّل من الحكومة - الّذي مرجعه إلى تملّك حقّ الاختصاص الّذي كان للمتقبّل - فالأقوى عدم الخمس وإن كان الأحوط اشتراط دفع مقدار الخمس إلى أهله عليه.
      مسألة 27 - إذا اشترى الذمّيّ من وليّ الخمس الخمس الّذي وجب عليه بالشراء وجب عليه خمس ذلك الّذي اشتراه وهكذا على الأحوط، وإن كان الأقوى عدمه في ما إذا قوّمت الأرض الّتي تعلّق بها الخمس وأدّى قيمتها. نعم، لوردّالأرض إلى صاحب الخمس أو وليّه ثمّ بدا له اشتراؤها فالظاهر تعلّقه بها.
      السابع: الحلال المختلط بالحرام مع عدم تميّز صاحبه أصلا ولو في عدد محصور وعدم العلم بقدره كذلك، فإنّه يخرج منه الخمس حينئذٍ. أمّا لو علم قدر المال فإن علم صاحبه دفعه إليه ولا خمس، بل لو علمه في عدد محصور فالأحوط التخلّص منهم، فإن لم يمكن فالأقوى الرجوع إلى القرعة. ولو جهل صاحبه أو كان في عدد غير محصور تصدّق بإذن الحاكم - على الأحوط - على من شاء ما لم يظنّه بالخصوص، وإلّا فلايترك الاحتياط بالتصدّق به عليه إن كان محلّاً له. نعم، لا يجدي ظنّه بالخصوص في المحصور. ولو علم المالك وجهل بالمقدار تخلّص منه بالصلح. ومصرف هذا الخمس كمصرف غيره على الأصحّ.
      مسألة 28 - لو علم أنّ مقدار الحرام أزيد من الخمس ولم يعلم مقداره فالظاهر كفاية إخراج الخمس في تحليل المال وتطهيره، إلّا أنّ الأحوط - مع إخراج الخمس- المصالحةُ عن الحرام مع الحاكم الشرعيّ بما يرتفع به اليقين بالاشتغال وإجراءُ حكم مجهول المالك عليه، وأحوط منه تسليم المقدار المتيقّن إلى الحاكم والمصالحة معه في المشكوك فيه، ويحتاط الحاكم بتطبيقه على المصرفين.
      مسألة 29 - لو كان حقّ الغير في ذمّته لافي عين ماله لا محلّ للخمس. بل حينئذٍ لو علم مقداره ولم يعلم صاحبه حتّى في عدد محصور تصدّق بذلك المقدار عن صاحبه بإذن الحاكم الشرعيّ أو دفعه إليه. وإن علم صاحبه في عدد محصور فالأقوى الرجوع إلى القرعة. وإذا لم يعلم مقداره وتردّد بين الأقلّ والأكثر أخذ بالأقلّ ودفعه إلى مالكه لو كان معلوما بعينه. وإن كان مردّدا بين محصور فحكمه كما مرّ. ولو كان مجهولا أو معلوما في غير محصور تصدّق به كما مرّ، والأحوط حينئذٍ المصالحة مع الحاكم بمقدار متوسّط بين الأقلّ والأكثر، فيعامل معه معاملة معلوم المقدار.
      مسألة 30 - لو كان الحرام المختلط بالحلال من الخمس أو الزكاة أو الوقف الخاصّ أو العامّ فهو كمعلوم المالك، ولا يجزيه إخراج الخمس.
      مسألة 31 - لو كان الحلال الّذي في المختلط ممّا تعلّق به الخمس وجب عليه بعد تخميس التحليل خمس آخر للمال الحلال الّذي فيه، وله الاكتفاء بإخراج خمس القدر المتيقّن من الحلال إن كان أقلّ من خمس البقيّة بعد تخميس التحليل، وبخمس البقيّة إن كان بمقداره أو أكثر على الأقوى. والأحوط المصالحة مع الحاكم في موارد الدوران بين الأقلّ والأكثر.
      مسألة 32 - لو تبيّن المالك بعد إخراج الخمس ضمنه؛ فعليه غرامته له على الأحوط. ولو علم بعد إخراج الخمس أنّ الحرام أقلّ منه لايستردّ الزائد. ولو علم أنّه أزيد منه فالأحوط التصدّق بالزائد وإن كان الأقوى عدم وجوبه لو لم يعلم مقدار الزيادة.
      مسألة 33 - لو تصرّف في المال المختلط بالحرام بالإتلاف قبل إخراج الخمس تعلّق الحرام بذمّته؛ والظاهر سقوط الخمس، فيجري عليه حكم ردّالمظالم، وهو وجوب التصدّق. والأحوط الاستيذان من الحاكم، كما أنّ الأحوط دفع مقدار الخمس إلى الهاشميّ بقصد ما في الذمّة بإذن الحاكم. ولو تصرّف فيه بمثل البيع يكون فضوليّا بالنسبة إلى الحرام المجهول المقدار، فإن أمضاه الحاكم يصير العوض - إن كان مقبوضا - متعلّقا للخمس، لصيرورته من المختلط بالحرام الّذي لايعلم مقداره ولم يعرف صاحبه، ويكون المعوّض بتمامه ملكا للمشتري، وإن لم يمضه يكون العوض المقبوض من المختلط بالحرام الّذي جهل مقداره وعلم صاحبه، فيجري عليه حكمه؛ وأمّا المعوّض فهو باقٍ على حكمه السابق، فيجب تخميسه. ولوليّ الخمس الرجوع إلى البائع، كما أنّ له الرجوع إلى المشتري بعد قبضه.

    • القول في قسمته ومستحقيه

       

      القول في قسمته ومستحقّيه

      مسألة 1 - يقسّم الخمس ستّة أسهم: سهم للّه تعالى، وسهم للنبي(صلى الله عليه وآله وسلم) ، وسهم للإمام(عليه السلام)، وهذه الثلاثة الآن لصاحب الأمر أرواحنا له الفداء وعجّل اللّه تعالى فرجه، وثلاثة للأيتام والمساكين وأبناءالسبيل ممّن انتسب بالأب إلى عبدالمطّلب؛ فلو انتسب إليه بالاُمّ لم يحلّ له الخمس، وحلّت له الصدقة على الأصحّ.
      مسألة ۲ - يعتبر الإيمان أو ما في حكمه في جميع مستحقّي الخمس. ولا يعتبر العدالة على الأصحّ. والأحوط عدم الدفع إلى المتهتّك المتجاهر بالكبائر، بل يقوى عدم الجواز إن كان في الدفع إعانة على الإثم والعدوان وإغراء بالقبيح وفي المنع ردعٌ عنه. والأولى ملاحظة المرجّحات في الأفراد.
      مسألة 3 - الأقوى اعتبار الفقر في اليتامى، أمّا ابن السبيل - أي المسافر في غيرمعصية - فلا يعتبر فيه في بلده. نعم، يعتبر الحاجة في بلد التسليم وإن كان غنيّا في بلده، كما مرّ في الزكاة.
      مسألة 4 - الأحوط إن لم يكن الأقوى عدم دفع من عليه الخمس إلى من تجب نفقته عليه، سيّما زوجته إذا كان للنفقة؛ أمّا دفعه إليه لغير ذلك ممّا يحتاج إليه ولم يكن واجبا عليه فلابأس، كما لابأس بدفع خمس غيره إليه ولو للإنفاق حتّى الزوجة المعسر زوجها.
      مسألة 5 - لا يصدّق مدّعي السيادة بمجرّد دعواه. نعم، يكفي في ثبوتها كونه معروفا ومشتهرا بها في بلده من دون نكير من أحد. ويمكن الاحتيال في الدفع إلى مجهول الحال - بعد إحراز عدالته - بالدفع إليه بعنوان التوكيل في الإيصال إلى مستحقّه أيّ شخص كان حتّى الآخذ، ولكنّ الأولى عدم إعمال هذه الحيلة.
      مسألة 6 - الأحوط عدم دفع الخمس إلى المستحقّ أزيد من مؤونة سنته ولو دفعةً، كما أنّ الأحوط له عدم أخذه.
      مسألة 7 - النصف من الخمس الّذي للأصناف الثلاثة المتقدّمة أمره بيد الحاكم على الأقوى، فلابدّ إمّا من الإيصال إليه أو الصرف بإذنه وأمره؛ كما أنّ النصف الّذي للإمام (عليه السلام) أمره راجع إلى الحاكم، فلابدّ من الإيصال إليه حتّى يصرفه في ما يكون مصرفه بحسب نظره وفتواه، أو الصرف بإذنه في ما عيّن له من المصرف. ويشكل دفعه إلى غير من يقلّده إلّا إذا كان المصرف عنده هو المصرف عند مقلّده كمّا وكيفا، أو يعمل على طبق نظره.
      مسألة 8 - الأقوى جواز نقل الخمس إلى بلد آخر، بل ربما يترجّح عند وجود بعض المرجّحات حتّى مع وجود المستحقّ في البلد وإن ضمن حينئذٍ لو تلف في الطريق أو البلد المنتقل إليه؛ بخلاف ما إذا لم يوجد فيه المستحقّ فإنّه لاضمان عليه، وكذا لو كان النقل بإذن المجتهد وأمره فإنّه لاضمان عليه حينئذٍ حتّى مع وجود المستحقّ في البلد. وربما وجب النقل لو لم يوجد المستحقّ في البلد ولم يتوقّع وجوده بعدُ، أو أمر المقلّد بالنقل. وليس من النقل لو كان له دين على من في بلد آخر فاحتسبه مع إذن الحاكم الشرعيّ.
      مسألة 9 - لو كان المجتهد الجامع للشرائط في غير بلد الخمس يتعيّن نقل حصّة الإمام (عليه السلام) إليه، أو الاستيذان منه في صرفها في بلده، بل الأقوى جواز ذلك لو وجد المجتهد في بلده أيضا، لكنّه ضامن إلّا إذا تعيّن عليه النقل؛ بل الأولى والأحوط النقل إذا كان من في البلد الآخر أفضل أو كان هنا بعض المرجّحات. ولو كان المجتهد الّذي في البلد الآخر مقلّده يتعيّن النقل إليه، إلّا إذا أذن في صرفه في البلد، أو كان المصرف في نظر مجتهد بلده موافقا مع نظر مقلّده، أو كان يعمل على طبق نظره.
      مسألة 10 - يجوز للمالك أن يدفع الخمس من مال آخر وإن كان عروضا، ولكنّ الأحوط أن يكون ذلك بإذن المجتهد حتّى في سهم السادات.
      مسألة 11 - إذا كان في ذمّة المستحقّ دين جاز له احتسابه خمسا مع إذن الحاكم على الأحوط لو لم يكن الأقوى، كما أنّ احتساب حقّ الإمام (عليه السلام) موكول إلى نظر الحاكم.
      مسألة 12 - لايجوز للمستحقّ أن يأخذ من باب الخمس ويردّه على المالك إلّا في بعض الأحوال، كما إذا كان عليه مبلغ كثير ولم يقدر على أدائه - بأن صار معسرا لايرجى زواله - وأراد تفريغ ذمّته، فلا مانع حينئذٍ منه لذلك.
      مسألة 13 - لو انتقل إلى شخص مال فيه الخمس ممّن لايعتقد وجوبه - كالكفّار والمخالفين - لايجب عليه إخراجه كما مرّ، سواء كان من ربح تجارة أو معدن أو غير ذلك، وسواء كان من المناكح والمساكن والمتاجر أو غيرها، فإنّ أئمّة المسلمين: قد أباحوا ذلك لشيعتهم، كما أباحوا لهم في أزمنة عدم بسط أيديهم تقبّل الأراضي الخراجيّة من يد الجائر، والمقاسمة معه، وعطاياه في الجملة، وأخذ الخراج منه، وغير ذلك ممّا يصل إليهم منه ومن أتباعه. وبالجملة: نزّلوا الجائر منزلتهم، وأمضوا أفعاله بالنسبة إلى ما يكون محلّ الابتلاء للشيعة، صونا لهم عن الوقوع في الحرام والعسر والحرج.

    • القول في الانفال

       

      القول في الأنفال

      وهي ما يستحقّه الإمام (علیه السلام) على جهة الخصوص لمنصب إمامته، كما كان للنبي (صلى الله علیه وآله وسلم) لرئاسته الإلهيّة.
      وهي اُمور:
      منها: كلّ ما لم يوجف عليها بخيل وركاب، أرضا كانت أو غيرها، انجلى عنها أهلها أو سلّموها للمسلمين طوعا.
      ومنها: الأرض الموات الّتي لا ينتفع بها إلّا بتعميرها وإصلاحها، لاستيجامها أو لانقطاع الماء عنها أو لاستيلائه عليها أو لغير ذلك، سواء لم يجر عليها ملك لأحد كالمفاوز أو جرى ولكن قد باد ولم يُعرف الآن. ويلحق بها القرى الّتي قدجلى أهلها فخربت - كبابل والكوفة ونحوهما - فهي من الأنفال بأرضهإ؛ب ا ظظ وآثارها كالأحجار ونحوها. والموات الواقعة في الأرض المفتوحة عنوةً كغيرها على الأقوى. نعم، ما علم أنّها كانت معمورةً حال الفتح فعرض لها الموتان بعد ذلك ففي كونها من الأنفال أو باقيةً على ملك المسلمين كالمعمورة فعلا تردّد وإشكال، لا يخلو ثانيهما من رجحان.
      ومنها: أسياف البحار وشطوط الأنهار، بل كلّ أرض لا ربّ لها على إشكال في إطلاقه وإن لايخلو من قرب وإن لم تكن مواتا بل كانت قابلةً للانتفاع بها من غير كلفة، كالجزائر الّتي تخرج في دجلة والفرات ونحوهما.
      ومنها: رؤوس الجبال وما يكون بها من النبات والأشجار والأحجار ونحوها، وبطون الأودية، والآجام - وهي الأراضي الملتفّة بالقصب والأشجار- من غير فرق في هذه الثلاثة بين ما كان في أرض الإمام(عليه السلام) أو المفتوحة عنوةً أو غيرهما. نعم، ما كان ملكا لشخص ثمّ صار أجمةً - مثلا - فهو باقٍ على ما كان.
      ومنها: ما كان للملوك من قطائع وصفايا.
      ومنها: صفو الغنيمة، كفرس جواد، وثوب مرتفع، وسيف قاطع، ودرع فاخر، ونحو ذلك.
      ومنها: الغنائم الّتي ليست بإذن الإمام (عليه السلام).
      ومنها: إرث من لا وارث له.
      ومنها: المعادن الّتي لم تكن لمالك خاصّ تبعا للأرض أو بالإحياء.
      مسألة - الظاهر إباحة جميع الأنفال للشيعة في زمن الغيبة على وجه يجري عليها حكم الملك، من غير فرق بين الغنيّ منهم والفقير، إلّا في إرث من لا وارث له، فإنّ الأحوط لو لم يكن الأقوى اعتبار الفقر فيه، بل الأحوط تقسيمه على فقراء بلده؛ والأقوى إيصاله إلى الحاكم الشرعيّ؛ كما أنّ الأقوى حصول الملك لغير الشيعيّ أيضا بحيازة ما في الأنفال من العشب والحشيش والحطب وغيرها، بل وحصول الملك لهم أيضا للموات بسبب الإحياء كالشيعيّ.

  • كتاب الحج
  •  

    كتاب الحجّ

    وهو من أركان الدين، وتركه من الكبائر. وهو واجب على كلّ من استجمع الشرائط الآتية.
    مسألة 1 - لايجب الحجّ طول العمر في أصل الشرع إلّا مرّة واحدة. ووجوبه مع تحقّق شرائطه فوريّ، بمعنى وجوب المبادرة إليه في العام الأوّل من الاستطاعة، ولا يجوز تأخيره، وإن تركه فيه ففي الثاني وهكذا.
    مسألة 2 - لو توقّف إدراكه على مقدّمات بعد حصول الاستطاعة - من السفر وتهيئة أسبابه - وجب تحصيلها على وجه يدركه في ذلك العام. ولو تعدّدت الرفقة وتمكّن من المسير بنحو يدركه مع كلّ منهم فهو بالتخيير، والأولى اختيار أوثقهم سلامةً وإدراكا؛ ولو وجدت واحدة ولم يكن له محذور في الخروج معها لايجوز التأخير إلّا مع الوثوق بحصول اُخرى.
    مسألة 3 - لو لم يخرج مع الاُولى مع تعدّد الرفقة في المسألة السابقة أو مع وحدتها واتّفق عدم التمكّن من المسير أو عدم إدراك الحجّ بسبب التأخير استقرّ عليه الحجّ وإن لم يكن آثماً. نعم، لو تبيّن عدم إدراكه لو سار معهم أيضا لم يستقرّ، بل وكذا لو لم يتبيّن إدراكه لم يحكم بالاستقرار.

    • في حكم الحج
      • القول في شرائط وجوب حجة الاسلام

         

        القول في شرائط وجوب حجّةالإسلام

        وهي اُمور:
        أحدها: الكمال بالبلوغ والعقل؛ فلا يجب على الصبيّ وإن كان مراهقا، ولاعلى المجنون وإن كان إدواريّا إن لم يف دور إفاقته بإتيان تمام الأعمال مع مقدّماتها غير الحاصلة. ولو حجّ الصبيّ المميّز صحّ لكن لم يجز عن حجّةالإسلام وإن كان واجدا لجميع الشرائط عدا البلوغ. والأقوى عدم اشتراط صحّة حجّه بإذن الوليّ وإن وجب الاستيذان في بعض الصور.
        مسألة 1 - يستحبّ للوليّ أن يُحرم بالصبيّ غير المميّز فيجعله محرما ويلبسه ثوبي الإحرام، وينوي عنه، ويلقّنه التلبية إن أمكن، وإلّا يلبّي عنه، ويجنّبه عن محرّمات الإحرام، ويأمره بكلّ من أفعاله، وإن لم يتمكّن شيئا منها ينوب عنه، ويطوف به، ويسعى به، ويقف به في عرفات ومشعر ومنى، ويأمره بالرمي، ولو لم يتمكّن يرمي عنه، ويأمره بالوضوء وصلاة الطواف، وإن لم يقدر يصلّي عنه وإن كان الأحوط إتيان الطفل صورة الوضوء والصلاة أيضا، وأحوط منه توضّؤه لو لم يتمكّن من إتيان صورته.
        مسألة 2 - لايلزم أن يكون الوليّ محرما في الإحرام بالصبيّ ، بل يجوز ذلك وإن كان مُحلّاً.
        مسألة 3 - الأحوط أن يقتصر في الإحرام بغير المميّز على الوليّ الشرعيّ: من الأب والجدّ والوصيّ لأحدهما والحاكم وأمينه أو الوكيل منهم والاُمّ وإن لم تكن وليّا. والإسراء إلى غير الوليّ الشرعيّ - ممّن يتولّى أمر الصبيّ ويتكفّله- مشكل وإن لايخلو من قرب.
        مسألة 4 - النفقة الزائدة على نفقة الحضر على الوليّ، لا من مال الصبيّ إلّا إذاكان حفظه موقوفا على السفر به، فمؤونة أصل السفر حينئذٍ على الطفل، لامؤونة الحجّ به لو كانت زائدةً.
        مسألة 5 - الهدي على الوليّ، وكذا كفّارة الصيد، وكذا سائر الكفّارات على الأحوط.
        مسألة 6 - لو حجّ الصبيّ المميّز وأدرك المشعر بالغا والمجنون وعقل قبل المشعر يجزيهما عن حجّة الإسلام على الأقوى وإن كان الأحوط الإعادة بعدذلك مع الاستطاعة.
        مسألة 7 - لو مشى الصبيّ إلى الحجّ فبلغ قبل أن يحرم من الميقات وكان مستطيعا ولو من ذلك الموضع فحجّه حجّة الإسلام.
        مسألة 8 - لو حجّ ندبا باعتقاد أنّه غير بالغ فبان بعد الحجّ خلافه أو باعتقاد عدم الاستطاعة فبان خلافه لايجزي عن حجّة الإسلام على الأقوى، إلّا إذا أمكن الاشتباه في التطبيق.
        ثانيها: الحرّيّة.
        ثالثها: الاستطاعة من حيث المال، وصحّة البدن وقوّته، وتخلية السرب وسلامته، وسعة الوقت وكفايته.
        مسألة 9 - لا تكفي القدرة العقليّة في وجوبه؛ بل يشترط فيه الاستطاعة الشرعيّة، وهي الزاد والراحلة وسائر ما يعتبر فيها؛ ومع فقدها لايجب ولا يكفي عن حجّة الإسلام، من غير فرق بين القادر عليه بالمشي مع الاكتساب بين الطريق وغيره، كان ذلك مخالفا لزيّه وشرفه أم لا، ومن غير فرق بين القريب والبعيد.
        مسألة 10 - لايشترط وجود الزاد والراحلة عنده عينا، بل يكفي وجود مايمكن صرفه في تحصيلها من المال، نقدا كان أو غيره من العروض.
        مسألة 11 - المراد من الزاد والراحلة ما هو المحتاج إليه في السفر بحسب حاله قوّةً وضعفا وشرفا وضعةً. ولا يكفي ما هو دون ذلك. وكلّ ذلك موكول إلى العرف. ولو تكلّف بالحجّ مع عدم ذلك لايكفي عن حجّة الإسلام؛ كما أنّه لو كان كسوبا قادرا على تحصيلهما في الطريق لا يجب ولا يكفي عنها.
        مسألة 12 - لايعتبر الاستطاعة من بلده ووطنه؛ فلو استطاع العراقيّ أو الإيرانيّ وهو في الشام أو الحجاز وجب وإن لم يستطع من وطنه؛ بل لو مشى إلى قبل الميقات متسكّعا أو لحاجة وكان هناك جامعا لشرائط الحجّ وجب، ويكفي عن حجّةالإسلام؛ بل لو أحرم متسكّعا فاستطاع وكان أمامه ميقات آخر يمكن القول بوجوبه وإن لا يخلو من إشكال.
        مسألة 13 - لو وُجد مركب كسيّارة أو طيّارة ولم يوجد شريك للركوب: فإن لم يتمكّن من اُجرته لم يجب عليه، وإلّا وجب إلّا أن يكون حرجيّا عليه. وكذا الحال في غلاء الأسعار في تلك السنة، أو عدم وجود الزاد والراحلة إلّا بالزيادة عن ثمن المثل، أو توقّف السير على بيع أملاكه بأقلّ منه.
        مسألة 14 - يعتبر في وجوب الحجّ وجود نفقة العود إلى وطنه إن أراده، أو إلى ما أراد التوقّف فيه بشرط أن لاتكون نفقة العود إليه أزيد من العود إلى وطنه إلّا إذا ألجأته الضرورة إلى السكنى فيه.
        مسألة 15 - يعتبر في وجوبه وجدان نفقة الذهاب والإياب زائدا عمّا يحتاج إليه في ضروريّات معاشه؛ فلا تباع دار سكناه اللائقة بحاله، ولا ثياب تجمّله، ولاأثاث بيته، ولا آلات صناعته، ولا فرس ركوبه أو سيّارة ركوبه، ولا سائر مايحتاج إليه بحسب حاله وزيّه وشرفه، بل ولا كتبه العلميّة المحتاج إليها في تحصيل العلم، سواء كانت من العلوم الدينيّة، أو من العلوم المباحة المحتاج إليها في معاشه وغيره. ولا يعتبر في شي ء منها الحاجة الفعليّة. ولو فرض وجود المذكورات أو شي ء منها بيده من غير طريق الملك - كالوقف ونحوه - وجب بيعها للحجّ بشرط كون ذلك غير مناف لشأنه ولم يكن المذكورات في معرض الزوال.
        مسألة 16 - لو لم يكن المذكورات زائدةً على شأنه عينا لاقيمةً يجب تبديلها وصرف قيمتها في مؤونة الحجّ أو تتميمها، بشرط عدم كونه حرجا ونقصا ومهانةً عليه وكانت الزيادة بمقدار المؤونة أو متمّمةً لها ولو كانت قليلةً.
        مسألة 17 - لو لم يكن عنده من أعيان ما يحتاج إليه في ضروريّات معاشه وتكسّبه وكان عنده من النقود ونحوها ما يمكن شراؤها يجوز صرفها في ذلك، من غير فرق بين كون النقد عنده ابتداءً أو بالبيع بقصد التبديل أو لابقصده، بل لو صرفها في الحجّ ففي كفاية حجّه عن حجّة الإسلام إشكال بل منع. ولو كان عنده ما يكفيه للحجّ ونازعته نفسه للنكاح جاز صرفه فيه بشرط كونه ضروريّا بالنسبة إليه، إمّا لكون تركه مشقّةً عليه، أو موجبا لضرر، أو موجبا للخوف في وقوع الحرام، أو كان تركه نقصا ومهانةً عليه. ولو كانت عنده زوجة ولا يحتاج إليها وأمكنه طلاقها وصرف نفقتها في الحجّ لا يجب ولا يستطيع.
        مسألة 18 - لو لم يكن عنده ما يحجّ به ولكن كان له دين على شخص بمقدار مؤونته أو تتميمها يجب اقتضاؤه إن كان حالّاً ولو بالرجوع إلى حاكم الجور مع فقد حاكم الشرع أو عدم بسط يده. نعم، لوكان الاقتضاء حرجيّا أو المديون معسرا لم يجب؛ وكذا لو لم يمكن إثبات الدين. ولو كان مؤجّلا والمديون باذلا يجب أخذه وصرفه فيه؛ ولا يجب في هذه الصورة مطالبته وإن علم بأدائه لو طالبه. ولو كان غير مستطيع وأمكنه الاقتراض للحجّ والأداء بعده بسهولة لم يجب ولا يكفي عن حجّة الإسلام. وكذا لو كان له مال غائب لايمكن صرفه في الحجّ فعلا أو مال حاضر كذلك أو دين مؤجّل لا يبذله المديون قبل أجله لايجب الاستقراض والصرف في الحجّ، بل كفايته على فرضه عن حجّة الإسلام مشكل بل ممنوع.
        مسألة 19 - لو كان عنده ما يكفيه للحجّ وكان عليه دين فإن كان مؤجّلا وكان مطمئنّا بتمكّنه من أدائه زمان حلوله - مع صرف ما عنده - وجب، بل لايبعدوجوبه مع التعجيل ورضا دائنه بالتأخير مع الوثوق بإمكان الأداء عند المطالبة، وفي غير هاتين الصورتين لايجب. ولا فرق في الدين بين حصوله قبل الاستطاعة أو بعدها، بأن تلف مال الغير على وجه الضمان عنده بعدها. وإن كان عليه خمس أو زكاة وكان عنده ما يكفيه للحجّ لولا هما فحالهما حال الدين مع المطالبة، فلا يكون مستطيعا. والدين المؤجّل بأجل طويل جدّا -كخمسين سنة- وما هو مبنيّ على المسامحة وعدم الأخذ رأسا وما هو مبنيّ على الإبراء مع الاطمينان بذلك لم يمنع عن الاستطاعة.
        مسألة 20 - لو شكّ في أنّ ماله وصل إلى حدّ الاستطاعة أو علم مقداره وشكّ في مقدار مصرف الحجّ وأنّه يكفيه يجب عليه الفحص على الأحوط.
        مسألة 21 - لو كان ما بيده بمقدار الحجّ وله مال لو كان باقيا يكفيه في رواج أمره بعد العود وشكّ في بقائه فالظاهر وجوب الحجّ، كان المال حاضرا عنده أو غائبا.
        مسألة 22 - لو كان عنده ما يكفيه للحجّ فإن لم يتمكّن من المسير لأجل عدم الصحّة في البدن أو عدم تخلية السرب فالأقوى جواز التصرّف فيه بما يخرجه عن الاستطاعة، وإن كان لأجل عدم تهيئة الأسباب أو فقدان الرفقة فلا يجوز مع احتمال الحصول فضلا عن العلم به؛ وكذا لايجوز التصرّف قبل مجي ء وقت الحجّ؛ فلو تصرّف استقرّ عليه لو فرض رفع العذر في ما بعد في الفرض الأوّل وبقاء الشرائط في الثاني. والظاهر جواز التصرّف لو لم يتمكّن في هذا العام. وإن علم بتمكّنه في العام القابل فلا يجب إبقاء المال إلى السنين القابلة.
        مسألة 23 - إن كان له مال غائب بقدر الاستطاعة وحده أو مع غيره وتمكّن من التصرّف فيه ولو بالتوكيل يكون مستطيعا، وإلّا فلا؛ فلو تلف في الصورة الاُولى بعد مضيّ الموسم أو كان التلف بتقصير منه ولو قبل أوان خروج الرفقة استقرّ عليه الحجّ على الأقوى. وكذا الحال لو مات مورّثه وهو في بلد آخر.
        مسألة 24 - لو وصل ماله بقدر الاستطاعة وكان جاهلا به أو غافلاً عن وجوب الحجّ عليه ثمّ تذكّر بعد تلفه بتقصير منه ولو قبل أوان خروج الرفقة أو تلف ولو بلاتقصير منه بعد مضيّ الموسم استقرّ عليه مع حصول سائرالشرائط حال وجوده.
        مسألة 25 - لو اعتقد أنّه غير مستطيع فحجّ ندبا: فإن أمكن فيه الاشتباه في التطبيق صحّ وأجزأ عن حجّة الإسلام، لكن حصوله مع العلم والالتفات بالحكم والموضوع مشكل؛ وإن قصد الأمر الندبيّ على وجه التقييد لم يجز عنه، وفي صحّة حجّه تأمّل. وكذا لو علم باستطاعته ثمّ غفل عنها. ولو تخيّل عدم فوريّته فقصد الندب لايجزي، وفي صحّته تأمّل.
        مسألة 26 - لايكفي في وجوب الحجّ الملك المتزلزل، كما لو صالحه شخص بشرط الخيار إلى مدّة معيّنة، إلّا إذا كان واثقا بعدم فسخه، لكن لو فرض فسخه يكشف عن عدم استطاعته.
        مسألة 27 - لو تلفت بعد تمام الأعمال مؤونة عوده إلى وطنه أو تلف ما به الكفاية من ماله في وطنه بناءً على اعتبار الرجوع إلى الكفاية في الاستطاعة لايجزيه عن حجّة الإسلام، فضلا عمّا لو تلف قبل تمامها، سيّما إذا لم يكن له مؤونة الإتمام.
        مسألة 28 - لو حصلت الاستطاعة بالإباحة اللازمة وجب الحجّ. ولو اُوصي له بما يكفيه له فلا يجب عليه بمجرّد موت الموصي، كما لا يجب عليه القبول.
        مسألة 29 - لو نذر قبل حصول الاستطاعة زيارة أبي عبداللّه الحسين(عليه السلام) -مثلا- في كلّ عرفة فاستطاع يجب عليه الحجّ بلا إشكال؛ وكذا الحال لو نذر أو عاهد -مثلا- بما يضادّ الحجّ. ولو زاحم الحجّ واجب أو استلزمه فعل حرام يلاحظ الأهمّ عند الشارع الأقدس.
        مسألة 30 - لو لم يكن له زاد وراحلة ولكن قيل له: «حجّ وعليّ نفقتك ونفقة عيالك» أو قال: «حجّ بهذا المال» وكان كافيا لذهابه وإيابه ولعياله وجب عليه، من غير فرق بين تمليكه للحجّ أو إباحته له، ولا بين بذل العين أو الثمن، ولا بين وجوب البذل وعدمه، ولا بين كون الباذل واحدا أو متعدّدا. نعم، يعتبر الوثوق بعدم رجوع الباذل. ولو كان عنده بعض النفقة فبذل له البقيّة وجب أيضا. ولو لم يبذل تمام النفقة أو نفقة عياله لم يجب. ولا يمنع الدين من وجوبه. ولو كان حالّاً والدائن مطالبا وهو متمكّن من أدائه لو لم يحجّ ففي كونه مانعا وجهان، ولايشترط الرجوع إلى الكفاية فيه. نعم، يعتبر أن لايكون الحجّ موجبا لاختلال اُمور معاشه في ما يأتي، لأجل غيبته.
        مسألة 31 - لو وهبه ما يكفيه للحجّ لأن يحجّ وجب عليه القبول على الأقوى؛ وكذا لو وهبه وخيّره بين أن يحجّ أولا. وأمّا لو لم يذكر الحجّ بوجه فالظاهر عدم وجوبه. ولو وقف شخص لمن يحجّ أو أوصى أو نذر كذلك فبذل المتصدّي الشرعيّ وجب. وكذا لو أوصى له بما يكفيه بشرط أن يحجّ فيجب بعد موته. ولو أعطاه خمسا أو زكاةً وشرط عليه الحجّ لغا الشرط ولم يجب. نعم، لو أعطاه من سهم سبيل اللّه ليحجّ لايجوز صرفه في غيره، ولكن لايجب عليه القبول، ولا يكون من الاستطاعة الماليّة ولا البذليّة، ولو استطاع بعد ذلك وجب عليه الحجّ.
        مسألة 32 - يجوز للباذل الرجوع عن بذله قبل الدخول في الإحرام، وكذا بعده على الأقوى. ولو وهبه للحجّ فقبل فالظاهر جريان حكم سائر الهبات عليه. ولو رجع عنه في أثناء الطريق فلا يبعد أن يجب عليه نفقة عوده. ولو رجع بعد الإحرام فلا يبعد وجوب بذل نفقة إتمام الحجّ عليه.
        مسألة 33 - الظاهر أنّ ثمن الهدي على الباذل؛ وأمّا الكفّارات فليست على الباذل وإن أتى بموجبها اضطرارا أو جهلا أو نسيانا، بل على نفسه.
        مسألة 34 - الحجّ البذليّ مجزٍ عن حجّة الإسلام، سواء بذل تمام النفقة أو متمّمها. ولو رجع عن بذله في الأثناء وكان في ذلك المكان متمكّنا من الحجّ من ماله وجب عليه، ويجزيه عن حجّة الإسلام إن كان واجدا لسائر الشرائط قبل إحرامه، وإلّا فإجزاؤه محلّ إشكال.
        مسألة 35 - لو عيّن مقدارا ليحجّ به واعتقد كفايته فبان عدمها فالظاهر عدم وجوب الإتمام عليه، سواء جاز الرجوع له أم لا. ولو بذل مالا ليحجّ به فبان بعد الحجّ أنّه كان مغصوبا فالأقوى عدم كفايته عن حجّة الإسلام. وكذا لو قال: «حجّ وعليّ نفقتك» فبذل مغصوبا.
        مسألة 36 - لو قال: «اقترض وحجّ وعليّ دينك» ففي وجوبه عليه نظر. ولو قال: «اقترض لي وحجّ به» وجب مع وجود المقرض كذلك.
        مسألة 37 - لو آجر نفسه للخدمة في طريق الحجّ باُجرة يصير بها مستطيعا وجب عليه الحجّ. ولو طلب منه إجارة نفسه للخدمة بما يصير مستطيعا لايجب عليه القبول. ولو آجر نفسه للنيابة عن الغير فصار مستطيعا بمال الإجارة قدّم الحجّ النيابيّ إن كان الاستيجار للسنة الاُولى، فإن بقيت الاستطاعة إلى العام القابل وجب عليه الحجّ لنفسه. ولو حجّ بالإجارة أو عن نفسه أو غيره تبرّعا مع عدم كونه مستطيعا لايكفيه عن حجّة الإسلام.
        مسألة 38 - يشترط في الاستطاعة وجود ما يمون به عياله حتّى يرجع. والمراد بهم من يلزمه نفقته لزوما عرفيّا وإن لم يكن واجب النفقة شرعا على الأقوى.
        مسألة 39 - الأقوى اعتبار الرجوع إلى الكفاية، من تجارة أو زراعة أو صنعة أو منفعة ملك كبستان ودكّان ونحوهما، بحيث لايحتاج إلى التكفّف ولا يقع في الشدّة والحرج. ويكفي كونه قادرا على التكسّب اللائق بحاله أو التجارة باعتباره ووجاهته. ولا يكفي أن يمضي أمره بمثل الزكاة والخمس، وكذا من الاستعطاء كالفقير الّذي من عادته ذلك ولم يقدر على التكسّب، وكذا من لايتفاوت حاله قبل الحجّ وبعده على الأقوى؛ فإذا كان لهم مؤونة الذهاب والإياب ومؤونة عيالهم لم يكونوا مستطيعين، ولم يجز حجّهم عن حجّة الإسلام.
        مسألة 40 - لايجوز لكلّ من الولد والوالد أن يأخذ من مال الآخر ويحجّ به. ولا يجب على واحد منهما البذل له. ولا يجب عليه الحجّ وإن كان فقيرا وكانت نفقته على الآخر ولم يكن نفقة السفر أزيد من الحضر على الأقوى.
        مسألة 41 - لو حصلت الاستطاعة لايجب أن يحجّ من ماله؛ فلو حجّ متسكّعا أو من مال غيره ولو غصبا صحّ وأجزأه. نعم، الأحوط عدم صحّة صلاة الطواف مع غصبيّة ثوبه. ولو شراه بالذمّة أو شرى الهدي كذلك فإن كان بناؤه الأداء من الغصب ففيه إشكال، وإلّا فلا إشكال في الصحّة. وفي بطلانه مع غصبيّة ثوب الإحرام والسعي إشكال، والأحوط الاجتناب.
        مسألة 42 - يشترط في وجوب الحجّ الاستطاعة البدنيّة؛ فلا يجب على مريض لايقدر على الركوب أو كان حرجا عليه ولو على المحمل والسيّارة والطيّارة. ويشترط أيضا الاستطاعة الزمانيّة؛ فلا يجب لو كان الوقت ضيّقا لايمكن الوصول إلى الحجّ أو أمكن بمشقّة شديدة. والاستطاعة السربيّة، بأن لايكون في الطريق مانع لايمكن معه الوصول إلى الميقات أو إلى تمام الأعمال، وإلّا لم يجب. وكذا لو كان خائفا على نفسه أو بدنه أو عرضه أو ماله وكان الطريق منحصرا فيه أو كان جميع الطرق كذلك. ولو كان الطريق الأبعد مأمونا يجب الذهاب منه. ولو كان الجميع مخوفا لكن يمكنه الوصول إليه بالدوران في بلاد بعيدة نائية لاتعدّ طريقا إليه لايجب على الأقوى.
        مسألة 43 - لو استلزم الذهاب إلى الحجّ تلف مال له في بلده معتدّ به - بحيث يكون تحمّله حرجا عليه - لم يجب. ولو استلزم ترك واجب أهمّ منه أو فعل حرام كذلك يقدّم الأهمّ، لكن إذا خالف وحجّ صحّ وأجزأه عن حجّة الإسلام. ولو كان في الطريق ظالم لا يندفع إلّا بالمال: فإن كان مانعا عن العبور ولم يكن السرب مخلّى عرفا ولكن يمكن تخليته بالمال لايجب، وإن لم يكن كذلك لكن يأخذ من كلّ عابر شيئا يجب إلّا إذا كان دفعه حرجيّا.
        مسألة 44 - لو اعتقد كونه بالغا فحجّ ثمّ بان خلافه لم يجز عن حجّة الإسلام. وكذا لو اعتقد كونه مستطيعا مالا فبان الخلاف. ولو اعتقد عدم الضرر أو الحرج فبان الخلاف: فإن كان الضرر نفسيّا أو ماليّا بلغ حدّ الحرج أو كان الحجّ حرجيّا ففي كفايته إشكال، بل عدمها لا يخلو من وجه، وأمّا الضرر الماليّ غير البالغ حدّالحرج فغير مانع عن وجوب الحجّ. نعم، لو تحمّل الضرر والحرج حتّى بلغ الميقات فارتفع الضرر والحرج وصار مستطيعا فالأقوى كفايته. ولو اعتقد عدم المزاحم الشرعيّ الأهمّ فحجّ فبان الخلاف صحّ. ولو اعتقد كونه غير بالغ فحجّ ندبا فبان خلافه ففيه تفصيل مرّ نظيره. ولو تركه مع بقاء الشرائط إلى تمام الأعمال استقرّ عليه؛ ويحتمل اشتراط بقائها إلى زمان إمكان العود إلى محلّه على إشكال. وإن اعتقد عدم كفاية ماله عن حجّة الإسلام فتركها فبان الخلاف استقرّ عليه مع وجود سائر الشرائط. وإن اعتقد المانع من العدوّ أو الحرج أو الضرر المستلزم له فترك فبان الخلاف فالظاهر استقراره عليه سيّما في الحرج. وإن اعتقد وجود مزاحم شرعيّ أهمّ فترك فبان الخلاف استقرّ عليه.
        مسألة 45 - لو ترك الحجّ مع تحقّق الشرائط متعمّدا استقرّ عليه مع بقائها إلى تمام الأعمال. ولو حجّ مع فقد بعضها: فإن كان البلوغ فلا يجزيه إلّا إذا بلغ قبل أحد الموقفين، فإنّه مُجزٍ على الأقوى؛ وكذا لو حجّ مع فقد الاستطاعة الماليّة؛ وإن حجّ مع عدم أمن الطريق أو عدم صحّة البدن وحصول الحرج فإن صار قبل الإحرام مستطيعا وارتفع العذر صحّ وأجزأ، بخلاف ما لو فقد شرط في حال الإحرام إلى تمام الأعمال؛ فلو كان نفس الحجّ ولو ببعض أجزائه حرجيّا أو ضرريّا على النفس فالظاهر عدم الإجزاء.
        مسألة 46 - لو توقّف تخلية السرب على قتال العدوّ لايجب ولو مع العلم بالغلبة. ولو تخلّى لكن يمنعه عدوّ عن الخروج للحجّ فلا يبعد وجوب قتاله مع العلم بالسلامة والغلبة أو الاطمينان والوثوق بهما، ولا تخلو المسألة عن إشكال.
        مسألة 47 - لو انحصر الطريق في البحر أو الجوّ وجب الذهاب، إلّا مع خوف الغرق أو السقوط أو المرض خوفا عقلائيّا أو استلزم الإخلال بأصل صلاته لابتبديل بعض حالاتها. وأمّا لو استلزم أكل النجس وشربه فلا يبعد وجوبه مع الاحتراز عن النجس حتّى الإمكان والاقتصار على مقدار الضرورة، ولو لم يحترز كذلك صحّ حجّه وإن أثم، كما لو ركب المغصوب إلى الميقات بل إلى مكّة ومنى وعرفات، فإنّه آثم وصحّ حجّه. وكذا لو استقرّ عليه الحجّ وكان عليه خمس أو زكاة أو غيرهما من الحقوق الواجبة، فإنّه يجب أداؤها؛ فلو مشى إلى الحجّ مع ذلك أثم وصحّ حجّه. نعم، لو كانت الحقوق في عين ماله فحكمه حكم الغصب وقد مرّ.
        مسألة 48 - يجب على المستطيع الحجّ مباشرةً؛ فلا يكفيه حجّ غيره عنه تبرّعا أو بالإجارة. نعم، لو استقرّ عليه ولم يتمكّن منها لمرض لم يرج زواله أو حصر كذلك أو هرم بحيث لايقدر أو كان حرجا عليه وجبت الاستنابة عليه. ولو لم يستقرّ عليه لكن لايمكنه المباشرة لشي ء من المذكورات ففي وجوبها وعدمه قولان، لا يخلو الثاني من قوّة، والأحوط فوريّة وجوبها. ويجزيه حجّ النائب مع بقاء العذر إلى أن مات، بل مع ارتفاعه بعد العمل؛ بخلاف أثنائه فضلًا عن قبله، والظاهر بطلان الإجارة. ولو لم يتمكّن من الاستنابة سقط الوجوب وقضي عنه. ولو استناب مع رجاء الزوال لم يجز عنه، فيجب بعد زواله. ولو حصل اليأس بعد عمل النائب فالظاهر الكفاية. والظاهر عدم كفاية حجّ المتبرّع عنه في صورة وجوب الاستنابة. وفي كفايةالاستنابة من الميقات إشكال وإن كان الأقرب الكفاية.
        مسألة 49 - لو مات من استقرّ عليه الحجّ في الطريق: فإن مات بعد الإحرام ودخول الحرم أجزأه عن حجّة الإسلام، وإن مات قبل ذلك وجب القضاء عنه وإن كان موته بعد الإحرام على الأقوى. كما لايكفي الدخول في الحرم قبل الإحرام، كما إذا نسيه ودخل الحرم فمات. ولا فرق في الإجزاء بين كون الموت حال الإحرام أو بعد الحلّ، كما إذا مات بين الإحرامين. ولو مات في الحلّ بعد دخول الحرم محرما ففي الإجزاء إشكال؛ والظاهر أنّه لو مات في أثناء عمرة التمتّع أجزأه عن حجّه. والظاهر عدم جريان الحكم في حجّ النذر والعمرة المفردة لو مات في الأثناء. وفي الإفساديّ تفصيل. ولا يجري في من لم يستقرّ عليه الحجّ؛ فلا يجب ولا يستحبّ عنه القضاء لو مات قبلهما.
        مسألة 50 - يجب الحجّ على الكافر ولا يصحّ منه. ولو أسلم وقد زالت استطاعته قبله لم يجب عليه. ولو مات حال كفره لا يُقضى عنه. ولو أحرم ثمّ أسلم لم يكفه، ووجب عليه الإعادة من الميقات إن أمكن، وإلّا فمن موضعه. نعم، لو كان داخلا في الحرم فأسلم فالأحوط مع الإمكان أن يخرج خارج الحرم ويحرم. والمرتدّ يجب عليه الحجّ، سواء كانت استطاعته حال إسلامه أو بعد ارتداده، ولا يصحّ منه؛ فإن مات قبل أن يتوب يعاقب عليه، ولا يُقضى عنه على الأقوى؛ وإن تاب وجب عليه وصحّ منه على الأقوى، سواء بقيت استطاعته أو زالت قبل توبته. ولو أحرم حال ارتداده فكالكافر الأصليّ. ولو حجّ في حال إسلامه ثمّ ارتدّ لم يجب عليه الإعادة على الأقوى. ولو أحرم مسلما ثمّ ارتدّ ثمّ تاب لم يبطل إحرامه على الأصحّ.
        مسألة 51 - لو حجّ المخالف ثمّ استبصر لاتجب عليه الإعادة، بشرط أن يكون صحيحا في مذهبه وإن لم يكن صحيحا في مذهبنا، من غير فرق بين الفِرَق.
        مسألة 52 - لايشترط إذن الزوج للزوجة في الحجّ إن كانت مستطيعةً؛ ولايجوز له منعها منه؛ وكذا في الحجّ النذريّ ونحوه إذا كان مضيّقا. وفي المندوب يشترط إذنه؛ وكذا الموسّع قبل تضييقه على الأقوى؛ بل في حجّة الإسلام له منعها من الخروج مع أوّل الرفقة مع وجود اُخرى قبل تضييق الوقت. والمطلّقة الرجعيّة كالزوجة ما دامت في العدّة؛ بخلاف البائنة والمعتدّة للوفاة، فيجوز لهما في المندوب أيضا. والمنقطعة كالدائمة على الظاهر. ولا فرق في اشتراط الإذن بين أن يكون ممنوعا من الاستمتاع لمرض ونحوه أولا.
        مسألة 53 - لايشترط وجود المحرم في حجّ المرأة إن كانت مأمونةً على نفسها وبضعها، كانت ذات بعل أولا؛ ومع عدم الأمن يجب عليها استصحاب محرم أو من تثق به ولو بالاُجرة؛ ومع العدم لاتكون مستطيعةً. ولو وجد ولم تتمكّن من اُجرته لم تكن مستطيعةً. ولو كان لها زوج وادّعى كونها في معرض الخطر وادّعت هي الأمن فالظاهر هو التداعي، وللمسألة صور؛ وللزوج في الصورة المذكورة منعها، بل يجب عليه ذلك؛ ولو انفصلت المخاصمة بحلفها أو أقامت البيّنة وحكم لها القاضي فالظاهر سقوط حقّه. وإن حجّت بلا محرم مع عدم الأمن صحّ حجّها، سيّما مع حصول الأمن قبل الشروع في الإحرام.
        مسألة 54 - لو استقرّ عليه الحجّ - بأن استكملت الشرائط وأهمل حتّى زالت أو زال بعضها - وجب الإتيان به بأيّ وجه تمكّن، وإن مات يجب أن يقضى عنه إن كانت له تركة، ويصحّ التبرّع عنه. ويتحقّق الاستقرار على الأقوى ببقائها إلى زمان يمكن فيه العود إلى وطنه بالنسبة إلى الاستطاعة الماليّة والبدنيّة والسربيّة، وأمّا بالنسبة إلى مثل العقل فيكفي بقاؤه إلى آخر الأعمال. ولو استقرّ عليه العمرة فقط أو الحجّ فقط - كما في من وظيفته حجّ الإفراد أو القران - ثمّ زالت استطاعته فكما مرّ يجب عليه بأيّ وجه تمكّن، وإن مات يُقضى عنه.
        مسألة 55 - تُقضى حجّة الإسلام من أصل التركة إن لم يوص بها، سواء كانت حجّ التمتّع أو القران أو الإفراد أو عمرتهما. وإن أوصى بها من غير تعيين كونها من الأصل أو الثلث فكذلك أيضا. ولو أوصى بإخراجها من الثلث وجب إخراجها منه، وتقدّمت على الوصايا المستحبّة وإن كانت متأخّرةً عنها في الذكر؛ وإن لم يف الثلث بها اُخذت البقيّة من الأصل. والحجّ النذريّ كذلك يخرج من الأصل. ولو كان عليه دين أو خمس أو زكاة وقصرت التركة: فإن كان المال المتعلّق به الخمس أو الزكاة موجودا قُدّما، فلا يجوز صرفه في غيرهما؛ وإن كانا في الذمّة فالأقوى توزيعه على الجميع بالنسبة، فإن وفت حصّة الحجّ به فهو، وإلّا فالظاهر سقوطه وإن وفت ببعض أفعاله كالطواف فقط مثلاً، وصرف حصّته في غيره؛ ومع وجود الجميع توزّع عليها. وإن وفت بالحجّ فقط أو العمرة فقط ففي مثل حجّ القران والإفراد لايبعد وجوب تقديم الحجّ، وفي حجّ التمتّع فالأقوى السقوط وصرفها في الدين.
        مسألة 56 - لايجوز للورثة التصرّف في التركة قبل استيجار الحجّ أو تأدية مقدار المصرف إلى وليّ أمر الميّت لو كان مصرفه مستغرقا لها، بل مطلقا على الأحوط وإن كانت واسعةً جدّا وكان بناء الورثة على الأداء من غير مورد التصرّف، وإن لايخلو الجواز من قرب، لكن لايترك الاحتياط.
        مسألة 57 - لو أقرّ بعض الورثة بوجوب الحجّ على الميّت وأنكره الآخرون لايجب عليه إلّا دفع ما يخصّه من التركة بعد التوزيع لو أمكن الحجّ بها ولو ميقاتا، وإلّا لايجب دفعها. والأحوط حفظ مقدار حصّته رجاءً لإقرار سائر الورثة أو وجدان متبرّع للتتمّة، بل مع كون ذلك مرجوّ الوجود يجب حفظه على الأقوى، والأحوط ردّه إلى وليّ الميّت. ولو كان عليه حجّ فقط ولم يكف تركته به فالظاهر أنّها للورثة. نعم، لو احتمل كفايتها للحجّ بعد ذلك أو وجود متبرّع يدفع التتمّة وجب إبقاؤها. ولو تبرّع متبرّع بالحجّ عن الميّت رجعت اُجرة الاستيجار إلى الورثة، سواء عينّها الميّت أم لا؛ والأحوط صرف الكبار حصّتهم في وجوه البرّ.
        مسألة 58 - الأقوى وجوب الاستيجار عن الميّت من أقرب المواقيت إلى مكّة إن أمكن، وإلّا فمن الأقرب إليه فالأقرب؛ والأحوط الاستيجار من البلد مع سعة المال، وإلّا فمن الأقرب إليه فالأقرب، لكن لايحسب الزائد على اُجرة الميقاتيّة على صغار الورثة. ولو أوصى بالبلديّ يجب ويُحسب الزائد على اُجرة الميقاتيّة من الثلث. ولو أوصى ولم يعيّن شيئا كفت الميقاتيّة، إلّا إذا كان هناك انصراف إلى البلديّة أو قامت قرينة على إرادتها، فحينئذٍ تكون الزيادة على الميقاتيّة من الثلث؛ ولو زاد على الميقاتيّة ونقص عن البلديّة يستأجر من الأقرب إلى بلده فالأقرب على الأحوط؛ ولو لم يمكن الاستيجار إلّا من البلد وجب، وجميع مصرفه من الأصل.
        مسألة 59 - لو أوصى بالبلديّة أو قلنا بوجوبها مطلقا فخولف واستؤجر من الميقات وأتى به أو تبرّع عنه متبرّع منه برئت ذمّته وسقط الوجوب من البلد؛ وكذا لو لم يسع المال إلّا من الميقات. ولو عيّن الاستيجار من محلّ غير بلده تعيّن؛ والزيادة على الميقاتيّة من الثلث. ولو استأجر الوصيّ أو الوارث من البلد مع عدم الإيصاء - بتخيّل عدم كفاية الميقاتيّة - ضمن ما زاد على الميقاتيّة للورثة أو لبقيّتهم.
        مسألة 60 - لو لم تف التركة بالاستيجار من الميقات إلّا الاضطراريّ منه -كمكّة أو أدنى الحلّ - وجب. ولو دار الأمر بينه وبين الاستيجار من البلد قدّم الثاني، ويخرج من أصل التركة. ولو لم يمكن إلّا من البلد وجب. وإن كان عليه دين أو خمس أو زكاة يوزّع بالنسبة لو لم يكف التركة.
        مسألة 61 - يجب الاستيجار عن الميّت في سنة الفوت، ولايجوز التأخير عنها، خصوصا إذا كان الفوت عن تقصير. ولو لم يمكن إلّا من البلد وجب وخرج من الأصل وإن أمكن من الميقات في السنين الاُخر. وكذا لو أمكن من الميقات بأزيد من الاُجرة المتعارفة في سنة الفوت وجب ولا يؤخّر. ولو أهمل الوصيّ أو الوارث فتلفت التركة ضمن. ولو لم يكن للميّت تركة لم يجب على الورثة حجّه وإن استحبّ على وليّه.
        مسألة 62 - لو اختلف تقليد الميّت ومن كان العمل وظيفته في اعتبار البلديّ والميقاتيّ فالمدار تقليد الثاني، ومع التعدّد والاختلاف يرجع إلى الحاكم. وكذا لو اختلفا في أصل وجوب الحجّ وعدمه فالمدار هو الثاني، ومع التعدّد والاختلاف فالمرجع هو الحاكم؛ وكذا لو لم يعلم فتوى مجتهده، أو لم يعلم مجتهده، أو لم يكن مقلّدا، أو لم يعلم أنّه كان مقلّدا أم لا، أو كان مجتهدا واختلف رأيه مع متصدّي العمل، أو لم يعلم رأيه.
        مسألة 63 - لو علم استطاعته مالا ولم يعلم تحقّق سائر الشرائط ولم يكن أصل محرز لها لايجب القضاء عنه. ولو علم استقراره عليه وشكّ في إتيانه يجب القضاء عنه؛ وكذا لو علم بإتيانه فاسدا. ولو شكّ في فساده يحمل على الصحّة.
        مسألة 64 - يجب استيجار من كان أقلّ اُجرةً مع إحراز صحّة عمله وعدم رضا الورثة أو وجود قاصر فيهم. نعم، لا يبعد عدم وجوب المبالغة في الفحص عنه وإن كان أحوط.
        مسألة 65 - من استقرّ عليه الحجّ وتمكّن من أدائه ليس له أن يحجّ عن غيره تبرّعا أو بالإجارة، وكذا ليس أن يتطوّع به؛ فلو خالف ففي صحّته إشكال، بل لايبعد البطلان، من غير فرق بين علمه بوجوبه عليه وعدمه. ولو لم يتمكّن منه صحّ عن الغير. ولو آجر نفسه مع تمكّن حجّ نفسه بطلت الإجارة وإن كان جاهلا بوجوبه عليه.

      • القول في الحج بالنذر والعهد واليمين

         

        القول في الحجّ بالنذر والعهد واليمين

        مسألة 1 - يشترط في انعقادها البلوغ والعقل والقصد والاختيار؛ فلا تنعقد من الصبيّ وإن بلغ عشرا وإن صحّت العبادات منه، ولا من المجنون والغافل والساهي والسكران والمكره. والأقوى صحّتها من الكافر المقرّ باللّه تعالى، بل وممّن يحتمل وجوده تعالى ويقصد القربة رجاءً في ما يعتبر قصدها.
        مسألة 2 - يعتبر في انعقاد يمين الزوجة والولد إذن الزوج والوالد. ولاتكفي الإجازة بعده. ولا يبعد عدم الفرق بين فعل واجب أو ترك حرام وغيرهما، لكن لاينبغي ترك الاحتياط فيهما بل لايترك. ويعتبر إذن الزوج في انعقاد نذر الزوجة. وأمّا نذر الولد فالظاهر عدم اعتبار إذن والده فيه؛ كما أنّ انعقاد العهد لايتوقّف على إذن أحد على الأقوى. والأقوى شمول الزوجة للمنقطعة، وعدم شمول الولد لولد الولد. ولا فرق في الولد بين الذكر والاُنثى. ولا تلحق الاُمّ بالأب، ولا الكافر بالمسلم.
        مسألة 3 - لو نذر الحجّ من مكان معيّن فحجّ من غيره لم تبرأ ذمّته. ولو عيّنه في سنة فحجّ فيها من غير ما عيّنه وجبت عليه الكفّارة. ولو نذر أن يحجّ حجّةالإسلام من بلد كذا فحجّ من غيره صحّ ووجبت الكفّارة. ولو نذر أن يحجّ في سنة معيّنة لم يجز التأخير؛ فلو أخّر مع التمكّن عصى وعليه القضاء والكفّارة. ولولم يقيّده بزمان جاز التأخير إلى ظنّ الفوت. ولو مات بعد تمكّنه يُقضى عنه من أصل التركة على الأقوى. ولو نذر ولم يتمكّن من أدائه حتّى مات لم يجب القضاء عنه. ولو نذر معلّقاً على أمر ولم يتحقّق المعلّق عليه حتّى مات لم يجب القضاء عنه. نعم، لو نذر الإحجاج معلّقا على شرط فمات قبل حصوله وحصل بعد موته مع تمكّنه قبله فالظاهر وجوب القضاء عنه؛ كما أنّه لو نذر إحجاج شخص في سنة معيّنة فخالف مع تمكّنه وجب عليه القضاء والكفّارة. وإن مات قبل إتيانهما يُقضيان من أصل التركة؛ وكذا لو نذر إحجاجه مطلقا أو معلّقا على شرط وقد حصل وتمكّن منه وترك حتّى مات.
        مسألة 4 - لو نذر المستطيع أن يحجّ حجّة الإسلام انعقد، ويكفيه إتيانها؛ ولو تركها حتّى مات وجب القضاء عنه والكفّارة من تركته. ولو نذرها غير المستطيع انعقد ويجب عليه تحصيل الاستطاعة، إلّا أن يكون نذره الحجّ بعد الاستطاعة.
        مسألة 5 - لايعتبر في الحجّ النذريّ الاستطاعة الشرعيّة، بل يجب مع القدرة العقليّة، إلّا إذا كان حرجيّا أو موجبا لضرر نفسيّ أو عِرضيّ أو ماليّ إذا لزم منه الحرج.
        مسألة 6 - لو نذر حجّا غير حجّة الإسلام في عامها وهو مستطيع انعقد، لكن تُقدّم حجّة الإسلام؛ ولو زالت الاستطاعة يجب عليه الحجّ النذريّ؛ ولو تركهمالايبعد وجوب الكفّارة. ولو نذر حجّا في حال عدمها ثمّ استطاع يقدّم حجّةالإسلام ولو كان نذره مضيّقا. وكذا لو نذر إتيانه فورا ففورا تقدّم حجّةالإسلام، ويأتي به في العام القابل. ولو نذر حجّا من غير تقييد وكان مستطيعا أو حصل الاستطاعة بعده ولم يكن انصراف فالأقرب كفاية حجّ واحد عنهما مع قصدهما، لكن مع ذلك لايترك الاحتياط في صورة عدم قصد التعميم لحجّةالإسلام بإتيان كلّ واحد مستقلّاً مقدّما لحجّة الإسلام.
        مسألة 7 - يجوز الإتيان بالحجّ المندوب قبل الحجّ النذريّ الموسّع. ولو خالف في المضيّق وأتى بالمستحبّ صحّ وعليه الكفّارة.
        مسألة 8 - لو علم أنّ على الميّت حجّا ولم يعلم أنّه حجّة الإسلام أو حجّ النذر وجب قضاؤه عنه من غير تعيين ولا كفّارة عليه. ولو تردّد ما عليه بين ما بالنذر أو الحلف مع الكفّارة وجبت الكفّارة أيضا. ويكفي الاقتصار على إطعام عشرة مساكين؛ والأحوط الستّون.
        مسألة 9 - لو نذر المشي في الحجّ انعقد حتّى في مورد أفضليّة الركوب. ولو نذر الحجّ راكبا انعقد ووجب حتّى لو نذر فى مورد يكون المشي أفضل. وكذا لو نذر المشي في بعض الطريق. وكذا لو نذر الحجّ حافيا. ويشترط في انعقاده تمكّن الناذر وعدم تضرّره بهما وعدم كونهما حرجيّين؛ فلا ينعقد مع أحدها لو كان في الابتداء، ويسقط الوجوب لو عرض في الأثناء. ومبدأ المشي أو الحفاء تابع للتعيين ولو انصرافا، ومنتهاه رمي الجمار مع عدم التعيين.
        مسألة 10 - لايجوز لمن نذره ماشيا أو المشي في حجّه أن يركب البحر ونحوه. ولو اضطرّ إليه لمانع في سائر الطرق سقط. ولو كان كذلك من الأوّل لم ينعقد. ولو كان في طريقه نهر أو شطّ لا يمكن العبور إلّا بالمركب يجب أن يقوم فيه على الأقوى.
        مسألة 11 - لو نذر الحجّ ماشيا فلا يكفي عنه الحجّ راكبا؛ فمع كونه موسّعا يأتي به، ومع كونه مضيّقا يجب الكفّارة لو خالف دون القضاء. ولو نذر المشي في حجّ معيّن وأتى به راكبا صحّ وعليه الكفّارة دون القضاء، ولو ركب بعضا دون بعض فبحكم ركوب الكلّ.
        مسألة 12 - لو عجز عن المشي بعد انعقاد نذره يجب عليه الحجّ راكبا مطلقا، سواء كان مقيّدا بسنة أم لا، مع اليأس عن التمكّن بعدها أم لا. نعم، لا يترك الاحتياط بالإعادة في صورة الإطلاق مع عدم اليأس من المكنة وكون العجز قبل الشروع في الذهاب إذا حصلت المكنة بعد ذلك. والأحوط المشي بالمقدار الميسور، بل لايخلو من قوّة. وهل الموانع الاُخر كالمرض أو خوفه أو عدوّ أو نحو ذلك بحكم العجز أو لا؟ وجهان، ولا يبعد التفصيل بين المرض ونحو العدوّ باختيار الأوّل في الأوّل والثاني في الثاني.

      • القول في النيابة

         

        القول في النيابة

        وهي تصحّ عن الميّت مطلقا، وعن الحيّ في المندوب وبعض صور الواجب.
        مسألة 1 - يشترط في النائب اُمور:
        الأوّل: البلوغ على الأحوط، من غير فرق بين الإجاريّ والتبرّعيّ بإذن الوليّ أولا. وفي صحّتها في المندوب تأمّل.
        الثاني: العقل؛ فلا تصحّ من المجنون ولو إدواريّا في دور جنونه. ولا بأس بنيابة السفيه.
        الثالث: الإيمان.
        الرابع: الوثوق بإتيانه؛ وأمّا بعد إحراز ذلك فلا يعتبر الوثوق بإتيانه صحيحا؛ فلو علم بإتيانه وشكّ في أنّه يأتي به صحيحا صحّت الاستنابة ولو قبل العمل على الظاهر؛ والأحوط اعتبار الوثوق بالصحّة في هذه الصورة.
        الخامس: معرفته بأفعال الحجّ وأحكامه ولو بإرشاد معلّم حال كلّ عمل.
        السادس: عدم اشتغال ذمّته بحجّ واجب عليه في ذلك العام كما مرّ.
        السابع: أن لا يكون معذورا في ترك بعض الأعمال. والاكتفاء بتبرّعه أيضا مشكل.
        مسألة 2 - يشترط في المنوب عنه الإسلام؛ فلا يصحّ من الكافر. نعم، لو فرض انتفاعه به بنحو إهداء الثواب فلا يبعد جواز الاستيجار لذلك. ولو مات مستطيعا لايجب على وارثه المسلم الاستيجار عنه. ويشترط كونه ميّتا أو حيّا عاجزا في الحجّ الواجب. ولا يشترط فيه البلوغ والعقل، فلو استقرّ على المجنون حال إفاقته ثمّ مات مجنونا يجب الاستيجار عنه؛ ولا المماثلة بين النائب والمنوب عنه في الذكورة والاُنوثة. وتصحّ استنابة الصرورة - رجلا كان أو امرأة- عن رجل أو امرأة.
        مسألة 3 - يشترط في صحّة الحجّ النيابيّ قصد النيابة وتعيين المنوب عنه في النيّة ولو إجمالا، لا ذكر اسمه وإن كان مستحبّا في جميع المواطن والمواقف. وتصحّ النيابة بالجعالة كما تصحّ بالإجارة والتبرّع.
        مسألة 4 - لاتفرغ ذمّة المنوب عنه إلّا بإتيان النائب صحيحا. نعم، لو مات النائب بعد الإحرام ودخول الحرم أجزأ عنه، وإلّا فلا وإن مات بعد الإحرام. وفي إجراء الحكم في الحجّ التبرعيّ إشكال؛ بل في غير حجّةالإسلام لايخلومن إشكال.
        مسألة 5 - لو مات الأجير بعد الإحرام ودخول الحرم يستحقّ تمام الاُجرة إن كان أجيرا على تفريغ الذمّة كيف كان، وبالنسبة إلى ما أتى به من الأعمال إذا كان أجيرا على نفس الأعمال المخصوصة ولم تكن المقدّمات داخلةً في الإجارة، ولم يستحقّ شيئا حينئذٍ إذا مات قبل الإحرام. وأمّا الإحرام فمع عدم الاستثناء داخل في العمل المستأجر عليه. والذهاب إلى مكّة بعد الإحرام وإلى منى وعرفات غير داخل فيه، ولا يستحقّ به شيئا. ولو كان المشي والمقدّمات داخلا في الإجارة فيستحقّ بالنسبة إليه مطلقا ولو كان مطلوبا من باب المقدّمة. هذا مع التصريح بكيفيّة الإجارة؛ ومع الإطلاق كذلك أيضا؛ كما أنّه معه يستحقّ تمام الاُجرة لو أتى بالمصداق الصحيح العرفيّ ولو كان فيه نقص ممّا لا يضرّ بالاسم. نعم، لو كان النقص شيئا يجب قضاؤه فالظاهر أنّه عليه لا على المستأجر.
        مسألة 6 - لو مات قبل الإحرام تنفسخ الإجارة إن كانت للحجّ في سنة معيّنة مباشرةً أو الأعمّ مع عدم إمكان إتيانه في هذه السنة. ولو كانت مطلقةً أو الأعمّ من المباشرة في هذه السنة ويمكن الإحجاج فيها يجب الإحجاج من تركته،وليس هو مستحقّا لشي ء على التقديرين - لو كانت الإجارة على نفس الأعمال - في ما فعل.
        مسألة 7 - يجب في الإجارة تعيين نوع الحجّ في ما إذا كان التخيير بين الأنواع، كالمستحبّيّ والمنذور المطلق مثلا. ولا يجوز على الأحوط العدول إلى غيره وإن كان أفضل إلّا إذا أذن المستأجر. ولو كان ما عليه نوع خاصّ لا ينفع الإذن بالعدول. ولو عدل مع الإذن يستحقّ الاُجرة المسمّاة في الصورة الاُولى وأجرة مثل عمله في الثانية إن كان العدول بأمره. ولو عدل في الصورة الاُولى بدون الرضا صحّ عن المنوب عنه. والأحوط التخلّص بالتصالح في وجه الإجارة إذا كان التعيين على وجه القيديّة، ولو كان على وجه الشرطيّة فيستحقّ إلّا إذا فسخ المستأجر الإجارة، فيستحقّ اُجرة المثل لا المسمّاة.
        مسألة 8 - لا يشترط في الإجارة تعيين الطريق وإن كان في الحجّ البلديّ؛ لكن لو عيّن لايجوز العدول عنه إلّا مع إحراز أنّه لاغرض له في الخصوصيّة، وإنّماذكرها على المتعارف وهو راضٍ به؛ فحينئذٍ لو عدل يستحقّ تمام الاُجرة، وكذالو أسقط حقّ التعيين بعد العقد. ولو كان الطريق المعيّن معتبرا في الإجارة فعدل عنه صحّ الحجّ عن المنوب عنه وبرئت ذمّته إذا لم يكن ما عليه مقيّدا بخصوصيّة الطريق المعيّن. ولا يستحقّ الأجير شيئا لو كان اعتباره على وجه القيديّة، بمعنى أنّ الحجّ المتقيّد بالطريق الخاصّ كان موردا للإجارة. ويستحقّ من المسمّى بالنسبة ويسقط منه بمقدار المخالفة إذا كان الطريق معتبرا في الإجارة على وجه الجزئيّة.
        مسألة 9 - لو آجر نفسه للحجّ المباشريّ عن شخص في سنة معيّنة ثمّ آجر عن آخر فيها مباشرةً بطلت الثانية؛ ولو لم يشترط فيهما أو في إحداهما المباشرة صحّتا؛ وكذا مع توسعتهما أو توسعة إحداهما أو إطلاقهما أو إطلاق إحداهما لو لم يكن انصراف منهما إلى التعجيل. ولو اقترنت الإجارتان في وقت واحد بطلتا مع التقييد بزمان واحد ومع قيد المباشرة فيهما.
        مسألة 10 - لو آجر نفسه للحجّ في سنة معيّنة لايجوز له التأخير والتقديم إلّا برضى المستأجر. ولو أخّر فلا يبعد تخيّر المستأجر بين الفسخ ومطالبة الاُجرة المسمّاة وبين عدمه ومطالبة اُجرةالمثل، من غير فرق بين كون التأخير لعذر أولا. هذا إذا كان على وجه التقييد. وإن كان على وجه الاشتراط فللمستأجر خيار الفسخ، فإن فسخ يرجع إلى الاُجرة المسمّاة، وإلّا فعلى المؤجر أن يأتي به في سنة اُخرى ويستحقّ الاُجرة المسمّاة؛ ولو أتى به مؤخّرا لايستحقّ الاُجرة على الأوّل وإن برئت ذمّة المنوب عنه به، ويستحقّ المسمّاة على الثاني إلّا إذا فسخ المستأجر، فيرجع إلى اُجرةالمثل. وإن أطلق وقلنا بوجوب التعجيل لا يبطل مع الإهمال؛ وفي ثبوت الخيار للمستأجر وعدمه تفصيل.
        مسألة 11 - لو صدّ الأجير أو اُحصر كان حكمه كالحاجّ عن نفسه في ما عليه من الأعمال، وتنفسخ الإجارة مع كونها مقيّدةً بتلك السنة، ويبقى الحجّ على ذمّته مع الإطلاق؛ وللمستأجر خيار التخلّف إذا كان اعتبارها على وجه الاشتراط في ضمن العقد؛ ولا يجزي عن المنوب عنه ولو كان ذلك بعد الإحرام ودخول الحرم. ولو ضمن المؤجر الحجّ في المستقبل في صورة التقييد لم تجب إجابته، ويستحقّ الاُجرة بالنسبة إلى ما أتى به من الأعمال على التفصيل المتقدّم.
        مسألة 12 - ثوبا الإحرام وثمن الهدي على الأجير إلّا مع الشرط؛ وكذا لو أتى بموجب كفّارة فهو من ماله.
        مسألة 13 - إطلاق الإجارة يقتضي التعجيل بمعنى الحلول في مقابل الأجل، لابمعنى الفوريّة بشرط عدم انصراف إليها؛ فحينئذٍ حالها حال البيع، فيجوز للمستأجر المطالبة، وتجب المبادرة معها؛ كما أنّ إطلاقها يقتضي المباشرة، فلا يجوز للأجير أن يستأجر غيره إلّا مع الإذن.
        مسألة 14 - لو قصرت الاُجرة لا يجب على المستأجر إتمامها؛ كما أنّها لو زادت ليس له الاسترداد.
        مسألة 15 - يملك الأجير الاُجرة بالعقد، لكن لايجب تسليمها إلّا بعد العمل لولم يشترط التعجيل ولم تكن قرينة على إرادته، من انصراف أو غيره كشاهد حال ونحوه. ولا فرق في عدم وجوبه بين أن تكون عينا أو دينا؛ ولو كانت عينا فنماؤها للأجير. ولا يجوز للوصيّ والوكيل التسليم قبله إلّا بإذن من الموصي أو الموكّل؛ ولو فعلا كانا ضامنين على تقدير عدم العمل من المؤجر أو كون عمله باطلا. ولا يجوز للوكيل اشتراط التعجيل بدون إذن الموكّل؛ وللوصيّ اشتراطه إذا تعذّر بغير ذلك، ولا ضمان عليه مع التسليم إذا تعذّر. ولو لم يقدر الأجير على العمل كان للمستأجر خيار الفسخ، ولو بقي على هذا الحال حتّى انقضى الوقت فالظاهر انفساخ العقد. ولو كان المتعارف تسليمها أو تسليم مقدار منها قبل الخروج يستحقّ الأجير مطالبتها على المتعارف في صورة الإطلاق، ويجوز للوكيل والوصيّ دفع ذلك من غير ضمان.
        مسألة 16 - لايجوز استيجار من ضاق وقته عن إتمام الحجّ تمتّعا وكانت وظيفته العدول إلى الإفراد عمّن عليه حجّ التمتّع. ولو استأجره في سعة الوقت ثمّ اتّفق الضيق فالأقوى وجوب العدول، والأحوط عدم إجزائه عن المنوب عنه.
        مسألة 17 - يجوز التبرّع عن الميّت في الحجّ الواجب مطلقاوالمندوب؛بل يجوز التبرّع عنه بالمندوب وإن كان عليه الواجب حتّى قبل الاستيجار له؛ وكذا يجوز الاستيجار عنه في المندوب مطلقا. وقد مرّ حكم الحيّ في الواجب. وأمّا المندوب فيجوز التبرّع عنه كما يجوز الاستيجار له حتّى إذا كان عليه حجّ واجب لايتمكّن من أدائه فعلا، بل مع تمكّنه أيضا؛ فجواز الاستيجار للمندوب قبل أداء الواجب إذا لم يخلّ بالواجب لايخلو من قوّة، كما أنّ الأقوى صحّة التبرّع عنه.
        مسألة 18 - لايجوز أن ينوب واحد عن اثنين أو أزيد في عام واحد في الحجّ الواجب إلّا إذا كان وجوبه عليهما على نحو الشركة، كما إذا نذر كلّ منهما أن يشترك مع الآخر في تحصيل الحجّ. ويجوز في المندوب كما يجوز بعنوان إهداء الثواب.
        مسألة 19 - يجوز أن ينوب جماعة عن الميّت أو الحيّ في عام واحد في الحجّ المندوب تبرّعا أو بالإجارة؛ بل يجوز ذلك في الحجّ الواجب أيضا، كما إذا كان على الميّت حجّان مختلفان نوعا كحجّة الإسلام والنذر، أو متّحدان نوعا كحجّتين للنذر. وأمّا استنابة الحجّ النذريّ للحيّ المعذور فمحلّ إشكال كما مرّ. وكذا يجوز إن كان أحدهما واجبا والآخر مستحبّا؛ بل يجوز استيجار أجيرين لحجّ واجب واحد كحجّة الإسلام في عام واحد، فيصحّ قصد الوجوب من كلّ منهما ولو كان أحدهما أسبق شروعا، لكنّهما يراعيان التقارن في الختم.

      • القول في الوصية بالحج

         

        القول في الوصيّة بالحجّ

        مسألة 1 - لو أوصى بالحجّ اُخرج من الأصل لو كان واجبا، إلّا أن يصرّح بخروجه من الثلث فاُخرج منه، فإن لم يف اُخرج الزائد من الأصل. ولا فرق في الخروج من الأصل بين حجّة الإسلام والحجّ النذريّ والإفساديّ. واُخرج من الثلث لو كان ندبيّا. ولو لم يعلم كونه واجبا أو مندوبا فمع قيام قرينة أو تحقّق انصراف فهو، وإلّا فيخرج من الثلث، إلّا أن يعلم وجوبه عليه سابقا وشكّ في أدائه فمن الأصل.
        مسألة ۲ - يكفي الميقاتيّ، سواء كان الموصى به واجبا أو مندوبا، لكنّ الأوّل من الأصل والثاني من الثلث. ولو أوصى بالبلديّة فالزائد على اُجرة الميقاتيّة من الثلث في الأوّل، وتمامها منه في الثاني.
        مسألة ۳ - لو لم يعيّن الاُجرة فاللازم على الوصيّ مع عدم رضا الورثة أو وجود قاصر فيهم الاقتصار على اُجرة المثل. نعم، لغير القاصر أن يؤدّي لها من سهمه بما شاء. ولو كان هناك من يرضى بالأقلّ منها وجب على الوصيّ استيجاره مع الشرط المذكور. ويجب الفحص عنه على الأحوط مع عدم رضا الورثة أو وجود قاصر فيهم، بل وجوبه لا يخلو من قوّة، خصوصا مع الظنّ بوجوده. نعم، الظاهر عدم وجوب الفحص البليغ. ولو وجد متبرّع عنه يجوز الاكتفاء به، بمعنى عدم وجوب المبادرة إلى الاستيجار، بل هو الأحوط مع وجود قاصر في الورثة؛ فإن أتى به صحيحا كفى، وإلّا وجب الاستيجار. ولو لم يوجد من يرضى باُجرةالمثل فالظاهر وجوب دفع الأزيد لو كان الحجّ واجبا. ولا يجوز التأخير إلى العام القابل ولو مع العلم بوجود من يرضى باُجرة المثل أو الأقلّ. وكذا لوأوصى بالمبادرة في الحجّ المندوب. ولو عيّن الموصي مقدارا للاُجرة تعيّن وخرج من الأصل في الواجب إن لم يزد على اُجرة المثل، وإلّا فالزيادة من الثلث، وفي المندوب كلّه من الثلث؛ فلو لم يكف ما عيّنه للحجّ فالواجب التتميم من الأصل في الحجّ الواجب، وفي المندوب تفصيل.
        مسألة 4 - يجب الاقتصار على استيجار أقلّ الناس اُجرةً مع عدم رضا الورثة أو وجود القاصر فيهم. والأحوط لكبار الورثة أن يستأجروا ما يناسب حال الميّت شرفا.
        مسألة 5 - لو أوصى وعيّن المرّة أو التكرار بعدد معيّن تعيّن؛ ولو لم يعيّن كفى حجّ واحد إلّا مع قيام قرينة على إرادته التكرار. ولو أوصى بالثلث ولم يعيّن إلّا الحجّ لايبعد لزوم صرفه في الحجّ. ولو أوصى بتكرار الحجّ كفى مرّتان، إلّا أن تقوم قرينة على الأزيد. ولو أوصى في الحجّ الواجب وعيّن أجيرا معيّنا تعيّن، فإن كان لايقبل إلّا بأزيد من اُجرةالمثل خرجت الزيادة من الثلث إن أمكن، وإلّا بطلت الوصيّة واستؤجر غيره باُجرة المثل، إلّا أن يأذن الورثة؛ وكذا في نظائر المسألة. ولو أوصى في المستحبّ خرج من الثلث؛ فإن لم يقبل إلّا بالزيادة منه بطلت؛ فحينئذٍ إن كانت وصيّةً بنحو تعدّد المطلوب يُستأجر غيره منه، وإلّا بطلت.
        مسألة 6 - لو أوصى بصرف مقدار معيّن في الحجّ سنين معيّنة وعيّن لكلّ سنة مقدارا معيّنا واتّفق عدم كفاية ذلك المقدار لكلّ سنة صُرف نصيب سنتين في سنة أو ثلاث سنين في سنتين - مثلا - وهكذا. ولو فضل من السنين فضلة لاتفي بحجّة ولو من الميقات فالأوجه صرفها في وجوه البرّ. ولو كان الموصى به الحجّ من البلد ودار الأمر بين جعل اُجرة سنتين - مثلا - لسنة وبين الاستيجار بذلك المقدار من الميقات لكلّ سنة يتعيّن الأوّل. هذا كلّه إذا لم يُعلم من الموصي إرادة الحجّ بذلك المقدار على وجه التقييد، وإلّا فتبطل الوصيّة إذا لم يرج إمكان ذلك بالتأخير أو كانت مقيّدةً بسنين معيّنة.
        مسألة 7 - لو أوصى وعيّن الاُجرة في مقدار: فإن كان واجبا ولم يزد على اُجرةالمثل أو زاد وكفى ثلثه بالزيادة أو أجاز الورثة تعيّن، وإلّا بطلت ويرجع إلى اُجرةالمثل؛ وإن كان مندوبا فكذلك مع وفاء الثلث به، وإلّا فبقدر وفائه إذا كان التعيين لاعلى وجه التقييد؛ وإن لم يف به حتّى من الميقات ولم يأذن الورثة أو كان على وجه التقييد بطلت.
        مسألة 8 - لو عيّن للحجّ اُجرةً لايرغب فيها أحد ولو للميقاتيّ وكان الحجّ مستحبّا بطلت الوصيّة إن لم يرج وجود راغب فيها، وتُصرف في وجوه البرّ، إلّإ؛خ ح ظظ إذا علم كونه على وجه التقييد فترجع إلى الوارث، من غير فرق في الصورتين بين التعذّر الطارئ وغيره، ومن غير فرق بين ما لو أوصى بالثلث وعيّن له مصارف وغيره.
        مسألة 9 - لو أوصى بأن يحجّ عنه ماشيا أو حافيا أو مع مركوب خاصّ صحّ، واعتبر خروجه من الثلث إن كان ندبيّا، وخروج الزائد عن اُجرة الحجّ الميقاتيّ وكذا التفاوت بين المذكورات والحجّ المتعارف إن كان واجبا. ولو كان عليه حجّ نذريّ ماشيا ونحوه خرج من أصل التركة أوصى به أم لا. ولو كان نذره مقيّدا بالمباشرة فالظاهر عدم وجوب الاستيجار إلّا إذا اُحرز تعدّد المطلوب.
        مسألة 10 - لو أوصى بحجّتين أو أزيد وقال: «إنّها واجبة عليه» صدّق وتخرج من أصل التركة، إلّا أن يكون إقراره في مرض الموت وكان متّهما فيه فتخرج من الثلث.
        مسألة 11 - لو أوصى بما عنده من المال للحجّ ندبا ولم يعلم أنّه يخرج من الثلث أم لا لم يجز صرف جميعه. ولو ادّعى أنّ عند الورثة ضعف هذا أو أنّه أوصى بذلك وأجازوا الورثة يسمع دعواه بالمعنى المعهود في باب الدعاوي، لا بمعنى إنفاذ قوله مطلقا.
        مسألة 12 - لو مات الوصيّ بعد قبض اُجرة الاستيجار من التركة وشكّ في استيجاره له قبل موته: فإن كان الحجّ موسّعا يجب الاستيجار من بقيّة التركة إن كان واجبا، وكذا إن لم تمض مدّة يمكن الاستيجار فيها، بل الظاهر وجوبه لو كان الوجوب فوريّا ومضت مدّة يمكن الاستيجار فيها، ومن بقيّة ثلثها إن كان مندوبا. والأقوى عدم ضمانه لما قبض. ولو كان المال المقبوض موجودا عنده اُخذ منه. نعم، لو عامل معه معاملة الملكيّة في حال حياته أو عامل ورثته كذلك لايبعد عدم جواز أخذه على إشكال، خصوصا في الأوّل.
        مسألة 13 - لو قبض الوصيّ الاُجرة وتلفت في يده بلا تقصير لم يكن ضامنا، ووجب الاستيجار من بقيّة التركة أو بقيّة الثلث، وإن اقتسمت استرجعت. ولو شكّ في أنّ تلفها كان عن تقصير أولا لم يضمن. ولو مات الأجير قبل العمل ولم يكن له تركة أو لم يمكن أخذها من ورثته يستأجر من البقيّة أو بقيّة الثلث.
        مسألة 14 - يجوز النيابة عن الميّت في الطواف الاستحبابيّ؛ وكذا عن الحيّ إذا كان غائبا عن مكّة أو حاضرا ومعذورا عنه؛ وأمّا مع حضوره وعدم عذره فلاتجوز. وأمّا سائر الأفعال فاستحبابها مستقلّاً وجواز النيابة فيها غير معلوم حتّى السعي وإن يظهر من بعض الروايات استحبابه.
        مسألة 15 - لو كان عند شخص وديعة ومات صاحبها وكان عليه حجّة الإسلام وعلم أو ظنّ أنّ الورثة لايؤدّون عنه إن ردّها إليهم وجب عليه أن يحجّ بها عنه. وإن زادت عن اُجرة الحجّ ردّ الزيادة إليهم. والأحوط الاستيذان من الحاكم مع الإمكان. والظاهر عدم الاختصاص بما إذا لم يكن للورثة شي ء وكذا عدم الاختصاص بحجّ الودعيّ بنفسه. وفي إلحاق غير حجّة الإسلام بها من أقسام الحجّ الواجب أو سائر الواجبات مثل الزكاة ونحوها إشكال؛ وكذا في إلحاق غيرالوديعة كالعين المستأجرة والعارية ونحوهما؛ فالأحوط إرجاع الأمر إلى الحاكم وعدم استبداده به. وكذا الحال لو كان الوارث منكرا أو ممتنعا وأمكن إثباته عند الحاكم أو أمكن إجباره، فيرجع في الجميع إلى الحاكم ولا يستبدّ به.
        مسألة 16 - يجوز للنائب - بعد الفراغ عن الأعمال للمنوب عنه - أن يطوف عن نفسه وعن غيره؛ وكذا يجوز أن يأتي بالعمرة المفردة عن نفسه وعن غيره.
        مسألة 17 - يجوز لمن أعطاه رجل مالا لاستيجار الحجّ أن يحجّ بنفسه ما لم يعلم أنّه أراد الاستيجار من الغير ولو بظهور لفظه في ذلك. ومع الظهور لايجوز التخلّف إلّا مع الاطمينان بالخلاف؛ بل الأحوط عدم مباشرته إلّا مع العلم بأنّ مراد المعطي حصول الحجّ في الخارج. وإذا عيّن شخصا تعيّن إلّا إذا علم عدم أهليّته وأنّ المعطي مشتبه في ذلك أو أنّ ذكره من باب أحد الأفراد.

      • القول في الحج المندوب

         

        القول في الحجّ المندوب

        مسألة 1 - يستحبّ لفاقد الشرائط من البلوغ والاستطاعة وغيرهما أن يحجّ مهما أمكن؛ وكذا من أتى بحجّه الواجب. ويستحبّ تكراره بل في كلّ سنة؛ بل يكره تركه خمس سنين متوالية. ويستحبّ نيّة العود إليه عند الخروج من مكّة، ويكره نيّة عدمه.
        مسألة 2 - يستحبّ التبرّع بالحجّ عن الأقارب وغيرهم أحياءً وأمواتا؛ وكذا عن المعصومين: أحياءً وأمواتا؛ والطواف عنهم: وعن غيرهم أمواتا وأحياءً مع عدم حضورهم في مكّة أو كونهم معذورين. ويستحبّ إحجاج الغير استطاع أم لا. ويجوز إعطاء الزكاة لمن لايستطيع الحجّ ليحجّ بها.
        مسألة 3 - يستحبّ لمن ليس له زاد وراحلة أن يستقرض ويحجّ إذا كان واثقا بالوفاء.
        مسألة 4 - يستحبّ كثرة الإنفاق في الحجّ. والحجّ أفضل من الصدقة بنفقته.
        مسألة 5 - لايجوز الحجّ بالمال الحرام، ويجوز بالمشتبه كجوائز الظلمة مع عدم العلم بحرمتها.
        مسألة 6 - يجوز إهداء ثواب الحجّ إلى الغير بعد الفراغ عنه، كما يجوز أن يكون ذلك من نيّته قبل الشروع فيه.
        مسألة 7 - يستحبّ لمن لامال له يحجّ به أن يأتي به ولوبإجارة نفسه عن غيره.

      • القول في أقسام العمرة

         

        القول في أقسام العمرة

        مسألة 1 - تنقسم العمرة كالحجّ إلى واجب أصليّ وعرضيّ ومندوب؛ فتجب بأصل الشرع على كلّ مكلّف - بالشرائط المعتبرة في الحجّ - مرّة في العمر. وهي واجبة فورا كالحجّ. ولا يشترط في وجوبها استطاعة الحجّ؛ بل تكفي استطاعتها فيه وإن لم يتحقّق استطاعته؛ كما أنّ العكس كذلك؛ فلو استطاع للحجّ دونها وجب دونها.
        مسألة 2 - تُجزي العمرة المتمتّع بها عن العمرة المفردة. وهل تجب على من وظيفته حجّ التمتّع إذا استطاع لها ولم يكن مستطيعا للحجّ؟ المشهور عدمه، وهو الأقوى؛ وعلى هذا لاتجب على الأجير بعد فراغه عن عمل النيابة وإن كان مستطيعا لها وهو في مكّة؛ وكذا لاتجب على من تمكّن منها ولم يتمكّن من الحجّ لمانع، لكنّ الأحوط الإتيان بها.
        مسألة 3 - قد تجب العمرة بالنذر والحلف والعهد والشرط في ضمن العقد والإجارة والإفساد، وإن كان إطلاق الوجوب عليها في غير الأخير مسامحة على ما هو التحقيق. وتجب أيضا لدخول مكّة بمعنى حرمته بدونها، فإنّه لايجوز دخولها إلّا مُحرما إلّا في بعض الموارد: منها: من يكون مقتضى شغله الدخول والخروج كرارا، كالحطّاب والحشّاش، وأمّا استثناء مطلق من يتكرّر منه فمشكل؛ ومنها: غير ذلك كالمريض والمبطون ممّا ذكر في محلّه، وما عدا ذلك مندوب. ويستحبّ تكرارها كالحجّ. واختلفوا في مقدار الفصل بين العمرتين، والأحوط في ما دون الشهر الإتيان بها رجاءً.

      • القول في أقسام الحج

         

        القول في أقسام الحجّ

        وهي ثلاثة: تمتّع وقران وإفراد. والأوّل فرض من كان بعيدا عن مكّة، والآخران فرض من كان حاضرا أي غير بعيد. وحدّ البعد ثمانية وأربعون ميلا من كلّ جانب - على الأقوى - من مكّة. ومن كان على نفس الحدّ فالظاهر أنّ وظيفته التمتّع. ولو شكّ في أنّ منزله في الحدّ أو الخارج وجب عليه الفحص، ومع عدم تمكّنه يراعي الاحتياط. ثمّ إنّ ما مرّ إنّما هو بالنسبة إلى حجّة الإسلام. وأمّا الحجّ النذريّ وشبهه فله نذر أيّ قسم شاء، وكذا حال شقيقيه. وأمّا الإفساديّ فتابع لما أفسده.
        مسألة 1 - من كان له وطنان -أحدهما دون الحدّ والآخر خارجه أو فيه- لزمه فرض أغلبهما، لكن بشرط عدم إقامة سنتين بمكّة؛ فإن تساويا فإن كان مستطيعا من كلّ منهما تخيّر بين الوظيفتين وإن كان الأفضل اختيار التمتّع، وإن كان مستطيعا من أحدهما دون الآخر لزمه فرض وطن الاستطاعة.
        مسألة ۲ - من كان من أهل مكّة وخرج إلى بعض الأمصار ثمّ رجع إليها فالأحوط أن يأتي بفرض المكّيّ، بل لايخلو من قوّة.
        مسألة 3 - الآفاقيّ إذا صار مقيما في مكّة: فإن كان ذلك بعد استطاعته ووجوب التمتّع عليه فلا إشكال في بقاء حكمه، سواء كانت إقامته بقصد التوطّن أو المجاورة ولو بأزيد من سنتين؛ وأمّا لو لم يكن مستطيعا ثمّ استطاع بعد إقامته في مكّة فينقلب فرضه إلى فرض المكّيّ بعد الدخول في السنة الثالثة، لكن بشرط أن تكون الإقامة بقصد المجاورة؛ وأمّا لو كان بقصد التوطّن فينقلب بعد قصده من الأوّل؛ وفي صورة الانقلاب يلحقه حكم المكّيّ بالنسبة إلى الاستطاعة أيضا، فتكفي في وجوبه استطاعته منها، ولا يشترط فيه حصولها من بلده. ولو حصلت الاستطاعة بعد الإقامة في مكّة قبل مضيّ السنتين لكن بشرط وقوع الحجّ - على فرض المبادرة إليه - قبل تجاوز السنتين فالظاهر أنّه كما لو حصلت في بلده، فيجب عليه التمتّع ولو بقيت إلى السنة الثالثة أو أزيد. وأمّا المكّيّ إذا خرج إلى سائرالأمصار مجاورا لها فلا يلحقه حكمها في تعيّن التمتّع عليه، إلّا إذا توطّن وحصلت الاستطاعة بعده فيتعيّن عليه التمتّع ولو في السنة الاُولى.
        مسألة 4 - المقيم في مكّة لو وجب عليه التمتّع - كما إذا كانت استطاعته في بلده أو استطاع في مكّة قبل انقلاب فرضه - يجب عليه الخروج إلى الميقات لإحرام عمرة التمتّع، والأحوط أن يخرج إلى مُهَلّ أرضه فيحرم منه، بل لايخلو من قوّة؛ وإن لم يتمكّن فيكفي الرجوع إلى أدنى الحلّ، والأحوط الرجوع إلى مايتمكّن من خارج الحرم ممّا هو دون الميقات؛ وإن لم يتمكّن من الخروج إلى أدنى الحلّ أحرم من موضعه، والأحوط الخروج إلى ما يتمكّن.

      • القول في صورة حج التمتع اجمالاً

         

        القول في صورة حجّ التمتّع إجمالا

        وهي أن يحرم في أشهر الحجّ من إحدى المواقيت بالعمرة المتمتّع بها إلى الحجّ، ثمّ يدخل مكّة المعظّمة فيطوف بالبيت سبعا، ويصلّي عند مقام إبراهيم (عليه السلام) ركعتين، ثمّ يسعى بين الصفا والمروة سبعا، ثمّ يطوف للنساء احتياطا سبعا ثمّ ركعتين له، وإن كان الأقوى عدم وجوب طواف النساء وصلاته، ثمّ يقصّر فيحلّ عليه كلّ ما حرم عليه بالإحرام. وهذه صورة عمرة التمتّع الّتي هي أحد جزئي حجّه. ثمّ ينشى ء إحراما للحجّ من مكّة المعظّمة في وقت يعلم أنّه يدرك الوقوف بعرفة، والأفضل إيقاعه يوم التروية بعد صلاة الظهر، ثمّ يخرج إلى عرفات فيقف بها من زوال يوم عرفة إلى غروبه، ثمّ يفيض منها ويمضي إلى المشعر فيبيت فيه، ويقف به بعد طلوع الفجر من يوم النحر إلى طلوع الشمس منه، ثمّ يمضي إلى منى لأعمال يوم النحر، فيرمي جمرة العقبة، ثمّ ينحر أو يذبح هديه، ثمّ يحلق إن كان صرورة على الأحوط. ويتخيّر غيره بينه وبين التقصير. ويتعيّن على النساء التقصير؛ فيحلّ بعد التقصير من كلّ شي ء إلّا النساء والطيب. والأحوط اجتناب الصيد أيضا، وإن كان الأقوى عدم حرمته عليه من حيث الإحرام. نعم، يحرم عليه لحرمة الحرم. ثمّ يأتي إلى مكّة ليومه إن شاء، فيطوف طواف الحجّ ويصلّي ركعتيه ويسعى سعيه، فيحلّ له الطيب، ثمّ يطوف طواف النساء ويصلّي ركعتيه فتحلّ له النساء. ثمّ يعود إلى منى لرمي الجمار فيبيت بها ليالي التشريق - وهي الحادية عشرة والثانية عشرة والثالث عشرة (1) وبيتوتة الثالث عشرة إنّما هي في بعض الصور كما يأتي. ويرمي في أيّامها(2) الجمار الثلاث؛ ولو شاء لا يأتي إلى مكّة ليومه، بل يقيم بمنى حتّى يرمي جماره الثلاث يوم الحادي عشر؛ ومثله يوم الثاني عشر؛ ثمّ ينفر بعد الزوال لو كان قد اتّقى النساء والصيد؛ وإن أقام إلى النفر الثاني - وهو الثالثة عشر - ولو قبل الزوال لكن بعد الرمي جاز أيضا. ثمّ عاد إلى مكّة للطوافين والسعي. والأصحّ الاجتزاء بالطواف والسعي تمام ذي الحجّة. والأفضل الأحوط أن يمضي إلى مكّة يوم النحر، بل لاينبغي التأخير لغده فضلا عن أيّام التشريق إلّا لعذر.
        مسألة 1 - يشترط في حجّ التمتّع اُمور:
        أحدها: النيّة، أي قصد الإتيان بهذا النوع من الحجّ حين الشروع في إحرام العمرة؛ فلو لم ينوه أو نوى غيره أو تردّد في نيّته بينه وبين غيره لم يصحّ.
        ثانيها: أن يكون مجموع عمرته وحجّه في أشهر الحجّ؛ فلو أتى بعمرته أو بعضها في غيرها لم يجز له أن يتمتّع بها. وأشهر الحجّ شوّال وذوالقعدة وذوالحجّة بتمامه على الأصحّ.
        ثالثها: أن يكون الحجّ والعمرة في سنة واحدة؛ فلو أتى بالعمرة في سنة وبالحجّ في الاُخرى لم يصحّ ولم يُجز عن حجّ التمتّع، سواء أقام في مكّة إلى العام القابل أم لا، وسواء أحلّ من إحرام عمرته أو بقي عليه إلى العام القابل.
        رابعها: أن يكون إحرام حجّه من بطن مكّة مع الاختيار؛ وأمّا عمرته فمحلّ إحرامها المواقيت الآتية. وأفضل مواضعها المسجد، وأفضل مواضعه مقام إبراهيم (عليه السلام) أو حجر إسماعيل(عليه السلام) ولو تعذّر الإحرام من مكّة أحرم ممّا يتمكّن. ولو أحرم من غيرها اختيارا متعمّدا بطل إحرامه. ولو لم يتداركه بطل حجّه. ولا يكفيه العود إليها من غير تجديد، بل يجب أن يجدّده فيها، لأنّ إحرامه من غيرها كالعدم. ولو أحرم من غيرها جهلا أو نسيانا وجب العود إليها والتجديد مع الإمكان، ومع عدمه جدّده في مكانه.
        خامسها: أن يكون مجموع العمرة والحجّ من واحد وعن واحد، فلو استؤجر إثنان لحجّ التمتّع عن ميّت أحدهما لعمرته والآخر لحجّه لم يجز عنه. وكذا لو حجّ شخص وجعل عمرته عن شخص وحجّه عن آخر لم يصحّ.
        مسألة 2 - الأحوط أن لا يخرج من مكّة بعد الإحلال عن عمرة التمتّع بلاحاجة. ولو عرضته حاجة فالأحوط أن يحرم للحجّ من مكّة ويخرج لحاجته ويرجع محرما لأعمال الحجّ، لكن لو خرج من غير حاجة ومن غير إحرام ثمّ رجع وأحرم وحجّ صحّ حجّه.
        مسألة 3 - وقت الإحرام للحجّ موسّع؛ فيجوز التأخير إلى وقت يدرك وقوف الاختياريّ من عرفة، ولا يجوز التأخير عنه. ويستحبّ الإحرام يوم التروية، بل هو أحوط.
        مسألة 4 - لو نسي الإحرام وخرج إلى عرفات وجب الرجوع للإحرام من مكّة، ولو لم يتمكّن لضيق وقت أو عذر أحرم من موضعه؛ ولو لم يتذكّر إلى تمام الأعمال صحّ حجّه. والجاهل بالحكم في حكم الناسي. ولو تعمّد ترك الإحرام إلى زمان فوت الوقوف بعرفة ومشعر بطل حجّه.
        مسألة 5 - لايجوز لمن وظيفته التمتّع أن يعدل إلى غيره من القسمين الأخيرين اختيارا. نعم، لو ضاق وقته عن إتمام العمرة وإدراك الحجّ جاز له نقل النيّة إلى الإفراد، ويأتي بالعمرة بعد الحجّ. وحدّ ضيق الوقت خوف فوات الاختياريّ من وقوف عرفة على الأصحّ. والظاهر عموم الحكم بالنسبة إلى الحجّ المندوب؛ فلو نوى التمتّع ندبا وضاق وقته عن إتمام العمرة وإدراك الحجّ جاز له العدول إلى الإفراد، والأقوى عدم وجوب العمرة عليه.
        مسألة 6 - لو علم من وظيفته التمتّع ضيق الوقت عن إتمام العمرة وإدراك الحجّ قبل أن يدخل في العمرة لايبعد جواز العدول من الأوّل إلى الإفراد، بل لو علم حال الإحرام بضيق الوقت جاز له الإحرام بحجّ الإفراد وإتيانه ثمّ إتيان عمرة مفردة بعده، وتمّ حجّه وكفى عن حجّة الإسلام. ولو دخل في العمرة بنيّة التمتّع في سعة الوقت وأخّر الطواف والسعي متعمّدا إلى أن ضاق الوقت ففي جواز العدول وكفايته إشكال، والأحوط العدول وعدم الاكتفاء لو كان الحجّ واجبا عليه.
        مسألة 7 - الحائض أو النفساء إذا ضاق وقتها عن الطهر وإتمام العمرة يجب عليها العدول إلى الإفراد والإتمام ثمّ الإتيان بعمرة بعد الحجّ. ولو دخل مكّة من غير إحرام لعذر وضاق الوقت أحرم لحجّ الإفراد، وأتى بعد الحجّ بعمرة مفردة، وصحّ وكفى عن حجّة الإسلام.
        مسألة 8 - صورة حجّ الإفراد كحجّ التمتّع إلّا في شي ء واحد، وهو أنّ الهدي واجب في حجّ التمتّع ومستحبّ في الإفراد.
        مسألة 9 - صورة العمرة المفردة كعمرة التمتّع إلّا في اُمور:
        أحدها: أنّ في عمرة التمتّع يتعيّن التقصير ولا يجوز الحلق، وفي العمرة المفردة تخيّر بينهما.
        ثانيها: أنّه لا يكون في عمرة التمتّع طواف النساء وإن كان أحوط، وفي العمرة المفردة يجب طواف النساء.
        ثالثها: ميقات عمرة التمتّع أحد المواقيت الآتية، وميقات العمرة المفردة أدنى الحلّ وإن جاز فيها الإحرام من تلك المواقيت.


        1و2) هكذا في جميع الطبعات، لكنّ الصحيح: «الثالثة عشرة».

      • المواقيت
        • القول في المواقيت

           

          القول في المواقيت

          وهي المواضع الّتي عُيّنت للإحرام، وهي خمسة لعمرة الحجّ:
          الأوّل: ذوالحليفة. وهو ميقات أهل المدينة ومن يمرّ على طريقهم. والأحوط الاقتصار على نفس مسجد الشجرة، لاعنده في الخارج، بل لايخلو من وجه.
          مسألة 1 - الأقوى عدم جواز التأخير اختيارا إلى الجحفة. وهي ميقات أهل الشام. نعم، يجوز مع الضرورة لمرض أو ضعف أو غيرهما من الأعذار.
          مسألة ۲ - الجنب والحائض والنفساء جاز لهم الإحرام حال العبور عن المسجد إذا لم يستلزم الوقوف فيه، بل وجب عليهم حينئذٍ؛ ولو لم يمكن لهم بلاوقوف فالجنب مع فقد الماء أو العذر عن استعماله يتيمّم للدخول والإحرام في المسجد؛ وكذا الحائض والنفساء بعد نقائهما، وأمّا قبل نقائهما فإن لم يمكن لهما الصبر إلى حال النقاء فالأحوط لهما الإحرام خارج المسجد عنده وتجديده في الجحفة أو محاذاتها.
          الثاني: العقيق. وهو ميقات أهل نجد والعراق ومن يمرّ عليه من غيرهم. وأوّله المسلخ ووسطه غمرة وآخره ذات عرق. والأقوى جوازالإحرام من جميع مواضعه اختيارا. والأفضل من المسلخ ثمّ من غمرة. ولو اقتضت التقيّة عدم الإحرام من أوّله والتأخير إلى ذات العرق فالأحوط التأخير، بل عدم الجواز لايخلو من وجه.
          الثالث: الجحفة. وهي لأهل الشام ومصر ومغرب ومن يمرّ عليهامن غيرهم.
          الرابع: يلملم. وهو لأهل يمن ومن يمرّ عليه.
          الخامس: قرن المنازل. وهو لأهل الطائف ومن يمرّ عليه.
          مسألة ۳ - تثبت تلك المواقيت - مع فقد العلم - بالبيّنة الشرعيّة أو الشياع الموجب للاطمينان؛ ومع فقدهما بقول أهل الاطّلاع مع حصول الظنّ فضلا عن الوثوق؛ فلو أراد الإحرام من المسلخ - مثلا - ولم يثبت كون المحلّ الكذائيّ ذلك لابدّ من التأخير حتّى يتيّقن الدخول في الميقات.
          مسألة 4 - من لم يمرّ على أحدالمواقيت جازله الإحرام من محاذاةأحدها. ولو كان في الطريق ميقاتان يجب الإحرام من محاذاة أبعدهما إلى مكّة على الأحوط؛ والأولى تجديد الإحرام في الآخر.
          مسألة 5 - المراد من المحاذاة أن يصل في طريقه إلى مكّة إلى موضع يكون الميقات على يمينه أو يساره بخطّ مستقيم، بحيث لو جاوز منه يتمايل الميقات إلى الخلف. والميزان هو المحاذاة العرفيّة لا العقليّة الدقّ-يّة. ويشكل الاكتفاء بالمحاذاة من فوق، كالحاصل لمن ركب الطائرة لو فرض إمكان الإحرام مع حفظ المحاذاة فيها، فلا يُترك الاحتياط بعدم الاكتفاء بها.
          مسألة 6 - تثبت المحاذاة بما يثبت به الميقات على ما مرّ، بل بقول أهل الخبرة وتعيينهم بالقواعد العلميّة مع حصول الظنّ منه.
          مسألة 7 - ما ذكرنا من المواقيت هي ميقات عمرة الحجّ. وهنا مواقيت اُخر:
          الأوّل: مكّة المعظّمة. وهي لحجّ التمتّع.
          الثاني: دويرة الأهل أي المنزل. وهي لمن كان منزله دون الميقات إلى مكّة بل لأهل مكّة؛ وكذا المجاور الّذي انتقل فرضه إلى فرض أهل مكّة وإن كان الأحوط إحرامه من الجعرانة، فإنّهم يحرمون بحجّ الإفراد والقران من مكّة. والظاهر أنّ الإحرام من المنزل للمذكورين من باب الرخصة، وإلّا فيجوز لهم الإحرام من أحد المواقيت.
          الثالث: أدنى الحلّ. وهو لكلّ عمرة مفردة، سواء كانت بعد حجّ القران أو الإفراد أم لا. والأفضل أن يكون من الحديبيّة أو الجعرانة أو التنعيم، وهو أقرب من غيره إلى مكّة.

        • القول في أحكام المواقيت

           

          القول في أحكام المواقيت

          مسألة 1 - لايجوز الإحرام قبل المواقيت، ولا ينعقد. ولا يكفي المرور عليها محرما، بل لابدّ من إنشائه في الميقات. ويُستثنى من ذلك موضعان:
          أحدهما: إذا نذر الإحرام قبل الميقات فإنّه يجوز ويصحّ ويجب العمل به، ولايجب تجديد الإحرام في الميقات ولا المرور عليها. والأحوط اعتبار تعيين المكان؛ فلايصحّ نذر الإحرام قبل الميقات بلا تعيين على الأحوط. ولا يبعد الصحّة على نحو الترديد بين المكانين، بأن يقول: «للّه عليّ أن اُحرم إمّا من الكوفة أو البصرة» وإن كان الأحوط خلافه. ولا فرق بين كون الإحرام للحجّ الواجب أو المندوب أو للعمرة المفردة. نعم، لو كان للحجّ أو عمرة التمتّع يشترط أن يكون في أشهر الحجّ.
          مسألة 2 - لو نذر وخالف نذره عمدا أو نسيانا ولم يحرم من ذلك المكان لم يبطل إحرامه إذا أحرم من الميقات، وعليه الكفّارة إذا خالفه عمدا.
          ثانيهما: إذا أراد إدراك عمرة رجب وخشي فوتها إن أخّرالإحرام إلى الميقات فيجوز أن يحرم قبل الميقات، وتحسب له عمرة رجب وإن أتى ببقيّة الأعمال في شعبان، والأولى الأحوط تجديده في الميقات. كما أنّ الأحوط التأخير إلى آخر الوقت وإن كان الظاهر جوازه قبل الضيق إذا علم عدم الإدراك إذا أخّرإلى الميقات. والظاهر عدم الفرق بين العمرة المندوبة والواجبة والمنذور فيها ونحوه.
          مسألة 3 - لا يجوز تأخير الإحرام عن الميقات؛ فلا يجوز لمن أراد الحجّ أو العمرة أو دخول مكّة أن يجاوز الميقات اختيارا بلاإحرام، بل الأحوطعدم التجاوز عن محاذاة الميقات أيضا وإن كان أمامه ميقات آخر؛ فلو لم يحرم منه وجب العود إليه، بل الأحوط العود وإن كان أمامه ميقات آخر. وأمّا إذا لم يرد النسك ولادخول مكّة - بأن كان له شغل خارج مكّة وإن كان في الحرم - فلايجب الإحرام.
          مسألة 4 - لو أخّر الإحرام من الميقات عالما عامدا ولم يتمكّن من العود إليه لضيق الوقت أو لعذر آخر ولم يكن أمامه ميقات آخر بطل إحرامه وحجّه، ووجب عليه الإتيان في السنة الآتية إذا كان مستطيعا، وأمّا إذا لم يكن مستطيعا فلايجب وإن أثم بترك الإحرام.
          مسألة 5 - لو كان مريضا ولم يتمكّن من نزع اللباس ولبس الثوبين يجزيه النيّة والتلبية؛ فإذا زال العذر نزعه ولبسهما، ولا يجب عليه العود إلى الميقات.
          مسألة 6 - لو كان له عذر عن إنشاء أصل الإحرام في الميقات - لمرض أو إغماء ونحو ذلك - فتجاوز عنه ثمّ زال وجب عليه العود إلى الميقات مع التمكّن منه، وإلّا أحرم من مكانه. والأحوط العود إلى نحو الميقات بمقدار الإمكان وإن كان الأقوى عدم وجوبه. نعم، لو كان في الحرم خرج إلى خارجه مع الإمكان، ومع عدمه يحرم من مكانه. والأولى الأحوط الرجوع إلى نحو خارج الحرم بمقدار الإمكان. وكذا الحال لو كان تركه لنسيان أو جهل بالحكم أو الموضوع. وكذا الحال لو كان غير قاصد للنسك ولا لدخول مكّة فجاوز الميقات ثمّ بدا له ذلك، فإنّه يرجع إلى الميقات بالتفصيل المتقدّم. ولو نسي الإحرام ولم يتذكّر إلى آخر أعمال العمرة ولم يتمكّن من الجبران فالأحوط بطلان عمرته وإن كانت الصحّة غير بعيدة. ولو لم يتذكّر إلى آخر أعمال الحجّ صحّت عمرته وحجّه.

      • أفعال الحج
        • الاحرام
          • القول في كيفية الاحرام

             

            القول في كيفيّة الإحرام

            الواجبات وقت الإحرام ثلاثة:
            الأوّل: القصد، لابمعنى قصد الإحرام، بل بمعنى قصد أحد النسك؛ فإذا قصد العمرة - مثلا - ولبّى صار محرما ويترتّب عليه أحكامه. وأمّا قصد الإحرام فلايعقل أن يكون محقّقا لعنوانه؛ فلو لم يقصد أحد النسك لم يتحقّق إحرامه، سواء كان عن عمد أو سهو أو جهل، ويبطل نسكه أيضا إذا كان الترك عن عمد؛ وأمّا مع السهو والجهل فلا يبطل، ويجب عليه تجديد الإحرام من الميقات إن أمكن، وإلّا فمن حيث أمكن على التفصيل المتقدّم.
            مسألة 1 - يعتبر في النيّة القربة والخلوص كما في سائر العبادات؛ فمع فقدهما أو فقد أحدهما يبطل إحرامه. ويجب أن تكون مقارنةً للشروع فيه، فلا يكفي حصولها في الأثناء، فلو تركها وجب تجديدها.
            مسألة 2 - يعتبر في النيّة تعيين المنويّ من الحجّ والعمرة، وأنّ الحجّ تمتّع أو قران أو إفراد، وأنّه لنفسه أو غيره، وأنّه حجّة الإسلام أو الحجّ النذريّ أو الندبيّ؛ فلو نوى من غير تعيين وأو كله إلى ما بعد ذلك بطل. وأمّا نيّة الوجه فغير واجبة إلّا إذا توقّف التعيين عليها. ولا يعتبر التلفّظ بالنيّة ولا الإخطار بالبال.
            مسألة 3 - لايعتبر في الإحرام قصد ترك المحرّمات لاتفصيلا ولا إجمالا، بل لو عزم على ارتكاب بعض المحرّمات لم يضرّ بإحرامه. نعم، قصد ارتكاب مايُبطل الحجّ من المحرّمات لا يجتمع مع قصد الحجّ.
            مسألة 4 - لو نسي ماعيّنه من حجّ أوعمرة: فإن اختصّت الصحّةواقعابأحدهما تجدّد النيّة لما يصحّ فيقع صحيحا؛ ولو جاز العدول من أحدهما إلى الآخر يعدل فيصحّ؛ ولو صحّ كلاهما ولا يجوز العدول يعمل على قواعد العلم الإجماليّ مع الإمكان وعدم الحرج، وإلاّ فبحسب إمكانه بلاحرج.
            مسألة 5 - لونوى كحجّ فلان: فإن علم أنّ حجّه لماذاصحّ،وإلّافالأوجه البطلان.
            مسألة 6 - لو وجب عليه نوع من الحجّ أو العمرة بالأصل فنوى غيره بطل. ولو كان عليه ما وجب بالنذر وشبهه فلا يبطل لو نوى غيره. ولو نوى نوعا ونطق بغيره كان المدار ما نوى. ولو كان في أثناء نوع وشكّ في أنّه نواه أو نوى غيره بنى على أنّه نواه.
            مسألة 7 - لو نوى مكان عمرة التمتّع حجّه جهلا: فإن كان من قصده إتيان العمل الّذي يأتي به غيره وظنّ أنّ ما يأتي به أوّلا اسمه الحجّ فالظاهر صحّته ويقع عمرة؛ وأمّا لو ظنّ أنّ حجّ التمتّع مقدّم على عمرته فنوى الحجّ بدل العمرة ليذهب إلى عرفات ويعمل عمل الحجّ ثمّ يأتي بالعمرة فإحرامه باطل يجب تجديده في الميقات إن أمكن، وإلّا فبالتفصيل الّذي مرّ في ترك الإحرام.
            الثاني: من الواجبات: التلبيات الأربع. وصورتها على الأصحّ أن يقول:
            «لَبّيْكَ اللّهُمّ لَبّيْكَ، لَبّيْكَ لَا شَرِيكَ لَكَ لَبّيْكَ»، فلو اكتفى بذلك كان محرما وصحّ إحرامه.
            والأحوط الأولى أن يقول عقيب ما تقدّم: «إنّ الْحَمْدَ وَالنّعْمَةَ لَكَ وَالْمُلْكَ، لَا شَرِيكَ لَكَ لَبّيْكَ». وأحوط منه أن يقول بعد ذلك: «لَبّيْكَ اللّهُمّ لَبّيْكَ، إِنّ الْحَمْدَ وَالنّعْمَةَ لَكَ وَالْمُلْكَ، لَا شَرِيكَ لَكَ لَبّيْكَ».
            مسألة 8 - يجب الإتيان بها على الوجه الصحيح بمراعاة أداء الكلمات على القواعد العربيّة؛ فلا يجزي الملحون مع التمكّن من الصحيح ولو بالتلقين أو التصحيح؛ ومع عدم تمكّنه فالأحوط الجمع بين إتيانها بأيّ نحو أمكنه وترجمتها بلغته، والأولى الاستنابة مع ذلك. ولا تصحّ الترجمة مع التمكّن من الأصل. والأخرس يشير إليها بإصبعه مع تحريك لسانه، والأولى الاستنابة مع ذلك. ويلبّى عن الصبيّ غير المميّز.
            مسألة 9 - لاينعقد إحرام عمرة التمتّع وحجّه ولا إحرام حجّ الإفراد ولاإحرام العمرة المفردة إلّا بالتلبية. وأمّا في حجّ القران فيتخيّر بينها وبين الإشعار أو التقليد. والإشعار مختصّ بالبدن. والتقليد مشترك بينها وبين غيرها من أنواع الهدي. والأولى في البُدن الجمع بين الإشعار والتقليد؛ فينعقد إحرام حجّ القران بأحد هذه الاُمور الثلاثة؛ لكنّ الأحوط مع اختيار الإشعار والتقليد ضمّ التلبية أيضا. والأحوط وجوب التلبية على القارن وإن لم يتوقّف انعقاد إحرامه عليها، فهي واجبة عليه في نفسها على الأحوط.
            مسألة 10 - لو نسي التلبية وجب عليه العود إلى الميقات لتداركها، وإن لم يتمكّن يأتي فيه التفصيل المتقدّم في نسيان الإحرام على الأحوطلولم يكن الأقوى. ولو أتى قبل التلبية بما يوجب الكفّارة للمحرم لم تجب عليه، لعدم انعقاده إلّا بها.
            مسألة 11 - الواجب من التلبية مرّة واحدة. نعم، يستحبّ الإكثار بها وتكرارها ما استطاع، خصوصا في دبر كلّ فريضة أو نافلة، وعند صعود شرَف أو هبوط وادٍ، وفي آخر الليل، وعند اليقظة، وعند الركوب، وعند الزوال، وعند ملاقاة راكب، وفي الأسحار.
            مسألة 12 - المعتمر عمرة التمتّع يقطع تلبيته عند مشاهدة بيوت مكّة. والأحوط قطعها عند مشاهدة بيوتها في الزمن الّذي يعتمر فيه إن وسع البلد. والمعتمر عمرةً مفردةً يقطعها عند دخول الحرم لو جاء من خارجه، وعند مشاهدة الكعبة إن كان خرج من مكّة لإحرامها. والحاجّ بأيّ نوع من الحجّ يقطعها عند زوال يوم عرفة؛ والأحوط أنّ القطع على سبيل الوجوب.
            مسألة 13 - الظاهر أنّه لايلزم في تكرار التلبية أن يكون بالصورة المعتبرة في انعقاد الإحرام، بل يكفي أن يقول: «لَبّيْكَ اللّهُمّ لَبّيْكَ»، بل لايبعد كفاية لفظة «لَبّيْكَ».
            مسألة 14 - لو شكّ بعد التلبية أنّه أتى بها صحيحةً أم لا بنى على الصحّة. ولو أتى بالنيّة ولبس الثوبين وشكّ في إتيان التلبية بنى على العدم مادام في الميقات؛ وأمّا بعد الخروج فالظاهر هو البناء على الإتيان، خصوصا إذا تلبّس ببعض الأعمال المتأخّرة.
            مسألة 15 - إذا أتى بما يوجب الكفّارة وشكّ في أنّه كان بعد التلبية - حتّى تجب عليه - أو قبلها لم تجب عليه، من غير فرق بين مجهولي التاريخ أو كون تاريخ أحدهما مجهولا.
            الثالث: من الواجبات: لبس الثوبين بعد التجرّد عمّا يحرم على المحرم لبسه، يتّزر بأحدهما ويتردّى بالآخر. والأقوى عدم كون لبسهما شرطا في تحقّق الإحرام، بل واجبا تعبّديّا. والظاهر عدم اعتبار كيفيّة خاصّة في لبسهما؛ فيجوز الاتّزار بأحدهما كيف شاء، والارتداء بالآخر أو التوشّح به أو غير ذلك من الهيئات، لكنّ الأحوط لبسهما على الطريق المألوف. وكذا الأحوط عدم عقد الثوبين ولو بعضهما ببعض، وعدم غرزهما بإبرة ونحوها، لكنّ الأقوى جواز ذلك كلّه ما لم يخرج عن كونهما رداءً وإزارا. نعم، لا يترك الاحتياط بعدم عقد الإزار على عنقه. ويكفي فيهما المسمّى وإن كان الأولى بل الأحوط كون الإزار ممّا يستر السرّة والركبة، والرداء ممّا يستر المنكبين.
            مسألة 16 - الأحوط عدم الاكتفاء بثوب طويل يتّزر ببعضه ويرتدي بالباقي إلّا في حال الضرورة، ومع رفعها في أثناء العمل لبس الثوبين. وكذا الأحوط كون اللبس قبل النيّة والتلبية؛ فلو قدّمهما عليه أعادهما بعده، والأحوط النيّة وقصد التقرّب في اللبس. وأمّا التجرّد عن اللباس فلا يعتبر فيه النيّة وإن كان الأحوط والأولى الاعتبار.
            مسألة 17 - لو أحرم في قميص عالما عامدا فعل محرّما، ولا تجب الإعادة. وكذا لو لبسه فوق الثوبين أو تحتهما وإن كان الأحوط الإعادة، ويجب نزعه فورا. ولو أحرم في القميص جاهلا أو ناسيا وجب نزعه وصحّ إحرامه. ولو لبسه بعد الإحرام فاللازم شقّه وإخراجه من تحت؛بخلاف مالوأحرم فيه،فإنّه يجب نزعه لاشقّه.
            مسألة 18 - لاتجب استدامة لبس الثوبين، بل يجوز تبديلهما ونزعهما لإزالة الوسخ أو للتطهير، بل الظاهر جواز التجرّد منهما في الجملة.
            مسألة 19 - لابأس بلبس الزيادة على الثوبين مع حفظ الشرائط ولو اختيارا.
            مسألة 20 - يشترط في الثوبين أن يكونا ممّا تصحّ الصلاة فيهما؛ فلا يجوز في الحرير وغير المأكول والمغصوب والمتنجّس بنجاسة غير معفوّة في الصلاة، بل الأحوط للنساء أيضا أن لايكون ثوب إحرامهنّ من حرير خالص، بل الأحوط لهنّ عدم لبسه إلى آخر الإحرام.
            مسألة 21 - لايجوز الإحرام في إزار رقيق بحيث يرى الجسم من ورائه؛ والأولى أن لايكون الرداء أيضا كذلك.
            مسألة 22 - لايجب على النساء لبس ثوبي الإحرام؛ فيجوز لهنّ الإحرام في ثوبهنّ المخيط.
            مسألة 23 - الأحوط تطهير ثوبي الإحرام أو تبديلهما إذا تنجّسا بنجاسة غير معفوّة، سواء كان في أثناء الأعمال أم لا. والأحوط المبادرة إلى تطهير البدن أيضا حال الإحرام، ومع عدم التطهير لايبطل إحرامه ولا تكون عليه كفّارة.
            مسألة 24 - الأحوط أن لايكون الثوب من الجلود وإن لايبعد جوازه إن صدق عليه الثوب؛ كما لايجب أن يكون منسوجا، فيصحّ في مثل اللبد مع صدق الثوب.
            مسألة 25 - لو اضطرّ إلى لبس القباء أو القميص لبرد ونحوه جاز لبسهما؛ لكن يجب أن يقلب القباء ذيلا وصدرا وتردّى به ولم يلبسه، بل الأحوط أن يقلبه بطنا وظهرا؛ ويجب أيضا أن لايلبس القميص وتردّى به. نعم، لو لم يرفع الاضطرار إلّا بلبسهما جاز.
            مسألة 26 - لو لم يلبس ثوبي الإحرام عالما عامدا أو لبس المخيط حين إرادة الإحرام عصى، لكن صحّ إحرامه. ولو كان ذلك عن عذر لم يكن عاصيا أيضا.
            مسألة 27 - لايشترط في الإحرام الطهارة من الحدث الأصغر ولا الأكبر؛ فيجوز الإحرام حال الجنابة والحيض والنفاس.

          • القول في تروك الاحرام

             

            القول في تروك الإحرام

            والمحرّمات منه اُمور:
            الأوّل: صيد البرّ اصطيادا وأكلا - ولو صاده محلّ - وإشارةً ودلالةً وإغلاقا وذبحا وفرخا وبيضةً؛ فلو ذبحه كان ميتةً على المشهور، وهو أحوط. والطيور حتّى الجراد بحكم الصيد البرّيّ. والأحوط ترك قتل الزنبور والنحل إن لم يقصدا إيذاءه. وفي الصيد أحكام كثيرة تركناها لعدم الابتلاء بها.
            الثاني: النساء وطءا وتقبيلا ولمسا ونظرا بشهوة، بل كلّ لذّة وتمتّع منها.
            مسألة 1 - لو جامع في إحرام عمرة التمتّع - قبلا أو دبرا بالاُنثى أو الذكر - عن علم وعمد فالظاهر عدم بطلان عمرته، وعليه الكفّارة؛ لكنّ الأحوط إتمام العمل واستينافه لو وقع ذلك قبل السعي، ولو ضاق الوقت حجّ إفرادا وأتى بعده بعمرة مفردة، وأحوط من ذلك إعادة الحجّ من قابل؛ ولو ارتكبه بعد السعي فعليه الكفّارة فقط، وهي على الأحوط بدنة من غير فرق بين الغنيّ والفقير.
            مسألة ۲ - لو ارتكب ذلك في إحرام الحجّ عالما عامدا بطل حجّه إن كان قبل وقوف عرفات بلا إشكال؛ وإن كان بعده وقبل الوقوف بالمشعر فكذلك على الأقوى؛ فيجب عليه في الصورتين إتمام العمل والحجّ من قابل، وعليه الكفّارة، وهي بدنة. ولو كان ذلك بعد الوقوف بالمشعر: فإن كان قبل تجاوز النصف من طواف النساء صحّ حجّه وعليه الكفّارة، وإن كان بعد تجاوزه عنه صحّ ولا كفّارة على الأصحّ.
            مسألة 3 - لو قبّل امرأة بشهوة فكفّارته بدنة، وإن كان بغير شهوة فشاة وإن كان الأحوط بدنة. ولو نظر إلى أهله بشهوة فأمنى فكفّارته بدنة على المشهور، وان لم يكن بشهوة فلا شي ء عليه. ولو نظر إلى غير أهله فأمنى فالأحوط أن يكفّر ببدنة مع الإمكان، وإلّا فببقرة، وإلا فبشاة. ولو لامسها بشهوة فأمنى فعليه الكفّارة، والأحوط بدنة، وكفاية الشاة لا تخلو من قوّة، وإن لم يمن فكفّارته شاة.
            مسألة 4 - لو جامع امرأته المحرمة: فإن أكرهها فلا شي ء عليها، وعليه كفّارتان، وإن طاوعته فعليها كفّارة وعليه كفّارة.
            مسألة 5 - كلّ ما يوجب الكفّارة لو وقع عن جهل بالحكم أو غفلة أو نسيان لايبطل به حجّه وعمرته ولا شي ء عليه.
            الثالث: إيقاع العقد لنفسه أو لغيره ولو كان محلّاً، وشهادة العقد وإقامتها عليه على الأحوط ولو تحمّلها محلّاً وإن لايبعد جوازها. ولو عقد لنفسه في حال الإحرام حرمت عليه دائما مع علمه بالحكم، ولو جهله فالعقد باطل لكن لاتحرم عليه دائما، والأحوط ذلك سيّما مع المقاربة.
            مسألة 6 - تجوز الخطبة في حال الإحرام، والأحوط تركها. ويجوز الرجوع في الطلاق الرجعيّ.
            مسألة 7 - لو عقد محلّاً على امرأة محرمة فالأحوط ترك الوقاع ونحوه، ومفارقتها بطلاق. ولو كان عالما بالحكم طلّقها، ولاينكحها أبدا.
            مسألة 8 - لو عقد لمحرم فدخل بها فمع علمهم بالحكم فعلى كلّ واحد منهم كفّارة، وهي بدنة، ولو لم يدخل بها فلا كفّارة على واحد منهم. ولافرق في ما ذكر بين كون العاقد والمرأة محلّين أو محرمين. ولو علم بعضهم الحكم دون بعض يكفّر العالم عن نفسه دون الجاهل.
            مسألة 9 - الظاهر عدم الفرق في ما ذكر من الأحكام بين العقد الدائم والمنقطع.
            الرابع: الاستمناء بيده أو غيرها بأيّة وسيلة، فإن أمنى فعليه بدنة. والأحوط بطلان ما يوجب الجماع بطلانه على نحو ما مرّ.
            الخامس: الطيب بأنواعه حتّى الكافور صبغا وإطلاءً وبخورا على بدنه أو لباسه. ولا يجوز لبس ما فيه رائحته، ولا أكل ما فيه الطيب كالزعفران. والأقوى عدم حرمة الزنجبيل والدار صينيّ، والأحوط الاجتناب.
            مسألة 10 - يجب الاجتناب عن الرياحين، أي كلّ نبات فيه رائحة طيّبة إلّا بعض أقسامها البرّيّة كالخُزامى، وهو نبت زهره من أطيب الأزهار على ما قيل، والقيصوم والشيح والإذخر. ويستثنى من الطيب خلوق الكعبة، وهو مجهول عندنا، فالأحوط الاجتناب من الطيب المستعمل فيها.
            مسألة 11 - لايجب الاجتناب عن الفواكه الطيّبة الريح - كالتفّاح والاُترجّ - أكلا واستشماما وإن كان الأحوط ترك استشمامه.
            مسألة 12 - يستثنى ما يستشمّ من العطر في سوق العطّارين بين الصفا والمروة، فيجوز ذلك.
            مسألة 13 - لو اضطرّ إلى لبس ما فيه الطيب أو أكله أو شربه يجب إمساك أنفه. ولايجوز إمساك أنفه من الرائحة الخبيثة. نعم، يجوز الفرار منها والتنحّي عنها.
            مسألة 14 - لا بأس ببيع الطيب وشرائه والنظر إليه، لكن يجب الاحتراز عن استشمامه.
            مسألة 15 - كفّارة استعمال الطيب شاة على الأحوط. ولو تكرّر منه الاستعمال: فإن تخلّل بين الاستعمالين الكفّارة تكرّرت، وإلّا فإن تكرّر في أوقات مختلفه فالأحوط الكفّارة، وإن تكرّر في وقت واحد لايبعد كفاية الكفّارة الواحدة.
            السادس: لبس المخيط للرجال، كالقميص والسر اويل والقباء وأشباهها؛ بل لايجوز لبس ما يشبه بالمخيط، كالقميص المنسوج والمصنوع من اللبد. والأحوط الاجتناب من المخيط ولو كان قليلا كالقلنسوة والتكّة. نعم، يستثنى من المخيط شدّ الهميان المخيط الّذي فيه النقود.
            مسألة 16 - لو احتاج إلى شدّ فتقه بالمخيط جاز، لكنّ الأحوط الكفّارة. ولو اضطرّ إلى لبس المخيط - كالقباء ونحوه - جاز وعليه الكفّارة.
            مسألة 17 - يجوز للنساء لبس المخيط بأيّ نحو كان. نعم، لايجوز لهنّ لبس القفّازين.
            مسألة 18 - كفّارة لبس المخيط شاة؛ فلو لبس المتعدّد ففي كلّ واحد شاة. ولو جعل بعض الألبسة في بعض ولبس الجميع دفعةً واحدةً فالأحوط الكفّارة لكلّ واحد منها. ولو اضطرّ إلى لبس المتعدّد جاز ولم تسقط الكفّارة.
            مسألة 19 - لو لبس المخيط كالقميص - مثلا - وكفّر ثمّ تجرّد عنه ولبسه ثانيا أو لبس قميصا آخر فعليه الكفّارة ثانيا. ولو لبس المتعدّد من نوع واحد - كالقميص أو القباء - فالأحوط تعدّد الكفّارة وإن كان ذلك في مجلس واحد.
            السابع: الاكتحال بالسواد إن كان فيه الزينة وإن لم يقصدها. ولا يترك الاحتياط بالاجتناب عن مطلق الكحل الّذي فيه الزينة، ولو كان فيه الطيب فالأقوى حرمته.
            مسألة 20 - لاتختصّ حرمة الاكتحال بالنساء، فيحرم على الرجال أيضا.
            مسألة 21 - ليس في الاكتحال كفّارة، لكن لو كان فيه الطيب فالأحوط التكفير.
            مسألة 22 - لو اضطرّ إلى الاكتحال جاز.
            الثامن: النظر في المرآة، من غير فرق بين الرجل والمرأة، وليس فيه الكفّارة، لكن يستحبّ بعد النظر أن يلبّي. والأحوط الاجتناب عن النظر في المرآة ولو لم يكن للتزيين.
            مسألة 23 - لابأس بالنظر إلى الأجسام الصيقليّة والماء الصافي ممّا يُرى فيه الأشياء. ولا بأس بالمنظرة إن لم تكن زينة، وإلّا فلاتجوز.
            التاسع: لبس ما يستر جميع ظهر القدم كالخفّ والجورب وغيرهما. ويختصّ ذلك بالرجال، ولا يحرم على النساء. وليس في لبس ما ذكر كفّارة. ولو احتاج إلى لبسه فالأحوط شقّ ظهره.
            العاشر: الفسوق. ولا يختصّ بالكذب، بل يشمل السباب والمفاخرة أيضا. وليس في الفسوق كفّارة، بل يجب التوبة عنه. ويستحبّ الكفّارة بشي ء، والأحسن ذبح بقرة.
            الحادي عشر: الجدال. وهو قول: «لا واللّه» و «بلى واللّه» وكلّ ما هو مرادف لذلك في أيّ لغة كان إذا كان في مقام إثبات أمر أو نفيه. ولو كان القسم بلفظ الجلالة أو مرادفه فهو جدال. والأحوط إلحاق سائر أسماء اللّه تعالى - كالرحمان والرحيم وخالق السماوات ونحوها - بالجلالة. وأمّا القسم بغيره تعالى من المقدّسات فلا يلحق بالجدال.
            مسألة 24 - لو كان في الجدال صادقا فليس عليه كفّارة إذا كرّر مرّتين، وفي الثالث كفّارة وهي شاة. ولو كان كاذبا فالأحوط التكفير في المرّة بشاة، وفي المرّتين ببقرة، وفي ثلاث مرّات ببدنة، بل لايخلو من قوّة.
            مسألة 25 - لو جادل بكذب فكفّر ثمّ جادل ثانيا فلا يبعد وجوب شاة لا بقرة. ولو جادل مرّتين فكفّر ببقرة ثمّ جادل مرّة اُخرى فالظاهر أنّ كفّارته شاة. ولو جادل في الفرض مرّتين فالظاهر أنّها بقرة لابدنة.
            مسألة 26 - لو جادل صادقا زائدا على ثلاث مرّات فعليه شاة. نعم، لو كفّر بعد الثلاث ثمّ جادل ثلاثا فما فوقها يجب عليه كفّارة اُخرى. ولو جادل كاذبا عشر مرّات أو أزيد فالكفّارة بدنة. نعم، لو كفّر بعد الثلاثة أو أزيد ثمّ جادل تكرّرت على الترتيب المتقدّم.
            مسألة 27 - يجوز في مقام الضرورة لإثبات حقّ أو إبطال باطل القسم بالجلالة وغيرها.
            الثاني عشر: قتل هوامّ الجسد من القمّلة والبرغوث ونحوهما، وكذا هوامّ جسد سائر الحيوانات. ولا يجوز إلقاؤها من الجسد ولا نقلها من مكانها إلى محلّ تسقط منه؛ بل الأحوط عدم نقلها إلى محلّ يكون معرض السقوط؛ بل الأحوط الأولى أن لاينقلها إلى مكان يكون الأوّل أحفظ منه. ولا يبعد عدم الكفّارة في قتلها، لكنّ الأحوط الصدقة بكفّ من الطعام.
            الثالث عشر: لبس الخاتم للزينة؛ فلو كان للاستحباب أو الخاصّيّة فيه - لا للزينة - لا إشكال فيه. والأحوط ترك استعمال الحنّاء للزينة، بل لو كان فيه الزينة فالأحوط تركه وإن لم يقصدها، بل الحرمة في الصورتين لاتخلو من وجه. ولو استعمله قبل الإحرام للزينة أو لغيرها لا إشكال فيه ولو بقي أثره حال الإحرام. وليس في لبس الخاتم واستعمال الحنّاء كفّارة وإن فعل حراما.
            الرابع عشر: لبس المرأة الحليّ للزينة؛ فلو كان زينةً فالأحوط تركه وإن لم يقصدها، بل الحرمة لا تخلو عن قوّة. ولابأس بما كانت معتادةً به قبل الإحرام، ولايجب إخراجه؛ لكن يحرم عليها إظهاره للرجال حتّى زوجها. وليس في لبس الحليّ كفّارة وإن فعلت حراما.
            الخامس عشر: التدهين وإن لم يكن فيه طيب؛ بل لايجوز التدهين بالمطيّب قبل الإحرام لو بقي طيبه إلى حين الإحرام. ولا بأس بالتدهين مع الاضطرار، ولابأكل الدهن إن لم يكن فيه طيب. ولو كان في الدهن طيب فكفّارته شاة حتّى للمضطرّ به، وإلّا فلا شي ء عليه.
            السادس عشر: إزالة الشعر كثيره وقليله - حتّى شعرة واحدة - عن الرأس واللحية وسائر البدن بحلق أو نتف أو غيرهما بأيّ نحو كان ولو باستعمال النورة، سواء كانت الإزالة عن نفسه أو غيره ولو كان محلّاً.
            مسألة 28 - لا بأس بإزالة الشعر للضرورة، كدفع القمّلة وإيذائه العين مثلا. ولابأس بسقوط الشعر حال الوضوء أو الغسل بلا قصد الإزالة.
            مسألة 29 - كفّارة حلق الرأس إن كان لغير ضرورة شاة على الأحوط، بل لايبعد ذلك. ولو كان للضرورة اثنى عشر مدّا من الطعام لستّة مساكين لكلّ منهم مدّان، أو دم شاة أو صيام ثلاثة أيّام. والأحوط في إزالة شعر الرأس بغير حلق كفّارة الحلق.
            مسألة 30 - كفّارة نتف الإبطين شاة. والأحوط ذلك في نتف إحداهما. وإذا مسّ شعره فسقط شعرة أو أكثر فالأحوط كفّ طعام يتصدّق به.
            السابع عشر: تغطية الرجل رأسه بكلّ مايغطّيه، حتّى الحشيش والحنّاءوالطين ونحوها على الأحوط فيها؛ بل الأحوط أن لا يضع على رأسه شيئا يغطّي به رأسه. وفي حكم الرأس بعضه. والاُذن من الرأس ظاهرا فلا يجوز تغطيته. ويستثنى من الحكم عصام القربة وعصابة الرأس للصداع.
            مسألة 31 - لايجوز ارتماسه في الماء ولا غيره من المائعات، بل لايجوز ارتماس بعض رأسه حتّى اُذنه في ما يغطّيه. ولا يجوز تغطية رأسه عند النوم؛ فلو فعل غفلةً أو نسيانا أزاله فورا، ويستحبّ التلبية حينئذٍ بل هي الأحوط. نعم، لابأس بوضع الرأس عند النوم على المخدّة ونحوها. ولا بأس بتغطية وجهه مطلقا.
            مسألة 32 - كفّارة تغطية الرأس بأيّ نحو شاة. والأحوط ذلك في تغطية بعضه. والأحوط تكرّرها في تكرّر التغطية وإن لايبعد عدم وجوبه حتّى إذا تخلّلت الكفّارة، وإن كان الاحتياط مطلوبا فيه جدّا.
            مسألة 33 - تجب الكفّارة إذا خالف عن علم وعمد؛ فلا تجب على الجاهل بالحكم ولا على الغافل والساهي والناسي.
            الثامن عشر: تغطية المرأة وجهها بنقاب وبرقع ونحوهما حتّى المروحة. والأحوط عدم التغطية بما لايتعارف كالحشيش والطين. وبعض الوجه في حكم تمامه. نعم، يجوز وضع يديها على وجهها. ولا مانع من وضعه على المخدّة ونحوها للنوم.
            مسألة 34 - يجب ستر الرأس عليها للصلاة، ووجب ستر مقدار من أطراف الوجه مقدّمةً، لكن إذا فرغت من الصلاة يجب رفعه عن وجهها فورا.
            مسألة 35 - يجوز إسدال الثوب وإرساله من رأسها إلى وجهها إلى أنفها، بل إلى نحرها للستر عن الأجنبيّ؛ والأولى الأحوط أن تُسدله بوجه لايلصق بوجهها ولو بأخذه بيدها.
            مسألة 36 - لا كفّارة على تغطية الوجه، ولا على عدم الفصل بين الثوب والوجه وإن كانت أحوط في الصورتين.
            التاسع عشر: التظليل فوق الرأس للرجال دون النساء؛ فيجوز لهنّ بأيّة كيفيّة، وكذا جاز للأطفال. ولا فرق في التظليل بين كونه في المحمل المغطّى فوقه بما يوجبه أو في السيّارة والقطار والطائرة والسفينة ونحوها المسقّفة بما يوجبه. والأحوط عدم الاستظلال بما لا يكون فوق رأسه - كالسير على جنب المحمل أو الجلوس عند جدار السفينة والاستظلال بهما - وإن كان الجواز لايخلو من قوّة.
            مسألة 37 - حرمة الاستظلال مخصوصة بحال السير وطيّ المنازل، من غير فرق بين الراكب وغيره. وأمّا لو نزل في منزل كمنى أو عرفات أو غيرهما فيجوز الاستظلال تحت السقف والخيمة وأخذ المظلّة حال المشي؛ فيجوز لمن كان في منى أن يذهب مع المظلّة إلى المذبح أو إلى محلّ رمي الجمرات وإن كان الاحتياط في الترك.
            مسألة 38 - جلوس المحرم حال طيّ المنزل في المحمل وغيره ممّا هو مسقّف إذا كان السير في الليل خلاف الاحتياط وإن كان الجواز لا يخلو من قوّة؛ فيجوز السير محرما مع الطائرة السائرة في الليل.
            مسألة 39 - إذا اضطرّ إلى التظليل حال السير - لبرد أو حرّ أو مطر أو غيرها من الأعذار - جاز، وعليه الكفّارة.
            مسألة 40 - كفّارة الاستظلال شاة وإن كان عن عذر على الأحوط. والأقوى كفاية شاة في إحرام العمرة وشاة في إحرام الحجّ وإن تكرّر منه الاستظلال فيهما.
            العشرون: إخراج الدم من بدنه ولو بنحو الخدش أو المسواك. وأمّا إخراجه من بدن غيره - كقلع ضرسه أو حجامته - فلابأس به؛ كما لابأس بإخراجه من بدنه عند الحاجة والضرورة. ولا كفّارة في الإدماء ولو لغير ضرورة.
            الحادي والعشرون: قلم الأظفار وقصّها كلّاً أو بعضا من اليد أو الرجل، من غير فرق بين آلاته كالمقراض والمدية ونحوهما. والأحوط عدم إزالته ولو بالضرس ونحوه، بل الأحوط عدم قصّ الظفر من اليد الزائدة أو الإصبع الزائدة وإن لايبعد الجواز لو علم أنّهما زائدان.
            مسألة 41 - الكفّارة في كلّ ظفر من اليد أو الرجل مدّ من الطعام ما لم يبلغ في كلّ منهما العشرة؛ فلو قصّ تسعة أظفار من كلّ منهما فعليه لكلّ واحد مدّ.
            مسألة 42 - الكفّارة لقصّ جميع أظفار اليد شاة، ولقصّ جميع أظفار الرجل شاة. نعم، لو قصّهما في مجلس واحد فللمجموع شاة، إلّا مع تخلّل الكفّارة بين قصّ الأوّل والثاني فعليه شاتان. ولو قصّ جميع أظفار إحداهما وبعض الاُخرى فللجميع شاة، وللبعض لكلّ ظفر مدّ. ولو قصّ جميع إحداهما في مجلس أو مجلسين وجميع الاُخرى في مجلس آخر أو مجلسين آخرين فعليه شاتان. ولو قصّ جميع أظفار يده في مجالس عديدة فعليه شاة، وكذا في قصّ ظفر الرجل.
            مسألة 43 - لو كان أظفار يده أو رجله أقلّ من عشرة فقصّ الجميع فلكلّ واحد مدّ، والأحوط دم شاة. ولو كانت أكثر فقصّ الجميع فعليه شاة. وكذا لو قصّ جميع أظفاره الأصليّة على الأحوط. ولو قصّ بعض الأصليّة وبعض الزائدة فلكلّ من الأصليّة مدّ؛ والأولى الأحوط تكفير مدّ لكلّ من الزائدة.
            مسألة 44 - لو اضطرّ إلى قلم أظفاره أو بعضها جاز؛ والأحوط الكفّارة بنحو ماذكر.
            الثاني والعشرون: قلع الضرس ولو لم يدم على الأحوط. وفيه شاة على الأحوط.
            الثالث والعشرون: قلع الشجر والحشيش النابتين في الحرم وقطعهما. ويستثنى منه موارد: الأوّل: ما نبت في داره ومنزله بعد ما صارت داره ومنزله؛ فإن غرسه وأنبته بنفسه جاز قلعهما وقطعهما، وإن لم يغرس الشجر بنفسه فالأحوط الترك وإن كان الأقوى الجواز. ولا يترك الاحتياط في الحشيش إن لم ينبته بنفسه. ولو اشترى دارا فيه شجر وحشيش فلا يجوز له قطعهما. الثاني: شجر الفواكه والنخيل، سواء أنبته اللّه تعالى أو الآدميّ. الثالث: الإذخر وهو حشيش.
            مسألة 45 - لو قطع الشجرة الّتي لايجوز قطعها أو قلعها: فإن كانت كبيرةً فعليه بقرة، وإن كانت صغيرةً فعليه شاة على الأحوط.
            مسألة 46 - لو قطع بعض الشجر فالأقوى لزوم الكفّارة بقيمته. وليس في الحشيش كفّارة إلّا الاستغفار.
            مسألة 47 - لو مشى على النحو المتعارف وقطع حشيشا فلا بأس به، كما جاز تعليف ناقته به، لكن لايقطع هو لها.
            مسألة 48 - لا يجوز للمحلّ أيضا قطع الشجر والحشيش من الحرم في ما لايجوز للمحرم.
            الرابع والعشرون: لبس السلاح على الأحوط - كالسيف والخنجر والطبنجة ونحوها ممّا هو آلات الحرب - إلّا لضرورة. ويكره حمل السلاح إذا لم يلبسه إن كان ظاهرا، والأحوط الترك.

        • الطواف
          • القول في الطواف

             

            حكم الطواف

            الطواف أوّل واجبات العمرة. وهو عبارة عن سبعة أشواط حول الكعبة المعظّمة بتفصيل وشرائط آتية. وهو ركن يبطل العمرة بتركه عمدا إلى وقت فوته، سواء كان عالما بالحكم أو جاهلا. ووقت فوته ما إذا ضاق الوقت عن إتيانه وإتيان سائر أعمال العمرة وإدراك الوقوف بعرفات.
            مسألة 1 - الأحوط لمن أبطل عمرته عمدا الإتيان بحجّ الإفراد وبعده بالعمرة والحجّ من قابل.
            مسألة 2 - لو ترك الطواف سهوا يجب الإتيان به في أيّ وقت أمكنه؛ وإن رجع إلى محلّه وأمكنه الرجوع بلا مشقّة وجب، وإلّا استناب لإتيانه.
            مسألة 3 - لو لم يقدر على الطواف لمرض ونحوه: فإن أمكن أن يطاف به -ولو بحمله على سرير- وجب، ويجب مراعاة ما هو معتبر فيه بقدر الإمكان؛ وإلّا تجب الاستنابة عنه.
            مسألة 4 - لو سعى قبل الطواف فالأحوط إعادته بعده. ولو قدّم الصلاة عليه يجب إعادتها بعده.

          • القول في واجبات الطواف

             

            القول في واجبات الطواف

            وهي قسمان:
            الأوّل في شرائطه، وهي اُمور:
            الأوّل: النيّة بالشرائط المتقدّمة في الإحرام.
            الثاني: الطهارة من الأكبر والأصغر؛ فلا يصحّ من الجنب والحائض ومن كان محدثا بالأصغر، من غير فرق بين العالم والجاهل والناسي.
            مسألة 1 - لو عرضه في أثنائه الحدث الأصغر: فإن كان بعد إتمام الشوط الرابع توضّأ وأتى بالبقيّة وصحّ، وإن كان قبله فالأحوط الإتمام مع الوضوء والإعادة. ولو عرضه الأكبر وجب الخروج من المسجد فورا وأعاد الطواف بعد الغسل لو لم يتمّ أربعة أشواط، وإلّا أتمّه.
            مسألة 2 - لو كان له عذر عن المائيّة يتيمّم بدلا عن الوضوء أو الغسل؛ والأحوط مع رجاء ارتفاع العذر الصبر إلى ضيق الوقت.
            مسألة 3 - لو شكّ في أثناء الطواف أنّه كان على وضوء: فإن كان بعد تمام الشوط الرابع توضّأ وأتمّ طوافه وصحّ، وإلّا فالأحوط الإتمام ثمّ الإعادة. ولو شكّ في أثنائه في أنّه اغتسل من الأكبر؟ يجب الخروج فورا، فإن أتمّ الشوط الرابع فشكّ أتمّ الطواف بعد الغسل وصحّ، والأحوط الإعادة، وإن عرضه الشكّ قبله أعاد الطواف بعد الغسل. ولو شكّ بعد الطواف لايعتني به، ويأتي بالطهور للأعمال اللاحقة.
            الثالث: طهارة البدن واللباس. والأحوط الاجتناب عمّا هو المعفوّ عنه في الصلاة، كالدم الأقلّ من الدرهم وما لاتتمّ فيه الصلاة حتّى الخاتم. وأمّا دم القروح والجروح فإن كان في تطهيره حرج عليه لا يجب. والأحوط تأخير الطواف مع رجاء إمكان التطهير بلا حرج بشرط أن لا يضيق الوقت. كما أنّ الأحوط تطهير اللباس أو تعويضه مع الإمكان.
            مسألة 4 - لو علم بعد الطواف بنجاسة ثوبه أو بدنه حاله فالأصحّ صحّة طوافه. ولو شكّ في طهارتهما قبل الطواف جاز الطواف بهما وصحّ، إلّا مع العلم بالنجاسة والشكّ في التطهير.
            مسألة 5 - لو عرضته نجاسة في أثناء الطواف أتمّه بعد التطهير وصحّ. وكذا لو رأى نجاسة واحتمل عروضها في الحال. ولو علم أنّها كانت من أوّل الطواف فالأحوط الإتمام بعد التطهير ثمّ الإعادة، سيّما إذا طال زمان التطهير، فالأحوط حينئذٍ الإتيان بصلاة الطواف بعد الإتمام ثمّ إعادة الطواف والصلاة، ولا فرق في ذلك الاحتياط بين إتمام الشوط الرابع وعدمه.
            مسألة 6 - لو نسي الطهارة وتذكّر بعد الطواف أو في أثنائه فالأحوط الإعادة.
            الرابع: أن يكون مختونا. وهو شرط في الرجال لا النساء. والأحوط مراعاته في الأطفال؛ فلو أحرم الطفل الأغلف بأمر وليّه أو أحرمه وليّه صحّ إحرامه ولم يصحّ طوافه على الأحوط؛ فلو أحرم بإحرام الحجّ حرم عليه النساء على الأحوط، وتحلّ بطواف النساء مختونا أو الاستنابة له للطواف. ولو تولّد الطفل مختونا صحّ طوافه.
            الخامس: ستر العورة؛ فلو طاف بلا ستر بطل طوافه. وتعتبر في الساتر الإباحة؛ فلا يصحّ مع المغصوب، بل لا يصحّ على الأحوط مع غصبيّة غيره من سائر لباسه.
            السادس: الموالاة بين الأشواط عرفا على الأحوط، بمعنى أن لا يفصل بين الأشواط بما يخرج عن صورة طواف واحد.
            القسم الثاني ما عدّ جزءا لحقيقته،ولكن بعضها من قبيل الشرط،والأمر سهل.
            وهي اُمور:
            الأوّل: الابتداء بالحجر الأسود. وهو يحصل بالشروع من الحجر الأسود من أوّله أو وسطه أو آخره.
            الثاني: الختم به. ويجب الختم في كلّ شوط بما ابتدأ منه، ويتمّ الشوط به. وهذان الشرطان يحصلان بالشروع من جزء منه - والدور سبعة أشواط - والختم بما بدأ منه. ولا يجب بل لايجوز ما فعله بعض أهل الوسوسة وبعض الجهّال ممّا يوجب الوهن على المذهب الحقّ، بل لو فعله ففي صحّة طوافه إشكال.
            مسألة 7 - لا يجب الوقوف في كلّ شوط. ولا يجوز ما فعله الجهّال من الوقوف والتقدّم والتأخّر بما يوجب الوهن على المذهب.
            الثالث: الطواف على اليسار، بأن تكون الكعبة المعظّمة حال الطواف على يساره. ولا يجب أن يكون البيت في تمام الحالات محاذيا حقيقةً للكتف؛ فلو انحرف قليلا حين الوصول إلى حجر إسماعيل(عليه السلام) صحّ وإن تمايل البيت إلى خلفه ولكن كان الدور على المتعارف؛ وكذا لو كان ذلك عند العبور عن زوايا البيت، فإنّه لا إشكال فيه بعد كون الدور على النحو المتعارف ممّا يفعله سائرالمسلمين.
            مسألة 8 - الاحتياط بكون البيت في جميع الحالات على الكتف الأيسر وإن كان ضعيفا جدّا ويجب على الجهّال والعوامّ الاحتراز عنه لو كان موجبا للشهرة ووهن المذهب لكن لا مانع منه لو فعله عالم عاقل بنحو لايكون مخالفا للتقيّة أو موجبا للشهرة.
            مسألة 9 - لو طاف على خلاف المتعارف في بعض أجزاء شوطه مثلا - كما لو صار بواسطة المزاحمة وجهه إلى الكعبة أو خلفه إليها أوطاف على خلفه على عكس المتعارف - يجب جبرانه، ولا يجوز الاكتفاء به.
            مسألة 10 - لو سلب بواسطة الازدحام الاختيار منه في طوافه فطاف ولو على اليسار بلا اختيار وجب جبرانه وإتيانه باختيار، ولا يجوز الاكتفاء بما فعل.
            مسألة 11 - يصحّ الطواف بأيّ نحو من السرعة والبطء ماشيا وراكبا، لكنّ الأولى المشي اقتصادا.
            الرابع: إدخال حجر إسماعيل 7 في الطواف، فيطوف خارجه عند الطواف حول البيت؛ فلو طاف من داخله أو على جداره بطل طوافه وتجب الإعادة؛ ولو فعله عمدا فحكمه حكم من أبطل الطواف عمدا كما مرّ؛ ولو كان سهوا فحكمه حكم إبطال الطواف سهوا. ولو تخلّف في بعض الأشواط فالأحوط إعادة الشوط، والظاهر عدم لزوم إعادة الطواف وإن كانت أحوط.
            الخامس: أن يكون الطواف بين البيت ومقام إبراهيم(عليه السلام) ، ومقدار الفصل بينهما في سائرالجوانب، فلايزيد عنه. وقالوا: إنّ الفصل بينهماستّةوعشرون ذراعا ونصف ذراع، فلابدّ أن لايكون الطواف في جميع الأطراف زائدا على هذا المقدار.
            مسألة 12 - لا يجوز جعل مقام إبراهيم داخلا في طوافه؛ فلو أدخله بطل؛ ولو أدخله في بعضه أعاد ذلك البعض، والأحوطإعادةالطواف بعدإتمام دوره بإخراجه.
            مسألة 13 - يضيق محلّ الطواف خلف حجر إسماعيل بمقداره، وقالوا بقي هناك ستّة أذرع ونصف تقريبا، فيجب أن لايتجاوز هذا الحدّ، ولو تخلّف أعاد هذا الجزء في الحدّ.
            السادس: الخروج عن حائط البيت وأساسه؛ فلو مشى عليهما لم يجز ويجب جبرانه، كما لو مشى على جدران الحجر وجب الجبران وإعادة ذاك الجزء. ولابأس بوضع اليد على الجدار عند الشاذروان، والأولى تركه.
            السابع: أن يكون طوافه سبعة أشواط.
            مسألة 14 - لوقصدالإتيان زائدا عليها أو ناقصا عنها بطل طوافه ولو أتمّه سبعا. والأحوط إلحاق الجاهل بالحكم بل الساهي والغافل بالعامد في وجوب الإعادة.
            مسألة 15 - لو تخيّل استحباب شوط بعد السبعة الواجبة فقصد أن يأتي بالسبعة الواجبة وأتى بشوط آخر مستحبّ صحّ طوافه.
            مسألة 16 - لو نقص من طوافه سهوا: فإن جاوز النصف فالأقوى وجوب إتمامه، إلّا أن يتخلّل الفعل الكثير فحينئذٍ الأحوط الإتمام والإعادة، وإن لم يجاوزه أعاد الطواف، لكنّ الأحوط الإتمام والإعادة.
            مسألة 17 - لو لم يتذكّر بالنقص إلّا بعد الرجوع إلى وطنه - مثلا - يجب مع الإمكان الرجوع إلى مكّة لاستينافه، ومع عدمه أو حرجيّته تجب الاستنابة، والأحوط الإتمام ثمّ الإعادة.
            مسألة 18 - لو زاد على سبعة سهوا: فإن كان الزائد أقلّ من شوط قطع وصحّ طوافه، ولو كان شوطا أو أزيد فالأحوط إتمامه سبعة أشواط بقصد القربة من غير تعيين الاستحباب أو الوجوب، وصلّى ركعتين قبل السعي وجعلهما للفريضة من غير تعيين للطواف الأوّل أو الثاني، وصلّى ركعتين بعد السعي لغير الفريضة.
            مسألة 19 - يجوز قطع الطواف المستحبّ بلاعذر،وكذا المفروض على الأقوى. والأحوط عدم قطعه بمعنى قطعه بلا رجوع إلى أن تفوت الموالاة العرفيّة.
            مسألة 20 - لو قطع طوافه ولم يأت بالمنافي - حتّى مثل الفصل الطويل - أتمّه وصحّ طوافه؛ ولو أتى بالمنافي فإن قطعه بعد تمام الشوط الرابع فالأحوط إتمامه وإعادته.
            مسألة 21 - لو حدث عذر بين طوافه من مرض أو حدث بلا اختيار: فإن كان بعد تمام الشوط الرابع أتمّه بعد رفع العذر وصحّ، وإلّا أعاده.
            مسألة 22 - لو شكّ بعد الطواف والانصراف في زيادة الأشواط لايعتني به وبنى على الصحّة. ولو شكّ في النقيصة فكذلك على إشكال، فلا يترك الاحتياط. ولو شكّ بعده في صحّته من جهة الشكّ في أنّه طاف مع فقد شرط أو وجود مانع بنى على الصحّة حتّى إذا حدث قبل الانصراف بعد حفظ السبعة بلا نقيصة وزيادة.
            مسألة 23 - لو شكّ بعد الوصول إلى الحجر الأسود في أنّه زاد على طوافه بنى على الصحّة. ولو شكّ قبل الوصول في أنّ ما بيده السابع أو الثامن - مثلا - بطل. ولو شكّ في آخر الدور أو في الأثناء أنّه السابع أو السادس أو غيره من صور النقصان بطل طوافه.
            مسألة 24 - كثير الشكّ في عدد الأشواط لا يعتني بشكّه. والأحوط استنابة شخص وثيق لحفظ الأشواط. والظنّ في عدد الأشواط في حكم الشكّ.
            مسألة 25 - لو علم في حال السعي عدم الإتيان بالطواف قطع وأتى به ثمّ أعاد السعي. ولو علم نقصان طوافه قطع وأتمّ ما نقص، ورجع وأتمّ ما بقي من السعي وصحّ، لكنّ الأحوط فيها الإتمام والإعادة لو طاف أقلّ من أربعة أشواط. وكذا لو سعى أقلّ منها فتذكّر.
            مسألة 26 - التكلّم والضحك وإنشاد الشعر لا تضرّ بطوافه، لكنّها مكروهة. ويستحبّ فيه القراءة والدعاء وذكر اللّه تعالى.
            مسألة 27 - لايجب في حال الطواف كون صفحة الوجه إلى القدّام، بل يجوز الميل إلى اليمين واليسار والعقب بصفحة وجهه. وجاز قطع الطواف وتقبيل البيت والرجوع لإتمامه؛ كما جاز الجلوس والاستلقاء بينه بمقدار لايضرّ بالموالاة العرفيّة، وإلّا فالأحوط الإتمام والإعادة.

          • القول في صلاة الطواف

             

            القول في صلاة الطواف

            مسألة 1 - يجب بعد الطواف صلاة ركعتين له. وتجب المبادرة إليها بعده على الأحوط. وكيفيّتها كصلاة الصبح. ويجوز فيهما الإتيان بكلّ سورة إلّا العزائم. ويستحبّ في الاُولى التوحيد وفي الثانية الجحد. وجازالإجهاربالقراءةوالإخفات.
            مسألة ۲ - الشكّ في عدد الركعات موجب للبطلان. ولا يبعد اعتبار الظنّ فيه. وهذه الصلاة كسائر الفرائض في الأحكام.
            مسألة ۳ - يجب أن تكون الصلاة عند مقام إبراهيم (عليه السلام) والأحوطوجوباكونها خلفه، وكلّما قرب إليه أفضل، لكن لابحيث يزاحم الناس. ولو تعذّر الخلف للازدحام أتى عنده من اليمين أو اليسار؛ ولو لم يمكنه أن يصلّي عنده يختار الأقرب من الجانبين والخلف، ومع التساوي يختار الخلف؛ ولو كان الطرفان أقرب من الخلف لكن خرج الجميع عن صدق كونها عنده لايبعد الاكتفاء بالخلف، لكنّ الأحوط إتيان صلاة اُخرى في أحد الجانبين مع رعاية الأقربيّة. والأحوط إعادة الصلاة مع الإمكان خلف المقام لو تمكّن بعدها إلى أن يضيق وقت السعي.
            مسألة 4 - لو نسي الصلاة أتى بها أينما تذكّر عند المقام. ولو تذكّر بين السعي رجع وصلّى ثمّ أتمّ السعي من حيث قطعه وصحّ. ولو تذكّر بعد الأعمال المترتّبة عليها لاتجب إعادتها بعدها. ولو تذكّر في محلّ يشقّ عليه الرجوع إلى المسجد الحرام صلّى في مكانه ولو كان بلدا آخر، ولا يجب الرجوع إلى الحرم ولو كان سهلا. والجاهل بالحكم بحكم الناسي في جميع الأحكام.
            مسألة 5 - لو مات وكان عليه صلاة الطواف يجب على ولده الأكبر القضاء.
            مسألة 6 - لو لم يتمكّن من القراءة الصحيحة ولم يتمكّن من التعلّم صلّى بما أمكنه وصحّت. ولو أمكن تلقينه فالأحوط ذلك. والأحوط الاقتداء بشخص عادل، لكن لايكتفي به كما لا يكتفي بالنائب.

        • القول في السعى

           

          القول في السعي

          مسألة 1 - يجب بعد ركعتي الطواف السعي بين الصفا والمروة. ويجب أن يكون سبعة أشواط، من الصفا إلى المروة شوط،ومنها إليه شوط آخر. ويجب البدأة بالصفا والختم بالمروة، ولوعكس بطل، وتجب الإعادة أينما تذكّر ولو بين السعي.
          مسألة ۲ - يجب على الأحوط أن يكون الابتداء بالسعي من أوّل جزءمن الصفا؛ فلوصعد إلى بعض الدرج في الجبل وشرع كفى. ويجب الختم بأوّل جزء من المروة، وكفى الصعود إلى بعض الدرج. ويجوز السعي ماشيا وراكبا، والأفضل المشي.
          مسألة ۳ - لايعتبر الطهارة من الحدث ولا الخبث ولا ستر العورة في السعي وإن كان الأحوط الطهارة من الحدث.
          مسألة 4 - يجب أن يكون السعي بعد الطواف وصلاته؛ فلو قدّمه على الطواف أعاده بعده ولو لم يكن عن عمد وعلم.
          مسألة 5 - يجب أن يكون السعي من الطريق المتعارف، فلا يجوز الانحراف الفاحش. نعم، يجوز من الطبقة الفوقانيّة أو التحتانيّة لو فرض حدوثها، بشرط أن تكون بين الجبلين لافوقهما أو تحتهما. والأحوط اختيار الطريق المتعارف قبل إحداث الطبقتين.
          مسألة 6 - يعتبر عند السعي إلى المروة أو إلى الصفا الاستقبال إليهما،فلايجوز المشي على الخلف أو أحد الجانبين؛ لكن يجوز الميل بصفحة وجهه إلى أحد الجانبين أو إلى الخلف؛ كما يجوز الجلوس والنوم على الصفا أو المروة أو بينهما قبل تمام السعي ولو بلا عذر.
          مسألة 7 - يجوز تأخير السعي عن الطواف وصلاته للاستراحة وتخفيف الحرّ بلاعذر حتّى إلى الليل؛ والأحوط عدم التأخير إلى الليل. ولا يجوز التأخير إلى الغد بلا عذر.
          مسألة 8 - السعي عبادة يجب فيه ما يعتبر فيها من القصد وخلوصه. وهو ركن، وحكم تركه عمدا أو سهوا حكم ترك الطواف كما مرّ.
          مسألة 9 - لو زاد فيه سهوا شوطا أو أزيد صحّ سعيه، والأولى قطعه من حيث تذكّر وإن لايبعد جواز تتميمه سبعا. ولو نقصه وجب الإتمام أينما تذكّر. ولو رجع إلى بلده وأمكنه الرجوع بلا مشقّة وجب، ولو لم يمكنه أو كان شاقّا استناب. ولو أتى ببعض الشوط الأوّل وسها ولم يأت بالسعي فالأحوط الاستيناف.
          مسألة 10 - لو أحلّ في عمرة التمتّع قبل تمام السعي سهوا بتخيّل الإتمام وجامع زوجته يجب عليه إتمام السعي، والكفّارة بذبح بقرة على الأحوط؛ بل لو قصّر قبل تمام السعي سهوا وفعل ذلك فالأحوط الإتمام والكفّارة. والأحوط إلحاق السعي في غير عمرة التمتّع به فيها في الصورتين.
          مسألة 11 - لو شكّ في عدد الأشواط بعد التقصير يمضي ويبني على الصحّة. وكذا لو شكّ في الزيادة بعد الفراغ عن العمل. ولو شكّ في النقيصة بعد الفراغ والانصراف ففي البناء على الصحّة إشكال، فالأحوط إتمام ما احتمل من النقص. ولو شكّ بعد الفراغ أو بعد كلّ شوط في صحّة ما فعل بنى على الصحّة. وكذا لو شكّ في صحّة جزء من الشوط بعد المضيّ.
          مسألة 12 - لو شكّ وهو في المروة بين السبع والزيادة كالتسع - مثلا - بنى على الصحّة. ولو شكّ في أثناء الشوط أنّه السبع أو الستّ - مثلا - بطل سعيه؛ وكذا في أشباهه من احتمال النقيصة؛ وكذا لوشكّ في أنّ ما بيده سبع أوأكثر قبل تمام الدور.
          مسألة 13 - لو شكّ بعد التقصير في إتيان السعي بنى على الإتيان. ولو شكّ بعد اليوم الّذي أتى بالطواف في إتيان السعي لايبعد البناء عليه أيضا، لكنّ الأحوط الإتيان به إن شكّ قبل التقصير.

        • القول في التقصير

           

          القول في التقصير

          مسألة 1 - يجب بعد السعي التقصير، أي قصّ مقدار من الظفر أو شعر الرأس أو الشارب أو اللحية. والأولى الأحوط عدم الاكتفاء بقصّ الظفر. ولا يكفي حلق الرأس فضلا عن اللحية.
          مسألة ۲ - التقصير عبادة تجب فيه النيّة بشرائطها؛ فلو أخلّ بها بطل إحرامه إلّا مع الجبران.
          مسألة ۳ - لو ترك التقصير عمدا وأحرم بالحجّ بطلت عمرته، والظاهر صيرورة حجّه إفرادا، والأحوط بعد إتمام حجّه أن يأتي بعمرة مفردة وحجّ من قابل. ولو نسي التقصير إلى أن أحرم بالحجّ صحّت عمرته؛ ويستحبّ الفدية بشاة، بل هي أحوط.
          مسألة 4 - يحلّ بعد التقصير كلّ ما حرم عليه بالإحرام حتّى النساء.
          مسألة 5 - ليس في عمرة التمتّع طواف النساء؛ ولو أتى به رجاءً واحتياطا لامانع منه.

        • القول في الوقوف بعرفات

           

          القول في الوقوف بعرفات

          مسألة 1- يجب بعد العمرة الإحرام بالحجّ والوقوف بعرفات بقصد القربة كسائر العبادات. والأحوط كونه من زوال يوم عرفة إلى الغروب الشرعيّ. ولايبعد جواز التاخير بعد الزوال بمقدار صلاة الظهرين إذا جمع بينهما، والأحوط عدم التأخير. ولا يجوز التأخير إلى العصر.
          مسألة 2 - المراد بالوقوف مطلق الكون في ذلك المكان الشريف، من غير فرق بين الركوب وغيره، والمشي وعدمه. نعم، لو كان في تمام الوقت نائما أو مغمىً عليه بطل وقوفه.
          مسألة 3 - الوقوف المذكور واجب، لكنّ الركن منه مسمّى الوقوف ولو دقيقة أو دقيقتين؛ فلو ترك الوقوف حتّى مسمّاه عمدا بطل حجّه، ولكن لو وقف بقدر المسمّى وترك الباقي عمدا صحّ حجّه وإن أثم.
          مسألة 4 - لو نفر عمدا من عرفات قبل الغروب الشرعيّ وخرج من حدودها ولم يرجع فعليه الكفّارة ببدنة يذبحها للّه في أيّ مكان شاء، والأحوط الأولى أن يكون في مكّة. ولو لم يتمكّن من البدنة صام ثمانية عشر يوما، والأحوط الأولى أن يكون على ولاء. ولو نفر سهوا وتذكّر بعده يجب الرجوع، ولو لم يرجع أثم ولاكفّارة عليه وإن كان أحوط. والجاهل بالحكم كالناسي. ولو لم يتذكّر حتّى خرج الوقت فلا شي ء عليه.
          مسألة 5 - لو نفر قبل الغروب عمدا وندم ورجع ووقف إلى الغروب أو رجع لحاجة لكن بعد الرجوع وقف بقصد القربة فلا كفّارة عليه.
          مسألة 6 - لو ترك الوقوف بعرفات من الزوال إلى الغروب لعذر - كالنسيان وضيق الوقت ونحوهما - كفى له إدراك مقدار من ليلة العيد ولو كان قليلا، وهو الوقت الاضطراريّ للعرفات. ولو ترك الاضطراريّ عمدا وبلا عذر فالظاهر بطلان حجّه وإن أدرك المشعر. ولو ترك الاختياريّ والاضطراريّ لعذر كفى في صحّة حجّه إدراك الوقوف الاختياريّ بالمشعر الحرام كما يأتي.
          مسألة 7 - لو ثبت هلال ذي الحجّة عند القاضي من العامّة وحكم به ولم يثبت عندنا: فإن أمكن العمل على طبق المذهب الحقّ بلا تقيّة وخوف وجب، وإلّا وجبت التبعيّة عنهم، وصحّ الحجّ لو لم تتبيّن المخالفة للواقع، بل لايبعد الصحّة مع العلم بالمخالفة. ولا تجوز المخالفة، بل في صحّة الحجّ مع مخالفة التقيّة إشكال؛ ولمّا كان اُفق الحجاز والنجد مخالفا لآفاقنا سيّما اُفق إيران فلا يحصل العلم بالمخالفة إلّا نادرا.

        • القول في الوقوف بالمشعر الحرام

           

          القول في الوقوف بالمشعر الحرام

          يجب الوقوف بالمشعر من طلوع الفجر من يوم العيد إلى طلوع الشمس. وهو عبادة يجب فيه النيّة بشرائطها. والأحوط وجوب الوقوف فيه بالنيّة الخالصة ليلة العيد بعد الإفاضة من عرفات إلى طلوع الفجر، ثمّ ينوي الوقوف بين الطلوعين. ويستحبّ الإفاضة من المشعر قبل طلوع الشمس بنحو لا يتجاوز عن وادي محسّر، ولو جاوزه عصى ولا كفّارة عليه، والأحوط الإفاضة بنحو لا يصل قبل طلوع الشمس إلى وادي محسّر. والركن هو الوقوف بين طلوع الفجر إلى طلوع الشمس بمقدار صدق مسمّى الوقوف ولو دقيقةً أو دقيقتين؛ فلو ترك الوقوف بين الطلوعين مطلقا بطل حجّه بتفصيل يأتي.
          مسألة 1 - يجوز الإفاضة من المشعر ليلةالعيد بعد وقوف مقدار منها للضعفاء كالنساء والأطفال والشيوخ، ومن له عذر كالخوف والمرض، ولمن ينفر بهم ويراقبهم ويُمرّضهم. والأحوط الّذي لايترك أن لاينفروا قبل نصف الليل؛ فلا يجب على هذه الطوائف الوقوف بين الطلوعين.
          مسألة 2 - من خرج قبل طلوع الفجر بلا عذر ومتعمّدا ولم يرجع إلى طلوع الشمس فإن لم يفته الوقوف بعرفات ووقف بالمشعر ليلة العيد إلى طلوع الفجر صحّ حجّه على المشهور، وعليه شاة؛ لكنّ الأحوط خلافه، فوجب عليه بعد إتمامه الحجّ من قابل على الأحوط.
          مسألة 3 - من لم يدرك الوقوف بين الطلوعين والوقوف بالليل لعذر وأدرك الوقوف بعرفات فإن أدرك مقدارا من طلوع الفجر من يوم العيد إلى الزوال ووقف بالمشعر ولو قليلا صحّ حجّه.
          مسألة 4 - قد ظهر ممّا مرّ أنّ لوقوف المشعر ثلاثة أوقات: وقتا اختياريّا وهو بين الطلوعين، ووقتين اضطراريّين: أحدهما ليلة العيد لمن له عذر، والثاني من طلوع الشمس من يوم العيد إلى الزوال كذلك؛ وأنّ لوقوف عرفات وقتا اختياريّا هو من زوال يوم عرفة إلى الغروب الشرعيّ، واضطراريّا هو ليلة العيد للمعذور. فحينئذٍ بملاحظة إدراك أحد الموقفين أو كليهما - اختيارا أو اضطراريّا، فردا وتركيبا، عمدا أو جهلا أو نسيانا - أقسام كثيرة، نذكر ما هو مورد الابتلاء:
          الأوّل: إدراك اختياريّهما، فلا إشكال في صحّة حجّه من هذه الناحية.
          الثاني: عدم إدراك الاختياريّ والاضطراريّ منهما، فلا إشكال في بطلانه، عمدا كان أو جهلا أو نسيانا، فيجب عليه الإتيان بعمرة مفردة مع إحرامه الّذي للحجّ، والأولى قصد العدول إليها، والأحوط لمن كان معه الهدي أن يذبحه. ولو كان عدم الإدراك من غير تقصير لايجب عليه الحجّ، إلّا مع حصول شرائط الاستطاعة في القابل؛ وإن كان عن تقصير يستقرّ عليه الحجّ، ويجب من قابل ولو لم يحصل شرائطها.
          الثالث: درك اختياريّ عرفة مع اضطراريّ المشعر النهاريّ؛ فإن ترك اختياريّ المشعر عمدا بطل، وإلّا صحّ.
          الرابع: درك اختياريّ المشعر مع اضطراريّ عرفة؛ فإن ترك اختياريّ عرفة عمدا بطل، وإلاّ صحّ.
          الخامس: درك اختياريّ عرفة مع اضطراريّ المشعر الليليّ، فإن ترك اختياريّ المشعر بعذر صحّ، وإلّا بطل على الأحوط.
          السادس: درك اضطراريّ عرفة واضطراريّ المشعر الليليّ؛ فإن كان صاحب عذر وترك اختياريّ عرفة عن غير عمد صحّ على الأقوى. وغير المعذور إن ترك اختياريّ عرفة عمدا بطل حجّه، وإن ترك اختياريّ المشعر عمدا فكذلك على الأحوط، كما أنّ الأحوط ذلك في غير العمد أيضا.
          السابع: درك اضطراريّ عرفة واضطراريّ المشعر اليوميّ؛ فإن ترك أحد الاختياريّين متعمّدا بطل، وإلّا فلا يبعد الصحّة وإن كان الأحوط الحجّ من قابل لو استطاع فيه.
          الثامن: درك اختياريّ عرفة فقط؛ فإن ترك المشعر متعمّدا بطل حجّه، وإلا فكذلك على الأحوط.
          التاسع: درك اضطراريّ عرفة فقط، فالحجّ باطل.
          العاشر: درك اختياريّ المشعر فقط، فصحّ حجّه إن لم يترك اختياريّ عرفة متعمّدا، وإلّا بطل.
          الحادي عشر: درك اضطراريّ المشعر النهاريّ فقط، فبطل حجّه.
          الثاني عشر: درك اضطراريّه الليليّ فقط؛ فإن كان من اُولي الأعذار ولم يترك وقوف عرفة متعمّدا صحّ على الأقوى، وإلّا بطل.

        • القول في واجبات منى

           

          القول في واجبات منى

          وهي ثلاثة:
          الأوّل: رمي جمرة العقبة بالحصى. والمعتبر صدق عنوانها، فلا يصحّ بالرمل ولا بالحجارة ولا بالخزف ونحوها. ويشترط فيها أن تكون من الحرم، فلا تجزي من خارجه، وأن تكون بكرا لم يُرمَ بها ولو في السنين السابقة، وأن تكون مباحةً، فلايجوز بالمغصوب ولا بما حازها غيره بغير إذنه.ويستحبّ أن تكون من المشعر.
          مسألة 1 - وقت الرمي من طلوع الشمس من يوم العيد إلى غروبه. ولو نسي جاز إلى اليوم الثالث عشر. ولو لم يتذكّر إلى بعده فالأحوط الرمي من قابل ولو بالاستنابة.
          مسألة ۲ - يجب في رمي الجمار اُمور:
          الأوّل: النيّة الخالصة للّه تعالى كسائر العبادات.
          الثاني: إلقاؤها بما يسمّى رميا؛ فلو وضعها بيده على المرمى لم يجز.
          الثالث: أن يكون الإلقاء بيده؛ فلا يجزي لو كان برجله. والأحوط أن لايكون الرمي بآلة - كالمقلاع - وإن لا يبعد الجواز.
          الرابع: وصول الحصاة إلى المرمى، فلا يُحسب ما لا تصل.
          الخامس: أن يكون وصولها برميه؛ فلو رمى ناقصا فأتمّه حركة غيره من حيوان أو انسان لم يجز. نعم، لو رمى فأصابت حجرا أو نحوه وارتفعت منه ووصلت المرمى صحّ.
          السادس: أن يكون العدد سبعة.
          السابع: أن يتلاحق الحصيات؛ فلو رمى دفعةً لا يحسب إلّا واحدة ولو وصلت على المرمى متعاقبةً؛ كما أنّه لو رماها متعاقبةً صحّ وإن وصلت دفعةً.
          مسألة ۳ - لو شكّ في أنّها مستعملة أم لا جاز الرمي بها. ولو احتمل أنّها من غير الحرم وحُملت من خارجه لايعتني به. ولو شكّ في صدق الحصاة عليها لم يجز الاكتفاء بها. ولو شكّ في عدد الرمي يجب الرمي حتّى يتيقّن كونه سبعا. وكذا لو شك في وصول الحصاة إلى المرمى يجب الرمي إلى أن يتيقّن به. والظنّ في ما ذكر بحكم الشكّ. ولو شكّ بعد الذبح أو الحلق في رمي الجمرة أو عدده لايعتني به. ولو شكّ قبلهما - بعد الانصراف - في عدد الرمي فإن كان في النقيصة فالأحوط الرجوع والإتمام؛ ولا يعتني بالشكّ في الزيادة. ولو شكّ بعد الفراغ في الصحّة بنى عليها بعد حفظ العدد.
          مسألة 4 - لايعتبر في الحصى الطهارة، ولا في الرامي الطهارة من الحدث أو الخبث.
          مسألة 5 - يستناب في الرمي عن غير المتمكّن كالأطفال والمرضى والمغمى عليهم. ويستحبّ حمل المريض مع الإمكان عند المرمى ويُرمى عنده، بل هو أحوط. ولو صحّ المريض أو أفاق المغمى عليه بعد تماميّة الرمي من النائب لاتجب الإعادة؛ ولو كان ذلك في الأثناء استأنف من رأس، وكفاية ما رماه النائب محلّ إشكال.
          مسألة 6 - من كان معذورا في الرمي يوم العيد جاز له الرمي في الليل.
          مسألة 7 - يجوز الرمي ماشيا وراكبا، والأوّل أفضل.
          الثاني: من الواجبات: الهدي. ويجب أن يكون إحدى النعم الثلاث: الإبل والبقر والغنم. والجاموس بقر. ولا يجوز سائر الحيوانات. والأفضل الإبل ثمّ البقر. ولا يجزي واحد عن اثنين أو الزيادة بالاشتراك حال الاختيار، وفي حال الاضطرار يشكل الاجتزاء، فالأحوط الشركة والصوم معا.
          مسألة 8 - يعتبر في الهدي اُمور:
          الأوّل: السنّ؛ فيعتبر في الإبل الدخول في السنة السادسة، وفي البقر الدخول في الثالثة على الأحوط. والمعزكالبقر. وفي الضأن الدخول في الثانية على الأحوط.
          الثاني: الصحّة والسلامة؛ فلا يجزي المريض حتّى الأقرع على الأحوط.
          الثالث: أن لا يكون كبيرا جدّا.
          الرابع: أن يكون تامّ الأجزاء؛ فلا يكفي الناقص كالخصيّ، وهو الّذي اُخرجت خصيتاه، ولا مرضوض الخصية على الأحوط، ولا الخصيّ في أصل الخلقة، ولا مقطوع الذنب ولا الاُذن؛ ولا يكون قرنه الداخل مكسورا، ولابأس بما كسر قرنه الخارج. ولا يبعد الاجتزاء بما لايكون له اُذن ولا قرن في أصل خلقته، والأحوط خلافه. ولو كان عماه أو عرجه واضحا لايكفي على الأقوى؛ وكذا لو كان غير واضح على الأحوط. ولا بأس بشقاق الاُذن وثقبه؛ والأحوط عدم الاجتزاء به، كما أنّ الأحوط عدم الاجتزاء بما ابيضّت عينه.
          الخامس: أن لا يكون مهزولا. ويكفي وجود الشحم على ظهره؛ والأحوط أن لايكون مهزولا عرفا.
          مسألة 9 - لو لم يوجد غير الخصيّ لايبعد الاجتزاء به وإن كان الأحوط الجمع بينه وبين التامّ في ذي الحجّة من هذا العام، وإن لم يتيسّر ففي العام القابل أو الجمع بين الناقص والصوم. ولو وجد الناقص غير الخصيّ فالأحوط الجمع بينه وبين التامّ في بقيّة ذي الحجّة، وإن لم يمكن ففي العام القابل، والاحتياط التامّ الجمع بينهما وبين الصوم.
          مسألة 10 - لو ذبح فانكشف كونه ناقصا أو مريضا يجب آخر. نعم، لو تخيّل السمن ثمّ انكشف خلافه يكفي. ولو تخيّل هزاله فذبح برجاء السمن بقصد القربة فتبيّن سمنه يكفي. ولو لم يحتمل السمن أو يحتمله لكن ذبح من غير مبالاة لابرجاء الإطاعة لايكفي. ولو اعتقد الهزال وذبح جهلا بالحكم ثمّ انكشف الخلاف فالأحوط الإعادة. ولو اعتقد النقص فذبح جهلا بالحكم فانكشف الخلاف فالظاهر الكفاية.
          مسألة 11 - الأحوط أن يكون الذبح بعد رمي جمرة العقبة؛ والأحوط عدم التأخير من يوم العيد. ولو أخّر لعذر أو لغيره فالأحوط الذبح أيّام التشريق، وإلّا ففي بقيّة ذي الحجّة. وهو من العبادات يعتبر فيه النيّة نحوها. ويجوز فيه النيابة وينوي النائب، والأحوط نيّة المنوب عنه أيضا. ويعتبر كون النائب شيعيّا على الأحوط، بل لايخلو من قوّة؛ وكذا في ذبح الكفّارات.
          مسألة 12 - لو شكّ بعد الذبح في كونه جامعا للشرائط أولا لايعتني به. ولوشكّ في صحّة عمل النائب لايعتني به. ولو شكّ في أنّ النائب ذبح أولا يجب العلم بإتيانه، ولا يكفي الظنّ. ولو عمل النائب على خلاف ما عيّنه الشرع في الأوصاف أو الذبح فإن كان عامدا عالما ضمن ويجب الإعادة؛ فإن فعل جهلا أو نسيانا ومن غير عمد فإن أخذ للعمل اُجرةً ضمن أيضا، وإن تبرّع فالضمان غير معلوم، وفي الفرضين تجب الإعادة.
          مسألة 13 - يستحبّ أن يقسم الهدي أثلاثا، يأكل ثلثه، ويتصدّق بثلثه، ويهدي ثلثه. والأحوط أكل شي ء منه وإن لايجب.
          مسألة 14 - لو لم يقدر على الهدي - بأن لايكون هو ولا قيمته عنده - يجب بدله صوم ثلاثة أيّام في الحجّ وسبعة أيّام بعد الرجوع منه.
          مسألة 15 - لو كان قادرا على الاقتراض بلا مشقّة وكلفة وكان له ما بإزاء القرض - أي كان واجدا لما يؤدّي به وقت الأداء - وجب الاقتراض والهدي. ولو كان عنده من مُؤَن السفر زائدا على حاجته ويتمكّن من بيعه بلا مشقّة وجب بيعه لذلك. ولا يجب بيع لباسه كائنا ما كان. ولو باع لباسه الزائد وجب شراء الهدي؛ والأحوط الصوم مع ذلك.
          مسألة 16 - لايجب عليه الكسب لثمن الهدي؛ ولو اكتسب وحصل له ثمنه يجب شراؤه.
          مسألة 17 - يجب وقوع صوم ثلاثة أيّام في ذي الحجّة. والأحوط وجوبا أن يصوم من السابع إلى التاسع، ولا يتقدّم عليه، ويجب التوالي فيها. ويشترط أن يكون الصوم بعد الإحرام بالعمرة، ولا يجوز قبله. ولو لم يتمكّن من صوم السابع صام الثامن والتاسع وأخّر اليوم الثالث إلى بعد رجوعه من منى؛ والأحوط أن يكون بعد أيّام التشريق أي الحادي عشر والثاني عشر والثالث عشر.
          مسألة 18 - لايجوز صيام الثلاثة في أيّام التشريق في منى؛ بل لايجوز الصوم في أيّام التشريق في منى مطلقا، سواء في ذلك الآتي بالحجّ وغيره.
          مسألة 19 - الأحوط الأولى لمن صام الثامن والتاسع صوم ثلاثة أيّام متوالية بعد الرجوع من منى، وكان أوّلها يوم النفر أي اليوم الثالث عشر، وينوي أن يكون ثلاثة من الخمسة للصوم الواجب.
          مسألة 20 - لو لم يصم اليوم الثامن أيضا أخّر الصيام إلى بعد الرجوع من منى فصام ثلاثة متوالية. ويجوز لمن لم يصم الثامن الصوم في ذي الحجّة، وهو موسّع له إلى آخره وإن كان الأحوط المبادرة إليه بعد أيّام التشريق.
          مسألة 21 - يجوز صوم الثلاثة في السفر. ولا يجب قصد الإقامة في مكّة للصيام، بل مع عدم المهلة للبقاء في مكّة جاز الصوم في الطريق. ولو لم يصم الثلاثة إلى تمام ذي الحجّة يجب الهدي يذبحه بنفسه أو نائبه في منى، ولا يفيده الصوم.
          مسألة 22 - لو صام الثلاثة ثمّ تمكّن من الهدي لايجب عليه الهدي؛ ولو تمكّن في أثنائها يجب.
          مسألة 23 - يجب صوم سبعة أيّام بعد الرجوع من سفر الحجّ، والأحوط كونها متوالية؛ ولا يجوز صيامها في مكّة ولا في الطريق. نعم، لو كان بناؤه الإقامة في مكّة جاز صيامها فيها بعد شهر من يوم قصد الإقامة، بل جاز صيامها إذا مضى من يوم القصد مدّة لو رجع وصل إلى وطنه. ولو أقام في غير مكّة من سائر البلاد أو في الطريق لايجوز صيامها ولو مضى المقدار المتقدّم. نعم، لايجب أن يكون الصيام في بلده؛ فلو رجع إلى بلده جاز له قصد الإقامة في مكان آخر لصيامها.
          مسألة 24 - من قصد الإقامة في مكّة هذه الأيّام مع وسائل النقل الحديثة فالظاهر جواز صيام السبعة بعد مضيّ مقدار الوصول معها إلى وطنه وإن كان الأحوط خلافه، لكن لايترك الاحتياط بعدم الجمع بين الثلاثة والسبعة.
          مسألة 25 - لو لم يتمكّن من صوم ثلاثة أيّام في مكّة ورجع إلى محلّه: فإن بقي شهر ذي الحجّة صام فيه في محلّه لكن يفصل بينها وبين السبعة، ولو مضى الشهر يجب الهدي، يذبحه في منى ولو بالاستنابة.
          مسألة 26 - لو تمكّن من الصوم ولم يصم حتّى مات يقضي عنه الثلاثة وليّه، والأحوط قضاء السبعة أيضا.
          الثالث من واجبات منى: التقصير.
          مسألة 27 - يجب بعد الذبح الحلق أو التقصير ويتخيّر بينهما إلّا طوائف:
          الاُولى: النساء، فإنّ عليهنّ التقصير لا الحلق، فلو حلقن لا يجزيهنّ.
          الثانية: الصرورة، أي الّذي كان أوّل حجّه، فإنّ عليه الحلق على الأحوط.
          الثالثة: الملبّد، وهو الّذي ألزق شعره بشي ء لزج كعسل أو صمغ لدفع القمّل ونحوه، فعليه الحلق على الأحوط.
          الرابعة: من عقص شعره، أي جمعه ولفّه وعقده، فعليه الحلق على الأحوط. الخامسة: الخنثى المشكل، فإنّه إذا لم يكن من إحدى الثلاثة الأخيرة يجب عليه التقصير، وإلّا جمع بينه وبين الحلق على الأحوط.
          مسألة 28 - يكفي في التقصير قصّ شي ء من الشعر أو الظفر بكلّ آلة شاء. والأولى قصّ مقدار من الشعر والظفر أيضا. والأحوط لمن عليه الحلق أن يحلق جميع رأسه. ويجوز فيهما المباشرة والإيكال إلى الغير. ويجب فيهما النيّة بشرائطها ينوي بنفسه. والأولى نيّة الغير أيضا مع الإيكال إليه.
          مسألة 29 - لو تعيّن عليه الحلق ولم يكن على رأسه شعر يكفي إمرار الموسى على رأسه، ويجزي عن الحلق. ولو تخيّر من لا شعر له بينه وبين التقصير يتعيّن عليه التقصير. ولو لم يكن له شعر حتّى في الحاجب ولا ظفر يكفي له إمرار الموسى على رأسه.
          مسألة 30 - الاكتفاء بقصر شعر العانة أو الإبط مشكل. وحلق اللحية لا يجزي عن التقصير ولا الحلق.
          مسألة 31 - الأحوط أن يكون الحلق والتقصير في يوم العيد وإن لايبعد جواز التأخير إلى آخر أيّام التشريق. ومحلّهما منى؛ ولا يجوز اختيارا في غيره. ولو ترك فيه ونفر يجب عليه الرجوع إليه، من غير فرق بين العالم والجاهل والناسي وغيره؛ ولو لم يمكنه الرجوع حلق أو قصّر في مكانه وأرسل بشعره إلى منى لو أمكن. ويستحبّ دفنه مكان خيمته.
          مسألة 32 - الأحوط تأخير الحلق والتقصير عن الذبح، وهو عن الرمي؛ فلو خالف الترتيب سهوا لاتجب الإعادة لتحصيله. ولا يبعد إلحاق الجاهل بالحكم بالساهي. ولو كان عن علم وعمد فالأحوط تحصيله مع الإمكان.
          مسألة 33 - يجب أن يكون الطواف والسعي بعد التقصير أو الحلق؛ فلو قدّمهما عمدا يجب أن يرجع ويقصّر أو يحلق ثمّ يعيد الطواف والصلاة والسعي، وعليه شاة. وكذا لو قدّم الطواف عمدا. ولا كفّارة في تقديم السعي وإن وجبت الإعادة وتحصيل الترتيب. ولو قدّمهما جهلا بالحكم أو نسيانا وسهوا فكذلك إلّا في الكفّارة، فإنّها ليست عليه.
          مسألة 34 - لو قصّر أو حلق بعد الطواف أو السعي فالأحوط الإعادة لتحصيل الترتيب. ولو كان عليه الحلق عينا يمرّ الموسى على رأسه احتياطا.
          مسألة 35 - يحلّ للمحرم بعد الرمي والذبح والحلق أو التقصير كلّ ما حرم عليه بالإحرام إلّا النساء والطيب؛ ولا يبعد حلّيّة الصيد أيضا. نعم، يحرم الصيد في الحرم للمحرم وغيره لاحترامه.

        • القول فيما يجب بعد أعمال منى

           

          القول في ما يجب بعد أعمال منى

          وهو خمسة: طواف الحجّ، وركعتاه، والسعي بين الصفا والمروة، وطواف النساء، وركعتاه.
          مسألة 1 - كيفيّة الطواف والصلاة والسعي كطواف العمرة وركعتيه والسعي فيها بعينها إلّا في النيّة، فتجب هاهُنا نيّة ما يأتي به.
          مسألة ۲ - يجوز بل يستحبّ - بعد الفراغ عن أعمال منى - الرجوع يوم العيد إلى مكّة للأعمال المذكورة. ويجوز التأخير إلى اليوم الحادي عشر؛ ولا يبعد جوازه إلى آخر الشهر، فيجوز الإتيان بها حتّى آخر يوم منه.
          مسألة 3 - لايجوز تقديم المناسك الخمسة المتقدّمة على الوقوف بعرفات والمشعر ومناسك منى اختيارا. ويجوز التقديم لطوائف:
          الاُولى: النساء إذا خفن عروض الحيض أو النفاس عليهنّ بعد الرجوع ولم تتمكّن من البقاء إلى الطهر.(1)
          الثانية: الرجال والنساء إذا عجزوا عن الطواف بعد الرجوع لكثرة الزحام، أو عجزوا عن الرجوع إلى مكّة.
          الثالثة: المرضى إذا عجزوا عن الطواف بعد الرجوع للازدحام أو خافوا منه.
          الرابعة: من يعلم أنّه لا يتمكّن من الأعمال إلى آخر ذي الحجّة.
          مسألة 4 - لو انكشف الخلاف في ما عدا الأخيرة من الطوائف - كما لو لم يتّفق الحيض والنفاس، أو سلم المريض، أو لم يكن الازدحام بما يخاف منه- لاتجب عليهم إعادة مناسكهم وإن كان أحوط. وأمّا الطائفة الأخيرة فإن كان منشأ اعتقادهم المرض أو الكبر أو العلّة يجزيهم الأعمال المتقدّمة، وإلّا فلا يجزيهم، كمن اعتقد أنّ السيل يمنعه أو أنّه يحبس فانكشف خلافه.
          مسألة 5 - مواطن التحلّل ثلاثة:
          الأوّل: عقيب الحلق أو التقصير؛ فيحلّ من كلّ شي ء إلّا الطيب والنساء والصيد ظاهرا وإن حرم لاحترام الحرم.
          الثاني: بعد طواف الزيارة وركعتيه والسعي فيحلّ له الطيب.
          الثالث: بعد طواف النساء وركعتيه فيحلّ له النساء.
          مسألة 6 - من قدّم طواف الزيارة والنساء لعذر - كالطوائف المتقدّمة - لايحلّ له الطيب والنساء، وإنّما تحلّ المحرّمات جميعا له بعد التقصير والحلق.
          مسألة 7 - لايختصّ طواف النساء بالرجال، بل يعمّ النساء والخنثى والخصيّ والطفل المميّز؛ فلو تركه واحد منهم لم يحلّ له النساء ولا الرجال لو كان امراة؛ بل لو أحرم الطفل غير المميّز وليّه يجب على الأحوط أن يطوف به طواف النساء حتّى يحلّ له النساء.
          مسألة 8 - طواف النساء وركعتاه واجبان، وليسا ركنا؛ فلو تركهما عمدا لم يبطل الحجّ به وإن لاتحلّ له النساء؛ بل الأحوط عدم حلّ العقد والخطبة والشهادة على العقد له.
          مسألة 9 - لايجوز تقديم السعي على طواف الزيارة، ولا على صلاته اختيارا، ولا تقديم طواف النساء عليهما، ولا على السعي اختيارا؛ فلو خالف الترتيب أعاد بما يوجبه على الأحوط.
          مسألة 10 - يجوز تقديم طواف النساء على السعي عند الضرورة، كالخوف عن الحيض وعدم التمكّن من البقاء إلى الطهر، لكنّ الأحوط الاستنابة لإتيانه. ولو قدّمه عليه سهوا أوجهلا بالحكم صحّ سعيه وطوافه وإن كان الأحوطإعادةالطواف.
          مسألة 11 - لو ترك طواف النساء سهوا ورجع إلى بلده: فإن تمكّن من الرجوع بلامشقّة يجب، وإلّا استناب فيحلّ له النساء بعد الإتيان.
          مسألة 12 - لو نسي وترك الطواف الواجب من عمرة أو حجّ أو طواف النساء ورجع وجامع النساء يجب عليه الهدي ينحره أو يذبحه في مكّة. والأحوط نحر الإبل. ومع تمكّنه بلا مشقّة يرجع ويأتي بالطواف. والأحوط إعادة السعي في غير نسيان طواف النساء، ولو لم يتمكّن استناب.
          مسألة 13 - لو ترك طواف العمرة أو الزيارة جهلا بالحكم ورجع يجب عليه بدنة وإعادة الحجّ.


          1- هكذا في جميع الطبعات، لكنّ الظاهر أنّ الصحيح: «ولم يتمكّنّ».
        • القول في المبيت بمنى

           

          القول في المبيت بمنى

          مسألة 1 - إذا قضى مناسكه بمكّة يجب عليه العود إلى منى للمبيت بها ليلتي الحادية عشرة والثانية عشرة. والواجب من الغروب إلى نصف الليل.
          مسألة 2 - يجب المبيت ليلة الثالثة عشرة إلى نصفها على طوائف:
          منهم: من لم يتّق الصيد في إحرامه للحجّ أو العمرة. والأحوط لمن أخذ الصيد ولم يقتله المبيت. ولو لم يتّق غيرهما من محرّمات الصيد - كأكل اللحم والإراءة والإشارة وغيرها - لم يجب.
          ومنهم: من لم يتّق النساء في إحرامه للحجّ أو العمرة وطءا، دبرا أو قبلا، أهلا له أو أجنبيّةً. ولا يجب في غير الوطء كالتقبيل واللمس ونحوهما.
          ومنهم: من لم يفض من منى يوم الثاني عشر وأدرك غروب الثالث عشر.
          مسألة 3 - لايجب المبيت في منى في الليالي المذكورة على أشخاص:
          الأوّل: المرضى والممرّضين لهم، بل كلّ من له عذر يشقّ معه البيتوتة.
          الثاني: من خاف على ماله المعتدّ به من الضياع أو السرقة في مكّة.
          الثالث: الرعاة إذا احتاجوا إلى رعي مواشيهم بالليل.
          الرابع: أهل سقاية الحاجّ بمكّة.
          الخامس: من اشتغل في مكّة بالعبادة إلى الفجر، ولم يشتغل بغيرها إلّا الضروريّات، كالأكل والشرب بقدر الاحتياج، وتجديد الوضوء وغيرها. ولايجوز ترك المبيت بمنى لمن اشتغل بالعبادة في غير مكّة حتّى بين طريقها إلى منى على الأحوط.
          مسألة 4 - من لم يكن في منى أوّل الليل بلا عذر يجب عليه الرجوع قبل نصفه، وبات إلى الفجر على الأحوط.
          مسألة 5 - البيتوتة من العبادات، تجب فيها النيّة بشرائطها.
          مسألة 6 - من ترك المبيت الواجب بمنى يجب عليه لكلّ ليلة شاة، متعمّدا كان أوجاهلا أو ناسيا؛ بل تجب الكفّارة على الأشخاص المعدودين في المسألة الثالثة إلّا الخامس منهم، والحكم في الثالث والرابع مبنيّ على الاحتياط.
          مسألة 7 - لايعتبر في الشاة في الكفّارة المذكورة شرائط الهدي، وليس لذبحه محلّ خاصّ، فيجوز بعد الرجوع إلى محلّه.
          مسألة 8 - من لم يكن تمام الليل في خارج منى: فإن كان مقدارا من أوّل الليل إلى نصفه في منى لا إشكال في عدم الكفّارة عليه، وإن خرج قبل نصفه أو كان مقدارا من أوّل الليل خارجا فالأحوط لزوم الكفّارة عليه.
          مسألة 9 - من جاز له النفريوم الثاني عشر يجب أن ينفر بعد الزوال ولا يجوز قبله، ومن نفريوم الثالث عشر جاز له ذلك في أيّ وقت منه شاء.

        • القول في رمى الجمار الثلاث

           

          القول في رمي الجمار الثلاث

          مسألة 1 - يجب رمي الجمار الثلاث -أي الجمرة الاُولى والوسطى والعقبة- في نهار الليالي الّتي يجب عليه المبيت فيها حتّى الثالث عشر لمن يجب عليه مبيت ليله؛ فلو تركه صحّ حجّه ولو كان عن عمد وإن أثم معه.
          مسألة ۲ - يجب في كلّ يوم رمي كلّ جمرة بسبع حصيات. ويعتبر فيها وفي الرمي ما يعتبر في رمي الجمرة العقبة على ما تقدّم بلا افتراق.
          مسألة ۳ - وقت الرمي من طلوع الشمس إلى الغروب، فلا يجوز في الليل اختيارا. ولو كان له عذر - من خوف أو مرض أو علّة - أو كان راعيا جاز في ليل يومه أو الليل الآتي.
          مسألة 4 - يجب الترتيب، بأن يبتدئ بالجمرة الاُولى ثمّ الوسطى ثمّ العقبة؛ فإن خالف ولو عن غير عمد تجب الإعادة حتّى يحصل الترتيب.
          مسألة 5 - لو رمى الجمرة الاُولى بأربع حصيات ثمّ رمى الوسطى بأربع ثمّ اشتغل بالعقبة صحّ، وعليه إتمام الجميع بأيّ نحو شاء، لكنّ الأحوط لمن فعل ذلك عمدا الإعادة. وكذا جاز رمي المتقدّمة بأربع ثمّ إتيان المتأخّرة، فلا يجب التقديم بجميع الحصيات.
          مسألة 6 - لو نسي الرمي من يوم قضاه في اليوم الآخر. ولو نسي من يومين قضاهما في اليوم الثالث. وكذا لو ترك عمدا. ويجب تقديم القضاء على الأداء، وتقديم الأقدم قضاءً؛ فلو ترك رمي يوم العيد وبعده أتى يوم الثاني عشر أوّلا بوظيفة العيد ثمّ بوظيفة الحادي عشر ثمّ الثاني عشر. وبالجملة: يعتبر الترتيب في القضاء كما في الأداء في تمام الجمار وفي بعضها؛ فلو ترك بعضها كالجمرة الاُولى -مثلا- وتذكّر في اليوم الآخر أتى بوظيفة اليوم السابق مرتّبةً ثمّ بوظيفة اليوم؛ بل الأحوط في ما إذا رمى الجمرات أو بعضها بأربع حصيات فتذكّر في اليوم الآخر أن يقدّم القضاء على الأداء وأقدم قضاءً على غيره.
          مسألة 7 - لو رمى على خلاف الترتيب وتذكّر في يوم آخر أعاد حتّى يحصل الترتيب، ثمّ يأتي بوظيفة اليوم الحاضر.
          مسألة 8 - لو نسي رمي الجمار الثلاث ودخل مكّة: فإن تذكّر في أيّام التشريق يجب الرجوع مع التمكّن، والاستنابة مع عدمه؛ ولو تذكّر بعدها أو أخّر عمدا إلى بعدها فالأحوط الجمع بين ما ذكر والقضاء في العام القابل في الأيّام الّتي فات منه إمّا بنفسه أو بنائبه. ولو نسي رمي الجمار الثلاث حتّى خرج من مكّة فالأحوط القضاء في العام القابل ولو بالاستنابة. وحكم نسيان البعض في جميع ما تقدّم كنسيان الكلّ؛ بل حكم من أتى أقلّ من سبع حصيات في الجمرات الثلاث أو بعضها حكم نسيان الكلّ على الأحوط.
          مسألة 9 - المعذور كالمريض والعليل وغير القادر على الرمي كالطفل يستنيب؛ ولو لم يقدر على ذلك كالمغمى عليه يأتي عنه الوليّ أو غيره. والأحوط تأخير النائب إلى اليأس من تمكّن المنوب عنه. والأولى مع الإمكان حمل المعذور والرمي بمشهد منه، ومع الإمكان وضع الحصى على يده والرمي بها. فلو أتى النائب بالوظيفة ثمّ رفع العذر لم يجب عليه الإعادة لو استنابه مع اليأس، وإلّا تجب على الأحوط.
          مسألة 10 - لو يئس غير المعذور كوليّه - مثلا - عن رفع عذره لايجب استيذانه في النيابة وإن كان أحوط، ولو لم يقدر على الإذن لايعتبر ذلك.
          مسألة 11 - لو شكّ بعد مضيّ اليوم في إتيان وظيفته لايعتني به. ولو شكّ بعد الدخول في رمي الجمرة المتأخّرة في إتيان المتقدّمة أو صحّتها لايعتني به؛ كما لو شكّ بعد الفراغ أو التجاوز في صحّة ما أتى بنى على الصحّة. ولو شكّ في العدد واحتمل النقصان قبل الدخول في رمي الجمرة المتأخّرة يجب الإتيان ليحرز السبع حتّى مع الانصراف والاشتغال بأمر آخر على الأحوط. ولو شكّ بعد الدخول في المتأخّرة في عدد المتقدّمة فإن أحرز رمي أربع حصيات وشكّ في البقيّة يتمّها على الأحوط؛ بل وكذا لو شكّ في ذلك بعد إتيان وظيفة المتأخّرة. ولو شكّ في أنّه أتى بالأربع أو أقلّ بنى على إتيان الأربع وأتى بالبقيّة.
          مسألة 12 - لو تيقّن بعد مضيّ اليوم بعدم إتيان واحد من الجمار الثلاث جاز الاكتفاء بقضاء الجمرة العقبة، والأحوط قضاء الجميع. ولو تيقّن بعد رمي الجمار الثلاث بنقصان الثلاث فما دون عن أحدها يجب إتيان ما يحتمل النقصان والرمي بكلّ واحد من الثلاث. ولو تيقّن في الفرض بنقصان أحدها عن أربع لايبعد جواز الاكتفاء برمي الجمرة العقبة وتتميم ما نقص. والأحوط الإتيان بتمام الوظيفة في الجمرة العقبة، وأحوط منه استيناف العمل في جميعها.
          مسألة 13 - لو تيقّن بعد مضيّ الأيّام الثلاثة بعدم الرمي في يوم من غير العلم بعينه يجب قضاء رمي تمام الأيّام مع مراعاة الترتيب وإن احتمل جواز الاكتفاء بقضاء وظيفة آخر الأيّام.

        • القول في الصد والحصر

           

          القول في الصدّ والحصر

          مسألة 1 - المصدود: من منعه العدوّ أو نحوه عن العمرة أو الحجّ. والمحصور: من منعه المرض عن ذلك.
          مسألة ۲ - من أحرم للعمرة أو الحجّ يجب عليه الإتمام، ولو لم يتمّ بقي على إحرامه؛ فلو أحرم للعمرة فمنعه عدوّ أو نحوه - كعمّال الدولة أو غيرهم - عن الذهاب إلى مكّة ولم يكن له طريق غير ما صدّ عنه أو كان ولم يكن له مؤونة الذهاب منه يجوز له التحلّل من كلّ ما حرم عليه، بأن يذبح في مكانه بقرةً أو شاةً أو ينحر إبلا؛ والأحوط قصد التحلّل بذلك، وكذا الأحوط التقصير، فيحلّ له كلّ شي ء حتّى النساء.
          مسألة ۳ - لو دخل بإحرام العمرة مكّة المعظّمة ومنعه العدوّ أو غيره عن أعمال العمرة فحكمه ما مرّ، فيتحلّل بما ذكر، بل لايبعد ذلك لو منعه من الطواف أو السعي. ولو حبسه ظالم أو حبس لأجل الدين الّذي لم يتمكّن من أدائه كان حكمه كما تقدّم.
          مسألة 4 - لو أحرم لدخول مكّة أولإتيان النسك وطالبه ظالم ما يتمكّن من أدائه يجب إلّا أن يكون حرجا، ولو لم يتمكّن أو كان حرجا عليه فالظاهر أنّه بحكم المصدود.
          مسألة 5 - لو كان له طريق إلى مكّة غير ما صدّ عنه وكانت له مؤونة الذهاب منها بقي على الإحرام ويجب الذهاب إلى الحجّ، فإن فات منه الحجّ يأتي بأعمال العمرة المفردة ويتحلّل. ولو خاف في المفروض عدم إدراك الحجّ لا يتحلّل بعمل المصدود، بل لابدّ من الإدامة، ويتحلّل بعد حصول الفوت بعمل العمرة المفردة.
          مسألة 6 - يتحقّق الصدّ عن الحجّ بأن لايدرك لأجله الوقوفين، لااختياريّهما ولا اضطراريّهما؛ بل يتحقّق بعدم إدراك ما يفوت الحجّ بفوته ولو عن غير علم وعمد؛ بل الظاهر تحقّقه بعد الوقوفين بمنعه عن أعمال منى ومكّة أو أحدهما ولم يتمكّن من الاستنابة. نعم، لو أتى بجميع الأعمال ومنع عن الرجوع إلى منى للمبيت وأعمال أيّام التشريق لايتحقّق به الصدّ، وصحّ حجّه ويجب عليه الاستنابة للأعمال من عامه، ولو لم يتمكّن ففي العام القابل.
          مسألة 7 - المصدود عن العمرة أو الحجّ لو كان ممّن استقرّ عليه الحجّ أو كان مستطيعا في العام القابل يجب عليه الحجّ؛ ولا يكفي التحلّل المذكور عن حجّة الإسلام.
          مسألة 8 - المصدود جاز له التحلّل بما ذكر ولو مع رجاء رفع الصدّ.
          مسألة 9 - من أحرم للعمرة ولم يتمكّن بواسطة المرض من الوصول إلى مكّة لو أراد التحلّل لابدّ من الهدي. والأحوط إرسال الهدي أو ثمنه بوسيلة أمين إلى مكّة، ويواعده أن يذبحه أو ينحره في يوم معيّن وساعة معيّنة، فمع بلوغ الميعاد يقصّر فيتحلّل من كلّ شي ء إلّا النساء؛ والأحوط أن يقصد النائب عند الذبح تحلّل المنوب عنه.
          مسألة 10 - لو أحرم بالحجّ ولم يتمكّن بواسطة المرض عن الوصول إلى عرفات والمشعر وأراد التحلّل يجب عليه الهدي. والأحوط بعثه أو بعث ثمنه إلى منى للذبح وواعد أن يذبح يوم العيد بمنى؛ فإذا ذبح يتحلّل من كلّ شي ء إلّا النساء.
          مسألة 11 - لو كان عليه حجّ واجب فحصر بمرض لم يتحلّل من النساء إلّا أن يأتي بأعمال الحجّ وطواف النساء في القابل؛ ولو عجز عن ذلك لايبعد كفاية الاستنابة، ويتحلّل بعد عمل النائب. ولو كان حجّه مستحبّا لايبعد كفاية الاستنابة لطواف النساء في التحلّل عنها، والأحوط إتيانه بنفسه.
          مسألة 12 - لو تحلّل المصدود في العمرة وأتى النساء ثمّ بان عدم الذبح في اليوم الموعود لا إثم عليه ولا كفّارة، لكن يجب إرسال الهدي أو ثمنه ويواعد ثانيا، ويجب عليه الاجتناب من النساء؛ والأحوط لزوما الاجتناب من حين كشف الواقع وإن احتمل لزومه من حين البعث.
          مسألة 13 - يتحقّق الحصر بما يتحقّق به الصدّ.
          مسألة 14 - لو برئ المريض وتمكّن من الوصول إلى مكّة بعد إرسال الهدي أو ثمنه وجب عليه الحجّ؛ فإن كان محرما بالتمتّع وأدرك الأعمال فهو، وإن ضاق الوقت عن الوقوف بعرفات بعد العمرة يحجّ إفرادا. والأحوط نيّة العدول إلى الإفراد، ثمّ بعد الحجّ يأتي بالعمرة المفردة، ويجزيه عن حجّة الإسلام. ولو وصل إلى مكّة في وقت لم يدرك اختياريّ المشعر تتبدّل عمرته بالمفردة. والأحوط قصد العدول ويتحلّل، ويأتي بالحجّ الواجب في القابل مع حصول الشرائط. والمصدود كالمحصور في ذلك.
          مسألة 15 - لايبعد إلحاق غير المتمكّن كالمعلول والضعيف بالمريض في الأحكام المتقدّمة؛ ولكنّ المسألة مشكلة، فالأحوط بقاؤه على إحرامه إلى أن يفيق؛ فإن فات الحجّ منه يأتي بعمرة مفردة ويتحلّل، ويجب عليه الحجّ مع حصول الشرائط في القابل.
          مسألة 16 - الأحوط أن يكون يوم الميعاد في إحرام عمرة التمتّع قبل خروج الحاجّ إلى عرفات، وفي إحرام الحجّ يوم العيد.

  • كتاب الامر بالمعروف والنهى عن المنكر
    • في حكمهما واهميتهما

       

      في حكمهما واهميتهما

      وهما من أسمى الفرائض وأشرفها، وبهما تقام الفرائض. ووجوبهما من ضروريّات الدين. ومنكره مع الالتفات بلازمه والالتزام به من الكافرين.
      وقد ورد الحثّ عليهما في الكتاب العزيز والأخبار الشريفة بألسنة مختلفة، قال اللّه تعالى: (وَلْتَكُنْ مِّنكُمْ أُمّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُوْلَ-بِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) وقال تعالى: (كُنتُمْ خَيْرَ أُمّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللّهِ) إلى غير ذلك.
      وعن الرضا(عليه السلام) : «كان رسول اللّه(صلى الله عليه وآله وسلم) يقول: إذا اُمّتي تواكلت الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فليأذنوا بوقاع من اللّه». وعن النبيّ(صلى الله عليه وآله وسلم): «إنّ اللّه عزّوجلّ ليبغض المؤمن الضعيف الّذي لادين له، فقيل وما المؤمن الضعيف الّذي لا دين له؟ قال: الّذي لا ينهى عن المنكر». و عنه(صلى الله عليه وآله وسلم) أنّه قال: «لاتزال اُمّتي بخير ما أمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر وتعاونوا على البرّ، فإذا لم يفعلوا ذلك نُزعت منهم البركات، وسُلّط بعضهم على بعض، ولم يكن لهم ناصر في الأرض ولا في السماء». وعن أميرالمؤمنين(عليه السلام) أنّه خطب فحمداللّه وأثنى عليه ثمّ قال: «أمّا بعد فإنّه إنّما هلك من كان قبلكم حيثما عملوا من المعاصي ولم ينههم الربّانيّون والأحبار عن ذلك، وأنّهم لمّا تمادوا في المعاصي ولم ينههم الربّانيّون والأحبار عن ذلك نزلت بهم العقوبات، فأمُروا بالمعروف وانهوا عن المنكر، واعلموا أنّ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لن يقرّبا أجلا، ولن يقطعا رزقا» الحديث.
      وعن أبي جعفر(عليه السلام) أنّه قال: «يكون في آخر الزمان قوم يتّبع فيهم قوم مراؤون فيتقرّؤون ويتنسّكون حدثاء سفهاء، لايوجبون أمرا بمعروف ولا نهيا عن منكر إلّا إذا أمنوا الضرر، يطلبون لأنفسهم الرخص والمعاذير» - ثمّ قال -: «ولو أضرّت الصلاة بسائر ما يعملون بأموالهم وأبدانهم لرفضوها كما رفضوا أسمى الفرائض وأشرفها، إنّ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فريضة عظيمة بها تقام الفرائض، هنالك يتمّ غضب اللّه عزّوجلّ عليهم فيعمّهم بعقابه، فيهلك الأبرار في دارالأشرار، والصغار في دارالكبار».وعن محمّدبن مسلم قال:«كتب أبوعبداللّه (عليه السلام) إلى الشيعة ليعطفنّ ذوو السنّ منكم والنهى على ذوي الجهل وطلّاب الرئاسة، أو لتصيبنّكم لعنتي أجمعين» إلى غير ذلك من الأحاديث.

    • القول في أقسامهما وكيفية وجوبهما

       

      القول في أقسامهما وكيفيّة وجوبهما

      مسألة 1 - ينقسم كلّ من الأمر والنهي في المقام إلى واجب ومندوب؛ فما وجب عقلا أو شرعا وجب الأمر به، وما قبح عقلا أو حرم شرعا وجب النهي عنه، وما ندب واستحبّ فالأمر به كذلك، وما كره فالنهي عنه كذلك.
      مسألة 2 - الأقوى أنّ وجوبهما كفائيّ؛ فلو قام به من به الكفاية سقط عن الآخرين، وإلّا كان الكلّ مع اجتماع الشرائط تاركين للواجب.
      مسألة 3 - لو توقّف إقامة فريضة أو إقلاع منكر على اجتماع عدّة في الأمر أو النهي لايسقط الوجوب بقيام بعضهم، ويجب الاجتماع في ذلك بقدر الكفاية.
      مسألة 4 - لو قام عدّة دون مقدار الكفاية ولم يجتمع البقيّة ولم يمكن للقائم جمعهم سقط عنه الوجوب وبقي الإثم على المتخلّف.
      مسألة 5 - لو قام شخص أو أشخاص بوظيفتهم ولم يؤثّر لكن احتمل آخر أو آخرون التأثير وجب عليهم مع اجتماع الشرائط.
      مسألة 6 - لو قطع أو اطمأنّ بقيام الغير لايجب عليه القيام. نعم، لوظهر خلاف قطعه يجب عليه. وكذا لو قطع أو اطمأنّ بكفاية من قام به لم يجب عليه، ولو ظهر الخلاف وجب.
      مسألة 7 - لايكفي الاحتمال أو الظنّ بقيام الغير أو كفاية من قام به، بل يجب عليه معهما. نعم، يكفي قيام البيّنة.
      مسألة 8 - لو عدم موضوع الفريضة أو موضوع المنكر سقط الوجوب وإن كان بفعل المكلّف، كما لو أراق الماء المنحصر الّذي يجب حفظه للطهارة أو لحفظ نفس محترمة.
      مسألة 9 - لو توقّفت إقامة فريضة أو قلع منكر على ارتكاب محرّم أو ترك واجب فالظاهر ملاحظة الأهمّيّة.
      مسألة 10 - لو كان قادرا على أحد الأمرين: الأمر بالمعروف الكذائيّ أو النهي عن المنكر الكذائيّ يلاحظ الأهمّ منهما، ومع التساوي مخيّر بينهما.
      مسألة 11 - لايكفي في سقوط الوجوب بيان الحكم الشرعيّ أو بيان مفاسد ترك الواجب وفعل الحرام، إلّا أن يفهم منه عرفا ولو بالقرائن الأمر أو النهي أو حصل المقصود منهما، بل الظاهر كفاية فهم الطرف منه الأمر أو النهي لقرينة خاصّة وإن لم يفهم العرف منه.
      مسألة 12 - الأمر والنهي في هذا الباب مولويّ من قبل الآمر والناهي ولو كانا سافلين، فلا يكفي فيهما أن يقول: «إنّ اللّه أمرك بالصلاة أو نهاك عن شرب الخمر» إلّا أن يحصل المطلوب منهما، بل لابدّ وأن يقول: «صلّ - مثلا - أو لاتشرب الخمر» ونحوهما ممّا يفيد الأمر والنهي من قبله.
      مسألة 13 - لايعتبر فيهما قصد القربة والإخلاص، بل هما توصّليّان لقطع الفساد وإقامة الفرائض. نعم، لو قصدها يؤجر عليهما.
      مسألة 14 - لافرق في وجوب الإنكار بين كون المعصية كبيرةً أو صغيرةً.
      مسألة 15 - لو شرع في مقدّمات حرام بقصد التوصّل إليه: فإن علم بموصليّتها يجب نهيه عن الحرام، وإن علم عدمها لا يجب، إلّا على القول بحرمة المقدّمات أو حرمة التجرّي. وإن شكّ في كونها موصلةً فالظاهر عدم الوجوب، إلّا على المبنى المذكور.
      مسألة 16 - لو همّ شخص بإتيان محرّم وشكّ في قدرته عليه فالظاهر عدم وجوب نهيه. نعم، لو قلنا بأنّ عزم المعصية حرام يجب النهي عن ذلك.

    • القول في شرائط وجوبهما

       

      القول فی شرائط وجوبهما

      وهی اُمور:
      الأوّل: أن یعرف الآمر أو الناهی أنّ ما ترکه المکلّف أو ارتکبه معروف أو منکر، فلا یجب علی الجاهل بالمعروف والمنکر. والعلم شرط الوجوب کالاستطاعة فی الحجّ.
      مسألة 1 - لافرق فی المعرفة بین القطع أو الطرق المعتبرة الاجتهادیّة أو التقلید؛ فلو قلّد شخصان عن مجتهد یقول بوجوب صلاة الجمعة عینا فترکها واحد منهما یجب علی الآخر أمره بإتیانها؛ وکذا لو رأی مجتهدهما حرمة العصیر الزبیبیّ المغلیّ بالنار فارتکبه أحدهما یجب علی الآخر نهیه.
      مسألة 2 - لو کانت المسألة مختلفا فیها واحتمل أنّ رأی الفاعل أو التارک أو تقلیده مخالف له و یکون ما فعله جائزا عنده لایجب، بل لایجوز إنکاره فضلا عمّا لو علم ذلک.
      مسألة 3 - لو کانت المسألة غیر خلافیّة واحتمل أن یکون المرتکب جاهلا بالحکم فالظاهر وجوب أمره و نهیه، سیّما إذا کان مقصّرا. والأحوط إرشاده إلی الحکم أوّلا ثمّ إنکاره إذا أصرّ، سیّما إذا کان قاصرا.
      مسألة 4 - لو کان الفاعل جاهلا بالموضوع لایجب إنکاره ولا رفع جهله، کما لو ترک الصلاة غفلةً أو نسیانا، أو شرب المسکر جهلا بالموضوع. نعم، لو کان ذلک ممّا یهتمّ به ولا یرضی المولی بفعله أو ترکه مطلقا یجب إقامته وأمره أو نهیه، کقتل النفس المحترمة.
      مسألة 5 - لو کان ما ترکه واجبا برأیه أو رأی من قلّده أو ما فعله حراما کذلک وکان رأی غیره مخالفا لرأیه فالظاهر عدم وجوب الإنکار، إلّا إذا قلنا بحرمة التجرّی أو الفعل المتجرّی به.
      مسألة 6 - لو کان ما ارتکبه مخالفا للاحتیاط اللازم بنظرهما أو نظر مقلّدهما فالأحوط إنکاره، بل لایبعد وجوبه.
      مسألة 7 - لو ارتکب طرفی العلم الإجمالیّ للحرام أو أحد الأطراف یجب فی الأوّل نهیه؛ ولا یبعد ذلک فی الثانی أیضا، إلّا مع احتمال عدم منجزّیّة العلم الإجمالیّ عنده مطلقا، فلا یجب مطلقا، بل لایجوز، أو بالنسبة إلی الموافقة القطعیّة فلا یجب، بل لا یجوز فی الثانی. وکذا الحال فی ترک أطراف المعلوم بالإجمال وجوبه.
      مسألة 8 - یجب تعلّم شرائط الأمر بالمعروف والنهی عن المنکر وموارد الوجوب وعدمه والجواز وعدمه حتّی لایقع فی المنکر فی أمره ونهیه.
      مسألة 9 - لو أمر بالمعروف أو نهی عن المنکر فی مورد لایجوز له یجب علی غیره نهیه عنهما.
      مسألة 10 - لو کان الأمر أو النهی فی مورد بالنسبة إلی بعض موجباً لوهن الشریعة المقدّسة ولو عند غیره لا یجوز، خصوصاً مع صرف احتمال التأثیر، إلّا أن یکون المورد من المهمّات، والموارد مختلفة.

      الشرط الثانی: أن یجوّز ویحتمل تأثیر الأمر أو النهی؛ فلو علم أو اطمأنّ بعدمه فلایجب.
      مسألة 1 - لایسقط الوجوب مع الظنّ بعدم التأثیر ولو کان قویّا؛ فمع الاحتمال المعتدّ به عند العقلاء یجب.
      مسألة 2 - لو قامت البیّنة العادلة علی عدم التأثیر فالظاهر عدم السقوط مع احتماله.
      مسألة 3 - لو علم أنّ إنکاره لا یؤثّر إلّا مع الإشفاع بالاستدعاء والموعظة فالظاهر وجوبه کذلک. ولو علم أنّ الاستدعاء والموعظة مؤثّران فقط دون الأمر والنهی فلا یبعد وجوبهما.
      مسألة 4 - لو ارتکب شخص حرامین أو ترک واجبین وعلم أنّ الأمر بالنسبة إلیهما معا لایؤثّر واحتمل التأثیر بالنسبة إلی أحدهما بعینه وجب بالنسبة إلیه دون الآخر. ولو احتمل التأثیر فی أحدهما لابعینه تجب ملاحظة الأهمّ؛ فلو کان تارکا للصلاة والصوم وعلم أنّ أمره بالصلاة لایؤثّر واحتمل التأثیر فی الصوم یجب، ولو احتمل التأثیر بالنسبة إلی أحدهما یجب الأمر بالصلاة. ولو لم یکن أحدهما أهمّ یتخیّر بینهما، بل له أن یأمر بأحدهما بنحو الإجمال مع احتمال التأثیر کذلک.
      مسألة 5 - لو علم أو احتمل أنّ أمره أو نهیه مع التکرار یؤثّر وجب التکرار.
      مسألة 6 - لو علم أو احتمل أنّ إنکاره فی حضور جمع مؤثّر دون غیره: فإن کان الفاعل متجاهرا جاز ووجب، وإلّا ففی وجوبه بل جوازه إشکال.
      مسألة 7 - لوعلم أنّ أمره أونهیه مؤثّر لوأجازه فی ترک واجب آخرأوارتکاب حرام آخر فمع أهمّیّة مورد الإجازة لا إشکال فی عدم الجواز وسقوط الوجوب، بل الظاهر عدم الجواز مع تساویهما فی الملاک وسقوط الوجوب. وأمّا لو کان مورد الأمر والنهی أهمّ: فإن کانت الأهمّیّة بوجه لایرضی المولی بالتخلّف مطلقا -کقتل النفس المحترمة - وجبت الإجازة، وإلّا ففیه تأمّل وإن لایخلو من وجه.
      مسألة 8 - لو علم أنّ إنکاره غیر مؤثّر بالنسبة إلی أمر فی الحال لکن علم أو احتمل تأثیر الأمر الحالیّ بالنسبة إلی الاستقبال وجب. وکذا لو علم أنّ نهیه عن شرب الخمر بالنسبة إلی کأس معیّن لا یؤثّر لکن نهیه عنه مؤثّر فی ترکه فی ما بعد -مطلقا أو فی الجملة - وجب.
      مسألة 9 - لو علم أنّ أمره أو نهیه بالنسبة إلی التارک والفاعل لایؤثّر لکن یؤثّر بالنسبة إلی غیره بشرط عدم توجّه الخطاب إلیه وجب توجّهه إلی الشخص الأوّل بداعی تأثیره فی غیره.
      مسألة 10 - لو علم أنّ أمر شخص خاصّ مؤثّر فی الطرف دون أمره وجب أمره بالأمر إذا تواکل فیه مع اجتماع الشرائط عنده.
      مسألة 11 - لو علم أنّ فلانا همّ بارتکاب حرام واحتمل تأثیر نهیه عنه وجب.
      مسألة 12 - لو توقّف تأثیر الأمر أو النهی علی ارتکاب محرّم أو ترک واجب لایجوز ذلک، وسقط الوجوب، إلّا إذا کان المورد من الأهمّیّة بمکان لایرضی المولی بتخلّفه کیف ما کان - کقتل النفس المحترمة - ولم یکن الموقوف علیه بهذه المثابة، فلو توقّف دفع ذلک علی الدخول فی الدار المغصوبة ونحو ذلک وجب.
      مسألة 13 - لو کان الفاعل بحیث لو نهاه عن المنکر أصرّ علیه ولو أمره به ترکه یجب الأمر مع عدم محذور آخر. وکذا فی المعروف.
      مسألة 14 - لو علم أو احتمل تأثیر النهی أو الأمر فی تقلیل المعصیة لاقلعها وجب؛ بل لایبعد الوجوب لو کان مؤثّرا فی تبدیل الأهمّ بالمهمّ؛ بل لا إشکال فیه لو کان الأهمّ بمثابة لا یرضی المولی بحصوله مطلقا.
      مسألة 15 - لو احتمل أنّ إنکاره مؤثّر فی ترک المخالفة القطعیّة لأطراف العلم -لا الموافقة القطعیّة- وجب.
      مسألة 16 - لو علم أنّ نهیه - مثلا - مؤثّر فی ترک المحرّم المعلوم تفصیلا وارتکاب بعض أطراف المعلوم بالإجمال مکانه فالظاهر وجوبه، إلّا مع کون المعلوم بالإجمال من الأهمّیّة بمثابة ما تقدّم - دون المعلوم بالتفصیل - فلایجوز. فهل مطلق الأهمّیّة یوجب الوجوب؟ فیه إشکال.
      مسألة 17 - لو احتمل التأثیر واحتمل تأثیر الخلاف فالظاهر عدم الوجوب.
      مسألة 18 - لو احتمل التأثیر فی تأخیر وقوع المنکر وتعویقه: فإن احتمل عدم تمکّنه فی الآتیة من ارتکابه وجب، وإلّا فالأحوط ذلک، بل لایبعد وجوبه.
      مسألة 19 - لو علم شخصان إجمالا بأنّ إنکار أحدهما مؤثّر دون الآخر وجب علی کلّ منهما الإنکار، فإن أنکر أحدهما فأثّر سقط عن الآخر، وإلّا یجب علیه.
      مسألة 20 - لو علم إجمالا أنّ إنکار أحدهما مؤثّر والآخر مؤثّر فی الإصرار علی الذنب لایجب.

      الشرط الثالث - أن یکون العاصی مصرّا علی الاستمرار؛ فلو علم منه الترک سقط الوجوب.
      مسألة 1 - لو ظهرت منه أمارة الترک فحصل منها القطع فلا إشکال فی سقوط الوجوب؛ وفی حکمه الاطمینان. وکذا لو قامت البیّنة علیه إن کان مستندها المحسوس أو قریبا منه. وکذا لو أظهر الندامة والتوبة.
      مسألة 2 - لو ظهرت منه أمارة ظنّیّة علی الترک فهل یجب الأمر أو النهی أولا؟ لایبعد عدمه. وکذا لو شکّ فی استمراره وترکه. نعم، لو علم أنّه کان قاصدا للاستمرار والارتکاب وشکّ فی بقاء قصده یحتمل وجوبه علی إشکال.
      مسألة 3 - لو قامت أمارة معتبرة علی استمراره وجب الإنکار، ولو کانت غیرمعتبرة ففی وجوبه تردّد، والأشبه عدمه.
      مسألة 4 - المراد بالاستمرار الارتکاب ولو مرّة اُخری، لا الدوام؛ فلو شرب مسکرا وقصد الشرب ثانیا فقط وجب النهی.
      مسألة 5 - من الواجبات: التوبة من الذنب؛ فلو ارتکب حراما أو ترک واجبا تجب التوبة فورا، ومع عدم ظهورها منه وجب أمره بها، وکذا لو شکّ فی توبته. وهذا غیر الأمر والنهی بالنسبة إلی سائر المعاصی؛ فلو شکّ فی کونه مصرّا أو علم بعدمه لایجب الإنکار بالنسبة إلی تلک المعصیة، لکن یجب بالنسبة إلی ترک التوبة.
      مسألة 6 - لو ظهر من حاله - علما أو اطمینانا أو بطریق معتبر - أنّه أراد ارتکاب معصیة لم یرتکبها إلی الآن فالظاهر وجوب نهیه.
      مسألة 7 - لایشترط فی عدم وجوب الإنکار إظهار ندامته وتوبته، بل مع العلم ونحوه علی عدم الاستمرار لم یجب وإن علم عدم ندامته من فعله. وقد مرّ أنّ وجوب الأمر بالتوبة غیر وجوب النهی بالنسبة إلی المعصیة المرتکبة.
      مسألة 8 - لو علم عجزه أو قام الطریق المعتبر علی عجزه عن الإصرار واقعا وعلم أنّ من نیّته الإصرار لجهله بعجزه لایجب النهی بالنسبة إلی الفعل غیر المقدور وإن وجب بالنسبة إلی ترک التوبة والعزم علی المعصیة لو قلنا بحرمته.
      مسألة 9 - لو کان عاجزا عن ارتکاب حرام وکان عازما علیه لو صار قادرا: فلو علم ولو بطریق معتبر حصول القدرة له فالظاهر وجوب إنکاره، وإلّا فلا، إلّا علی عزمه علی القول بحرمته.
      مسألة 10 - لو اعتقد العجز عن الاستمرار وکان قادرا واقعا وعلم بارتکابه مع علمه بقدرته: فإن علم بزوال اعتقاده فالظاهر وجوب الإنکار بنحو لایعلمه بخطئه، وإلّا فلا یجب.
      مسألة 11 - لو علم إجمالا بأنّ أحدالشخصین أوالأشخاص مصرّ علی ارتکاب المعصیة وجب ظاهرا توجّه الخطاب إلی عنوان منطبق علیه، بأن یقول: من کان شارب الخمر فلیترکه. وأمّا نهی الجمیع أو خصوص بعضهم فلا یجب، بل لایجوز. ولو کان فی توجّه النهی إلی العنوان المنطبق علی العاصی هتکٌ عن هؤلاء الأشخاص فالظاهر عدم الوجوب، بل عدم الجواز.
      مسألة 12 - لو علم بارتکابه حراما أو ترکه واجبا ولم یعلم بعینه وجب علی نحو الإبهام. ولو علم إجمالا بأنّه إمّا تارک واجبا أو مرتکب حراما وجب کذلک أو علی نحو الإبهام.

      الشرط الرابع: أن لایکون فی إنکاره مفسدة.
      مسألة 1 - لو علم أو ظنّ أنّ إنکاره موجب لتوجّه ضرر نفسیّ أو عرضیّ أو مالیّ یعتدّ به علیه أو علی أحد متعلّقیه - کأقربائه وأصحابه وملازمیه - فلایجب ویسقط عنه، بل وکذا لو خاف ذلک لاحتمال معتدّ به عند العقلاء. والظاهر إلحاق سائر المؤمنین بهم أیضا.
      مسألة 2 - لافرق فی توجّه الضرر بین کونه حالیّا أو استقبالیّا؛ فلو خاف توجّه ذلک فی المآل علیه أو علی غیره سقط الوجوب.
      مسألة 3 - لو علم أو ظنّ أو خاف للاحتمال المعتدّ به وقوعه أو وقوع متعلّقیه فی الحرج والشدّة علی فرض الإنکار لم یجب. ولا یبعد إلحاق سائر المؤمنین بهم.
      مسألة 4 - لو خاف علی نفسه أو عرضه أو نفوس المؤمنین وعرضهم حرم الإنکار. وکذا لو خاف علی أموال المؤمنین المعتدّ بها. وأمّا لو خاف علی ماله -بل علم- توجّه الضرر المالیّ علیه: فإن لم یبلغ إلی الحرج والشدّة علیه فالظاهر عدم حرمته، ومع إیجابه ذلک فلا تبعد الحرمة.
      مسألة 5 - لو کانت إقامة فریضة أو قلع منکر موقوفا علی بذل المال المعتدّ به لایجب بذله، لکن حسن مع عدم کونه بحیث یقع فی الحرج والشدّة، ومعه فلا یبعد عدم الجواز.نعم، لوکان الموضوع ممّا یهتمّ به الشارع ولایرضی بخلافه مطلقا یجب.
      مسألة 6 - لو کان المعروف والمنکر من الاُمور الّتی یهتمّ به الشارع الأقدس -کحفظ نفوس قبیلة من المسلمین، وهتک نوامیسهم، أو محو آثار الإسلام ومحو حجّته بما یوجب ضلالة المسلمین، أو إمحاء بعض شعائر الإسلام کبیت اللّه الحرام بحیث یُمحی آثاره ومحلّه وأمثال ذلک - لابدّ من ملاحظة الأهمّیّة. ولا یکون مطلق الضرر - ولو النفسیّ - أو الحرج موجبا لرفع التکلیف؛ فلو توقّفت إقامة حجج الإسلام بما یرفع بها الضلالة علی بذل النفس أو النفوس فالظاهر وجوبه، فضلا عن الوقوع فی ضرر أو حرج دونها.
      مسألة 7 - لو وقعت بدعة فی الإسلام وکان سکوت علماء الدین ورؤساء المذهب - أعلی اللّه کلمتهم - موجبا لهتک الإسلام وضعف عقائد المسلمین یجب علیهم الإنکار بأیّة وسیلة ممکنة، سواء کان الإنکار مؤثّرا فی قلع الفساد أم لا. وکذا لو کان سکوتهم عن إنکار المنکرات موجبا لذلک، ولا یلاحظ الضرر والحرج بل تلاحظ الأهمّیّة.
      مسألة 8 - لو کان فی سکوت علماء الدین و رؤساء المذهب - أعلی اللّه کلمتهم - خوف أن یصیر المنکر معروفا أو المعروف منکرا یجب علیهم إظهار علمهم، ولا یجوز السکوت ولو علموا عدم تأثیر إنکارهم فی ترک الفاعل، ولا یلاحظ الضرر والحرج مع کون الحکم ممّا یهتمّ به الشارع الأقدس جدّا.
      مسألة 9 - لو کان فی سکوت علماء الدین ورؤساء المذهب - أعلی اللّه کلمتهم - تقویة للظالم وتأیید له - والعیاذ باللّه - یحرم علیهم السکوت، ویجب علیهم الإظهار ولو لم یکن مؤثّرا فی رفع ظلمه.
      مسألة 10 - لو کان سکوت علماء الدین ورؤساء المذهب -أعلی اللّه کلمتهم- موجبا لجرأة الظلمة علی ارتکاب سائر المحرّمات وإبداع البدع یحرم علیهم السکوت، ویجب علیهم الإنکار وإن لم یکن مؤثّرا فی رفع الحرام الّذی یرتکب.
      مسألة 11 - لو کان سکوت علماء الدین ورؤساء المذهب -أعلی اللّه کلمتهم- موجبا لإساءة الظنّ بهم وهتکهم وانتسابهم إلی ما لا یصحّ ولا یجوز الانتساب إلیهم ککونهم - نعوذ باللّه - أعوان الظلمة یجب علیهم الإنکار لدفع العار عن ساحتهم ولو لم یکن مؤثّرا فی رفع الظلم.
      مسألة 12 - لو کان ورود بعض العلماء - مثلا - فی بعض شؤون الدول موجبا لإقامة فریضة أو فرائض أو قلع منکر أو منکرات ولم یکن محذور أهمّ - کهتک حیثیّة العلم والعلماء وتضعیف عقائد الضعفاء - وجب علی الکفایة، إلّا أن لا یمکن ذلک إلّا لبعض معیّن لخصوصیّات فیه، فتعیّن علیه.
      مسألة 13 - لایجوز لطلّاب العلوم الدینیّة الدخول فی المؤسّسات الّتی أسّسها الدولة باسم المؤسّسة الدینیّة، کالمدارس القدیمة الّتی قبضتها الدولة واُجری علی طلّابها من الأوقاف؛ ولا یجوز أخذ راتبها، سواء کان من الصندوق المشترک أو من موقوفة نفس المدرسة أو غیرهما، لمفسدة عظیمة یُخشی منها علی الإسلام.
      مسألة 14 - لایجوز للعلماء وأئمّة الجماعات تصدّی مدرسة من المدارس الدینیّة من قبل الدولة، سواء اُجری علیهم وعلی طلّابها من الصندوق المشترک أو من موقوفات نفس المدرسة أو غیرهما، لمفسدة عظیمة علی الحوزات الدینیّة والعلمیّة فی الآجل القریب.
      مسألة 15 - لایجوز لطلّاب العلوم الدینیّة الدخول فی المدارس الدینیّة الّتی تصدّاها بعض المتلبّسین بلباس العلم والدین من قبل الدولة الجائرة أو بإشارة من الحکومة - سواء کان المنهج من الحکومة أو من المتصدّی وکان دینیّاً - لمفسدة عظیمة علی الإسلام والحوزات الدینیّة فی الآجل، والعیاذ باللّه.
      مسألة 16 - لو قامت قرائن علی أنّ مؤسّسةً دینیّةً کان تأسیسها أو إجراء مؤونتها من قبل الدولةالجائرة ولوبوسائط لایجوز للعالم تصدّیها ولالطلّاب العلوم الدخول فیها، ولا أخذ راتبها؛ بل لو احتمل احتمالا معتدّا به لزم التحرّز عنها، لأنّ المحتمل ممّا یهتمّ به شرعا، فیجب الاحتیاط فی مثله.
      مسألة 17 - المتصدّی لمثل تلک المؤسّسات والداخل فیها محکوم بعدم العدالة، لایجوز للمسلمین ترتیب آثار العدالة علیه من الاقتداء فی الجماعة وإشهاد الطلاق وغیرهما ممّا یعتبر فیه العدالة.
      مسألة 18 - لایجوز لهم أخذ سهم الإمام (علیه السلام) وسهم السادة؛ ولایجوزللمسلمین إعطاؤهم من السهمین ماداموا فی تلک المؤسّسات ولم ینتهوا ویتوبوا عنه.
      مسألة 19 - الأعذار الّتی تشبّث بها بعض المنتسبین بالعلم والدین للتصدّی لاتُسمع منهم ولو کانت وجیهةً عند الأنظار السطحیّة الغافلة.
      مسألة 20 - لایشترط فی الآمر والناهی العدالة أو کونه آتیا بما أمر به وتارکا لما نهی عنه. ولو کان تارکا لواجب وجب علیه الأمر به مع اجتماع الشرائط کما یجب أن یعمل به. ولو کان فاعلا لحرام یجب علیه النهی عن ارتکابه کما یحرم علیه ارتکابه.
      مسألة 21 - لایجب الأمر والنهی علی الصغیر ولو کان مراهقا ممیّزا. ولا یجب نهی غیر المکلّف - کالصغیر والمجنون - ولا أمره. نعم، لو کان المنکر ممّا لایرضی المولی بوجوده مطلقا یجب علی المکلّف منع غیرالمکلّف عن إیجاده.
      مسألة 22 - لو کان المرتکب للحرام أو التارک للواجب معذورا فیه - شرعا أو عقلا - لایجب بل لایجوز الإنکار.
      مسألة 23 - لو احتمل کون المرتکب للحرام أو التارک للواجب معذورا فی ذلک لا یجب الإنکار بل یشکل، فمع احتمال کون المفطر فی شهر رمضان مسافرا -مثلا- لایجب النهی بل یشکل. نعم، لو کان فعله جهرا موجبا لهتک أحکام الإسلام أو لجرأة الناس علی ارتکاب المحرّمات یجب نهیه لذلک.
      مسألة 24 - لو کان المرتکب للحرام أو التارک للواجب معتقدا جواز ذلک وکان مخطئا فیه: فإن کان لشبهة موضوعیّة - کزعم کون الصوم مضرّا به أو أنّ الحرام علاجه المنحصر - لایجب رفع جهله ولا إنکاره، وإن کان لجهل فی الحکم فإن کان مجتهدا أو مقلّدا لمن یری ذلک فلا یجب رفع جهله وبیان الحکم له، وإن کان جاهلا بالحکم الّذی کان وظیفته العمل به یجب رفع جهله وبیان حکم الواقعة، ویجب الإنکار علیه.

    • القول في مراتب الامر بالمعروف والنهى عن المنكر

       

      القول في مراتب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر

      فإنّ لهما مراتب لايجوز التعدّي عن مرتبة إلى الاُخرى مع حصول المطلوب من المرتبة الدانية بل مع احتماله.
      المرتبة الاُولى: أن يعمل عملاً يظهر منه انزجاره القلبيّ عن المنكر، وأنّه طلب منه بذلك فعل المعروف وترك المنكر.وله درجات:كغمض العين،والعبوس والانقباض في الوجه، وكالإعراض بوجهه أو بدنه، وهجره وترك مراودته، ونحو ذلك.
      مسألة 1 - يجب الاقتصار على المرتبة المذكورة مع احتمال التأثير ورفع المنكر بها. وكذا يجب الاقتصار فيها على الدرجة الدانية فالدانية والأيسر فالأيسر، سيّما إذا كان الطرف في مورد يهتك بمثل فعله، فلا يجوز التعدّي عن المقدار اللازم؛ فإن احتمل حصول المطلوب بغمض العين المفهم للطلب لايجوز التعدّي إلى مرتبة فوقه.
      مسألة ۲ - لو كان الإعراض والهجر - مثلا - موجبا لتخفيف المنكر (لا قلعه) ولم يحتمل تأثير أمره ونهيه لسانا في قلعه ولم يمكنه الإنكار بغير ذلك وجب.
      مسألة ۳ - لو كان في إعراض علماء الدين ورؤساء المذهب -أعلى اللّه كلمتهم- عن الظلمة وسلاطين الجور احتمال التأثير ولو في تخفيف ظلمهم يجب عليهم ذلك. ولو فرض العكس بأن كانت مراودتهم ومعاشرتهم موجبةً له لابدّ من ملاحظة الجهات وترجيح الجانب الأهمّ، ومع عدم محذور آخر - حتّى احتمال كون عشرتهم موجبا لشوكتهم وتقويتهم وتجرّيهم على هتك الحرمات، أو احتمال هتك مقام العلم والروحانيّة، وإساءة الظنّ بعلماء الإسلام - وجبت لذلك المقصود.
      مسألة 4 -لوكانت عشرة علماء الدين ورؤساء المذهب خاليةً عن مصلحة راجحة لازمة المراعاة لاتجوز لهم، سيّما إذا كانت موجبةً لاتّهامهم وانتسابهم إلى الرضا بما فعلوا.
      مسألة 5 - لو كان في ردّ هدايا الظلمة وسلاطين الجور احتمال التأثير في تخفيف ظلمهم أو تخفيف تجرّيهم على مبتدعاتهم وجب الردّ، ولا يجوز القبول. ولو كان بالعكس لابدّ من ملاحظة الجهات وترجيح الجانب الأهمّ كما تقدّم.
      مسألة 6 - لو كان في قبول هداياهم تقوية شوكتهم وتجرّيهم على ظلمهم أو مبتدعاتهم يحرم القبول، ومع احتمالها فالأحوط عدم القبول. ولو كان الأمر بالعكس تجب ملاحظة الجهات وتقديم الأهمّ.
      مسألة 7 - يحرم الرضا بفعل المنكر وترك المعروف؛ بل لايبعد وجوب كراهتهما قلبا، وهي غير الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
      مسألة 8 - لايشترط حرمة الرضا ووجوب الكراهة بشرط، بل يحرم ذلك ويجب ذاك مطلقا.

      المرتبة الثانية: الأمر والنهي لسانا.
      مسألة 1 - لو علم أنّ المقصود لا يحصل بالمرتبة الاُولى يجب الانتقال إلى الثانية مع احتمال التأثير.
      مسألة 2 - لو احتمل حصول المطلوب بالوعظ والإرشاد والقول الليّن يجب ذلك ولا يجوز التعدّي عنه.
      مسألة 3 - لو علم عدم تأثير ما ذكر انتقل إلى التحكّم بالأمر والنهي؛ ويجب أن يكون من الأيسر في القول إلى الأيسر مع احتمال التأثير، ولا يجوز التعدّي، سيّما إذا كان المورد ممّا يهتك الفاعل بقوله.
      مسألة 4 - لو توقّف رفع المنكر وإقامة المعروف على غلظة القول والتشديد في الأمر والتهديد والوعيد على المخالفة تجوز، بل تجب مع التحرّز عن الكذب.
      مسألة 5 - لايجوز إشفاع الإنكار بما يحرم وينكر كالسبّ والكذب والإهانة. نعم، لو كان المنكر ممّا يهتمّ به الشارع ولا يرضى بحصوله مطلقا - كقتل النفس المحترمة وارتكاب القبائح والكبائر الموبقة - جاز، بل وجب المنع والدفع ولو مع استلزامه ما ذكر لو توقّف المنع عليه.
      مسألة 6 - لو كان بعض مراتب القول أقلّ إيذاءً وإهانةً من بعض ما ذكر في المرتبة الاُولى يجب الاقتصار عليه، ويكون مقدّما على ذلك؛ فلو فرض أنّ الوعظ والإرشاد بقول ليّن ووجه منبسط مؤثّر أو محتمل التأثير وكان أقلّ إيذاءً من الهجر والإعراض ونحوهما لايجوز التعدّي منه إليهما. والأشخاص آمرا ومأمورا مختلفون جدّا، فربّ شخص يكون إعراضه وهجره أثقل وأشدّ إيذاءً وإهانةً من قوله وأمره ونهيه، فلابدّ للآمر والناهي ملاحظة المراتب والأشخاص، والعمل على الأيسر ثمّ الأيسر.
      مسألة 7 - لوفرض تساوي بعض ما في المرتبة الاُولى مع بعض ما في المرتبة الثانية لم يكن ترتيب بينهما بل يتخيّر بينهما؛ فلو فرض أنّ الإعراض مساوٍ للأمر في الإيذاءوعلم أواحتمل تأثيركلّ منهمايتخيّربينهما،ولايجوزالانتقال إلى الأغلظ.
      مسألة 8 - لو احتمل التأثير وحصول المطلوب بالجمع بين بعض درجات المرتبة الاُولى أو المرتبة الثانية أو بالجمع بين تمام درجات الاُولى أو الثانية ممّاأمكن الجمع بينها أو الجمع بين المرتبتين ممّا أمكن ذلك وجب ذلك بما أمكن؛ فلو علم عدم التأثير لبعض المراتب واحتمل التأثير في الجمع بين الانقباض والعبوس والهجر والإنكار لسانا مشفوعابالغلظة والتهديد ورفع الصوت والإخافة ونحو ذلك وجب الجمع.
      مسألة 9 - لو توقّف دفع منكر أو إقامة معروف على التوسّل بالظالم ليدفعه عن المعصية جاز، بل وجب مع الأمن عن تعدّيه ممّا هو مقتضى التكليف، ووجب على الظالم الإجابة؛ بل الدفع واجب على الظالم كغيره، ووجبت عليه مراعاة ما وجبت مراعاته على غيره من الإنكار بالأيسر ثمّ الأيسر.
      مسألة 10 - لو حصل المطلوب بالمرتبة الدانية من شخص وبالمرتبة الّتي فوقها من آخر فالظاهر وجوب ما هو تكليف كلّ منهما كفائيّا، ولا يجب الإيكال إلى من حصل المطلوب منه بالمرتبة الدانية.
      مسألة 11 - لوكان إنكارشخص مؤثّرا في تقليل المنكروإنكارآخرمؤثّرافي دفعه وجب على كلّ منهما القيام بتكليفه، لكن لو قام الثاني بتكليفه وقلع المنكر سقط عن الآخر؛ بخلاف قيام الأوّل الموجب للتقليل، فإنّه لايسقط بفعله تكليف الثاني.
      مسألة 12 - لو علم إجمالا بأنّ الإنكار بإحدى المرتبتين مؤثّر يجب بالمرتبة الدانية، فلو لم يحصل بها المطلوب انتقل إلى العالية.

      المرتبة الثالثة: الإنكار باليد.
      مسألة 1 - لوعلم أو اطمأنّ بأنّ المطلوب لايحصل بالمرتبتين السابقتين وجب الانتقال إلى الثالثة، وهي إعمال القدرة مراعيا للأيسر فالأيسر.
      مسألة 2 - إن أمكنه المنع بالحيلولة بينه وبين المنكر وجب الاقتصار عليها لوكان أقلّ محذورا من غيرها.
      مسألة 3 - لو توقّفت الحيلولة على تصرّف في الفاعل أو آلة فعله - كما لو توقّفت على أخذ يده أو طرده أو التصرّف في كأسه الّذي فيه الخمر أو سكّينه ونحو ذلك - جاز بل وجب.
      مسألة 4 - لو توقّف دفع المنكر على الدخول في داره أو ملكه والتصرّف في أمواله - كفرشه وفراشه - جاز لو كان المنكر من الاُمور المهمّة الّتي لايرضى المولى بخلافه كيف ما كان، كقتل النفس المحترمة؛ وفي غير ذلك إشكال وإن لايبعد بعض مراتبه في بعض المنكرات.
      مسألة 5 - لو انجرّت المدافعة إلى وقوع ضرر على الفاعل - ككسر كأسه أو سكّينه - بحيث كان من قبيل لازم المدافعة فلا يبعد عدم الضمان؛ ولو وقع الضرر على الآمر والناهي من قِبَل المرتكب كان ضامنا وعاصيا.
      مسألة 6 - لو كسر القارورة الّتي فيها الخمر - مثلا - أو الصندوق الّذي فيه آلات القمار ممّا لم يكن ذلك من قبيل لازم الدفع ضمن وفعل حراما.
      مسألة 7 - لو تعدّى عن المقدار اللازم في دفع المنكر وانجرّ إلى ضرر على فاعل المنكر ضمن، وكان التعدّي حراما.
      مسألة 8 - لو توقّفت الحيلولة على حبسه في محلّ أو منعه عن الخروج من منزله جاز، بل وجب مراعيا للأيسر فالأيسر والأسهل فالأسهل؛ ولا يجوز إيذاؤه والضيق عليه في المعيشة.
      مسألة 9 - لو لم يحصل المطلوب إلّا بنحو من الضيق والتحريج عليه فالظاهر جوازه بل وجوبه مراعيا للأيسر فالأيسر.
      مسألة 10 - لو لم يحصل المطلوب إلّا بالضرب والإيلام فالظاهر جوازهمإ؛ه و ظظ مراعيا للأيسر فالأيسر والأسهل فالأسهل. وينبغي الاستيذان من الفقيه الجامع للشرائط؛ بل ينبغي ذلك في الحبس والتحريج ونحوهما.
      مسألة 11 - لو كان الإنكار موجبا للجرّ إلى الجرح أو القتل فلا يجوز إلّا بإذن الإمام 7 على الأقوى؛ وقام في هذا الزمان الفقيه الجامع للشرائط مقامه مع حصول الشرائط.
      مسألة 12 - لو كان المنكر ممّا لا يرضى المولى بوجوده مطلقا - كقتل النفس المحترمة - جاز بل وجب الدفع ولو انجرّ إلى جرح الفاعل أو قتله؛ فيجب الدفاع عن النفس المحترمة بجرح الفاعل أو قتله لو لم يمكن بغير ذلك، من غير احتياج إلى إذن الإمام 7 أو الفقيه مع حصول الشرائط؛ فلو هجم شخص على آخر ليقتله وجب دفعه ولو بقتله مع الأمن من الفساد، وليس على القاتل حينئذٍ شي ء.
      مسألة 13 - لايجوز التعدّي إلى القتل مع إمكان الدفع بالجرح. ولابدّ من مراعاة الأيسر فالأيسر في الجرح؛ فلو تعدّى ضمن، كما أنّه لو وقع عليه من فاعل المنكر جرحٌ ضمن أو قتلٌ يقتصّ منه.
      مسألة 14 - ينبغي أن يكون الآمر بالمعروف والناهي عن المنكر في أمره ونهيه ومراتب إنكاره كالطبيب المعالج المشفق والأب الشفيق المراعي مصلحة المرتكب، وأن يكون إنكاره لطفا ورحمةً عليه خاصّة، وعلى الاُمّة عامّة، وأن يجرّد قصده للّه تعالى ولمرضاته، ويخلص عمله ذلك عن شوائب أهوية نفسانيّة وإظهار العلوّ، وأن لايرى نفسه منزّهة، ولا لها علوّا أو رفعةً على المرتكب، فربما كان للمرتكب ولو للكبائر صفات نفسانيّة مرضيّة للّه تعالى أحبّه تعالى لها وإن أبغض عمله، وربما كان الآمر والناهي بعكس ذلك وإن خفي على نفسه.
      مسألة 15 - من أعظم أفراد الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وأشرفها وألطفها وأشدّها تأثيرا وأوقعها في النفوس سيّما إذا كان الآمر أو الناهي من علماء الدين ورؤساء المذهب - أعلى اللّه كلمتهم - هو الصادر عمّن يكون لابسا رداء المعروف واجبه و مندوبه، ومتجنّبا عن المنكر بل المكروه، وأن يتخلّق بأخلاق الأنبياء والروحانيّين، ويتنزّه عن أخلاق السفهاء وأهل الدنيا حتّى يكون بفعله وزيّه وأخلاقه آمرا وناهيا، ويقتدي به الناس؛ وإن كان - والعياذ باللّه تعالى - بخلاف ذلك ورأى الناس أنّ العالم المدّعي لخلافة الأنبياء وزعامة الاُمّة غير عامل بما يقول صار ذلك موجبا لضعف عقيدتهم وجرأتهم على المعاصي وسوء ظنّهم بالسلف الصالح؛ فعلى العلماء سيّما ورؤساء المذهب أن يتجنّبوا مواضع التهم، وأعظمها التقرّب إلى سلاطين الجور والرؤساء الظلمة؛ وعلى الاُمّة الإسلاميّة أن لو رأوا عالماكذلك حملوا فعله على الصحّة مع الاحتمال، وإلّا أعرضوا عنه ورفضوه، فإنّه غير روحانيّ تلبّس بزيّ الروحانيّين، وشيطان في رداء العلماء، نعوذ باللّه من مثله ومن شرّه على الإسلام.

    • ختام فيه مسائل

       

      ختام فيه مسائل

      مسألة 1 - ليس لأحد تكفّل الاُمور السياسيّة - كإجراء الحدود - والقضائيّة والماليّة (كأخذ الخراجات والماليّات الشرعيّة) إلّا إمام المسلمين (عليه السلام) ومن نصبه لذلك.
      مسألة 2 - في عصر غيبة وليّ الأمر وسلطان العصر - عجّل اللّه فرجه الشريف- يقوم نوّابه العامّة (وهم الفقهاء الجامعون لشرائط الفتوى والقضاء) مقامه في إجراء السياسات وسائر ما للإمام (علیه السلام) إلّا البدأة بالجهاد.
      مسألة 3 - يجب كفايةً على النوّاب العامّة القيام بالاُمور المتقدّمة مع بسط يدهم وعدم الخوف من حكّام الجور، وبقدر الميسور مع الإمكان.
      مسألة 4 - يجب على الناس كفايةً مساعدة الفقهاء في إجراء السياسات وغيرها من الحسبيّات الّتي من مختصّاتهم في عصر الغيبة مع الإمكان، ومع عدمه فبمقدار الميسور الممكن.
      مسألة 5 - لايجوز التولّي للحدود والقضاء وغيرها من قبل الجائر، فضلا عن إجراء السياسات غير الشرعيّة؛ فلو تولّى من قبله مع الاختيار فأوقع ما يوجب الضمان ضمن، وكان فعله معصيةً كبيرةً.
      مسألة 6 - لو أكرهه الجائر على تولّي أمر من الاُمور جاز إلّا القتل وكان الجائر ضامنا. وفي إلحاق الجرح بالقتل تأمّل. نعم، يلحق به بعض المهمّات، وقد أشرنا إليه سابقا.
      مسألة 7 - لو تولّى الفقيه الجامع للشرائط أمرا من قبل والي الجور - من السياسات والقضاء ونحوها - لمصلحة جاز، بل وجب عليه إجراء الحدود الشرعيّة، والقضاء على الموازين الشرعيّة، وتصدّي الحسبيّات، وليس له التعدّي عن حدود اللّه تعالى.
      مسألة 8 - لو رأى الفقيه أنّ تصدّيه من قبل الجائر موجب لإجراء الحدود الشرعيّة والسياسات الإلهيّة يجب عليه التصدّي، إلّا أن يكون تصدّيه أعظم مفسدة.
      مسألة 9 - ليس للمتجزّي شي ء من الاُمور المتقدّمة، فحاله حال العاميّ في ذلك على الأحوط. نعم، لو فقد الفقيه والمجتهد المطلق لايبعد جواز تصدّيه للقضاء إذا كان مجتهدا في بابه، وكذا هو مقدّم على سائر العدول في تصدّي الاُمور الحسبيّة على الأحوط.
      مسألة 10 - لايجوز الرجوع في الخصومات إلى حكّام الجور وقضاته؛ بل يجب على المتخاصمين الرجوع إلى الفقيه الجامع للشرائط؛ ومع إمكان ذلك لو رجع إلى غيره كان ما أخذه بحكمه سحتا على تفصيل فيه.
      مسألة 11 - لو دعا المدّعي خصمه للتحاكم عند الفقيه يجب عليه القبول. كما أنّه لو رضي الخصم بالترافع عنده لايجوز للمدّعي الرجوع إلى غيره.
      مسألة 12 - لو رفع المدّعي إلى الحاكم الشرعيّ فطلب الحاكم المدّعى عليه يجب عليه الحضور ولا يجوز التخلّف.
      مسألة 13 - يجب كفايةً على الحكّام الشرعيّة قبول الترافع، ومع الانحصار  يتعيّن عليه.

    • فصل في الدفاع
    •  

      فصل في الدفاع

      وهو على قسمين: أحدهما الدفاع عن بيضة الإسلام وحوزته. ثانيهما عن نفسه ونحوها.

      • القول في الدفاع عن بيضة الاسلام

         

        القول في القسم الأوّل

        مسألة 1 - لوغشي بلادالمسلمين أوثغورها عدوّ يُخشى منه على بيضةالإسلام ومجتمعهم يجب عليهم الدفاع عنها بأيّة وسيلة ممكنة من بذل الأموال والنفوس.
        مسألة 2 - لايشترط ذلك بحضور الإمام (عليه السلام) وإذنه، ولا إذن نائبه الخاصّ أو العامّ، فيجب الدفاع على كلّ مكلّف بأيّة وسيلة بلا قيد وشرط.
        مسألة 3 - لو خيف على زيادة الاستيلاء على بلاد المسلمين وتوسعة ذلك وأخذ بلادهم أو أسرهم وجب الدفاع بأيّة وسيلة ممكنة.
        مسألة 4 - لو خيف على حوزة الإسلام من الاستيلاء السياسيّ والاقتصاديّ المنجرّ إلى أسرهم السياسيّ والاقتصاديّ ووهن الإسلام والمسلمين وضعفهم يجب الدفاع بالوسائل المشابهة والمقاومات المنفيّة، كترك شراء أمتعتهم، وترك استعمالها، وترك المراودة والمعاملة معهم مطلقا.
        مسألة 5 - لو كان في المراودات التجاريّة وغيرها مخافة على حوزة الإسلام وبلاد المسلمين من استيلاء الأجانب عليها - سياسيّا أو غيرها - الموجب لاستعمارهم أو استعمار بلادهم ولو معنويّا يجب على كافّة المسلمين التجنّب عنها، وتحرم تلك المراودات.
        مسألة 6 - لو كانت الروابط السياسيّة بين الدول الإسلاميّة والأجانب موجبةً لاستيلائهم على بلادهم أو نفوسهم أو أموالهم أو موجبةً لأسرهم السياسيّ يحرم على رؤساء الدول تلك الروابط والمناسبات، وبطلت عقودها، ويجب على المسلمين إرشادهم وإلزامهم بتركها ولو بالمقاومات المنفيّة.
        مسألة 7 - لو خيف على إحدى الدول الإسلاميّة من هجمة الأجانب يجب على جميع الدول الإسلاميّة الدفاع عنها بأيّ وسيلة ممكنة، كما يجب على سائر المسلمين.
        مسألة 8 - لو أوقع إحدى الدول الإسلاميّة عقد رابطة مخالفة لمصلحة الإسلام والمسلمين يجب على سائر الدول الجدّ على حلّ عقدها بوسائل سياسيّة أو اقتصاديّة، كقطع الروابط السياسيّة والتجاريّة معها، ويجب على سائر المسلمين الاهتمام بذلك بما يمكنهم من المقاومات المنفيّة؛ وأمثال تلك العقود محرّمة باطلة في شرع الإسلام.
        مسألة 9 - لو صار بعض رؤساء الدول الإسلاميّة أو وكلاء المجلسين موجبا لنفوذ الأجانب سياسيّا أو اقتصاديّا على المملكة الإسلاميّة بحيث يخاف منه على بيضةالإسلام أو على استقلال المملكة ولو في الاستقبال كان خائنا ومنعزلا عن مقامه أيّ مقام كان لو فرض أنّ تصدّيه حقّ، وعلى الاُمّة الإسلاميّة مجازاته ولو بالمقاومات المنفيّة كترك عشرته وترك معاملته والإعراض عنه بأيّ وجه ممكن، والاهتمام بإخراجه عن جميع الشؤون السياسيّة وحرمانه عن الحقوق الاجتماعيّة.
        مسألة 10 - لو كان في الروابط التجاريّة من الدول أو التجّار مع بعض الدول الأجنبيّة أو التجّار الأجنبيّين مخافةٌ على سوق المسلمين وحياتهم الاقتصاديّة وجب تركها وحرمت التجارة المزبورة؛ وعلى رؤساء المذهب مع خوف ذلك أن يحرّموا متاعهم وتجارتهم حسب اقتضاء الظروف؛ وعلى الاُمّة الإسلاميّة متابعتهم، كما يجب على كافّتهم الجدّ في قطعها.

      • القول في الدفاع عن نفسه ونحوها

         

        القول في القسم الثاني

        مسألة 1 - لا إشكال في أنّ للإنسان أن يدفع المحارب والمهاجم واللصّ ونحوهم عن نفسه وحريمه وماله ما استطاع.
        مسألة 2 - لو هجم عليه لصّ أو غيره في داره أو غيرها ليقتله ظلما يجب عليه الدفاع بأيّ وسيلةممكنة ولوانجرّ إلى قتل المهاجم؛ولايجوزله الاستسلام والانظلام.
        مسألة 3 - لو هجم على من يتعلّق به من ابن أو بنت أو أب أو أخ أو سائر من يتعلّق به حتّى خادمه وخادمته ليقتله ظلما جاز بل وجب الدفاع عنه ولو انجرّ إلى قتل المهاجم.
        مسألة 4 - لو هجم على حريمه - زوجة كانت أو غيرها - بالتجاوز عليها وجب دفعه بأيّ نحو ممكن ولو انجرّ إلى قتل المهاجم؛ بل الظاهر كذلك لو كان الهجمة على عرض الحريم بما دون التجاوز.
        مسألة 5 - لو هجم على ماله أو مال عياله جاز له دفعه بأيّ وسيلة ممكنة ولو انجرّ إلى قتل المهاجم.
        مسألة 6 - يجب على الأحوط في جميع ما ذكر أن يتصدّى للدفاع من الأسهل فالأسهل؛ فلو اندفع بالتنبيه والإخطار بوجه كالتنحنح - مثلا - فعل؛ فلو لم يندفع إلّا بالصياح والتهديد المدهش فعل واقتصر عليه، وإن لم يندفع إلّا باليد اقتصر عليها، أو بالعصا اقتصر عليها، أو بالسيف اقتصر عليه جرحا إن أمكن به الدفع، وإن لم يمكن إلّا بالقتل جاز بكلّ آلة قتّالة. وإنّما يجب مراعاة الترتيب مع الإمكان والفرصة وعدم الخوف من غلبته؛ بل لو خاف فوت الوقت وغلبة اللصّ مع مراعاة الترتيب لايجب، ويجوز التوسّل بما يدفعه قطعا.
        مسألة 7 - لو لم يتعدّ عن الحدّ اللازم ووقع على المهاجم نقص ماليّ أو بدنيّ أو قتل يكون هدرا، ولا ضمان على الفاعل.
        مسألة 8 - لو تعدّى عمّا هو الكافي في الدفع بنظره وواقعا فهو ضامن على الأحوط.
        مسألة 9 - لو وقع نقص على المدافع من قبل المهاجم - مباشرةً أو تسبيبا- يكون ضامنا، جرحا أو قتلا أو مالًا ونحوها.
        مسألة 10 - لو هجم عليه ليقتله أو على حريمه وجب الدفاع ولو علم أنّه يصير مقتولا، فضلا عمّا دونه، وفضلا عمّا لو ظنّ أو احتمل. وأمّا المال فلا يجب، بل الأحوط الاستسلام مع احتمال القتل، فضلا عن العلم به.
        مسألة 11 - لو أمكن التخلّص عن القتال بالهرب ونحوه فالأحوط التخلّص به؛ فلو هجم على حريمه وأمكن التخلّص بوجه غير القتال فالأحوط ذلك.
        مسألة 12 - لو هجم عليه ليقتله أو على حريمه وجبت المقاتلة ولو علم أنّ قتاله لايفيد في الدفع، ولايجوز له الاستسلام، فضلا عمّا لو ظنّ أو احتمل ذلك. وأمّا المال فلايجب، بل الأحوط الترك.
        مسألة 13 - بعد تحقّق قصد المهاجم إليه ولو بالقرائن الموجبة للوثوق يجوز له الدفع بلا إشكال. فهل يجوز مع الظنّ أو الاحتمال الموجب للخوف؟ الظاهر عدم الجواز مع الأمن من ضرره - لو كان قاصدا - لشدّة بطشه وقدرته أو إمكان الدفاع بوجه لو كان قاصدا له، ومع عدمه ففيه إشكال.
        مسألة 14 - لو أحرز قصده إلى نفسه أو عرضه أو ماله فدفعه فأضرّ به أو جنى عليه فتبيّن خطؤه كان ضامنا وإن لم يكن آثما.
        مسألة 15 - لو قصده لصّ أو محارب فاعتقد خلافه فحمل عليه لا للدفع بل لغرض آخر فالظاهر عدم الضمان ولو قتله وإن كان متجرّيا.
        مسألة 16 - لو هجم لصّان أو نحوهما كلّ على الآخر فإن كان أحدهما بادئا والآخر مدافعا ضمن البادئ، ولا يضمن المدافع وإن كان لو لم يبتدئه ابتدأه؛ وإن هجما فالظاهر ضمان كلّ منهما لو جنى على صاحبه؛ ولو كفّ أحدهما فصال الآخر وجنى عليه ضمن.
        مسألة 17 - لو هجم عليه لصّ ونحوه لكن علم أنّه لايمكنه إجراء ما قصده لمانع - كنهر أو جدار - كفّ عنه؛ ولايجوز الإضرار به جرحا أو نفسا أو غيرهما، ولو أضرّبه ضمن. وكذا لو كان عدم المكنة لضعفه.
        مسألة 18 - لو هجم عليه وقبل الوصول إليه ندم وأظهر الندامة لايجوز الإضرار به بشي ء، ولو فعل ضمن. نعم، لو خاف أن يكون ذلك خدعة منه وخاف ذهاب الفرصة لو أمهله فلا يبعد الجواز، لكن ضمن لو كان صادقا.
        مسألة 19 - يجوز الدفاع لو كان المحارب ونحوه مقبلا مع مراعاةالترتيب -كما تقدّم - مع الإمكان؛ وأمّا لو كان مدبرا معرضا فلا يجوز الإضرار به، ويجب الكفّ عنه، فلو أضرّبه ضمن.
        مسألة 20 - لو كان إدباره لإعداد القوّة جاز دفعه لو علم أو اطمأنّ به، ولو بان الخطأ ضمن ما أضرّبه.
        مسألة 21 - لو ظنّ أو احتمل احتمالا عقلائيّا أنّ إدباره لتجهيز القوى وخاف لأجله على نفسه أو عرضه وخاف مع ذلك عن فوت الوقت لو أمهله وأنّه يغلبه لوصار مجهّزا فالظاهر جواز دفعه مراعيا للترتيب مع الإمكان. ولو بان الخطأ ضمن لو فعل ما يوجبه. والأحوط في المال الترك، سيّما في مثل الجرح والقتل.
        مسألة 22 - لو أخذ اللصّ أو المحارب وربطه أو ضربه وعطّله عمّا قصده لايجوز الإضرار به ضربا أو قتلا أو جرحا، فلو فعل ضمن.
        مسألة 23 - لو لم يمكنه دفعه وجب في الخوف على النفس أو العرض التوسّل بالغير ولو كان جائرا ظالما بل كافرا، وجاز في المال.
        مسألة 24 - لو علم أنّ الجائر الّذي يتوسّل به للدفاع عن نفسه أو عرضه يتعدّى عن المقدار اللازم في الدفاع جاز التوسّل به بل وجب؛ ومع اجتماع الشرائط يجب عليه النهي من تعدّيه، فلو تعدّى كان الجائر ضامنا. نعم، لو أمكن دفعه بغير التوسّل به لايجوز التوسّل به.
        مسألة 25 - لو ضرب اللصّ - مثلا - مقبلا فقطع عضوا منه مع توقّف الدفع عليه فلا ضمان فيه، ولا في السراية ولو تنتهي إلى الموت. ولو ولّى بعد الضرب مدبرا للتخلّص والفرار يجب الكفّ عنه؛ فلوضربه فجرحه أوقطع منه عضوا أوقتله ضمن.
        مسألة 26 - لو قطع يده حال الإقبال دفاعا ويده الاُخرى حال الإدبار فرارا فاندملت اليدان ثبت القصاص في الثانية، ولو اندملت الثانية وسرت الاُولى فلاشي ء عليه في السراية، ولو اندملت الاُولى وسرت الثانية فمات ثبت القصاص في النفس.
        مسألة 27 - لو وجد مع زوجته أو أحد قرابته - من ولده أو بنته أو غيرهما من أرحامه - من ينال منه من الفاحشة ولو دون الجماع فله دفعه مراعيا للأيسر فالايسر مع الإمكان ولو أدّى إلى القتل، ويكون هدرا؛ بل له الدفع عن الأجنبيّ كالدفع عن نفسه، وما وقع على المدفوع هدر.
        مسألة 28 - لو وجد مع زوجته رجلا يزني بها وعلم بمطاوعتها له فله قتلهما، ولا إثم عليه ولا قود، من غير فرق بين كونهما محصنين أولا، وكون الزوجة دائمةً أو منقطعةً، ولا بين كونها مدخولا بها أولا.
        مسألة 29 - في الموارد الّتي جاز الضرب والجرح والقتل إنّما يجوز بينه وبين اللّه، وليس عليه شي ء واقعا، لكن في الظاهر يحكم القاضي على ميزان القضاء؛ فلو قتل رجلا وادّعى أنّه رآه مع امرأته ولم يكن له شهود على طبق ما قرّره الشارع يحكم عليه بالقصاص؛ وكذا في الأشباه والنظائر.
        مسألة 30 - من اطّلع على عورات قوم بقصد النظر إلى ما يحرم عليه منهم فلهم زجره ومنعه، بل وجب ذلك؛ ولولم ينزجر جاز دفعه بالضرب ونحوه؛ فلو لم ينزجر فرموه بحصاة أو غيرها حتّى الآلات القتّالة فاتّفق الجناية عليه كانت هدرا ولو انجرّ إلى القتل. ولو بادروا بالرمي قبل الزجر والتنبيه ضمنوا على الأحوط.
        مسألة 31 - لو زجره فلم ينزجر جاز رميه بقصد جرحه لو توقّف الدفع عليه، وكذا بقصد قتله لو توقّف عليه.
        مسألة 32 - لو كان المطّلع رحما لنساء صاحب البيت فإن نظر إلى ما جاز نظره إليه من غير شهوة وريبة لم يجز رميه؛ فلو رماه وجنى عليه ضمن.
        مسألة 33 - لو كان الرحم ناظرا إلى ما لايجوز له النظر إليه كالعورة أو كان نظره بشهوةكان كالأجنبيّ، فجاز رميه بعد زجره والتنبيه، ولوجنى عليه كان هدرا.
        مسألة 34 - لو كان المشرف على العورات أعمى لايجوز أن يناله بشي ء، فلو نال وجنى عليه ضمن. وكذا لو كان ممّن لايرى البعيد وكان بينه وبينهنّ بمقدار لايراهنّ أو لايميّزهنّ.
        مسألة 35 - لو اطّلع للنظر إلى ابن صاحب البيت بشهوة فله دفعه وزجره، ومع عدم الانزجار فله رميه، وكان الجناية هدرا.
        مسألة 36 - لو اطّلع على بيت لم يكن فيه من يحرم النظر إليه لم يجز رميه؛ فلو رمى وجنى عليه ضمن.
        مسألة 37 - لو اطّلع على العورة فزجره ولم ينزجر فرماه فجنى عليه وادّعى عدم قصد النظر أو عدم رؤيتها لم يسمع دعواه، ولا شي ء على الرامي في الظاهر.
        مسألة 38 - لو كان بعيدا جدّا بحيث لم يمكنه رؤية العورات ولكن رآهنّ بالآلات الحديثة كان الحكم كالمطّلع من قريب، فيجوز دفعه بما تقدّم والجناية عليه هدر.
        مسألة 39 - لو وضع مرآةً واطّلع على العورات بوسيلتها فالظاهر جريان الحكم المطّلع بلاوسيلة؛ لكنّ الأحوط عدم رميه والتخلّص بوجه آخر، بل لايترك الاحتياط.
        مسألة 40 - الظاهر جواز الدفع بما تقدّم ولو أمكن للنساء الستر أو الدخول في محلّ لا يراهنّ الرائي.
        مسألة 41 - للإنسان دفع الدابّة الصائلة عن نفسه وعن غيره وعن ماله؛ فلو تعيّبت أو تلفت مع توقّف الدفع عليه فلاضمان. ولو تمكّن من الهرب فالظاهر عدم جواز الإضرار بها، فلو أضرّ ضمن.

  • كتاب المكاسب والمتاجر

     

    كتاب المكاسب والمتاجر

    وهي أنواع كثيرة نذكر جلّها والمسائل المتعلّقة بها في طيّ كتب
    مقدّمة تشتمل على مسائل

    مسألة 1 - لايجوز التكسّب بالأعيان النجسة بجميع أنواعها على إشكال في العموم؛ لكن لايترك الاحتياط فيها بالبيع والشراء وجعلها ثمنا في البيع، واُجرةً في الإجارة، وعوضا للعمل في الجعالة، بل مطلق المعاوضة عليها ولو بجعلها مهرا أو عوضا في الخلع ونحو ذلك؛ بل لايجوز هبتها والصلح عليها بلا عوض؛ بل لايجوز التكسّب بها ولو كانت لها منفعة محلّلة مقصودة، كالتسميد في العذرة. ويستثنى من ذلك العصير المغليّ قبل ذهاب ثلثيه بناءً على نجاسته، والكافر بجميع أقسامه حتّى المرتدّ عن فطرة على الأقوى، وكلب الصيد بل والماشية والزرع والبستان والدور.
    مسألة 2 - الأعيان النجسة عدا ما استثني وإن لم يعامل معها شرعا معاملة الأموال لكن لمن كانت هي في يده وتحت استيلائه حقّ اختصاص متعلّق بها ناشئ إمّا من حيازتها أو من كون أصلها مالا له ونحو ذلك، كما إذا مات حيوان له فصار ميتة أو صار عنبه خمرا. وهذا الحقّ قابل للانتقال إلى الغير بالإرث وغيره. ولا يجوز لأحد التصرّف فيها بلا إذن صاحب الحقّ، فيصحّ أن يصالح عليه بلاعوض، لكن جعله عوضا لايخلو من إشكال، بل لايبعد دخوله في الاكتساب المحظور. نعم، لو بذل له مالا ليرفع يده عنها ويعرض فيحوزها الباذل سلم من الإشكال، نظير بذل المال لمن سبق إلى مكان من الأمكنة المشتركة - كالمسجد والمدرسة - ليرفع يده عنه فيسكن الباذل.
    مسألة 3 - لا إشكال في جواز بيع مالا تحلّه الحياة من أجزاء الميتة ممّا كانت له منفعة محلّلة مقصودة، كشعرها وصوفها بل ولبنها إن قلنا بطهارته. وفي جواز بيع الميتة الطاهرة - كالسمك ونحوه - إذا كانت له منفعة ولو من دهنه إشكال لايترك الاحتياط.
    مسألة 4 - لا إشكال في جواز بيع الأرواث إذا كانت لها منفعة. وأمّا الأبوال الطاهرة فلا إشكال في جواز بيع بول الإبل؛ وأمّا غيره ففيه إشكال، لا يبعد الجواز لو كانت له منفعة محلّلة مقصودة.
    مسألة 5 - لا إشكال في جواز بيع المتنجّس القابل للتطهير؛ وكذا غير القابل له إذا جاز الانتفاع به مع وصف نجاسته في حال الاختيار، كالدهن المتنجّس الّذي يمكن الانتفاع به بالإسراج وطلي السفن، والصبغ والطين المتنجّسين، والصابون ونحو ذلك. وأمّا ما لا يقبل التطهير وكان جواز الانتفاع به متوقّفا على طهارته -كالسكنجبين النجس ونحوه - فلايجوز بيعه والمعاوضة عليه.
    مسألة 6 - لا بأس ببيع الترياق المشتمل على لحوم الأفاعي مع عدم ثبوت أنّها من ذوات الأنفس السائلات،ومع استهلاكها فيه - كما هوالغالب بل المتعارف- جاز استعماله وينتفع به. وأمّا المشتمل على الخمر فلا يجوز بيعه، لعدم قابليّته للتطهير، وعدمِ حلّيّة الانتفاع به مع وصف النجاسة حال الاختيار، الّذي هو المدار لا الجواز عند الاضطرار.
    مسألة 7 - يجوز بيع الهرّة ويحلّ ثمنها بلا إشكال. وأمّا غيرها من أنواع السباع فالظاهر جوازه إذا كان ذامنفعة محلّلة مقصودة عند العقلاء. وكذإ؛لاء ظظ الحشرات بل المسوخ أيضا إذا كانت كذلك. فهذا هو المدار في جميع الأنواع، فلاإشكال في بيع العلق - الّذي يمصّ الدم الفاسد - ودود القزّ ونحل العسل وإن كانت من الحشرات، وكذا الفيل الّذي ينتفع بظهره وعظمه وإن كان من المسوخ.
    مسألة 8 - يحرم بيع كلّ ما كان آلة للحرام بحيث كانت منفعته المقصودة منحصرةً فيه مثل آلات اللهو كالعيدان والمزامير والبرابط ونحوها، وآلات القمار كالنرد والشطرنج ونحوهما. وكما يحرم بيعها وشراؤها يحرم صنعتها والاُجرة عليها، بل يجب كسرها وتغيير هيئتها. نعم، يجوز بيع مادّتها من الخشب والصفر -مثلا- بعد الكسر، بل قبله أيضا إذا اشترط على المشتري كسرها، أو بيع المادّة ممّن يثق به أنّه يكسرها. ومع عدم ما ذكر ففيه إشكال. ويجوز بيع أواني الذهب والفضّة للتزيين والاقتناء.
    مسألة 9 - الدراهم الخارجة عن الاعتبار أو المغشوشة المعمولة لأجل غشّ الناس تحرم المعاملة بها وجعلها عوضا أو معوّضا في المعاملات مع جهل من تدفع إليه، بل مع علمه واطّلاعه أيضا على الأحوط لو لم يكن الأقوى، إلّا إذا وقعت المعاملة على مادّتها واشترط على المتعامل كسرها أو كان موثوقا به في الكسر، إذ لايبعد وجوب إتلافها ولو بكسرها، دفعا لمادّة الفساد.
    مسألة 10 - يحرم بيع العنب والتمر ليعمل خمرا، والخشب - مثلا - ليعمل صنما أو آلةً للّهو أو القمار ونحو ذلك؛ وذلك إمّا بذكر صرفه في المحرّم والالتزام به في العقد، أو تواطئهما على ذلك، ولو بأن يقول المشتري لصاحب العنب مثلا: «بعني منّا من العنب لأعمله خمرا» فباعه. وكذا تحرم إجارة المساكن ليباع ويحرز فيها الخمر، أو ليُعمل فيها بعض المحرّمات، وإجارة السفن أو الحمولة لحمل الخمر وشبهها بأحد الوجهين المتقدّمين. وكما يحرم البيع والإجارة في ما ذكر يفسدان أيضا، فلا يحلّ له الثمن والاُجرة. وكذا بيع الخشب لمن يعلم أنّه يجعله صليبا أو صنما؛ بل وكذا بيع العنب والتمر والخشب ممّن يعلم أنّه يجعلها خمرا وآلة للقمار والبرابط، وإجارة المساكن لمن يعلم أنّه يعمل فيها ما ذكر أو يبيعها وأمثال ذلك في وجه قويّ. والمسألة من جهة النصوص مشكلة جدّا، والظاهر أنّها معلّلة.
    مسألة 11 - يحرم بيع السلاح من أعداء الدين حال مقاتلتهم مع المسلمين، بل حال مباينتهم معهم بحيث يخاف منهم عليهم. وأمّا في حال الهدنة معهم أو زمان وقوع الحرب بين أنفسهم ومقاتلة بعضهم مع بعض فلابدّ في بيعه من مراعاة مصالح الإسلام والمسلمين ومقتضيات اليوم، والأمر فيه موكول إلى نظر والي المسلمين، وليس لغيره الاستبداد بذلك. ويلحق بالكفّار من يعادي الفرقة الحقّة من سائر الفرق المسلمة. ولا يبعد التعدّي الى قطّاع الطريق وأشباههم؛ بل لايبعد التعدّي من بيع السلاح إلى بيع غيره لهم ممّا يكون سببا لتقويتهم على أهل الحقّ، كالزاد والراحلة والحمولة ونحوها.
    مسألة 12 - يحرم تصوير ذوات الأرواح من الإنسان والحيوان إذا كانت الصورة مجسّمةً، كالمعمولة من الأحجار والفلزّات والأخشاب ونحوها. والأقوى جوازه مع عدم التجسيم وإن كان الأحوط تركه. ويجوز تصوير غير ذوات الأرواح كالأشجار والأوراد ونحوها ولو مع التجسيم. ولا فرق بين أنحاء التصوير من النقش والتخطيط والتطريز والحكّ وغير ذلك. ويجوز التصوير المتداول في زماننا بالآلات المتداولة، بل الظاهر أنّه ليس من التصوير. وكما يحرم عمل التصوير من ذوات الأرواح مجسّمةً يحرم التكسّب به وأخذ الاُجرة عليه. هذا كلّه في عمل الصور. وأمّا بيعها واقتناؤها واستعمالها والنظر إليها فالأقوى جواز ذلك كلّه حتّى المجسّمات. نعم، يكره اقتناؤها وإمساكها في البيت.
    مسألة 13 - الغناء حرام فعله وسماعه والتكسّب به. وليس هو مجرّد تحسين الصوت، بل هو مدّه وترجيعه بكيفيّة خاصّة مطربة تناسب مجالس اللهو ومحافل الطرب وآلات اللهو والملاهي. ولا فرق بين استعماله في كلام حقّ - من قراءة القرآن والدعاء والمرثية - وغيره من شعر أو نثر، بل يتضاعف عقابه لو استعمله في ما يطاع به اللّه تعالى. نعم، قد يستثنى غناء المغنيّات في الأعراس، وهو غير بعيد. ولا يترك الاحتياط بالاقتصار على زفّ العرائس والمجلس المعدّ له مقدّما ومؤخّرا، لا مطلق المجالس، بل الأحوط الاجتناب مطلقا.
    مسألة 14 - معونة الظالمين في ظلمهم بل في كلّ محرّم حرام بلا إشكال؛ بل ورد عن النبي(صلى الله عليه وآله وسلم) أنّه قال: «من مشى إلى ظالم ليعينه وهو يعلم أنّه ظالم فقد خرج من الإسلام». وعنه (صلى الله عليه وآله وسلم): «إذا كان يوم القيامة ينادي مناد: أين الظلمة وأعوان الظلمة حتّى من برى لهم قلما ولاق لهم دواةً؟ قال: فيجتمعون في تابوت من حديد ثمّ يرمى بهم في جهنّم». وأمّا معونتهم في غير المحرّمات فالظاهر جوازها مالم يعدّ من أعوانهم وحواشيهم والمنسوبين إليهم ولم يكن اسمه مقيّدا في دفترهم وديوانهم ولم يكن ذلك موجبا لازدياد شوكتهم وقوّتهم.
    مسألة 15 - يحرم حفظ كتب الضلال ونسخها وقراءتها ودرسها وتدريسها إن لم يكن غرض صحيح في ذلك، كأن يكون قاصدا لنقضها وإبطالها وكان أهلا لذلك ومأمونا من الضلال. وأمّا مجرّد الاطّلاع على مطالبها فليس من الأغراض الصحيحة المجوّزة لحفظها لغالب الناس من العوامّ الّذين يخشى عليهم الضلال والزلل، فاللازم على أمثالهم التجنّب عن الكتب المشتملة على ما يخالف عقائد المسلمين، خصوصا ما اشتمل منها على شبهات ومغالطات عجزوا عن حلّها ودفعها، ولا يجوز لهم شراؤها وإمساكها وحفظها، بل يجب عليهم إتلافها.
    مسألة 16 - عمل السحر وتعليمه وتعلّمه والتكسّب به حرام. والمراد به ما يعمل من كتابة أو تكلّم أو دخنة أو تصوير أو نفث أو عقد ونحو ذلك يؤثّر في بدن المسحور أو قلبه أو عقله، فيؤثّر في إحضاره أو إنامته أو إغمائه أو تحبيبه أو تبغيضه ونحو ذلك.
    ويلحق بذلك استخدام الملائكة وإحضار الجنّ وتسخيرهم وإحضار الأرواح وتسخيرها وأمثال ذلك. بل يلحق به أو يكون منه الشعبذة، وهي إراءة غير الواقع واقعا بسبب الحركة السريعة.
    وكذلك الكهانة. وهي تعاطي الأخبار عن الكائنات في مستقبل الزمان، بزعم أنّه يلقي إليه الأخبار عنها بعض الجانّ، أو بزعم أنّه يعرف الاُمور بمقدّمات وأسباب يستدلّ بها على مواقعها.
    والقيافة. وهي الاستناد إلى علامات خاصّة في إلحاق بعض الناس ببعض وسلب بعض عن بعض، على خلاف ما جعله الشارع ميزانا للإلحاق وعدمه من الفراش وعدمه.
    والتنجيم. وهو الإخبار على البتّ والجزم عن حوادث الكون من الرخص والغلاء والجدب والخصب وكثرة الأمطار وقلّتها وغير ذلك من الخير والشرّ والنفع والضرر، مستندا الى الحركات الفلكيّة والنظرات والاتّصالات الكوكبيّة، معتقدا تأثيرها في هذا العالم على نحو الاستقلال أو الاشتراك مع اللّه - تعالى عمّا يقول الظالمون - دون مطلق التأثير ولو بإعطاء اللّه تعالى إيّاها إذا كان عن دليل قطعيّ. وليس منه الإخبار عن الخسوف والكسوف والأهلّة واقتران الكواكب وانفصالها بعد كونه ناشئا عن اُصول وقواعد سديدة. والخطأ الواقع منهم أحيانا ناشئ من الخطأ في الحساب وإعمال القواعد، كسائر العلوم.
    مسألة 17 - يحرم الغشّ بما يخفى في البيع والشراء، كشوب اللبن بالماء، وخلط الطعام الجيّد بالردي ء، ومزج الدهن بالشحم أو بالدهن النباتيّ، ونحو ذلك، من دون إعلام. ولا يفسد المعاملة به وإن حرم فعله وأوجب الخيار للطرف بعد الاطّلاع. نعم، لو كان الغشّ بإظهار الشي ء على خلاف جنسه - كبيع المموّه على أنّه ذهب أو فضّة ونحو ذلك - فسد أصل المعاملة.
    مسألة 18 - يحرم أخذ الاُجرة على ما يجب عليه فعله عينا، بل ولو كفائيّا على الأحوط فيه، كتغسيل الموتى وتكفينهم ودفنهم. نعم، لو كان الواجب توصّليّا -كالدفن- ولم يبذل المال لأجل أصل العمل بل لاختيار عمل خاصّ لابأس به. فالمحرّم أخذ الاُجرة لأصل الدفن. وأمّا لو اختار الوليّ مكانا خاصّا وقبرا مخصوصا وأعطى المال لحفر ذلك المكان الخاصّ فالظاهر أنّه لابأس به. كما لابأس بأخذ الطبيب الاُجرة للحضور عند المريض وإن أشكل أخذها لأصل المعالجة وإن كان الأقوى جوازه. ولو كان العمل تعبّديّا يشترط فيه التقرّب -كالتغسيل- فلا يجوز أخذها عليه على أيّ حال. نعم، لابأس بأخذها على بعض الاُمور غير الواجبة كما تقدّم في غسل الميّت. وممّا يجب على الإنسان تعليم مسائل الحلال والحرام، فلا يجوز أخذها عليه. وأمّا تعليم القرآن فضلا عن غيره من الكتابة وقراءة الخطّ وغير ذلك فلا بأس بأخذها عليه. والمراد بالواجبات المذكورة ما وجب على نفس الأجير. وأمّا ما وجب على غيره ولا يعتبر فيه المباشرة فلا بأس بأخذ الاُجرة عليه حتّى في العبادات الّتي يشرع فيها النيابة، فلابأس بالاستيجار للأموات في العبادات كالحجّ والصوم والصلاة.
    مسألة 19 - يكره اتّخاذ بيع الصرف والأكفان والطعام حرفةً؛ وكذا بيع الرقيق، فإنّ شرّ الناس من باع الناس؛ وكذا اتّخاذ الذبح والنحر صنعةً؛ وكذا صنعة الحياكة والحجامة؛ وكذا التكسّب بضراب الفحل، بأن يؤاجره لذلك مع ضبطه بالمرّة والمرّات المعيّنة أو بالمدّة أو بغير الإجارة. نعم، لابأس بأخذ الهديّة والعطيّة لذلك.
    مسألة 20 - لاريب في أنّ التكسّب وتحصيل المعيشة بالكدّ والتعب محبوب عنداللّه تعالى؛ وقد ورد عن النبى(صلى الله عليه وآله وسلم) والأئمّة (عليهم السلام): الحثّ والترغيب عليه مطلقا، وعلى خصوص التجارة والزراعة واقتناء الأغنام والبقر روايات كثيرة. نعم، ورد النهي عن إكثار الإبل.
    مسألة 21 - يجب على كلّ من يباشر التجارة وسائر أنواع التكسّب تعلّم أحكامها والمسائل المتعلّقة بها ليعرف صحيحها عن فاسدها، ويسلم من الربا. والقدر اللازم أن يكون عالما - ولو عن تقليد - بحكم التجارة والمعاملة الّتي يوقعها حين إيقاعها، بل ولو بعد إيقاعها إذا كان الشكّ في الصحّة والفساد فقط؛ وأمّا إذا اشتبه حكمها من جهة الحرمة والحلّيّة - لامن جهة مجرّد الصحّة والفساد - يجب الاجتناب عنها، كموارد الشكّ في أنّ المعاملة ربويّة، بناءً على حرمة نفس المعاملة أيضا، كما هو كذلك على الأحوط.
    مسألة 22 - للتجارة والتكسّب آداب مستحبّة ومكروهة:
    أمّا المستحبّة فأهمّها: الإجمال في الطلب والاقتصاد فيه، بحيث لايكون مضيّعا ولا حريصا.
    ومنها: إقالة النادم في البيع والشراء لو استقاله.
    ومنها: التسوية بين المتبايعين في السعر، فلا يفرق بين المماكس وغيره بأن يقلّل الثمن للأوّل ويزيده للثاني. نعم، لابأس بالفرق بسبب الفضل والدين ونحو ذلك ظاهرا.
    ومنها: أن يقبض لنفسه ناقصا ويعطي راجحا.
    وأمّا المكروهة فاُمور:
    منها: مدح البائع لمتاعه.
    ومنها: ذمّ المشتري لما يشتريه.
    ومنها: اليمين صادقا على البيع والشراء.
    ومنها: البيع في موضع يستتر فيه العيب.
    ومنها: الربح على المؤمن إلّا مع الضرورة، أو كان الشراء للتجارة، أو كان اشتراؤه للمتاع أكثر من مائة درهم، فإنّ ربح قوت اليوم منه غير مكروه.
    ومنها: الربح على من وعده بالإحسان إلّا مع الضرورة.
    ومنها: السوم ما بين الطلوعين.
    ومنها: الدخول في السوق أوّلا والخروج منه آخرا.
    ومنها: مبايعة الأدنين الّذين لايبالون بما قالوا وما قيل لهم.
    ومنها: التعرّض للكيل أو الوزن أو العدّ أو المساحة إذا لم يحسنه.
    ومنها: الاستحطاط من الثمن بعد العقد.
    ومنها: الدخول فى سوم المؤمن على الأظهر، وقيل بالحرمة. ولا يكون منه الزيادة في ما إذا كان المبيع في المزايدة.
    ومنها: تلقّي الركبان والقوافل واستقبالهم للبيع عليهم أو الشراء منهم قبل وصولهم إلى البلد. وقيل: يحرم وإن صحّ البيع والشراء، وهو الأحوط وإن كان الأظهر الكراهة. وإنّما يكره بشروط: أحدها: كون الخروج بقصدذلك. ثانيها: تحقّق مسمّى الخروج من البلد. ثالثها: أن يكون دون الأربعة فراسخ؛ فلو تلقّى في الأربعة فصاعدا لم يثبت الحكم، بل هو سفر تجارة. والأقوى عدم اعتبار كون الركب جاهلا بسعر البلد. وهل يعمّ الحكم غير البيع والشراء كالإجارة ونحوها؟ وجهان.
    مسألة 23 - يحرم الاحتكار. وهو حبس الطعام وجمعه يتربّص به الغلاء مع ضرورة المسلمين وحاجتهم وعدم وجود من يبذلهم قدر كفايتهم. نعم، مجرّد حبس الطعام انتظارا لعلوّ السعر مع عدم ضرورة الناس ووجود الباذل ليس بحرام وإن كان مكروها. ولو حبسه في زمان الغلاء لصرفه في حوائجه لا للبيع فلا حرمة فيه ولا كراهة. والأقوى عدم تحقّقه إلّا في الغلّات الأربع والسمن والزيت. نعم، هو أمر مرغوب عنه في مطلق ما يحتاج إليه الناس، لكن لايثبت لغير ما ذكر أحكام الاحتكار. ويُجبر المحتكر على البيع؛ ولا يعيّن عليه السعر على الأحوط، بل له أن يبيع بما شاء إلّا إذا أجحف، فيجبر على النزول من دون تسعير عليه، ومع عدم تعيينه يعيّن الحاكم بما يرى المصلحة.
    مسألة 24 - لايجوز مع الاختيار الدخول في الولايات والمناصب والأشغال من قبل الجائر وإن كان أصل الشغل مشروعا مع قطع النظر عن تولّيه من قبله، كجباية الخراج، وجمع الزكاة، وتولّي المناصب الجنديّة والأمنيّة، وحكومة البلاد ونحو ذلك، فضلا عمّا كان غير مشروع في نفسه، كأخذ العشور والمُكُوس وغير ذلك من أنواع الظلم المبتدعة. نعم، يسوغ كلّ ذلك مع الجبر والإكراه، بإلزام من يُخشى من التخلّف عن إلزامه على نفسه أو عرضه أو ماله المعتدّ به، إلّا في الدماء المحترمة، بل في إطلاقه بالنسبة إلى تولّي بعض أنواع الظلم - كهتك أعراض طائفة من المسلمين، ونهب أموالهم، وسبي نسائهم، وإيقاعهم في الحرج - مع خوفه على عرضه ببعض مراتبه الضعيفة، أو على ماله إذا لم يقع في الحرج، بل مطلقا في بعضها إشكال بل منع. ويسوّغ خصوص القسم الأوّل - وهو الدخول في الولاية على أمر مشروع في نفسه - القيام بمصالح المسلمين وإخوانه في الدين؛ بل لو كان دخوله فيها بقصد الإحسان إلى المؤمنين ودفع الضرر عنهم كان راجحا؛ بل ربما بلغ الدخول في بعض المناصب والأشغال لبعض الأشخاص أحيانا إلى حدّ الوجوب، كما إذا تمكّن شخص بسببه من دفع مفسدة دينيّة أو المنع عن بعض المنكرات الشرعيّة مثلا، ومع ذلك فيها خطرات كثيرة إلّا لمن عصمه اللّه تعالى.
    مسألة 25 - ما يأخذه الحكومة من الضريبة على الأراضي مع شرائطها - جنسا أو نقدا - وعلى النخيل والأشجار يعامل معها معاملة ما يأخذه السلطان العادل، فيبرأ ذمّة الدافع عمّا كان عليه من الخراج الّذي هو اُجرة الأرض الخراجيّة. ويجوز لكلّ أحد شراؤه وأخذه مجّانا وبالعوض، والتصرّف فيه بأنواع التصرّف؛ بل لو لم يأخذه الحكومة وحوّل شخصا على من عليه الخراج بمقدار فدفعه إلى المحتال يحلّ له، وتبرأ ذمّة المحال عليه عمّا عليه؛ لكنّ الأحوط - خصوصا في مثل هذه الأزمنة - رجوع من ينتفع بهذه الأراضي ويتصرّف فيها في أمر خراجها وكذلك من يصل إليه من هذه الأموال شي ء إلى حاكم الشرع أيضا. والظاهر أنّ حكم السلطان المؤالف كالمخالف، وإن كان الاحتياط بالرجوع إلى الحاكم في الأوّل أشدّ.
    مسألة 26 - يجوز لكلّ أحد أن يتقبّل الأراضي الخراجيّة، ويضمنها من الحكومة بشي ء، وينتفع بها بنفسه بزرع أو غرس أو غيره، أو يقبلها ويضمنها لغيره ولو بالزيادة، على كراهيّة في هذه الصورة، إلّا أن يحدث فيها حدثا كحفر نهر أو عمل فيها بما يُعين المستأجر، بل الأحوط ترك التقبيل بالزيادة إلّا معه.

  • كتاب البيع
    • فيما يعتبر في العقد

       

      فيما يعتبر في العقد

      مسألة 1 - عقد البيع يحتاج إلى إيجاب وقبول، وقد يستغني بالإيجاب عن القبول، كما إذا وكّل المشتري أو البائع صاحبه في البيع والشراء أو وكّلا ثالثا فيقول: «بعت هذا بهذا»، فإنّ الأقوى عدم الاحتياج حينئذٍ إلى القبول. والأقوى عدم اعتبار العربيّة، بل يقع بكلّ لغة ولو مع إمكان العربيّ. كما أنّه لايعتبر فيه الصراحة، بل يقع بكلّ لفظ دالّ على المقصود عند أهل المحاورة، ك'«بعت» و«ملّكت» ونحوهما في الإيجاب، و«قبلت» و«اشتريت» و«ابتعت» ونحو ذلك في القبول. والظاهر عدم اعتبار الماضويّة - فيجوز بالمضارع - وإن كان أحوط. ولا يعتبر فيه عدم اللحن من حيث المادّة والهيئة والإعراب إذا كان دالّاً على المقصود عند أبناء المحاورة وعُدّ ملحونا منه، لا كلاما آخر ذكر في هذا المقام، كما إذا قال: «بعت» بفتح الباء أو بكسر العين وسكون التاء، وأولى بذلك اللغات المحرّفة، كالمتداولة بين أهل السواد ومن ضاهاهم.
      مسألة 2 - الظاهر جواز تقديم القبول على الإيجاب إذا كان بمثل «اشتريت» و«ابتعت» إذا اُريد به إنشاء الشراء لا المعنى المطاوعيّ، ولا يجوز بمثل «قبلت» و«رضيت». وأمّا إذا كان بنحو الأمر والاستيجاب كما إذا قال من يريد الشراء: «بعني الشي ء الفلانيّ بكذا» فقال البائع: «بعتكه بكذا» فالظاهر الصحّة وإن كان الأحوط إعادة المشتري القبول.
      مسألة 3 - يعتبر الموالاة بين الإيجاب والقبول، بمعنى عدم الفصل الطويل بينهما بما يخرجهما عن عنوان العقد والمعاقدة؛ ولا يضرّ القليل بحيث يصدق معه أنّ هذا قبول لذلك الإيجاب.
      مسألة 4 - يعتبر في العقد التطابق بين الإيجاب والقبول؛ فلو اختلفا بأن أوجب البائع على وجه خاصّ - من حيث المشتري أو المبيع أو الثمن أو توابع العقد من الشروط - وقبل المشتري على وجه آخر لم ينعقد؛ فلو قال البائع: «بعت هذا من موكّلك بكذا» فقال الوكيل: «اشتريته لنفسي» لم ينعقد. نعم، لو قال: «بعت هذا من موكّلك» فقال الموكّل الحاضر غير المخاطب: «قبلت» لايبعد الصحّة. ولو قال: «بعتك هذا بكذا» فقال: «قبلت لموكّلي» فإن كان الموجب قاصدا لوقوع البيع للمخاطب نفسه لم ينعقد، وإن كان قاصدا له أعمّ من كونه أصيلا أو وكيلا صحّ. ولو قال: «بعتك هذا بألف» فقال: «اشتريت نصفه بألف أو بخمسمائة» لم ينعقد، بل لو قال: «اشتريت كلّ نصف منه بخمسمائة» لايخلو من إشكال. نعم، لايبعد الصحّة لو أراد كلّ نصف مشاعا. ولو قال لشخصين: «بعتكما هذا بألف» فقال أحدهما: «اشتريت نصفه بخمسمائة» لم ينعقد، ولو قال كلّ منهما ذلك لايبعد الصحّة وإن لايخلو من إشكال. ولو قال: «بعت هذا بهذا على أن يكون لي الخيار ثلاثة أيّام» مثلا فقال: «اشتريت بلا شرط» لم ينعقد. ولو انعكس بأن أوجب البائع بلا شرط وقبل المشتري معه فلا ينعقد مشروطا، وهل ينعقد مطلقا وبلا شرط؟ فيه إشكال.
      مسألة 5 - لو تعذّر التلفّظ - لخرس ونحوه - تقوم الإشارة المفهمة مقامه حتّى مع التمكّن من التوكيل على الأقوى. ولو عجز عن الإشارة أيضا فالأحوط التوكيل أو المعاطاة، ومع تعذّرهما إنشاؤه بالكتابة.
      مسألة 6 - الأقوى وقوع البيع بالمعاطاة في الحقير والخطير. وهي عبارة عن تسليم العين بقصد صيرورتها ملكا للغير بالعوض وتسلّم العوض بعنوان العوضيّة. والظاهر تحقّقها بمجرّد تسليم المبيع بقصد التمليك بالعوض مع قصد المشتري في أخذه التملّك بالعوض، فيجوز جعل الثمن كلّيّا في ذمّة المشتري. وفي تحقّقها بتسلّم العوض فقط من المشتري بقصد المعاوضة إشكال وإن كان التحقّق به لايخلو من قوّة.
      مسألة 7 - يعتبر في المعاطاة جميع ما يعتبر في البيع بالصيغة - من الشروط الآتية - ما عدا اللفظ؛ فلا تصحّ مع فقد واحد منها، سواء كان ممّا اعتبر في المتبايعين أو في العوضين، كما أنّ الأقوى ثبوت الخيارات الآتية فيها.
      مسألة 8 - البيع بالصيغة لازم من الطرفين إلّا مع وجود الخيار. نعم، يجوز الإقالة، وهي الفسخ من الطرفين. والأقوى أنّ المعاطاة أيضا لازمة من الطرفين إلّا مع الخيار، وتجري فيها الإقالة.
      مسألة 9 - البيع المعاطاتيّ ليس قابلا للشرط على الأحوط؛ فلو اُريد ثبوت خيار بالشرط أو سقوطه به أو شرط آخر حتّى جعل مدّة وأجل لأحد العوضين يتوسّل بإجراء البيع بالصيغة وإدراجه فيه، وإن كان قبوله لذلك بالمقاولة قُبيله والتعاطي مبنيّا عليها لايخلو من وجه وقوّة.
      مسألة 10 - هل تجري المعاطاة في سائر المعاملات مطلقا أو لا كذلك أو في بعضها دون بعض؟ سيظهر الأمر في الأبواب الآتية إن شاء اللّه تعالى.
      مسألة 11 - كما يقع البيع والشراء بمباشرة المالك يقع بالتوكيل أو الولاية من طرف واحد أو الطرفين. ويجوز لشخص واحد تولّي طرفي العقد أصالةً من طرف ووكالةً أو ولايةً من آخر، أو وكالةً من الطرفين، أو ولايةً منهما، أو وكالةً من طرف وولايةً من آخر.
      مسألة 12 - لايجوز على الأحوط تعليق البيع على شي ء غير حاصل حين العقد، سواء علم حصوله في ما بعد أم لا، ولا على شي ء مجهول الحصول حينه. وأمّا تعليقه على معلوم الحصول حينه - كأن يقول: «بعتك إن كان اليوم يوم السبت» مع العلم به - فالأقوى جوازه.
      مسألة 13 - لو قبض المشتري ما ابتاعه بالعقد الفاسد لم يملكه، وكان مضمونا عليه، بمعنى أنّه يجب عليه أن يردّه إلى مالكه، ولو تلف ولو بآفة سماويّة يجب عليه ردّ عوضه من المثل أو القيمة. نعم، لو كان كلّ من البائع والمشتري راضيا بتصرّف الآخر مطلقا في ما قبضه ولو على تقدير الفساد يباح لكلّ منهما التصرّف والانتفاع بما قبضه ولو بإتلافه، ولا ضمان عليه.

    • القول في شروط البيع
    •  

      القول في شروط البيع

      وهي إمّا في المتعاقدين وإمّا في العوضين.

      • القول في شرائط المتعاقدين


        القول في شرائط المتعاقدين

        وهي اُمور:
        الأوّل: البلوغ؛ فلا يصحّ بيع الصغير - ولو كان مميّزا وكان بإذن الوليّ - إذا كان مستقلّاً في إيقاعه، على الأقوى في الأشياء الخطيرة وعلى الأحوط في غيرها، وإن كان الصحّة في اليسيرة إذا كان مميّزا ممّا جرت عليها السيرة لاتخلو من وجه وقوّة، كما أنّه لو كان بمنزلة الآلة - بحيث تكون حقيقة المعاملة بين البالغين - ممّا لابأس به مطلقا. وكما لاتصحّ معاملة الصبيّ في الأشياء الخطيرة لنفسه كذلك لاتصحّ لغيره أيضا إذا كان وكيلا حتّى مع إذن الوليّ في الوكالة. وأمّا لو كان وكيلا لمجرّد إجراء الصيغة وكان أصل المعاملة بين البالغين فصحّته لاتخلو من قرب، فليس هو مسلوب العبارة، لكن لاينبغي ترك الاحتياط.
        الثاني: العقل؛ فلا يصحّ بيع المجنون.
        الثالث: القصد؛ فلا يصحّ بيع غير القاصد، كالهازل والغالط والساهي.
        الرابع: الاختيار؛ فلا يقع البيع من المكره. والمراد به الخائف على ترك البيع من جهة توعيد الغير عليه بايقاع ضرر أو حرج عليه. ولا يضرّ بصحّته الاضطرار الموجب للإلجاء وإن كان حاصلا من إلزام الغير بشي ء، كما لو ألزمه ظالم على دفع مال فالتجأ إلى بيع ماله لدفعه إليه. ولا فرق في الضرر المتوعّد بين أن يكون متعلّقا بنفس المكره - نفسا أو عرضا أو مالا - أو بمن يكون متعلّقا به كعياله وولده ممّن يكون إيقاع المحذور عليه بمنزلة إيقاعه عليه. ولو رضي المكره بعد زوال الإكراه صحّ ولزم.
        مسألة 1 - الظاهر أنّه لا يعتبر في صدق الإكراه عدم إمكان التفصّي بالتورية؛ فلو اُلزم بالبيع واُوعد على تركه فباع قاصدا للمعنى مع إمكان أن لا يقصد أو يقصد معنى آخر غير البيع يكون مكرها إذا كان التفصّي مشكلا ومحتملا لوقوعه في المحذور، كما هو كذلك نوعا في مثل المقام. وأمّا مع التفاته إلى التورية وسهولتها له بلا محذور فمحلّ إشكال، بل اعتبار عدم سهولتها كذلك لايخلو من وجه.
        مسألة ۲ - لو أكرهه على أحد الأمرين: إمّا بيع داره أو عمل آخر فباع داره فإن كان في العمل الآخر محذور دينيّ أو دنيويّ يتحرّز منه وقع البيع مكرها عليه، وإلّا وقع مختارا.
        مسألة 3 - لو أكرهه على بيع أحد الشيئين على التخيير فكلّ ما وقع منه لدفع ضرره يقع مكرها عليه. ولو أوقعهما معا فإن كان تدريجا فالظاهر وقوع الأوّل مكرها عليه دون الثاني، إلّا إذا قصد إطاعة المكره بالثاني فيقع الأوّل صحيحا، فهل الثاني يقع صحيحا أو لا؟ وجهان أوجههما الأوّل. ولو أوقعهما دفعةً ففي صحّته بالنسبة إلى كليهما أو فساده كذلك أو صحّة أحدهما والتعيين بالقرعة وجوه لايخلو أوّلها من رجحان. ولو أكرهه على بيع معيّن فضمّ إليه غيره وباعهما دفعةً فالظاهر البطلان في ما اُكره عليه والصحّة في غيره.
        الخامس: كونهما مالكين للتصرّف؛ فلا يقع المعاملة من غير المالك إذا لم يكن وكيلا عنه أو وليّا عليه كالأب والجدّ للأب والوصيّ عنهما والحاكم، ولا من المحجور عليه لسفه أو فلس أو غير ذلك من أسباب الحجر.
        مسألة 4 - معنى عدم الوقوع من غير المالك للتصرّف عدم النفوذ والتأثير، لاكونه لغوا؛ فلو أجاز المالك عقد غيره أو الوليّ عقد السفيه أو الغرماء عقد المفلّس صحّ ولزم.
        مسألة 5 - لافرق في صحّة البيع الصادر من غير المالك مع إجازته بين ما إذا قصد وقوعه للمالك أو لنفسه كما في بيع الغاصب ومن اعتقد أنّه مالك؛ كما لا فرق بين ما إذا سبقه منع المالك عنه وغيره على إشكال فيه. نعم، يعتبر في تأثير الإجازة عدم مسبوقيّتها بردّ المالك بعد العقد؛ فلو باع فضولا وردّه المالك ثمّ أجازه لغت الإجازة على الأقرب وإن لايخلو من إشكال، ولو ردّه بعد الإجازة لغا الردّ.
        مسألة 6 - الإجازة كما تقع باللفظ الدالّ على الرضا بالبيع بحسب متفاهم العرف ولو بالكناية - كقوله: «أمضيت» و «أجزت» و «أنفذت» و «رضيت» وشبه ذلك، وكقوله للمشتري: «بارك اللّه لك فيه» وشبه ذلك من الكنايات - كذلك تقع بالفعل الكاشف عرفا عنه، كما إذا تصرّف في الثمن مع الالتفات، ومن ذلك ما إذا أجاز البيع الواقع عليه معه، لأنّها مستلزمة لإجازة البيع الواقع على المثمن؛ وكما إذا مكّنت الزوجة من نفسها بعنوانها إذا زوّجت فضولا.
        مسألة 7 - هل الإجازة كاشفة عن صحّة العقد الصادر من الفضوليّ من حين وقوعه فتكشف عن أنّ المبيع كان ملكا للمشتري والثمن ملكا للبائع من زمان وقوع العقد، أو ناقلة بمعنى كونها شرطا لتأثير العقد من حين وقوعها؟ وتظهر الثمرة في النماء المتخلّل بين العقد والإجازة، فعلى الأوّل نماء المبيع للمشتري ونماء الثمن للبائع، وعلى الثاني بالعكس. والمسألة مشكلة لايترك الاحتياط بالتخلّص بالصلح بالنسبة إلى النماءات.
        مسألة 8 - لو كان المالك راضيا بالبيع باطنا لكن لم يصدر منه إذن وتوكيل للغير في البيع والشراء لايبعد خروجه عن الفضوليّ، سيّما مع التفاته بالعقد والرضا به. نعم، لو كان بحيث لو التفت إليه صار راضيا فهو فضوليّ وخارج عن موضوع المسألة. وأمّا إذا كان راضيا لكن لم يلتفت تفصيلا إليه فهو أيضا كافٍ في الخروج عن الفضوليّ بوجه لايخلو عن قوّة.
        مسألة 9 - لايشترط في الفضوليّ قصد الفضوليّة؛ فلو تخيّل كونه وليّا أو وكيلا فتبيّن خلافه يكون من الفضوليّ، ويصحّ بالإجازة. وأمّا العكس بأن تخيّل كونه غير جائز التصرّف فتبيّن كونه وكيلا أو وليّا فالظاهر صحّته وعدم احتياجه إلى الإجازة، على إشكال في الثاني. ومثله ما إذا تخيّل كونه غير مالك فتبيّن كونه مالكا، لكن عدم الصحّة والاحتياج إلى الإجازة فيه لايخلو من قوّة.
        مسألة 10 - لو باع شيئا فضوليّا ثمّ ملكه إمّا باختياره كالشراء أو بغيره كالإرث فالبطلان بحيث لا تجدي الإجازة لايخلو من قوّة.
        مسألة 11 - لايعتبر في المجيز أن يكون مالكا حين العقد؛ فيجوز أن يكون المالك حين العقد غيره حين الإجازة، كما إذا مات المالك حين العقد قبل الإجازة فيصحّ بإجازة الوارث؛ وأولى به ما إذا كان المالك حين العقد غير جائز التصرّف لمانع - من صغر أو سفه ونحوهما - ثمّ ارتفع المانع، فإنّه يصحّ بإجازته.
        مسألة 12 - لو وقع بيوع متعدّدة على مال الغير فإمّا أن تقع على نفسه أو على عوضه. وعلى الأوّل فإمّا أن تقع من فضوليّ واحد، كما إذا باع دار زيد مكرّرا على أشخاص متعدّدين، أو تقع من أشخاص متعدّدين، كما إذا باعها من شخص بفرس ثمّ باعها المشتري من شخص آخر بحمار ثمّ باعها المشتري الثاني بكتاب وهكذا. وعلى الثاني فإمّا أن تقع من شخص واحدعلى الأعواض والأثمان بالترامي، كما إذا باع دار زيد بثوب ثمّ باع الثوب ببقر ثمّ باع البقر بفراش وهكذا، وإمّا أن تقع على ثمن شخصيّ مرارا، كما إذا باع الثوب في المثال المذكور مرارا من أشخاص متعدّدين، فهذه صور أربع. ثم إنّ للمالك في جميع هذه الصور أن يجيز أيّما شاء منها، ويصحّ بإجازته ذلك العقد المجاز، وأمّا غيره فيحتاج إلى تفصيل وشرح لايناسب هذا المختصر.
        مسألة 13 - الردّ الّذي يكون مانعا عن تأثير الإجازة - على إشكال قد مرّ - قد يكون مانعا عن لحوقها مطلقا ولو من غير المالك حين العقد، كقوله: «فسخت» و«رددت»وشبه ذلك ممّا هو ظاهر فيه، كما أنّ التصرّف فيه بما يوجب فوات محلّ الإجازة عقلا كالإتلاف أو شرعا كالعتق كذلك أيضا؛ وقد يكون مانعا عن لحوقها بالنسبة إلى خصوص المالك حين العقد لا مطلقا، كالتصرّف الناقل للعين مثل البيع والهبة ونحوهما، حيث إنّ بذلك لايفوت محلّ الإجازة إلّا بالنسبة إلى المنتقل عنه، فللمنتقل إليه أن يجيز، بناءً على عدم اعتبار كون المجيز مالكا حين العقد كما مرّ. وأمّا الإجارة فلا تكون مانعة عن الإجازة مطلقا حتّى بالنسبة إلى المالك المؤجر، لعدم التنافي بينهما، غاية الأمر أنّه تنتقل العين إلى المشتري مسلوبة المنفعة.
        مسألة 14 - حيثما لم تتحقّق الإجازة من المالك - سواء تحقّق منه الردّ أم لا كالمتردّد - له انتزاع عين ماله مع بقائه ممّن وجده في يده؛ بل وله الرجوع إليه بمنافعه المستوفاة وغير المستوفاة على الأقوى في هذه المدّة؛ وله مطالبة البائع الفضوليّ بردّ العين ومنافعها إذا كانت في يده وقد سلّمها إلى المشتري؛ وكذا له مطالبة المشتري بردّ العين ومنافعها الّتي استوفاها أو تلفت تحت يده؛ ولو كانت مؤونة لردّها له مطالبتها أيضا. هذا مع بقاء العين. وأمّا مع تلفها فيرجع ببدلها إلى البائع لو تلفت عنده. ولو تعاقبت أيادٍ متعدّدة عليها - بأن كانت مثلا بيد البائع الفضوليّ وسلّمها إلى المشتري وهو إلى آخر وهكذا - وتلفت يتخيّر المالك في الرجوع بالبدل إلى أيّ منهم؛ وله الرجوع إلى الكلّ موزّعا عليهم بالتساوي أو بالتفاوت، فإن أخذ البدل والخسارة من واحد ليس له الرجوع إلى الباقين. هذا حكم المالك مع البائع والمشتري وكلّ من وقع المال تحت يده. وأمّا حكم المشتري مع البائع الفضوليّ فمع علمه بكونه غاصبا ليس له الرجوع إليه بشي ء ممّا رجع المالك إليه وما وردت من الخسارات عليه. نعم، لو دفع الثمن إلى البائع فله استرداده مع بقائه، والرجوع إلى بدله لو تلف أو أتلف، ومع جهله بالحال فله أن يرجع إليه بكلّ ما اغترم للمالك وبكلّ خسارة وردت عليه في ذلك من المنافع والنماءات وإنفاق الدابّة وما صرفه في العين وما تلف منه وضاع من الغرس أو الزرع أو الحفر وغيرها، فإنّ البائع الفضوليّ ضامن لدرك ذلك كلّه، وللمشتري الجاهل أن يرجع بها إليه.
        مسألة 15 - لو أحدث المشتري لمال الغير في ما اشتراه بناءً أو غرسا أو زرعا فللمالك إلزامه بإزالة ما أحدثه وتسوية الأرض ومطالبته بالأرش لو نقص من دون أن يضمن ما يرد عليه من الخسران. كما أنّ للمشتري إزالة ذلك مع ضمانه أرش النقص الوارد على الأرض، وليس للمالك إلزامه بالإبقاء ولو مجّانا. كما أنّه ليس للمشتري حقّ الإبقاء ولو بالاُجرة. ولو حفر بئرا أو كرى نهرا - مثلا - وجب عليه طمّها وردّها إلى الحالة الاُولى لو أراد المالك وأمكن، وضمن أرش النقص لو كان، وليس له مطالبة المالك اُجرة عمله أو ما صرفه فيه من ماله وإن زاد به القيمة، كما أنّه ليس له ردّها إلى الحالة الاُولى بالطمّ ونحوه لو لم يرض به المالك. نعم، يرجع الى البائع الغاصب مع جهله بالحال باُجرة عمله وكلّ ما صرف من ماله وكلّ خسارة وردت عليه. وكذلك الحال في ما إذا أحدث المشتري في ما اشتراه صفةً من دون أن يكون له عين في العين المشتراة، كما إذا طحن الحنطة أو غزل ونسج القطن أو صاغ الفضّة. وهنا فروع كثيرة نتعرّض لهافي كتاب الغصب إن شاءاللّه تعالى.
        مسألة 16 - لو جمع البائع بين ملكه وملك غيره أو باع ما كان مشتركا بينه وبين غيره نفذ البيع في ملكه بما قابله من الثمن؛ وصحّته في ملك الغير موقوفة على إجازته، فإن أجازه وإلّا فللمشتري خيار فسخ البيع من جهة التبعيض إن كان جاهلا. هذا إذا لم يلزم من التبعيض مع عدم الإجازة محذور كلزوم الربا ونحوه، وإلّا بطل من أصله.
        مسألة 17 - طريق معرفة حصّة كلّ منهما من الثمن أن يقوّم كلّ منهما بقيمته الواقعيّة ثمّ تلاحظ نسبة قيمة أحدهما مع قيمة الآخر، فيجعل نصيب كلّ منهما من الثمن بتلك النسبة؛ فإذا باعهما معا بستّة وكانت قيمة أحدهما ستّةً وقيمة الآخر ثلاثةً تكون حصّة ما كانت قيمته ثلاثةً من الثمن - أي الستّة - نصف حصّة الآخر، فلأحدهما اثنان وللآخر أربعة؛ لكن هذا يصحّ في نوع البيوع المتعارفة الّتي لايختلف فيها المبتاعان حال الانفراد والانضمام؛ وأمّا مع اختلافهما فيهما -زيادةً أو نقيصةً أو بالاختلاف - فلا. والظاهر أنّ الضابط هو تقويم كلّ منهمإ؛ك ظظ منفردا بلحاظ حال الانضمام، ثمّ يؤخذ من الثمن جزء نسبته إليه كنسبة قيمته إلى مجموع القيمتين.
        مسألة 18 - يجوز للأب والجدّ للأب - وإن علا - أن يتصرّفا في مال الصغير بالبيع والشراء والإجارة وغيرها، وكلّ منهما مستقلّ في الولاية.والأقوى عدم اعتبار العدالة فيهما. ولا يشترط في نفوذ تصرّفهما المصلحة، بل يكفي عدم المفسدة، لكن لاينبغي ترك الاحتياط بمراعاتها. وكما لهما الولاية في ماله بأنواع التصرّفات لهما الولاية في نفسه بالإجارة والتزويج وغيرهما إلّا الطلاق، فلا يملكانه بل يُنتظر بلوغه. وهل يلحق به فسخ عقد النكاح عند موجبه وهبة المدّة في المتعة؟ وجهان بل قولان، أقواهما العدم. وليس لغيرهما من الأقارب الولاية عليه حتّى الاُمّ والأخ والجدّ للاُمّ فإنّهم كالأجانب.
        مسألة 19 - كما للأب والجدّ الولاية على الصغير في زمان حياتهما كذلك لهما نصب القيّم عليه لبعد وفاتهما، فينفذ منه ما كان ينفذ منهما، على إشكال في التزويج. والظاهر اعتبار المصلحة في تصرّفه، ولا يكفي عدم المفسدة. كما أنّ الأحوط فيه اعتبار العدالة وإن كانت كفاية الأمانة والوثاقة ليست ببعيدة.
        مسألة 20 - إذا فقد الأب والجدّ والوصيّ عنهما يكون للحاكم الشرعيّ - وهو المجتهد العادل - ولاية التصرّف في أموال الصغار مشروطا بالغبطة والصلاح، بل الأحوط له الاقتصار على ما إذا كان في تركه الضرر والفساد. ومع فقدان الحاكم يرجع الأمر إلى المؤمنين بشرط العدالة على الأحوط، فلهم ولاية التصرّف في أموال الصغير بما يكون في فعله صلاح وغبطة،بل وفي تركه مفسدة على الأحوط.

      • القول في شروط العوضين

         

        القول في شروط العوضين

        وهي اُمور:
        الأوّل: يشترط في المبيع أن يكون عينا على الأحوط متموّلا، سواء كان موجودا في الخارج أو كلّيّا في ذمّة البائع أو في ذمّة غيره، فلا يجوز على الأحوط أن يكون منفعةً كمنفعة الدار أو الدابّة أو عملًا كخياطة الثوب أو حقّا وإن كان الجواز - خصوصا في الحقوق - لايخلو من قوّة. وأمّا الثمن فيجوز أن يكون منفعةً أو عملا متموّلا، بل يجوز أن يكون حقّا قابلا للنقل والانتقال كحقّي التحجير والاختصاص. وفي جواز كونه حقّا قابلا للإسقاط غير قابل للنقل كحقّي الخيار والشفعة إشكال.
        الثاني: تعيين مقدار ما كان مقدّرا بالكيل أو الوزن أو العدّ بأحدها في العوضين؛ فلا تكفي المشاهدة، ولا تقديره بغير ما يكون به تقديره، فلا يكفي تقدير الموزون بالكيل أو العدّ، والمعدود بغير العدّ. نعم، لابأس بأن يكال جملة ممّا يعدّ أو ممّا يوزن ثمّ يعدّ أو يوزن ما في أحد المكاييل ثمّ يحسب الباقي بحسابه لو أمن من الاختلاف والجهالة، وهذا ليس من تقديرهما بالكيل.
        مسألة 1 - يجوز الاعتماد على إخبار البائع بمقدار المبيع؛ فيشتريه مبنيّا على ما أخبر به، ولو تبيّن النقص فله الخيار، فإن فسخ يردّ تمام الثمن، وإن أمضاه ينقص من الثمن بحسابه.
        مسألة ۲ - تكفي المشاهدة في ما تعارف بيعه حملا، كالتبن والعشب والرطبة وكبعض أنواع الحطب. نعم، لو تعارف في بعض البلدان بيعه مطلقا حملا تكفي فيه، ومثل ذلك كثير من المائعات والأدوية المحرزة في الظروف والقَنانيّ ممّا تعارف بيعها كذلك، فلا بأس ببيعها كذلك مادام فيها، ويكفي في بيعها المشاهدة؛ بل الظاهر أنّ المذبوح من الغنم قبل أن يسلخ تكفي فيه المشاهدة، وبعده يحتاج إلى الوزن. وبالجملة: قد يختلف حال الشي ء باختلاف الأحوال والمحالّ، فيكون من الموزون في محلّ دون محلّ وفي حال دون حال،وكذلك الحال في المعدودأيضا.
        مسألة ۳ - الظاهر عدم كفاية المشاهدة في بيع الأراضي الّتي تقدّر ماليّتها بحسب المتر والذراع، بل لابدّ من الاطّلاع على مساحتها، وكذلك كثير من الأثواب قبل أن يخاط أو يفصل. نعم، إذا تعارف عدد خاصّ في أذرع الطاقات من بعض الأثواب جاز بيعها وشراؤها اعتمادا على ذلك التعارف ومبنيّا عليه نظير الاعتماد على إخبار البائع.
        مسألة 4 - لو اختلف البلدان في شي ء - بأن كان موزونا في بلد مثلا ومعدودا في آخر - فالظاهر أنّ المدار بلد المعاملة.
        الثالث: معرفة جنس العوضين وأوصافهما الّتي تتفاوت بها القيمة وتختلف لها الرغبات، وذلك إمّا بالمشاهدة أو بالتوصيف الرافع للجهالة. ويجوز الاكتفاء بالرؤية السابقة في ما جرت العادة على عدم تغيّره إذا لم يعلم تغيّره، وفي غير ذلك اشكال، بل عدم الجواز قريب.
        الرابع: كون العوضين ملكا طلقا؛ فلا يجوز بيع الماء والعشب والكلأ قبل حيازتها، والسموك والوحوش قبل اصطيادها، والموات من الأراضي قبل إحيائها. نعم، إذا استنبط بئرا في أرض مباحة أو حفر نهرا وأجرى فيه الماء المباح كالشطّ ونحوه ملك ماءهما، فله حينئذٍ بيعه. وكذا لايجوز بيع الرهن إلّا بإذن المرتهن أو إجازته. ولو باع الراهن ثمّ افتكّ فالظاهر الصحّة من غير حاجة إلى الإجازة. وكذا لا يجوز بيع الوقف إلّا في بعض الموارد.
        مسألة 5 - يجوز بيع الوقف في مواضع:
        منها: إذا خرب الوقف بحيث لايمكن الانتفاع بعينه مع بقائه، كالجذع البالي، والحصير الخلق، والدار الخربة الّتي لايمكن الانتفاع حتّى بعرصتها. ويلحق به ما إذا خرج عن الانتفاع أصلا من جهة اُخرى غير الخراب، وكذا ما إذا خرج عن الانتقاع المعتدّ به بسبب الخراب أو غيره بحيث يقال في العرف: لامنفعة له، كما إذا انهدمت الدار وصارت عرصةً يمكن إجارتها بمبلغ جزئيّ وكانت بحيث لو بيعت وبدّلت بمال آخر يكون نفعه مثل الأوّل أو قريبا منه. هذا كلّه إذا لم يرج العود، وإلّا فالأقوى عدم الجواز. كما أنّه إذا قلّت منفعته لكن لا إلى حدّ يلحق بالمعدوم فالظاهر عدم جواز بيعه ولوأمكن أن يُشترى بثمنه ما له نفع كثير. هذا كلّه إذا خرب أوخرج عن الانتفاع فعلا. وأمّا إذا كان يؤدّي بقاؤه إلى خرابه ففي الجواز إشكال، سيّما إذا كان أداؤه إليه مظنونا، بل عدم الجواز فيه لايخلو من قوّة. كما لايجوز بلاإشكال لو فرض إمكان الانتفاع به بعد الخراب كالانتفاع السابق بوجه آخر.
        ومنها: إذا شرط الواقف بيعه عند حدوث أمر: من قلّة المنفعة، أو كثرة الخراج، أو وقوع الخلاف بين الموقوف عليهم، أو حصول ضرورة وحاجة شديدة لهم، فإنّه لامانع حينئذٍ من بيعه وتبديله على إشكال.
        مسألة 6 - لايجوز بيع الأرض المفتوحة عنوةً - وهي المأخوذة من يد الكفّار قهرا - المعمورة وقت الفتح، فإنّها ملك للمسلمين كافّة، فتبقى على حالها بيد من يعمرها، ويؤخذ خراجها ويصرف في مصالح المسلمين. وأمّا ما كانت مواتا حال الفتح ثمّ عرضت لها الإحياء فهي ملك لمحييها، وبذلك يسهل الخطب في الدور والعقار وبعض الأقطاع من تلك الأراضي الّتي يعامل معها معاملة الأملاك، حيث إنّه من المحتمل أنّ المتصرّف فيها ملكها بوجه صحيح، فيحكم بملكيّة ما في يده مالم يعلم خلافها.
        الخامس: القدرة على التسليم؛ فلا يجوز بيع الطير المملوك إذا طار في الهواء، ولا السمك المملوك إذا اُرسل في الماء، ولا الدابّة الشاردة؛ وإذا لم يقدر البائع على التسليم وكان المشتري قادرا على تسلّمه فالظاهر الصحّة.

    • القول في الخيارات
      • الأول: خيار المجلس

         

        الأوّل: خيار المجلس

        إذا وقع البيع فللمتبايعين الخيار مالم يفترقا؛ فإذا افترقا ولو بخطوة وتحقّق بها الافتراق عرفا سقط الخيار من الطرفين ولزم البيع؛ ولو فارقا من مجلس البيع مصطحبين بقي الخيار.

      • الثاني: خيار الحيوان

         

        الثاني: خيار الحيوان

        من اشترى حيوانا ثبت له الخيار إلى ثلاثة أيّام من حين العقد. وفي ثبوته للبائع أيضا إذا كان الثمن حيوانا إشكال، بل عدمه لايخلو من قوّة.
        مسألة 1 - لوتصرّف المشتري في الحيوان تصرّفا يدلّ على الرضا دلالةً نوعيّةً ويكشف عنه كشفا غالبيّا سقط خياره، مثل نعل الدابّة وأخذ حافرها وقرض شعرها وصبغها بل وصبغ شعرها إلى غير ذلك؛ وليس مطلق التصرّف منه، ولاإحداث الحدث كركوبها ركوبا غير معتدّ به وتعليفها وسقيها.
        مسألة ۲ - لو تلف الحيوان في مدّة الخيار فهو من مال البائع، فيبطل البيع ويرجع إليه المشتري بالثمن إذا دفعه إليه.
        مسألة ۳ - العيب الحادث في الثلاثة من غير تفريط من المشتري لايمنع عن الفسخ والردّ.

      • الثالث: خيار الشرط

         

        الثالث: خیار الشرط

        أی الثابت بالاشتراط فی ضمن العقد. و یجوز جعله لهما أو لأحدهما أو لثالث. ولا یتقدّر بمدّة، بل هی بحسب ما اشترطاه قلّت أو کثرت. ولابدّ من کونها مضبوطةً من حیث المقدار ومن حیث الاتّصال والانفصال. نعم، إذا ذکرت مدّة معیّنة - کشهر مثلا - واُطلقت فالظاهر اتّصالها بالعقد.
        مسألة 1 - یجوز أن یشترط لأحدهما أو لهما الخیار بعد الاستیمار و الاستشارة، بأن یشاور مع  ثالث فی أمر العقد فکلّ ما رأی من الصلاح إبقاءً له أو فسخا یکون متّبعا. و یعتبر فی هذا الشرط أیضا تعیین المدّة؛ و لیس للمشروط له الفسخ قبل أمر ذلک الثالث، ولایجب علیه لو أمره، بل جاز له؛ فإذا اشترط البائع علی المشتری مثلا ب «أنّ له المهلة إلی ثلاثة أیّام حتّی یستشیر صدیقه أو الدلّال، فإن رأی الصلاح یلتزم به، و إلّا فلا» یکون مرجعه إلی جعل الخیار له علی تقدیر أن لایری صدیقه أو الدلّال الصلاح، لا مطلقا، فلیس له الخیار إلّا علی ذلک التقدیر.
        مسألة ۲ - لا إشکال فی عدم اختصاص خیار الشرط بالبیع، بل یجری فی کثیر من العقود اللازمة. ولا إشکال فی عدم جریانه فی الإیقاعات، کالطلاق والعتق والإبراء ونحوها.
        مسألة ۳ - یجوز اشتراط الخیار للبائع إذا ردّ الثمن بعینه أو ما یعمّ مثله إلی مدّة معیّنة، فإن مضت ولم یأت بالثمن کاملا لزم البیع، وهو المسمّی ببیع الخیار فی العرف. والظاهر صحّة اشتراط أن یکون للبائع فسخ الکلّ بردّ بعض الثمن أو فسخ البعض بردّ بعضه. ویکفی فی ردّ الثمن فعل البائع ما له دخلٌ فی القبض من طرفه وإن أبی المشتری من قبضه؛ فلو أحضر الثمن وعرضه علیه ومکّنه من قبضه فأبی وامتنع فله الفسخ.
        مسألة 4 - نماء المبیع ومنافعه فی هذه المدّة للمشتری، کما أنّ تلفه علیه. والخیار باقٍ مع التلف إن کان المشروط الخیار والسلطنة علی فسخ العقد، فیرجع بعده إلی المثل أو القیمة، وساقط إن کان المشروط ارتجاع العین بالفسخ. ولیس للمشتری قبل انقضاء المدّة التصرّف الناقل وإتلاف العین إن کان المشروط ارتجاعها؛ ولا یبعد جوازهما إن کان السلطنة علی فسخ العقد.
        مسألة 5 - الثمن المشروط ردّه إن کان کلّیّا فی ذمّة البائع - کما إذا کان فی ذمّته ألف درهم لزید فباع داره بما فی ذمّته وجعل له الخیار مشروطا بردّ الثمن - یکون ردّه بأداء ما کان فی ذمّته وإن برئت ذمّته عمّا کان علیه بجعله ثمنا.
        مسألة 6 - إن لم یقبض البائع الثمن أصلا - سواء کان کلّیّا فی ذمّة المشتری أو عینا موجودا عنده - فهل له الخیار والفسخ قبل انقضاء المدّة المضروبة أم لا؟ وجهان، لا یخلو أوّلهما من رجحان. ولو قبضه: فإن کان الثمن کلّیّا فالظاهر أنّه لایتعیّن علیه ردّ عین ذلک الفرد المقبوض، بل یکفی ردّ فرد آخر ینطبق الکلّیّ علیه إلّا إذا صرّح باشتراط ردّ عینه، وإن کان عینا شخصیّا لم یتحقّق الردّ إلّا بردّ عینه؛ فلو لم یمکن ردّه لتلف ونحوه سقط الخیار، إلّا إذا شرط صریحا بردّ ما یعمّ بدله مع عدم التمکّن من العین. نعم، إذا کان الثمن ممّا انحصر انتفاعه المتعارف بصرفه - لا ببقائه - کالنقود یمکن أن یقال: إنّ المنساق من الإطلاق فی مثله ما یعمّ بدله مالم یصرّح بالخلاف.
        مسألة 7 - کما یتحقّق الردّ بإیصاله إلی المشتری یتحقّق بإیصاله إلی وکیله المطلق أو فی خصوص ذلک، أو ولیّه کالحاکم لو صار مجنونا أو غائبا، بل وعدول المؤمنین فی موردولایتهم. هذا إذاکان الخیارمشروطابردّالثمن أوردّه إلی المشتری وأطلق. وأمّا لو اشترط ردّه إلیه بنفسه وإیصاله بیده لایتعدّی منه إلی غیره.
        مسألة 8 - لو اشتری الولیّ شیئا للمولّی علیه ببیع الخیار فارتفع حجره قبل انقضاء المدّة وردّ الثمن فالظاهر تحقّقه بإیصاله إلی المولّی علیه، فیملک البائع الفسخ بذلک؛ ولا یکفی الردّ إلی الولیّ بعد سلب ولایته. ولو اشتری أحد الولیّین کالأب فهل یصحّ الفسخ مع ردّ الثمن إلی الولیّ الآخر کالجدّ؟ لایبعد ذلک، خصوصا فی ما إذا لم یتمکّن من الردّ إلی الأب فی المثال. وأمّا لو اشتری الحاکم ولایةً فالأقوی عدم کفایة الردّ إلی حاکم آخر مع إمکان الردّ إلیه، ومع عدم إمکانه یردّ إلی حاکم آخر. وهذا أیضا کما مرّ فی المسألة السابقة فی ما إذا لم یصرّح بردّه إلی خصوص المشتری بنفسه، وإلّا فلا یتعدّی منه إلی غیره.
        مسألة 9 - لومات البائع ینتقل هذا الخیار کسائر الخیارات إلی ورّاثه، فیردّون الثمن ویفسخون، فیرجع إلیهم المبیع علی قواعد الإرث، کما أنّ الثمن المردود أیضا یوزّع علیهم بالحصص. ولو مات المشتری فالظاهر جواز الفسخ بردّ الثمن إلی ورثته. نعم، لو جعل الشرط ردّه إلی المشتری بخصوصه وبنفسه وبمباشرته فالظاهر عدم قیام ورثته مقامه، فیسقط الخیار بموته.
        مسألة 10 - کما یجوز للبائع اشتراط الخیار له بردّ الثمن کذا یجوز للمشتری اشتراطه له بردّ المثمن. والظاهر المنصرف إلیه الإطلاق فیه ردّ العین، فلا یتحقّق بردّ بدله ولو مع التلف، إلّا أن یصرّح بردّ ما یعمّ البدل. ویجوز اشتراط الخیار لکلّ منهما بردّ ما انتقل إلیه.

      • الرابع: خيار الغبن

         

        الرابع: خيار الغبن

        وهو في ما إذا باع بدون ثمن المثل أو اشترى بأكثر منه مع الجهل بالقيمة، فللمغبون خيار الفسخ. وتعتبر الزيادة والنقيصة مع ملاحظة ما انضمّ إليه من الشرط؛ فلو باع ما يسوى مائة دينار بأقلّ منه بكثير مع اشتراط الخيار للبائع فلاغبن، لأنّ المبيع ببيع الخيار ينقص ثمنه عن المبيع بالبيع اللازم. وهكذا غيره من الشروط. ويشترط فيه أن يكون التفاوت بما لايتسامح فيه في مثل هذه المعاملة. وتشخيص ذلك موكول إلى العرف. وتختلف المعاملات في ذلك، فربما يكون التفاوت بنصف العشر بل بالعشر ممّا يتسامح فيه ولا يعدّ غبنا، وربما يكون بعشر العشر غبنا ولا يتسامح فيه، ولا ضابط لذلك، بل هو موكول إلى العرف.
        مسألة 1 - ليس للمغبون مطالبة الغابن بتفاوت القيمة، بل له الخيار بين أن يفسخ البيع أو يرضى به بالثمن المسمّى؛ كما أنّه لا يسقط خياره ببذل الطرف التفاوت. نعم، مع تراضيهما لا بأس به.
        مسألة ۲ - الخيار ثابت للمغبون من حين العقد، وليس بحادث عند علمه بالغبن؛ فلو فسخ قبل ذلك وصادف الغبن انفسخ.
        مسألة ۳ - لو اطّلع على الغبن ولم يبادر بالفسخ: فإن كان لأجل جهله بحكم الخيار فلا إشكال في بقائه، وإن كان عالما به فإن كان بانيا على الفسخ غير راضٍ بالبيع بهذا الثمن لكن أخّر الفسخ لغرض فالظاهر بقاؤه. نعم، ليس له التواني فيه بحيث يؤدّي إلى ضرر وتعطيل أمر على الغابن، بل بقاؤه مع عدم البناء على الفسخ -وإنّما بدا له بعد ذلك - لايخلو من قوّة.
        مسألة 4 - المدار في الغبن هو القيمة حال العقد؛ فلو زادت بعده لم يسقط ولو قبل علم المغبون بالنقصان حينه؛ ولو نقصت بعده لم يثبت.
        مسألة 5 - يسقط هذا الخيار باُمور:
        الأوّل: اشتراط سقوطه في ضمن العقد، ويقتصر فيه على مرتبة من الغبن كانت مقصودةً عند الاشتراط وشملته العبارة؛ فلو كان المشروط سقوط مرتبة من الغبن كالعشر فتبيّن كونه الخمس لم يسقط، بل لو اشترط سقوطه وإن كان فاحشا أو أفحش لايسقط إلّا ما كان كذلك بالنسبة إلى ما يحتمل في مثل هذه المعاملة لاأزيد؛ فلو فرض أنّ ما اشتراه بمائة لايحتمل فيه أن يسوى عشرة أو عشرين وأنّ المحتمل فيه من الفاحش إلى خمسين والأفحش إلى ثلاثين لم يسقط مع الشرط المذكور إذا كان يسوى عشرة أوعشرين. هذا كلّه إذا اشترط سقوط الخيار الآتي من قبل العشر - مثلا - بنحو التقييد، ويأتي الكلام في غيره في الأمر الثاني.
        الثاني: إسقاطه بعد العقد ولو قبل ظهور الغبن إذا أسقطه على تقدير ثبوته. وهذا أيضا كسابقه يقتصر فيه على مرتبة من الغبن كانت مشمولةً للعبارة؛ فلو أسقط مرتبةً خاصّةً منه كالعشر فتبيّن كونه أزيد لم يسقط إذا كان الإسقاط بنحو التقييد بأن يسقط الخيار الآتي من قبل العشر - مثلا - بنحو العنوان الكلّيّ المنطبق على الخارج بحسب وعائه المناسب له؛ وأمّا إذا أسقط الخيار المتحقّق في العقد بتوهّم أنّه مسبّب من العشر فالظاهر سقوطه، سواء وصفه بالوصف المتوهّم أم لا؛ فلو قال: «أسقطت الخيار المتحقّق في العقد الّذي هو آتٍ من قبل العشر» فتخلّف الوصف سقط خياره على الأقوى؛ وأولى بذلك ما لو أسقطه بتوهّم أنّه آتٍ منه. وكذا الحال في اشتراط سقوطه بمرتبة أو وإن كان فاحشا بل أفحش. وكذا يأتي ما ذكر في ما صالح على خياره فبطل إن كان بنحو التقييد فتبيّن الزيادة، دون النحوين الآخرين. وكما يجوز إسقاطه بعد العقد مجّانا يجوز المصالحة عليه بالعوض، فمع العلم بمرتبة الغبن لا إشكال، ومع الجهل بها صحّ المصالحة مع التصريح بعموم المراتب، بأن يصالح على خيار الغبن المتحقّق في هذه المعاملة بأيّ مرتبة كانت.
        الثالث: تصرّف المغبون - بعد العلم بالغبن - في ما انتقل إليه بما يكشف كشفا عقلائيّا عن الالتزام بالعقد وإسقاط الخيار، كالتصرّف بالإتلاف، أو بما يمنع الردّ، أو بإخراجه عن ملكه كالبيع اللازم، بل وغير اللازم، ونحو التصرّفات الّتي مرّ ذكرها في خيار الحيوان. وأمّا التصرّفات الجزئيّة نحو الركوب غير المعتدّ به والتعليف ونحو ذلك ممّا لايدلّ على الرضا فلا. كما أنّ التصرّف قبل ظهور الغبن لايسقط، كتصرّف الغابن في ما انتقل إليه مطلقا.
        مسألة 6 - لو فسخ البائع المغبون البيع: فإن كان المبيع موجودا عند المشتري باقيا على حاله استردّه، وإن كان تالفا أو متلفا رجع إليه بالمثل أو القيمة، وإن حدث به عيب عنده - سواء كان بفعله أو بغيره من آفة سماويّة ونحوها - أخذه مع الأرش. ولو أخرجه عن ملكه بوقف أو معاملة لازمة فالظاهر أنّه بحكم الإتلاف فيرجع إليه بالمثل أو القيمة، وإن كان بنقل غيرلازم - كالبيع بخيار والهبة - ففي جواز إلزامه بالفسخ وإرجاع العين إشكال. ولو رجعت العين إلى المشتري بإقالة أو عقد جديد أو فسخ قبل رجوع البائع إليه بالبدل لايبعد أن يكون له إلزامه بردّ العين ولو كان الانتقال السابق لازما. ولو نقل منفعتها إلى الغير بعقد لازم كالإجارة لم يمنع ذلك عن الفسخ؛ كما أنّه بعد الفسخ تبقى الإجارة على حالها وترجع العين إلى الفاسخ مسلوب المنفعة، وله سائر المنافع غير ما ملكه المستأجر لو كانت. وفي جواز رجوعه إلى المشتري باُجرة المثل بالنسبة إلى بقيّة المدّة وجه قويّ؛ كما يحتمل أن يرجع إليه بالنقص الطارئ على العين، من جهة كونها مسلوبة المنفعة في تلك المدّة، فتقوّم بوصف كونها ذات منفعة في تلك المدّة مرّة، ومسلوبة المنفعة فيها اُخرى، فيأخذ مع العين التفاوت بين القيمتين. والظاهر أنّه لا تفاوت غالبا بين الوجهين.
        مسألة 7 - بعد فسخ البائع المغبون لو كان المبيع موجودا عند المشتري لكن تصرّف فيه تصرّفا مغيّرا له إمّا بالنقيصة أو بالزيادة أو بالامتزاج:
        فلو كان بالنقيصة أخذه ورجع إليه بالأرش كما مرّ.
        ولو كان بالزيادة فإمّا أن تكون صفةً محضةً كطحن الحنطة وقصارة الثوب وصياغة الفضّة، أو صفةً مشوبةً بالعين كالصبغ إذا كان له عين عرفا، أو عينا محضا كالغرس والزرع والبناء.
        أمّا الأوّل فإن لم يكن للزيادة دخلٌ في زيادة القيمة يرجع إلى العين ولاشي ء عليه، كما أنّه لا شي ء على المشتري، وإن كان لها دخلٌ في زيادتها يرجع إلى العين. وفي كون زيادة القيمة للمشتري لأجل الصفة فيأخذ البائع العين ويدفع زيادة القيمة، أو كونه شريكا معه في القيمة فيباع ويقسّم الثمن بينهما بالنسبة، أو شريكا معه في العين بنسبة تلك الزيادة، أو كون العين للبائع وللمشتري اُجرة عمله، أو ليس له شي ء أصلا وجوه، أقواها الثاني، ولا يكون البائع ملزما بالبيع، بل له أخذ المبيع وتأدية ما للمشتري بالنسبة.
        أمّا الثاني فيأتي الوجوه المذكورة فيه أيضا.
        وأمّا الثالث فيرجع البائع إلى المبيع، ويكون الغرس ونحوه للمشتري، وليس للبائع إلزامه بالقلع والهدم، ولا بالأرش، ولا إلزامه بالإبقاء ولو مجّانا؛ كما أنّه ليس للمشتري حقّ الإبقاء مجّانا وبلا اُجرة، فعلى المشتري إمّا إبقاؤها بالاُجرة وإمّا قلعها مع طمّ الحفر وتدارك النقص الوارد على الأرض، وللبائع إلزامه بأحد الأمرين. نعم، لو أمكن غرس المقلوع - بحيث لم يحدث فيه شي ء إلّا تبدّل المكان- فللبائع أن يلزمه به؛ والظاهر أنّه لافرق في ذلك بين الزرع وغيره.
        وأمّا إن كان بالامتزاج: فإن كان بغير جنسه بحيث لايتميزّ فكالمعدوم يرجع بالمثل أو القيمة، من غير فرق بين ما كان مستهلكا وعدّ تالفا كما إذا خلط ماء الورد بالزيت أو انقلبا إلى حقيقة اُخرى عرفا، ولا يترك الاحتياط بالتصالح والتراضي في غير الصورتين، وإن كان جريان حكم التالف في الخلط الّذي يرفع به الامتياز لايخلو من قوّة؛ وإن كان الامتزاج بالجنس فالظاهر ثبوت الشركة بحسب الكمّيّة وإن كان بالأردأ أو الأجود، مع أخذ الأرش في الأوّل وإعطاء زيادة القيمة في الثاني، لكنّ الأحوط التصالح، خصوصا في الثاني.
        مسألة 8 - لو باع أو اشترى شيئين صفقةً واحدةً وكان مغبونا في أحدهما دون الآخر ليس له التبعيض في الفسخ، بل عليه إمّا فسخ البيع بالنسبة إلى الجميع أو الرضا به كذلك.

      • الخامس: خيار التأخير

         

        الخامس: خيار التأخير

        وهو في ما باع شيئا ولم يقبض تمام الثمن ولم يسلّم المبيع إلى المشتري ولم يشترط تأخير تسليم أحد العوضين؛ فحينئذٍ يلزم البيع ثلاثة أيّام، فإن جاء المشتري بالثمن فهو أحقّ بالسلعة، وإلّا فللبائع فسخ المعاملة. ولو تلف السلعة كان من مال البائع. وقبضُ بعض الثمن كلا قبض.
        مسألة 1 - الظاهر أنّ هذا الخيار ليس على الفور؛ فلو أخّر الفسخ عن الثلاثة لم يسقط إلّا بأحد المسقطات.
        مسألة ۲ - يسقط هذا الخيار باشتراط سقوطه في ضمن العقد، وبإسقاطه بعد الثلاثة؛ وفي سقوطه بالإسقاط قبلها إشكال، والأقوى عدمه. كما أنّ الأقوى عدم سقوطه ببذل المشتري الثمن بعدها قبل فسخ البائع؛ ويسقط لو أخذه بعدها بعنوان الاستيفاء لا بعنوان آخر. وفي سقوطه بمطالبة الثمن وجهان، الظاهر عدمه.
        مسألة 3 - المراد بثلاثة أيّام هو بياض اليوم، ولا يشمل الليالي عدا الليلتين المتوسّطتين؛ فلو أوقع البيع في أوّل النهار يكون آخر الثلاثة غروب النهار الثالث. نعم، لو وقع في الليل تدخل الليلة الاُولى أو بعضها أيضا في المدّة. والظاهر كفاية التلفيق؛ فلو وقع في أوّل الزوال يكون مبدأ الخيار بعد زوال اليوم الرابع، وهكذا.
        مسألة 4 - لايجري هذا الخيار في غير البيع من سائر المعاملات.
        مسألة 5 - لو تلف المبيع كان من مال البائع في الثلاثة وبعدها على الأقوى.
        مسألة 6 - لو باع ما يتسارع إليه الفساد بحيث يفسد لو صار بائتا - كالبقول وبعض الفواكه واللحم في بعض الأوقات ونحوها - وبقي عنده وتأخّر المشتري فللبائع الخيارقبل أن يطرأ عليه الفساد، فيفسخ البيع ويتصرّف في المبيع كيف شاء.

      • السادس: خيار الرؤية

         

        السادس: خيار الرؤية

        وهو في ما إذا اشترى شيئا موصوفا غير مشاهد ثمّ وجده على خلاف ذلك الوصف بمعنى كونه ناقصا عنه؛ وكذا إذا وجده على خلاف ما رآه سابقا فيكون له خيار الفسخ. وفي ما إذا باع شيئا بوصف غيره ثمّ وجده زائدا على ما وصف أو وجده زائدا على ما يراه سابقا أو وجد الثمن على خلاف ما وصف أي ناقصا عنه فله خيار الفسخ في هذه الموارد.
        مسألة 1 - الخيار هنا بين الردّ والإمساك مجّانا. وليس لذي الخيار الإمساك بالأرش؛ كما لايسقط خياره ببذله ولا بإبدال العين بالاُخرى. نعم، لو كان للوصف المفقود دخلٌ في الصحّة توجّه أخذ الأرش للعيب، لا لتخلّف الوصف.
        مسألة ۲ - موردهذاالخيار بيع العين الشخصيّة الغائبة حين المبايعة.ويشترط في صحّته إمّا الرؤية السابقة مع حصول الاطمينان ببقاء تلك الصفات، وإلّا ففيه إشكال، وإمّا توصيفه بما يرفع به الجهالة عرفا، بأن حصل له الوثوق من توصيفه الموجب لرفع الغرر بذكر جنسها ونوعها وصفاتها الّتي تختلف باختلافها الأثمان ورغبات الناس.
        مسألة 3 - هذا الخيار فوريّ عند الرؤية على المشهور. وفيه إشكال.
        مسألة 4 - يسقط هذا الخيار باشتراط سقوطه في ضمن العقد إذا لم يرفع به الوثوق الرافع للجهالة، وإلّا فيفسد ويفسد العقد، وبإسقاطه بعد الرؤية، وبالتصرّف في العين بعدها تصرّفا كاشفا عن الرضا بالبيع، وبعدم المبادرة إلى الفسخ بناءً على فوريّته.

      • السابع: خيار العيب

         

        السابع: خيار العيب

        وهو في ما إذا وجد المشتري في المبيع عيبا، فيخيّر بين الفسخ والإمساك بالأرش مالم يسقط الردّ قولا أو بفعل دالّ عليه، ولم يتصرّف فيه تصرّفا مغيّرا للعين،ولم يحدث فيه عيب عنده بعدخيارالمشتري المضمون على البائع، كخيار الحيوان، وكخيار المجلس والشرط إذا كانا له خاصّة. والظاهر أنّ الميزان في سقوطه عدم كون المبيع قائما بعينه بتلف أو ما بحكمه أو عيب أو نقص وإن لم يكن عيبا. نعم، الظاهر أنّ التغيير بالزيادة لا يسقطه إذا لم يستلزم نقصا ولو بمثل حصول الشركة. وكيف كان، مع وجود شي ء ممّا ذكر ليس له الردّ، بل يثبت له الأرش خاصّة. وكما يثبت هذا الخيار للمشتري إذا وجد العيب في المبيع كذلك يثبت للبائع إذا وجده في الثمن المعيّن. والمراد بالعيب كلّ مازاد أو نقص عن المجرى الطبيعيّ والخلقة الأصليّة، كالعمى والعرج وغيرهما.
        مسألة 1 - يثبت هذا الخيار بمجرّد العيب واقعا عند العقد وإن لم يظهر بعد، فظهوره كاشف عن ثبوته من أوّل الأمر لا سبب لحدوثه عنده؛ فلو أسقطه قبل ظهوره سقط كما يسقط بإسقاطه بعده، وكذلك باشتراط سقوطه في ضمن العقد، وبالتبرّي من العيوب عنده، بأن يقول: «بعته بكلّ عيب»؛ وكما يسقط بالتبرّي من العيوب الخيار يسقط استحقاق مطالبة الأرش أيضا؛ كما أنّ سقوطه بالإسقاط في ضمن العقد أو بعده تابع للجعل.
        مسألة 2 - كما يثبت الخيار بوجود العيب عند العقد كذلك يثبت بحدوثه بعده قبل القبض. والعيب الحادث بعد العقد يمنع عن الردّ لو حدث بعد القبض وبعد خيار المشتري المضمون على البائع كما مرّ؛ ولو حدث قبل القبض فهو سبب للخيار، فلا يمنع عن الردّ والفسخ بسبب العيب السابق بطريق أولى.
        مسألة 3 - لو كان معيوبا عند العقد وزال العيب قبل ظهوره فالظاهر سقوط الخيار، بل سقوط الأرش أيضا لايخلو من قرب، والأحوط التصالح.
        مسألة 4 - كيفيّة أخذ الأرش بأن يقوّم الشي ء صحيحا ثمّ يقوّم معيبا وتلاحظ النسبة بينهما ثمّ ينقص من الثمن المسمّى بتلك النسبة؛ فإذا قوّم صحيحا بتسعة ومعيبا بستّة وكان الثمن ستّةً ينقص من الستّة اثنان وهكذا. والمرجع في تعيين ذلك أهل الخبرة. والأقوى اعتبار قول الواحد الموثوق به من أهلها وإن كان الأحوط اعتبار ما يعتبر في الشهادة من التعدّد والعدالة.
        مسألة 5 - لو تعارض المقوّمون في تقويم الصحيح أو المعيب أو كليهمإ؛ِّ ظظ فالأحوط التخلّص بالتصالح؛ ولا تبعد القرعة، خصوصا في بعض الصور.
        مسألة 6 - لو باع شيئين صفقةً واحدةً فظهر العيب في أحدهما كان للمشتري أخذ الأرش أو ردّ الجميع، وليس له التبعيض بردّ المعيب وحده. وكذا لو اشترك اثنان في شراء شي ء وكان معيبا ليس لأحدهما ردّ حصّته خاصّة إن لم يوافقه شريكه؛ على إشكال فيهما، خصوصا في الثاني. نعم، لو رضي البائع يجوز ويصحّ التبعيض في المسألتين بلا إشكال.

      • القول في أحكام الخيار

         

        القول في أحكام الخيار

        وله أحكام مشتركة بين الجميع وأحكام مختصّة ببعض لايناسب هذا المختصر تفصيلها.
        فمن الأحكام المشتركة: أنّه إذا مات من له الخيار انتقل خياره إلى وارثه، من غير فرق بين أنواعه. وما هو المانع عن إرث الأموال لنقصان في الوارث - كالقتل والكفر - مانع عن هذا الإرث أيضا. كما أنّ ما يحجب به حجب حرمان - وهو وجود الأقرب إلى الميّت - يحجب به هنا أيضا. ولو كان الخيار متعلّقا بمال خاصّ يحرم عنه بعض الورثة - كالأرض بالنسبة الى الزوجة، والحبوة بالنسبة إلى غير الولد الأكبر - فلا يحرم ذلك الوارث عن الخيار المتعلّق به مطلقا.
        مسألة 1 - لا إشكال في ما إذا كان الوارث واحدا؛ ولو تعدّد فالأقوى أنّ الخيار للمجموع، بحيث لا أثر لفسخ بعضهم بدون ضمّ فسخ الباقين، لا في تمام المبيع ولا في حصّته.
        مسألة ۲ - لو اجتمع الورثة على الفسخ في ما باعه مورّثهم: فإن كان عين الثمن موجودا دفعوه إلى المشتري، وإن لم يكن موجودا اُخرج من مال الميّت. ولو لم يكن له مال ففي كونه على الميّت واشتغال ذمّته به - فيجب تفريغها بالمبيع المردود إليه، فإن بقي شي ء يكون للورثة وإن لم يف بتفريغ ما عليه يبقى الباقي في ذمّته - أو كونه على الورثة كلّ بقدر حصّته وجهان، أوجههما أوّلهما.

    • القول فيما يدخل في المبيع عند الاطلاق

       

      القول في ما يدخل في المبيع عند الإطلاق

      مسألة 1 - من باع بستانا دخل فيه الأرض والشجر والنخل، وكذا الأبنية من سوره وما تعدّ من توابعه و مرافقه، كالبئر والناعور إذا جرت العادة بدخوله فيه، والحظيرة ونحوها. بخلاف ما لو باع أرضا فإنّه لايدخل فيها النخل والشجر الموجودان فيها إلّا مع الشرط. وكذا لايدخل الحمل في ابتياع الاُمّ ما لم يشترط، إلّا إذا كان تعارف يوجب التقييد كما أنّه كذلك نوعا. وكذلك الحال في ثمر الشجر. ولو باع نخلا فإن كان مؤبّرا فالثمرة للبائع، ويجب على المشتري إبقاؤها على الاُصول بما جرت العادة على إبقاء تلك الثمرة، ولو لم يؤبّر كانت للمشتري. والظاهر اختصاص ذلك بالبيع، أمّا في غيره فالثمرة للناقل بدون الشرط والتعارف، سواء كانت مؤبّرةً أولا؛ كما أنّ الحكم مختصّ بالنخل، فلا يجري في غيره، بل الثمرة للبائع إلّا مع الشرط أو التعارف الموجب للتقييد.
      مسألة ۲ - لو باع الاُصول وبقي الثمرة للبائع واحتاجت الثمرة إلى السقي يجوز لصاحبها أن يسقيها، وليس لصاحب الاُصول منعه، وكذلك العكس. ولو تضرّر أحدهما بالسقي والآخر بتركه ففي تقديم حقّ البائع المالك للثمرة أو المشتري المالك للاُصول وجهان، لايخلو ثانيهما من رجحان. والأحوط التصالح والتراضي على تقديم أحدهما ولو بأن يتحمّل ضرر الآخر.
      مسألة ۳ - لو باع بستانا واستثنى نخلةً - مثلا - فله الممرّ إليها والمخرج ومَدى جرائدها وعروقها من الأرض، وليس للمشتري منع شي ء من ذلك. ولو باع دارا دخل فيها الأرض والأبنية الأعلى والأسفل، إلّا أن يكون الأعلى مستقلّاً من حيث المدخل والمخرج والمرافق وغير ذلك ممّا يكون أمارةً على خروجه واستقلاله بحسب العادة. وكذا يدخل السراديب والبئر والأبواب والأخشاب المتداخلة في البناء والأوتاد المثبتة فيه، بل السلّم المثبت على حذو الدرج. ولايدخل الرحى المنصوبة إلّا مع الشرط، وكذا لو كان فيها نخل أو شجر إلّا مع الشرط ولو بأن قال: «وما دار عليها حائطها» أو تعارفٍ موجبٍ للتقييد، كما هو كذلك غالبا؛ ولا يبعد دخول المفاتيح فيها.
      مسألة 4 - الأحجار المخلوقة في الأرض والمعادن المتكوّنة فيها تدخل في بيعها، بخلاف الأحجار المدفونة فيها كالكنوز المودعة فيها ونحوها.

    • القول في القبض والتسليم

       

      القول في القبض والتسليم

      مسألة 1 - يجب على المتبايعين تسليم العوضين بعد العقد لو لم يشترط التأخير؛ فلا يجوز لكلّ منهما التأخير مع الإمكان إلّا برضا صاحبه، فإن امتنعا اُجبرا، ولو امتنع أحدهما اُجبر. ولو اشترط البائع أو المشتري تأخير التسليم إلى مدّة معيّنة جاز، وليس لصاحبه الامتناع عن التسليم في زمان تأخير صاحبه بالشرط. نعم، لو اتّفق التأخير إلى حلول الأجل فالظاهر أنّ له ذلك إذا امتنع المشروط له. وكذا يجوز أن يشترط البائع لنفسه سكنى الدار أو ركوب الدابّة أو زرع الأرض ونحو ذلك مدّةً معيّنةً. والقبض والتسليم في ما لاينقل - كالدار والعقار - هو التخلية برفع يده عنه ورفع المنافيات والإذن منه لصاحبه في التصرّف بحيث صارتحت استيلائه؛وأمّا في المنقول - كالطعام والثياب ونحوهما - ففي كونه التخلية أيضا أو الأخذ باليد مطلقا أو التفصيل بين أنواعه أقوال، لاتبعد كفاية التخلية في مقام وجوب تسليم العوضين على المتبايعين وإن كان ذلك لايوجب خروجه عن ضمانه وعدم كون تلفه عليه - على احتمال غير بعيد - وإن لم يكتف بها في سائر المقامات الّتي يعتبر فيها القبض ممّا لايسع المقام تفصيلها.
      مسألة ۲ - لو تلف المبيع قبل تسليمه إلى المشتري كان من مال البائع،فينفسخ البيع ويعود الثمن إلى المشتري. ولو حصل للمبيع نماء قبل القبض - كالنتاج والثمرة - كان للمشتري. ولو تعيّب قبل القبض كان المشتري بالخيار بين الفسخ والإمضاء بكلّ الثمن؛ وفي استحقاقه لأخذ الأرش تردّد، والأقوى العدم.
      مسألة 3 - لو باع جملةً فتلف بعضها قبل القبض انفسخ البيع بالنسبة إلى التالف، وعاد إلى المشتري ما يخصّه من الثمن، وله فسخ العقد والرضا بالموجود بحصّته من الثمن.
      مسألة 4 - يجب على البائع - مضافا إلى تسليم المبيع - تفريغه عمّا كان فيه من أمتعة وغيرها، حتّى لو كان مشغولا بزرع آن وقت حصاده وجبت إزالته. ولو كان له عروق تضرّ بالانتقال - كالقطن والذرّة - أو كان في الأرض حجارةٌ مدفونةٌ وجبت إزالتها وتسوية الأرض. ولو كان فيها شي ء لا يخرج إلّا بتغيير شي ء من الأبنية وجب إخراجه وإصلاح ما يستهدم. ولو كان فيه زرع لم يأن وقت حصاده ففي حقّ إبقائه إلى أوان حصاده بلا اُجرة إشكال لايترك الاحتياط بالتصالح.
      مسألة 5 - من اشترى شيئا ولم يقبضه: فإن كان ممّا لايكال ولا يوزن جاز بيعه قبل قبضه؛ وكذا إذا كان منهما وباع توليةً أي بما اشتراه؛ وأمّا لو باع بالمرابحة ففيه إشكال، والأقوى جوازه على كراهيّة، لكن لاينبغي ترك الاحتياط. هذا إذا باعه من غيرالبائع،وإلّافلاإشكال في جوازه مطلقا؛كماأنّه لا إشكال فيه في ما إذا ملك شيئا بغير الشراء، كالميراث والصداق والخلع وغيرها؛ بل الظاهر اختصاص المنع حرمةً أو كراهةً بالبيع، فلا منع في جعله صداقا أو اُجرةً وغير ذلك.

    • القول في النقد والنسيئة

       

      القول في النقد والنسيئة

      مسألة 1 - من باع شيئا ولم يشترط فيه تأجيل الثمن يكون نقدا وحالّاً؛ فللبائع بعد تسليم المبيع مطالبته في أيّ وقت، وليس له الامتناع من أخذه متى أراد المشتري دفعه إليه.
      ولو اشترط تأجيله يكون نسيئةً لايجب على المشتري دفعه قبل الأجل وإن طولب، كما أنّه لايجب على البائع أخذه إذا دفعه المشتري قبله. ولابدّ أن يكون الأجل معيّنا مضبوطا لايتطرّق إليه احتمال الزيادة والنقصان؛ فلو اشترط التأجيل ولم يعيّن أو عيّن مجهولا بطل البيع. والأقوى عدم كفاية تعيّنه في نفسه مع عدم معرفة المتعاقدين.
      مسألة ۲ - لو باع شيئا بثمن حالّاً وبأزيد منه إلى أجل بأن قال: «بعتك نقدا بعشرة ونسيئةً إلى سنة بخمسة عشر» وقبل المشتري ففي البطلان إشكال، ولو قيل بصحّته وأنّ للبائع أقلّ الثمنين ولو عند الأجل فليس ببعيد، لكن لايترك الاحتياط. نعم، لا إشكال في البطلان لو باع بثمن إلى أجل وبأزيد منه إلى آخر.
      مسألة ۳ - لايجوز تأجيل الثمن الحالّ بل مطلق الدين بأزيد منه، بأن يزيد في الثمن الّذي استحقّه البائع مقدارا ليؤجّله إلى أجل كذا. وكذلك لايجوز أن يزيد في الثمن المؤجّل ليزيد في الأجل، سواء وقع ذلك على جهة البيع أو الصلح أو الجعالة أو غيرها؛ ويجوز عكس ذلك، وهو تعجيل المؤجّل بنقصان منه على جهة الصلح أوالإبراء.
      مسألة 4 - لو باع شيئا نسيئةً يجوز شراؤه منه قبل حلول الأجل وبعده بجنس الثمن أو بغيره، سواء كان مساويا للثمن الأوّل أم لا، وسواء كان البيع الثاني حالّاً أو مؤجّلا. وإنّما يجوز ذلك إذا لم يشترط في البيع الأوّل؛ فلو اشترط البائع في بيعه على المشتري أن يبيعه منه بعد شرائه أو شرط المشتري على البائع أن يشتريه منه لم يصحّ على الأحوط؛ كما أنّه لايجوز ذلك مطلقا لو احتال به للتخلّص من الربا.

    • القول في الربا

       

      القول في الربا

      وقد ثبت حرمته بالكتاب والسنّة وإجماع من المسلمين، بل لايبعد كونها من ضروريّات الدين. وهو من الكبائر العظام. وقد ورد التشديد عليه في الكتاب العزيز والأخبار الكثيرة، حتّى ورد فيه في الخبر الصحيح عن مولانا الصادق (عليه السلام) قال: «درهم رباً عنداللّه أشدّ من سبعين زنيةً كلّها بذات محرم»، وعن النبي(صلى الله عليه وآله وسلم) في وصيّته لعلي(عليه السلام) قال: «يا عليّ الربا سبعون جزءا، فأيسرها مثل أن ينكح الرجل اُمّه في بيت اللّه الحرام»، وعنه(صلى الله عليه وآله وسلم): «ومن أكل الربا ملأ اللّه بطنه من نار جهنّم بقدر ما أكل، وإن اكتسب منه مالا لم يقبل اللّه منه شيئا من عمله، ولم يزل في لعنةاللّه والملائكة ما كان عنده منه قيراط واحد»، وعنه(صلى الله عليه وآله وسلم): «إنّ اللّه لعن آكل الربا وموكله وكاتبه وشاهديه» إلى غير ذلك.
      وهو قسمان: معامليّ وقرضيّ:
      أمّا الأوّل فهو بيع أحد المثلين بالآخر مع زيادة عينيّة كبيع منّ من الحنطة بمنّين أو بمنّ منها ودرهم، أو حكميّة كمنّ منها نقدا بمنّ منها نسيئةً. والأقوى عدم اختصاصه بالبيع، بل يجري في سائر المعاملات كالصلح ونحوه. وشرطه أمران:
      الأوّل: اتّحاد الجنس عرفا، فكلّما صدق عليه الحنطة أو الأرز أو التمر أو العنب بنظر العرف وحكموا بالوحدة الجنسيّة فلا يجوز بيع بعضها ببعض بالتفاضل وإن تخالفا في الصفات والخواصّ؛ فلايجوز التفاضل بين الحنطة الرديئة الحمراء والجيّدة البيضاء، ولا بين العنبر الجيّد من الأرز والردي ء من الشنبة، وردي ء الزاهديّ من التمر وجيّد الخستاويّ وغير ذلك ممّا يعدّ عرفا جنسا واحدا؛ بخلاف ما لا يعدّ كذلك كالحنطة والعدس، فلا مانع من التفاضل بينهما.
      الثاني: كون العوضين من المكيل أو الموزون؛ فلا ربا في ما يباع بالعدّ أو المشاهدة.
      مسألة 1 - الشعيروالحنطةفي باب الربابحكم جنس واحد؛فلايجوزالمعاوضة بينهما بالتفاضل وإن لم يكونا كذلك عرفا وفي باب الزكاة ونحوه فلا يكمل نصاب أحدهما بالآخر. وهل العلس من جنس الحنطةوالسلت من جنس الشعير؟فيه إشكال. والأحوط أن لايباع أحدهما بالآخر وكلّ منهما بالحنطة والشعير إلّا مثلا بمثل.
      مسألة 2 - كلّ شي ء مع أصله بحكم جنس واحد وإن اختلفا في الاسم، كالسمسم والشيرج، واللبن مع الجبن والمخيض والِلبأ وغيرها، والتمر والعنب مع خلّهما ودبسهما، وكذا الفرعان من أصل واحد كالجبن مع الأقط والزبد وغيرهما.
      مسألة 3 - اللحوم والألبان والأدهان تختلف باختلاف الحيوان؛ فيجوز التفاضل بين لحم الغنم ولحم البقر، وكذا بين لبنهما أو دهنهما.
      مسألة 4 - لاتجري تبعيّة الفرع للأصل في المكيليّة والموزونيّة؛ فما كان أصله ممّا يكال أو يوزن فخرج منه شي ء لايكال ولا يوزن لابأس بالتفاضل بين الأصل وما خرج منه، وكذا بين ما خرج منه بعضه مع بعض؛ فلا بأس بالتفاضل بين القطن ومنسوجه، ولا بين منسوجين منه بأن يباع ثوبان بثوب. وربما يكون شي ء مكيلا أو موزونا في حال دون حال، كالثمرة على الشجرة وحال الاجتناء، وكالحيوان قبل أن يذبح ويسلخ وبعدهما؛ فيجوز بيع شاة بشاتين بلا إشكال. نعم، الظاهر أنّه لايجوز بيع لحم حيوان بحيوان حيّ من جنسه كلحم الغنم بالشاة. وحرمة ذلك ليست من جهة الربا؛ بل لايبعد تعميم الحكم إلى بيع اللحم بحيوان من غير جنسه، كلحم الغنم بالبقر.
      مسألة 5 - لو كان لشي ء حالة رطوبة وجفاف - كالرطب والتمر والعنب والزبيب، وكذا الخبز، بل واللحم يكون نِيّا ثمّ صار قديدا فلا إشكال في بيع جافّه بجافّه ورطبه برطبه مِثلا بمثل، كما أنّه لايجوز بالتفاضل. وأمّا جافّه برطبه كبيع التمر بالرطب ففي جوازه إشكال، والأحوط العدم، سواء كان بالتفاضل أومثلا بمثل.
      مسألة 6 - التفاوت بالجودة والرداءة لايوجب جواز التفاضل في المقدار؛ فلا يجوز بيع مثقال من ذهب جيّد بمثقالين من ردي ء وإن تساويا في القيمة.
      مسألة 7 - ذكروا للتخلّص من الربا وجوها مذكورة في الكتب، وقد جدّدت النظرفي المسألة فوجدت أنّ التخلّص من الربا غير جائز بوجه من الوجوه. والجائز هو التخلّص من المماثلة مع التفاضل، كبيع منّ من الحنطة المساوي في القيمة لمنّين من الشعير أو الحنطة الرديئة؛ فلو اُريد التخلّص من مبايعة المماثلين بالتفاضل يضمّ إلى الناقص شي ء فرارا من الحرام إلى الحلال، وليس هذا تخلّصا من الربا حقيقةً. وأمّا التخلّص منه فغير جائز بوجه من وجوه الحيل.
      مسألة 8 -لو كان شي ء يباع جزا فافي بلد وموزونا في آخر فلكل بلدحكم نفسه.
      مسألة 9 - لا ربا بين الوالد وولده، ولا بين الرجل وزوجته، ولا بين المسلم والحربيّ، بمعنى أنه يجوز أخذ الفضل للمسلم. ويثبت بين المسلم والذمّيّ. هذا بعض الكلام في الربا المعاملي. وأمّا الربا القرضيّ فيأتي الكلام فيه إن شاء اللّه تعالى.

    • القول في بيع الصرف

       

      القول في بيع الصرف

      وهو بيع الذهب بالذهب أو بالفضّة، أو الفضّة بالفضّة أو بالذهب. ولا فرق بين المسكوك منهما وغيره حتّى في الكلبتون المصنوع من الإبريسم. وأحد النقدين إذا بيع بالآخر وقوبل بين النقدين اللذين فيهما يكون صرفا، وأمّا إذا قوبل بين الثوبين فالظاهر عدم جريان الصرف فيه، وكذا إذا بيع بأحدهما. ويشترط في صحّته التقابض في المجلس؛ فلو تفرّقا ولم يتقابضا بطل البيع؛ ولو قبض بعض صحّ فيه خاصّة وبطل في ما لايقبض؛ وكذا إذا بيع أحد النقدين مع غيرهما صفقةً واحدةً بأحدهما ولم يقبض الجملة حتّى تفرّقا بطل في النقد وصحّ في غيره.
      مسألة 1 - لو فارقا المجلس مصطحبين لم يبطل البيع؛ فإذا تقابضا قبل أن يفترقا صحّ.
      مسألة 2 - إنّما يشترط التقابض في معاوضة النقدين إذا كانت بالبيع دون غيره، كالصلح والهبة المعوّضة وغيرهما.
      مسألة 3 - لو وقعت المعاملة على النوت والمنات والأوراق النقديّة المتعارفة في زماننا من طرف واحد أو الطرفين فالظاهر عدم جريان أحكام بيع الصرف عليها، ولكن لايجوز التفاضل لو اُريد التخلّص من الربا؛ فمن أراد الإقراض بربح فتخلّص منه ببيع الأوراق النقديّة متفاضلا فعل حراما، وبطل البيع أيضا. ولو فرض في موردٍ وقوع المعاملة بين النقدين وكانت المذكورات كالصكوك التجاريّة يجري فيها الصرف ويثبت الربا، لكنّه مجرّد فرض في أمثالها في هذا الزمان، وحينئذٍ لايكفي في التقابض المعتبر في الصرف قبض المذكورات.
      مسألة 4 - الظاهر أنّه يكفي في القبض كونه في الذمّة ولا يحتاج إلى قبض خارجيّ؛ فلو كان في ذمّة زيد دراهم لعمرو فباعها بالدنانير وقبضها قبل التفرّق صحّ، بل لو وكّل زيدا بأن يقبضها عنه صحّ.
      مسألة 5 - لو اشترى دراهم ببيع الصرف ثمّ اشترى بها دنانير قبل قبض الدراهم لم يصحّ الثاني؛ فإذا حصل التقابض بعد ذلك قبل التفرّق صحّ الأوّل، وإن افترقا قبله بطل الأوّل أيضا.
      مسألة 6 - لو كان له عليه دراهم فقال للّذي هي عليه: «حوّلها دنانير» فرضي وتقبّلها في ذمّته بدل الدراهم: فإن كان ذلك توكيلا منه في بيع ما في ذمّته بالآخر صحّ، وإلّا فبمجرّد الرضا بالتحويل والتقبّل المذكور يشكل أن تقع المعاملة. واحتمال أن يكون ذلك عنوانا آخر غير البيع بعيد.
      مسألة 7 - الدراهم والدنانير المغشوشة إن كانت رائجةً بين عامّة الناس ولو علموا بالحال يجوز صرفها وإنفاقها والمعاملة بها، وإلّا فلا يجوز إلّا بعد إظهار حالها؛ والأحوط كسرها وإن لم تعمل للغشّ.
      مسألة 8 - حيث إنّ الذهب والفضّة من الربويّ فإذا بيع كلّ منهما بجنسه يلزم على المتعاملين إيقاعه على نحو لا يقعان في الربا، بأن لايكون التفاضل. وهذا ممّا ينبغي أن يهتمّ به المتعاملون خصوصا الصيارفة، وقد نهي عن الصرف معلّلا بأنّ الصيرفيّ لايسلم من الربا.
      مسألة 9 - يكفي في الضميمة وجود دخيل في الذهب والفضّة إن كان له ماليّة لو تخلّص منهما؛ فإذا بيعت فضّة ذات دخيل بمثلها جاز بالمثل وبالتفاضل إذا لم يكن المقصود الفرار من الربا، وإذا بيعت بالخالصة لابدّ أن تكون الخالصة زائدةً منها حتّى تقع الزيادة مقابل الدخيل، وإذا لم يعلم مقدار الدخيل والفضّة تباع بغير جنسها، أو بمقدار يعلم إجمالا زيادته على الفضّة في ذات الدخيل؛ وكذلك الأشياء المحلّاة بالذهب أو الفضّة ونحوها.
      مسألة 10 - لو اشترى فضّةً معيّنة بفضّة أو بذهب - مثلا - فوجدها من غير جنسها - كالنحاس والرصاص - بطل البيع، وليس له مطالبة البدل، كما أنّه ليس للبائع إلزامه به. ولو وجد بعضها كذلك بطل فيه وصحّ في الباقي، وله ردّ الكلّ، لتبعّض الصفقة، وللبائع أيضا ردّه مع جهله بالحال. ولو اشترى فضّةً كلّيّا في الذمّة بذهب أو فضّة وبعد ما قبضها وجد المدفوع كلّاً أو بعضا من غير جنسها: فإن كان قبل أن يفترقا فللبائع الإبدال بالجنس وللمشتري مطالبة البدل، وإن كان بعد التفرّق بطل في الكلّ أو البعض على حذو ما سبق. هذا إذا كان من غير الجنس.
      وأمّا إذا كان من الجنس ولكن ظهر بها عيب - كخشونة الجوهر، والدخيل الزائد على المتعارف، واضطراب السكّة، ونحوها - ففي الأوّل وهو ما إذا كان المبيع فضّةً معيّنةً في الخارج كان له الخيار بردّ الجميع أو إمساكه، وليس له ردّ المعيب وحده لو كان هو البعض، على إشكال تقدّم في خيار العيب. وليس له مطالبة الأرش لو كان العوضان متجانسين كالفضّة بالفضّة في مثل خشونة الجوهر واضطراب السكّة على الأحوط لو لم يكن الأقوى، للزوم الربا. ولو تخالفا كالفضّة بالذهب فله ذلك قبل التفرّق، وأمّا بعده ففيه إشكال، خصوصا إذا كان الأرش من النقدين، ولكنّ الأقوى أنّ له ذلك، خصوصا إذا كان من غيرهما. وأمّا في الثاني وهو ما لو كان المبيع كلّيّا في الذمّة وظهر عيب في المدفوع فلا يبعد أن يكون مخيّرا بين إمساك المعيب بالثمن ومطالبة البدل قبل التفرّق، وأمّا بعده ففيه إشكال. وهل له أخذ الأرش؟ الأقرب عدم ثبوته حتّى في المتخالفين كالفضّة بالذهب، وحتّى قبل التفرّق.
      مسألة 11 - لايجوز أن يشتري من الصائغ خاتما أو قُرطا - مثلا - من فضّة أو ذهب بجنسه مع زيادة بملاحظة اُجرته، بل إمّا أن يشتريه بغير جنسه أو يشتري منه مقدارا منهما بجنسه مِثلا بمثل، ويعيّن له اُجرةً لصياغته. نعم، لو كان فصّ الخاتم - مثلا - من الصائغ وكان من غير جنس حلقته جاز الشراء بجنسه مع الزيادة في غير صورة التخلّص من الربا.
      مسألة 12 - لو كان على زيد دنانير وأخذ منه دراهم تدريجا شيئا فشيئا: فإن كان ذلك بعنوان الوفاء والاستيفاء ينتقص من الدنانير في كلّ دفعة بمقدار ما أخذه من الدراهم بسعر ذلك الوقت، وإن كان أخذها بعنوان الاقتراض اشتغلت ذمّته بالدراهم وبقيت ذمّة زيد مشغولةً بتلك الدنانير، فلكلّ منهما مطالبة صاحبه حقّه؛ وفي احتساب كلّ منهما ما له على الآخر وفاءً عمّا عليه للآخر ولو مع التراضي إشكال، كما أنّ في بيع إحداهما بالاُخرى إشكالا؛ فلا محيص إلّا من إبراء كلّ منهما ماله على الآخر أو مصالحة الدنانير بالدراهم. نعم، لو كانت الدراهم المأخوذة تدريجا قد اُخذت بعنوان الأمانة حتّى إذا اجتمعت عنده بمقدار الدنانير تحاسبا فلا إشكال في جواز جعلها عند الحساب وفاءً؛ كما أنّه يجوز بيع الدنانير الّتي في الذمّة بالدراهم الموجودة. وعلى أيّ حال يلاحظ سعر الدنانير والدراهم عند الحساب، ولا ينظر إلى اختلاف الأسعار السابقة.
      مسألة 13 - لو أقرض زيدا نقدا معيّنا أو باعه شيئا بنقد معيّن - كالليرة - إلى أجل معلوم وزاد سعر ذلك النقد أو نقص عند حلول الأجل عن سعره يوم الإقراض أو البيع لايستحقّ إلّا عين ذلك النقد، ولا ينظر إلى زيادة سعره ونقصانه.
      مسألة 14 - يجوز أن يبيع مثقالا من فضّة خالصة من الصائغ - مثلا - بمثقال من فضّة فيها دخيل متموّل واشترط عليه أن يصوغ له خاتما مثلا. وكذا يجوز أن يقول للصائغ: «صغ لي خاتما وأنا أبيعك عشرين مثقالا من فضّة جيّدة بعشرين مثقالا من فضّة رديئة»؛ ولم يلزم الربا في الصورتين بشرط أن لايكون المقصود التخلّص من الربا.
      مسألة 15 - لو باع عشر روپيات - مثلا - بليرة واحدة إلّا روپية واحدة صحّ، بشرط أن يعلما نسبة الروپية بحسب سعر الوقت إلى الليرة حتّى يعلما أيّ مقدار استُثني منها، وبشرط أن لايكون المراد التخلّص من الربا.

    • القول في السلف

       

      القول في السلف

      ويقال: السلم أيضا. وهو ابتياع كلّيّ مؤجّل بثمن حالّ عكس النسيئة. ويقال للمشتري: المسلم بكسر اللام، وللثمن بفتحها، وللبائع: المسلم إليه، وللمبيع: المسلم فيه. وهو يحتاج إلى إيجاب وقبول. وكلّ واحد من البائع والمشتري صالح لأن يوجب أو يقبل من الآخر؛ فالإيجاب من البائع بلفظ البيع وأشباهه بأن يقول: «بعتك وزنة من حنطة بصفة كذا إلى أجل كذا بثمن كذا» ويقول المشتري: «قبلت» أو «اشتريت»؛ وأمّا الإيجاب من المشتري فهو بلفظي «أسلمت» أو «أسلفت» بأن يقول: «أسلمت إليك أو أسلفت مائة درهم - مثلا - في وزنة من حنطة بصفة كذا إلى أجل كذا» فيقول المسلم إليه وهو البائع: «قبلت». ويجوز إسلاف غير النقدين في غيرهما، بأن يكون كلّ من الثمن و المثمن من غيرهما مع اختلاف الجنس أو عدم كونهما أو أحدهما من المكيل والموزون. وكذا إسلاف أحد النقدين في غيرهما وبالعكس. ولايجوز إسلاف أحد النقدين في أحدهما مطلقا. ولا يصحّ أن يباع بالسلف ما لا يمكن ضبط أوصافه الّتي تختلف القيمة والرغبات باختلافها، كالجواهر واللئالئ والعقار والأرضين وأشباهها ممّا لا يرتفع الجهالة و الغرر فيها إلّا بالمشاهدة. بخلاف ما يمكن ضبطها بما لا يؤدّي إلى عزّة الوجود، كالخضر والفواكه والحبوبات كالحنطةوالشعيروالأرزو نحو ذلك، بل البيض والجوز واللوز ونحوها، وكذا أنواع الحيوان والملابس والأشربة والأدوية بسيطها ومركّبها.
      ويشترط فيه اُمور:
      الأوّل: ذكر الجنس والوصف الرافع للجهالة.
      الثاني: قبض الثمن قبل التفرّق من مجلس العقد. ولو قبض البعض صحّ فيه وبطل في الباقي. ولو كان الثمن دينا في ذمّة البائع: فإن كان مؤجّلا لايجوز جعله ثمنا للمسلم فيه، وإن كان حالّاً فالظاهر جوازه وإن لم يخل من إشكال، فالأحوط تركه؛ ولو جعل الثمن كلّيّا في ذمّة المشتري ثمّ حاسبه به بماله في ذمّة البائع المسلم إليه سلم عن الإشكال.
      الثالث: تقدير المبيع ذي الكيل أو الوزن أو العدّ بمقدّره.
      الرابع: تعيين أجل مضبوط للمسلم فيه بالأيّام أو الشهور أو السنين ونحو ذلك؛ ولو جعل الأجل إلى أوان الحصاد أو الدياس ونحو ذلك بطل. ولا فرق في الأجل - بعد كونه مضبوطا - بين أن يكون قليلا كيوم أو نصف يوم أو كثيرا كعشرين سنة.
      الخامس: غلبة الوجود وقت الحلول، وفي البلد الّذي شرط أن يسلّم فيه المسلم فيه لو اشترط ذلك بحيث يكون مأمون الانقطاع ومقدور التسليم عادةً.
      مسألة 1 - الأحوط تعيين بلد التسليم، إلّا إذا كان انصراف إلى بلد العقد أو بلدآخر.
      مسألة ۲ - لو جعل الأجل شهرا أو شهرين: فإن كان وقوع المعاملة في أوّل الشهر عدّ شهرا هلاليّا أو شهرين كذلك، ولا ينظر إلى نقصان الشهر وتمامه، وإن أوقعاها في أثنائه فالأقوى التلفيق، بأن يُعدّ من الشهر الآخر ما فات وانقضى من الشهر الأوّل؛ فلو وقع في العاشر وكان الأجل شهرا حلّ الأجل في عاشر الثاني وهكذا، فربما لايكون ثلاثين يوما، وهو ما إذا كان الأوّل ناقصا. والأحوط التصالح، لما قيل من أن اللازم عدّ ثلاثين يوما في الفرض.
      مسألة ۳ - لو جعل الأجل إلى جُمادى أو الربيع حمل على أقربهما، وكذا لو جعل إلى الخميس أو الجمعة، فيحلّ بأوّل جزء من الهلال في الأوّل ومن نهار اليوم في الثاني.
      مسألة 4 - لو اشترى شيئا سلفا لم يجز بيعه قبل حلول الأجل، لا على البائع ولا على غيره، سواء باعه بجنس الثمن الأوّل أو بغيره، وسواء كان مساويا له أو أكثر أو أقلّ؛ ويجوز بعده - سواء قبضه أم لا - على البائع وغيره، بجنس الثمن وغيره، بالمساوي له أو بالأقلّ أو الأكثر مالم يستلزم الربا.
      مسألة 5 - لو دفع المسلم إليه إلى المشتري - بعد الحلول - الجنس الّذي أسلم فيه وكان دونه من حيث الصفة أو المقدار لم يجب قبوله؛ وإن كان مثله يجب القبول كغيره من الديون، وكذا إذا كان فوقه من حيث الصفة بأن كان مصداقا للموصوف مع كمال زائد. وفي غير ذلك فالظاهر عدم وجوبه، كما إذا أسلم في الفرس الشموس وأراد إعطاء المرتاض. وكذا إذا كان أكثر منه بحسب المقدار لم يجب قبول الزيادة.
      مسألة 6 - إذا حلّ الأجل ولم يتمكّن البائع من أداء المسلم فيه لعارض - من آفة، أو عجز له من تحصيله، أو إعوازه في البلد مع عدم امكان جلبه من غيره، إلى غير ذلك من الأعذار - حتّى انقضى الأجل كان المشتري بالخيار بين أن يفسخ ويرجع بثمنه ورأس ماله، ويصبر إلى أن يتمكّن البائع من الأداء، وليس له إلزامه بقيمته وقت حلول الأجل على الأقوى.

    • القول في المرابحة والمواضعة والتولية

       

      القول في المرابحة والمواضعة والتولية

      مايقع من المتعاملين في مقام البيع والشراء على نحوين:
      أحدهما: أن لايقع منهما إلّا المقاولة وتعيين الثمن والمثمن، من دون ملاحظة رأس المال وأنّ في هذه المعاملة نفعا للبائع أو خسرانا، فيوقعان البيع على شي ء معلوم بثمن معلوم، ويسمّى ذلك البيع بالمساومة، وهو أفضل أنواعه.
      وثانيهما: أن يكون الملحوظ كونها رابحة أو خاسرة أو لا رابحة ولا خاسرة. ومن هذه الجهة ينقسم البيع إلى المرابحة والمواضعة والتولية؛ فالأوّل: البيع برأس المال مع الزيادة، والثاني: البيع مع النقيصة، والثالث: البيع بلا زيادة أو نقيصة. ولابدّ في تحقّق هذه العناوين من إيقاع عقده بما يفيد أحدها. ويعتبر في الاُولى تعيين مقدار الربح، وفي الثانية مقدار النقصان؛ فيقال في الاُولى: «بعتك بما اشتريت مع ربح كذا» فيقبل المشتري، وفي الثانية: «بعتك بما اشتريت مع نقصان كذا» وفي الثالثة: «بعتك بما اشتريت».
      مسألة 1 - لو قال البائع في المرابحة: «بعتك هذا بمائة وربح درهم في كلّ عشرة» وفي المواضعة: «بوضيعة درهم في كلّ عشرة» فإن تبيّن عنده مبلغ الثمن ومقداره صحّ البيع على الأقوى على كراهيّة، بل الصحّة لاتخلو من قوّة إن لم يتبيّن له ذلك بعد ضمّ الربح وتنقيص الوضيعة عند البيع.
      مسألة ۲ - لو تعدّدت النقود واختلف سعرها وصرفها لابدّ من ذكر النقد والصرف وأنّه اشتراه بأيّ نقد وأيّ مقدار كان صرفه. وكذا لابدّ من ذكر الشروط والأجل ونحو ذلك ممّا يتفاوت لأجلها الثمن.
      مسألة ۳ - لو اشترى متاعا بثمن معيّن ولم يحدث فيه ما يوجب زيادة قيمته فرأس ماله ذلك الثمن، فلا يجوز الإخبار بغيره. وإن أحدث فيه ذلك: فإن كان بعمل نفسه لم يجز أن يضمّ اُجرة عمله إلى الثمن المسمّى ويخبر بأنّ رأس ماله كذا أو اشتريته بكذا، بل عبارته الصادقة أن يقول: «اشتريته بكذا - وأخبر بالثمن المسمّى - وعملت فيه كذا»؛ وإن كان باستيجار غيره جاز أن يضمّ الاُجرة إلى الثمن ويخبر بأنّه «تقوّم عليّ بكذا» وإن لم يجز أن يقول: «اشتريته بكذا أو رأس ما له كذا». ولو اشترى معيبا ورجع بالأرش إلى البائع له أن يخبر بالواقعة، وله أن يسقط مقدار الأرش من الثمن ويجعل رأس ماله ما بقي وأخبر به، وليس له أن يخبر بالثمن المسمّى من دون إسقاط قدر الأرش. ولو حطّ البائع بعض الثمن بعد البيع تفضّلا جاز أن يخبر بالأصل من دون إسقاط الحطيطة.
      مسألة 4 - يجوز أن يبيع متاعا ثمّ يشتريه بزيادة أو نقيصة إن لم يشترط على المشتري بيعه منه وإن كان من قصدهما ذلك. وبذلك ربما يحتال من أراد أن يجعل رأس ماله أزيد ممّا اشترى، بأن يبيعه من ابنه - مثلا - بثمن أزيد ثمّ يشتريه بذلك الثمن للإخبار به في المرابحة. وهذا وإن لم يكذب في رأس ماله إن كان البيع والشراء من ابنه جدّا وصحّ بيعه على أيّ حال لكنّه خيانة وغشّ، فلايجوز ارتكابه. نعم، لو لم يكن ذلك عن مواطأة وبقصد الاحتيال جاز ولا محذور فيه.
      مسألة 5 - لو ظهر كذب البائع في إخباره برأس المال صحّ البيع، وتخيّر المشتري بين فسخه وإمضائه بتمام الثمن. ولا فرق بين تعمّد الكذب وصدوره غلطا أو اشتباها من هذه الجهة. وهل يسقط هذا الخيار بالتلف؟ فيه إشكال، ولايبعد عدم السقوط.
      مسألة 6 - لو سلّم التاجر متاعا إلى الدلّال ليبيعه له فقوّمه عليه بثمن معيّن وجعل ما زاد عليه له - بأن قال له: «بعه عشرة رأس ماله، فما زاد عليه فهو لك»- لم يجز له أن يبيعه مرابحةً، بأن يجعل رأس المال ما قوّم عليه التاجر ويزيد عليه مقدارا بعنوان الربح؛ بل اللازم إمّا بيعه مساومةً أو يبيّن ما هو الواقع من أنّ ما قوّم عليّ التاجر كذا وأنا اُريد النفع كذا؛ فإن باعه بزيادة كانت الزيادة له، وإن باعه بما قوّم عليه صحّ البيع، والثمن للتاجر، وهو لم يستحقّ شيئا وإن كان الأحوط إرضاءه، وإن باعه بالأقلّ يكون فضوليّا يتوقّف على إجازة التاجر.
      مسألة 7 - لو اشترى شخص متاعا أو دارا أو غيرهما جاز أن يشرك فيه غيره بما اشتراه، بأن يشركه فيه بالمناصفة بنصف الثمن أو بالمثالثة بثلثه وهكذا. ويجوز إيقاعه بلفظ التشريك، بأن يقول:«شرّكتك في هذا المتاع نصفه بنصف الثمن أو ثلثه بثلثه» مثلا، فقال: «قبلت». ولو أطلق لايبعد انصرافه إلى المناصفة. وهل هو بيع أو عنوان مستقلّ؟ كلّ محتمل، وعلى الأوّل فهو بيع التولية.

    • القول في بيع الثمار

       

      القول في بيع الثمار

      على النخيل والأشجار المسمىّ في العرف الحاضر بالضمان. ويلحق بها الزرع والخضراوات.
      مسألة 1 - لايجوز بيع الثمار على النخيل والأشجار قبل بروزها وظهورها عاما واحدا بلا ضميمة. ويجوز بيعها عامين فما زاد أو مع الضميمة. وأمّا بعد ظهورها: فإن بدا صلاحها أو كان في عامين أو مع الضميمة جاز بيعها بلا إشكال، ومع انتفاء الثلاثة فيه قولان، أقواهما الجواز مع الكراهة؛ ولا يبعد أن تكون للكراهة مراتب إلى بلوغ الثمرة وترتفع به.
      مسألة ۲ - بدوّ الصلاح في التمر احمراره أو اصفراره، وفي غيره انعقاد حبّه بعد تناثر ورده وصيرورته مأمونا من الآفة.
      مسألة ۳ - يعتبر في الضميمة - في مورد الاحتياج إليها - كونها ممّا يجوز بيعها منفردةً وكونها مملوكةً للمالك؛ ومنها الاُصول لو بيعت مع الثمرة. وهل يعتبر كون الثمرة تابعةً أو لا؟ الأقوى عدمه.
      مسألة 4 - لو ظهر بعض ثمرة البستان جاز بيع ثمرته أجمع: الموجودة والمتجدّدة في تلك السنة، سواء اتّحدت الشجرة أوتكثّرت، وسواء اختلف الجنس أو اتّحد. وكذلك لو أدركت ثمرة بستان جاز بيعها مع ثمرة بستان آخر لم تدرك.
      مسألة 5 - لو كانت الشجرة تثمر في سنة واحدة مرّتين فالظاهر أنّ ذلك بمنزلة عامين، فيجوز بيع المرّتين قبل الظهور.
      مسألة 6 - لو باع الثمرة سنة أو أزيد ثمّ باع الاُصول من شخص آخر لم يبطل بيع الثمرة، فتنتقل الاُصول إلى المشتري مسلوبة المنفعة. ولو كان جاهلًا كان له الخيار في الفسخ. وكذا لايبطل بيع الثمار بموت بائعها ولا بموت مشتريها، بل تنتقل الاُصول في الأوّل إلى ورثة البائع مسلوبة المنفعة، والثمرة في الثاني إلى ورثة المشتري.
      مسألة 7 - لو باع الثمرة بعد ظهورها أو بدوّ صلاحها فاُصيبت بآفة سماويّة أو أرضيّة قبل قبضها - وهو التخلية على وجه مرّ في باب القبض - كان من مال بائعها. والظاهر إلحاق النهب والسرقة ونحوهما بالآفة. نعم، لو كان المتلف شخصا معيّنا كان المشتري بالخيار بين الفسخ والإمضاء ومطالبة المتلف بالبدل. ولو كان التلف بعد القبض كان من مال المشتري ولم يرجع إلى البائع.
      مسألة 8 - يجوزأن يستثني البائع لنفسه حصّةًمشاعةً من الثمر كالثلث والربع، أو مقدارا معيّنا كمنّ أو منّين، كما أنّ له أن يستثني ثمرة نخيل أو شجر معيّن، فإن خاست الثمرة سقط من الثنيا بحسابه في الأوّل، والأحوط التصالح في الثاني.
      مسألة 9 - يجوز بيع الثمرة على النخل والشجر بكلّ شي ء يصحّ أن يجعل ثمنا في أنواع البيوع: من النقود والأمتعة وغيرهما، بل المنافع والأعمال ونحوهما.نعم، لايجوز بيع التمر على النخيل بالتمر، سواء كان من تمرها أو تمر آخر على النخيل أو موضوعا على الأرض. وهذا يسمّى بالمزابنة. والأحوط إلحاق ثمرة ما عدا النخيل من الأشجار بها - فلا تباع بجنسها - وإن كان الأقوى عدم الإلحاق. نعم، لايجوز بيعها بمقدار منها على الأقوى.
      مسألة 10 - يجوز أن يبيع ما اشتراه من الثمرة بزيادة عمّا ابتاعه أو بنقصان قبل قبضه وبعده.
      مسألة 11 - لايجوز بيع الزرع بذرا قبل ظهوره. وفي جواز الصلح عليه وجه. وبيعه تبعا للأرض لو باعها وأدخله في المبيع بالشرط محلّ إشكال. وأمّا بعد ظهوره وطلوع خضرته فيجوز بيعه قصيلا، بأن يبيعه بعنوانه وأن يقطعه المشتري قبل أن يسنبل، سواء بلغ أوان قصله أو لم يبلغ وعيّن مدّةً لإبقائه؛ وإن أطلق فله إبقاؤه إلى أوان قصله. ويجب على المشتري قطعه إذا بلغ أوانه إلّا إذا رضي البائع؛ ولو لم يرض به ولم يقطعه المشتري فللبائع قطعه، والأحوط أن يكون بعد الاستيذان من الحاكم مع الإمكان. وله تركه والمطالبة باُجرة أرضه مدّة بقائه وأرش نقصها على فرضه. ولو أبقاه إلى أن طلعت سنبلته فهل تكون ملكا للمشتري أو للبائع أو هما شريكان؟ وجوه، والأحوط التصالح. وكما يجوز بيع الزرع قصيلا يجوز بيعه من أصله، لابعنوان كونه قصيلا وبشرط أن يقطعه، فهو ملك للمشتري إن شاء قصله وإن شاء تركه إلى أن يسنبل.
      مسألة 12 - لايجوز بيع السنبل قبل ظهوره وانعقاد حبّه. ويجوز بعد انعقاده، سواء كان حبّه بارزا كالشعير أو مستورا كالحنطة، منفردا أو مع اُصوله، قائما أو حصيدا. ولا يجوز بيعه بحبّ من جنسه - بأن يباع سنابل الحنطة بالحنطة وسنابل الشعير بالشعير - على الأحوط، وهذا يسمّى بالمحاقلة. وفي شمولها لبيع سنبل الحنطة بالشعير وسنبل الشعير بالحنطة إشكال، لكن لايترك الاحتياط، خصوصا في سنبل الشعير بالحنطة. والأقوى عدم جريان هذا الحكم في غيرهما - كالأرز والذرّة وغيرهما - وإن كان جريانه أحوط. نعم، الأقوى عدم جواز بيع كلّ منهما بمقدار حصل منه.
      مسألة 13 - لايجوز بيع الخضر - كالخيار والباذنجان والبطّيخ ونحوها - قبل ظهورها،ويجوزبعدانعقادهاوظهورهالقطةواحدةأولقطات معلومة.والمرجع في اللقطةإلى عرف الزرّاع وعادتهم.والظاهرأنّ مايلتقط منها من الباكورة لا تعدّ لقطةً.
      مسألة 14 - إنّما يجوز بيع الخضر - كالخيار والبطّيخ - مع مشاهدة ما يمكن مشاهدته في خلال الأوراق. ولا يضرّ عدم مشاهدة بعضها المستور، كما لايضرّ عدم بلوغ رشدها كلّاً أو بعضا. وكذا لايضرّ انعدام ما عدا الاُولى من اللقطات بعد ضمّها إليها.
      مسألة 15 - إذا كانت الخضر ممّا كان المقصود منها مستورا في الأرض -كالجزر والشلجم- يشكل جواز بيعها قبل قلعها. نعم، في مثل البصل ممّا كان الظاهر منه أيضا مقصودا يجوز بيعه منفردا ومع اُصوله.
      مسألة 16 - يجوز بيع نحو الرطبة والكرّاث والنعناع بعد الظهور جزّة وجزّات معيّنة. وكذا ورق التوت والحنّاء خرطة وخرطات. والمرجع في الجزّة والخرطة هو العرف والعادة. ولا يضرّ انعدام بعض الأوراق بعد وجود مقدار يكفي للخرط وإن لم يبلغ أوان خرطه، فيضمّ الموجود إلى المعدوم.
      مسألة 17 - لو كان نخل أو شجر أو زرع بين اثنين - مثلا - بالمناصفة يجوز أن يتقبّل أحد الشريكين حصّة صاحبه بخرص معلوم، بأن يخرص المجموع بمقدار فيتقبّل أن يكون المجموع له، ويدفع لصاحبه من الثمرة نصف المجموع بحسب خرصه زاد أو نقص، ويرضى به صاحبه. والظاهر أنّه معاملة خاصّة برأسها، كما أنّ الظاهر أنّه ليس له صيغة خاصّة، فيكفي كلّ لفظ يكون ظاهرا في المقصود بحسب متفاهم العرف.
      مسألة 18 - من مرّ بثمرة نخل أوشجر مجتازا - لا قاصدا لأجل الأكل - جاز له أن يأكل منها بمقدار شبعه وحاجته، من دون أن يحمل منها شيئا، ومن دون إفساد للأغصان أو إتلاف للثمار. والظاهر عدم الفرق بين ما كان على الشجر أو متساقطا عنه. والأحوط الاقتصار على ما إذا لم يعلم كراهة المالك.

    • القول في بيع الحيوان

       

      القول في بيع الحيوان

      مسألة 1 - كلّ حيوان مملوك كما يجوز بيع جميعه يجوز بيع بعضه المشاع كالنصف والربع. وأمّا جزؤه المعيّن - كرأسه وجلده أو يده ورجله - أو نصفه الّذي فيه رأسه - مثلا - فإن كان ممّا لا يؤكل لحمه أو لم يكن المقصود منه اللحم (بل الركوب والحمل وإدارة الرحى ونحو ذلك) لم يجز بيعه. نعم، لو كان ما لا يؤكل قابلا للتذكية يجوز بيع جلده. وكذا مالم يكن المقصود منه اللحم - كالفرس والحمار - إذا اُريد ذبحه لإهابه يجوز بيعه. وأمّا إذا كان المقصود منه اللحم والذبح - مثل ما يشتريه القصّابون ويباع منهم - فالظاهر صحّة بيعه، فإن ذبحه فللمشتري ما اشتراه، وإن باعه يكون شريكا في الثمن بنسبة ماله، بأن ينسب قيمة الرأس والجلد - مثلًا - على تقدير الذبح إلى قيمة البقيّة فله من الثمن بتلك النسبة. وكذا الحال في ما لو باع حيوانا قصد به اللحم واستثنى الرأس والجلد، أو اشترك اثنان أو جماعة وشرط أحدهم لنفسه الرأس والجلد أو الرأس والقوائم مثلا، أو اشترى شخص حيوانا ثمّ شرّك غيره معه في الرأس والجلد مثلا، فيصحّ في الجميع في ما يراد ذبحه، فإذا ذبح يستحقّ العين، وإلّا كان شريكا بالنسبة كما مرّ.
      مسألة 2 - لو قال شخص لآخر: «اشتر حيوانا - مثلا - بشركتي» كان ذلك منه توكيلا في الشراء؛ فلو اشتراه بحسب أمره كان المبيع بينهما نصفين، إلّا إذا صرّح بكون الشركة على نحو آخر. ولو دفع المأمور عن الآمر ما عليه من الثمن ليس له الرجوع إليه مالم تكن قرينة تقتضي أنّ المقصود الشراء له ودفع ما عليه عنه -كالشراء مثلا من مكان بعيد لايدفع المبيع حتّى يدفع الثمن - فحينئذٍ يرجع إليه.

    • القول في الإقالة

       

      القول في الإقالة

      وحقيقتها فسخ العقد من الطرفين. وهي جارية في جميع العقود سوى النكاح. والأقرب عدم قيام وارثهما مقامهما. وتقع بكلّ لفظ أفاد المعنى المقصود عند أهل المحاورة، كأن يقولا: «تقايلنا» أو «تفاسخنا» أو يقول أحدهما: «أقلتك» فقبل الآخر، بل الظاهر كفاية التماس أحدهما مع إقالة الآخر. ولا يعتبر فيها العربيّة. والظاهر وقوعها بالمعاطاة، بأن يردّ كلّ منهما ما انتقل إليه إلى صاحبه بعنوان الفسخ.
      مسألة 1 - لاتجوز الإقالة بزيادة على الثمن المسمّى ولا نقصان منه؛ فلو أقال المشتري بزيادة أو البائع بوضيعة بطلت وبقي العوضان على ملك صاحبهما.
      مسألة ۲ - لايجري في الإقالة الفسخ والإقالة.
      مسألة ۳ - تصحّ الإقالة في جميع ما وقع عليه العقد وفي بعضه، ويقسّط الثمن حينئذٍ على النسبة؛ بل إذا تعدّد البائع أو المشتري تصحّ إقالة أحدهما مع الطرف الآخر بالنسبة إلى حصّته وإن لم يوافقه صاحبه.
      مسألة 4 - التلف غير مانع عن صحّة الإقالة؛ فلو تقايلا رجع كلّ عوض إلى مالكه، فإن كان موجودا أخذه، وإن كان تالفا يرجع إلى المثل في المثليّ والقيمة في القيميّ.

  • كتاب الشفعة

     

    كتاب الشفعة

    مسألة 1 - لو باع أحد الشريكين حصّته من شخص أجنبيّ فللشريك الآخر مع اجتماع الشروط الآتية حقّ أن يتملّكها وينتزعها من المشتري بما بذله من الثمن، ويسمّى هذا الحقّ بالشفعة وصاحبه بالشفيع.
    مسألة ۲ - لا إشكال في ثبوت الشفعة في كلّ ما لا يُنقل إن كان قابلا للقسمة، كالأراضي والبساتين والدور ونحوها. وفي ثبوتها في ما يُنقل كالثياب والمتاع والسفينة والحيوان وفي ما لاينقل إن لم يكن قابلا للقسمة - كالضيّقة من الأنهار والطرق والآبار وغالب الأرحية والحمّامات وكذا الشجر والنخيل والثمار على النخيل والأشجار - إشكال، فالأحوط للشريك عدم الأخذ بالشفعة إلّا برضا المشتري، وللمشتري إجابة الشريك إن أخذ بها.
    مسألة ۳ - إنّما تثبت الشفعة في بيع حصّة مشاعة من العين المشتركة، فلاشفعة بالجوار؛ فلو باع شخص داره أو عقاره ليس لجاره الأخذ بالشفعة؛ وكذا ليست في العين المقسومة إذا باع أحد الشريكين حصّته المفروزة، إلّا إذا كانت دارا قد قسمت بعد اشتراكها أو كانت من أوّل الأمر مفروزةً ولها طريق مشترك فباع أحد الشريكين حصّته المفروزة من الدار، فتثبت الشفعة للآخر إذا بيعت مع طريقها؛ بخلاف ما إذا بقي الطريق على الاشتراك بينهما، فلا شفعة حينئذٍ في بيع الحصّة. وفي إلحاق الاشتراك في الشرب - كالبئر والنهر والساقية - بالاشتراك في الطريق إشكال، لايترك الاحتياط في المسألة المتقدّمة فيه؛ وكذا في إلحاق البستان والأراضي مع اشتراك الطريق بالدار، فلا يترك فيها أيضا.
    مسألة 4 - لو باع شيئا وشِقصا من دار أو باع حصّةً مفروزةً من دار مع حصّة مشاعة من اُخرى صفقةً واحدةً كان للشريك الشفعة في الحصّة المشاعة بحصّتها من الثمن وإن كان الأحوط تحصيل المراضاة بما مرّ.
    مسألة 5 - يشترط في ثبوت الشفعة انتقال الحصّة بالبيع؛ فلو انتقلت بجعلها صداقا أو فديةً للخلع أو بالصلح أو الهبة فلا شفعة.
    مسألة 6 - إنّما تثبت الشفعة لو كانت العين بين شريكين؛ فلا شفعة إذا كانت بين ثلاثة وما فوقها، من غير فرق على الظاهر بين أن يكون البائع اثنين من ثلاثة -مثلا- فكان الشفيع واحدا وبالعكس. نعم، لو باع أحد الشريكين حصّته من اثنين -مثلا- دفعةً أو تدريجا فصارت العين بين ثلاثة بعد البيع لا مانع من الشفعة للشريك الآخر، فهل له التبعيض - بأن يأخذ بها بالنسبة إلى أحد المشتريين ويترك الآخر - أولا؟ وجهان بل قولان، لا يخلو أوّلهما من قوّة.
    مسألة 7 - لو كانت الدار مشتركةً بين الطلق والوقف وبيع الطلق لم يكن للموقوف عليه - ولو كان واحدا - ولا لوليّ الوقف شفعة، بل لو بيع الوقف في صورة صحّة بيعه فثبوتها لذي الطلق محلّ إشكال. والأقوى عدم ثبوتها لو كان الوقف على أشخاص بأعيانهم وكانوا متعدّدين.
    مسألة 8 - يعتبر في ثبوت الشفعة كون الشفيع قادرا على أداء الثمن؛ فلا شفعة للعاجز عنه وإن أتى بالضامن أو الرهن، إلّا أن يرضى المشتري بالصبر. بل يعتبر فيه إحضار الثمن عند الأخذ بها. ولو اعتذر بأنّه في مكان آخر فذهب ليحضره: فإن كان في البلد ينتظر ثلاثة أيّام، وإن كان في بلد آخر ينتظر بمقدار يمكن بحسب العادة نقل المال من ذلك بزيادة ثلاثة أيّام إذا لم يكن ذلك البلد بعيدا جدّا يتضرّر المشتري بتأجيله، فإن لم يحضر الثمن في تلك المدّة فلا شفعة له.
    مسألة 9 - يشترط في الشفيع الإسلام إن كان المشتري مسلما؛ فلا شفعة للكافر على المسلم وإن اشتراه من كافر. وتثبت للكافر على مثله، وللمسلم على الكافر.
    مسألة 10 - تثبت الشفعة للغائب، فله الأخذ بها بعد اطّلاعه على البيع ولو بعد زمان طويل. ولو كان له وكيل مطلق أو في الأخذ بها واطّلع هو على البيع دون موكّله له أن يأخذ بالشفعة له.
    مسألة 11 - تثبت الشفعة للسفيه وإن لم ينفذ أخذه بها إلّا بإذن الوليّ أو إجازته في مورد حجره. وكذا تثبت للصغير والمجنون وإن كان المتولّي للأخذ بها عنهما وليّهما. نعم، لو كان الوليّ الوصيّ ليس له ذلك إلّا مع الغبطة والمصلحة؛ بخلاف الأب والجدّ، فإنّه يكفي فيهما عدم المفسدة، لكن لاينبغي لهما ترك الاحتياط بمراعاة المصلحة. ولو ترك الوليّ الأخذ بها عنهما إلى أن كملا فلهما أن يأخذا بها.
    مسألة 12 - إذا كان الوليّ شريكا مع المولّى عليه فباع حصّته من أجنبيّ أو الوكيل المطلق كان شريكا مع موكّله فباع حصّة موكّله من أجنبيّ ففي ثبوت الشفعة لهما إشكال، بل عدمه لايخلو من وجه.
    مسألة 13 - الأخذ بالشفعة إمّا بالقول، كأن يقول: «أخذت بالشفعة» أو «تملّكت الحصّة الكذائيّة» ونحو ذلك ممّا يفيد إنشاء تملّكه وانتزاع الحصّة المبيعة لأجل ذلك الحقّ، وإمّا بالفعل بأن يدفع الثمن ويأخذ الحصّة، بأن يرفع المشتري يده عنها ويخلّي بين الشفيع وبينها. ويعتبر دفع الثمن عند الأخذ بها قولا أو فعلا، إلّا إذا رضي المشتري بالتأخير. نعم، لو كان الثمن مؤجّلا فالظاهر أنّه يجوز له أن يأخذ بها ويتملّك الحصّة عاجلا، ويكون الثمن عليه إلى وقته؛ كما أنّه يجوز له الأخذ بها وإعطاء الثمن عاجلا، بل يجوز التأخير في الأخذ والإعطاء إلى وقته، لكنّ الأحوط الأخذ بها عاجلا.
    مسألة 14 - ليس للشفيع تبعيض حقّه، بل إمّا أن يأخذ الجميع أو يدع.
    مسألة 15 - الّذي يلزم على الشفيع - عند أخذه بالشفعة - دفع مثل الثمن الّذي وقع عليه العقد، سواء كانت قيمة الشقص أقلّ أو أكثر. ولا يلزم عليه دفع ما غرمه المشتري من المُؤَن كاُجرة الدلّال ونحوها، ولا دفع ما زاد المشتري على الثمن وتبرّع به للبائع بعد العقد؛ كما أنّه لو حطّ البائع بعد العقد شيئا من الثمن ليس له تنقيص ذلك المقدار.
    مسألة 16 - لو كان الثمن مثليّا - كالذهب والفضّة ونحوهما - يلزم على الشفيع دفع مثله، وأمّا لو كان قيميّا - كالحيوان والجواهر والثياب ونحوها - ففي ثبوت الشفعة ولزوم أداء قيمته حين البيع أو عدم ثبوتها أصلًا وجهان بل قولان، ثانيهما هوالأقوى.
    مسألة 17 - لو اطّلع الشفيع على البيع فله المطالبة في الحال، وتبطل شفعته بالمماطلة والتأخير بلا داعٍ عقلائيّ وعذر عقليّ أو شرعيّ أو عاديّ ؛ بخلاف ما إذا كان عدم الأخذ بها لعذر. ومن الأعذار عدم اطّلاعه على البيع وإن أخبر به غير من يوثق به. وكذا جهله باستحقاق الشفعة أو عدم جواز تأخير الأخذ بها بالمماطلة. بل من ذلك لو ترك الأخذ لتوهّمه كثرة الثمن فبان خلافه، أو كونه نقدا يصعب عليه تحصيله كالذهب فبان خلافه، وغير ذلك.
    مسألة 18 - الشفعة من الحقوق تسقط بإسقاط الشفيع، بل لو رضي بالبيع من الأجنبيّ من أوّل الأمر أو عرض عليه شراء الحصّة فأبى لم تكن له شفعة من الأصل. وفي سقوطها بإقالة المتبايعين أو ردّ المشتري إلى البائع بعيب أو غيره وجه وجيه.
    مسألة 19 - لو تصرّف المشتري في ما اشتراه: فإن كان بالبيع كان للشفيع الأخذ من المشتري الأوّل بما بذله من الثمن فيبطل الشراء الثاني، وله الأخذ من الثاني بما بذله فيصحّ الأوّل؛ وكذا لو زادت البيوع على اثنين فله الأخذ من الأوّل بما بذله فتبطل البيوع اللاحقة، وله الأخذ من الأخير فتصحّ البيوع المتقدّمة، وله الأخذ من الوسط فيصحّ ما تقدّم ويبطل ما تأخّر. وكذا إن كان بغير البيع كالوقف وغير ذلك، فله الأخذ بالشفعة وإبطال ما وقع من المشتري. ويحتمل أن تكون صحّتها مراعاةً بعدم الأخذ بها، وإلّا فهي باطلة من الأصل، وفيه تردّد.
    مسألة 20 - لو تلفت الحصّة المشتراة بالمرّة بحيث لم يبق منها شي ء أصلًا سقطت الشفعة. ولو كان ذلك بعد الأخذ بها وكان التلف بفعل المشتري أو بغير فعله مع المماطلة في التسليم بعد الأخذ بها بشروطه ضمنه. وأمّا لو بقي منها شي ء كالدار إذا انهدمت وبقيت عرصتها وأنقاضها أو عابت لم تسقط، فله الأخذ بها وانتزاع ما بقي منها من العرصة والأنقاض - مثلاً - بتمام الثمن من دون ضمان على المشتري. ولو كان ذلك بعد الأخذ بها ضمن قيمة التالف أو أرش العيب إذا كان بفعله، بل أو بغير فعله مع المماطلة كما تقدّم.
    مسألة 21 - يشترط في الأخذ بالشفعة علم الشفيع بالثمن حين الأخذ على الأحوط لو لم يكن الأقوى؛ فلو قال: «أخذت بالشفعة بالثمن بالغا ما بلغ» لم يصحّ وإن علم بعد ذلك.
    مسألة 22 - الشفعة موروثة على إشكال. وكيفيّة إرثها أنّه عند أخذ الورثة بها يقسّم المشفوع بينهم على ما فرض اللّه في المواريث، فلو خلّف زوجةً وابنا فالثمن لها والباقي له، ولو خلّف ابنا وبنتا فللذكر مثل حظّ الاُنثيين. وليس لبعض الورثة الأخذ بها ما لم يوافقه الباقون. ولو عفا بعضهم وأسقط حقّه ففي ثبوتها لمن لم يعف إشكال.
    مسألة 23 - لوباع الشفيع نصيبه قبل الأخذ بالشفعة فالظاهر سقوطها، خصوصا إذا كان بعد علمه بها.
    مسألة 24 - يصحّ أن يصالح الشفيع المشتري عن شفعته بعوض وبدونه، ويكون أثره سقوطها، فلا يحتاج إلى إنشاء مسقط. ولو صالحه على إسقاطه أو على ترك الأخذ بها صحّ أيضا ولزم الوفاء به. ولو لم يوجد المسقط وأخذ بها فهل يترتّب عليه أثره وإن أثم في عدم الوفاء بما التزم أو لا أثر له؟ وجهان، أوجههما أوّلهما في الأوّل، بل في الثاني أيضا إن كان المراد ترك الأخذ بها مع بقائها، لاجعله كنايةً عن سقوطها.
    مسألة 25 - لو كانت دار - مثلا - بين حاضر وغائب وكانت حصّة الغائب بيد شخص باعها بدعوى الوكالة عنه لا إشكال في جواز الشراء منه وتصرّف المشتري في ما اشتراه أنواع التصرّفات ما لم يعلم كذبه. وإنّما الاشكال في أنّه هل يجوز للشريك الأخذ بالشفعة وانتزاعها من المشتري أم لا؟ الأشبه الثاني.

  • كتاب الصلح

     

    كتاب الصلح

    وهو التراضي والتسالم على أمر: من تمليك عين أومنفعة،أوإسقاطدين أوحقّ، وغير ذلك. ولا يشترط بكونه مسبوقا بالنزاع. ويجوز إيقاعه على كلّ أمر إلّا ما استثني - كما يأتي بعضها - وفي كلّ مقام إلّا إذا كان محرّما لحلال أو محلّلا لحرام.
    مسألة 1 - الصلح عقد مستقلّ بنفسه وعنوان برأسه، فلم يلحقه أحكام سائر العقود ولم تجر فيه شروطها وإن أفاد فائدتها. فما أفاد فائدة البيع لا تلحقه أحكامه وشروطه، فلا يجري فيه الخيارات المختصّة بالبيع - كخياري المجلس والحيوان - ولا الشفعة. ولا يشترط فيه قبض العوضين إذا تعلّق بمعاوضة النقدين. وما أفاد فائدة الهبة لايعتبر فيه قبض العين كما اعتبر فيها، وهكذا.
    مسألة ۲ - الصلح عقد يحتاج إلى الإيجاب والقبول مطلقا، حتّى في ما أفاد فائدة الإبراء والإسقاط على الأقوى؛ فإبراء الدين وإسقاط الحقّ وإن لم يتوقّفا على القبول لكن إذا وقعا بعنوان الصلح توقّفا عليه.
    مسألة ۳ - لايعتبر في الصلح صيغة خاصّة، بل يقع بكلّ لفظ أفاد التسالم على أمر: من نقل أو قرار بين المتصالحين، ك' «صالحتك عن الدار أو منفعتها بكذا» أو ما يفيد ذلك.
    مسألة 4 - عقد الصلح لازم من الطرفين، لايفسخ إلّا بالإقالة أو الخيار حتّى في ما أفاد فائدة الهبة الجائزة. والظاهر جريان جميع الخيارات فيه إلّا خيار المجلس والحيوان والتأخير، فانّها مختصّة بالبيع. وفي ثبوت الأرش لو ظهر عيب في العين المصالح عنها أو عوضها إشكال، بل لايخلو عدم الثبوت من قوّة؛ كما أنّ الأقوى عدم ثبوت الردّ من أحداث السنة.
    مسألة 5 - متعلّق الصلح إمّا عين أو منفعة أو دين أو حقّ، وعلى التقادير إمّا أن يكون مع العوض أو بدونه، وعلى الأوّل إمّا أن يكون العوض عينا أو منفعةً أو دينا أو حقّا، فهذه الصور كلّها صحيحة.
    مسألة 6 - لو تعلّق الصلح بعين أو منفعة أفاد انتقالهما إلى المتصالح، سواء كان مع العوض أو لا. وكذا إذا تعلّق بدين على غير المصالح له أو حقّ قابل للانتقال كحقّي التحجير والاختصاص. ولو تعلّق بدين على المتصالح أفاد سقوطه. وكذا لو تعلّق بحقّ قابل للإسقاط غيرقابل للنقل كحقّي الشفعة والخيار.
    مسألة 7 - يصحّ الصلح على مجرّد الانتفاع بعين أو فضاء، كأن يصالحه على أن يسكن داره، أو يلبس ثوبه مدّة، أو على أن يكون جذوع سقفه على حائطه، أو يجري ماؤه على سطح داره، أو يكون ميزابه على عرصة داره، إلى غير ذلك، أو على أن يخرج جناحا في فضاء ملكه، أو على أن يكون أغصان أشجاره في فضاء أرضه، وغير ذلك، فهذه كلّها صحيحة بعوض وبغيره.
    مسألة 8 - إنّما يصحّ الصلح عن الحقوق القابلة للنقل والإسقاط؛ وما لا يقبل النقل والإسقاط لايصحّ الصلح عنه، كحقّ مطالبة الدين، وحقّ الرجوع في الطلاق الرجعيّ، وحقّ الرجوع في البذل في باب الخلع، وغير ذلك.
    مسألة 9 - يشترط في المتصالحين ما يشترط في المتبايعين: من البلوغ والعقل والقصد والاختيار.
    مسألة 10 - الظاهر أنّه تجري الفضوليّة في الصلح حتّى في ما إذا تعلّق بإسقاط دين أو حقّ وأفاد فائدة الإبراء والإسقاط اللذين لاتجري فيهما الفضوليّة.
    مسألة 11 - يجوز الصلح على الثمار والخضر وغيرهما قبل وجودها ولو في عام واحد وبلا ضميمة وإن لم يجز بيعها.
    مسألة 12 - لا إشكال في أنّه يغتفر الجهالة في الصلح في ما إذا تعذّر للمتصالحين معرفة المصالح عليه مطلقا، كما إذا اختلط مال أحدهما بالآخر ولم يعلما مقدار كلّ منهما فاصطلحا على أن يشتركا فيه بالتساوي أو التخالف؛ وكذا إذا تعذّر عليهما معرفته في الحال - لتعذّر الميزان والمكيال - على الأظهر، بل لايبعد اغتفارها حتّى مع إمكان معرفتهما بمقداره في الحال.
    مسألة 13 - لو كان لغيره عليه دين أو كان منه عنده عين هو يعلم مقدارهما والغير لايعلمه فأوقعا الصلح بأقلّ من حقّ المستحقّ لم يحلّ له الزائد إلّا أن يعلمه ويرضى به. وكذا الحال لو لم يعلم مقدارهما لكن علم إجمالا زيادة المصالح عليه على مال الصلح. نعم، لو رضي بالصلح عن حقّه الواقعيّ على كلّ حال بحيث لو تبيّن له الحال لصالح عنه بذلك المقدار بطيب نفسه حلّ له الزائد.
    مسألة 14 - لو صولح عن الربويّ بجنسه بالتفاضل فالأقوى جريان حكم الربا فيه فيبطل. نعم، لا بأس به مع الجهل بالمقدار وإن احتمل التفاضل، كما إذا كان لكلّ منهما طعام عند صاحبه وجهلا بمقداره فأوقعا الصلح على أن يكون لكلّ منهما ما عنده مع احتمال التفاضل.
    مسألة 15 - يصحّ الصلح عن دين بدين حالّين أو مؤجّلين أو بالاختلاف، متجانسين أو مختلفين، سواء كان الدينان على شخصين أو على شخص واحد، كما إذا كان له على ذمّة زيد وزنة حنطة ولعمرو عليه وزنة شعير فصالح مع عمرو على ماله في ذمّة زيد بما لعمرو في ذمّته، فيصحّ في الجميع إلّا في المتجانسين ممّا يكال أو يوزن مع التفاضل. نعم، لو صالح عن الدين ببعضه - كما إذا كان له عليه دراهم إلى أجل فصالح عنها بنصفها حالّاً - فلا بأس به إذا كان المقصود إسقاط الزيادة والإبراء عنها والاكتفاء بالناقص - كما هو المقصود المتعارف في نحو هذه المصالحة - لا المعاوضة بين الزائد والناقص.
    مسألة 16 - يجوز أن يصالح الشريكان على أن يكون لأحدهما رأس المال والربح للآخر والخسران عليه.
    مسألة 17 - يجوز للمتداعيين في دين أو عين أو منفعة أن يتصالحا بشي ء من المدّعى به أو بشي ء آخر حتّى مع إنكار المدّعى عليه، ويسقط به حقّ الدعوى، وكذا حقّ اليمين الّذي كان للمدّعي على المنكر، وليس للمدّعي بعد ذلك تجديد الدعوى؛ لكن هذا فصل ظاهريّ ينقطع به الدعوى ظاهرا، ولا ينقلب الواقع عمّا هو عليه. فلو ادّعى دينا على غيره فأنكره فتصالحا على النصف فهذا الصلح موجب لسقوط دعواه، لكن إذا كان محقّا بقيت ذمّة المدّعى عليه مشغولةً بالنصف وإن كان معتقدا لعدم محقّيّته، إلّا إذا فرض أنّ المدّعي صالح عن جميع ماله واقعا؛ وإن كان مبطلا واقعا يحرم عليه ما أخذه من المنكر إلّا مع فرض طيب نفسه واقعا، لا أنّ رضاه لأجل التخلّص عن دعواه الكاذبة.
    مسألة 18 - لو قال المدّعى عليه للمدّعي: «صالحني» لم يكن هذا إقرارا بالحقّ، لما مرّ من أن الصلح يصحّ مع الإنكار. وأمّا لو قال: «بعني أو ملّكني» فهو إقرار بعدم كونه ملكا له، وأمّا كونه إقرارا بملكيّة المدّعي فلا يخلو من إشكال.
    مسألة 19 - لو كان لشخص ثوب قيمته عشرون ولآخر ثوب قيمته ثلاثون واشتبها فإن خيّر أحدهما صاحبه فقد أنصفه وأحلله ما اختاره ولصاحبه الآخر، وإن تضايقا فإن كان المقصود لكلّ منهما الماليّة - كما إذا اشترياهما للمعاملة - بيعا وقسّم الثمن بينهما بنسبة مالهما، وإن كان المقصود عينهما لاالماليّة فلابدّ من القرعة.
    مسألة 20 - لو كان لأحد مقدار من الدراهم ولآخر مقدار منها عند ودعيّ أو غيره فتلف مقدار لا يُدرى أنّه من أيّ منهما: فإن تساوى مقدار الدراهم منهمإ؛ي ظظ -بأن كان لكلّ منهما درهمان مثلا - فلايبعد أن يقال: يحسب التالف عليهما ويقسّم الباقي بينهما نصفين؛ وإن تفاوتا فإمّا أن يكون التالف بمقدار ما لأحدهما وأقلّ ممّا للآخر أو يكون أقلّ من كلّ منهما.
    فعلى الأوّل لايبعد أن يقال: يُعطى للآخر ما زاد من ماله على التالف ويقسّم الباقي بينهما نصفين، كما إذا كان لأحدهما درهمان وللآخر درهم وكان التالف درهما يُعطى صاحب الدرهمين درهما ويقسّم الدرهم الباقي بينهما نصفين، أو كان لأحدهما خمسة وللآخر درهمان وكان التالف درهمين يُعطى لصاحب الخمسة ثلاثة ويقسّم الباقي - وهو الدرهمان - نصفين.
    وعلى الثاني لايبعد أن يقال: إنّه يُعطى لكلّ منهما مازاد من ماله على التالف ويقسّم الباقي بينهما نصفين، فإذا كان لأحدهما خمسة وللآخر أربعة وكان التالف ثلاثة يُعطى لصاحب الخمسة اثنان ولصاحب الأربعة واحد، ويقسّم الباقي بينهما نصفين؛ لكن لاينبغي ترك الاحتياط بالتصالح في شقوق المسألة، خصوصا في غير ما استودع رجلا غيره دينارين واستودعه الآخر دينارا فضاع دينار منهما.
    هذا كلّه في مثل الدرهم والدينار.
    ولا يبعد جريان حكمهما في مطلق المثليّين الممتازين، كمنّين ومنّ لو تلف منّ واشتبه الأمر، ولا ينبغي ترك الاحتياط هنا أيضا. نعم، إذا كان المثليّان ممّا يقبل الاختلاط والامتزاج - كالزيت والحنطة - فامتزجا فتلف البعض يكون التلف بنسبةالمالين،ففي المنّين والمنّ إذا امتزجا وتلف منّ تكون البقيّة بينهما تثليثا. ولو كان المالان قيميّين كالثياب والحيوان فلابدّ من المصالحة أو تعيين التالف بالقرعة.
    مسألة 21 - يجوز إحداث الروشن - المسمّى في العرف الحاضر بالشناشيل - على الطرق النافذة والشوارع العامّة إذا كانت عاليةً بحيث لم تضرّ بالمارّة، وليس لأحد منعه حتّى صاحب الدار المقابل وإن استوعب عرض الطريق بحيث كان مانعا عن إحداث روشنٍ في مقابله مالم يضع منه شيئا على جداره. نعم، إذإ؛ي ظظ استلزم الإشراف على دار الجار ففي جوازه تردّد وإشكال وإن جوّزنا مثل ذلك في تعلية البناء على ملكه، فلا يترك الاحتياط.
    مسألة 22 - لو بنى روشنا على الجادّة ثمّ انهدم أو هدمه: فإن لم يكن من قصده تجديد بنائه لامانع من أن يبني الطرف المقابل ما يشغل ذلك الفضاء ولم يحتج إلى الاستيذان من الباني الأوّل، وإلّا ففيه إشكال، بل عدم الجواز لايخلو من قوّة إذا هدمه ليبنيه جديدا.
    مسألة 23 - لو أحدث شخص روشنا على الجادّة فهل للطرف المقابل إحداث روشنٍ آخر فوقه أو تحته بدون إذنه؟ فيه إشكال خصوصا في الأوّل، بل عدم الجواز فيه لا يخلو من قوّة. نعم، لو كان الثاني أعلى بكثير بحيث لم يشغل الفضاء الّذي يحتاج إليه صاحب الأوّل بحسب العادة-من جهةالتشميس ونحوه-لابأس به.
    مسألة 24 - كما يجوز إحداث الرواشن على الجادّة يجوز فتح الأبواب المستجدّة فيها، سواء كان له باب آخر أم لا، وكذا فتح الشبّاك والروازن عليها ونصب الميزاب فيها، وكذا بناء ساباط عليها إن لم يكن معتمدا على حائط غيره مع عدم إذنه ولم يكن مضرّا بالمارّة ولو من جهة الظلمة. ولو فرض أنّه كما يضرّهم من جهة ينفعهم من جهة أو جهات اُخر - كالوقاية عن الحرّ والبرد والتحفّظ عن الطين وغير ذلك - فالظاهر وجوب الرجوع إلى حاكم الشرع فيتّبع نظره. وفي جواز إحداث البالوعة للأمطار فيها حتّى مع التحفّظ عن كونها مضرّة بالمارّة وكذا نقب السرداب تحت الجادّة حتّى مع إحكام أساسه وبنيانه وسقفه - بحيث يؤمن من الثقب والخسف والانهدام - إشكال وإن كان جوازه لايخلو من قرب.
    مسألة 25 - لايجوز لأحد إحداث شي ء - من روشن أو جناح أو بناء ساباط أو نصب ميزاب أو فتح باب أو نقب سرداب وغير ذلك - على الطرق غير النافذة إلّا باذن أربابها، سواء كان مضرّا أم لا. وكذا لايجوز لأحد من الأرباب إلّا بإذن شركائه فيها. ولو صالح غيرهم معهم أو بعضهم مع الباقين على إحداث شي ء من ذلك صحّ ولزم، سواء كان مع العوض أم لا. ويأتي إن شاء اللّه في كتاب إحياء الموات بعض ما يتعلّق بالطريق.
    مسألة 26 - لايجوز لأحد أن يبني بناءً على حائط جاره أو يضع جذوع سقفه عليه إلّا باذنه ورضاه. وإن التمس ذلك منه لم يجب عليه إجابته وإن استُحبّ له مؤكّدا. ولو بنى أو وضع الجذوع بإذنه ورضاه فإن كان ذلك بعنوان ملزم -كالشرط والصلح ونحوهما- لم يجز له الرجوع. وأمّا لو كان مجرّد الإذن والرخصة فجاز الرجوع قبل البناء والوضع والبناء على الجذع قطعا؛ وأمّا بعدذلك فلايترك الاحتياط بالتصالح والتراضي ولو بالإبقاء مع الاُجرة أو الهدم مع الأرش وإن كان الأقرب جواز الرجوع بلا أرش.
    مسألة 27 - لايجوز للشريك في الحائط التصرّف فيه ببناء أو تسقيف أو إدخال خشبة أو وتد أو غير ذلك إلّا بإذن شريكه أو إحراز رضاه ولو بشاهد الحال، كما هو كذلك في التصرّفات اليسيرة كالاستناد إليه ووضع يده أو طرح ثوب عليه أو غير ذلك، بل الظاهر أنّ مثل هذه الاُمور اليسيرة لايحتاج إلى إحراز الإذن والرضا كما جرت به السيرة. نعم، إذا صرّح بالمنع وأظهر الكراهة لم يجز.
    مسألة 28 - لو انهدم الجدار المشترك وأراد أحد الشريكين تعميره لم يجبر شريكه على المشاركة في عمارته. وهل له التعمير من ماله مجّانا بدون إذن شريكه؟ لا إشكال في أنّ له ذلك إذا كان الأساس مختصّا به وبناه بآلات مختصّة به؛ كما لا إشكال في عدم الجواز إن كان الأساس مختصّا بشريكه. وأمّا إذا كان مشتركا فإن كان قابلاً للقسمة ليس له التعمير بدون إذنه؛ نعم، له المطالبة بالقسمة فيبني على حصّته المفروزة. وإن لم يكن قابلاً لها ولم يوافقه الشريك في شي ء يرفع أمره إلى الحاكم ليخيّره بين عدّة اُمور: من بيع أو إجارة أو المشاركة معه في العمارة أو الرخصة في تعميره وبنائه من ماله مجّانا؛ وكذا الحال لو كانت الشركة في بئر أو نهر أو قناة أو ناعور ونحو ذلك، ففي جميع ذلك يرفع الأمر إلى الحاكم في ما لايمكن القسمة. ولو أنفق في تعميرها من ماله فنبع الماء أو زاد ليس له أن يمنع شريكه الغير المنفق من نصيبه من الماء.
    مسألة 29 - لو كانت جذوع دار أحد موضوعةً على حائط جاره ولم يعلم على أيّ وجه وضعت حكم في الظاهر بكونه عن حقّ حتّى يثبت خلافه، فليس للجار أن يطالبه برفعها عنه، بل ولا منعه من التجديد لو انهدم السقف. وكذا الحال لو وجد بناءٌ أو مجرى ماء أو نصب ميزاب في ملك غيره ولم يعلم سببه، فيحكم في أمثال ذلك بكونه عن حقّ، إلّا أن يثبت كونها عن عدوان أو بعنوان العارية الّتي يجوز فيها الرجوع.
    مسألة 30 - لو خرجت أغصان شجرة إلى فضاء ملك الجار - من غير استحقاق- له أن يطالب مالكها بعطف الأغصان أو قطعها من حدّ ملكه، وإن امتنع صاحبها يجوز له عطفها أو قطعها، ومع إمكان الأوّل لايجوز الثاني.

  • كتاب الاجارة

     

    كتاب الإجارة

    وهي إمّا متعلّقة بأعيان مملوكة: من حيوان أو دار أو عقار أو متاع أو ثياب ونحوها، فتفيد تمليك منفعتها بالعوض، أو متعلّقة بالنفس كإجارة الحرّ نفسه لعمل، فتفيد غالبا تمليك عمله للغير باُجرة مقرّرة، وقد تفيد تمليك منفعته دون عمله كإجارة المرضعة نفسه للرضاع، لا الإرضاع.
    مسألة 1 - عقد الإجارة هو اللفظ المشتمل على الإيجاب - الدالّ بالظهور العرفيّ على إيقاع إضافة خاصّة مستتبعة لتمليك المنفعة أو العمل بعوض - والقبول الدّال على الرضا به وتملّكهما بالعوض. والعبارة الصريحة في الإيجاب:«آجرتك أو أكريتك هذه الدار - مثلاً - بكذا». وتصحّ بمثل «ملّكتك منفعة الدار» مريدا به الإجارة، لكنّه ليس من العبارة الصريحة في إفادتها. ولا يعتبر فيه العربيّة، بل يكفي كلّ لفظ أفاد المعنى المقصود بأيّ لغة كان. ويقوم مقام اللفظ الإشارة المفهمة من الأخرس ونحوه كعقد البيع. والظاهر جريان المعاطاة في القسم الأوّل منها -وهو ما تعلّقت بأعيان مملوكة - وتتحقّق بتسليط الغير على العين ذات المنفعة قاصدا تحقّق معنى الإجارة - أي الإضافة الخاصّة - وتسلّم الغير لها بهذا العنوان. ولايبعد تحقّقها في القسم الثاني أيضا بجعل نفسه تحت اختيار الطرف بهذا العنوان أو بالشروع في العمل كذلك.
    مسألة 2 - يشترط في صحّةالإجارة اُمور بعضها في المتعاقدين أعني المؤجر والمستأجر، وبعضها في العين المستأجرة،وبعضها في المنفعة، وبعضها في الاُجرة.
    أمّا المتعاقدان فيعتبر فيهما ما اعتبر في المتبايعين: من البلوغ، والعقل، والقصد، والاختيار، وعدم الحجر لفلس أو سفه ونحوهما.
    وأمّا العين المستأجرة فيعتبر فيها اُمور:
    منها: التعيين؛ فلو آجر إحدى الدارين أو إحدى الدابّتين لم تصحّ.
    ومنها: المعلوميّة؛ فإن كانت عينا خارجيّةً فإمّا بالمشاهدة وإمّا بذكر الأوصاف الّتي تختلف بها الرغبات في إجارتها؛ وكذا لو كانت غائبةً أو كانت كلّيّةً.
    ومنها: كونها مقدورا على تسليمها؛ فلا تصحّ إجارة الدابّة الشاردة ونحوها.
    ومنها: كونها ممّا يمكن الانتفاع بها مع بقاء عينها؛ فلا تصحّ إجارة ما لا يمكن الانتفاع بها، كما إذا آجر أرضا للزراعة مع عدم إمكان إيصال الماء إليها، ولا ينفعها ولا يكفيها ماء المطر ونحوه؛ وكذا ما لايمكن الانتفاع بها إلّا بإذهاب عينها، كالخبز للأكل، والشمع أو الحطب للإشعال.
    ومنها: كونها مملوكةً أو مستأجرةً؛ فلا تصح إجارةمال الغيرإلّا باذنه أوإجازته.
    ومنها: جواز الانتفاع بها؛ فلا تصحّ إجارة الحائض لكنس المسجد مباشرةً.
    وأمّا المنفعة فيعتبر فيها اُمور:
    منها: كونها مباحةً؛ فلا تصحّ إجارة الدكّان لإحراز المسكرات أو بيعها، ولا الدابّة والسفينة لحملها، ولا الجارية المغنّية للتغنّي، ونحو ذلك.
    ومنها: كونها متموّلةً يبذل بإزائها المال عند العقلاء.
    ومنها: تعيين نوعها إن كانت للعين منافع متعدّدة؛ فلو استأجر الدابّة يعيّن أنّها للحمل أو الركوب أو لإدارة الرحى وغيرها. نعم، تصحّ إجارتها لجميع منافعها، فيملك المستأجر جميعها.
    ومنها: معلوميّتها إمّا بتقديرها بالزمان المعلوم، كسكنى الدار شهرا أو الخياطة أو التعمير والبناء يوما؛ وإمّا بتقدير العمل، كخياطة الثوب المعيّن خياطةً كذائيّةً فارسيّةً أو روميّةً، من غير تعرّض للزمان إن لم يكن دخيلاً في الرغبات، وإلّا فلابدّ من تعيين منتهاه.
    وأمّا الاُجرة فتعتبر معلوميّتها، وتعيين مقدارها بالكيل أو الوزن أو العدّ في المكيل والموزون والمعدود، وبالمشاهدة أو التوصيف في غيرها. ويجوز أن تكون عينا خارجيّةً، أو كلّيّا في الذمّة، أو عملا، أو منفعةً، أو حقّا قابلا للنقل، مثل الثمن في البيع.
    مسألة 3 - لو استأجر دابّةً للحمل لابدّ من تعيين جنس ما يحمل عليها، لاختلاف الاغراض باختلافه، وكذا مقداره ولو بالمشاهدة والتخمين. ولو استأجرها للسفر لابدّ من تعيين الطريق وزمان السير من ليل أو نهار ونحو ذلك، بل لابدّ من مشاهدة الراكب أو توصيفه بما يرفع به الجهالة والغرر.
    مسألة 4 - ما كانت معلوميّة المنفعة بحسب الزمان لابدّ من تعيينه يوما أو شهرا أو سنةً أو نحو ذلك؛ فلا تصحّ تقديره بأمر مجهول.
    مسألة 5 - لو قال: «كلّما سكنت هذه الدار فكلّ شهر بدينار مثلاً» بطل إن كان المقصود الإجارة، وصحّ ظاهرا لو كان المقصود الإباحة بالعوض. والفرق أنّ المستأجر مالك للمنفعة في الإجارة دون المباح له، فإنّه غير مالك لها، ويملك المالك عليه العوض على تقدير الاستيفاء. ولو قال: «إن خطت هذا الثوب فارسيّا فلك درهم، وإن خطته روميّا فلك درهمان» بطل إجارةً وصحّ جعالةً.
    مسألة 6 - لو استأجر دابّة من شخص لتحمله أو تحمل متاعه إلى مكان في وقت معيّن كأن استأجر دابّةً لإيصاله إلى كربلاء يوم عرفة ولم توصله: فإن كان ذلك لعدم سعة الوقت أو عدم إمكان الإيصال من جهة اُخرى فالإجارة باطلة، ولو كان الزمان واسعا ولم توصله لم يستحقّ من الاُجرة شيئا، سواء كان بتقصير منه أم لا كما لو ضلّ الطريق. ولو استأجرها على أن توصله إلى مكان معيّن لكن شرط عليه أن توصله في وقت كذا فتعذّر أو تخلّف فالإجارة صحيحة بالاُجرة المعيّنة، لكن للمستأجر خيار الفسخ من جهة تخلّف الشرط، فإن فسخ ترجع الاُجرة المسمّاة إلى المستأجر ويستحقّ المؤجر اُجرة المثل.
    مسألة 7 - لو كان وقت زيارة عرفة واستأجر دابّةً للزيارة فلم يصل وفاتت منه صحّت الإجارة، ويستحقّ المؤجر تمام الاُجرة بلا خيار، ما لم يشترط عليه في عقد الإجارة إيصاله يوم عرفة ولم يكن انصراف موجب للتقييد.
    مسألة 8 - لا يشترط اتّصال مدّة الإجارة بالعقد؛ فلو آجر داره في شهر مستقبل معيّن صحّ، سواء كانت مستأجرةً في سابقه أم لا. ولو أطلق تنصرف إلى الاتّصال بالعقد لو لم تكن مستأجرةً؛ فلو قال: «آجرتك داري شهرا» اقتضى الإطلاق اتّصاله بزمان العقد. ولو آجرها شهرا وفهم الإطلاق - أعني الكلّيّ الصادق على المتّصل والمنفصل - فالأقوى البطلان.
    مسألة 9 - عقد الإجارة لازم من الطرفين، لاينفسخ إلّا بالتقايل أو بالفسخ مع الخيار. والظاهر أنّه يجري فيه جميع الخيارات إلّا خيار المجلس وخيار الحيوان وخيار التأخير، فيجري فيها خيار الشرط وتخلّف الشرط والعيب والغبن والرؤية وغيرها. والإجارة المعاطاتيّة كالبيع المعاطاتيّ لازمة على الأقوى. وينبغي فيها الاحتياط المذكور هناك.
    مسألة 10 - لاتبطل الإجارة بالبيع، فتنتقل العين إلى المشتري مسلوبة المنفعة في مدّتها. نعم، للمشتري مع جهله بها خيار الفسخ، بل له الخيار لو علم بها وتخيّل أنّ مدّتها قصيرة فتبيّن أنّها طويلة. ولو فسخ المستأجر الإجارة أو انفسخت رجعت المنفعة في بقيّة المدّة إلى المؤجر لا المشتري. وكما لاتبطل الإجارة ببيع العين المستأجرة على غير المستأجر لاتبطل ببيعها عليه؛ فلو استأجر دارا ثمّ اشتراها بقيت الإجارة على حالها، ويكون ملكه للمنفعة في بقيّة المدّة بسبب الإجارة لاتبعيّة العين؛ فلو انفسخت الإجارة رجعت المنفعة في بقيّة المدّة إلى البائع؛ ولو فسخ البيع بأحد أسبابه بقي ملك المشتري المستأجر للمنفعة على حاله.
    مسألة 11 - الظاهرأنّه لاتبطل إجارةالأعيان بموت المؤجرولابموت المستأجر، إلّا إذا كانت ملكيّة المؤجر للمنفعة محدودةً بزمان حياته فتبطل بموته، كما إذا كانت منفعة دار موصىً بها لشخص مدّة حياته فآجرها سنتين ومات بعد سنة. نعم، لو كانت المنفعة في بقيّة المدّة لورثة الموصي أو غيرهم فلهم أن يجيزوها في بقيّة المدّة. ومن ذلك ما إذا آجر العين الموقوفة البطن السابق ومات قبل انقضاء المدّة، فتبطل إلّا أن يجيز البطن اللاحق. نعم، لو آجرها المتولّي للوقف -لمصلحة الوقف والبطون اللاحقة- مدّة تزيد على مدّة بقاء بعض البطون تكون نافذةً على البطون اللاحقة، ولا تبطل بموت المؤجر ولا بموت البطن الموجود حال الإجارة.
    هذا كلّه في إجارة الأعيان.
    وأمّا إجارة النفس لبعض الأعمال فتبطل بموت الأجير. نعم، لو تقبّل عملا وجعله في ذمّته لم تبطل بموته، بل يكون دينا عليه يستوفى من تركته.
    مسألة 12 - لو آجر الوليّ الصبيّ المولّى عليه أو ملكه مدّةً مع مراعاة المصلحة والغبطة فبلغ الرشد قبل انقضائها فله نقض الإجارة وفسخها بالنسبة إلى ما بقي من المدّة، إلّا أن تقتضي المصلحة اللازمة المراعاة في ما قبل الرشد الإجارة مدّةً زائدةً على زمان تحقّقه بحيث تكون بأقلّ منها خلاف مصلحته، فحينئذٍ ليس له فسخها بعد البلوغ والرشد.
    مسألة 13 - لو وجد المستأجر بالعين المستأجرة عيبا سابقا كان له فسخ الإجارة إن كان ذلك العيب موجبا لنقص المنفعة كالعرج في الدابّة، أو الاُجرة كما إذا كانت مقطوعة الاُذن والذنب. هذا إذا كان متعلّق الإجارة عينا شخصيّة. ولو كان كلّيّا وكان الفرد المقبوض معيبا فليس له فسخ العقد، بل له مطالبة البدل، إلّا إذا تعذّر فله الفسخ. هذا في العين المستأجرة. وأمّا الاُجرة فإن كانت عينا شخصيّة ووجد المؤجر بها عيبا كان له الفسخ، فهل له مطالبة الأرش؟ فيه إشكال؛ ولو كانت كلّيّةً فله مطالبة البدل، وليس له فسخ العقد إلّا إذا تعذّر البدل.
    مسألة 14 - لو ظهر الغبن للمؤجر أو المستأجر فله خيار الغبن إلّا إذا شرط سقوطه.
    مسألة 15 - يملك المستأجر المنفعة في إجارة الأعيان، والعمل في إجارة النفس على الأعمال، وكذا المؤجر والأجير الاُجرة بمجرّد العقد، لكن ليس لكلّ منهما مطالبة ماملكه إلّا بتسليم ما ملّكَه، فعلى كلّ منهما وإن وجب التسليم لكن لكلّ منهما الامتناع عنه إذا رأى من الآخر الامتناع عنه.
    مسألة 16 - لو تعلّقت الإجارة بالعين فتسليم منفعتها بتسليم العين. وأمّا تسليم العمل في ما إذا تعلّقت بالنفس فبإتمامه إذا كان مثل الصلاة والصوم والحجّ وحفر بئر في دار المستأجر وأمثال ذلك ممّا لم يكن متعلّقا بماله الّذي بيد المؤجر، فقبل إتمام العمل لايستحقّ الأجير مطالبة الاُجرة وبعده لايجوز للمستأجر المماطلة. نعم، لو كان شرط منهما على تأدية الاُجرة كلّاً أو بعضا قبل العمل صريحا أو ضمنيّا - كما إذا كانت عادة تقتضي التزام المستأجر بذلك - كان هو المتّبع. وأمّا إذا كان متعلّقا بمال من المستأجر بيد المؤجر كالثوب يخيطه والخاتم يصوغه وأمثال ذلك ففي كون تسليمه بإتمام العمل كالأوّل أو بتسليم مورد العمل - كالثوب والخاتم - وجهان بل قولان، أقواهما الأوّل؛ فعلى هذا لو تلف الثوب - مثلا - بعد تمام العمل على نحو لاضمان عليه لا شي ء عليه، ويستحقّ مطالبة الاُجرة. نعم، لو تلف مضمونا عليه ضمنه بوصف المخيطيّة - لابقيمته قبلها - على أيّ حال حتّى على الوجه الثاني، لكون الوصف مملوكا له تبعا للعين؛ وبعد الخروج عن عهدة الموصوف مع وصفه تكون له المطالبة بالاُجرة المسمّاة، لتسليم العمل ببدله.
    مسألة 17 - لو بذل المستأجر الاُجرة أو كان له حقّ أن يؤخّرها بموجب الشرط وامتنع المؤجر من تسليم العين المستأجرة يجبر عليه؛ وإن لم يمكن إجباره فللمستأجر فسخ الإجارة والرجوع إلى الاُجرة، وله إبقاء الإجارة ومطالبة عوض المنفعة الفائتة من الموجر. وكذا إن أخذها منه بعد التسليم بلا فصل أو في أثناء المدّة، لكن في الثاني لو فسخها تنفسخ بالنسبة إلى ما بقي من المدّة فيرجع إلى ما يقابله من الاُجرة.
    مسألة 18 - لو آجر دابّةً من زيد فشردت بطلت الإجارة، سواء كان قبل التسليم أو بعده في أثناء المدّة، إن لم يكن بتقصير من المستأجر في حفظها.
    مسألة 19 - لو تسلّم المستأجر العين المستأجرة ولم يستوف المنفعة حتّى انقضت مدّة الإجارة - كما إذا استأجر دارا مدّةً وتسلّمها ولم يسكنها حتّى مضت المدّة - فإن كان ذلك باختيار منه استقرّت عليه الاُجرة. وفي حكمه ما لو بذل المؤجر العين المستأجرة فامتنع المستأجر عن تسلّمها واستيفاء المنفعة منها حتّى انقضت. وهكذا الحال في الإجارة على الأعمال، فإنّه إذا سلّم الأجير نفسه وبذلها للعمل وامتنع المستأجر عن تسلّمه - كما إذا استأجر شخصا يخيط له ثوبا معيّنا في وقت معيّن وامتنع من دفعه إليه حتّى مضى الوقت - فقد استحقّ عليه الاُجرة، سواء اشتغل الأجير - في ذلك الوقت مع امتناعه - بشغل آخر لنفسه أو غيره أو بقي فارغا. وإن كان ذلك لعذر بطلت الإجارة، ولم يستحقّ المؤجر شيئا من الاُجرة إن كان ذلك عذرا عامّا لم تكن العين معه قابلةً لأن تُستوفى منها المنفعة، كما إذا استأجر دابّةً للركوب إلى مكان فنزل ثلج مانع عن الاستطراق أو انسدّ الطريق بسبب آخر، أو دارا للسكنى فصارت غير مسكونة، لصيرورتها معركةً أو مسبعةً ونحو ذلك. ولو عرض مثل هذه العوارض في أثناء المدّة بعد استيفاء المستأجر مقدارا من المنفعة بطلت الإجارة بالنسبة. وإن كان عذرا يختصّ به المستأجر كما إذا مرض ولم يتمكّن من ركوب الدابّة المستأجرة ففي كونه موجبا للبطلان وعدمه وجهان، لا يخلو ثانيهما من رجحان. هذا إذا اشترط المباشرة بحيث لم يمكن له استيفاء المنفعة ولو بالإجارة، وإلّا لم تبطل قطعا.
    مسألة 20 - إذا غصب العين المستأجرة غاصب ومنع المستأجر عن استيفاء المنفعة: فإن كان قبل القبض تخيّر بين الفسخ والرجوع بالاُجرةالمسمّاة على المؤجر لو أدّاها وبين الرجوع إلى الغاصب باُجرة المثل، وإن كان بعد القبض تعيّن الثاني.
    مسألة 21 - لو تلفت العين المستأجرة قبل قبض المستأجر بطلت الإجارة، وكذا بعده بلا فصل معتدّ به أو قبل مجي زمان الإجارة. ولو تلفت في أثناء المدّة بطلت بالنسبة إلى بقيّتها، ويرجع من الاُجرة بما قابلها، إن نصفا فنصف أو ثلثا فثلث وهكذا. هذا إن تساوت اُجرة العين بحسب الزمان، وأمّا إذا تفاوتت تلاحظ النسبة، مثلا لو كانت اُجرة الدار في الشتاء ضعف اُجرتها في باقي الفصول وبقي من المدّة ثلاثة أشهر الشتاء يرجع بثلثي الاُجرة المسمّاة، ويقع في مقابل ما مضى من المدّة ثلثها. وهكذا الحال في كلّ مورد حصل الفسخ أو الانفساخ في أثناء المدّة بسبب من الأسباب. هذا إذا تلفت العين المستأجرة بتمامها. ولو تلف بعضها تبطل بنسبته من أوّل الأمر أو في الأثناء بنحو ما مرّ.
    مسألة22 - لو آجر دارا فانهدمت بطلت الإجارة إن خرجت عن الانتفاع الّذي هو مورد الإجارة بالمرّة، فإن كان قبل القبض أو بعده بلا فصل قبل أن يسكن فيها رجعت الاُجرة بتمامها، وإلّا فبالنسبة كما مرّ. وإن أمكن الانتفاع بها من سنخ مورد الإجارة بوجه يعتدّ به عرفا كان للمستأجر الخيار بين الإبقاء والفسخ، ولو فسخ كان حكم الاُجرة على حذو ما سبق. وإن انهدم بعض بيوتها: فإن بادر المؤجر إلى تعميرها بحيث لم يفت الانتفاع أصلا ليس فسخ ولا انفساخ على الأقوى، وإلّا بطلت الإجارة بالنسبة إلى ما انهدمت وبقيت بالنسبة إلى البقيّة بما يقابلها من الاُجرة، وكان للمستأجر خيار تبعّض الصفقة.
    مسألة 23 - كلّ موضع كانت الإجارة فاسدةً تثبت للموجر اُجرة المثل بمقدار ما استوفاه المستأجر من المنفعة أو تلفت تحت يده أو في ضمانه. وكذلك في إجارة النفس للعمل، فإنّ العامل يستحقّ اُجرة مثل عمله. والظاهر عدم الفرق في ذلك بين جهل المؤجر والمستأجر ببطلان الإجارة وعلمهما به. نعم، لو كان البطلان من ناحية الإجارة بلا اُجرة أو بما لايتموّل عرفا لايستحقّ شيئا، من غيرفرق بين العلم ببطلانها وعدمه. ولو اعتقد تموّل ما لا يتموّل عرفا فالظاهر استحقاقه اُجرةالمثل.
    مسألة 24 - تجوز إجارة المشاع، سواء كان للمؤجر الجزء المشاع من عين فآجره أو كان مالكا للكلّ وآجر جزءا مشاعا منه كنصفه أو ثلثه، لكن في الصورة الاُولى لايجوز للمؤجر تسليم العين للمستأجر إلّا بإذن شريكه. وكذا يجوز أن يستأجر إثنان - مثلا - دارا على نحو الاشتراك ويسكناها معا بالتراضي أو يقتسماها بحسب المساكن بالتعديل والقرعة، كتقسيم الشريكين الدار المشتركة، أو يقتسما منفعتها بالمهايأة، بأن يسكنها أحدهما ستّة أشهر - مثلا - ثمّ الآخر، كما إذا استأجرا معا دابّةً للركوب على التناوب، فإنّ تقسيم منفعتها الركوبيّة لايكون إلّا بالمهايأة، بأن يركبها أحدهما يوما والآخر يوما مثلا، أو يركبها أحدهما فرسخا والآخر فرسخا.
    مسألة 25 - لو استأجر عينا ولم يشترط عليه استيفاء منفعتها بالمباشرة يجوز أن يؤجرها بأقلّ ممّا استأجر وبالمساوي وبالأكثر. هذا في غير البيت والدار والدكان والأجير. وأمّا فيها فلا تجوز إجارتها بأكثر منه إلّا اذا أحدث فيها حدثا من تعمير أو تبييض أو نحو ذلك؛ ولا يبعد جوازها أيضا إن كانت الاُجرة من غير جنس الاُجرة السابقة. والأحوط إلحاق الخان والرحى والسفينة بها وإن كان عدمه لا يخلو من قوّة. ولو استأجر دارا - مثلا - بعشرة دراهم فسكن في نصفها وآجر الباقي بعشرة دراهم من دون إحداث حدث جاز، وليس من الإجارة بأكثر ممّا استأجر. وكذا لو سكنها في نصف المدّة وآجرها في باقيها بعشرة. نعم، لو آجرها في باقي المدّة أو آجر نصفها بأكثر من عشرة لايجوز.
    مسألة 26 - لو تقبّل عملا من غير اشتراط المباشرة ولا مع الانصراف إليها يجوز أن يستأجر غيره لذلك العمل بتلك الاُجرة وبالأكثر. وأمّا بالأقلّ فلا يجوز إلّا إذا أحدث حدثا أو أتى ببعض العمل ولو قليلا، كما إذا تقبّل خياطة ثوب بدرهم ففصّله أو خاط منه شيئا ولو قليلا فلا بأس باستيجار غيره على خياطته بالأقلّ ولو بعشر درهم أو ثمنه، لكن في جواز دفع متعلّق العمل وكذا العين المستأجرة إليه بدون الإذن إشكال وإن لا يخلو من وجه.
    مسألة 27 - الأجير إذا آجر نفسه على وجه يكون جميع منافعه للمستأجر في مدّة معيّنة لايجوز له في تلك المدّة العمل لنفسه أو لغيره، لا تبرّعا ولا بالجعالة أو الإجارة. نعم، لابأس ببعض الأعمال الّتي انصرفت عنها الإجارة ولم تشملها ولم تكن منافيةً لما شملته. كما أنّه لو كان مورد الإجارة أو منصرفها الاشتغال بالنهار فلا مانع من الاشتغال ببعض الأعمال في الليل له أو لغيره، إلّا إذا أدّى إلى ما ينافي الاشتغال بالنهار ولو قليلا. فإذا عمل في تلك المدّة عملا ممّا ليس خارجا عن مورد الإجارة: فإن كان العمل لنفسه تخيّر المستأجر بين فسخ الإجارة واسترجاع تمام الاُجرة إذا لم يعمل له شيئا أو بعضها إذا عمل شيئا وبين أن يُبقيها ويطالبه اُجرة مثل العمل الّذي عمله لنفسه؛ وكذا لو عمل للغير تبرّعا؛ ولو عمل للغير بعنوان الجعالة أو الإجارة فله - مضافا إلى ذلك - إمضاء الجعالة أو الإجارة وأخذ الاُجرة المسمّاة.
    مسألة 28 - لو آجر نفسه لعمل مخصوص بالمباشرة في وقت معيّن لا مانع من أن يعمل لنفسه أو غيره في ذلك الوقت ما لا ينافيه، كما إذا آجر نفسه يوما للخياطة أو الكتابة ثمّ آجر نفسه في ذلك اليوم للصوم عن الغير إذا لم يؤدّ إلى ضعفه في العمل. وليس له أن يعمل في ذلك الوقت من نوع ذلك العمل ومن غيره ممّا ينافيه لنفسه ولا لغيره؛ فلو فعل: فإن كان من نوع ذلك العمل كما إذا آجر نفسه للخياطة في يوم فاشتغل فيه بالخياطة لنفسه أولغيره تبرّعا أو بالإجارة كان حكمه حكم الصورة السابقة: من تخيير المستأجر بين أمرين لو عمل لنفسه أو لغيره تبرّعا وبين اُمور ثلاثة لو عمل بالجعالة أو الإجارة، وإن كان من غير نوع ذلك العمل كما إذا آجر نفسه للخياطة فاشتغل بالكتابة فللمستأجر التخيير بين أمرين مطلقا: من فسخ الإجارة واسترجاع الاُجرة ومن مطالبة عوض المنفعة الفائتة.
    مسألة 29 - لو آجر نفسه لعمل من غير اعتبار المباشرة ولو في وقت معيّن أو من غير تعيين الوقت ولو مع اعتبار المباشرة جاز له أن يؤجر نفسه للغير على نوع ذلك العمل أو ما يضادّه قبل الإتيان بالعمل المستأجر عليه.
    مسألة 30 - لو أستاجر دابّةً للحمل إلى بلد في وقت معيّن فركبها في ذلك الوقت إليه عمدا أو اشتباها لزمته الاُجرة المسمّاة، حيث إنّه قد استقرّت عليه بتسليم الدابّة وإن لم يستوف المنفعة. وهل تلزمه اُجرة مثل المنفعة الّتي استوفاها أيضا فتكون عليه اُجرتان أو لم يلزمه إلّا التفاوت بين اُجرة المنفعة الّتي استوفاها واُجرة المنفعة المستأجر عليها لو كان - فإذا استأجرها للحمل بخمسة فركبها وكان اُجرة الركوب عشرة لزمته العشرة - ولو لم يكن تفاوت بينهما لم تلزم عليه إلّا الاُجرة المسمّاة؟ وجهان، لا يخلو ثانيهما من رجحان، والأحوط التصالح.
    مسألة 31 - لو آجر نفسه لعمل فعمل للمستأجر غير ذلك العمل بغير أمر منه -كما إذا استؤجر للخياطة فكتب له- لم يستحقّ شيئا، سواء كان متعمّدا أم لا. وكذا لو آجر دابّته لحمل متاع زيد إلى مكان فحمل متاع عمرو لم يستحقّ الاُجرة على واحد منهما.
    مسألة 32 - يجوزاستيجارالمرأةللإرضاع،بل للرضاع أيضا، بأن يرتضع الطفل منها مدّةً معيّنةً وإن لم يكن منها فعلٌ. ولا يعتبر في صحّة إجارتها لذلك إذن الزوج ورضاه، بل ليس له المنع عنها إن لم يكن مانعا عن حقّ استمتاعه منها؛ ومع كونه مانعا يعتبر إذنه أو إجازته في صحّتها. وكذا يجوز استيجار الشاة الحلوب للانتفاع بلبنها، والبئر للاستقاء منها، بل لاتبعد صحّة إجارة الأشجار للانتفاع بثمرها.
    مسألة 33 - لو استؤجر لعمل - من بناء وخياطة ثوب معيّن أو غير ذلك - لابقيد المباشرة فعمله شخص آخر تبرّعا عنه كان ذلك بمنزلة عمله فاستحقّ الاُجرة المسمّاة، وإن عمله تبرّعا عن المالك لم يستحقّ المستأجر شيئا، بل تبطل الإجارة لفوات محلّها، ولا يستحقّ العامل على المالك اُجرةً.
    مسألة 34 - لايجوز للإنسان أن يؤجر نفسه للإتيان بما وجب عليه عينا كالصلوات اليوميّة، ولا ما وجب عليه كفائيّا على الأحوط إذا كان وجوبه كذلك بعنوانه الخاصّ، كتغسيل الأموات وتكفينهم ودفنهم. وأمّا ما وجب من جهة حفظ النظام وحاجة الأنام - كالصناعات المحتاج إليها والطبابة ونحوها - فلابأس بالإجارة وأخذ الاُجرة عليها؛ كما أنّ إجارة النفس للنيابة عن الغير حيّا وميّتا في ما وجب عليه وشرّعت فيه النيابة لابأس به.
    مسألة 35 - يجوز الإجارة لحفظ المتاع عن الضياع وحراسة الدور والبساتين عن السرقة مدّة معيّنة. ويجوز اشتراط الضمان عليه لو حصل الضياع أو السرقة ولو من غير تقصير منه، بأن يلتزم في ضمن عقد الإجارة بأنّه لو ضاع المتاع أو سرق من البستان أو الدار شي ء خسره؛ فتضمين الناطور - إذا ضاع - أمر مشروع لو التزم به على نحو مشروع.
    مسألة 36 - لو طلب من شخص أن يعمل له عملا فعمل استحقّ عليه اُجرة مثل عمله إن كان ممّا له اُجرة ولم يقصد العامل التبرّع بعمله، وإن قصد التبرّع لم يستحق اُجرةً وإن كان من قصد الآمر إعطاء الاُجرة.
    مسألة 37 - لو استأجر أحدا في مدّة معيّنة لحيازة المباحات - كما إذا استأجره شهرا للاحتطاب أو الاحتشاش أو الاستقاء - وقصد باستيجاره له ملكيّة ما يحوزه فكلّ ما يحوز الأجير في تلك المدّة يصير ملكا للمستأجر إذا قصد الأجير العمل له والوفاء بعقد الإجارة. وأمّا لو قصد ملكيّتها لنفسه تصير ملكا له ولم يستحقّ الاُجرة. ولو لم يقصد شيئا فالظاهر بقاؤها على إباحتها على إشكال. ولو استاجره للحيازة لا بقصد التملّك - كما إذا كان له غرض عقلائيّ لجمع الحطب والحشيش فاستأجره لذلك - لم يملك ما يحوزه ويجمعه الأجير مع قصد الوفاء بالإجارة، فلا مانع من تملّك الغير له.
    مسألة 38 - لاتجوز إجارة الأرض لزرع الحنطة والشعير بل ولا لما يحصل منها مطلقا بمقدار معيّن من حاصلها، بل وكذا بمقدار منها في الذمّة مع اشتراط أدائه ممّا يحصل منها. وأمّا إجارتها بالحنطة أو الشعير أو غيرهما من غير تقييد ولا اشتراط بكونها منها فالأقرب جوازها.
    مسألة 39- العين المستأجرة أمانة في يدالمستأجر في مدّةالإجارة، فلايضمن تلفها ولا تعيّبها إلّا بالتعدّي والتفريط. وكذا العين الّتي للمستأجر بيد من آجر نفسه لعمل فيها كالثوب للخياطة والذهب للصياغة، فإنّه لا يضمن تلفها ونقصها بدون التعدّي والتفريط. نعم، لو أفسدها بالصبغ أو القصارة أو الخياطة حتّى بتفصيل الثوب ونحو ذلك ضمن وإن كان بغير قصده، بل وإن كان اُستاذا ماهرا وقد أعمل كمال النظر والدقّة والاحتياط في شغله. وكذا كلّ من آجر نفسه لعمل في مال المستأجر إذا أفسده ضمنه. ومن ذلك ما لو استؤجر القصّاب لذبح الحيوان فذبحه على غير الوجه الشرعيّ بحيث صار حراما، فإنّه ضامن لقيمته، بل الظاهر كذلك لوذبحه تبرّعا.
    مسألة 40 - الختّان ضامن لو تجاوز الحدّ وإن كان حاذقا. وفي ضمانه إذا لم يتجاوزه - كما إذا أضرّ الختان بالولد فمات - إشكال أظهره العدم.
    مسألة 41 - الطبيب ضامن إذاباشربنفسه العلاج،بل لايبعد الضمان في التطبيب على النحو المتعارف وإن لم يباشر. نعم، إذا وصف الدواء الفلانيّ وقال: «إنّه نافع للمرض الفلانيّ» أو قال: «إنّ دواءك كذا» من دون أن يأمره بشربه فالأقوى عدم الضمان.
    مسألة 42 - لو عثر الحمّال فانكسر ما كان على ظهره أو رأسه - مثلا - ضمن؛ بخلاف الدابّة المستأجرة للحمل إذا عثرت فتلف أو تعيّب ما حملته، فإنّه لا ضمان على صاحبها إلّا إذا كان هو السبب، من جهة ضربها أو سوقها في مزلق ونحو ذلك.
    مسألة 43 - لو استأجر دابّةً للحمل لم يجز أن يحمّلها أزيد ممّا اشترط أو المقدار المتعارف لو أطلق، فلو حمّلها أزيد منه ضمن تلفها وعوارها. وكذلك إذا سار بها أزيد ممّا اشترط.
    مسألة 44 - لو استؤجر لحفظ متاع فسرق لم يضمن إلّا مع التقصير أو اشتراط الضمان.
    مسألة 45 - صاحب الحمّام لا يضمن الثياب وغيرها إن سرقت، إلّا إذا اُودعت عنده وفرّط أو تعدّى.
    مسألة 46 - لو استأجر أرضا للزراعة فحصلت آفة أفسدت الحاصل لم تبطل الإجارة، ولا يوجب ذلك نقصا في الاُجرة. نعم، لو شرط على المؤجر إبراءه من الاُجرة بمقدار ما نقص أو نصفا أو ثلثا منه - مثلاً - صحّ ولزم الوفاء به.
    مسألة 47 - تجوز إجارةُ الأرض للانتفاع بها بالزرع وغيره مدّةً معلومةً وجعلُ الاُجرة تعميرها: من كري الأنهار وتنقية الآبار وغرس الأشجار وتسوية الأرض وإزالة الأحجار ونحو ذلك، بشرط أن يعيّن تلك الأعمال على نحو يرتفع الغرر والجهالة، أو كان تعارفٌ مغنٍ عن التعيين.

  • كتاب الجعالة

     

    كتاب الجعالة

    وهي الالتزام بعوض معلوم على عمل محلّل مقصود، أو هي إنشاء الالتزام به، أو جعل عوض معلوم على عمل كذلك، والأمر سهل. ويقال للملتزم: الجاعل، ولمن يعمل ذلك العمل: العامل، وللعوض: الجعل والجَعيلة. وتفتقر إلى الإيجاب، وهو كلّ لفظ أفاد ذلك الالتزام. وهو إمّا عامّ كما إذا قال: «من ردّ دابّتي أو خاط ثوبي أو بنى حائطي - مثلا - فله كذا»، وإمّا خاصّ كما اذا قال لشخص: «إن رددت دابّتي - مثلا - فلك كذا». ولا تفتقر إلى قبول حتّى في الخاصّ.
    مسألة 1 - بين الإجارة على العمل والجعالة فروق، منها: أنّ المستأجر في الإجارة يملك العمل على الأجير وهو يملك الاُجرة على المستأجر بنفس العقد، بخلاف الجعالة، إذ ليس أثرها إلاّ استحقاق العامل الجعل المقرّر على الجاعل بعد العمل. ومنها: أنّ الإجارة من العقود وهي من الإيقاعات على الأقوى.
    مسألة ۲ - إنّما تصحّ الجعالة على كلّ عمل محلّل مقصود في نظر العقلاء كالإجارة، فلا تصحّ على المحرّم، ولا على ما يكون لغوا عند العقلاء وبذل المال بإزائه سفها، كالذهاب إلى الأمكنة المخوفة، والصعود على الجبال الشاهقة والأبنية المرتفعة، والوثبة من موضع إلى آخر، إذا لم تكن فيها أغراض عقلائيّة.
    مسألة ۳ - كما لا تصحّ الإجارة على الواجبات العينيّة بل والكفائيّة على الأحوط - على التفصيل الّذي مرّ في كتابها - لا تصحّ الجعالة عليها على حَذوها.
    مسألة 4 - يعتبر في الجاعل أهليّة الاستيجار: من البلوغ والعقل والرشدوالقصد والاختيار وعدم الحجر. وأمّا العامل فلا يعتبر فيه إلّا إمكان تحصيل العمل بحيث لم يكن مانع منه عقلا أو شرعا؛ فلو أوقع الجعالة على كنس المسجد فلايمكن حصوله شرعا من الجنب والحائض، فلوكنساه لم يستحقّا شيئا على ذلك. ولا يعتبر فيه نفوذ التصرّف، فيجوز أن يكون صبيّا مميّزا ولو بغير إذن الوليّ، بل ولو كان غير مميّز أو مجنون على الأظهر، فجميع هؤلاء يستحقّون الجعل المقرّر بعملهم.(1)
    مسألة 5 - يجوز أن يكون العمل مجهولا في الجعالة بما لايغتفر في الإجارة، فإذا قال: «من ردّ دابّتي فله كذا» صحّ وإن لم يعيّن المسافة ولا شخص الدابّة مع شدّة اختلاف الدوابّ في الظفر بها من حيث السهولة والصعوبة. وكذا يجوز إيقاعها على المردّد مع اتّحاد الجعل كما إذا قال: «من ردّ فرسي أو حماري فله كذا»، أو بالاختلاف كما لو قال: «من ردّ فرسي فله عشرة ومن ردّ حماري فله خمسة». نعم، لايجوز على المجهول والمبهم الصرف بحيث لايتمكّن العامل من تحصيله، كما لو قال: «من ردّ ما ضاع منّي فله كذا» أو «من ردّ حيوانا ضاع منّي فله كذا» ولم يعيّن ذلك بوجه. هذا كلّه في العمل. وأمّا العوض فلابدّ من تعيينه جنسا ونوعا ووصفا بل كيلا أو وزنا أو عدّا إن كان منها؛ فلو جعله ما في يده أو كيسه بطلت الجعالة. نعم، الظاهر أنّه يصحّ أن يجعل الجعل حصّةً معيّنةً ممّا يردّه ولو لم يشاهد ولم يوصف. وكذا يصحّ أن يجعل للدلّال مازاد على رأس المال، كما إذا قال: «بع هذا المال بكذا والزائد لك» كما مرّ في ما سبق.
    مسألة 6 - كلّ مورد بطلت الجعالة للجهالة استحقّ العامل اُجرة المثل. والظاهر أنّه من هذا القبيل ما هو المتعارف من جعل الحلاوة المطلقة لمن دلّه على ولد ضائع أو دابّة ضالّة.
    مسألة 7 - لايعتبر أن يكون الجعل ممّن له العمل، فيجوز أن يجعل شخص جعلا من ماله لمن خاط ثوب زيد أو ردّ دابّته.
    مسألة 8 - لو عيّن الجعل لشخص وأتى غيره بالعمل لم يستحقّ الجعل ذلك الشخص لعدم العمل، ولا ذلك الغير، لأنّه ما اُمر بإتيان العمل ولا جُعل لعمله جُعلٌ، فهو كالمتبرّع. نعم، لو جعل الجعالة على العمل لابقيد المباشرة بحيث لوحصّل ذلك الشخص العمل بالإجارة أو الاستنابة أو الجعالة شملته الجعالة وكان عمل ذلك الغير تبرّعا عن المجعول له ومساعدةً له استحقّ الجعل المقرّر.
    مسألة 9 - لو جعل الجعل على عمل وقد عمله شخص قبل إيقاع الجعالة أو بقصد التبرّع وعدم أخذ العوض يقع عمله بلا جعل واُجرة.
    مسألة 10 - يستحقّ العامل الجعل المقرّر مع عدم كونه متبرّعا ولو لم يكن عمله لأجل ذلك، فلا يعتبر اطّلاعه على التزام الجاعل به، بل لو عمله خطأً وغفلةً بل من غير تمييز - كالطفل غير المميّز والمجنون - فالظاهر استحقاقه له كما مرّ. نعم، لو تبيّن كذب المخبر كما إذا أخبر مخبر بأنّ فلانا قال: «من ردّ دابّتي فله كذا» فردّها اعتمادا على إخباره لم يستحقّ شيئا، لا على صاحب الدابّة ولا على المخبر الكاذب. نعم، لو أوجب قوله الاطمينان لايبعد ضمانه اُجرة مثل عمله، للغرور.
    مسألة 11 - لو قال: «من دلّني على مالي فله كذا» فدلّه من كان ماله في يده لم يستحقّ شيئا، لأنّه واجب عليه شرعا. ولو قال: «من ردّ مالي فله كذا» فإن كان المال ممّا في ردّه كلفة ومؤونة كالدابّة الشاردة استحقّ الجعل المقرّر إذا لم يكن في يده على وجه الغصب، وإن لم يكن كذلك كالدرهم والدينار لم يستحقّ شيئا.
    مسألة 12 - إنّما يستحقّ العامل الجعل بتسليم العمل؛ فلو جعل على ردّ الدابّة إلى مالكها فجاء بها في البلد فشردت لم يستحقّ شيئا. ولو كان الجعل على مجرّد إيصالها إلى البلد استحقّه. ولو كان على مجرّد الدلالة عليها استحقّ بها ولو لم يكن منه إيصال أصلا.
    مسألة 13 - لو قال: «من ردّ دابّتي - مثلاً - فله كذا» فردّها جماعة اشتركوا في الجعل بالسويّة إن تساووا في العمل، وإلّا فيوزّع عليهم بالنسبة.
    مسألة 14 - لو جعل جعلا لشخص على عمل - كبناء حائط وخياطة ثوب - فشاركه غيره في ذلك العمل يسقط عن جعله المعيّن ما يكون بإزاء عمل ذلك الغير، فإن لم يتفاوتا كان له نصف الجعل، وإلّا فبالنسبة، وأمّا الآخر فلا يستحقّ شيئا. نعم، لو لم يشترط على العامل المباشرة بل اُريد منه العمل مطلقا ولو بمباشرة غيره وكان اشتراك الغير معه بعنوان التبرّع عنه ومساعدته استحقّ المجعول له تمام الجعل.
    مسألة 15 - الجعالة قبل تماميّة العمل جائزة من الطرفين ولو بعد تلبّس العامل بالعمل وشروعه فيه، فله رفع اليد عن العمل. كما أنّ للجاعل فسخ الجعالة ونقض التزامه على كلّ حال؛ فإن كان ذلك قبل التلبّس لم يستحقّ المجعول له شيئا، ولو كان بعده فإن كان الرجوع من العامل لم يستحقّ شيئا، وإن كان من طرف الجاعل فعليه للعامل اُجرة مثل ما عمل. ويحتمل الفرق في الأوّل -وهو ما كان الرجوع من العامل- بين ما كان العمل مثل خياطة الثوب وبناء الحائط ونحوهما ممّا كان تلبّس العامل به بإيجاد بعض العمل وبين ما كان مثل ردّ الضالّة ممّا كان التلبّس به بإيجاد بعض مقدّماته الخارجيّة، فله من المسمّى بالنسبة إلى ماعمل في الأوّل، بخلاف الثاني فإنّه لم يستحقّ شيئا، لكن هذا لو لم يكن الجعل في مثل خياطة الثوب وبناء الحائط على إتمام العمل، وإلّا يكون الحكم كردّ الضالّة. ويحتمل الفرق في الصورتين إذا كان الفسخ من الجاعل، فيقال: إنّ للعامل من المسمّى بالنسبة في الاُولى، وله اُجرة المثل في الثانية؛ فإذا كان العمل مثل الخياطة والبناء فأوجد بعضه فرجع الجاعل فللعامل من المسمّى بالنسبة، وإذا كان مثل ردّ الضالّة وكذا إتمام الخياطة فله اُجرة المثل. والمسألة محلّ إشكال، فلاينبغي ترك الاحتياط بالتراضي والتصالح على أيّ حال.
    مسألة 16 - ما ذكرناه من أنّ للعامل الرجوع عن عمله على أيّ حال ولو بعد التلبّس والاشتغال إنّما هو في مورد لم يكن في عدم إنهاء العمل ضرر على الجاعل، وإلّا يجب عليه بعد الشروع في العمل إتمامه، مثلا لو وقعت الجعالة على قصّ عينه أو بعض العمليّات المتداولة بين الأطبّاء في هذه الأزمنة لايجوز له رفع اليد عن العمل بعد التلبّس به والشروع فيه، حيث إنّ الصلاح والعلاج مترتّب على تكميلها وفي عدمه فساد؛ ولو رفع اليد عنه لم يستحقّ في مثله شيئا بالنسبة إلى ما عمل، وذلك لأنّ الجعل في أمثاله إنّما هو على إتمام العمل؛ فلو فرض كونه على العمل - نحو خياطة الثوب - فالظاهر استحقاقه على ما عمل بالنسبة، وعليه غرامة الضرر الوارد.


    1- في جميع الطبعات: «أو مجنون»، والصحيح: «أو مجنوناً».

  • كتاب العارية

     

    کتاب العاریة

    وهی التسلیط علی العین للانتفاع بها علی جهة التبرّع، أو هی عقد ثمرته ذلک، أو ثمرته التبرّع بالمنفعة. وهی من العقود تحتاج إلی إیجاب بکلّ لفظ له ظهور عرفیّ فی هذا المعنی - کقوله: «أعرتک» أو «أذنت لک فی الانتفاع به» أو «انتفع به» أو «خذه لتنتفع به» ونحو ذلک - وقبول، وهو کلّ ما أفاد الرضا بذلک. ویجوز أن یکون بالفعل، بأن یأخذه - بعد إیجاب المعیر - بهذا العنوان؛ بل الظاهر وقوعها بالمعاطاة، کما إذا دفع إلیه قمیصا لیلبسه فأخذه لذلک، أو دفع إلیه إناءً أو بساطا لیستعمله فأخذه واستعمله.
    مسألة 1 - یعتبر فی المعیر أن یکون مالکا للمنفعة، وله أهلیّة التصرّف؛ فلاتصحّ إعارة الغاصب عینا أو منفعةً. وفی جریان الفضولیّة فیها - حتّی تصحّ بإجازة المالک - وجه قویّ. وکذا لا تصحّ إعارة الصبیّ والمجنون والمحجور علیه - لسفه أو فلس - إلّا مع إذن الولیّ أو الغرماء. وفی صحّة إعارة الصبیّ بإذن الولیّ احتمال لایخلو من قوّة.
    مسألة 2 - لا یشترط فی المعیر أن یکون مالکا للعین، بل تکفی ملکیّة المنفعة بالإجارة أو بکونها موصیً بها له بالوصیّة. نعم، إذا اشترط استیفاء المنفعة فی الإجارة بنفسه لیس له الإعارة.
    مسألة 3 - یعتبر فی المستعیر أن یکون أهلا للانتفاع بالعین؛ فلا تصحّ استعارة المصحف للکافر، واستعارة الصید للمحرم، لا من المحلّ ولا من المحرم. وکذا یعتبر فیه التعیین؛ فلو أعار شیئا: أحد هذین أو أحد هؤلاء لم تصحّ. ولا یشترط أن یکون واحدا؛ فیصحّ إعارة شی ء واحد لجماعة، کما إذا قال: «أعرت هذا الکتاب أو الإناء لهؤلاء العشرة»، فیستوفون المنفعة بینهم بالتناوب والقرعة، کالعین المستأجرة. ولا یجوز الإعارة لجماعة غیر محصورة علی الأقوی.
    مسألة 4 - یعتبر فی العین المستعارة کونها ممّا یمکن الانتفاع بها منفعةً محلّلةً مع بقاء عینها، کالعقارات والدوابّ والثیاب والکتب والأمتعة ونحوها، بل وفحل الضراب والهرّة والکلب للصید والحراسة وأشباه ذلک؛ فلا یجوز إعارة مالا منفعة محلّلة له کآلات اللهو؛ وکذا آنیة الذهب والفضّة، لاستعمالها فی المحرّم؛ وکذا مالاینتفع به إلّا بإتلافه، کالخبز والدهن والأشربة وأشباهها للأکل والشرب.
    مسألة 5 - جواز إعارة الشاة للانتفاع بلبنها والبئر للاستقاء منها لایخلو من وجه وقوّة.
    مسألة 6 - لایشترط تعیین العین المستعارة عند الإعارة، فلو قال: «أعرنی إحدی دوابّک» فقال: «خذ ما شئت منها» صحّت.
    مسألة 7 - العین الّتی تعلّقت بها العاریة إن انحصرت جهة الانتفاع بها فی منفعة خاصّة - کالبساط للافتراش، واللحاف للتغطیة، والخیمة للاکتنان، وأشباه ذلک- لایلزم التعرّض لجهة الانتفاع بها عند إعارتها، وإن تعدّدت - کالأرض ینتفع بها للزرع والغرس والبناء، والدابّة للحمل والرکوب، ونحو ذلک - فإن کانت الإعارة لأجل منفعة أو منافع خاصّة من منافعها یجب التعرّض لها، واختصّت حلّیّة الانتفاع بما استعیرت لها، وإن کانت لأجل الانتفاع المطلق جاز التعمیم والتصریح بالعموم، وجاز الإطلاق، بأن یقول: «أعرتک هذه الدابّة»، فیجوز الانتفاع بکلّ منفعة مباحة منها. نعم، ربما یکون لبعض الانتفاعات خفاء لایندرج فی الإطلاق، ففی مثله لابدّ من التنصیص به أو التعمیم علی وجه یعمّه، وذلک کالدفن، فإنّه وإن کان من أحد وجوه الانتفاع من الأرض لکنّه لایعمّه الإطلاق.
    مسألة 8 - العاریة جائزة من الطرفین؛ فللمعیر الرجوع متی شاء وللمستعیر الردّ کذلک. نعم، فی خصوص إعارة الأرض للدفن لم یجز بعد المواراة فیها الرجوع ونبش القبر علی الأحوط؛ وأمّا قبل ذلک فله الرجوع حتّی بعد وضع المیّت فی القبر قبل مواراته. ولیس علی المعیر اُجرة الحفر ومؤونته لو رجع بعده، کما أنّه لیس علی ولیّ المیّت طمّ الحفر بعد ما کان بإذن المعیر.
    مسألة 9 - تبطل العاریة بموت المعیر، بل بزوال سلطنته بجنون ونحوه.
    مسألة 10 - یجب علی المستعیر الاقتصار فی نوع المنفعة علی ما عیّنها المعیر؛ فلا یجوز له التعدیّ إلی غیرها ولو کان أدنی وأقلّ ضررا علی المعیر. وکذا یجب أن یقتصر فی کیفیّة الانتفاع علی ماجرت به العادة؛ فلوأعاره دابّة للحمل لا یحمّلها إلّا القدر المعتاد بالنسبة إلی ذلک الحیوان وذلک المحمول وذلک الزمان والمکان؛ فلو تعدّی نوعا أو کیفیّةً کان غاصبا وضامنا، وعلیه اُجرة ما استوفاه من المنفعة لو تعدّی نوعا، وأمّا لو تعدّی کیفیّةً فلا تبعد أن تکون علیه اُجرة الزیادة.
    مسألة 11 - لو أعاره أرضا للبناء أو الغرس جاز له الرجوع، وله إلزام المستعیر بالقلع، لکن علیه الأرش. وکذا فی عاریتها للزرع إذا رجع قبل إدراکه، ویحتمل عدم استحقاق المعیر إلزام المستعیر بقلع الزرع لو رضی بالبقاء بالاُجرة، ویحتمل جواز الإلزام بلا أرش. والمسألة بشقوقها مشکلة جدّا، فلا یترک الاحتیاط فی أشباهها بالتصالح والتراضی. ومثل ذلک ما إذا أعار جذوعه للتسقیف ثمّ رجع بعد ما أثبتها المستعیر فی البناء.
    مسألة 12 - العین المستعارة أمانة بید المستعیر، لایضمنها لو تلفت إلّا بالتعدّی أو التفریط. نعم، لو شرط الضمان ضمنها وإن لم یکن تعدّ وتفریط، کما أنّه لو کان العین ذهبا أو فضّةً ضمنها مطلقا إلّا أن یشترط السقوط.
    مسألة 13 - لاتجوز للمستعیر إعارة العین المستعارة ولا إجارتها إلّا بإذن المالک، فتکون إعارته حینئذٍ فی الحقیقة إعارة المالک وهو وکیل ونائب عنه؛ فلو خرج المستعیر عن قابلیّة الإعارة بعد ذلک - کما إذا جنّ - بقیت العاریة الثانیة علی حالها.
    مسألة 14 - لو تلفت العین بفعل المستعیر: فإن کان بسبب الاستعمال المأذون فیه من دون التعدّی عن المتعارف لیس علیه ضمان، وإن کان بسبب آخر ضمنها.
    مسألة 15 - إنّما یبرأ المستعیر عن عهدة العین المستعارة بردّها إلی مالکها أو وکیله أو ولیّه. ولو ردّها إلی حرزها الّذی کانت فیه بلا ید من المالک ولا إذن منه لم یبرأ، کما إذا ردّ الدابّة إلی الإصطبل وربطها فیه بلا إذن من المالک فتلفت أو أتلفها متلف.
    مسألة 16 - لو استعار عینا من الغاصب: فإن لم یعلم بغصبه کان قرار الضمان علی الغاصب، فإن تلفت فی ید المستعیر أو لا فی یده بعد وقوعها علیها فللمالک الرجوع بعوض ماله علی کلّ من الغاصب والمستعیر، فإن رجع علی المستعیر یرجع هو علی الغاصب، وإن رجع علی الغاصب لیس له الرجوع علی المستعیر؛ وکذلک بالنسبة إلی بدل ما استوفاه المستعیر من المنفعة وغیرها من المنافع الفائتة علی ضمانه، فإنّه لو رجع بها علی المستعیر یرجع هو علی الغاصب دون العکس؛ ولو کان عالما بالغصب لم یرجع علی الغاصب لو رجع المالک علیه، بل الأمر بالعکس، فیرجع الغاصب علیه لو رجع المالک علیه إذا تلفت فی ید المستعیر. ولا یجوز له أن یردّ العین إلی الغاصب بعد علمه بالغصبیّة، بل یجب ردّها إلی مالکها.

  • كتاب الوديعة
  •  

    كتاب الوديعة

    وهي عقد يفيد استنابةً في الحفظ، أو هي استنابة فيه. وبعبارة اُخرى: هي وضع المال عند الغير ليحفظه لمالكه.
    وتطلق كثيرا على المال الموضوع. ويقال لصاحب المال: المودع، ولذلك الغير: الودعيّ والمستودع. وتحتاج إلى الإيجاب - وهو كلّ لفظ دالّ على تلك الاستنابة، كأن يقول: «أودعتك هذا المال» أو «احفظه» أو «هو وديعة عندك» ونحو ذلك - والقبول الدالّ على الرضا بالنيابة في الحفظ. ولا يعتبر فيه العربيّة، بل يقع بكل لغة. ويجوز أن يكون الإيجاب باللفظ، والقبول بالفعل بأن تسلّم بعد الإيجاب لذلك، بل تصحّ بالمعاطاة بأن يسلّمه للحفظ وتسلّم لذلك.
    مسألة 1 - لو طرح ثوبا - مثلا - عند أحد وقال: «هذا وديعة عندك» فإن قبلها بالقول أو الفعل الدالّ عليه صار وديعةً. وفي تحقّقها بالسكوت الدالّ على الرضا إشكال. ولو لم يقبلها لم يصر وديعةً حتّى في ما إذا طرحه عنده بهذا القصد وذهب وتركه عنده،وليس عليه ضمان حينئذٍ وإن كان الأحوط القيام بحفظه مع الإمكان.
    مسألة 2 - إنّمايجوزقبول الوديعةلمن كان قادراعلى حفظها؛فمن كان عاجزا لم يجز له قبولها على الأحوط، إلّا إذا كان المودع أعجز منه في الحفظ مع عدم مستودع آخر قادر عليه، فإنّ الجواز في هذه الصورة غير بعيد، خصوصا مع التفات المودع.
    مسألة 3 - الوديعة جائزة من الطرفين، فللمالك استرداد ماله متى شاء، وللمستودع ردّه كذلك، وليس للمودع الامتناع من قبوله. ولو فسخها المستودع عند نفسه انفسخت وزالت الأمانة المالكيّة، وصار عنده أمانةً شرعيّةً، فيجب عليه ردّه إلى مالكه أو من يقوم مقامه، أو إعلامه بالفسخ؛ فلو أهمل لا لعذر شرعيّ أو عقليّ ضمن.
    مسألة 4 - يعتبر في كلّ من المستودع والمودع البلوغ والعقل؛ فلا يصحّ استيداع الصبيّ ولا المجنون وكذا إيداعهما، من غير فرق بين كون المال لهما أو لغيرهما من الكاملين؛ بل لايجوز وضع اليد على ما أودعاه، ولو أخذه منهما ضمنه، ولا يبرأ بردّه إليهما، وإنّما يبرأ بإيصاله إلى وليّهما. نعم، لابأس بأخذه إذا خيف هلاكه وتلفه في يدهما، فيؤخذ بعنوان الحسبة في الحفظ، ولكن لايصير بذلك وديعةً وأمانةً مالكيّة، بل تكون أمانةً شرعيّةً يجب عليه حفظها والمبادرة إلى إيصالها إلى وليّهما أو إعلامه بكونها عنده، وليس عليه ضمان لو تلفت في يده.
    مسألة 5 - لو أرسل شخص كامل مالا بواسطة الصبيّ أو المجنون إلى شخص ليكون وديعةً عنده وأخذه منه بهذا العنوان فالظاهر صيرورته وديعةً عنده، لكونهما بمنزلة الآلة للكامل.
    مسألة 6 - لو أودع عند الصبيّ والمجنون مالا لم يضمناه بالتلف، بل بالإتلاف أيضا إذا لم يكونا مميّزين، وإن كانا مميّزين صالحين للاستيمان لايبعد ضمانهما مع التلف مع تفريطهما في الحفظ، فضلا عن الإتلاف.
    مسألة 7 - يجب على المستودع حفظ الوديعة بما جرت العادة بحفظها به، ووضعها في الحرز الّذي يناسبها، كالصندوق المقفّل للثوب والدراهم والحليّ ونحوها، والإصطبل المضبوط بالغلق للدابّة، والمراح كذلك للشاة؛ وبالجملة: حفظها في محلّ لا يعدّ معه عند العرف مضيّعا ومفرطا وخائنا، حتّى في ما إذا علم المودع بعدم وجود حرز لها عند المستودع؛ فيجب عليه بعد القبول تحصيله مقدّمةً للحفظ الواجب عليه. وكذا يجب عليه القيام بجميع ما له دخل في صونها من التعيّب أو التلف، كالثوب ينشره في الصيف إذا كان من الصوف أو الإبريسم، والدابّة يعلفها ويسقيها ويقيها من الحرّ والبرد، فلو أهمل عن ذلك ضمنها.
    مسألة 8 - لو عيّن المودع موضعا خاصّاً لحفظ الوديعة وفهم منه القيديّة اقتصر عليه، ولا يجوز نقلها إلى غيره بعد وضعها فيه وإن كان أحفظ، فلو نقلها منه ضمنها. نعم، لو كانت في ذلك المحلّ في معرض التلف جاز نقلها إلى مكان آخر أحفظ، ولا ضمان عليه حتّى مع نهي المالك، بأن قال: «لاتنقلها وإن تلفت» وإن كان الأحوط حينئذٍ مراجعة الحاكم مع الإمكان.
    مسألة 9 - لو تلفت الوديعة في يد المستودع من دون تعدّ منه ولا تفريط لم يضمنها. وكذا لو أخذها منه ظالم قهرا، سواء انتزعها من يده أو أمره بدفعها له بنفسه فدفعها كرها. نعم، يقوى الضمان لو كان هو السبب لذلك ولو من جهة إخباره بها أو إظهارها في محلّ كان مظنّة الوصول إلى الظالم، فحينئذٍ لايبعد انقلاب يده إلى يد الضمان، سواء وصل إليها الظالم أم لا.
    مسألة 10 - لو تمكّن من دفع الظالم بالوسائل الموجبة لسلامة الوديعة وجب، حتّى أنّه لوتوقّف دفعه على إنكارهاكاذبابل الحلف عليه جاز بل وجب، فإن لم يفعل ضمن. وفي وجوب التورية عليه مع الإمكان إشكال، أحوطه ذلك، وأقواه العدم.
    مسألة 11 - إن كانت مدافعته عن الظالم مؤدّيةً إلى الضرر على بدنه: من جرح وغيره أو هتكٍ في عرضه أو خسارةٍ في ماله لا يجب تحمّله، بل لايجوز في غير الأخير، بل فيه أيضا ببعض مراتبه. نعم، لو كان ما يترتّب عليها يسيرا جدّا بحيث يتحمّله غالب الناس - كما إذا تكلّم معه بكلام خشن لايكون هاتكا له بالنظر إلى شرفه ورفعة قدره وإن تأذّى منه بالطبع - فالظاهر وجوب تحمّله.
    مسألة 12 - لو توقّف دفع الظالم عن الوديعة على بذل مال له أو لغيره فإن كان بدفع بعضها وجب؛ فلو أهمل وأخذ الظالم كلّها ضمن المقدار الزائد على ما يندفع به منها، لاتمامها، فلو كان يندفع بالنصف ضمن النصف أو بالثلث ضمن الثلثين وهكذا. وكذا الحال في ما إذا كان عنده من شخص وديعتان وكان الظالم يندفع بدفع إحداهما فأهمل حتّى أخذ كلتيهما، فإن كان يندفع بإحداهما المعيّنة ضمن الاُخرى، وإن كان بإحداهما لابعينها ضمن أكثرهما قيمة. ولو توقّف دفعه على المصانعة معه بدفع مال من المستودع لم يجب عليه الدفع تبرّعا ومجّانا؛ وأمّا مع قصد الرجوع به على المالك فإن أمكن الاستيذان منه أو ممّن يقوم مقامه -كالحاكم عند عدم الوصول إليه - لزم، فإن دفع بلا استيذان لم يستحقّ الرجوع به عليه، وإن لم يمكن الاستيذان وجب عليه على الأحوط أن يدفع، وله أن يرجع على المالك بعد ما كان قصده ذلك.
    مسألة 13 - لو كانت الوديعة دابّةً يجب عليه سقيها وعلفها ولو لم يأمره المالك بل ولو نهاه، أو ردّها إلى مالكها أو القائم مقامه. ولا يجب أن يكون السقي ونحوه بمباشرته، ولا أن يكون ذلك في محلّها، فيجوز التسبيب لذلك. وكذا يجوز إخراجها من منزله لذلك وإن أمكن حصوله في محلّها بعد جريان العادة بذلك. نعم، لو كان الطريق - مثلا - مخوفا لم يجز إخراجها. كما أنّه لايجوز أن يُولّي غيره لذلك إذا كان غير مأمون إلّا مع مصاحبته أو مصاحبة أمين معه. وبالجملة: لابدّ من مراعاة حفظها على المعتاد بحيث لايعدّ معها عرفا مفرّطا ومتعدّيا. هذا بالنسبة إلى أصل سقيها وعلفها. وأمّا بالنسبة إلى نفقتها فإن وضع المالك عنده عينها أو قيمتها أو أذن له في الإنفاق عليها من ماله على ذمّته فلا إشكال. وإلّا فالواجب أوّلا الاستيذان من المالك أو وكيله، فإن تعذّر رفع الأمر إلى الحاكم ليأمره بما يراه صلاحا ولو ببيع بعضها للنفقة؛ فإن تعذّر الحاكم أنفق هو من ماله وأشهد عليه على الأولى الأحوط، ويرجع على المالك مع نيّته.
    مسألة 14 - تبطل الوديعة بموت كلّ واحد من المودع والمستودع أو جنونه: فإن كان هو المودع تكون الوديعة في يد الودعيّ أمانةً شرعيّةً، فيجب عليه فورا ردّها إلى وارث المودع أو وليّه أو إعلامهما بها، فإن أهمل لا لعذر شرعيّ ضمن. نعم، لو كان ذلك لعدم العلم بكون من يدّعي الإرث وارثا أو انحصار الوارث في من علم كونه وارثا فأخّر الردّ والإعلام للتروّي والفحص لم يكن عليه ضمان على الأقوى؛ وإن كان الوارث متعدّدا سلّمها إلى الكلّ أو إلى من يقوم مقامهم؛ ولو سلّمها إلى بعض من غير إذن ضمن حصص الباقين. وإن كان هو المستودع تكون أمانةً شرعيّةً في يد وارثه أو وليّه على فرض كونها تحت يدهما، ويجب عليهما الردّ إلى المودع أو من يقوم مقامه أو إعلامه فورا.
    مسألة 15 - يجب ردّ الوديعة عند المطالبة في أوّل وقت الإمكان وإن كان المودع كافرا محترم المال، بل وإن كان حربيّا مباح المال على الأحوط. والّذي هو الواجب عليه رفع يده عنها والتخلية بينها وبين المالك، لانقلها إليه؛ فلو كانت في صندوق مقفّل أو بيت مغلق ففتحهما عليه فقال: «خذ وديعتك» فقد أدّى ما هو تكليفه وخرج من عهدته. كما أنّ الواجب عليه مع الإمكان الفوريّة العرفيّة، فلايجب عليه الركض ونحوه، والخروج من الحمّام - مثلا - فورا، وقطع الطعام والصلاة وإن كانت نافلةً ونحو ذلك. وهل يجوز له التأخير ليشهد عليه؟ قولان، أقواهما ذلك إذا كان الإشهاد غير موجب للتأخير الكثير، وإلّا فلايجوز، خصوصا لو كان الإيداع بلا إشهاد. هذا اذا لم يرخّص في التأخير وعدم الإسراع والتعجيل، وإلّا فلا إشكال في عدم وجوب المبادرة.
    مسألة 16 - لو أودع اللصّ ما سرقه عند شخص لايجوز له ردّه إليه مع الإمكان، بل يكون أمانةً شرعيّةً في يده، فيجب عليه إيصاله إلى صاحبه إن عرفه، وإلّا عرّف سنة، فإن لم يجد صاحبه فلا يترك الاحتياط بالتصدّق به عنه، فإن جاء بعد ذلك خيّره بين الأجر والغرم، فإن اختار أجر الصدقة كان له، وإن اختار الغرامة غرم له، وكان الأجر للغارم، وإن لايبعد جريان حكم اللقطة عليه.
    مسألة 17 - كما يجب ردّ الوديعة عند مطالبة المالك يجب ردّها إذا خاف عليها من تلف أو سرق أوحرق ونحوذلك؛ فإن أمكن إيصالها إلى المالك أو وكيله الخاصّ أو العامّ تعيّن، وإلّا فليوصلها إلى الحاكم لو كان قادرا على حفظها؛ ولو فقد الحاكم أو كانت عنده أيضا في معرض التلف أودعها عند ثقة أمين متمكّن من حفظها.
    مسألة 18 - إذا ظهرت للمستودع أمارة الموت بسبب المرض أو غيره يجب عليه ردّها إلى مالكها أو وكيله مع الإمكان، وإلّا فإلى الحاكم؛ ومع فقده يوصي ويشهد بها، فلو أهمل عن ذلك ضمن. وليكن الإيصاء والإشهاد بنحو يترتّب عليهما حفظها لصاحبها، فلابدّ من ذكر الجنس والوصف وتعيين المكان والمالك، فلا يكفي قوله: «عندي وديعة لشخص». نعم، يقوى عدم لزومهما رأسا في ما إذا كان الوارث مطّلعا عليها وكان ثقةً أمينا.
    مسألة 19 - يجوز للمستودع أن يسافر ويبقي الوديعة في حرزها السابق عند أهله وعياله لو لم يكن السفر ضروريّا إذا لم يتوقّف حفظها على حضوره، وإلّا فعليه إمّا ترك السفر وإمّا ردّها إلى مالكها أو وكيله، ومع التعذّر إلى الحاكم؛ ومع فقده فالظاهر تعيّن الإقامة وترك السفر. ولا يجوز أن يسافر بها على الأحوط ولو مع أمن الطريق ومساواة السفر للحضر في الحفظ؛ ولو قيل باختلاف الودائع فيجوز في بعضها السفر بها لكان حسنا، لكن لايترك الاحتياط مطلقا؛ والأقوى عدم جواز إيداعها عند الأمين. وأمّا لو كان السفر ضروريّا له: فإن تعذّر ردّها إلى المالك أو وكيله أو الحاكم تعيّن إيداعها عند الأمين، فإن تعذّر سافر بها محافظا لها بقدر الإمكان، وليس عليه ضمان. نعم، في مثل الأسفار الطويلة الكثيرة الخطر اللازم أن يعامل فيه معاملة من ظهر له أمارة الموت على ما سبق تفصيله.
    مسألة 20 - المستودَع أمين ليس عليه ضمان لو تلفت الوديعة أو تعيّبت بيده، إلّا عند التفريط والتعدّي، كما هو الحال في كلّ أمين. أمّا التفريط فهو الإهمال في محافظتها وترك ما يوجب حفظها على مجرى العادة بحيث يعدّ معه عند العرف مضيّعا ومسامحا، كما إذا طرحها في محلّ ليس بحرز وذهب عنها غير مراقب لها، أو ترك سقي الدابّة وعلفها أو نشر ثوب الصوف والإبريسم في الصيف، أو أودعها، أو ترك تحفّظها من النداوة في ما تفسدها النداوة كالكتب وبعض الأقمشة، أو سافر بها. نعم، في كون مطلق السفر والسفر بمطلقها من التفريط منعٌ. وأمّا التعدّي فهو أن يتصرّف فيها بما لم يأذن له المالك، مثل أن يلبس الثوب، أو يفرش الفراش، أو يركب الدابّة إذا لم يتوقّف حفظها على التصرّف، كما إذا توقّف حفظ الثوب والفراش من الدود على اللبس والافتراش، أو يصدر منه بالنسبة إليها ما ينافي الأمانة وتكون يده عليها على وجه الخيانة، كما إذا جحدها لالمصلحة الوديعة ولالعذر من نسيان ونحوه. وقد يجتمع التفريط مع التعدّي، كما إذا طرح الثوب والقماش والكتب ونحوها في موضع يفسدها. ولعلّ من ذلك ما إذا أودعه دراهم - مثلا - في كيس مختوم أو مخيط أو مشدود فكسر ختمه أو حلّ خيطه وشدّه من دون ضرورة ومصلحة. ومن التعدّي خلطها بماله، سواء كان بالجنس أو بغيره، وسواء كان بالمساوي أو بالأجود أو بالأردأ. ولو مزجها بالجنس من مال المودع كما إذا أودع عنده دراهم في كيسين غير مختومين و لامشدودين فجعلهما كيسا واحدا فالظاهر كونه تعدّيا مع احتمال تعلّق غرضه بانفصالهما، فضلا عن إحرازه.
    مسألة 21 - المراد بكونها مضمونة بالتفريط والتعدّي أنّ ضمانها عليه لو تلفت ولو لم يكن مستندا إلى تفريطه وتعدّيه. وبعبارة اُخرى: تنقلب يده الأمانيّة غير الضمانيّة إلى الخيانيّة الضمانيّة.
    مسألة 22 - لونوى التصرّف ولم يتصرّف فيها لم يضمن. نعم، لونوى الغصب -بأن قصد الاستيلاء عليها لنفسه والتغلّب على مالكها كسائر الغاصبين- ضمنها، وتصيريده يد عدوان، ولو رجع عن قصده لم يزل الضمان. ومثله ما إذا جحدها أو طلبت منه فامتنع من الردّ مع التمكّن عقلا وشرعا، فإنّه يضمنها بمجرّد ذلك، ولم يبرأ من الضمان لو عدل عن جحوده أو امتناعه.
    مسألة 23 - لو كانت الوديعة في كيس مختوم - مثلا - ففتحه وأخذ بعضها ضمن الجميع، بل المتّجه الضمان بمجرّد الفتح كما سبق. وأمّا لو لم تكن مودعةً في حرز أو كانت في حرز من المستودع فأخذ بعضها فإن كان من قصده الاقتصار عليه فالظاهر قصر الضمان عليه، وأمّا لو كان من قصده أخذ التمام شيئا فشيئا فلا يبعد أن يكون ضامنا للجميع. هذا إذا جعلها المستودع في حرزه. وأمّا لو أخذ المودع الحرز منه وجعلها فيه وختمه أو خاطه فأودعها فالوجه ضمان الجميع بمجرّد الفتح من دون مصلحة أو ضرورة.
    مسألة 24 - لو سلّمها إلى زوجته أو ولده أو خادمه ليحرزوها ضمن، إلّا أن يكونوا كالآلة لكون ذلك بمحضره وباطّلاعه وبمشاهدته.
    مسألة 25 - لو فرّط في الوديعة ثمّ رجع عن تفريطه بأن جعلها في الحرز المضبوط وقام بما يوجب حفظها أو تعدّى ثمّ رجع كما إذا لبس الثوب ثمّ نزعه لم يبرأ من الضمان. نعم، لو جدّد المالك معه عقد الوديعة بعد فسخ الأوّل ارتفع الضمان، فهو مثل ما إذا كان مال بيد الغاصب فجعله أمانة عنده، فإنّ الظاهر أنّه بذلك يرتفع الضمان من جهة تبدّل عنوان العدوان إلى الاستيمان. ولو أبرأه من الضمان ففي سقوطه قولان، أوجههما السقوط. نعم، لو تلفت في يده واشتغلت ذمّته بعوضها لا إشكال في صحّة الإبراء.
    مسألة 26 - لو أنكر الوديعة أو اعترف بها وادّعى التلف أو الردّ ولا بيّنة فالقول قوله بيمينه. وكذلك لو تسالما على التلف ولكن ادّعى عليه المودع التفريطأوالتعدّي.
    مسألة 27 - لو دفعها إلى غير المالك وادّعى الإذن منه فأنكر ولا بيّنة فالقول قول المالك. وأمّا لو صدّقه على الإذن لكن أنكر التسليم إلى من أذن له فهو كدعواه الردّ إلى المالك في أنّ القول قوله.
    مسألة 28 - لو أنكر الوديعة فلمّا أقام المالك البيّنة عليها صدّقها لكن ادّعى كونها تالفةً قبل أن ينكرها لاتسمع دعواه، فلا يُقبل منه اليمين ولا البيّنة على إشكال. وأمّا لو ادّعى تلفها بعد ذلك تسمع دعواه لكن يحتاج إلى البيّنة، ومع ذلك عليه الضمان لو كان إنكاره بغير عذر.
    مسألة 29 - لو أقرّ بالوديعة ثمّ مات: فإن عيّنها في عين شخصيّة معيّنة موجودة حال موته اُخرجت من التركة؛ وكذا لو عيّنها في ضمن مصاديق من جنس واحد موجودة حال الموت، كما إذا قال: «إحدى هذه الشياه وديعة عندي من فلان» فعلى الورثة إذا احتملوا صدقه ولم يميّزوا أن يعاملوا معها معاملة ما إذا علموا إجمالا بأنّ إحداها لفلان، والأقوى التعيين بالقرعة. وإن عيّن الوديعة ولم يعيّن المالك كان من مجهول المالك، وقد مرّ حكمه في كتاب الخمس. وهل يعتبر قول المودع ويجب تصديقه لو عيّنها في معيّن واحتمل صدقه؟ وجهان، أوجههما عدمه. ولو لم يعيّنها بأحد الوجهين بأن قال: «عندي في هذه التركة وديعة من فلان» فمات بلا فصل يحتمل معه ردّها أو تلفها بلا تفريط فالظاهر اعتبار قوله، فيجب التخلّص بالصلح على الأحوط، ويحتمل قويّا العمل بالقرعة. ومع أحد الاحتمالين المتقدّمين ففي الوجوب تردّد لو قال: «عندي في هذه التركة وديعة». نعم، لو قال: «عندي وديعة» من غير تعيين مطلقا أو مع تعيينٍ مّا ولم يذكر أنّها في تركتي فالظاهر عدم وجوب شي ء في التركة مالم يعلم بالتلف تفريطا أو تعدّيا.

    • خاتمة: اقسام الأمانة

       

      خاتمة

      الأمانة على قسمين: مالكيّة وشرعيّة.
      أمّا الأوّل فهو ما كان باستيمان من المالك وإذنه، سواء كان عنوان عمله ممحّضا في ذلك كالوديعة، أو بتبع عنوان آخر مقصود بالذات، كما في الرهن والعارية والإجارة والمضاربة، فإنّ العين فيها بيد الطرف أمانة مالكيّة، حيث إنّ المالك قد سلّمها إليه وتركها بيده من دون مراقبة منه، وجعل حفظها على عهدته.
      وأمّا الثاني فهو مالم يكن الاستيلاء عليها ووضع اليد باستيمان وإذن من المالك، وقد صارت تحت يده لا على وجه العدوان؛ بل إمّا قهرا، كما إذا أطارتها الريح أو جاء بها السيل - مثلا - في ملكه ووقعت تحت يده، وإمّا بتسليم المالك لها بدون اطّلاع منهما، كما إذا اشترى صندوقا فوجد فيه شيئا من مال البائع بدون اطّلاعه أو تسلّم البائع أو المشتري زائدا على حقّهما من جهة الغلط في الحساب مثلا، وإمّا برخصة من الشرع، كاللقطة والضالّة وما ينتزع من يد السارق أو الغاصب للإيصال إلى صاحبه. وكذا ما يؤخذ من الصبيّ أو المجنون من مالهما -عند خوف التلف في أيديهما- حسبةً للحفظ، وما يؤخذ ممّا كان في معرض الهلاك والتلف من الأموال المحترمة، كحيوان معلوم المالك في مسبعة أو مسيل ونحو ذلك، فإنّ العين في جميع هذه الموارد تكون تحت يد المستولي عليها أمانةً شرعيّةً يجب عليه حفظها وإيصالها في أوّل أزمنة الإمكان إلى صاحبها ولو مع عدم المطالبة، وليس عليه ضمان لو تلفت في يده، إلّا مع التفريط أو التعدّي كالأمانة المالكيّة. ويحتمل عدم وجوب إيصالها وكفاية إعلام صاحبها بكونها عنده والتخلية بينها وبينه بحيث كلّما أراد أن يأخذها أخذها، بل لا يخلو هذا من قوّة. ولو كانت العين أمانةً مالكيّةً بتبع عنوان آخر وقد ارتفع ذلك العنوان - كالعين المستأجرة بعد انقضاء مدّة الإجارة، والعين المرهونة بعد فكّ الرهن، والمال الّذي بيد العامل بعد فسخ المضاربة - ففي كونها أمانةً مالكيّةً أو شرعيّةً وجهان بل قولان، لايخلو أوّلهما من رجحان.

  • كتاب المضاربة

     

    كتاب المضاربة

    وتسمّى قراضا. وهي عقد واقع بين شخصين على أن يكون رأس المال في التجارة من أحدهما والعمل من الآخر، ولو حصل ربح يكون بينهما. ولو جعل تمام الربح للمالك يقال له: البضاعة. وحيث إنّها عقد تحتاج إلى الإيجاب من المالك والقبول من العامل. ويكفي في الإيجاب كلّ لفظ يفيد هذا المعنى بالظهور العرفيّ، كقوله: «ضاربتك» أو «قارضتك» أو «عاملتك على كذا»، وفي القبول «قبلت» وشبهه.
    مسألة 1 - يشترط في المتعاقدين البلوغ والعقل والاختيار؛ وفي ربّ المال عدم الحجر لفلس؛ وفي العامل القدرة على التجارة برأس المال، فلو كان عاجزا مطلقا بطلت، ومع العجز في بعضه لاتبعد الصحّة بالنسبة على إشكال. نعم، لو طرأ في أثناء التجارة تبطل من حين طروّه بالنسبة إلى الجميع لو عجز مطلقا، وإلى البعض لو عجز عنه على الأقوى؛ وفي رأس المال أن يكون عينا، فلا تصحّ بالمنفعة ولا بالدين، سواء كان على العامل أو غيره إلّا بعد قبضه؛ وأن يكون درهما ودينارا، فلا تصحّ بالذهب والفضّة غير المسكوكين والسبائك والعروض. نعم، جوازها بمثل الأوراق النقديّة ونحوها من الأثمان غير الذهب والفضّة لايخلو من قوّة، وكذا في الفلوس السود؛ وأن يكون معيّنا، فلا تصحّ بالمبهم، كأن يقول: «قارضتك بأحد هذين أو بأيّهما شئت»؛ وأن يكون معلوما قدرا ووصفا؛ وفي الربح أن يكون معلوما، فلو قال: «إنّ لك مثل ما شرط فلان لعامله» ولم يعلماه بطلت؛ وأن يكون مشاعا مقدّرا بأحد الكسور كالنصف أو الثلث، فلو قال: «على أنّ لك من الربح مائة والباقي لي» أو بالعكس أو «لك نصف الربح وعشرة دراهم مثلا» لم تصحّ؛ وأن يكون بين المالك والعامل لايشاركهما الغير، فلو جعلا جزءا منه لأجنبيّ بطلت إلّا أن يكون له عمل متعلّق بالتجارة.
    مسألة ۲ - يشترط أن يكون الاسترباح بالتجارة، فلو دفع إلى الزارع مالا ليصرفه في الزراعة ويكون الحاصل بينهما أو إلى الصانع ليصرفه في حرفته ويكون الفائدة بينهما لم يصحّ ولم يقع مضاربة.
    مسألة ۳ - الدراهم المغشوشة إن كانت رائجةً مع كونها كذلك تجوز المضاربة بها، ولا يعتبر الخلوص فيها. نعم، لو كانت قلبا يجب كسرها ولم تجز المعاملة بها لم تصحّ.
    مسألة 4 - لو كان له دين على شخص يجوز أن يوكّل أحدا في استيفائه ثمّ إيقاع المضاربة عليه موجبا وقابلا من الطرفين. وكذا لو كان المديون هو العامل يجوز توكيله في تعيين ما في ذمّته في نقدمعيّن للدائن ثمّ إيقاعهاعليه موجباوقابلا.
    مسألة 5 - لو دفع إليه عروضا وقال: «بعها ويكون ثمنها مضاربة» لم تصحّ إلّا إذا أوقع عقدها بعد ذلك على ثمنها.
    مسألة 6 - لو دفع إليه شبكة على أن يكون ما وقع فيها من السمك بينهما بالتنصيف - مثلا - لم يكن مضاربةً، بل هي معاملة فاسدة، فما وقع فيها من الصيد للصائد بمقدار حصّته الّتي قصدها لنفسه، وما قصده لغيره فمالكيّته له محلّ إشكال، ويحتمل بقاؤه على إباحته، وعليه اُجرة مثل الشبكة.
    مسألة 7 - لو دفع إليه مالاً ليشتري نخيلا أو أغناما على أن تكون الثمرة والنتاج بينهما لم يكن مضاربةً، فهي معاملة فاسدة تكون الثمرة والنتاج لربّ المال، وعليه اُجرة مثل عمل العامل.
    مسألة 8 - تصحّ المضاربة بالمشاع كالمفروز، فلو كانت دراهم معلومة مشتركة بين اثنين فقال أحدهما للعامل: «قارضتك بحصّتي من هذه الدراهم» صحّ مع العلم بمقدار حصّته، وكذا لو كان عنده ألف دينار - مثلا - وقال: «قارضتك بنصف هذه الدنانير».
    مسألة 9 - لافرق بين أن يقول: «خذ هذا المال قراضا ولكلّ منّا نصف الربح» وأن يقول: «... والربح بيننا» أو يقول: «... ولك نصف الربح» أو «... لي نصف الربح» في أنّ الظاهر أنّه جعل لكلّ منهما نصف الربح. وكذلك لافرق بين أن يقول: «خذه قراضا ولك نصف ربحه» أو يقول: «... لك ربح نصفه»، فإنّ مفاد الجميع واحد عرفا.
    مسألة 10 - يجوز اتّحاد المالك وتعدّد العامل في مال واحد مع اشتراط تساويهما في ما يستحقّان مع الربح وفضل أحدهما على الآخر وإن تساويا في العمل. ولو قال: «قارضتكما ولكما نصف الربح» كانا فيه سواء. وكذا يجوز تعدّد المالك واتّحاد العامل، بأن كان المال مشتركا بين اثنين فقارضا واحدا بالنصف - مثلا - متساويا بينهما، بأن يكون النصف للعامل والنصف بينهما بالسويّة وبالاختلاف، بأن يكون في حصّة أحدهما بالنصف وفي حصّة الآخر بالثلث مثلا، فإذا كان الربح اثني عشر استحقّ العامل خمسة وأحد الشريكين ثلاثة والآخر أربعة. نعم، إذا لم يكن اختلاف في استحقاق العامل بالنسبة إلى حصّة الشريكين وكان التفاضل في حصّة الشريكين فقط كما إذا اشترط أن يكون للعامل النصف والنصف الآخر بينهما بالتفاضل مع تساويهما في رأس المال بأن يكون للعامل الستّة من اثني عشر ولأحد الشريكين اثنين وللآخر أربعة، ففي (1) صحّته وجهان بل قولان، أقواهما البطلان.
    مسألة 11 - المضاربة جائزة من الطرفين، يجوز لكلّ منهما فسخها قبل الشروع في العمل وبعده، قبل حصول الربح وبعده، صار المال كلّه نقدا أو كان فيه أجناس لم تنضّ بعد؛ بل لو اشترطا فيها الأجل جاز لكلّ منهما فسخها قبل انقضائه. ولو اشترطا فيها عدم الفسخ: فإن كان المقصود لزومها بحيث لاتنفسخ بفسخ أحدهما - بأن جعل ذلك كنايةً عن لزومها مع ذكر قرينة دالّة عليه - بطل الشرط دون أصل المضاربة على الأقوى، وإن كان المقصود التزامهما بأن لايفسخاها فلا بأس به، ولا يبعد لزوم العمل عليهما؛ وكذلك لو شرطاه في ضمن عقد جائز ما لم يفسخ، وأمّا لو جعلا هذا الشرط في ضمن عقد خارج لازم - كالبيع والصلح ونحوهما - فلا إشكال في لزوم العمل به.
    مسألة 12 - الظاهر جريان المعاطاة والفضوليّة في المضاربة، فتصحّ بالمعاطاة. ولو وقعت فضولا من طرف المالك أو العامل تصحّ بإجازتهما.
    مسألة 13 - تبطل المضاربة بموت كلّ من المالك والعامل. وهل يجوز لورثة المالك إجازة العقد فتبقى بحالها بإجازتهم أم لا؟ الأقوى عدم الجواز.
    مسألة 14 - العامل أمين، فلا ضمان عليه لو تلف المال أو تعيّب تحت يده إلّا مع التعدّي أو التفريط. كما أنّه لاضمان عليه من جهة الخسارة في التجارة، بل هي واردة على صاحب المال. ولو اشترط المالك على العامل أن يكون شريكا معه في الخسارة كما هو شريك في الربح ففي صحّته وجهان، أقواهما العدم. نعم، لو كان مرجعه إلى اشتراط أنّه على تقدير وقوع الخسارة على المالك خسر العامل نصفه -مثلا- من كيسه لا بأس به، ولزم العمل به لو وقع في ضمن عقد لازم، بل لايبعد لزوم الوفاء به ولو كان في ضمن عقد جائز مادام باقيا. نعم، له فسخه ورفع موضوعه، كما أنّه لا بأس بالشرط - على وجه غير بعيد - لو كان مرجعه إلى انتقال الخسارة إلى عهدته بعد حصولها في ملكه بنحو شرط النتيجة.
    مسألة 15 - يجب على العامل - بعد عقد المضاربة - القيام بوظيفته: من تولّي ما يتولّاه التاجر لنفسه على المعتاد بالنسبة إلى مثل تلك التجارة في مثل ذلك المكان والزمان ومثل ذلك العامل: من عرض القماش والنشر والطيّ مثلا، وقبض الثمن، وإحرازه في حرزه، واستيجار ما جرت العادة باستيجاره، كالدلاّل والوزّان والحمّال؛ ويعطي اُجرتهم من أصل المال، بل لو باشر مثل هذه الاُمور هو بنفسه لا بقصد التبرّع فالظاهر جواز أخذ الاُجرة. نعم، لو استأجر لما يتعارف فيه مباشرة العامل بنفسه كانت عليه الاُجرة.
    مسألة 16 - مع إطلاق عقد المضاربة يجوز للعامل الاتّجار بالمال على ما يراه من المصلحة، من حيث الجنس المشترى والبائع والمشتري وغير ذلك حتّى في الثمن، فلا يتعيّن عليه أن يبيع بالنقود، بل يجوز أن يبيع الجنس بجنس آخر، إلّا أن يكون هناك تعارفٌ ينصرف إليه الإطلاق. ولو شرط عليه المالك أن لا يشتري الجنس الفلانيّ أو إلّا الجنس الفلانيّ أو لا يبيع من الشخص الفلانيّ أو الطائفة الفلانيّة وغير ذلك من الشروط لم يجز له المخالفة. ولو خالف ضمن المال والخسارة، لكن لو حصل الربح وكانت التجارة رابحةً شارك المالك في الربح على ما قرّراه في عقد المضاربة.
    مسألة 17 - لايجوز للعامل خلط رأس المال بمال آخر لنفسه أو لغيره، إلّا بإذن المالك عموما أو خصوصا؛ فلو خلط ضمن المال والخسارة، لكن لو اتّجر بالمجموع وحصل ربح فهو بين المالين على النسبة.
    مسألة 18 - لايجوز مع الإطلاق أن يبيع نسيئةً، خصوصا في بعض الأزمان وعلى بعض الأشخاص، إلّا أن يكون متعارفا بين التجّار - ولو في ذلك البلد أو الجنس الفلانيّ - بحيث ينصرف إليه الإطلاق؛ فلو خالف في غير مورد الانصراف ضمن، لكن لو استوفاه وحصل ربح كان بينهما.
    مسألة 19 - ليس للعامل أن يسافر بالمال - برّا وبحرا - والاتّجار به في بلاد اُخر غير بلد المال، إلّا مع إذن المالك ولو بالانصراف لأجل التعارف؛ فلو سافر به ضمن التلف والخسارة، لكن لو حصل ربح يكون بينهما؛ وكذا لو أمره بالسفر إلى جهة فسافر إلى غيرها.
    مسألة 20 - ليس للعامل أن ينفق في الحضر من مال القراض وإن قلّ حتّى فلوس السقّاء؛ وكذا في السفر إذا لم يكن بإذن المالك، وأمّا لو كان بإذنه فله الإنفاق من رأس المال، إلّا إذا اشترط المالك أن تكون النفقة على نفسه. والمراد بالنفقة ما يحتاج إليه: من مأكول ومشروب وملبوس ومركوب وآلات وأدوات -كالقربة والجوالق- واُجرة المسكن ونحو ذلك مع مراعاة ما يليق بحاله عادة على وجه الاقتصاد؛ فلو أسرف حسب عليه، ولو قتّر على نفسه أو لم يحتج إليها من جهة صيرورته ضيفا - مثلا - لم يُحسب له. ولا تكون من النفقة هنا جوائزه وعطاياه وضيافاته وغير ذلك، فهي على نفسه إلّا إذا كانت لمصلحة التجارة.
    مسألة 21 - المراد بالسفر المجوّز للإنفاق من المال هو العرفيّ لا الشرعيّ، فيشمل ما دون المسافة، كما أنّه يشمل أيّام إقامته عشرة أيّام أو أزيد في بعض البلاد إذا كانت لأجل عوارض السفر، كما إذا كانت للراحة من التعب أو لانتظار الرفقة أو خوف الطريق وغير ذلك، أو لاُمور متعلّقة بالتجارة كدفع العشور وأخذ جواز السفر. وأمّا لو بقي للتفرّج أو لتحصيل مال لنفسه ونحو ذلك فالظاهر كون نفقته على نفسه إذا كانت الإقامة لأجل مثل هذه الأغراض بعد تمام العمل. وأمّا قبله فإن كان بقاؤه لإتمامه وغرض آخر فلا يبعد التوزيع بالنسبة إليهما، والأحوط احتسابها على نفسه؛ وإن لم يتوقّف الإتمام على البقاء وإنّما بقي لغرض آخر فنفقة البقاء على نفسه، ونفقة الرجوع على مال القراض لو سافر للتجارة به وإن عرض في الأثناء غرض آخر، وإن كان الأحوط التوزيع في هذه الصورة، وأحوط منه الاحتساب على نفسه.
    مسألة 22 - لو كان عاملا لاثنين أو أزيد أو عاملا لنفسه وغيره توزّع النفقة. وهل هو على نسبة المالين أو نسبة العملين؟ فيه تأمّل وإشكال، فلا يترك الاحتياط برعاية أقلّ الأمرين إذا كان عاملا لنفسه وغيره، والتخلّص بالتصالح بينهما ومعهما إذا كان عاملا لاثنين مثلا.
    مسألة 23 - لايعتبر ظهور الربح في استحقاق النفقة، بل ينفق من أصل المال وإن لم يكن ربح. نعم، لو أنفق وحصل الربح في ما بعد يجبر ما أنفقه من رأس المال بالربح كسائر الغرامات والخسارات، فيعطي المالك تمام رأس ماله فإن بقي شي ء يكون بينهما.
    مسألة 24 - الظاهر أنّه يجوز للعامل الشراء بعين مال المضاربة، بأن يعيّن دراهم شخصيّة ويشتري بها شيئا؛ كما يجوز الشراء بالكلّيّ في الذمّة والدفع والأداء منه، بأن يشتري جنسا بألف درهم كلّيّ على ذمّة المالك ودفعه بعد ذلك من المال الّذي عنده؛ ولو تلف مال المضاربة قبل الأداء لم يجب على المالك الأداء من غيره، لعدم الإذن على هذا الوجه، وما هو لازم عقد المضاربة هو الإذن بالشراء كلّيّا متقيّدا بالأداء من مال المضاربة، لأنّه من الاتّجار بالمال عرفا. نعم، للعامل أن يعيّن دراهم شخصيّة ويشتري بها وإن كان غير متعارف في المعاملات، لكّنه مأذون فيه قطعا وأحد مصاديق الاتّجار بالمال. هذا مع الإطلاق، وأمّا مع اشتراط نحو خاصّ فيتّبع ما اشترط عليه.
    مسألة 25 - لايجوز للعامل أن يوكّل غيره في الاتّجار - بأن يوكل إليه أصل التجارة - من دون إذن المالك. نعم، يجوز له التوكيل والاستيجار في بعض المقدّمات، بل وفي إيقاع بعض المعاملات الّتي تعارف إيكالها إلى الدلّال. وكذلك لايجوز له أن يضارب غيره أو يشاركه فيها إلّا بإذن المالك. ومع الإذن إذا ضارب غيره يكون مرجعه إلى فسخ المضاربة الاُولى وإيقاع مضاربة جديدة بين المالك وعامل آخر أو بينه وبين العامل مع غيره بالاشتراك؛ وأمّا لو كان المقصود إيقاع مضاربة بين العامل وغيره - بأن يكون العامل الثاني عاملا للعامل الأوّل- فالأقوى عدم الصحّة.
    مسألة 26 - الظاهر أنّه يصحّ أن يشترط أحدهما على الآخر في ضمن عقد المضاربة مالا أو عملا، كما إذا شرط المالك على العامل أن يخيط له ثوبا أو يعطيه درهما وبالعكس.
    مسألة 27 - الظاهر أنّه يملك العامل حصّته من الربح بمجرّد ظهوره ولا يتوقّف على الإنضاض - بمعنى جعل الجنس نقدا - ولا على القسمة. كما أنّ الظاهر صيرورته شريكا مع المالك في نفس العين الموجودة بالنسبة، فيصحّ له مطالبة القسمة، وله التصرّف في حصّته من البيع والصلح، ويترتّب عليه جميع آثار الملكيّة: من الإرث وتعلّق الخمس والزكاة وحصول الاستطاعةوتعلّق حقّ الغرماءوغيرذلك.
    مسألة 28 - لاإشكال في أنّ الخسارة الواردة على مال المضاربة تجبر بالربح ما دامت المضاربة باقيةً، سواء كانت سابقةً عليه أو لاحقةً؛ فملكيّة العامل له بالظهور متزلزلة تزول كلّها أو بعضها بعروض الخسران إلى أن تستقرّ. والاستقرار يحصل بعد الإنضاض وفسخ المضاربة والقسمة قطعا، فلا جبران بعد ذلك. وفي حصوله بدون اجتماع الثلاثة وجوه وأقوال، أقواها تحقّقه بالفسخ مع القسمة وإن لم يحصل الإنضاض، بل لايبعد تحقّقه بالفسخ والإنضاض وإن لم يحصل القسمة، بل تحقّقه بالفسخ فقط أو بتمام أمدها لو كان لها أمد لا يخلو من وجه.
    مسألة 29 - كما يجبر الخسران في التجارة بالربح كذلك يجبر به التلف، سواء كان بعد الدوران في التجارة أو قبله أو قبل الشروع فيها، وسواء تلف بعضه أو كلّه؛ فلو اشترى في الذمّة بألف وكان رأس المال ألفا فتلف فباع المبيع بألفين فأدّى الألف بقي الألف الآخر جبرا لرأس المال. نعم، لو تلف الكلّ قبل الشروع في التجارة بطلت المضاربة، إلّا مع التلف بالضمان مع إمكان الوصول.
    مسألة 30 - لو حصل فسخ أو انفساخ في المضاربة: فإن كان قبل الشروع في العمل ومقدّماته فلا إشكال، ولا شي ء للعامل ولا عليه. وكذا إن كان بعد تمام العمل والإنضاض، إذ مع حصول الربح يقتسمانه، ومع عدمه يأخذ المالك رأس ماله، ولا شي ء للعامل ولا عليه. وإن كان في الأثناء بعد التشاغل بالعمل: فإن كان قبل حصول الربح ليس للعامل شي ء ولا اُجرة له لما مضى من عمله، سواء كان الفسخ منه أو من المالك أو حصل الانفساخ قهرا؛ كما أنّه ليس عليه شي ء حتّى في ما إذا حصل الفسخ منه في السفر المأذون فيه من المالك، فلا يضمن ما صرفه في نفقته من رأس المال؛ ولو كان في المال عروض لايجوز للعامل التصرّف فيه بدون إذن المالك، كما أنّه ليس للمالك إلزامه بالبيع والإنضاض. وإن كان بعد حصول الربح: فإن كان بعد الإنضاض فقد تمّ العمل، فيقتسمان ويأخذ كلّ منهما حقّه، وإن كان قبل الإنضاض فعلى ما مرّ من تملّك العامل حصّته من الربح بمجرّد ظهوره شارك المالك في العين، فإن رضيا بالقسمة على هذا الحال أو انتظرا إلى أن تباع العروض ويحصل الإنضاض كان لهما ولا إشكال. وإن طلب العامل بيعها لم يجب على المالك إجابته؛ وكذا إن طلبه المالك لم يجب على العامل إجابته وإن قلنا بعدم استقرار ملكيّته للربح إلّا بعد الإنضاض، غاية الأمر حينئذٍ لو حصلت خسارة بعد ذلك قبل القسمة يجب جبرها بالربح، لكن قد مرّ المناط في استقرار ملك العامل.
    مسألة 31 - لو كان في المال ديون على الناس فهل يجب على العامل أخذها وجمعها بعد الفسخ أو الانفساخ أم لا؟ الأشبه عدمه، خصوصا إذا استند الفسخ إلى غير العامل، لكن لاينبغي ترك الاحتياط، خصوصا مع فسخه وطلب المالك منه.
    مسألة 32 - لا يجب على العامل بعد حصول الفسخ أو الانفساخ أزيد من التخلية بين المالك وماله، فلايجب عليه الإيصال إليه حتّى لو أرسل المال إلى بلد آخر غير بلد المالك وكان ذلك بإذنه؛ ولو كان بدون إذنه يجب عليه الردّ إليه حتّى أنّه لو احتاج إلى اُجرة كانت عليه.
    مسألة 33 - لو كانت المضاربة فاسدةً كان الربح بتمامه للمالك إن لم يكن إذنه في التجارة متقيّدا بالمضاربة، وإلّا تتوقّف على إجازته، وبعد الإجازة يكون الربح له، سواء كانا جاهلين بالفساد أو عالمين أو مختلفين. وللعامل اُجرة مثل عمله لو كان جاهلا بالفساد، سواء كان المالك عالما به أو جاهلا؛ بل لو كان عالما بالفساد فاستحقاقه لاُجرة المثل أيضا لايخلو من وجه إذا حصل ربح بمقدار كان سهمه على فرض الصحّة مساويا لاُجرة المثل أو أزيد. وأمّا مع عدم الربح أو نقصان سهمه عنها فمع علمه بالفساد لايبعد عدم استحقاقه على الأوّل، وعدم استحقاق الزيادة عن مقدار سهمه على الثاني، ومع جهله به فالأحوط التصالح، بل لايترك الاحتياط به مطلقا. وعلى كلّ حال لايضمن العامل التلف والنقص الواردين على المال. نعم، يضمن على الأقوى ما أنفقه في السفر على نفسه وإن كان جاهلا بالفساد.
    مسألة 34 - لو ضارب بمال الغير من دون وكالة ولا ولاية وقع فضوليّا: فإن أجازه المالك وقع له، وكان الخسران عليه، والربح بينه وبين العامل على ما شرطاه؛ وإن ردّه فإن كان قبل أن يعامل بماله طالبه، ويجب على العامل ردّه إليه، وإن تلف أو تعيّب كان له الرجوع على كلّ من المضارب والعامل، فإن رجع على الأوّل لم يرجع هو على الثاني، وإن رجع على الثاني رجع هو على الأوّل. هذا إذا لم يعلم العامل بالحال؛ وإلّا يكون قرار الضمان على من تلف أو تعيّب عنده، فينعكس الأمر في المفروض. وإن كان بعد أن عومل به كانت المعاملة فضوليّة: فإن أمضاها وقعت له، وكان تمام الربح له وتمام الخسران عليه، وإن ردّها رجع بماله إلى كلّ من شاء من المضارب والعامل كما في صورة التلف، ويجوز له أن يجيزها على تقدير حصول الربح، ويردّها على تقدير الخسران، بأن يلاحظ مصلحته، فإن رآها رابحةً أجازها وإلّا ردّها. هذا حال المالك مع كلّ من المضارب والعامل. وأمّا معاملة العامل مع المضارب فإن لم يعمل عملا لم يستحقّ شيئا، وكذا إذا عمل وكان عالما بكون المال لغير المضارب. وأمّا لو عمل ولم يعلم بكونه لغيره استحقّ اُجرة مثل عمله، ورجع بها على المضارب.
    مسألة 35 - لو أخذ العامل رأس المال ليس له ترك الاتّجار به وتعطيله عنده بمقدار لم تجر العادة عليه وعدّ متوانيا متسامحا؛ فإن عطّله كذلك ضمنه لو تلف، لكن لم يستحقّ المالك غير أصل المال، وليس له مطالبة الربح الّذي كان يحصل على تقدير الاتّجار به.
    مسألة 36 - لو اشترى نسيئةً بإذن المالك كان الدين في ذمّة المالك، فللدائن الرجوع عليه، وله أن يرجع على العامل خصوصا مع جهله بالحال، وإذا رجع عليه رجع هو على المالك. ولو لم يتبيّن للدائن أنّ الشراء للغير يتعيّن له في الظاهر الرجوع على العامل وإن كان له في الواقع الرجوع على المالك.
    مسألة 37 - لو ضاربه بخمسمائة - مثلا - فدفعها إليه وعامل بها وفي أثناء التجارة دفع إليه خمسمائة اُخرى للمضاربة فالظاهر أنّهما مضاربتان، فلا تجبر خسارة إحداهما بربح الاُخرى. ولوضاربه على ألف - مثلا - فدفع خمسمائةفعامل بها ثمّ دفع إليه خمسمائةاُخرى فهي مضاربة واحدة تجبرخسارةكلّ بربح الاُخرى.
    مسألة 38 - لو كان رأس المال مشتركا بين اثنين فضاربا شخصا ثمّ فسخ أحد الشريكين تنفسخ بالنسبة إلى حصّته، وأمّا بالنسبة إلى حصّة الآخر فمحلّ إشكال.
    مسألة 39 - لو تنازع المالك مع العامل في مقدار رأس المال ولم تكن بيّنة قدّم قول العامل، سواء كان المال موجودا أو تالفا ومضمونا عليه. هذا إذا لم يرجع نزاعهما إلى مقدار نصيب العامل من الربح، وإلّا ففيه تفصيل.
    مسألة 40 - لو ادّعى العامل التلف أو الخسارة أو عدم حصول المطالبات مع عدم كون ذلك مضمونا عليه وادّعى المالك خلافه ولم تكن بيّنة قدّم قول العامل.
    مسألة 41 - لو اختلفا في الربح ولم تكن بيّنة قدّم قول العامل، سواء اختلفا في أصل حصوله أو في مقداره؛ بل وكذا الحال لو قال العامل: ربحت كذا لكن خسرت بعد ذلك بمقداره فذهب الربح.
    مسألة 42 - لو اختلفا في نصيب العامل من الربح وأنّه النصف - مثلا - أو الثلث ولم تكن بيّنة قدّم قول المالك.
    مسألة 43 - لو تلف المال أو وقع خسران فادّعى المالك على العامل الخيانة أو التفريط في الحفظ ولم تكن له بيّنة قدّم قول العامل. وكذا لو ادّعى عليه الاشتراط أو مخالفته لما شرط عليه، كما لو ادّعى أنّه قد اشترط عليه أن لايشتري الجنس الفلانيّ وقد اشتراه فخسر وأنكر العامل أصل هذا الاشتراط أو أنكر مخالفته لما اشترط عليه. نعم، لو كان النزاع في صدور الإذن من المالك في ما لايجوز للعامل إلّا بإذنه كما لو سافر بالمال أو باع نسيئةً فتلف أو خسر فادّعى العامل كونه بإذنه وأنكره قدّم قول المالك.
    مسألة 44 - لو ادّعى ردّ المال إلى المالك وأنكره قدّم قول المنكر.
    مسألة 45 - لو اشترى العامل سلعةً فظهر فيها ربح فقال: «اشتريتها لنفسي» وقال المالك: «اشتريته للقراض» أو ظهر خسران فادّعى العامل أنّه اشتراها للقراض وقال صاحب المال: «اشتريتها لنفسك» قدّم قول العامل بيمينه.
    مسألة 46 - لو حصل تلف أو خسارة فادّعى المالك أنّه أقرضه وادّعى العامل أنّه قارضه يحتمل التحالف بلحاظ محطّ الدعوى، ويحتمل تقديم قول العامل بلحاظ مرجعها. ولو حصل ربح فادّعى المالك قراضا والعامل إقراضا يحتمل التحالف أيضا بلحاظ محطّها، وتقديم قول المالك بلحاظ مرجعها، ولعلّ الثاني في الصورتين أقرب.
    مسألة 47 - لو ادّعى المالك أنّه أعطاه المال بعنوان البضاعة فلا يستحقّ العامل شيئا من الربح وادّعى العامل المضاربة فله حصّة منه فالظاهر أنّه يقدّم قول المالك بيمينه، فيحلف على نفي المضاربة، فله تمام الربح لو كان. واحتمال التحالف هنا ضعيف.
    مسألة 48 - يجوز إيقاع الجعالة على الاتّجار بمال وجعل الجعل حصّةً من الربح، بأن يقول: «إن اتّجرت بهذا المال وحصل ربح فلك نصفه أو ثلثه»، فتكون جعالةً تفيد فائدة المضاربة، لكن لايشترط فيها ما يشترط في المضاربة، فلا يعتبر كون رأس المال من النقود، بل يجوز أن يكون عروضا أو دينا أو منفعةً.
    مسألة 49 - يجوز للأب والجدّ المضاربة بمال الصغير مع عدم المفسدة، لكن لاينبغي لهما ترك الاحتياط بمراعاة المصلحة. وكذا يجوز للقيّم الشرعيّ كالوصيّ والحاكم الشرعيّ مع الأمن من الهلاك وملاحظة الغبطة والمصلحة؛ بل يجوز للوصيّ على ثلث الميّت أن يدفعه مضاربةً وصرف حصّته من الربح في المصارف المعيّنة للثلث إذا أوصى به الميّت، بل وإن لم يوص به لكن فوّض أمر الثلث إلى نظر الوصيّ فرأى الصلاح في ذلك.
    مسألة 50 - لو مات العامل وكان عنده مال المضاربة: فإن علم بوجوده في ماتركه بعينه فلا إشكال، وإن علم به فيه من غير تعيين بأن كان ما تركه مشتملا عليه وعلى مال نفسه أو كان عنده أيضا ودائع أو بضائع للآخرين واشتبه بعضها مع بعض يعامل معه ما هو العلاج في نظائره من اشتباه أموال متعدّدين. وهل هو بإعمال القرعة، أو إيقاع التصالح، أو التقسيم بينهم على نسبة أموالهم؟ وجوه، أقواها القرعة، وأحوطها التصالح. نعم، لو كان للميّت ديّان وعنده مال مضاربة ولم يعلم أنّه بعينه لفلان فهو اُسوة الغرماء. وكذا الحال لو علم المال جنسا وقدرا واشتبه بين أموال من جنسه له أو لغيره من غير امتزاج فالأقوى فيه القرعة أيضا، خصوصا إذا كانت الأجناس مختلفةً في الجودة والرداءة؛ ومع الامتزاج كان المجموع مشتركا بين أربابه بالنسبة. ولو علم بعدم وجوده فيها واحتمل أنّه قد ردّه إلى مالكه أو تلف بتفريط منه أو بغيره فالظاهر أنّه لم يحكم على الميّت بالضمان وكان الجميع لورثته. وكذا لو احتمل بقاؤه فيها. ولو علم بأنّ مقدارا من مال المضاربة قد كان قبل موته داخلا في هذه الأجناس الباقية الّتي قد تركها ولم يعلم أنّه هل بقي فيها أو ردّه إلى المالك أو تلف ففيه إشكال وإن كانت مورّثيّةالأموال لاتخلومن قوّة،والأحوط الإخراج منها مع عدم قاصر في الورثة.


    1- الصحيح: «اثنان».

  • كتاب الشركة
  •  

    كتاب الشركة

    وهي كون شي ءواحدلاثنين أوأزيد.وهي إمّافي عين أو دين أو منفعة أو حقّ. وسببها قد يكون إرثا، وقد يكون عقدا ناقلا، كما إذا اشترى اثنان معا مالا، أو استأجراعينا،أوصولحاعن حقّ. ولهاسببان آخران يختصّان بالشركة في الأعيان:
    أحدهما: الحيازة، كما اذا اقتلع اثنان معا شجرةً مباحةً، أو اغترفا ماءً مباحا بآنية واحدة دفعةً.
    وثانيهما: الامتزاج، كما اذا امتزج ماء أو خلّ من شخص بماء أو خلّ من شخص آخر، سواء وقع قهرا أو عمدا واختيارا.
    ولها سبب آخر، وهو تشريك أحدهما الآخر في ماله. ويسمّى بالتشريك، وهو غير الشركة العقديّة بوجه.
    مسألة ۱ - الامتزاج قد يوجب الشركة الواقعيّة الحقيقيّة، وهو في ما إذا حصل خلط وامتزاج تامّ بين مائعين متجانسين، كالماء بالماء والدهن بالدهن، بل وغير متجانسين، كدهن اللوز بدهن الجوز - مثلا - رافع للاميتاز عرفا بحسب الواقع وإن لم يكن عقلاً كذلك. وأمّا خلط الجامدات الناعمة بعضها ببعض - كالأدقّة - ففي كونه موجبا للشركة الواقعيّة تأمّل وإشكال، ولا يبعد كونها ظاهريّة. وقد يوجب الشركة الظاهريّة الحكميّة ، وهي مثل خلط الحنطة بالحنطة والشعير بالشعير؛ ومنها خلط ذوات الحبّات الصغيرة بمجانسها على الأقوى، كالخشخاش بالخشخاش والدخن والسمسم بمثلهما وجنسهما. وأمّا مع الخلط بغير جنسهما فالظاهر عدم الشركة، فيتخلّص بالصلح ونحوه. كما أنّ الأحوط التخلّص بالصلح ونحوه في خلط الجوز بالجوز واللوز باللوز؛ وكذا الدراهم والدنانير المتماثلة إذا اختلط بعضها ببعض على نحو يرفع الامتياز. ولا تتحقّق الشركة لا واقعا ولا ظاهرا بخلط القيميّات بعضها ببعض، كما لو اختلط الثياب بعضها ببعض مع تقارب الصفات، والأغنام بالأغنام ونحو ذلك، فالعلاج فيها التصالح أو القرعة.
    مسألة 2 - لايجوز لبعض الشركاء التصرّف في المال المشترك إلّا برضى الباقين؛ بل لو أذن أحد الشريكين لشريكه في التصرّف جاز للمأذون دون الآذن إلّا باذن صاحبه. ويجب على المأذون أن يقتصر على المقدار المأذون فيه كمّا وكيفا. نعم، الإذن في الشي ء إذن في لوازمه عند الإطلاق. والموارد مختلفة لابدّ من لحاظها، فربما يكون إذنه له في سكنى الدار لازمه إسكان أهله وعياله وأطفاله، بل وتردّد أصدقائه ونزول ضيوفه بالمقدار المعتاد، فيجوز ذلك كلّه إلّا أن يمنع عنه كلّاً أو بعضا فيتّبع.
    مسألة ۳ - كما تطلق الشركة على المعنى المتقدّم - وهو كون شي ء واحد لاثنين أو أزيد - تطلق أيضا على معنىً آخر، وهو العقد الواقع بين اثنين أو أزيد على المعاملة بمال مشترك بينهم، وتسمّى الشركة العقديّة والاكتسابيّة. وثمرته جواز تصرّف الشريكين في ما اشتركا فيه بالتكسّب به وكون الربح والخسران بينهما على نسبة مالهما. وهي عقد يحتاج إلى إيجاب وقبول. ويكفي قولهما: «اشتركنا» أو قول أحدهما ذلك مع قبول الآخر. ولا يبعد جريان المعاطاة فيها، بأن خلطا المالين بقصد اشتراكهما في الاكتساب والمعاملة به.
    مسألة 4 - يعتبر في الشركة العقديّة كلّ ما اعتبر في العقود الماليّة: من البلوغ والعقل والقصد والاختيار وعدم الحجر لفلس أو سفه.
    مسألة 5 - لاتصحّ الشركة العقديّة إلّا في الأموال، نقودا كانت أو عروضا. وتسمّى تلك: شركة العنان. ولا تصحّ في الأعمال، وهي المسمّاة بشركة الأبدان، بأن أوقع العقد اثنان على أن تكون اُجرة عمل كلّ منهما مشتركا بينهما، سواء اتّفقا في العمل كالخيّاطين أو اختلفا كالخيّاط مع النسّاج. ومن ذلك معاقدة شخصين على أنّ كلّ ما يحصّل كلّ منهما بالحيازة من الحطب - مثلا - يكون مشتركا بينهما، فلا تتحقّق الشركة بذلك، بل يختصّ كلّ منهما باُجرته وبما حازه. نعم، لو صالح أحدهما الآخر بنصف منفعته إلى مدّة -كسنة أو سنتين- على نصف منفعة الآخر إلى تلك المدّة وقبل الآخر صحّ، واشترك كلّ منهما في ما يحصّله الآخر في تلك المدّة بالأجر والحيازة. وكذا لو صالح أحدهما الآخر عن نصف منفعته إلى مدّة بعوض معيّن كدينار - مثلا - وصالحه الآخر أيضا نصف منفعته في تلك المدّة بذلك العوض.
    ولا تصحّ أيضا شركة الوجوه، وأشهر معانيها على المحكيّ أن يوقع العقد اثنان وجيهان عند الناس - لا مال لهما - على أن يبتاع كلّ منهما في ذمّته إلى أجل ويكون ذلك بينهما، فيبيعانه ويؤدّيان الثمن ويكون ما حصل من الربح بينهما. ولو أرادا حصول هذه النتيجة بوجه مشروع وكّل كلّ منهما الآخر في أن يشاركه في ما اشتراه، بأن يشتري لهما وفي ذمّتهما، فيكون حينئذٍ الربح والخسران بينهما.
    ولا تصحّ أيضا شركة المفاوضة، وهي أن يعقد اثنان على أن يكون كلّ ما يحصل لكلّ منهما -: من ربح تجارة أو فائدة زراعة أو اكتساب أو إرث أو وصيّة أو غير ذلك - شاركه فيه الآخر، وكذا كلّ غرامة وخسارة ترد على أحدهما تكون عليهما. فانحصرت الشركة العقديّة الصحيحة بشركة العنان.
    مسألة 6 - لو آجر اثنان نفسهما بعقد واحد لعمل واحد باُجرة معيّنة كانت الاُجرة مشتركةً بينهما. وكذا لو حاز اثنان معا مباحا - كما لو اقتلعا معا شجرةً أو اغترفا ماءً دفعةً بآنية واحدة - كان ما حازاه مشتركا بينهما. وليس ذلك من شركة الأبدان حتّى تكون باطلةً. وتقسّم الاُجرة وما حازاه بنسبة عملهما، ولو لم تُعلم النسبة فالأحوط التصالح.
    مسألة 7 - يشترط في عقد الشركة العنانيّة أن يكون رأس المال من الشريكين ممتزجا امتزاجا رافعا للتميّز قبل العقد أو بعده، سواء كان المالان من النقود أم العروض، حصل به الشركة كالمائعات أم لا، كالدراهم والدنانير، كانا مثليّين أم قيميّين. وفي الأجناس المختلفة الّتي لايجري فيها المزج الرافع للتميّز لابدّ من التوسّل بأحد أسباب الشركة على الأحوط. ولو كان المال مشتركا كالمورّث يجوز إيقاع العقد عليه، وفائدته الإذن في التجارة في مثله.
    مسألة 8 - لايقتضي عقد الشركة ولا إطلاقه جواز تصرّف كلّ من الشريكين في مال الآخر بالتكسّب، إلّا إذا دلّت قرينة حاليّة أو مقاليّة عليه، كما إذا كانت الشركة حاصلةً - كالمورّث - فأوقعا العقد؛ ومع عدم الدلالة لابدّ من إذن صاحب المال، ويتّبع في الإطلاق والتقييد؛ وإذا اشترطا كون العمل من أحدهما أو من كليهما معا فهو المتّبع. هذا من حيث العامل. وأمّا من حيث العمل والتكسّب فمع إطلاق الإذن يجوز مطلقه ممّا يريان فيه المصلحة كالعامل في المضاربة؛ ولو عيّنا جهةً خاصّةً - كبيع الأغنام أو الطعام وشرائهما أو البزازة أو غير ذلك - اقتصر عليه، ولا يتعدّى إلى غيره.
    مسألة 9 - حيث إنّ كلّ واحد من الشريكين كالوكيل والعامل عن الآخر فإذا عقدا على الشركة في مطلق التكسّب أو تكسّب خاصّ يقتصر على المتعارف، فلا يجوز البيع بالنسيئة ولا السفر بالمال إلّا مع التعارف، والموارد فيهما مختلفة، وإلّا مع الإذن الخاصّ، وجاز لهما كلّ ما تعارف من حيث الجنس المشترى والبائع والمشتري وأمثال ذلك. نعم، لو عيّنا شيئا لم يجز لهما المخالفة عنه إلّا بإذن الشريك، وإن تعدّى عمّا عيّنا أو عن المتعارف ضمن الخسارة والتلف.
    مسألة 10 - إطلاق الشركة يقتضي بسط الربح والخسران على الشريكين على نسبة مالهما، فإن تساوى تساويا فيهما، وإلّا يتفاضلان حسب تفاوته، من غير فرق بين ما كان العمل من أحدهما أو منهما، مع التساوي فيه أو الاختلاف. ولوشرط التفاوت في الربح مع التساوي في المال أو تساويهما فيه مع التفاوت فيه فإن جعل الزيادة للعامل منهما أو لمن كان عمله أزيد صحّ بلا إشكال، وإن جعلت لغير العامل أو لمن لم يكن عمله أزيد ففي صحّة العقد والشرط معا أو بطلانهما أو صحّة العقد دون الشرط أقوال أقواها أوّلها.
    مسألة 11 - العامل من الشريكين أمين، فلا يضمن التلف إلّا مع التعدّي أو التفريط. وإن ادّعى التلف قبل قوله. وكذا لو ادّعى الشريك عليه التعدّي والتفريط وقد أنكره.
    مسألة 12 - عقد الشركة جائزمن الطرفين، فيجوز لكلّ منهما فسخه فينفسخ. والظاهر بطلان أصل الشركة به في ما إذا تحقّقت بعقدها ، لا بالمزج ونحوه، كمزج اللوز باللوز، والجوز بالجوز، والدرهم والدينار بمثلهما. ففي مثلها لو انفسخ العقد يرجع كلّ مال إلى صاحبه، فيتخلّص فيه بالتصالح. وكذا ينفسخ بعروض الموت والجنون والإغماء والحجر بالفلس أو السفه. ولا يبعد بقاء أصل الشركة في ذلك مطلقا مع عدم جواز تصرّف الشريك.
    مسألة 13 - لو جعلا للشركة أجلا لم يلزم، فيجوز لكلّ منهما الرجوع قبل انقضائه، إلّا إذا اشترطا في ضمن عقد لازم عدم الرجوع، فيجب عليهما الوفاء؛ بل وكذا في ضمن عقد جائز، فيجب الوفاء مادام العقد باقيا.
    مسألة 14 - لو تبيّن بطلان عقد الشركة كانت المعاملات الواقعة قبله محكومةً بالصحّة إذا لم يكن إذنهما متقيّدا بالشركة إذا حصلت بالعقد أو بصحّة عقدها في غيره. هذا إذا اتّجر كلّ منهما أو واحد منهما مستقلّاً، وإلّا فلا إشكال. وعلى الصحّةلهماالربح وعليهماالخسران على نسبة المالين، ولكلّ منهما اُجرة مثل عمله بالنسبة إلى حصّة الآخر.

    • القول في القسمة

       

      القول في القسمة

      وهي تمييز حصص الشركاء بعضها عن بعض، بمعنى جعل التعيين بعد مالم تكن معيّنةً بحسب الواقع، لاتمييز ما هو معيّن واقعا ومشتبه ظاهرا. وليست ببيع ولا معاوضة، فلا يجري فيها خيار المجلس ولا خيار الحيوان المختصّان بالبيع، ولايدخل فيها الربا وإن عمّمناه لجميع المعاوضات.
      مسألة 1 - لابدّ في القسمة من تعديل السهام، وهو إمّا بحسب الأجزاء والكمّيّة، كيلا أو وزنا أو عدّا أو مساحةً، وتسمّى قسمة إفراز، وهي جارية في المثليّات، كالحبوب والأدهان والأخلّ والألبان، وفي بعض القيميّات المتساوية الأجزاء، كطاقة واحدة من الأقمشة الّتي تساوت أجزاؤها، وقطعة واحدة من أرض بسيطة تساوت أجزاؤها؛ وإمّا بحسب القيمة والماليّة، كما في القيميّات إذا تعدّدت، كالأغنام والعقار والأشجار إذا ساوى بعضها مع بعض بحسب القيمة، كما إذا اشترك اثنان في ثلاثة أغنام قد ساوت قيمة أحدها مع اثنين منها، فيجعل الواحد سهما والاثنان سهما، وتسمّى هذه قسمة التعديل؛ وإمّا بضمّ مقدار من المال مع بعض السهام ليعادل الآخر، كما إذا كان بين اثنين غنمان قيمة أحدهما خمسة دنانير والآخر أربعة، فإذا ضمّ إلى الثاني نصف دينار تساوى مع الأوّل، وتسمّى هذه قسمة الردّ.
      مسألة 2 - الظاهر إمكان جريان قسمة الردّ في جميع صور الشركة ممّا يمكن فيهاالتقسيم حتّى في ما إذا كانت في جنس واحد من المثليّات، بأن يقسّم متفاضلا ويضمّ إلى الناقص دراهم - مثلا - تجبر نقصه ويساوي مع الزائد قيمةً؛ وكذا إذا كانت في ثلاثة أغنام تساوي قيمة واحد منها مع الآخرين، بأن يُجعل غالي القيمة مع أحد الآخرين سهما وضمّ إلى السهم الآخر ما يساويهما قيمةً وهكذا.
      وأمّا قسمة التعديل فقد لاتتأتّى في بعض الصور كالمثال الأوّل، كما أنّ قسمة الإفراز قد لاتتأتّى كالمثال الثاني.
      وقد تتأتّى الأقسام الثلاثة، كما إذا اشترك اثنان في وزنة حنطة قيمتها عشرة دراهم ووزنة شعير قيمتها خمسة ووزنة حمّص قيمتها خمسة عشر؛ فإذا قسّم كلّ منها بانفرادها كانت قسمة إفراز؛ وإن جعلت الحنطة مع الشعير سهما والحمّص سهما كانت قسمة تعديل؛ وإن جعل الحمّص مع الشعير سهما والحنطة مع خمسة دراهم سهما كانت قسمة الردّ. ولا إشكال في صحّة الجميع مع التراضي إلّا قسمة الردّ مع إمكان غيرها، فإنّ في صحّتها إشكالا، بل الظاهر العدم. نعم، لا بأس بالمصالحة المفيدة فائدتها.
      مسألة 3 - لايعتبر في القسمة تعيين مقدار السهام بعد أن كانت معدّلة؛ فلو كانت صبرة من حنطة مجهولة الوزن بين ثلاثة فجعلت ثلاثة أقسام معدّلة بمكيال مجهول المقدار أو كانت بينهم عرصة أرض متساوية الأجزاء فقسّمت ثلاثة أقسام معدّلة بخشبة أو حبل لايدرى مقدار طولهما صحّ.
      مسألة 4 - لو طلب أحد الشريكين القسمة بأحد أقسامها: فإن كانت قسمة ردّ أو كانت مستلزمة للضرر فللشريك الآخر الامتناع ولم يجبر عليها، وتسمّى هذه قسمة تراض؛ وإن لم تكن قسمة ردّ ولا مستلزمة للضرر يجبر عليها الممتنع، وتسمّى قسمة إجبار. فإن كان المال لايمكن فيه إلّاقسمة الإفراز أو التعديل فلاإشكال. وأمّا في ما أمكن كلتاهما فإن طلب قسمة الإفراز يجبر الممتنع، بخلاف ما إذا طلب قسمة التعديل؛ فإذا كانا شريكين في أنواع متساوية الأجزاء -كحنطة وشعير وتمر وزبيب- فطلب أحدهما قسمة كلّ نوع بانفراده قسمة إفراز اُجبر الممتنع، وإن طلب قسمة تعديل بحسب القيمة لم يجبر؛ وكذا إذا كانت بينهما قطعتا أرض أو داران أو دكّانان فيجبر الممتنع عن قسمة كلّ منها على حدة، ولايجبر على قسمة التعديل. نعم، لو كانت قسمتها منفردةً مستلزمةً للضرر دون قسمتها بالتعديل اُجبر الممتنع على الثانية دون الاُولى.
      مسألة 5 - لو اشترك اثنان في دار ذات علو وسفل وأمكن قسمتها إفرازا بأن يصل إلى كلّ بمقدار حصّته منهما، وقسمتها على نحو يحصل لكلّ منهما حصّة من العلو والسفل بالتعديل، وقسمتها على نحو يحصل لأحدهما العلو وللآخر السفل، فإن طلب أحد الشريكين النحو الأوّل ولم يستلزم الضرر يجبر الآخر، ولا يجبر لو طلب أحد النحوين الآخرين. هذا مع إمكان الأوّل وعدم استلزام الضرر، وإلّا ففي النحوين الآخرين يقدّم الأوّل منهما، ويجبر الآخر لو امتنع، بخلاف الثاني. نعم، لو انحصر الأمر فيه يجبر إذا لم يستلزم الضرر ولا الردّ، وإلّا لم يجبر كما مرّ. وما ذكرناه جارٍ في أمثال المقام.
      مسألة 6 - لوكانت دار ذات بيوت أوخان ذات حُجَر بين جماعة وطلب بعض الشركاء القسمة اُجبر الباقون، إلّا إذا استلزم الضرر من جهة ضيقهماوكثرةالشركاء.
      مسألة 7 - لو كان بينهما بستان مشتمل على نخيل وأشجار فقسمته بأشجاره ونخيله بالتعديل قسمة إجبار، بخلاف قسمة كلّ من الأرض والأشجار على حدة، فإنّها قسمة تراضٍ لايجبر عليها الممتنع.
      مسألة 8 - لو كانت بينهما أرض مزروعة يجوز قسمة كلّ من الأرض والزرع -قصيلا كان أو سنبلا - على حدة، وتكون قسمة إجبار. وأمّا قسمتهما معا فهي قسمة تراضٍ لايُجبر الممتنع عليها، إلّا إذا انحصرت القسمة الخالية عن الضرر فيها فيجبر عليها. هذا إذا كان قصيلا أو سنبلا؛ وأمّا إذا كان حبّا مدفونا أو مخضرّا في الجملة ولم يكمل نباته فلا إشكال في قسمة الأرض وحدها وبقاء الزرع على إشاعته، والأحوط إفراز الزرع بالمصالحة. وأمّا قسمة الأرض بزرعها بحيث يجعل من توابعها فمحلّ إشكال.
      مسألة 9 - لو كانت بينهم دكاكين متعدّدة - متجاورة أو منفصلة - فإن أمكن قسمة كلّ منها بانفراده وطلبها بعض الشركاء وطلب بعضهم قسمة تعديل لكي تتعيّن حصّة كلّ منهم في دكّان تامّ أو أزيد يقدّم ما طلبه الأوّل ويجبر عليها الآخر، إلّا إذا انحصرت القسمة الخالية عن الضرر بالنحو الثاني فيجبر الأوّل.
      مسألة 10 - لو كان بينهما حمّام وشبهه ممّا لايقبل القسمة الخالية عن الضرر لم يجبر الممتنع. نعم، لو كان كبيرا بحيث يقبل الانتفاع بصفة الحمّاميّة من دون ضرر ولو بإحداث مستوقد أو بئر اُخرى فالأقرب الإجبار.
      مسألة 11 - لوكان لأحد الشريكين عشر من دار - مثلا - وهو لايصلح للسكنى ويتضرّر هو بالقسمة دون الشريك الآخر فلو طلب القسمة لغرض يجبر شريكه، ولم يجبر هو لو طلبها الآخر.
      مسألة 12 - يكفي في الضرر المانع عن الإجبار حدوث نقصان في العين أو القيمة بسبب القسمة بما لايتسامح فيه في العادة وإن لم يسقط المال عن قابليّة الانتفاع بالمرّة.
      مسألة 13 - لابدّ في القسمة من تعديل السهام ثمّ القرعة. أمّا كيفيّة التعديل فإن كانت حصص الشركاء متساوية - كما إذا كانوا اثنين ولكلّ منهما النصف أو ثلاثة ولكلّ منهم الثلث وهكذا - يعدّل السهام بعدد الرؤوس، ويعلّم كلّ سهم بعلامةتميّزه عن غيره؛ فإذا كانت قطعة أرض متساوية الأجزاء بين ثلاثة -مثلا- تجعل ثلاث قطع متساوية مساحةً، ويميّز بينها بمميّز كالاُولى لإحداها، والثانية للاُخرى، والثالثة للثالثة؛ وإذا كانت دار مشتملةً على بيوت بين أربعة -مثلا- تجعل أربعة أجزاء متساوية بحسب القيمة إن لم يمكن قسمة إفراز إلّا بالضرر، وتميّز كلّ منها بمميّز كالقطعة الشرقيّة والغربيّة والشماليّة والجنوبيّة المحدودات بحدود كذائيّة. وإن كانت الحصص متفاوتةً - كما إذا كان المال بين ثلاثة : سدس لعمرو وثلث لزيد ونصف لبكر - تجعل السهام على أقلّ الحصص، ففي المثال تجعل السهام ستّة معلّمة كلّ منها بعلامة كما مرّ.
      وأمّا كيفيّة القرعة ففي الأوّل - وهو ما كانت الحصص متساويةً - تؤخذ رقاع بعدد رؤوس الشركاء، رقعتان إذا كانوا اثنين، وثلاث إذا كانوا ثلاثة وهكذا. ويتخيّر بين أن يكتب عليها أسماء الشركاء: على إحداها زيد واُخرى عمرو مثلا، أو أسماء السهام: على إحداها أوّل وعلى الاُخرى ثاني وهكذا، ثمّ تشوّش وتستر ويؤمر من لم يشاهدها فيخرج واحدة واحدة. فإن كتب عليها اسم الشركاء يعيّن سهم كالأوّل، وتخرج رقعة باسم هذا السهم قاصدين أن يكون لكلّ من خرج اسمه، فكلّ من خرج اسمه يكون له، ثمّ يعيّن السهم الآخر وتخرج رقعة اُخرى لذلك السهم، فمن خرج اسمه فهو له وهكذا. وإن كتب عليها اسم السهام يعيّن أحد الشركاء وتخرج رقعة، فكلّ سهم خرج اسمه فهو له، ثمّ تخرج اُخرى لشخص آخر وهكذا.
      وفي الثاني - وهو ما كانت الحصص متفاوتهً، كالمثال المتقدّم الّذي قد تقدّم أنّه تجعل السهام على أقلّ الحصص وهو السدس - يتعيّن فيه أن تؤخذ الرقاع بعدد الرؤوس، يكتب - مثلا - على إحداها زيد، وعلى الاُخرى عمرو، وعلى الثالثة بكر، وتستر كما مرّ؛ ويقصد أنّ كل من خرج اسمه على سهم كان له ذلك مع مايليه بما يكمّل تمام حصّته، ثمّ تخرج إحداها على السهم الأوّل، فإن كان عليها اسم صاحب السدس تعيّن له، ثمّ تخرج اُخرى على السهم الثاني فإن كان عليها اسم صاحب الثلث كان الثاني والثالث له، ويبقى الرابع والخامس والسادس لصاحب النصف ،ولا يحتاج إلى إخراج الثالثة، وإن كان عليها اسم صاحب النصف كان له الثاني والثالث والرابع، ويبقى الباقي لصاحب الثلث؛ وإن كان ما خرج على السهم الأوّل اسم صاحب الثلث كان الأوّل والثاني له، ثمّ تخرج اُخرى على السهم الثالث، فإن خرج اسم صاحب السدس فهو له، وتبقى الثلاثة الأخيرة لصاحب النصف، وإن خرج اسم صاحب النصف كان الثالث والرابع والخامس له، ويبقى السادس لصاحب السدس، وقس على ذلك غيره.
      مسألة 14 - الظاهر أنّه ليست للقرعة كيفيّة خاصّة، وإنّما تكون منوطةً بمواضعة القاسم والمتقاسمين بإناطة التعيّن بأمر ليست إرادة المخلوق دخيلةً فيه، مفوّضا للأمر إلى الخالق جلّ شأنه، سواء كان بكتابة رقاع أو إعلام علامة في حصاة أو نواة أو ورق أو خشب أو غير ذلك.
      مسألة 15 - الأقوى أنّه تتمّ القسمة بإيقاع القرعة كما تقدّم، ولا يحتاج إلى تراضٍ آخر بعدها فضلا عن إنشائه وإن كان أحوط في قسمة الردّ.
      مسألة 16 - لو طلب بعض الشركاء المهايأة في الانتفاع بالعين المشتركة إمّا بحسب الزمان بأن يسكن هذا في شهر وذاك في شهر - مثلا - وإمّا بحسب الأجزاء بأن يسكن هذا في الفوقانيّ وذلك في التحتانيّ - مثلا - لم يلزم على شريكه القبول، ولم يجبر إذا امتنع. نعم، يصحّ مع التراضي لكن ليس بلازم، فيجوز لكلّ منهما الرجوع. هذا في شركة الأعيان. وأمّا في شركة المنافع فينحصر إفرازها بالمهايأة، لكنّها فيها أيضا غير لازمة. نعم، لو حكم الحاكم الشرعيّ بها في مورد لأجل حسم النزاع يجبر الممتنع وتلزم.
      مسألة 17 - القسمة في الأعيان بعد التماميّة والإقراع لازمة، وليس لأحد من الشركاء إبطالها وفسخها؛ بل الظاهر أنّه ليس لهم فسخها وإبطالها بالتراضي، لأنّ الظاهر عدم مشروعيّة الإقالة فيها. وأمّا بغير القرعة فلزومها محلّ إشكال.
      مسألة 18 - لاتشرع القسمة في الديون المشتركة، فإذا كان لزيد وعمرومعا ديون على الناس بسبب يوجب الشركة كالإرث فأرادا تقسيمها قبل استيفائها فعدّلا بينها وجعلا ما على الحاضر - مثلاً - لأحدهما وما على البادي للآخر لم تفرز، بل تبقى على إشاعتها. نعم، لو اشتركا في دين على أحد واستوفى أحدهما حصّته بأن قصد كلّ من الدائن والمديون أن يكون ما يأخذه وفاءً وأداءً لحصّته فالظاهر تعيّنه وبقاء حصّة الشريك في ذمّة المديون.
      مسألة 19 - لو ادّعى أحد الشريكين الغلط في القسمة أو عدم التعديل فيهإ؛»: ظظ وأنكر الآخر لاتُسمع دعواه إلّا بالبيّنة، فإن أقامت نقضت واحتاجت إلى قسمة جديدة، وإن لم تكن بيّنة كان له إحلاف الشريك.
      مسألة 20 - لو قسّم الشريكان فصار في كلّ حصّة بيت وقد كان يجري ماء أحدهما على الآخر لم يكن للثاني منعه، إلّا إذا اشترطا حين القسمة ردّه عنه. ومثله ما لو كان مسلك البيت الواقع لأحدهما في نصيب الآخر من الدار.
      مسألة 21 - لايجوز قسمة الوقف بين الموقوف عليهم، إلّا إذا وقع تشاحّ بينهم مؤدّ إلى خرابه ولا ترتفع غائلته إلّا بالقسمة، فيقسّم بين الطبقة الموجودة. ولا ينفذ التقسيم بالنسبة إلى الطبقة اللاحقة إذا كان مخالفا لمقتضى الوقف بسبب اختلاف البطون قلّةً وكثرةً. نعم، يصحّ إفراز الوقف عن الطلق وتقسيمهما بأن كان ملك نصفه المشاع وقفا ونصفه ملكا؛ بل الظاهر جواز إفراز وقف عن وقف، وهو في ما إذا كان ملكٌ لأحد فوقف نصفه على زيد وذرّيّته ونصفه على عمرو كذلك، أو كان ملكٌ بين اثنين فوقف أحدهما حصّته على ذرّيّته - مثلا - والآخر حصّته على ذرّيّته، فيجوز إفراز أحدهما عن الآخر بالقسمة. والمتصدّي لها الموجودون من الموقوف عليهم ووليّ البطون اللاحقة.

  • كتاب المزارعة

     

    کتاب المزارعة

    وهی المعاملة علی أن تزرع الأرض بحصّة من حاصلها. وهی عقد یحتاج إلی إیجابٍ من صاحب الأرض، وهو کلّ لفظ أفاد إنشاء هذا المعنی - کقوله «زارعتک» أو «سلّمت إلیک الأرض مدّة کذا علی أن تزرعها علی کذا» وأمثال ذلک - وقبولٍ من الزارع بلفظ أفاد ذلک کسائر العقود. والظاهر کفایة القبول الفعلیّ بعد الإیجاب القولیّ، بأن یتسلّم الأرض بهذا القصد. ولا یعتبر فی عقدها العربیّة، فیقع بکلّ لغة. ولا یبعد جریان المعاطاة فیها بعد تعیین ما یلزم تعیینه.
    مسألة 1 - یعتبر فیها زائدا علی ما اعتبر فی المتعاقدین - من البلوغ، والعقل، والقصد، والاختیار، والرشد، وعدم الحجر لفلس إن کان تصرّفه مالیّا، دون غیره کالزارع إذا کان منه العمل فقط - اُمور:
    أحدها: جعل الحاصل مشاعا بینهما، فلو جعل الکلّ لأحدهما أو بعضه الخاصّ - کالّذی یحصل متقدّما أو الّذی یحصل من القطعة الفلانیّة - لأحدهما والآخر للآخر لم یصحّ.
    ثانیها: تعیین حصّة الزارع بمثل النصف أو الثلث أو الربع ونحو ذلک.
    ثالثها: تعیین المدّة بالأشهر أو السنین. ولو اقتصر علی ذکر المزروع فی سنة واحدة ففی الاکتفاء به عن تعیین المدّة وجهان، أوجههما الأوّل لکن فی ما إذإ؛«» ظظ عیّن مبدأ الشروع فی الزرع. وإذا عیّن المدّة بالزمان لابدّ أن یکون مدّةً یدرک فیها الزرع بحسب العادة، فلا تکفی المدّة القلیلة الّتی تقصر عن إدراکه.
    رابعها: أن تکون الأرض قابلةًللزرع ولوبالعلاج والإصلاح وطمّ الحفر وحفر النهر ونحو ذلک؛ فلو کانت سبخةً لاتقبل للزرع أو لم یکن لها ماء ولا یکفیه ماء السماء ولا یمکن تحصیل الماء له ولو بمثل حفر النهر أو البئر أو الشراء لم یصحّ.
    خامسها: تعیین المزروع، من أنّه حنطة أو شعیر أو غیرهما مع اختلاف الأغراض فیه. ویکفی فیه تعارف یوجب الانصراف. ولو صرّح بالتعمیم صحّ، فیتخیّر الزارع بین أنواعه.
    سادسها: تعیین الأرض؛ فلو زارعه علی قطعة من هذه القطعات أو مزرعة من هذه المزارع بطل. نعم، لو عیّن قطعةً معیّنةً من الأرض الّتی لم تختلف أجزاؤها وقال: «زارعتک علی جریب من هذه القطعة» علی النحو الکلّیّ فی المعیّن فالظاهر الصحّة، ویکون التخییر فی تعیینه لصاحب الأرض.
    سابعها: أن یعیّنا کون البذر وسائرالمصارف علی أیّ منهما إن لم یکن تعارفٌ.
    مسألة 2 - لایعتبر فی المزارعة کون الأرض ملکا للمزارع، بل یکفی کونه مالکا لمنفعتها أو انتفاعها بالإجارة ونحوها مع عدم اشتراط الانتفاع بنفسه مباشرةً، أو أخذها من مالکها بعنوان المزارعة، أو کانت أرضا خراجیّةً وقد تقبّلها من السلطان أو غیره مع عدم الاشتراط المتقدّم. ولو لم یکن له فیها حقّ ولا علیها سلطنة أصلا کالموات لم تصحّ مزارعتها وإن أمکن أن یتشارک مع غیره فی زرعها وحاصلها مع الاشتراک فی البذر، لکنّه لیس من المزارعة.
    مسألة 3 - إذا أذن مالک الأرض أو المزرعة إذنا عامّا بأنّ کلّ من زرع ذلک فله نصف الحاصل - مثلا - فأقدم شخص علیه استحقّ المالک حصّته.
    مسألة 4 - لو اشترطا أن یکون الحاصل بینهما بعد إخراج الخراج أو بعد إخراج البذر لباذله أو ما یصرف فی تعمیر الأرض لصارفه: فإن اطمأنّا ببقاء شی ء بعد ذلک من الحاصل لیکون بینهما صحّ، وإلّا بطل.
    مسألة 5 - لو انقضت المدّة المعیّنة ولم یدرک الزرع لم یستحقّ الزارع إبقاءه ولو بالاُجرة، بل للمالک الأمر بإزالته من دون أرش، وله إبقاؤه مجّانا أو مع الاُجرة إن رضی الزارع بها.
    مسألة 6 - لو ترک الزارع الزرع حتّی انقضت المدّة فهل یضمن اُجرة المثل أو مایعادل حصّة المالک بحسب التخمین أو لا یضمن شیئا؟ وجوه، أوجهها ضمان اُجرةالمثل فی ما إذا کانت الأرض تحت یده وترک الزراعة بتفریط منه، وفی غیره عدم الضمان، والأحوط التراضی والتصالح. هذا إذا لم یکن ترکها لعذرعامّ کالثلوج الخارقة أو صیرورة المحلّ معسکرا أو مسبعةً ونحوها، وإلّا انفسخت المزارعة.
    مسألة 7 - لو زارع علی أرض ثمّ تبیّن للزارع أنّه لا ماء لها فعلا لکن أمکن تحصیله بحفر بئر ونحوه صحّت، لکن للعامل خیار الفسخ. وکذا لو تبیّن کون الأرض غیر صالحة للزراعة إلّا بالعلاج التامّ، کما إذا کان الماء مستولیا علیها ویمکن قطعه. نعم، لو تبیّن أنّه لا ماء لها فعلا ولا یمکن تحصیله أو کانت مشغولةً بمانع لا یمکن إزالته ولا یرجی زواله بطل.
    مسألة 8 - لو عیّن المالک نوعا من الزرع کالحنطة - مثلا - فزرع غیره ببذره: فإن کان التعیین علی وجه الشرطیّة فی ضمن عقد المزارعة کان له الخیار بین الفسخ والإمضاء، فإن أمضاه أخذ حصّته، وإن فسخ کان الزرع للزارع وعلیه للمالک اُجرة الأرض. وأمّا إذا کان علی وجه القیدیّة فله علیه اُجرة الأرض وأرش نقصها علی فرضه.
    مسألة 9 - الظاهر صحّة جعل الأرض والعمل من أحدهما والبذر والعوامل من الآخر، أو واحد منها من أحدهما والبقیّة من الآخر، بل الظاهر صحّة الاشتراک فی الکلّ. ولابدّ من تعیین ذلک حین العقد، إلّا إذا کان هناک معتاد یغنی عنه. والظاهر عدم لزوم کون المزارعة بین الاثنین، فیجوز أن تجعل الأرض من أحدهم والبذر من الآخر والعمل من الثالث والعوامل من الرابع، وإن کان الأحوط ترک هذه الصورة وعدم التعدّی عن اثنین، بل لایترک ما أمکن.
    مسألة 10 - یجوز للزارع أن یشارک غیره فی مزارعته، بجعل حصّة من حصّته لمن یشارکه؛ کما یجوز أن ینقل حصّته إلی الغیر ویشترط علیه القیام بأمر الزراعة. والناقل طرف للمالک، وعلیه القیام بأمرها ولو بالتسبیب. وأمّا مزارعة الثانی بحیث کان الزارع الثانی طرفا للمالک فلیست بمزارعة، ولا یصحّ العقد کذلک. ولا یعتبر فی صحّة التشریک فی المزارعة ولا فی نقل حصّته إذن المالک. نعم، لایجوز علی الأحوط تسلیم الأرض إلی ذلک الغیر إلّا بإذنه، کما أنّه لو شرط علیه المالک أن یباشر بنفسه - بحیث لایشارکه غیره ولا ینقل حصّته إلی الغیر - کان هو المتّبع.
    مسألة 11 - عقد المزارعة لازم من الطرفین، فلا ینفسخ بفسخ أحدهما إلّا إذا کان له خیار. وینفسخ بالتقایل کسائر العقود اللازمة؛ کما أنّه یبطل وینفسخ قهرا بخروج الأرض عن قابلیّة الانتفاع بسبب مع عدم تیسّر العلاج.
    مسألة 12 - لاتبطل المزارعة بموت أحد المتعاقدین؛ فإن مات ربّ الأرض قام وارثه مقامه، وإن مات العامل فکذلک، فإمّا أن یتمّوا العمل ولهم حصّة مورّثهم، وإمّا أن یستأجروا شخصا لإتمامه من مال المورّث ولو الحصّة المزبورة، فإن زاد شی ء کان لهم. نعم، لو شرط علی العامل مباشرته للعمل تبطل بموته.
    مسألة 13 - لو تبیّن بطلان المزارعة بعد ما زرع الأرض: فإن کان البذر لصاحب الأرض کان الزرع له، وعلیه اُجرة العامل والعوامل إن کانت من العامل، إلّا إذا کان البطلان مستندا إلی جعل جمیع الحاصل لصاحب الأرض، فإنّ الأقوی حینئذٍ عدم اُجرة العمل والعوامل علیه. وإن کان من العامل کان الزرع له وعلیه اُجرة الأرض؛ وکذا العوامل إن کانت من صاحب الأرض، إلّا إذا کان البطلان مستندا إلی جعل جمیع الحاصل للزارع، فالأقوی حینئذٍ عدم اُجرة الأرض والعوامل علیه. ولیس للزارع إبقاء الزرع إلی بلوغ الحاصل ولو بالاُجرة، فللمالک أن یأمر بقلعه.
    مسألة 14 - کیفیّة اشتراک العامل مع المالک فی الحاصل تابعة للجعل الواقع بینهما؛ فتارةً یشترکان فی الزرع من حین طلوعه وبروزه، فیکون حشیشه وقصیله وتبنه وحبّه کلّها مشترکة بینهما؛ واُخری یشترکان فی خصوص حبّه إمّا من حین انعقاده أو بعده إلی زمان حصاده، فیکون الحشیش والقصیل والتبن کلّها لصاحب البذر، ویمکن أن یجعل البذر لأحدهما والحشیش والقصیل والتبن للآخر مع اشتراکهما فی الحبّ. هذا مع التصریح، وأمّا مع عدمه فالظاهر من مقتضی وضع المزارعة عند الإطلاق الوجه الأوّل، فالزرع بمجرّد طلوعه وبروزه یکون مشترکا بینهما.
    ویترتّب علی ذلک اُمور:
    منها: کون القصیل والتبن أیضا بینهما.
    ومنها: تعلّق الزکاة بکلّ منهما إذا کان حصّة کلّ منهما بالغا حدّ النصاب، وتعلّقها بمن بلغ نصیبه حدّه إن بلغ نصیب أحدهما، وعدم التعلّق أصلا إن لم یبلغ النصاب نصیب واحد منهما.
    ومنها: أنّه لو حصل فسخ من أحدهما بخیار أو منهما بالتقایل فی الأثناء یکون الزرع بینهما. ولیس لصاحب الأرض علی العامل اُجرة أرضه، ولا للعامل علیه اُجرة عمله بالنسبة إلی ما مضی.
    وأمّا بالنسبة إلی الآتی إلی زمان البلوغ والحصاد فإن وقع بینهما التراضی بالبقاء بلا اُجرة أو معها أو علی القطع قصیلاً فلا إشکال، وإلّا فکلّ منهما مسلّط علی حصّته، فلصاحب الأرض مطالبة القسمة وإلزام الزارع بقطع حصّته، کما أنّ للزارع مطالبتها لیقطع حصّته.
    مسألة 15 - خراج الأرض ومال الاجارة للأرض المستأجرة علی المزارع، لاالزارع إلّا إذا اشترط علیه کلّاً أو بعضا. وأمّا سائر المُؤَن - کشقّ الأنهار، وحفر الآبار، وإصلاح النهر، وتهیئة آلات السقی، ونصب الدولاب والناعور، ونحو ذلک - فلابدّ من تعیین کونها علی أیّ منهما، إلّا إذا کانت عادة تغنی عن التعیین.
    مسألة 16 - یجوز لکلّ من الزارع والمالک عند بلوغ الحاصل تقبّل حصّة الآخر بحسب الخرص بمقدار معیّن من حاصله بالتراضی. والأقوی لزومه من الطرفین بعد القبول وإن تبیّن بعد ذلک زیادتها أو نقیصتها، فعلی المتقبّل تمام ذلک المقدار ولو تبیّن أنّ حصّة صاحبه أقلّ منه، کما أنّ علی صاحبه قبول ذلک وإن تبیّن کونها أکثر منه، ولیس له مطالبة الزائد.
    مسألة 17 - لو بقیت فی الأرض اُصول الزرع بعد جمع الحاصل وانقضاء المدّة فنبتت بعد ذلک فی العام المستقبل: فإن کان القرار الواقع بینهما علی اشتراکهما فی الزرع واُصوله کان الزرع الجدید بینهما علی حسب الزرع السابق، وإن کان علی اشتراکهما فی ما خرج من الزرع فی ذلک العام فهو لصاحب البذر، فإن أعرض عنه فهو لمن سبق.
    مسألة 18 - تجوز المزارعة علی أرض بائرة - لایمکن زرعها إلّا بعدإصلاحها وتعمیرها- علی أن یعمّرها ویصلحها ویزرعها سنة أو سنتین - مثلا - لنفسه ثمّ یکون الحاصل بینهما بالإشاعة بحصّة معیّنة فی مدّة مقدّرة.

  • كتاب المساقاة

     

    كتاب المساقاة

    وهي المعاملة على اُصول ثابتة، بأن يسقيها مدّة معيّنة بحصّة من ثمرها. وهي عقد يحتاج إلى إيجاب - كقول صاحب الاُصول «ساقيتك» أو «عاملتك» أو «سلّمت إليك» وما أشبه ذلك - وقبول نحو «قبلت» وشبهه. ويكفي فيهما كلّ لفظ دالّ على المعنى المذكور بأيّ لغة كانت. والظاهر كفاية القبول الفعليّ بعد الإيجاب القوليّ، كما تجري فيها المعاطاة على ما مرّ في المزارعة.
    ويعتبر فيها بعد شرائط المتعاقدين - من البلوغ، والعقل، والقصد، والاختيار، وعدم الحجر لسفه فيهما ولفلس من غير العامل - أن تكون الاُصول مملوكةً عينا أو منفعةً أو يكون المتعامل نافذ التصرّف لولاية أو غيرها؛ وأن تكون معيّنةً عندهما معلومةً لديهما؛ وأن تكون مغروسةً ثابتةً، فلا تصحّ في الفسيل قبل الغرس ولا على اُصول غير ثابتة كالبطّيخ والخيار ونحوهما؛ وأن تكون المدّة معلومةً مقدّرةً بما لا يحتمل الزيادة والنقصان كالأشهر والسنين، والظاهر كفاية جعل المدّة إلى بلوغ الثمر في العام الواحد إذا عيّن مبدأ الشروع في السقي؛ وأن تكون الحصّة معيّنةً مشاعةً بينهما مقدّرةً بمثل النصف أوالثلث ونحوهما، فلايصحّ أن يجعل لأحدهما مقدارا معيّنا والبقيّة للآخر، أو يجعل لأحدهما أشجارا معلومةً وللآخر اُخرى. نعم، لايبعد جواز أن يشترط اختصاص أحدهما بأشجار معلومة والاشتراك في البقيّة، أو يشترط لأحدهما مقدار معيّن مع الاشتراك في البقيّة إذا علم كون الثمر أزيد منه وأنّه تبقى بقيّة.
    مسألة 1 - لا إشكال في صحّة المساقاة قبل ظهور الثمر. وفي صحّتها بعد الظهور وقبل البلوغ قولان، أقواهما الصحّة إذا كانت الأشجار محتاجةً إلى السقي أو عمل آخر ممّا تستزاد به الثمرة ولو كيفيّةً. وفي غيره محلّ إشكال، كما أنّ الصحّة بعد البلوغ والإدراك - بحيث لايحتاج إلى عمل غير الحفظ والاقتطاف- محلّ إشكال.
    مسألة 2 - لا تجوز المساقاة على الأشجار غير المثمرة كالخلاف ونحوه. نعم، لا يبعد جوازها على ما ينتفع بورقه أو ورده منها، كالتوت الذكر والحنّاء وبعض أقسام الخلاف ذي الورد ونحوها.
    مسألة 3 - تجوز المساقاة على فسلان مغروسة قبل أن تصير مثمرة، بشرط أن تجعل المدّة بمقدار تصير مثمرةً فيها، كخمس سنين أو ستّ أو أزيد.
    مسألة 4 - لو كانت الأشجار لاتحتاج إلى السقي لاستغنائها بماء السماء أو لمصّها من رطوبات الأرض ولكن احتاجت إلى أعمال اُخر فالأقرب الصحّة إذا كانت الأعمال يستزاد بها الثمر، كانت الزيادة عينيّةً أو كيفيّةً. وفي غيرها تشكل الصحّة، فلا يترك الاحتياط.
    مسألة 5 - لو اشتمل البستان على أنواع من الشجر والنخيل يجوز أن يفرد كلّ نوع بحصّة مخالفة للحصّة من النوع الآخر، كما إذا جعل النصف في ثمرة النخيل والثلث في الكرم والربع في الرمّان مثلا ؛ لكن إذا علما بمقدار كلّ نوع من الأنواع، كما أنّ العلم الرافع للغرر شرط في المعاملة على المجموع بحصّة متّحدة.
    مسألة 6 - من المعلوم أن ما يحتاج إليه البساتين والنخيل والأشجار في إصلاحها وتعميرها واستزادة ثمارها وحفظها أعمال كثيرة:
    فمنها: ما يتكرّر في كلّ سنة مثل إصلاح الأرض، وتنقية الأنهار، وإصلاح طريق الماء، وإزالة الحشيش المضرّ، وتهذيب جرائد النخل والكرم، والتلقيح، والتشميس، وإصلاح موضعه، وحفظ الثمرة إلى وقت القسمة، وغير ذلك.
    ومنها: ما لا يتكرّر غالبا، كحفر الآبار والأنهار، وبناء الحائط والدولاب والدالية ونحو ذلك. فمع إطلاق عقد المساقاة الظاهر أنّ القسم الثاني على المالك، وأمّا القسم الأوّل فيتّبع التعارف والعادة، فما جرت على كونه على المالك أو العامل كان هو المتّبع، ولا يحتاج إلى التعيين؛ ولعلّ ذلك يختلف باختلاف البلاد. وإن لم تكن عادة لابدّ من تعيين أنّه على أيّهما.
    مسألة 7 - المساقاة لازمة من الطرفين، لا تنفسخ إلّا بالتقايل أو الفسخ بخيار، ولا تبطل بموت أحدهما، بل يقوم وارثهما مقامهما. نعم، لو كانت مقيّدةً بمباشرة العامل تبطل بموته.
    مسألة 8 - لايشترط في المساقاة أن يكون العامل مباشرا بنفسه، فيجوز أن يستأجر أجيرا لبعض الأعمال أو تمامها وتكون عليه الاُجرة. وكذا يجوز أن يتبرّع متبرّع بالعمل ويستحقّ العامل الحصّة المقرّرة. نعم، لو لم يقصد التبرّع عنه ففي كفايته إشكال. وأشكل منه لو قصد التبرّع عن المالك. وكذا الحال لو لم يكن عليه إلّا السقي ويستغنى عنه بالأمطار ولم يحتج إليه أصلا. نعم، لو كان عليه أعمال اُخر غير السقي واستغني عنه بالمطر وبقي سائر الأعمال: فإن كانت بحيث يستزاد بها الثمر فالظاهر استحقاق حصّته، وإلّا فمحلّ إشكال.
    مسألة 9 - يجوز أن يشترط للعامل مع الحصّة من الثمر شيئا آخر من نقد وغيره، وكذا حصّة من الاُصول مشاعا أو مفروزا.
    مسألة 10 - كلّ موضع بطل فيه عقد المساقاة تكون الثمرة للمالك، وللعامل عليه اُجرة مثل عمله حتّى مع علمه بالفساد شرعا. نعم، لو كان الفساد مستندا إلى اشتراط كون جميع الثمرة للمالك لم يستحقّ الاُجرة حتّى مع جهله بالفساد.
    مسألة 11 - يملك العامل الحصّة من الثمر حين ظهوره؛ فإن مات بعده قبل القسمة وبطلت المساقاة من جهة اشتراط مباشرته للعمل انتقلت حصّته إلى وارثه، وتجب عليه الزكاة لو بلغت النصاب.
    مسألة 12 - المغارسة باطلة. وهي أن يدفع أرضا إلى غيره ليغرس فيها على أن يكون المغروس بينهما، سواء اشترط كون حصّة من الأرض أيضا للعامل أولا، وسواء كانت الاُصول من المالك أو من العامل؛ وحينئذٍ يكون الغرس لصاحبه، فإن كانت من مالك الأرض فعليه اُجرة عمل الغارس، وإن كانت من الغارس فعليه اُجرة الأرض؛ فإن تراضيا على الإبقاء بالاُجرة أولا معها فذاك، وإلّا فلمالك الأرض الأمر بالقلع، وعليه أرش النقص إن نقص بالقلع، كما أنّ للغارس قلعه، وعليه طمّ الحفر ونحو ذلك ممّا حصل بالغرس، وليس لصاحب الأرض إلزامه بالإبقاء ولو بلا اُجرة.
    مسألة 13 - بعد بطلان المغارسة يمكن أن يتوصّل إلى نتيجتها، بإدخالها تحت عنوان آخر مشروع يشتركان في الاُصول: إمّا بشرائها بالشركة ولو بأن يوكّل صاحب الأرض الغارسَ في أنّ كلّ ما يشتري من الفسيل يشتريه لهما، ثمّ يؤاجر الغارس نفسه لغرس حصّة صاحب الأرض وسقيها وخدمتها في مدّة معيّنة بنصف منفعة أرضه إلى تلك المدّة أو بنصف عينها؛ أو بتمليك أحدهما للآخر نصف الاُصول - مثلا - إن كانت من أحدهما، ويجعل العوضَ إذا كانت لصاحب الأرض الغرسَ والخدمةَ إلى مدّة معيّنة شارطا على نفسه بقاء حصّة الغارس في أرضه مجّانا إلى تلك المدّة، وإذا كانت من الغارس يجعل العوض نصف عين الأرض أو نصف منفعتها إلى مدّةمعيّنة شارطاعلى نفسه غرس حصّةصاحب الأرض وخدمتها إلى تلك المدّة.
    مسألة 14 - الخراج الّذي يأخذه السلطان من النخيل والأشجار في الأراضي الخراجيّة على المالك، إلّا إذا اشترطا كونه على العامل أو عليهما.
    مسألة 15 - لايجوز للعامل في المساقاة أن يساقي غيره إلّا بإذن المالك، لكن مرجع إذنه فيها إلى توكيله في إيقاع مساقاة اُخرى للمالك مع شخص ثالث بعد فسخ الاُولى، فلا يستحقّ العامل الأوّل شيئا. نعم، يجوز للعامل تشريك غيره في العمل على الظاهر.

  • كتاب الدين والقرض
  •  

    كتاب الدين والقرض

    الدين مال كلّيّ ثابت في ذمّة شخص لآخر بسبب من الأسباب. ويقال لمن اشتغلت ذمّته به: المديون والمدين، وللآخر: الدائن والغريم. وسببه إمّا الاقتراض، أو اُمور اُخر اختياريّة - كجعله مبيعا في السلم، أو ثمنا في النسيئة، أو اُجرةً في الإجارة، أو صداقا في النكاح، أو عوضا في الخلع، وغير ذلك - أو قهريّة، كما في موارد الضمانات، ونفقة الزوجة الدائمة، ونحو ذلك. وله أحكام مشتركة وأحكام مختصّة بالقرض.

    • القول في أحكام الدين

       

      القول في أحكام الدين

      مسألة 1 - الدين إمّا حالّ فللدائن مطالبته واقتضاؤه، ويجب على المديون أداؤه مع التمكّن واليسار في كلّ وقت، وإمّا مؤجّل فليس للدائن حقّ المطالبة، ولا يجب على المديون القضاء إلّا بعد انقضاء المدّة المضروبة وحلول الأجل. وتعيين الأجل تارةً بجعل المتداينين كما في السلم والنسيئة، واُخرى بجعل الشارع كالنجوم والأقساط المقرّرة في الدية.
      مسألة 2 - لو كان الدين حالّاً أو مؤجّلا وقد حلّ أجله فكما يجب على المديون الموسر أداؤه عند مطالبة الدائن كذلك يجب على الدائن أخذه وتسلّمه إذا صار المديون بصدد أدائه وتفريغ ذمّته. وأمّا الدين المؤجّل قبل حلول أجله فلاإشكال في أنّه ليس للدائن حقّ المطالبة. وإنّما الإشكال في أنّه هل يجب عليه القبول لو تبرّع المديون بأدائه أم لا؟ وجهان بل قولان، أقواهما الثاني، إلّا إذا علم بالقرائن أنّ التأجيل لمجرّد إرفاق على المديون، من دون أن يكون حقّا للدائن.
      مسألة 3 - قد عرفت أنّه إذا أدّى المديون دينه الحالّ يجب على الدائن أخذه؛ فإذا امتنع أجبره الحاكم لو التمس منه المديون؛ ولو تعذّر إجباره أحضره عنده ومكّنه منه بحيث صارتحت يده وسلطانه عرفا، وبه تفرغ ذمّته؛ ولو تلف بعد ذلك فلا ضمان عليه. ولو تعذّر عليه ذلك فله أن يسلّمه إلى الحاكم وبه تفرغ ذمّته. وهل يجب على الحاكم القبول؟ فيه تأمّل وإشكال. ولو لم يوجد الحاكم فهل له أن يعيّن الدين في مال مخصوص ويعزله؟ فيه تأمّل وإشكال. ولو كان الدائن غائبا ولايمكن إيصاله إليه وأراد المديون تفريغ ذمّته أوصله إلى الحاكم عند وجوده. وفي وجوب القبول عليه الإشكال السابق. ولو لم يوجد الحاكم يبقى في ذمّته إلى أن يوصله إلى الدائن أو من يقوم مقامه.
      مسألة 4 - يجوز التبرّع بأداء دين الغير حيّا كان أو ميّتا؛ وبه تبرأ ذمّته وإن كان بغير إذنه بل وإن منعه. ويجب على من له الدين القبول.
      مسألة 5 - لايتعيّن الدين في ماعيّنه المدين، ولايصير ملكاللدائن مالم يقبضه. وقد مرّ التأمّل والإشكال في تعيّنه بالتعيين عند امتناع الدائن عن القبول في المسألة الثالثة؛ فلو كان عليه درهم وأخرج من كيسه درهما ليدفعه إليه وفاءً عمّا عليه وقبل وصوله بيده تلف كان من ماله، وبقي ما في ذمّته على حاله.
      مسألة 6 - يحلّ الدين المؤجّل بموت المديون قبل حلول أجله، لا موت الدائن؛ فلو مات يبقى على حاله ينتظر ورثته انقضاءه؛ فلو كان الصداق مؤجّلا إلى مدّة معيّنة ومات الزوج قبل حلوله استحقّت الزوجة مطالبته بعد موته؛ بخلاف ما إذا ماتت الزوجة، فليس لورثتها المطالبة قبل انقضائه. ولا يلحق بموت الزوج طلاقه، فلو طلّقها يبقى صداقها المؤجّل على حاله. كما أنّه لا يلحق بموت المديون تحجيره بسبب الفلس؛ فلو كان عليه ديون حالّة وديون مؤجّلة يقسّم ماله بين أرباب الديون الحالّة، ولا يشاركهم أرباب المؤجّلة.
      مسألة 7 - لايجوز بيع الدين بالدين على الأقوى في ما إذا كانا مؤجّلين وإن حلّ أجلهما؛ وعلى الأحوط في غيره، بأن كان العوضان كلاهما دينا قبل البيع، كما إذا كان لأحدهما على الآخر طعام كوزنة من حنطة وللآخر عليه طعام آخر كوزنة من شعير فباع الشعير بالحنطة، أو كان لأحدهما على شخص طعام وللآخر على ذلك الشخص طعام آخر فباع ما له على ذلك الشخص بما للآخر عليه، أو كان لأحدهما على شخص طعام وللآخر طعام على شخص آخر فبيع أحدهما بالآخر. وأمّا إذا لم يكن العوضان كلاهما دينا قبل البيع وإن صار أحدهما أو كلاهما دينا بسبب البيع كما إذا باع ماله في ذمّة الآخر بثمن في ذمّته نسيئةً - مثلا - فله شقوق وصور كثيرة لايسعها هذا المختصر.
      مسألة 8 - يجوز تعجيل الدين المؤجّل بنقصان مع التراضي. وهو الّذي يسمّى في لسان تجّار العصر بالنزول. ولا يجوز تأجيل الحالّ ولا زيادة أجل المؤجّل بزيادة.
      مسألة 9 - لايجوز قسمة الدين؛ فإذا كان لاثنين دين مشترك على ذمم متعدّدة كما إذا باعا عينا مشتركة بينهما من أشخاص أو كان لمورّثهما دين على أشخاص فورثاه فجعلا بعد التعديل ما في ذمّة بعضهم لأحدهما وما في ذمّة آخرين لآخر فإنّه لايصحّ. نعم، الظاهر كما مرّ في الشركة أنّه إذا كان لهما دين مشترك على أحد يجوز أن يستوفي أحدهما منه حصّته، فيتعيّن له، وتبقى حصّة الآخر في ذمّته. وهذا ليس من قسمة الدين.
      مسألة 10 - يجب على المديون عند حلول الدين ومطالبة الدائن السعي في أدائه بكلّ وسيلة ولو ببيع سلعته ومتاعه وعقاره أو مطالبة غريم له أو إجارة أملاكه وغيرذلك. وهل يجب عليه التكسّب اللائق بحاله من حيث الشرف والقدرة؟ وجهان بل قولان، أحوطهما ذلك، خصوصا في ما لا يحتاج إلى تكلّف وفي من شغله التكسّب، بل وجوبه حينئذٍ قويّ. نعم، يستثنى من ذلك بيع دار سكناه، وثيابه المحتاج إليها ولو للتجمّل، ودابّة ركوبه إذا كان من أهله واحتاج إليه، بل وضروريّات بيته: من فراشه وغطائه وظروفه وإنائه لأكله وشربه وطبخه ولو لأضيافه، مراعيا في ذلك كلّه مقدار الحاجة بحسب حاله وشرفه، وأنّه بحيث لو كلّف ببيعها لوقع في عسر وشدّة وحزازة ومنقصة. وهذه كلّها من مستثنيات الدين، لاخصوص بعض المذكورات، بل لايبعد أن يعدّ منها الكتب العلميّة لأهلها بمقدار حاجته بحسب حاله ومرتبته.
      مسألة 11 - لو كانت دار سكناه أزيد عمّا يحتاجه سكن ما احتاجه وباع ما فضل عنه، أو باعها واشترى ما هو أدون ممّا يليق بحاله. وإذا كانت له دور متعدّدة واحتاج إليها لسكناها لا يبيع شيئا منها. وكذلك الحال في المركوب والثياب ونحوهما.
      مسألة 12 - لو كانت عنده دار موقوفة عليه تكفي لسكناه ولم يكن سكناه فيها موجبا لمنقصة وحزارة وله دار مملوكة فالأحوط أن يبيع المملوكة.
      مسألة 13 - إنّما لاتباع دار السكنى في أداء الدين ما دام المديون حيّا، فلو مات ولم يترك غير دار سكناه أو ترك وكان دينه مستوعبا أو كالمستوعب تباع وتصرف فيه.
      مسألة 14 - معنى كون الدار ونحوها من مستثنيات الدين أنّه لا يجبر على بيعها لأجل أدائه، ولا يجب عليه ذلك؛ وأمّا لو رضي به لقضائه جاز للدائن أخذه. نعم، ينبغي أن لايرضى ببيع مسكنه، ولا يصير سببا له وإن رضي به؛ ففي خبر عثمان بن زياد، قال: «قلت لأبي عبداللّه (عليه السلام) : إنّ لي على رجل دينا وقد أراد أن يبيع داره فيقضيني؟ فقال أبو عبداللّه (عليه السلام) : اُعيذك باللّه أن تخرجه من ظلّ رأسه»، بل الاحتياط والتورّع في الدين يقتضي ذلك بعد قصّة ابن أبي عمير رضوان اللّه عليه.
      مسألة 15 - لو كان عنده متاع أو سلعة أو عقار زائدا على المستثنيات لا تباع إلّا بأقلّ من قيمتها يجب بيعها للدين عند حلوله ومطالبة صاحبه، ولا يجوز له التأخير وانتظار من يشتريها بالقيمة. نعم، لو كان ما يشترى به أقلّ من قيمته بكثير جدّا بحيث يعدّ بيعه به تضييعا للمال وإتلافا له لا يبعد عدم وجوب بيعه.
      مسألة 16 - كما لايجب على المعسر الأداء يحرم على الدائن إعساره بالمطالبة والاقتضاء، بل يجب أن يُنظره إلى اليسار.
      مسألة 17 - مماطلة الدائن مع القدرة معصية، بل يجب عليه نيّة القضاء مع عدم القدرة، بأن يكون من نيّته الأداء عندها.

    • القول في القرض

       

      القول في القرض

      وهو تمليك مال لآخر بالضمان، بأن يكون على عهدته أداؤه بنفسه أو بمثله أو قيمته. ويقال للمملّك: المقرض، وللمتملّك: المقترض والمستقرض.
      مسألة 1 - يكره الاقتراض مع عدم الحاجة. وتخفّ كراهته مع الحاجة. وكلّما خفّت الحاجة اشتدّت الكراهة، وكلّما اشتدّت خفّت إلى أن تزول؛ بل ربما وجب لو توقّف عليه أمر واجب كحفظ نفسه أو عرضه ونحو ذلك. والأحوط لمن لم يكن عنده ما يوفي به دينه ولم يترقّب حصوله عدم الاستدانة إلّا عند الضرورة أو علم المستدان منه بحاله.
      مسألة 2 - إقراض المؤمن من المستحبّات الأكيدة، سيّما لذوي الحاجة، لما فيه من قضاء حاجته وكشف كربته؛ فعن النبيّ 9 : «من أقرض أخاه المسلم كان بكلّ درهم أقرضه وزن جبل اُحد من جبال رضوى وطور سيناء حسنات، وإن رفق به في طلبه تعدّى به على الصراط كالبرق الخاطف اللامع بغير حساب ولا عذاب، ومن شكا إليه أخوه المسلم فلم يقرضه حرّم اللّه - عزّوجلّ - عليه الجنّة يوم يجزي المحسنين».
      مسألة 3 - القرض عقد يحتاج إلى إيجاب - كقوله: «أقرضتك» أو ما يؤدّي معناه - وقبولٍ دالّ على الرضا بالإيجاب. ولا يعتبر فيه العربيّة بل يقع بكلّ لغة؛ بل تجري المعاطاة فيه بإقباض العين وقبضها بهذا العنوان. ويعتبر في المقرض والمقترض ما يعتبر في المتعاقدين: من البلوغ والعقل والقصد والاختيار وغيره.
      مسألة 4 - يعتبر في المال أن يكون عينا على الأحوط مملوكا؛ فلا يصحّ إقراض الدين ولا المنفعة، ولا ما لا يصحّ تملكّه كالخمر والخنزير. وفي صحّة إقراض الكلّيّ - بأن يوقع العقد عليه وأقبضه بدفع مصداقه - تأمّل. ويعتبر في المثليّات كونه ممّا يمكن ضبط أوصافه وخصوصيّاته الّتي تختلف باختلافها القيمة والرغبات. وأمّا في القيميّات كالأغنام والجواهر فلا يبعد عدم اعتبار إمكان ضبط الأوصاف، بل يكفي فيها العلم بالقيمة حين الإقراض؛ فيجوز إقراض الجواهر ونحوها على الأقرب مع العلم بقيمتها حينه وإن لم يمكن ضبط أوصافها.
      مسألة 5 - لابدّ أنّ يقع القرض على معيّن، فلا يصحّ إقراض المبهم كأحد هذين؛ وأن يكون قدره معلوما بالكيل في ما يكال والوزن في ما يوزن والعدّ في ما يقدّر بالعدّ، فلا يصحّ إقراض صبرة من طعام جزافا. ولو قدّر بكيلةٍ معيّنة وملأ إناء معيّن غيرالكيل المتعارف أو وزن بصخرة معيّنة غير العيار المتعارف عند العامّة لا يبعد الاكتفاء به، لكنّ الأحوط خلافه.
      مسألة 6 - يشترط في صحّة القرض القبض والإقباض، فلا يملك المستقرض المال المقترض إلّا بعد القبض، ولا يتوقّف على التصرّف.
      مسألة 7 - الأقوى أنّ القرض عقد لازم؛ فليس للمقرض فسخه والرجوع بالعين المقترضة لو كانت موجودةً، ولا للمقترض فسخه وإرجاع العين في القيميّات. نعم، للمقرض عدم الإنظار ومطالبة المقترض بالأداء ولو قبل قضاء وطره أو مضيّ زمان يمكن فيه ذلك.
      مسألة 8 - لو كان المال المقترض مثليّا كالحنطة والشعير والذهب والفضّة ثبت في ذمّة المقترض مثل ما اقترض. ويلحق به أمثال ما يخرج من المكائن الحديثة كظروف البلّور والصينيّ، بل وطاقات الملابس على الأقرب. ولو كان قيميّا كالغنم ونحوها ثبت في ذمّته قيمته. وفي اعتبار قيمة وقت الاقتراض والقبض أو قيمة حال الأداء وجهان، أقربهما الأوّل وإن كان الأحوط التراضي والتصالح في مقدار التفاوت بين القيمتين.
      مسألة 9 - لايجوز شرط الزيادة، بأن يقرض مالا على أن يؤدّي المقترض أزيد ممّا اقترضه، سواء اشترطاه صريحا أو أضمراه بحيث وقع القرض مبنيّا عليه. وهذا هو الربا القرضيّ المحرّم الّذي ورد التشديد عليه. ولا فرق في الزيادة بين أن تكون عينيّةً كعشرة دراهم باثني عشر، أو عملا كخياطة ثوب له، أو منفعةً أو انتفاعا كالانتفاع بالعين المرهونة عنده، أو صفةً مثل أن يقرضه دراهم مكسورة على أن يؤدّيها صحيحة. وكذا لافرق بين أن يكون المال المقترض ربويّا بأن كان من المكيل والموزون، وغيره بأن كان معدودا كالجوز والبيض.
      مسألة 10 - لو أقرضه وشرط عليه أن يبيع منه شيئا بأقلّ من قيمته أو يؤاجره بأقلّ من اُجرته كان داخلا في شرط الزيادة. نعم، لو باع المقترض من المقرض مالا بأقلّ من قيمته وشرط عليه أن يقرضه مبلغا معيّنا لا بأس به.
      مسألة 11 - إنّما تحرم الزيادة مع الشرط، وأمّا بدونه فلا بأس، بل تستحبّ للمقترض، حيث إنّه من حسن القضاء، وخير الناس أحسنهم قضاءً؛ بل يجوز ذلك إعطاءً وأخذا لو كان الإعطاء لأجل أن يراه المقرض حسن القضاء، فيقرضه كلّما احتاج إلى الاقتراض، أو كان الإقراض لأجل أن ينتفع من المقترض لكونه حسن القضاء ويكافئ من أحسن إليه بأحسن الجزاء بحيث لولا ذلك لم يقرضه. نعم، يكره أخذه للمقرض، خصوصا إذا كان إقراضه لأجل ذلك؛ بل يستحبّ أنّه إذا أعطاه شيئا بعنوان الهديّة ونحوها يحسبه عوض طلبه، بمعنى أنّه يسقط منه بمقداره.
      مسألة 12 - إنّما يحرم شرط الزيادة للمقرض على المقترض، فلا بأس بشرطها للمقترض، كما أقرضه عشرة دراهم على أن يؤدّي ثمانية، أو أقرضه دراهم صحيحة على أن يؤدّيها مكسورة؛ فما تداول بين التجّار من أخذ الزيادة وإعطائها في الحوائل المسمّى عندهم بصرف البرات ويطلقون عليه -على المحكيّ- بيع الحوالة وشراءها إن كان بإعطاء مقدار من الدراهم وأخذ الحوالة من المدفوع إليه بالأقلّ منه فلابأس به، وإن كان بإعطاء الأقلّ وأخذ الحوالة بالأكثر يكون داخلا في الربا.
      مسألة 13 - القرض المشروط بالزيادة صحيح، لكنّ الشرط باطل وحرام؛ فيجوز الاقتراض ممّن لا يقرض إلّا بالزيادة - كالبنك وغيره - مع عدم قبول الشرط على نحو الجدّ وقبول القرض فقط. ولا يحرم إظهار قبول الشرط من دون جدّ وقصد حقيقيّ به، فيصحّ القرض ويبطل الشرط من دون ارتكاب الحرام.
      مسألة 14 - المال المقترض إن كان مثليّا كالدراهم والدنانير والحنطة والشعير كان وفاؤه وأداؤه بإعطاء ما يماثله في الصفات من جنسه، سواء بقي على سعره الّذي كان له وقت الإقراض أو ترقّى أو تنزّل. وهذا هو الوفاء الّذي لايتوقّف على التراضي؛ فللمقرض أن يطالب المقترض به، وليس له الامتناع ولو ترقّى سعره عمّا أخذه بكثير، وللمقترض إعطاؤه وليس للمقرض الامتناع ولو تنزّل بكثير. ويمكن أن يؤدّي بالقيمة بغير جنسه، بأن يعطي بدل الدراهم الدنانير -مثلا- وبالعكس، ولكنّه يتوقّف على التراضي؛ فلو أعطى بدل الدراهم الدنانير فللمقرض الامتناع ولو تساويا في القيمة، بل ولو كانت الدنانير أغلى؛ كما أنّه لو أراده المقرض كان للمقترض الامتناع ولو كانت الدنانير أرخص. وإن كان قيميّا فقد مرّ أنّه تشتغل ذمّته بالقيمة، وهي النقود الرائجة، فأداؤه -الّذي لا يتوقّف على التراضي- بإعطائها؛ ويمكن أن يؤدّي بجنس آخر من غير النقود بالقيمة، لكنّه يتوقّف على التراضي. ولو كانت العين المقترضة موجودةً فأراد المقترض أو المقرض أداء الدين بإعطائها فالأقوى جواز الامتناع.
      مسألة 15 - يجوز في قرض المثليّ أن يشترط المقرض على المقترض أن يؤدّي من غير جنسه، ويلزم عليه ذلك بشرط أن يكونا متساويين في القيمة، أو كان ما شرط عليه أقلّ قيمةً ممّا اقترض.
      مسألة 16 - الأقوى أنّه لو شرط التأجيل في القرض صحّ ولزم العمل به، وليس للمقرض مطالبته قبل حلول الأجل.
      مسألة 17 - لو شرط على المقترض أداء القرض وتسليمه في بلد معيّن صحّ ولزم وإن كان في حمله مؤونة؛ فإن طالبه في غيره لم يلزم عليه الأداء، كما أنّه لو أدّاه في غيره لم يلزم على المقرض القبول. وإن أطلق القرض ولم يعيّن بلد التسليم فلو طالبه المقرض في بلد القرض يجب عليه الأداء، ولو أدّاه فيه يجب عليه القبول. وأمّا في غيره فالأحوط للمقترض - مع عدم الضرر وعدم الاحتياج إلى المؤونة - الأداء لو طالبه الغريم، كما أنّ الأحوط للمقرض القبول مع عدمهما، ومع لزوم أحدهما يحتاج إلى التراضي.
      مسألة 18 - يجوز أن يشترط في القرض إعطاء الرهن أو الضامن أو الكفيل وكلّ شرط سائغ لايكون فيه النفع للمقرض ولو كان مصلحةً له.
      مسألة 19 - لو اقترض دراهم ثمّ أسقطها السلطان وجاء بدراهم غيرها لم يكن عليه إلّا الدراهم الاُولى. نعم، في مثل الأوراق النقديّة المتعارفة في هذه الأزمنة إذا سقطت عن الاعتبار فالظاهر الاشتغال بالدراهم والدنانير الرائجة. نعم، لو فرض وقوع القرض على الصكّ الخاصّ بنفسه بأن قال: «أقرضتك هذا الكاغذ المسمّى بالنوت» كان حاله حال الدراهم، وهكذا الحال في المعاملات والمهور الواقعة على الصكوك.

  • كتاب الرهن

     

    كتاب الرهن

    وهو عقد شُرّع للاستيثاق على الدين. ويقال للعين: الرهن والمرهون، ولدافعها: الراهن، ولآخذها: المرتهن. ويحتاج إلى الإيجاب من الراهن - وهو كلّ لفظ أفاد المقصود في متفاهم أهل المحاورة، كقوله: «رهنتك» أو «أرهنتك» أو «هذا وثيقة عندك على مالك» ونحو ذلك - والقبول من المرتهن؛ وهو كلّ لفظ دالّ على الرضا بالإيجاب. ولا يعتبر فيه العربيّة، بل الظاهر وقوعه بالمعاطاة.
    مسألة ۱ - يشترط في الراهن والمرتهن البلوغ والعقل والقصد والاختيار، وفي خصوص الأوّل عدم الحجر بالسفه والفلس. ويجوز لوليّ الطفل والمجنون رهن مالهما مع المصلحة والغبطة، والارتهان لهما كذلك.
    مسألة 2 - يشترط في صحّة الرهن القبض من المرتهن بإقباض من الراهن أو بإذن منه. ولو كان في يده شي ء وديعةً أو عاريةً بل ولو غصباً فأوقعا عقد الرهن عليه كفى، ولا يحتاج إلى قبض جديد. ولو رهن المشاع لا يجوز تسليمه إلى المرتهن إلّا برضا شريكه، ولكن لو سلّمه إليه فالظاهر كفايته في تحقّق القبض - الّذي هو شرط لصحّته- وإن تحقّق العدوان بالنسبة إلى حصّة شريكه.
    مسألة 3 - إنّما يعتبرالقبض في الابتداء، ولا يعتبر استدامته؛ فلوقبضه المرتهن ثمّ صار في يد الراهن أو غيره بإذن الراهن أو بدونه لم يضرّ ولم يطرأه البطلان. نعم، للمرتهن استحقاق إدامة القبض وكونه تحت يده، فلا يجوز انتزاعه منه.
    مسألة 4 - يشترط في المرهون أن يكون عيناً مملوكاً يصحّ بيعه ويمكن قبضه؛ فلا يصحّ رهن الدين قبل قبضه على الأحوط وإن كان للصحّة وجه - وقبضه بقبض مصداقه - ولا رهن المنفعة، ولا الحرّ، ولا الخمر والخنزير، ولا مال الغير إلّا بإذنه أو إجازته، ولا الأرض الخراجيّة: ما كانت مفتوحةً عنوةً وما صولح عليها على أن تكون ملكاً للمسلمين، ولا الطير المملوك في الهواء إذا كان غير معتاد عوده، ولا الوقف ولو كان خاصّاً.
    مسألة 5 - لو رهن ملكه مع ملك غيره في عقد واحد صحّ في ملكه، و وقف في ملك غيره على إجازة مالكه.
    مسألة 6 - لو كان له غرس أو بناء في الأرض الخراحيّة لا إشكال في صحّة رهن ما فيها مستقلّاً؛ وأمّا رهنها مع أرضها بعنوان التبعيّة ففيه إشكال، بل المنع لايخلو من قرب؛ كما لا يصحّ رهن أرضها مستقلّاً على الأقوى. نعم، لا يبعد جواز رهن الحقّ المتعلّق بها على إشكال.
    مسألة 7 - لا يعتبر أن يكون الرهن ملكاً لمن عليه الدين؛ فيجوز لشخصٍ أن يرهن ماله على دين غيره تبرّعاً ولو من غير إذنه، بل ولو مع نهيه؛ وكذا يجوز للمديون أن يستعير شيئاً ليرهنه على دينه. ولو رهنه وقبضه المرتهن ليس لمالكه الرجوع، ويبيعه المرتهن كما يبيع ما كان ملكاً للمديون. ولو بيع كان لمالكه مطالبة المستعير بما بيع به لو بيع بالقيمة أو بالأكثر، وبقيمة تامّة لو بيع بأقلّ منها. ولو عيّن له أن يرهنه على حقّ مخصوص من حيث القدر أو الحلول أو الأجل أو عند شخص معيّن لم يجز له مخالفته. ولو أذنه في الرهن مطلقاً جاز له الجميع وتخيّر.
    مسألة 8 - لو كان الرهن على الدين المؤجّل وكان ممّا يسرع إليه الفساد قبل الأجل: فإن شرط بيعه صريحاً قبل أن يطرأ عليه الفساد صحّ الرهن، ويبيعه الراهن أو يوكّل المرتهن في بيعه، وإن امتنع أجبره الحاكم؛ فإن تعذّر باعه الحاكم، ومع فقده باعه المرتهن. فإذا بيع يجعل ثمنه في الرهن؛ وكذلك لو استفيد اشتراط البيع من قرينة، كما لو جعل العين بماليّتها رهناً، فيصحّ وتباع ويجعل ثمنها في الرهن. ولو اشترط عدم البيع إلّا بعد الأجل بطل الرهن؛ وكذا لو أطلق -ولم يشترط البيع ولا عدمه ولم يُستفد الاشتراط بقرينة - على الأقرب. ولو رهن ما لا يتسارع إليه الفساد فعرض ما صيّره عُرضةً له - كالحنطة لو ابتلّت - لم ينفسخ، بل يباع ويجعل ثمنه رهناً.
    مسألة 9 - لا إشكال في أنّه يعتبر في المرهون كونه معيّناً؛ فلا يصحّ رهن المبهم كأحد هذين. نعم، صحّة رهن الكلّيّ - من غير فرق بين الكلّيّ في المعيّن، كصاع من صبرة معلومة وشاةٍ من القطيع المعلوم، وغيره كصاع من الحنطة - لاتخلو من وجه. وقبضه في الأوّل إمّا بقبض الجميع أو بقبض ما عيّنه الراهن، وفي الثاني بقبض مصداقه؛ فإذا قبضه المرتهن صحّ ولزم. والأحوط عدم إيقاعه على الكلّيّ. ولا يصحّ رهن المجهول من جميع الوجوه حتّى كونه ممّا يتموّل. وأمّا مع علمه بذلك وجهله بعنوان العين فالأحوط ذلك وإن كان الجواز لايخلو من وجه؛ فإذا رهن ما في الصندوق المقفل وكان ما فيه مجهولاً حتّى ماليّته بطل؛ ولو علم ماليّته فقط لا يبعد الصحّة، كما أنّ الظاهر صحّة رهن معلوم الجنس والنوع مع كونه مجهول المقدار.
    مسألة 10 - يشترط في ما يرهن عليه أن يكون ديناً ثابتاً في الذمّة -لتحقّق موجبه: من اقتراض أو إسلاف مال أو شراء أو استيجار عين بالذمّة وغير ذلك- حالّاً كان الدين أو مؤجّلاً؛ فلا يصحّ الرهن على ما يقترض أو على ثمن ما يشتريه في ما بعد؛ فلو رهن شيئاً على ما يقترض ثمّ اقترض لم يصر بذلك رهناً، ولا على الدية قبل استقرارها بتحقّق الموت وإن علم أنّ الجناية تؤدّي إليه، ولا على مال الجعالة قبل تمام العمل.
    مسألة 11 - كما يصحّ في الإجارة أن يأخذ المؤجر الرهن على الاُجرة الّتي في ذمّة المستأجر كذلك يصحّ أن يأخذ المستأجر الرهن على العمل الثابت في ذمّة المؤجر.
    مسألة 12 - الظاهر أنّه يصحّ الرهن على الأعيان المضمونة، كالمغصوبة والعارية المضمونة والمقبوض بالسوم ونحوها. وأمّا عهدة الثمن أوالمبيع أوالاُجرة أو عوض الصلح وغيرها لو خرجت مستحقّةً للغير فالأقوى عدم صحّته عليها.
    مسألة 13 - لو اشترى شيئاً بثمن في الذمّة جاز جعل المبيع رهناً على الثمن.
    مسألة 14 - لو رهن على دينه رهناً ثمّ استدان مالاً آخر من المرتهن جاز جعل ذلك الرهن رهناً على الثاني أيضاً، وكان رهناً عليهما معاً، سواء كان الثاني مساوياً للأوّل في الجنس والقدر أو مخالفاً؛ وكذا له أن يجعله على دين ثالث ورابع إلى ما شاء. وكذا إذا رهن شيئاً على دين جاز أن يرهن شيئاً آخر على ذلك الدين وكانا جميعاً رهناً عليه.
    مسألة 15 - لو رهن شيئاً عند زيد ثمّ رهنه عند آخر أيضاً باتّفاق من المرتهنين كان رهناً على الحقّين، إلّا إذا قصدا بذلك فسخ الرهن الأوّل وكونه رهناً على خصوص الثاني.
    مسألة 16 - لو استدان اثنان من واحد - كلّ منهما ديناً - ثمّ رهنا عنده مالاً مشتركاً بينهما ولو بعقد واحد ثمّ قضى أحدهما دينه انفكّت حصّته عن الرهانة. ولو كان الراهن واحداً والمرتهن متعدّداً بأن كان عليه دين لاثنين فرهن شيئاً عندهما بعقد واحد فكلّ منهما مرتهن للنصف مع تساوي الدين، ومع التفاوت فالظاهر التقسيط والتوزيع بنسبة حقّهما؛ فإن قضي دين أحدهما انفكّ عن الرهانة ما يقابل حقّه. هذا كلّه في التعدّد ابتداءً. وأمّا التعدّد الطارئ فالظاهر أنّه لاعبرة به؛ فلو مات الراهن عن ولدين لم ينفكّ نصيب أحدهما بأداء حصّته من الدين، كما أنّه لو مات المرتهن عن ولدين فأعطى أحدهما نصيبه من الدين لم ينفكّ بمقداره من الرهن.
    مسألة 17 - لا يدخل الحمل الموجود في رهن الحامل ولا الثمر في رهن الشجر، إلّا إذا كان تعارفٌ يوجب الدخول أواشترط ذلك. وكذا لا يدخل ما يتجدّد إلّا مع الشرط. نعم، الظاهر دخول الصوف والشعر والوبر في رهن الحيوان، وكذا الأوراق والأغصان حتّى اليابسة في رهن الشجر. وأمّا اللبن في الضرع ومغرس الشجر واُسّ الجدار - أعني موضع الأساس من الأرض - ففي دخولها تأمّل وإشكال، ولا يبعد عدم الدخول وإن كان الأحوط التصالح والتراضي.
    مسألة 18 - الرهن لازم من جهة الراهن، وجائز من طرف المرتهن؛ فليس للراهن انتزاعه منه بدون رضاه إلّا أن يسقط حقّه من الارتهان أو ينفكّ الرهن بفراغ ذمّة الراهن من الدين. ولو برئت ذمّته من بعضه فالظاهر بقاء الجميع رهناً على ما بقي، إلّا إذا اشترط التوزيع، فينفكّ منه على مقدار ما برئ منه، ويبقى رهناً على مقدار ما بقي، أو شرطا كونه رهناً على المجموع من حيث المجموع، فينفكّ الجميع بالبراءة من بعضه.
    مسألة 19 - لا يجوز للراهن التصرّف في الرهن إلّا بإذن المرتهن، سواء كان ناقلاً للعين كالبيع، أو المنفعة كالإجارة، أو مجرّد الانتفاع به وإن لم يضرّ به، كالركوب والسكنى ونحوها. نعم، لا يبعد الجواز في ما هو بنفع الرهن إذا لم يخرج من يد المرتهن بمثله، كسقي الأشجار وعلف الدابّة ومداواتها ونحو ذلك؛ فإن تصرّف في ما لا يجوز بغير الناقل أثم، ولم يترتّب عليه شي ء إلّا إذا كان بالإتلاف، فيلزم قيمته وتكون رهناً؛ وإن كان بالبيع أو الإجارة أو غيرهما من النواقل وقف على إجازة المرتهن، ففي مثل الإجارة تصحّ بالإجازة، وبقيت الرهانة على حالها؛ بخلافها في البيع، فإنّه يصحّ بها وتبطل الرهانة، كما أنّها تبطل بالبيع إذا كان عن إذن سابق من المرتهن.
    مسألة 20 - لايجوز للمرتهن التصرّف في الرهن بدون إذن الراهن؛ فلوتصرّف فيه بركوب أو سكنى ونحوهما ضمن العين لو تلفت تحت يده للتعدّي، ولزمه اُجرة المثل لما استوفاه من المنفعة؛ ولوكان ببيع ونحوه أو بالإجارة ونحوها وقع فضوليّاً، فإن أجازه الراهن صحّ وكان الثمن والاُجرة المسمّاة له، وكان الثمن رهناً في البيع لم يجز لكلّ منهما التصرّف فيه إلّا بإذن الآخر، وبقي العين رهناً في الإجارة، وإن لم يجز كان فاسداً.
    مسألة 21 - منافع الرهن كالسكنى والركوب وكذا نماءاته المنفصلة كالنتاج والثمر والصوف والشعر والوبر والمتّصلة كالسمن والزيادة في الطول والعرض كلّها للراهن، سواء كانت موجودةً حال الارتهان أو وجدت بعده؛ ولا يتبعه في الرهانة إلّا نماءاته المتّصلة وكذا ما تعارف دخوله فيه بنحو يوجب التقييد.
    مسألة 22 - لو رهن الأصل والثمرة أو الثمرة منفردةً صحّ؛ فلو كان الدين مؤجّلاً وأدركت الثمرة قبل حلول الأجل: فإن كانت تجفّف ويمكن إبقاؤها بالتجفيف جفّفت وبقيت على الرهن، وإلّا بيعت وكان الثمن رهناً إذا استفيد من شرط أو قرينة أنّها رهنٌ بماليّتها.
    مسألة 23 - لوكان الدين حالّاً أو حلّ وأراد المرتهن استيفاء حقّه: فإن كان وكيلاً عن الراهن في بيع الرهن واستيفاء دينه منه فله ذلك من دون مراجعة إليه، وإلّا ليس له أن يبيعه، بل يراجعه ويطالبه بالوفاء ولو ببيع الرهن أو توكيله فيه؛ فإن امتنع رفع أمره إلى الحاكم ليلزمه بالوفاء أو البيع؛ فإن امتنع على الحاكم إلزامه باعه عليه بنفسه أو بتوكيل الغير؛ وإن لم يمكن ذلك لعدم بسط يده استأذن المرتهن منه للبيع. ومع فقدالحاكم أو عدم إمكان الإذن منه باعه المرتهن واستوفى حقّه من ثمنه إن ساواه، أو بعضَه إن كان أقلّ، وإن كان أزيد فهو أمانة شرعيّة يوصله إلى صاحبه.
    مسألة 24 - لو لم يكن عند المرتهن بيّنة مقبولة لإثبات دينه وخاف من أنّه لو اعترف عند الحاكم بالرهن جحد الراهن الدين فأخذ منه الرهن بموجب اعترافه وطولب منه البيّنة على حقّه جاز له بيع الرهن من دون مراجعة إلى الحاكم؛ وكذا لو مات الراهن وخاف المرتهن جحود الوارث.
    مسألة 25 - لو وفى بيع بعض الرهن بالدين اقتصر عليه على الأحوط لو لم يكن الأقوى، وبقي الباقي أمانةً عنده، إلّا إذا لم يمكن التبعيض ولو من جهة عدم الراغب أو كان فيه ضرر على المالك فيباع الكلّ.
    مسألة 26 - لو كان الرهن من مستثنيات الدين - كدار سكناه ودابّة ركوبه - جاز للمرتهن بيعه واستيفاء طلبه منه كسائر الرهون، لكنّ الأولى الأحوط عدم إخراجه من ظلّ رأسه.
    مسألة 27 - لو كان الراهن مفلّساً أو مات وعليه ديون للناس كان المرتهن أحقّ من باقي الغرماء باستيفاء حقّه من الرهن؛ فإن فضل شي ء يوزّع على الباقين بالحصص، ولو نقص الرهن عن حقّه استوفى ما يمكن منه ويضرب بما بقي مع الغرماء في سائر أموال الراهن.
    مسألة 28 - الرهن أمانة في يد المرتهن لا يضمنه لو تلف أو تعيّب من دون تعدٍّ وتفريط. نعم، لو كان في يده مضموناً - لكونه مغصوباً أو عاريةً مضمونةً مثلاً - ثمّ ارتهن عنده لم يزل الضمان، إلّا إذا أذن له المالك في بقائه تحت يده فيرتفع الضمان على الأقوى؛ وكذا لو استفيد الإذن في بقائه في المورد من ارتهانه كما لايبعد مع علم الراهن بالحال. وإذا انفكّ الرهن بسبب الأداء أو الإبراء أو نحو ذلك يبقى أمانةً مالكيّةً في يده لا يجب تسليمه إلى المالك إلّا مع المطالبة.
    مسألة 29 - لا تبطل الرهانة بموت الراهن ولا بموت المرتهن؛ فينتقل الرهن إلى ورثة الراهن مرهوناً على دين مورّثهم، وينتقل إلى ورثة المرتهن حقّ الرهانة؛ فإن امتنع الراهن من استيمانهم كان له ذلك؛ فإن اتّفقوا على أمين وإلّا سلّمه الحاكم إلى من يرتضيه، وإن فقد الحاكم فعدول المؤمنين.
    مسألة 30 - لو ظهر للمرتهن أمارات الموت يجب عليه الوصيّة بالرهن وتعيين المرهون والراهن والإشهاد كسائر الودائع، ولو لم يفعل كان مفرّطاً وعليه ضمانه.
    مسألة 31 - لوكان عنده رهنٌ قبل موته ثمّ مات ولم يعلم بوجوده في تركته -لاتفصيلاً ولا إجمالاً- ولم يعلم كونه تالفاً بتفريط منه لم يحكم به في ذمّته ولابكونه موجوداً في تركته، بل يحكم بكونها لورثته؛ بل وكذلك على الأقوى لوعلم أنّه قد كان موجوداً في أمواله الباقية إلى بعد موته ولم يعلم أنّه باقٍ فيها أم لا، كما إذا كان سابقاً في صندوقه داخلاً في الأموال الّتي كانت فيه وبقيت إلى زمان موته ولم يعلم أنّه قد أخرجه وأوصله إلى مالكه أو باعه واستوفى ثمنه أو تلف بغير تفريط منه أم لا.
    مسألة 32 - لو اقترض من شخص ديناراً - مثلاً - برهن وديناراً آخر منه بلارهن ثمّ دفع إليه ديناراً بنيّة الوفاء: فإن نوى كونه عن ذي الرهن سقط وانفكّ رهنه، وإن نوى كونه عن الآخر لم ينفكّ وبقي دينه، وإن لم يقصد إلّا أداء دينار من الدينارين من دون تعيين كونه عن ذي الرهن أو غيره فهل يحسب ما دفعه لغير ذي الرهن فيبقى الرهن أو لذي الرهن فينفكّ أو يوزّع عليهما فيبقى الرهن أو ينفكّ بمقداره؟ وجوه، أوجهها بقاء الرهن إلى الفكّ اليقينيّ.

  • كتاب الحجر
  •  

    كتاب الحجر

    وهو في الأصل بمعنى المنع، وشرعاً كون الشخص ممنوعاً في الشرع عن التصرّف في ماله بسبب من الأسباب. وهي كثيرة نذكر منها ما هو العمدة، وهي الصغر والسفه والفلس ومرض الموت.

    • القول في الصغر

       

      القول في الصغر

      مسألة ۱ - الصغير - وهو الّذي لم يبلغ حدّ البلوغ - محجور عليه شرعاً لاتنفذ تصرّفاته في أمواله ببيع وصلح وهبة وإقراض وإجارة وإيداع وإعارة وغيرها إلّا ما استثني - كالوصيّة على ما سيأتي إن شاء اللّه تعالى، وكالبيع في الأشياء غير الخطيرة كما مرّ - وإن كان في كمال التميز والرشد وكان التصرّف في غاية الغبطة والصلاح؛ بل لا يجدي في الصحّة إذن الوليّ سابقاً ولا إجازته لاحقاً عند المشهور، وهو الأقوى.
      مسألة 2 - كما أنّ الصبيّ محجور عليه بالنسبة إلى ماله كذلك محجور عليه بالنسبة إلى ذمّته، فلا يصحّ منه الاقتراض ولا البيع والشراء في الذمّة بالسلم والنسيئة وإن كانت مدّة الأداء مصادفةً لزمان بلوغه؛ وكذلك بالنسبة إلى نفسه، فلا ينفذ منه التزويج، ولا الطلاق على الأقوى في من لم يبلغ عشراً، وعلى الأحوط في من بلغه، ولو طلّق يتخلّص بالاحتياط. وكذا لا يجوز إجارة نفسه، ولا جعل نفسه عاملاً في المضاربة وغير ذلك. نعم، لو حاز المباحات بالاحتطاب والاحتشاش ونحوهما يملكها بالنيّة؛ بل وكذا يملك الجُعل في الجعالة بعمله وإن لم يأذن وليّه فيهما.
      مسألة 3 - يعرف البلوغ في الذكر والاُنثى بأحد اُمور ثلاثة: الأوّل: نبات الشعر الخشن على العانة. ولا اعتبار بالزغب والشعر الضعيف. الثاني: خروج المنيّ، يقظةً أو نوماً، بجماع أو احتلام أو غيرهما. الثالث: السنّ، وهو في الذكر إكمال خمس عشرة سنةً، وفي الاُنثى إكمال تسع سنين.
      مسألة 4 - لا يكفي البلوغ في زوال الحجر عن الصبيّ، بل لابدّ معه من الرشد وعدم السفه بالمعنى الّذي سنبيّنه.
      مسألة 5 - ولاية التصرّف في مال الطفل والنظر في مصالحه وشؤونه لأبيه وجدّه لأبيه. ومع فقدهما للقيّم من أحدهما، وهو الّذي أوصى أحدهما بأن يكون ناظراً في أمره. ومع فقده للحاكم الشرعيّ، وأمّا الاُمّ والجدّ للاُمّ والأخ فضلاً عن سائر الأقارب فلا ولاية لهم عليه. نعم، الظاهر ثبوتها - مع فقد الحاكم - للمؤمنين مع وصف العدالة على الأحوط.
      مسألة 6 - الظاهر أنّه لا يشترط العدالة في ولاية الأب والجدّ؛ فلا ولاية للحاكم مع فسقهما، لكن متى ظهر له ولو بقرائن الأحوال الضرر منهما على المولّى عليه عزلهما ومنعهما من التصرّف في أمواله. ولا يجب عليه الفحص عن عملهما وتتبّع سلوكهما.
      مسألة 7 - الأب والجدّ مستقلّان فى الولاية، فينفذ تصرّف السابق منهما ولغا اللاحق. ولو اقترنا ففي تقديم الجدّ أو الأب أو عدم الترجيح وبطلان تصرّف كليهما وجوه بل أقوال، فلا يترك الاحتياط.
      مسألة 8 - الظاهر أنّه لا فرق بين الجدّ القريب والبعيد؛ فلو كان له أب وجدّ وأب الجدّ وجدّ الجدّ فلكلّ منهم الولاية.
      مسألة 9 - يجوز للوليّ بيع عقار الصبيّ مع الحاجة واقتضاء المصلحة: فإن كان البائع هو الأب والجدّ جاز للحاكم تسجيله وإن لم يثبت عنده أنّه مصلحة، وأمّا غيرهما كالوصيّ فلا يسجّله إلّا بعد ثبوتها عنده على الأحوط وإن كان الأقرب جواز تسجيله مع وثاقته عنده.
      مسألة 10 - يجوز للوليّ المضاربة بمال الطفل وإبضاعه بشرط وثاقة العامل وأمانته، فإن دفعه إلى غيره ضمن.
      مسألة 11 - يجوز للوليّ تسليم الصبيّ إلى أمين يعلّمه الصنعة، أو إلى من يعلّمه القراءة والخطّ والحساب والعلوم العربيّة وغيرها من العلوم النافعة لدينه ودنياه. ويلزم عليه أن يصونه عمّا يفسد أخلاقه، فضلاً عمّا يضرّ بعقائده.
      مسألة 12 - يجوز لوليّ اليتيم إفراده بالمأكول والملبوس من ماله وأن يخلطه بعائلته ويحسبه كأحدهم فيوزّع المصارف عليهم على الرؤوس في المأكول والمشروب، وأمّا الكسوة فيحسب على كلّ على حدة. وكذا الحال في اليتامى المتعدّدين، فيجوز لمن يتولّى الإنفاق عليهم إفراد كلّ واختلاطهم في المأكول والمشروب والتوزيع عليهم دون الملبوس.
      مسألة 13 - لو كان للصغير مال على غيره جاز للوليّ أن يصالحه عنه ببعضه مع المصلحة؛ لكن لا يحلّ على المتصالح باقي المال، وليس للوليّ إسقاطه بحال.
      مسألة 14 - المجنون كالصغير في جميع ما ذكر. نعم، لو تجدّد جنونه بعد بلوغه ورشده فالأقرب أنّ الولاية عليه للحاكم دون الأب والجدّ ووصيّهما، لكن لاينبغي ترك الاحتياط بتوافقهما معاً.
      مسألة 15 - ينفق الوليّ على الصبيّ بالاقتصاد، لا بالإسراف ولا بالتقتير، ملاحظاً له عادته ونظراءه، فيطعمه ويكسوه ما يليق بشأنه.
      مسألة 16 - لو ادّعى الوليّ الإنفاق على الصبيّ أو على ماله أو دوابّه بالمقدار اللائق وأنكر بعد البلوغ أصل الإنفاق أو كيفيّته فالقول قول الوليّ مع اليمين، وعلى الصبيّ البيّنة.

    • القول في السفه

       

      القول في السفه

      السفيه هو الّذي ليس له حالة باعثة على حفظ ماله والاعتناء بحاله، يصرفه في غير موقعه، ويتلفه بغير محلّه، وليست معاملاته مبنيّةً على المكايسة والتحفّظ عن المغابنة، لا يبالي بالانخداع فيها، يعرفه أهل العرف والعقلاء بوجدانهم إذا وجدوه خارجاً عن طورهم ومسلكهم بالنسبة إلى أمواله تحصيلاً وصرفاً. وهو محجور عليه شرعاً، لا ينفذ تصرّفاته في ماله ببيع وصلح وإجارة وهبة وإيداع وعارية وغيرها، من غير توقّف على حجر الحاكم إذا كان سفهه متّصلاً بزمان صغره؛ وأمّا لو تجدّد بعد البلوغ والرشد فيتوقّف على حجر الحاكم؛ فلو حصل له الرشد ارتفع حجره، ولو عاد فله أن يحجره.
      مسألة 1 - الولاية على السفيه للأب والجدّ ووصيّهما إذا بلغ سفيهاً، وفي من طرأ عليه السفه بعد البلوغ للحاكم الشرعيّ.
      مسألة 2 - كما أنّ السفيه محجور عليه في أمواله كذلك في ذمّته بأن يتعهّد مالاً أو عملاً؛ فلا يصحّ اقتراضه وضمانه، ولا بيعه وشراؤه بالذمّة ولا إجارة نفسه، ولا جعل نفسه عاملاً للمضاربة ونحوها.
      مسألة 3 - معنى عدم نفوذ تصرّفات السفيه عدم استقلاله؛ فلو كان بإذن الوليّ أو إجازته صحّ ونفذ. نعم، في ما لا يجري فيه الفضوليّة يشكل صحّته بالإجازة اللاحقة من الوليّ. ولو أوقع معاملةً في حال سفهه ثمّ حصل له الرشد فأجازها كانت كإجازة الوليّ.
      مسألة 4 - لا يصحّ زواج السفيه بدون إذن الوليّ أو إجازته، لكن يصحّ طلاقه وظهاره وخلعه. ويقبل إقراره إن لم يتعلّق بالمال حتّى بمايوجب القصاص ونحوذلك. ولو أقرّ بالنسب يقبل في غير لوازمه الماليّة كالنفقة، وأمّا فيها فلا يخلو من إشكال وإن كان الثبوت لا يخلو من قرب. ولو أقرّ بالسرقة يقبل في القطع دون المال.
      مسألة 5 - لو وكّله غيره في بيع أو هبة أو إجارة - مثلاً - جاز ولو كان وكيلاً في أصل المعاملة لا مجرّد إجراء الصيغة.
      مسألة 6 - لو حلف السفيه أو نذر على فعل شي ء أو تركه ممّا لا يتعلّق بماله انعقد. ولو حنث كفّر كسائر ما يوجب الكفّارة، كقتل الخطأ والإفطار في شهر رمضان. وهل يتعيّن عليه الصوم لو تمكّن منه أو يتخيّر بينه وبين الكفّارة الماليّة كغيره؟ وجهان، أحوطهما الأوّل. نعم، لو لم يتمكّن من الصوم تعيّن غيره، كما إذا فعل ما يوجب الكفّارة الماليّة على التعيين، كما في كفّارات الإحرام كلّها أو جلّها.
      مسألة 7 - لوكان للسفيه حقّ القصاص جاز أن يعفو عنه، بخلاف الدية وأرش الجناية.
      مسألة 8 - لو اطّلع الوليّ على بيع أو شراء - مثلاً - من السفيه ولم ير المصلحة في إجازته: فإن لم يقع إلّا مجرّد العقد ألغاه، وإن وقع تسليم وتسلّم للعوضين فما سلّمه إلى الطرف الآخر يستردّه ويحفظه، وما تسلّمه وكان موجوداً يردّه إلى مالكه، وإن كان تالفاً ضمنه السفيه، فعليه مثله أو قيمته لو قبضه بغير إذن من مالكه، وإن كان بإذن منه لم يضمنه إلّا في صورة الإتلاف منه، فإنّه لا يبعد فيها الضمان؛ كما أنّ الأقوى الضمان لو كان المالك الّذي سلّمه الثمن أو المبيع جاهلاً بحاله أو بحكم الواقعة، خصوصاً إذا كان التلف بإتلاف منه. وكذا الحال لو اقترض السفيه وأتلف المال.
      مسألة 9 - لو أودع شخص وديعةً عند السفيه فأتلفها ضمنها على الأقوى، سواء علم المودع بحاله أو لا. ولو تلفت عنده لم يضمنها إلّا مع تفريطه في حفظها على الأشبه.
      مسألة 10 - لا يسلّم إلى السفيه ماله ما لم يحرز رشده. وإذا اشتبه حاله يختبر، بأن يفوّض إليه - مدّةً معتدّاً بها - بعض الاُمور ممّا يناسب شأنه، كالبيع والشراء والإجارة والاستيجار لمن يناسبه مثل هذه الاُمور، والرتق والفتق في بعض الاُمور، مثل مباشرة الإنفاق في مصالحه ومصالح الوليّ ونحو ذلك في من يناسبه ذلك. وفي السفيهة يفوّض إليها ما يناسب النساء من إدارة بعض مصالح البيت والمعاملة مع النساء: من الإجارة والاستيجار للخياطة أو الغزل أو النساجة وأمثال ذلك، فإن آنس منه الرشد، بأن رأى منه المداقّةَ والمكايسةَ والتحفّظَ عن المغابنة في معاملاته وصيانةَ المال من التضييع وصرفَه في موضعه وجريَه مجرى العقلاء دفع إليه ماله، وإلّا فلا.
      مسألة 11 - لو احتمل حصول الرشد للصبيّ قبل بلوغه يجب اختباره قبله ليسلّم إليه ماله بمجرّد بلوغه لو آنس منه الرشد، وإلّا ففي كلّ زمان احتمل فيه ذلك عند البلوغ أو بعده. وأمّا غيره فإن ادّعى حصول الرشد له واحتمله الوليّ يجب اختباره، وإن لم يدّع حصوله ففي وجوب الاختبار بمجرّد الاحتمال إشكال لايخلو عدمه من قوّة.

    • القول في الفلس

       

      القول في الفلس

      المفلّس: من حُجر عليه عن ماله لقصوره عن ديونه.
      مسألة 1 - من كثرت عليه الديون ولو كانت أضعاف أمواله يجوز له التصرّف فيها بأنواعه، ونفذ أمره فيها بأصنافه ولو بإخراجها جميعاً عن ملكه مجّاناً أو بعوض ما لم يحجر عليه الحاكم الشرعيّ. نعم، لو كان صلحه عنها أو هبتها -مثلاً- لأجل الفرار من أداء الديون يشكل الصحّة، خصوصاً في ما إذا لم يرج حصول مال آخر له باكتساب ونحوه.
      مسألة 2 - لا يجوز الحجر على المفلّس إلّا بشروط أربعة:
      الأوّل: أن تكون ديونه ثابتةً شرعاً.
      الثاني: أن تكون أمواله من عروض ونقود ومنافع وديون على الناس - ما عدا مستثنيات الدين - قاصرةً عن ديونه.
      الثالث: أن تكون الديون حالّةً؛ فلا يحجر عليه لأجل الديون المؤجّلة وإن لم يف ماله بها لو حلّت. ولو كان بعضها حالّاً وبعضها مؤجّلاً فإن قصر ماله عن الحالّة يحجر عليه، وإلّا فلا.
      الرابع: أن يرجع الغرماء كلّهم أو بعضهم - إذا لم يف ماله بدين ذلك البعض - إلى الحاكم ويلتمسوا منه الحجر عليه، إلّا أن يكون الدين لمن كان الحاكم وليّه كالمجنون واليتيم.
      مسألة 3 - بعد ما تمّت الشرائط وحجر عليه الحاكم وحكم به تعلّق حقّ الغرماء بأمواله، ولا يجوز له التصرّف فيها بعوض كالبيع والإجارة وبغيره كالوقف والهبة إلّا بإذنهم أو إجازتهم. وإنّما يمنع عن التصرّفات الابتدائيّة؛ فلو اشترى شيئاً سابقاً بخيار ثمّ حجر عليه فالخيار باقٍ، وله فسخ البيع وإجازته. نعم، لو كان له حقّ ماليّ سابقاً على الغير ليس له إسقاطه وإبراؤه كلّاً أو بعضاً.
      مسألة 4 - إنّما يمنع عن التصرّف في أمواله الموجودة في زمان الحجر عليه؛ وأمّا الأموال المتجدّدة الحاصلة له بغير اختياره كالإرث أو باختياره كالاحتطاب والاصطياد وقبول الوصيّة والهبة ونحو ذلك ففي شمول الحجر لها بل في نفوذه على فرض شموله إشكال. نعم، لا إشكال في جواز الحجر عليها أيضاً.
      مسألة 5 - لو أقرّ بعد الحجر بدين صحّ ونفذ، لكن لا يشارك المقرّ له مع الغرماء على الأقوى، سواء كان الإقرار بدين سابق أو بدين لاحق، وسواء أسنده إلى سبب لا يحتاج إلى رضا الطرفين مثل الإتلاف والجناية ونحوهما أو أسنده إلى سبب يحتاج إلى ذلك، كالاقتراض والشراء بما في الذمّة ونحو ذلك.
      مسألة 6 - لو أقرّ بعين من الأعيان الّتي تحت يده لشخص لا إشكال في نفوذ إقراره في حقّه؛ فلو سقط حقّ الغرماء وانفكّ الحجر لزمه تسليمها إلى المقرّ له أخذاً بإقراره؛ وأمّا نفوذه في حقّ الغرماء بحيث تدفع إلى المقرّ له في الحال ففيه إشكال، والأقوى عدمه.
      مسألة 7 - بعد ما حكم الحاكم بحجر المفلّس ومنعه عن التصرّف في أمواله يشرع في بيعها وقسمتها بين الغرماء بالحصص وعلى نسبة ديونهم مستثنياً منها مستثنيات الدين، وقد مرّت في كتاب الدين. وكذا أمواله المرهونة عند الديّان، فإنّ المرتهن أحقّ باستيفاء حقّه من الرهن الّذي عنده، ولا يحاصّه فيه سائر الغرماء، كما مرّ في كتاب الرهن.
      مسألة 8 - إن كان من جملة مال المفلّس عين اشتراها وكان ثمنها في ذمّته كان البائع بالخيار بين أن يفسخ البيع ويأخذ عين ماله وبين الضرب مع الغرماء بالثمن ولو لم يكن له مال سواها.
      مسألة 9 - الظاهر أنّ هذا الخيار ليس على الفور، فله أن لا يبادر بالفسخ والرجوع بالعين. نعم، ليس له الإفراط في تأخير الاختيار بحيث تعطّل أمر التقسيم على الغرماء؛ ولو وقع منه ذلك خيّره الحاكم بين الأمرين، فإن امتنع ضربه مع الغرماء بالثمن.
      مسألة 10 - يعتبر في جواز رجوع البائع بالعين حلول الدين، فلا رجوع مع تأجيله. نعم، لو حلّ المؤجّل قبل فكّ الحجر فالأصحّ الرجوع بها.
      مسألة 11 - لو كانت العين من مستثنيات الدين ليس للبائع أن يرجع إليها على الأظهر.
      مسألة 12 - المقرض كالبائع في أنّ له الرجوع في العين المقترضة لو وجدها عند المقترض؛ فهل للمؤجر فسخ الإجارة إذا حجر على المستأجر قبل استيفاء المنفعة - كلّاً أو بعضاً - بالنسبة إلى ما بقي من المدّة؟ فيه إشكال، والأحوط التخلّص بالصلح.
      مسألة 13 - لو وجد البائع أو المقرض بعض العين المبيعة أو المقترضة كان لهما الرجوع إلى الموجود بحصّة من الدين والضرب بالباقي مع الغرماء، كما أنّ لهما الضرب بتمام الدين معهم.
      مسألة 14 - لو زادت في العين المبيعة أو المقترضة زيادةٌ متّصلةٌ كالسمن تتبع الأصل، فيرجع البائع أو المقرض إلى العين كما هي؛ وأمّا الزيادة المنفصلة كالحمل والولد واللبن والثمر على الشجر فهي للمشتري والمقترض.
      مسألة 15 - لو تعيّبت العين عند المشتري مثلاً: فإن كان بآفة سماويّة أو بفعل المشتري فللبائع أن يأخذها - كما هي - بدل الثمن وأن يضرب بالثمن مع الغرماء، وإن كان بفعل الأجنبيّ فهو بالخيار بين أن يضرب مع الغرماء بتمام الثمن وبين أن يأخذ العين معيباً. وحينئذٍ يحتمل أن يضارب الغرماء في جزء من الثمن نسبته إليه كنسبة الأرش إلى قيمة العين، ويحتمل أن يضاربهم في تمام الأرش؛ فإذا كان الثمن عشرةً وقيمةُ العين عشرين وأرشُ النقصان أربعةً خمسَ القيمة فعلى الأوّل يضاربهم في اثنين، وعلى الثاني في أربعة، ولو فرض العكس بأن كان الثمن عشرين والقيمة عشرةً وكان الأرش اثنين خمسَ العشرة فالأمر بالعكس، يضاربهم في أربعة على الأوّل، وفي اثنين على الثاني. ويحتمل أن يكون له أخذها كما هي، والضرب بالثمن كالتلف السماويّ. ولو كان التلف بفعل البائع فالظاهر أنّه كفعل الأجنبيّ، ويكون ما في عهدته من ضمان المبيع المعيب جزءَ أموال المفلّس. والمسألة مشكلة، فالأحوط التخلّص بالصلح.
      مسألة 16 - لو اشترى أرضاً فأحدث فيها بناءً أو غرساً ثمّ فلّس كان للبائع الرجوع إلى أرضه، لكنّ البناء والغرس للمشتري، وليس له حقّ البقاء ولو بالاُجرة؛ فإن تراضيا مجّاناً أو بالاُجرة، وإلّا فللبائع إلزامه بالقلع لكن مع دفع الأرش، كما أنّ للمشتري القلع لكن مع طمّ الحفر. والأحوط للبائع عدم إلزامه بالقلع والرضا ببقائه ولو بالاُجرة إذا أراده المشتري، وأحوط منه الرضا بالبقاء بغير اُجرة.
      مسألة 17 - لو خلط المشتري - مثلاً - ما اشتراه بماله خلطاً رافعاً للتميّز فالأقرب بطلان حقّ البائع، فليس له الرجوع إليه، سواء اختلط بغير جنسه أو بجنسه، وسواء خلط بالمساوي أو الأردأ أو الأجود.
      مسألة 18 - لو اشترى غزلاً فنسجه أو دقيقاً فخبزه أو ثوباً فقصره أو صبغه لم يبطل حقّ البائع من العين، على إشكال في الأوّلين.
      مسألة 19 - غريم الميّت كغريم المفلّس؛ فإذا وجد ماله في تركته كان له الرجوع إليه، لكن بشرط أن يكون ما تركه وافياً بدين الغرماء، وإلّا فليس له ذلك، بل هو كسائر الغرماء يضرب بدينه معهم وإن كان الميّت قد مات محجوراً عليه.
      مسألة 20 - يجري على المفلّس إلى يوم قسمة ماله نفقته وكسوته ونفقة من يجب عليه نفقته وكسوته على ماجرت عليه عادته؛ ولو مات قدّم كفنه بل وسائر مُؤَن تجهيزه - من السدر والكافور وماء الغسل ونحو ذلك - على حقوق الغرماء، ويقتصر على الواجب على الأحوط، وإن كان القول باعتبار المتعارف بالنسبة إلى أمثاله لا يخلو من قوّة خصوصاً في الكفن.
      مسألة 21 - لو قسّم الحاكم مال المفلّس بين الغرماء ثمّ ظهر غريم آخر فالأقوى انكشاف بطلان القسمة من رأس، فيصير المال للغرماء أجمع بالنسبة.

    • القول في المرض

       

      القول في المرض

      المريض إن لم يتّصل مرضه بموته فهو كالصحيح، يتصرّف في ماله بما شاء وكيف شاء، وينفذ جميع تصرّفاته في جميع مايملكه، إلّا إذا أوصى بشي ء من ماله بعد موته، فإنّه لا ينفذ في ما زاد على ثلث تركته، كما أنّ الصحيح أيضاً كذلك، ويأتي تفصيله في محلّه إن شاء اللّه تعالى. وأمّا إذا اتّصل مرضه بموته فلا إشكال في عدم نفوذ وصيّته بما زاد على الثلث كغيره؛ كما أنّه لا إشكال في نفوذ عقوده المعاوضيّة المتعلّقة بماله، كالبيع بثمن المثل والإجارة باُجرة المثل ونحو ذلك؛ وكذا لا إشكال في جواز انتفاعه بماله، كالأكل والشرب والإنفاق على نفسه ومن يعوله والصرف على أضيافه، وفي مورد يحفظ شأنه واعتباره وغير ذلك، وبالجملة: كلّ صرفٍ فيه غرض عقلائيّ ممّا لا يعدّ سرفاً ولا تبذيراً أيّ مقدار كان. وإنّما الإشكال والخلاف في مثل الهبة والوقف والصدقة والإبراء والصلح بغير عوض ونحو ذلك من التصرّفات التبرّعيّة في ماله ممّا لا يقابل بالعوض ويكون فيه إضرار بالورثة، وهي المعبّر عنها بالمنجّزات، وأنّها هل هي نافذة من الأصل بمعنى نفوذها وصحّتها مطلقاً وإن زادت على ثلث ماله بل وإن تعلّقت بجميعه بحيث لم يبق شي ء للورثة أو هي نافذة بمقدار الثلث، فإن زادت تتوقّف صحّتها ونفوذها في الزائد على إمضاء الورثة؟ والأقوى هو الأوّل.
      مسألة 1 - لا إشكال ولا خلاف في أنّ الواجبات الماليّة الّتي يؤدّيها المريض في مرض موته - كالخمس والزكاة والكفّارات - تخرج من الأصل.
      مسألة 2 - لو أقرّ بدين أو عين من ماله في مرض موته لوارث أو أجنبيّ: فإن كان مأموناً غير متّهم نفذ إقراره في جميع ما أقرّبه وإن كان زائداً على ثلث ماله بل وإن استوعبه، وإلّا فلا ينفذ في مازاد على ثلثه. والمراد بكونه متّهماً وجودأمارات يظنّ معها بكذبه، كأن يكون بينه وبين الورثة معاداة يظنّ معها بأنّه يريد بذلك إضرارهم، أو كان له حبّ شديد بالنسبة إلى المقرّ له يظنّ معه بأنّه يريد بذلك نفعه.
      مسألة 3 - لو لم يعلم حال المقرّ وأنّه كان متّهماً أو مأموناً فالأقوى عدم نفوذ إقراره في الزائد على الثلث، وإن كان الأحوط التصالح بين الورثة والمقرّ له.
      مسألة 4 - إنّما يحسب الثلث في الإقرار ونحوه بالنسبة إلى مجموع ما يتركه في زمان موته من الأموال، عيناً أو ديناً أو منفعةً أو حقّاً ماليّاً يبذل بإزائه المال كحقّ التحجير. وهل تحسب الدية من التركة وتضمّ إليها ويحسب الثلث بالنسبة إلى المجموع أم لا؟ وجهان بل قولان لا يخلو أوّلهما من رجحان.
      مسألة 5 - ما ذكر من عدم النفوذ في ما زاد على الثلث فى الوصيّة ونحوها إنّما هو مع عدم إجازة الورثة، وإلّا نفذت بلا إشكال؛ ولو أجاز بعضهم نفذت بمقدار حصّته؛ ولو أجازوا بعضاً من الزائد على الثلث نفذت بمقداره.
      مسألة 6 - لا إشكال في صحّة إجازة الوارث بعد موت المورّث. وهل تصحّ منه في حال حياته بحيث تلزم عليه ولا يجوز له الردّ بعد ذلك أم لا؟ قولان، أقواهما الأوّل، خصوصاً في الوصيّة. و لو ردّ في حال الحياة يمكن أن تلحقها الإجازة بعد ذلك على الأقوى.

  • كتاب الضمان

     

    كتاب الضمان

    وهو التعهّد بمال ثابت في ذمّة شخص لآخر. وهو عقد يحتاج إلى إيجابٍ من الضامن بكلّ لفظ دالّ عرفاً ولو بقرينة على التعهّد المزبور، مثل «ضمنت» أو «تعهّدت لك الدين الّذي لك على فلان» ونحو ذلك، وقبولٍ من المضمون له بما دلّ على الرضا بذلك. ولا يعتبر فيه رضا المضمون عنه.
    مسألة 1 - يشترط في كلّ من الضامن والمضمون له أن يكون بالغاً عاقلاً رشيداً مختاراً، وفي خصوص المضمون له أن يكون غير محجور عليه لفلس.
    مسألة 2 - يشترط في صحّة الضمان اُمور:
    منها - التنجيز على الأحوط؛ فلو علّق على أمر كأن يقول: «أنا ضامن إن أذن أبي» أو «أنا ضامن إن لم يف المديون إلى زمان كذا» أو «إن لم يف أصلاً» بطل.
    ومنها - كون الدين الّذي يضمنه ثابتاً في ذمّة المضمون عنه، سواء كان مستقرّاً كالقرض والثمن والمثمن في البيع الّذي لا خيار فيه أو متزلزلاً كأحد العوضين في البيع الخياريّ والمهر قبل الدخول ونحو ذلك؛ فلو قال: «أقرض فلاناً أو بعه نسيئةً وأنا ضامن» لم يصحّ.
    ومنها - تميّز الدين والمضمون له والمضمون عنه بمعنى عدم الإبهام والترديد؛ فلا يصحّ ضمان أحد الدينين ولو لشخص معيّن على شخص معيّن، ولا ضمان دين أحد الشخصين ولو لواحد معيّن أو على واحد معيّن. نعم، لو كان الدين معيّناً في الواقع ولم يعلم جنسه أو مقداره أو كان المضمون له أو المضمون عنه متعيّناً في الواقع ولم يعلم شخصه صحّ على الأقوى، خصوصاً في الأخيرين؛ فلو قال: «ضمنت ما لفلان على فلان» ولم يعلم أنّه درهم أو دينار أو أنّه دينار أو ديناران صحّ على الأصحّ؛ وكذا لو قال: «ضمنت الدين الّذي على فلان لمن يطلبه من هؤلاء العشرة» ويعلم بأنّ واحداً منهم يطلبه ولم يعلم شخصه ثمّ قبل المطالب أو قال: «ضمنت ما كان لفلان على المديون من هؤلاء» ولم يعلم شخصه صحّ الضمان على الأقوى.
    مسألة 3 - إذا تحقّق الضمان الجامع للشرائط انتقل الحقّ من ذمّة المضمون عنه إلى ذمّة الضامن، وبرئت ذمّته؛ فإذا أبرأ المضمون له ذمّةالضامن برئت الذمّتان: إحداهما بالضمان والاُخرى بالإبراء، ولو أبرأ ذمّة المضمون عنه كان لغواً.
    مسألة 4 - الضمان لازم من طرف الضامن، فليس له فسخه بعد وقوعه مطلقاً؛ وكذا من طرف المضمون له، إلّا إذا كان الضامن معسراً وهو جاهل بإعساره، فله فسخه والرجوع بحقّه على المضمون عنه. والمدار إعساره حال الضمان؛ فلو أعسر بعده فلا خيار، كما أنّه لو كان معسراً حاله ثمّ أيسر لم يزل الخيار.
    مسألة 5 - يجوز اشتراط الخيار لكلّ من الضامن والمضمون له على الأقوى.
    مسألة 6 - يجوز ضمان الدين الحالّ حالّاً ومؤجّلاً، وكذا ضمان المؤجّل مؤجّلاً وحالّاً؛ وكذا يجوز ضمان المؤجّل بأزيد أو أنقص من أجله.
    مسألة 7 - لو ضمن من دون إذن المضمون عنه ليس له الرجوع عليه، وإن كان بإذنه فله ذلك لكن بعد أداء الدين لا بمجرّد الضمان. وإنّما يرجع إليه بمقدار ما أدّاه؛ فلو صالح المضمون له مع الضامن الدين ببعضه أو أبرأه من بعضه لم يرجع بالمقدار الّذي سقط عن ذمّته بهما.
    مسألة 8 - لوكان الضمان بإذن المضمون عنه فإنّما يرجع عليه بالأداء في ماإذا حلّ أجل الدين الّذي كان على المضمون عنه، وإلّا فليس له الرجوع عليه إلّا بعد حلول أجله؛ فلو ضمن الدين المؤجّل حالّاً أو المؤجّل بأقلّ من أجله فأدّاه ليس له الرجوع عليه إلّا بعد حلول الأجل. نعم، لو أذن له صريحاً بضمانه حالّاً أو بأقلّ من الأجل فالأقرب جواز الرجوع عليه مع أدائه. وأمّا لو كان بالعكس بأن ضمن الحالّ مؤجّلاً أو المؤجّل بأكثر من أجله برضا المضمون عنه قبل حلول أجله جاز له الرجوع عليه بمجرّد الأداء في الحالّ، وبحلول الأجل في ما ضمن بالأكثر بشرط الأداء. وكذا لو مات قبل انقضاء الأجل فحلّ الدين بموته وأدّاه الورثة من تركته كان لهم الرجوع على المضمون عنه.
    مسألة 9 - لو ضمن بالإذن الدينَ المؤجّل مؤجّلاً فمات قبل انقضاء الأجلين وحلّ ما عليه فاُخذ من تركته ليس لورثته الرجوع على المضمون عنه إلّابعد حلول أجل الدين الّذي كان عليه، ولا يحلّ الدين بالنسبة إلى المضمون عنه بموت الضامن، وإنّما يحلّ بالنسبة إليه.
    مسألة 10 - لو دفع المضمون عنه الدين إلى المضمون له من دون إذن الضامن برئت ذمّته، وليس له الرجوع عليه.
    مسألة 11 - يجوز الترامي في الضمان، بأن يضمن - مثلاً - زيد عن عمرو ثمّ يضمن بكر عن زيد ثمّ يضمن خالد عن بكر وهكذا، فتبرأ ذمّة الجميع ويستقرّ الدين على الضامن الأخير؛ فإن كان جميع الضمانات بغير إذن من المضمون عنه لم يرجع واحد منهم على سابقه لو أدّى الدين الضامن الأخير، وإن كان جميعها بالإذن يرجع الأخير على سابقه، وهو على سابقه إلى أن ينتهي إلى المديون الأصليّ؛ وإن كان بعضها بالإذن دون بعض: فإن كان الأخير بدونه كان كالأوّل لم يرجع واحد منهم على سابقه، وإن كان بالإذن رجع هو على سابقه، وهو على سابقه لو ضمن بالإذن، وإلّا لم يرجع وانقطع الرجوع عليه. وبالجملة: كلّ ضامن كان ضمانه بإذن من ضمن عنه يرجع عليه بما أدّاه.
    مسألة 12 - لا إشكال في جواز ضمان اثنين عن واحد بالاشتراك، بأن يكون على كلّ منهما بعض الدين، فتشتغل ذمّة كلّ بمقدار ما عيّناه ولو بالتفاوت. ولو اُطلق يقسّط عليهما بالتساوي، فبالنصف لو كانا اثنين وبالثلث لو كانوا ثلاثة وهكذا؛ ولكلّ منهما أداء ما عليه، وتبرأ ذمّته، ولا يتوقّف على أداء الآخر ما عليه؛ وللمضمون له مطالبة كلّ منهما بحصّته أو أحدهما أو إبراؤه دون الآخر. ولو كان ضمان أحدهما بالإذن دون الآخر رجع المأذون إلى المضمون عنه دون الآخر. والظاهر أنّه لا فرق في جميع ما ذكر بين أن يكون ضمانهما بعقدين بأن ضمن أحدهما عن نصفه ثمّ ضمن الآخر عن نصفه الآخر أو بعقد واحد كما إذا ضمن عنهما وكيلهما في ذلك فقبل المضمون له. هذا كلّه في ضمان اثنين عن واحد بالاشتراك. وأمّا ضمانهما عنه بالاستقلال فلا إشكال في عدم وقوعه لكلّ منهما كذلك على ما يقتضي مذهبنا في الضمان، فهل يقع باطلاً أو يقسّط عليهما بالاشتراك؟ وجهان، أقربهما الأوّل.
    مسألة 13 - لو تمّ عقد الضمان على تمام الدين فلا يمكن أن يتعقّبه آخر ولو ببعضه، ولو تمّ على بعضه لا يمكن أن يتعقّبه على التمام أو على ذلك المضمون.
    مسألة 14 - يجوز الضمان بغير جنس الدين، لكن إذا كان الضمان بإذن المضمون عنه ليس له الرجوع عليه إلّا بجنسه.
    مسألة 15 - كما يجوز الضمان عن الأعيان الثابتة في الذمم يجوز عن المنافع والأعمال المستقرّة عليها، فكما يجوز أن يضمن عن المستأجر ما عليه من الاُجرة كذلك يجوز أن يضمن عن الأجير ما عليه من العمل. نعم، لو كان ما عليه اعتبر فيه المباشرة لم يصحّ ضمانه.
    مسألة 16 - لو ادّعى شخص على آخر ديناً فقال ثالث للمدّعي: «عليّ ما عليه» فرضي صحّ الضمان، بمعنى ثبوت الدين في ذمّته على تقدير ثبوته، فتسقط الدعوى عن المضمون عنه ويصير الضامن طرفها؛ فلو أقام المدّعي البيّنة على ثبوته يجب على الضامن أداؤه، وكذا لو ثبت إقرار المضمون عنه قبل الضمان بالدين؛ وأمّا إقراره بعد الضمان فلا يثبت به شي ء، لا على المقرّ ولا على الضامن.
    مسألة 17 - الأقوى عدم جواز ضمان الأعيان المضمونة كالغصب والمقبوض بالعقد الفاسد لمالكها عمّن كانت هي بيده.
    مسألة 18 - لا إشكال في جواز ضمان عهدة الثمن للمشتري عن البائع لو ظهر المبيع مستحقّاً للغير أو ظهر بطلان البيع لفقد شرط من شروط صحّته إذا كان بعد قبض البائع الثمن وتلفه عنده، وأمّا مع بقائه في يده فمحلّ تردّد. والأقوى عدم صحّة ضمان درك ما يحدثه المشتري - من بناء أو غرس في الأرض المشتراة إن ظهرت مستحقّةً للغير وقلعه المالك - للمشتري عن البائع.
    مسألة 19 - لو كان على الدين الّذي على المضمون عنه رهنٌ ينفكّ بالضمان، شرطَ الضامن انفكاكه أم لا.
    مسألة 20 - لو كان على أحدٍ دينٌ فالتمس من غيره أداءه فأدّاه بلا ضمان عنه للدائن جاز له الرجوع على الملتمس مع عدم قصد التبرّع.

  • كتاب الحوالة والكفالة
    • القول في الحوالة

       

      القول في الحوالة

      أمّا الحوالة فحقيقتها تحويل المديون ما في ذمّته إلى ذمّة غيره. وهي متقوّمة بأشخاص ثلاثة: المحيل وهو المديون، والمحتال وهو الدائن، والمحال عليه. ويعتبر فيهم البلوغ والعقل والرشد والاختيار، وفي المحتال عدم الحجر للفلس، وكذا في المحيل إلّا على البري ء. وهي عقد يحتاج إلى إيجابٍ من المحيل وقبولٍ من المحتال؛ وأمّا المحال عليه فليس طرفاً للعقد وإن قلنا باعتبار قبوله. ويكفي في الإيجاب كلّ لفظ يدلّ على التحويل المزبور، مثل «أحلتك بما في ذمّتي من الدين على فلان» و ما يفيد معناه، وفي القبول ما يدلّ على الرضا بذلك. ويعتبر في عقدها ما يعتبر في سائر العقود ومنها التنجيز على الأحوط.
      مسألة ۱ - يشترط في صحّة الحوالة مضافاً إلى ما تقدّم اُمور:
      منها: أن يكون المال المحال به ثابتاً في ذمّة المحيل، فلا تصحّ في غيره وإن وجد سببه، كمال الجعالة قبل العمل، فضلاً عمّا لا يوجد، كالحوالة بما سيستقرضه في ما بعد.
      ومنها: تعيين المال المحال به، بمعنى عدم الإبهام والترديد. وأمّا معلوميّة مقداره أو جنسه عند المحيل أو المحتال فالظاهر عدم اعتبارها؛ فلو كان مجهولاً عندهما ومعلوماً معيّناً واقعاً لا بأس به، خصوصاً مع فرض إمكان ارتفاع الجهالة.
      ومنها: رضا المحال عليه وقبوله، على الأحوط في ما إذا اشتغلت ذمّته للمحيل بمثل ما أحال عليه، وعلى الأقوى في الحوالة على البري ء أو بغير جنس ما على المحال عليه.
      مسألة ۲ - لا يعتبر في صحّة الحوالة اشتغال ذمّة المحال عليه بالدين للمحيل، فتصحّ الحوالة على البري ء على الأقوى.
      مسألة ۳ - لا فرق في المحال به بين كونه عيناً ثابتاً في ذمّة المحيل وبين كونه منفعةً أو عملاً لا يعتبر فيه المباشرة. فتصحّ إحالة مشغول الذمّة بخياطة ثوب أو زيارة أو صلاة أو حجّ أو قراءة قرآن ونحو ذلك على بري ء أو على من اشتغلت ذمّته له بمثل ذلك. وكذا لا فرق بين كونه مثليّاً كالحنطة والشعير أو قيميّاً كالغنم والثوب بعدماكان موصوفاً بما يرفع الجهالة، فإذا اشتغلت ذمّته بشاةٍموصوفةمثلاً- بسبب كالسلم جاز له إحالتها على من كان له عليه شاة بذلك الوصف أو كان بريئاً.
      مسألة 4 - لا إشكال في صحّة الحوالة مع اتّحاد الدين المحال به مع الدين الّذي على المحال عليه جنساً ونوعاً، وأمّا مع الاختلاف بأن كان عليه لرجل -مثلاً- دراهم وله على آخر دنانير فيحيل الأوّل على الثاني فهو على أنحاء: فتارةً يحيل الأوّل بدراهمه على الثاني بالدنانير بأن يأخذ منه ويستحقّ عليه بدل الدراهم الدنانير. واُخرى يحيله عليه بالدراهم بأن يأخذ منه الدراهم ويعطي المحال عليه بدل ما عليه من الدنانير الدراهم. وثالثةً يحيله عليه بالدراهم بأن يأخذ منه دراهمه وتبقى الدنانير على حالها. لا إشكال في صحّة النحو الأوّل، وكذا الثالث، ويكون هو كالحوالة على البري ء، وأمّا الثاني ففيه إشكال، فالأحوط في ما إذا أراد ذلك أن يقلب الدنانير الّتي على المحال عليه بدراهم بناقل شرعيّ أوّلاً ثمّ يحال عليه الدراهم، وإن كان الأقوى صحّته مع التراضي.
      مسألة 5 - إذا تحقّقت الحوالة جامعةً للشروط برئت ذمّة المحيل عن الدين وإن لم يبرأه المحتال واشتغلت ذمّة المحال عليه للمحتال بما اُحيل عليه. هذا حال المحيل مع المحتال والمحتال مع المحال عليه. وأمّا حال المحال عليه مع المحيل: فإن كانت الحوالة بمثل ما عليه برئت ذمّته ممّا له عليه، وكذا إن كانت بغير الجنس ووقعت على النحو الأوّل والثاني مع التراضي، وأمّا إن وقعت على النحو الأخير أو كانت الحوالة على البري ء اشتغلت ذمّة المحيل للمحال عليه بما أحال عليه، وإن كان له عليه دين يبقى على حاله.
      مسألة 6 - لايجب على المحتال قبول الحوالة وإن كانت على غنيّ غيرمماطل. ولو قبلها لزم وإن كانت على فقير معدم مع علمه بحاله. ولو كان جاهلاً فبان إعساره وفقره وقت الحوالة فله الفسخ والعود على المحيل. ولا فسخ مع الفقر الطارئ كما لا يزول الخيار باليسار الطارئ.
      مسألة 7 - الحوالة لازمة بالنسبة إلى كلّ من الثلاثة، إلّا على المحتال مع إعسار المحال عليه وجهله بالحال كما أشرنا إليه. والمراد بالإعسار أن لا يكون عنده ما يوفي به الدين زائداً على مستثنياته. ويجوز اشتراط خيار الفسخ لكلّ منهم.
      مسألة 8 - يجوز الترامي في الحوالة بتعدّد المحال عليه واتّحاد المحتال، كما لو أحال المديون زيداً على عمرو ثمّ أحاله عمرو على بكر وهو على خالد وهكذا، أو بتعدّد المحتال مع اتّحاد المحال عليه، كما لو أحال المحتال من له عليه دين على المحال عليه ثمّ أحال هو من عليه دين على ذلك المحال عليه وهكذا.
      مسألة 9 - لو قضى المحيل الدين بعد الحوالة برئت ذمّة المحال عليه، فإن كان ذلك بمسألته رجع المحيل عليه، وإن تبرّع لم يرجع.
      مسألة 10 - لو أحال على بري ء وقبل المحال عليه هل له الرجوع على المحيل بمجرّده أو ليس له إلّا بعد أداء الدين للمحتال؟ الأقرب الثاني.
      مسألة 11 - لو أحال البائع من له عليه دين على المشتري أو أحال المشتري البائع بالثمن على شخص آخر ثمّ تبيّن بطلان البيع بطلت الحوالة، بخلاف ما إذا انفسخ البيع بخيار أو بالإقالة، فإنّه تبقى الحوالة ولم تتبع البيع فيه.
      مسألة 12 - إذا كان له عند وكيله أو أمينه مال معيّن خارجيّ فأحال دائنه عليه ليدفع إليه وقبل المحتال وجب عليه دفعه إليه، ولولم يدفع فله الرجوع على المحيل، لبقاء شغل ذمّته.

    • القول في الكفالة

       

      القول في الكفالة

      وهي التعهّد والالتزام لشخص بإحضار نفس له عليها حقّ. وهي عقد واقع بين الكفيل والمكفول له، وهو صاحب الحقّ. والإيجاب من الأوّل، ويكفي فيه كلّ لفظ دالّ على المقصود، نحو «كفلت لك نفس فلان» أو «أنا كفيل لك بإحضاره» ونحو ذلك؛ والقبول من الثاني بما دلّ على الرضا بذلك.
      مسألة 1 - يعتبر في الكفيل البلوغ والعقل والاختيار والتمكّن من الإحضار. ولايشترط في المكفول له البلوغ والعقل؛ فيصحّ الكفالة للصبيّ والمجنون إذا قبلها الوليّ.
      مسألة 2 - لا إشكال في اعتبار رضا الكفيل والمكفول له. والأقوى عدم اعتبار رضا المكفول، وعدم كونه طرفاً للعقد. نعم، مع رضاه يلحق بها بعض الأحكام زائداً على المجرّدة منه. والأحوط اعتبار رضاه وأن يكون طرفاً للعقد، بأن يكون عقدها مركّباً من إيجاب وقبولين من المكفول له والمكفول.
      مسألة 3 - كلّ من عليه حقّ ماليّ صحّت الكفالة ببدنه، ولا يشترط العلم بمبلغ ذلك المال. نعم، يشترط أن يكون المال ثابتاً فى الذمّة بحيث يصحّ ضمانه؛ فلو تكفّل بإحضار من لا مال عليه وإن وجد سببه - كمن جعل الجعالة قبل أن يعمل العامل - لم تصحّ. وكذا تصحّ كفالة كلّ من يستحقّ عليه الحضور إلى مجلس الشرع، بأن تكون عليه دعوى مسموعة وإن لم تقم البيّنة عليه بالحقّ. وكذا تصحّ كفالة من عليه عقوبة من حقوق الخلق كعقوبة القصاص، دون من عليه عقوبة من حقوق اللّه تعالى كالحدّ والتعزير، فإنّها لا تصحّ.
      مسألة 4 - يصحّ إيقاع الكفالة حالّةً لو كان الحقّ ثابتاً على المكفول كذلك ومؤجّلةً. ومع الإطلاق تكون حالّةً مع ثبوت الحقّ كذلك. ولو كانت مؤجّلةً تلزم تعيين الأجل بنحو لا يختلف زيادةً ونقصاً.
      مسألة 5 - عقد الكفالة لازم لا يجوز فسخه إلّا بالإقالة. ويجوز جعل ا لخيار فيه لكلّ من الكفيل والمكفول له مدّةً معيّنة.
      مسألة 6 - إذا تحقّقت الكفالة جامعةً للشرائط جاز مطالبة المكفول له الكفيلَ بالمكفول عاجلاً إذا كانت الكفالة مطلقةً - على ما مرّ - أو معجّلةً، وبعد الأجل إذا كانت مؤجّلةً. فإن كان المكفول حاضراً وجب على الكفيل تسليمه إلى المكفول له، فإن سلّمه له بحيث يتمكّن منه فقد برئ ممّا عليه، وإن امتنع عن ذلك يرفع الأمر إلى الحاكم، فيحبسه حتّى يُحضره أو يؤدّي ما عليه في مثل الدين؛ وأمّا في مثل حقّ القصاص والكفالة عن الزوجة فيلزم بالإحضار، ويُحبس حتّى يُحضره ويسلّمه. وإن كان غائباً: فإن علم موضعه ويمكن للكفيل إحضاره اُمهل بقدر ذهابه ومجيئه، فإذا مضى ولم يأت به من غير عذر حُبس كما مرّ، وإن كان غائباً غيبةً منقطعةً لا يعرف موضعه وانقطع خبره فمع رجاء الظفر به مع الفحص لا يبعد أن يكلّف بإحضاره وحبسه لذلك، خصوصاً إذا كان ذلك بتفريط منه؛ وأمّا إلزامه بأداء الدين في هذه الصورة فمحلّ تأمّل. نعم، لو أدّى تخلّصاً من الحبس يطلق. ومع عدم الرجاء لم يكلّف بإحضاره. والأقرب إلزامه بأداء الدين، خصوصاً إذا كان ذلك بتفريط منه، بأن طالبه المكفول له وكان متمكّناً منه ولم يُحضره حتّى هرب. نعم، لو كان عدم الرجاء للظفر به بحسب العادة حال عقد الكفالة يشكل صحّتها، وأمّا لو عرض ذلك فالظاهر عدم عروض البطلان، خصوصاً إذا كان بتفريط من الكفيل، فلا يبعد حينئذٍ إلزامه بالأداء أو حبسه حتّى يتخلّص به، خصوصاً في هذه الصورة.
      مسألة 7 - لو لم يُحضر الكفيل المكفولَ فاُخذ منه المال: فإن لم يأذن له المكفول لا في الكفالة ولا في الأداء ليس له الرجوع عليه بما أدّاه، وإن أذن له في الأداء كان له الرجوع، سواء أذن له في الكفالة أيضاً أم لا. وإن أذن له في الكفالة دون الأداء فهل يرجع عليه أم لا؟ لا يبعد أن يفصّل بين ما إذا أمكن له إرجاعه و إحضاره فالثاني، وما إذا تعذّر فالأوّل.
      مسألة 8 - لو عيّن الكفيل في الكفالة مكان التسليم تعيّن، فلا يجب عليه تسليمه في غيره ولو طلب ذلك المكفول له، كما أنّه لو سلّمه في غيره لم يجب على المكفول له تسلّمه. ولو أطلق ولم يعيّن مكانه: فإن أوقعا العقد في بلد المكفول له أو بلد قراره انصرف إليه، وإن أوقعاه في بريّة أو بلد غربة لم يكن من قصده القرار والاستقرار فيه فإن كانت قرينةٌ على التعيين فهو، وإلّا بطلت الكفالة من أصلها وإن كان في إطلاقه إشكال.
      مسألة 9 - يجب على الكفيل التوسّل بكلّ وسيلة مشروعة لإحضار المكفول، حتّى أنّه لو احتاج إلى الاستعانة بشخصٍ قاهرٍ لم تكن فيها مفسدة أو مضرّة دينيّة أو دنيويّة لم يبعد وجوبها. ولو كان غائباً واحتاج حمله إلى مؤونة فإن كانت الكفالة بإذن المكفول فهي عليه، ولو صرفها الكفيل لا بعنوان التبرّع فله أن يرجع بها عليه على إشكال في بعضها، وإن لم تكن بإذنه فعلى الكفيل.
      مسألة 10 - تبرأ ذمّة الكفيل بإحضار المكفول أو حضوره وتسليمه نفسه تامّاً عن قبل الكفيل؛ وأمّا حضوره وتسليم نفسه لا عن قبله فالظاهر عدم براءة ذمّته؛ وكذا لو أخذه المكفول له طوعاً أو كرهاً بحيث تمكّن من استيفاء حقّه أو إحضاره مجلس الحكم. نعم، لو اُبرئ المكفول عن الحقّ الّذي عليه أو الكفيل من الكفالة تبرأ ذمّته.
      مسألة 11 - لو نقل المكفول له الحقّ الّذي له على المكفول إلى غيره ببيع أو صلح أو حوالة بطلت الكفالة.
      مسألة 12 - لو مات الكفيل أو المكفول بطلت الكفالة، بخلاف ما لو مات المكفول له، فإنّ حقّه منها ينتقل إلى ورثته.
      مسألة 13 - من خلّى غريماً من يد صاحبه قهراً وإجباراً ضمن إحضاره؛ ولو أدّى ما عليه سقط ضمانه. هذا في مثل الدين. وأمّا في مثل حقّ القصاص فيضمن إحضاره، ومع تعذّره فمحلّ إشكال. ولو خلّى قاتلاً من يد وليّ الدم ضمن إحضاره، ومع تعذّره بموت ونحوه تؤخذ منه الدية. هذا في القتل العمديّ. وأمّا ما يوجب الدية فلا يبعد جريان حكم الدين عليه من ضمان إحضاره، ولو أدّى ما عليه سقط ضمانه.
      مسألة 14 - يجوز ترامي الكفالات، بأن يكفل الكفيل آخر ويكفل هذا آخر وهكذا، وحيث إنّ الكلّ فروع الكفالة الاُولى وكلّ لاحقٍ فرع سابقه فلو أبرأ المستحقّ الكفيل الأوّل أو أحضر الأوّل المكفول الأوّل أو مات أحدهما برئوا أجمع؛ ولو أبرأ المستحقّ بعض من توسّط برئ هو ومن بعده دون من قبله؛ وكذا لو مات برئ من كان فرعاً له.
      مسألة 15 - يكره التعرّض للكفالات، فعن الصادق 7: «الكفالة خسارة غرامة ندامة».

  • كتاب الوكالة

     

    كتاب الوكالة

    وهي تفويض أمر إلى الغير ليعمل له حال حياته، أو إرجاع تمشية أمر من الاُمور إليه له حالها. وهي عقد يحتاج إلى إيجابٍ بكلّ ما دلّ على هذا المقصود، كقوله: «وكّلتك» أو «أنت وكيلي في كذا» أو «فوّضته إليك» ونحوها، بل الظاهر كفاية قوله: «بع داري» قاصداً به التفويض المذكور فيه، وقبولٍ بكلّ ما دلّ على الرضا به؛ بل الظاهر أنّه يكفي فيه فعل ما وكّل فيه بعد الإيجاب؛ بل الأقوى وقوعها بالمعاطاة، بأن سلّم إليه متاعاً ليبيعه فتسلّمه لذلك؛ بل لا يبعد تحقّقها بالكتابة من طرف الموكّل والرضا بما فيها من طرف الوكيل وإن تأخّر وصولها إليه مدّةً، فلا يعتبر فيها الموالاة بين إيجابها وقبولها. وبالجملة: يتّسع الأمر فيها بما لايتّسع في غيرها، حتّى أنّه لو قال الوكيل: «أنا وكيلك في بيع دارك» مستفهماً فقال: «نعم» صحّ وتمّ وإن لم نكتف بمثله في سائر العقود.
    مسألة ۱ - يشترط فيها على الأحوط التنجيز، بمعنى عدم تعليق أصل الوكالة على شي ء، كقوله - مثلاً-: «إذا قدم زيد أو أهلّ هلال الشهر وكّلتك في كذا». نعم، لابأس بتعليق متعلّقها، كقوله: «أنت وكيلي في أن تبيع داري إذا قدم زيد» أو «وكّلتك في شراء كذا في وقت كذا».
    مسألة ۲ - يشترط في كلّ من الموكّل والوكيل البلوغ والعقل والقصد والاختيار؛ فلا يصحّ التوكيل ولا التوكّل من الصبيّ والمجنون والمكره. نعم، لايشترط البلوغ في الوكيل في مجرّد إجراء العقد على الأقرب؛ فيصحّ توكيله فيه إذا كان مميّزاً مراعياً للشرائط. ويشترط في الموكّل كونه جائز التصرّف في ما وكّل فيه، فلا يصحّ توكيل المحجور عليه لسفه أو فلس في ما حجر عليهما فيه، دون غيره كالطلاق؛ وأن يكون إيقاعه جائزاً له ولو بالتسبيب، فلا يصحّ منه التوكيل في عقد النكاح أو ابتياع الصيد إن كان محرّماً؛ وفي الوكيل كونه متمكّناً عقلاً وشرعاً من مباشرة ما توكّل فيه، فلا تصحّ وكالة المحرم في ما لا يجوز له، كابتياع الصيد وإمساكه وإيقاع عقد النكاح.
    مسألة ۳ - لا يشترط في الوكيل الإسلام؛ فتصحّ وكالة الكافر - بل والمرتدّ وإن كان عن فطرة - عن المسلم والكافر، إلّا في ما لا يصحّ وقوعه من الكافر، كابتياع المصحف لكافر، وكاستيفاء حقّ من المسلم، أو مخاصمة معه وإن كان ذلك لمسلم.
    مسألة 4 - تصحّ وكالة المحجور عليه لسفه أو فلس عن غيرهما ممّن لاحجر عليه.
    مسألة 5 - لو جوّزنا للصبيّ بعض التصرّفات في ماله - كالوصيّة بالمعروف لمن بلغ عشر سنين - جاز له التوكيل في ما جاز له.
    مسألة 6 - ما كان شرطاً في الموكّل والوكيل ابتداءً شرطٌ فيهما استدامةً؛ فلو جُنّا أو اُغمي عليهما أو حُجر على الموكّل في ما وكّل فيه بطلت الوكالة على الأحوط، ولو زال المانع احتاج عودها إلى توكيل جديد.
    مسألة 7 - يشترط في ما وكّل فيه أن يكون سائغاً في نفسه، وأن يكون للموكّل سلطنةٌ شرعاً على إيقاعه؛ فلا توكيل في المعاصي كالغصب والسرقة والقمار ونحوها، ولا على بيع مال الغير من دون ولاية عليه. ولا تعتبر القدرة عليه خارجاً مع كونه ممّا يصحّ وقوعه منه شرعاً؛ فيجوز لمن لم يقدر على أخذ ماله من غاصب أن يوكّل فيه من يقدر عليه.
    مسألة 8 - لو لم يتمكّن شرعاً أو عقلاً من إيقاع أمر إلّا بعد حصول أمر غير حاصل حين التوكيل - كتطليق امرأة لم تكن في حبالته، وتزويج من كانت مزوّجةً أو معتدّةً، ونحو ذلك - فلا إشكال في جواز التوكيل فيه تبعاً لما تمكّن منه، بأن يوكّله في إيقاع المرتّب عليه ثمّ إيقاع ما رتّب عليه، بأن يوكّله -مثلاً- في تزويج امرأة له ثمّ طلاقها أو شراء مال ثمّ بيعه ونحو ذلك؛ كما أنّ الظاهر جوازه لو وقعت الوكالة على كلّيّ يكون هو من مصاديقه، كما لو وكّله على جميع اُموره فيكون وكيلاً في المتجدّد في ملكه بهبة أو إرث بيعاً ورهناً وغيرهما؛ وأمّا التوكيل استقلالاً في خصوصه من دون التوكيل في المرتّب عليه ففيه إشكال، بل الظاهر عدم الصحّة، من غير فرق بين ما كان المرتّب عليه غير قابل للتوكيل - كانقضاء العدّة- أو قابلاً؛ فلا يجوز أن يوكّل في تزويج المعتدّة بعد انقضاء عدّتها والمزوّجة بعد طلاقها؛ وكذا في طلاق زوجة سينكحها أو بيع متاع سيشتريه ونحو ذلك.
    مسألة 9 - يشترط في الموكّل فيه أن يكون قابلاً للتفويض إلى الغير، بأن لم يعتبر فيه المباشرة من الموكّل؛ فلو تقبّل عملاً بقيد المباشرة لا يصحّ التوكيل فيه. وأمّا العبادات البدنيّة كالصلاة والصيام والحجّ وغيرها فلا يصحّ فيها التوكيل وإن فرض صحّة النيابة فيها عن الحيّ - كالحجّ عن العاجز - أو عن الميّت كالصلاة وغيرها، فإنّ النيابة غير الوكالة اعتباراً. نعم، تصحّ الوكالة في العبادات الماليّة -كالزكاة والخمس والكفّارات- إخراجاً وإيصالاً إلى المستحقّ.
    مسألة 10 - يصحّ التوكيل في جميع العقود، كالبيع والصلح والإجارة والهبة والعارية والوديعة والمضاربة والمزارعة والمساقاة والقرض والرهن والشركة والضمان والحوالة والكفالة والوكالة والنكاح، إيجاباً وقبولاً في الجميع؛ وكذا في الوصيّة والوقف والطلاق والإبراء والأخذ بالشفعة وإسقاطها وفسخ العقد في موارد ثبوت الخيار وإسقاطه. والظاهر صحّته في الرجوع إلى المطلّقة الرجعيّة إذا أوقعه على وجه لم يكن صِرف التوكيل تمسّكاً بالزوجيّة حتّى يرتفع به متعلّق الوكالة. ولا يبعد صحّته في النذر والعهد والظهار. ولا يصحّ في اليمين واللعان والإيلاء والشهادة والإقرار، على إشكال في الأخير.
    مسألة 11 - يصحّ التوكيل في القبض والإقباض في موارد لزومهما كما في الرهن والقرض والصرف بالنسبة إلى العوضين، والسلم بالنسبة إلى الثمن، وفي إيفاء الديون واستيفائها وغيرها.
    مسألة 12 - يجوز التوكيل في الطلاق، غائباً كان الزوج أم حاضراً؛ بل يجوز توكيل الزوجة في أن تطلّق نفسها بنفسها أوبأن توكّل الغير عن الزوج أوعن نفسها.
    مسألة 13 - تجوز الوكالة في حيازة المباح كالاستقاء والاحتطاب وغيرهما، فإذا وكّل شخصاً فيها وقد حاز بعنوان الوكالة عنه صار ملكاً له.
    مسألة 14 - يشترط في الموكّل فيه التعيين، بأن لا يكون مجهولاً أو مبهماً؛ فلو قال: «وكّلتك على أمر من الاُمور» لم يصحّ. نعم، لابأس بالتعميم والإطلاق كما يأتي.
    مسألة 15 - الوكالة إمّا خاصّة وإمّا عامّة وإمّا مطلقة:
    فالاُولى: ما تعلّقت بتصرّف معيّن في شي ء معيّن، كما إذا وكّله في شراء بيتٍ معيّن. وهذا ممّا لا إشكال في صحّته.
    والثانية: إمّا عامّة من جهة التصرّف وخاصّة من جهة المتعلّق، كما إذا وكّله في جميع التصرّفات الممكنة في داره المعيّنة، وإمّا بالعكس كما إذا وكّله في بيع جميع ما يملكه، وإمّا عامّة من الجهتين، كما إذا وكّله في جميع التصرّفات الممكنة في جميع ما يملكه أو في إيقاع جميع ما كان له في ما يتعلّق به بجميع أنواعه بحيث يشمل التزويج له وطلاق زوجته.
    وكذا الثالثة: قد تكون مطلقةً من جهة التصرّف خاصّة من جهة متعلّقه، كما لو قال: «أنت وكيلي في أمر داري» وكذا لو قال: «أنت وكيلي في بيع داري»، مقابل المقيّد بثمن معيّن أو شخص معيّن، وقد يكون بالعكس، كما لو قال: «أنت وكيلي في بيع أحد أملاكي» أو «في بيع ملكي»، وقد تكون مطلقةً من الجهتين، كما لو قال: «أنت وكيلي في التصرّف في مالي». وربما يكون التوكيل بنحو التخيير بين اُمور: إمّا في التصرّف دون المتعلّق، كما لو قال: «أنت وكيلي في بيع داري أو صلحها أو هبتها أو إجارتها»، وإمّا في المتعلّق فقط، كما لو قال: «أنت وكيلي في بيع هذه الدار أو هذه الدابّة أو هذا الفرش» مثلاً، والظاهر صحّة الجميع.
    مسألة 16 - لابدّ أن يقتصر الوكيل - في التصرّف في الموكّل فيه - على ما شمله عقد الوكالة صريحاً أو ظاهراً، ولو بمعونة قرائن حاليّة أو مقاليّة ولو كانت هي العادة الجارية على أنّ التوكيل في أمر لازمه التوكيل في أمر آخر، كما لو سلّم إليه المبيع ووكّله في بيعه أو سلّم إليه الثمن ووكّله في الشراء. وبالجملة: لابدّ في صحّة التصرّف من شمول الوكالة له.
    مسألة 17 - لو خالف الوكيل وأتى بالعمل على نحو لم يشمله عقد الوكالة فإن كان ممّا يجري فيه الفضوليّة كالعقود توقّفت صحّته على إجازة الموكّل. ولا فرق في التخالف بين أن يكون بالمباينة، كما إذا وكّله في بيع داره فآجرها، أو ببعض الخصوصيّات، كما إذا وكّله في بيعها نقداً فباع نسيئةً أو بخيار فباع بدونه. نعم، لو علم شموله لفاقد الخصوصيّة أيضاً صحّ في الظاهر، كما إذا وكّله في أن يبيع السلعة بدينار فباع بدينارين، فإنّ الظاهر بل المعلوم من حال الموكّل أنّ تحديده من طرف النقيصة لا الزيادة. ومن هذا القبيل ما إذا وكّله في البيع في سوق معيّن بثمن معيّن فباعها في غيره بذلك الثمن، فإنّ الظاهر أنّ مراده تحصيل الثمن. هذا بحسب الظاهر؛ وأمّا الصحّة الواقعيّة فتابعة للواقع. ولو فرض احتمال وجود غرض عقلائيّ في التحديد لم يجز التعدّي، ومعه فضوليّ في الظاهر، والواقع تابع للواقع.
    مسألة 18 - يجوز للوليّ كالأب والجدّ للصغير أن يوكّل غيره في ما يتعلّق بالمولّى عليه ممّا له الولاية عليه.
    مسألة 19 - لا يجوز للوكيل أن يوكّل غيره في إيقاع ما توكّل فيه، لا عن نفسه ولا عن الموكّل إلّا باذنه، ومعه يجوز بكلا النحوين، فإن عيّن أحدهما فهو المتّبع، ولايجوز التعدّي عنه. ولو قال مثلاً: «وكّلتك في أن توكّل غيرك» فهو إذنٌ في توكيل الغير عن الموكّل. والظاهر أنّه كذلك لو قال: «وكّل غيرك» وإن لا يخلو من تأمّل.
    مسألة 20 - لو كان الوكيل الثاني وكيلاً عن الموكّل كان في عرض الأوّل، فليس له أن يعزله ولا ينعزل بانعزاله، بل لو مات يبقى الثاني على وكالته. ولو كان وكيلاً عنه كان له عزله، وكانت وكالته تبعاً لوكالته، فينعزل بانعزاله أو موته. ولايبعد أن يكون للموكّل عزله من دون عزل الوكيل الأوّل.
    مسألة 21 - يجوز أن يتوكّل اثنان فصاعداً عن واحد في أمر واحد، فإن صرّح الموكّل بانفرادهما أو كان لكلامه ظاهر متّبع في ذلك جاز لكلّ منهما الاستقلال في التصرّف من دون مراجعة الآخر، وإلّا لم يجز الانفراد لأحدهما ولو مع غيبة صاحبه أو عجزه، سواء صرّح بالانضمام والاجتماع أو أطلق بأن قال مثلاً: « وكّلتُكما» أو «أنتما وكيلاي» ونحو ذلك. ولو مات أحدهما بطلت الوكالة رأساً مع شرطالاجتماع أو الإطلاق المنزّل منزلته، وبقيت وكالة الباقي لووكّل بالانفراد.
    مسألة 22 - الوكالة عقد جائز من الطرفين؛ فللوكيل أن يعزل نفسه مع حضور الموكّل وغيبته؛ وكذا للموكّل أن يعزله، لكن انعزاله بعزله مشروط ببلوغه إيّاه؛ فلو أنشأ عزله ولم يطّلع عليه الوكيل لم ينعزل؛ فلو أمضى أمراً قبل أن يبلغه - ولو بإخبار ثقة- كان نافذاً.
    مسألة 23 - تبطل الوكالة بموت الوكيل، وكذا بموت الموكّل وإن لم يعلم الوكيل بموته، وبعروض الجنون على كلّ منهما، على الأقوى في الإطباقيّ وعلى الأحوط في غيره، وبإغماء كلّ منهما على الأحوط، وبتلف ما تعلّقت به الوكالة، وبفعل الموكّل - ولو بالتسبيب - ما تعلّقت به، كما لو وكّله في بيع سلعة ثمّ باعها، أو فعل ما ينافيه، كما وكّله في بيع شي ء ثمّ أوقفه.
    مسألة 24 - يجوز التوكيل في الخصومة والمرافعة لكلّ من المدّعي والمدّعى عليه، بل يكره لذوي المروّات من أهل الشرف والمناصب الجليلة أن يتولّوإ؛)للّه ظظ المنازعة والمرافعة بأنفسهم، خصوصاً إذا كان الطرف بذي ء اللسان. ولا يعتبر رضا صاحبه، فليس له الامتناع عن خصومة الوكيل.
    مسألة 25 - وكيل المدّعي وظيفته بثّ الدعوى على المدّعى عليه عند الحاكم، وإقامة البيّنة وتعديلها، وتحليف المنكر، وطلب الحكم على الخصم. وبالجملة: كلّ ما هو وسيلة إلى الإثبات. ووكيل المدّعى عليه وظيفته الإنكار، والطعن على الشهود، وإقامة بيّنة الجرح، ومطالبة الحاكم بسماعها والحكم بها. وبالجملة: عليه السعي في الدفع ما أمكن.
    مسألة 26 - لو ادّعى منكر الدين - مثلاً - في أثناء مدافعة وكيله عنه الأداءَ أو الإبراءَ انقلب مدّعياً، وصارت وظيفة وكيله إقامة البيّنة على هذه الدعوى وغيرها ممّا هو وظيفة المدّعي، وصارت وظيفة خصمه الإنكار وغيره من وظائف المدّعى عليه.
    مسألة 27 - لا يُقبل إقرار الوكيل في الخصومة على موكّله؛ فلو أقرّ وكيل المدّعي القبضَ أو الإبراء أو قبول الحوالة أو المصالحة أو بأنّ الحقّ مؤجّل أو أنّ البيّنة فسقة أو أقرّ وكيل المدّعى عليه بالحقّ للمدّعي لم يقبل، وبقيت الخصومة على حالها، سواء أقرّ في مجلس الحكم أو غيره، وينعزل بذلك وتبطل وكالته، لأنّه بعد الإقرار ظالم في الخصومة بزعمه.
    مسألة 28 - الوكيل بالخصومة لا يملك الصلح عن الحقّ أو الإبراء منه، إلّا أن يكون وكيلاً في ذلك أيضاً بالخصوص.
    مسألة 29 - يجوز أن يوكّل اثنين فصاعداً بالخصومة كسائر الاُمور، فإن لم يصرّح باستقلال كلّ منهما ولم يكن لكلامه ظهور فيه لم يستقلّ بها أحدهما، بل يتشاوران ويتباصران ويعضد كلّ منهما صاحبه ويعينه على ما فوّض إليهما.
    مسألة 30 - لو وكّل رجل وكيلاً بحضور الحاكم في خصوماته واستيفاء حقوقه مطلقاً أو في خصومة شخصيّة ثمّ قدّم الوكيل خصماً لموكّله وأقام الدعوى عليه يسمع الحاكم دعواه عليه؛ وكذا إذا ادّعى عند الحاكم وكالته في الدعوى وأقام البيّنة عنده عليها. وأمّا إذا ادّعاها من دون بيّنة فان لم يُحضر خصماً عنده أو أحضر ولم يصدّقه في وكالته لم يسمع دعواه، ولو صدّقه فيها فالظاهر أنّه يسمع دعواه لكن لم تثبت بذلك وكالته عن موكّله بحيث تكون حجّةً عليه؛ فإذا قضت موازين القضاء بحقّيّة المدّعي يُلزم المدّعى عليه بالحقّ، ولو قضت بحقّيّة المدّعى عليه فالمدّعي على حجّته، فإذا أنكر الوكالة تبقى دعواه على حالها، وللمدّعى عليه أو وكيل المدّعي إقامة البيّنة على ثبوت الوكالة، ومع ثبوتها بها تثبت حقّيّة المدّعى عليه في ماهيّة الدعوى.
    مسألة 31 - لو وكّله في الدعوى وتثبيت حقّه على خصمه لم يكن له بعد الإثبات قبض الحقّ، فللمحكوم عليه أن يمتنع عن تسليم ما ثبت عليه إلى الوكيل.
    مسألة 32 - لو وكّله في استيفاء حقّ له على غيره فجحده من عليه الحقّ لم يكن للوكيل مخاصمته ومرافعته وتثبيت الحقّ عليه ما لم يكن وكيلاً في الخصومة.
    مسألة 33 - يجوز التوكيل بجُعل وبغيره، وانّما يستحقّ الجُعل في الأوّل بتسليم العمل الموكّل فيه؛ فلو وكّله في البيع أو الشراء وجعل له جُعلاً فله المطالبة به بمجرّد إتمام المعاملة وإن لم يتسلّم الموكّل الثمن أو المثمن؛ وكذا لو وكّله في المرافعة وتثبيت الحقّ استحقّه بمجرّد إثباته وإن لم يتسلّمه الموكّل.
    مسألة 34 - لو وكّله في قبض دينه من شخص فمات قبل الأداء لم يكن له مطالبة وارثه إلّا أن تشملها الوكالة.
    مسألة 35 - لو وكّله في استيفاء دينه من زيد فجاء إليه للمطالبة فقال زيد: «خذ هذه الدراهم واقض بها دين فلان» - أي موكّله - فأخذها صار وكيل زيد في قضاء دينه، وكانت الدراهم باقيةً على ملك زيد ما لم يقبضها صاحب الدين، وللوكيل أن يقبض نفسه بعد أخذه من المديون بعنوان الوكالة عن الدائن في الاستيفاء، إلّا أن يكون توكيل المديون بنحو لا يشمل قبض الوكيل؛ فلزيد استردادها ما دامت في يد الوكيل ولم يتحقّق القبض من الدائن بنحو ممّا ذكر، ولو تلفت عنده بقي الدين بحاله. ولو قال: « خذها عن الدين الّذي تطالبني به لفلان» فأخذها كان قابضاً للموكّل وبرئت ذمّة زيد، وليس له الاسترداد.
    مسألة 36 - الوكيل أمين بالنسبة إلى ما في يده، لا يضمنه إلّا مع التفريط أو التعدّي، كما إذا لبس ثوباً أو حمل على دابّة كان وكيلاً في بيعهما، لكن لا تبطل بذلك وكالته. فلو باع الثوب بعد لبسه صحّ بيعه وإن كان ضامناً له لو تلف قبل أن يبيعه، وبتسليمه إلى المشتري يبرأ عن ضمانه، بل لا يبعد ارتفاع ضمانه بنفس البيع.
    مسألة 37 - لو وكّله في إيداع مال فأودعه بلا إشهاد فجحد الودعيّ لم يضمنه الوكيل، إلّا إذا وكّله في أن يودعه مع الإشهاد فخالف. وكذا الحال لو وكّله في قضاء دينه فأدّاه بلا إشهاد وأنكر الدائن.
    مسألة 38 - لو وكّله في بيع سلعة أو شراء متاع: فإن صرّح بكون البيع أو الشراء من غيره أو بما يعمّ نفسه فلا إشكال، وإن أطلق وقال: « أنت وكيلي في أن تبيع هذه السلعة أو تشتري لي المتاع الفلانيّ» فهل يعمّ نفس الوكيل؟ فيجوز أن يبيع السلعة من نفسه أو يشتري له المتاع من نفسه، أم لا؟ وجهان بل قولان، أقواهما الأوّل وأحوطهما الثاني.
    مسألة 39 - لو اختلفا في التوكيل فالقول قول منكره. ولو اختلفا في التلف أو في تفريط الوكيل فالقول قول الوكيل. ولو اختلفا في دفع المال إلى الموكّل فالظاهر أنّ القول قول الموكّل، خصوصاً إذا كانت الوكالة بجُعل. وكذا الحال في ما إذا اختلف الوصيّ والموصى له في دفع المال الموصى به إليه. والأولياء حتّى الأب والجدّ إذا اختلفوا مع المولّى عليه - بعد زوال الولاية عليه - في دفع ماله إليه فإنّ القول قول المنكر في جميع ذلك. نعم، لو اختلف الأولياء مع المولّى عليهم في الإنفاق عليهم أو على ما يتعلّق بهم في زمان ولايتهم فالظاهر أنّ القول قول الأولياء بيمينهم.

  • كتاب الاقرار

     

    كتاب الإقرار

    الّذي هو الإخبار الجازم بحقّ لازم على المخبر أو بما يستتبع حقّاً أو حكماً عليه، أو بنفي حقّ له أو ما يستتبعه، كقوله: «له أو لك عليّ كذا» أو «عندي أو في ذمّتي كذا» أو «هذا الّذي في يدي لفلان» أو «إنّي جنيت على فلان بكذا» أو «سرقت» أو «زنيت» ونحو ذلك ممّا يستتبع القصاص أو الحدّ الشرعيّ، أو «ليس لي على فلان حقّ» أو «إنّ ما أتلفه فلان ليس منّي» وما أشبه ذلك بأيّ لغة كان؛ بل يصحّ إقرار العربيّ بالعجميّ وبالعكس، والهنديّ بالتركيّ وبالعكس إذا كان عالماً بمعنى ما تلفّظ به في تلك اللغة. والمعتبر فيه الجزم، بمعنى عدم إظهار الترديد وعدم الجزم به؛ فلو قال: «أظنّ أو أحتمل أنّ لك عليّ كذا» ليس إقراراً.
    مسألة 1 - يعتبر في صحّة الإقرار بل في حقيقته وأخذ المقرّ بإقراره كونه دالّاً على الإخبار المزبور بالصراحة أو الظهور؛ فإن احتمل إرادة غيره احتمالاً يخلّ بظهوره عند أهل المحاورة لم يصحّ. وتشخيص ذلك راجعٌ إلى العرف وأهل اللسان كسائر التكلّمات العاديّة؛ فكلّ كلام ولو لخصوصيّة مقام يفهم منه أهل اللسان أنّه قد أخبر بثبوت حقّ عليه أو سلب حقّ عن نفسه من غير ترديد كان إقراراً، وإن لم يفهم منه ذلك من جهة تطرّق الاحتمال الموجب للترديد والإجمال لم يكن إقراراً.
    مسألة 2 - لا يعتبر في الإقرار صدوره من المقرّ ابتداءً أو كونه مقصوداً بالإفادة، بل يكفي كونه مستفاداً من تصديقه لكلام آخر واستفادته من كلامه بنوع من الاستفادة، كقوله: «نعم» في جواب من قال: «لي عليك كذا» أو «أنت جنيت على فلان»، وكقوله في جواب من قال: «استقرضت منّي ألفاً» أو «لي عليك ألف»: «رددته» أو «أدّيته»، فإنّه إقرار بأصل ثبوت الحقّ عليه ودعوى منه بسقوطه. ومثل ذلك ما إذا قال في جواب من قال: «هذه الدار الّتي تسكنها لي»: «اشتريتها منك»، فإنّ الإخبار بالاشتراء اعتراف منه بثبوت الملك له ودعوى منه بانتقاله إليه. نعم، قد توجد قرائن على أنّ تصديقه لكلام الآخر ليس حقيقيّاً فلم يتحقّق الإقرار، بل دخل في عنوان الإنكار، كما إذا قال في جواب من قال: «لي عليك ألف دينار»: «نعم» أو «صدقت» مع صدور حركات منه دلّت على أنّه في مقام الاستهزاء والتهكّم وشدّة التعجّب والإنكار.
    مسألة 3 - يشترط في المقرّ به أن يكون أمراً لو كان المقرّ صادقاً في إخباره كان للمقرّ له حقّ الإلزام عليه ومطالبته به: بأن يكون مالاً في ذمّته عيناً أو منفعةً أو عملاً أو ملكاً تحت يده أو حقّاً يجوز مطالبته، كحقّ الشفعة والخيار والقصاص، وحقّ الاستطراق في درب مثلاً، وإجراء الماء في نهر، ونصب الميزاب في ملك، ووضع الجذوع على حائط؛ أو يكون نسباً أوجب نقصاً في الميراث، أو حرماناً في حقّ المقرّ، وغير ذلك؛ أو كان للمقرّ به حكم وأثر، كالإقرار بما يوجب الحدّ.
    مسألة 4 - إنّما ينفذ الإقرار بالنسبة إلى المقرّ ويمضي عليه في ما يكون ضرراً عليه، لا بالنسبة إلى غيره ولا في ما يكون فيه نفع له؛ فإن أقرّ باُبوّة شخص له ولم يصدّقه ولم ينكره يمضي إقراره في وجوب النفقة عليه، لا في نفقته على المقرّ أو في توريثه.
    مسألة 5 - يصحّ الإقرار بالمجهول والمبهم، ويقبل من المقرّ ويُلزم ويطالب بالتفسير والبيان ورفع الإبهام، ويقبل منه ما فسّره به، ويُلزم به لو طابق تفسيره مع المبهم بحسب العرف واللغة وأمكن بحسبهما أن يكون مراداً منه، فلو قال: «لك عندي شي ء» اُلزم بالتفسير، فإن فسّره بأيّ شي ء صحّ كونه عنده يقبل منه وإن لم يكن متموّلاً، كهرّة - مثلاً - أو نعلٍ خَلَقٍ لا يتموّل؛ وأمّا لو قال: «لك عندي مال» لم يقبل منه إلّا إذا كان ما فسّره من الأموال عرفاً وإن كانت ماليّته قليلةً جدّاً.
    مسألة 6 - لو قال: «لك أحد هذين» ممّا كان تحت يده أو «لك عليّ إمّا وزنةٌ من حنطة أو شعير» اُلزم بالتفسير وكشف الإبهام، فإن عيّن اُلزم به لا بغيره، فإن لم يصدّقه المقرّ له وقال: «ليس لي ما عيّنت» فإن كان المقرّ به في الذمّة سقط حقّه بحسب الظاهر إذا كان في مقام الإخبار عن الواقع، لا إنشاء الإسقاط لو جوّزناه بمثله، وإن كان عيناً كان بينهما مسلوباً بحسب الظاهر عن كلّ منهما، فيبقى إلى أن يتّضح الحال، ولو برجوع المقرّ عن إقراره أو المنكر عن إنكاره. ولو ادّعى عدم المعرفة حتّى يفسّره: فإن صدّقه المقرّ له وقال: «أنا أيضاً لا أدري» فالأقوى القرعة وإن كان الأحوط التصالح، وإن ادّعى المعرفة وعيّن أحدهما فإن صدّقه المقرّ فذاك، وإلّا فله أن يطالبه بالبيّنة، ومع عدمها فله أن يحلّفه، وإن نكل أو لم يمكن إحلافه يكون الحال كما لو جهلا معاً، فلا محيص عن التخلّص بما ذكر فيه.
    مسألة 7 - كما لا يضرّ الإبهام والجهالة في المقرّ به لا يضرّان في المقرّ له، فلو قال: «هذه الدار الّتي بيدي لأحد هذين» يُقبل ويُلزم بالتعيين، فمن عيّنه يُقبل ويكون هو المقرّ له، فإن صدّقه الآخر فهو، وإلّا تقع المخاصمة بينه وبين من عيّنه المقرّ. ولو ادّعى عدم المعرفة وصدّقاه فيه سقط عنه الإلزام بالتعيين. ولو ادّعيا أو أحدهما عليه العلم كان القول قوله بيمينه.
    مسألة 8 - يعتبر في المقرّ البلوغ والعقل والقصد والاختيار؛ فلا اعتبار بإقرار الصبيّ والمجنون والسكران، وكذا الهازل والساهي والغافل والمكره. نعم، لا يبعد صحّة إقرار الصبيّ إن تعلّق بماله أن يفعله، كالوصيّة بالمعروف ممّن له عشر سنين.
    مسألة 9 - إن أقرّ السفيه المحجور عليه بمال في ذمّته أو تحت يده لم يُقبل. ويُقبل في ما عدا المال، كالطلاق والخلع بالنسبة إلى الفراق لا الفداء. وكذا في كلّ ما أقرّ به وهو يشتمل على مال وغيره لم يُقبل بالنسبة إلى المال كالسرقة، فيُحدّ إن أقرّ بها، ولا يُلزم بأداء المال.
    مسألة 10 - يُقبل إقرار المفلّس بالدين سابقاً ولاحقاً، لكن لم يشارك المقرّ له مع الغرماء، بتفصيل مرّ في كتاب الحجر، كما مرّ الكلام في إقرار المريض بمرض الموت، وأنّه نافذ إلّا مع التهمة فينفذ بمقدار الثلث.
    مسألة 11 - لو ادّعى الصبيّ البلوغ: فإن ادّعاه بالإنبات اختبر، ولا يثبت بمجرّد دعواه؛ وكذا إن ادّعاه بالسنّ، فإنّه يطالب بالبيّنة؛ وأمّا لو ادّعاه بالاحتلام في الحدّ الّذي يمكن وقوعه فثبوته بقوله بلا يمين بل معها محلّ تأمّل وإشكال.
    مسألة 12 - يعتبر في المقرّ له أن يكون له أهليّة الاستحقاق؛ فلو أقرّ لدابّة بالدين لغا؛ وكذا لو أقرّ لها بملك. وأمّا لو أقرّ لها باختصاصها بجلّ ونحوه كأن يقول: «هذا الجلّ مختصّ بهذا الفرس» أو «لهذا» مريداً به ذلك فالظاهر أنّه يُقبل ويُحكم بمالكيّة مالكها، كما أنّه يُقبل لو أقرّ لمسجد أو مشهد أو مقبرة أو رباط أو مدرسة ونحوها بمال خارجيّ أو دين، حيث إنّ المقصود منه في التعارف اشتغال ذمّته ببعض ما يتعلّق بها من غلّة موقوفاتها أو المنذور أو الموصى به لمصالحها ونحوها.
    مسألة 13 - لو كذّب المقرّ له المقرّ في إقراره: فإن كان المقرّ به ديناً أو حقّاً لم يطالب به المقرّ، وفرغت ذمّته في الظاهر، وإن كان عيناً كانت مجهولة المالك بحسب الظاهر، فتبقى في يد المقرّ أو الحاكم إلى أن يتبيّن مالكها. هذا بحسب الظاهر. وأمّا بحسب الواقع فعلى المقرّ بينه وبين اللّه تعالى تفريغ ذمّته من الدين، وتخليص نفسه من العين بالإيصال إلى المالك وإن كان بدسّه في أمواله. ولو رجع المقرّ له عن إنكاره يُلزم المقرّ بالدفع مع بقائه على إقراره، وإلّا ففيه تأمّل.
    مسألة 14 - لو أقرّ بشي ء ثمّ عقّبه بما يضادّه وينافيه يؤخذ بإقراره ويُلغى ماينافيه؛ فلو قال: «له عليّ عشرة لا بل تسعة» يُلزم بالعشرة. ولو قال: «له عليّ كذا وهو من ثمن الخمر أو بسبب القمار» يُلزم بالمال ولا يُسمع منه ما عقّبه؛ وكذا لو قال: «عندي وديعة وقد هلكت» فإنّ إخباره بتلفها ينافي قوله: «عندي» الظاهر في وجودها عنده. نعم، لو قال: «كانت له عندي وديعة وقد هلكت» فلا تنافي بينهما، وهو دعوى لابدّ من فصلها على الموازين الشرعيّة.
    مسألة 15 - ليس الاستثناء من التعقيب بالمنافي، بل يكون المقرّ به ما بقي بعد الاستثناء إن كان من المثبت، ونفس المستثنى إن كان من المنفيّ؛ فلو قال: «هذه الدار الّتي بيدي لزيد إلّا القبّة الفلانيّة» كان إقراراً بما عداها؛ ولو قال: «ليس له من هذه الدار إلّا القبّة الفلانيّة» كان إقراراً بها. هذا إذا كان الإخبار متعلّقاً بحقّ الغير عليه. وأمّا لو كان متعلّقاً بحقّه على الغير كان الأمر بالعكس؛ فلو قال: «لي هذه الدار إلّا القبّة الفلانيّة» كان إقراراً بالنسبة إلى نفي حقّه عن القبّة، فلو ادّعى بعده استحقاق تمام الدار لم يُسمع منه. ولو قال: «ليس لي من هذه الدار إلّا القبّة الفلانيّة» كان إقراراً بعدم استحقاق ما عدا القبّة.
    مسألة 16 - لو أقرّ بعين لشخص ثمّ أقرّ بها لشخص آخر كما إذا قال: «هذه الدار لزيد» ثمّ قال: «لعمرو» حكم بكونها للأوّل واُعطيت له، وأغرم للثاني بقيمتها.
    مسألة 17 - من الأقارير النافذة الإقرار بالنسب كالبنوّة والاُخوّة ونحوهما. والمراد بنفوذه إلزام المقرّ وأخذه بإقراره بالنسبة إلى ما عليه: من وجوب إنفاق وحرمة نكاح أو مشاركته معه في إرث أو وقف ونحو ذلك. وأمّا ثبوت النسب بينهما بحيث يترتّب جميع آثاره ففيه تفصيل، وهو أنّه إن كان الإقرار بالولد وكان صغيراً غير بالغ يثبت به ذلك إن لم يكذّبه الحسّ والعادة - كالإقرار ببنوّة من يقاربه في السنّ بما لم يجر العادة بتولّده من مثله - ولا الشرع (كإقراره ببنوّة من كان ملتحقاً بغيره من جهة الفراش ونحوه ولم ينازعه فيه منازع) فينفذ إقراره، ويترتّب عليه جميع آثاره، ويتعدّى إلى أنسابهما، فيثبت به كون ولد المقرّ به حفيداً للمقرّ، وولدِ المقرّ أخاً للمقرّ به، وأبيه جدّه، ويقع التوارث بينهما، وكذا بين أنسابهمإ؛0/ظظ بعضهم مع بعض. وكذا الحال لو كان كبيراً وصدّق المقرّ مع الشروط المزبورة. وإن كان الإقرار بغير الولد وإن كان ولد ولد: فإن كان المقرّ به كبيراً وصدّقه أو صغيراً وصدّقه بعد بلوغه مع إمكان صدقه عقلاً وشرعاً يتوارثان إن لم يكن لهما وارث معلوم محقّق، ولا يتعدّى التوارث إلى غيرهما من أنسابهما حتّى أولادهما، ومع عدم التصادق أو وجود وارثٍ محقّقٍ غير مصدّق له لا يثبت بينهما النسب الموجب للتوارث إلّا بالبيّنة.
    مسألة 18 - لو أقرّ بولد صغير فثبت نسبه ثمّ بلغ فأنكر لم يلتفت إلى إنكاره.
    مسألة 19 - لو أقرّ أحد ولدي الميّت بولد آخر له وأنكر الآخر لم يثبت نسب المقرّبه، فيأخذ المنكر نصف التركة، والمقرّ ثلثَها بمقتضى إقراره، والمقرّ به سدسَها، وهو تكملة نصيب المقرّ، وقد تنقص بسبب إقراره.
    مسألة 20 - لو كان للميّت إخوة وزوجة فأقرّت بولد له كان لها الثمن والباقي للولد إن صدّقها الإخوة، وإن أنكروا كان لهم ثلاثة أرباع، وللزوجة الثمن، وباقي حصّتها للولد.
    مسألة 21 - لو مات صبيّ مجهول النسب فأقرّ شخص ببنوّته فمع إمكانه وعدم منازع له يثبت نسبه وكان ميراثه له.
    مسألة 22 - لو أقرّ الورثة بأسرهم بدين على الميّت أو بشي ء من ماله للغير كان مقبولاً. ولو أقرّ بعضهم وأنكر بعض: فإن أقرّ اثنان وكانا عدلين ثبت الدين على الميّت، وكذا العين للمقرّ له بشهادتهما، وان لم يكونا عدلين أو كان المقرّ واحداً نفذ إقرار المقرّ في حقّ نفسه خاصّة، ويؤخذ منه من الدين الّذي أقرّ به -مثلاً - بنسبة نصيبه من التركة، فإذا كانت التركة مائةً ونصيبُ كلّ من الوارثين خمسين فأقرّ أحدهما لأجنبيّ بخمسين وكذّبه الآخر أخذ المقرّله من نصيب المقرّ خمسةً وعشرين، وكذا الحال في ما إذا أقرّ بعض الورثة بأنّ الميّت أوصى لأجنبيّ بشي ء وأنكر الآخر، فإنّه نافذ بالنسبة إليه لا غيره.

  • كتاب الهبة

     

    كتاب الهبة

    وهي تمليك عين مجّاناً و من غير عوض. وهذا هو المعنى الأعمّ منها؛ وأمّا المصطلح في مقابل أخواتها فيحتاج إلى قيود مخرجة، والأمر سهل. وقد يعبّر عنها بالعطيّة والنحلة. وهي عقد يفتقر إلى إيجابٍ بكلّ لفظ دلّ على المقصود، مثل «وهبتك» أو «ملّكتك» أو «هذا لك» ونحو ذلك، وقبولٍ بما دلّ على الرضا. ولايعتبر فيه العربيّة. والأقوى وقوعها بالمعاطاة بتسليم العين وتسلّمها بعنوانها.
    مسألة 1 - يشترط في كلّ من الواهب والموهوب له القابلِ البلوغُ والعقل والقصد والاختيار؛ نعم، يصحّ قبول الوليّ عن المولّى عليه الموهوب له. وفي الموهوب له أن يكون قابلاً لتملّك العين الموهوبة، فلا تصحّ هبة المصحف للكافر. وفي الواهب كونه مالكاً لها - فلا تصحّ هبة مال الغير إلّا بإذنه أو إجازته- وعدمُ الحجر عليه بسفه أو فلس. وتصحّ من المريض بمرض الموت وإن زاد على الثلث.
    مسألة 2 - يشترط في الموهوب أن يكون عيناً؛ فلا تصحّ هبة المنافع. وأمّا الدين: فإن كانت لمن عليه الحقّ صحّت بلا إشكال، ويعتبر فيها القبول على الأقوى، وأفادت فائدة الإبراء وليست به، فإنّها تمليك يحتاج إلى القبول ويترتّب عليها السقوط وهو إسقاط لما في الذمّة؛ وإن كانت لغير من عليه الحقّ فالأقوى صحّتها أيضاً، ويكون قبض الموهوب بقبض مصداقه.
    مسألة 3 - يشترط في صحّة الهبة قبض الموهوب له ولو في غير مجلس العقد. ويشترط في صحّة القبض كونه بإذن الواهب على الأحوط. نعم، لو وهب ماكان في يد الموهوب له صحّ، ولا يحتاج إلى قبض جديد، ولا مضيّ زمان يمكن فيه القبض. وكذا لو كان الواهب وليّاً على الموهوب له - كالأب والجدّ للولد الصغير - وقد وهبه ما في يده صحّ وإن كان الأحوط أن يقصد القبض عنه بعد الهبة. ولو وهبه غير الوليّ فلابدّ من القبض، ويتولّاه الوليّ.
    مسألة 4 - القبض في الهبة كالقبض في البيع. وهو في غير المنقول - كالدار والبستان - التخلية، برفع يده عنه ورفع المنافيات بحيث يصير تحت استيلائه، وفي المنقول الاستيلاء والاستقلال عليه باليد أو ما هو بمنزلته، كوضعه في حجره مثلاً.
    مسألة 5 - يجوز هبة المشاع، لإمكان قبضه ولو بقبض المجموع بإذن الشريك أو بتوكيل المتّهب إيّاه في قبض الحصّة الموهوبة عنه؛ بل الظاهر تحقّق القبض الّذي هو شرط الصحّة في المشاع باستيلاء المتّهب عليه من دون إذن الشريك أيضاً، ويترتّب عليه الأثر وإن كان تعدّياً بالنسبة إليه في بعض الصور.
    مسألة 6 - لا تعتبر الفوريّة في القبض ولا كونه في مجلس العقد؛ فيجوز فيه التراخي عن العقد ولو بزمان كثير. ولو تراخى يحصل الانتقال من حينه، فالنماء السابق على القبض للواهب.
    مسألة 7 - لو مات الواهب بعد العقد وقبل القبض بطل العقد وانتقل الموهوب إلى ورثته، ولا يقومون مقامه في الإقباض؛ وكذا لو مات الموهوب له بطل، ولايقوم ورثته مقامه في القبض.
    مسألة 8 - إذا تمّت الهبة بالقبض: فإن كانت لذي رحم - أباً كان أو اُمّاً أو ولداً أو غيرهم - لم يكن للواهب الرجوع في هبته، وإن كانت لأجنبيّ كان له الرجوع فيه مادامت العين باقيةً؛ فإن تلفت كلّاً أو بعضاً بحيث يصدق معه عدم قيام العين بعينها عرفاً فلا رجوع. والأقوى أنّ الزوج والزوجة بحكم الأجنبيّ؛ والأحوط عدم الرجوع في هبتهما للآخر. وكذا لا رجوع إن عوّض المتّهب عنها ولو كان يسيراً، من غير فرق بين ما كان إعطاء العوض لأجل اشتراطه في الهبة وبين غيره، بأن أطلق العقد لكن المتّهب أثاب الواهب وأعطاه العوض. وكذا لا رجوع فيها لو قصد الواهب فيها القربة إلى اللّه تعالى.
    مسألة 9 - يلحق بالتلف التصرّف الناقل كالبيع والهبة، أو المغيّر للعين بحيث يصدق معه عدم قيام العين بعينها، كالحنطة يطحنها والدقيق يخبزه والثوب يفصّله أو يصبغه ونحوها، دون غير المغيّر، كالثوب يلبسه والفراش يفرشه والدابّة يركبها أو يعلفها أو يسقيها ونحوها. ومن الأوّل على الظاهر الامتزاج الرافع للامتياز، ومن الثاني قصارة الثوب.
    مسألة 10 - في ما جاز للواهب الرجوع في هبته لا فرق بين الكلّ والبعض؛ فلو وهب شيئين لأجنبيّ بعقد واحد يجوز له الرجوع في أحدهما، بل لو وهبه شيئاً واحداً يجوز له الرجوع في بعضه مشاعاً أو مفروزاً.
    مسألة 11 - الهبة إمّا معوّضة أو غير معوّضة؛ فالمراد بالاُولى ما شرط فيها الثواب والعوض وإن لم يعط العوض أو عوّض عنها وإن لم يشترط فيها العوض.
    مسألة 12 - لو وهب وأطلق لم يلزم على المتّهب إعطاء الثواب والعوض، سواء كانت من الأدنى للأعلى أوالعكس أو من المساوي للمساوي وإن كان الأولى بل الأحوط في الصورة الاُولى إعطاؤه. ولو أعطى العوض لم يجب على الواهب قبوله، وإن قبل وأخذ لزمت الهبة ولم يكن لواحد منهما الرجوع في ما أعطاه.
    مسألة 13 - لو اشترط الواهب في هبته على المتّهب إعطاء العوض - بأن يهبه شيئاً مكافأةً وثواباً لهبته - ووقع منه القبول على ما اشترط وقبض الموهوب يتخيّر بين ردّ الهبة ودفع العوض، والأحوط دفعه؛ فإن دفع لزمت الهبة الاُولى على الواهب، وإلّا فله الرجوع فيها.
    مسألة 14 - لو عيّن العوض في الهبة المشروط فيها العوض تعيّن، ويلزم على المتّهب - على فرض عدم ردّ أصل الهبة - بذل ما عيّن. ولو أطلق - بأن شرط عليه أن يثيب ويعوّض ولم يعيّن العوض-: فإن اتّفقا على قدرٍ فذاك، وإلّا فالأحوط أن يعوّض مقدار الموهوب مِثلاً أو قيمةً، وأحوط منه تعويضه بأكثر، خصوصاً إذا كان الواهب أدنى من الموهوب له.
    مسألة 15 - الظاهر أنّه لا يعتبر في الهبة المشروط فيها العوض أن يكون التعويض المشروط بعنوان الهبة، بأن يشترط على المتّهب أن يهبه شيئاً؛ بل يجوز أن يكون بعنوان الصلح عن شي ء، بأن يشترط عليه أن يصالحه عن مال أو حقّ، فإذا صالحه عنه وتحقّق منه القبول فقد عوّضه، ولم يكن له الرجوع في هبته؛ وكذا يجوز أن يكون إبراءً من حقّ أو إيقاعَ عملٍ له، كخياطة ثوبه أو صياغة خاتمه ونحو ذلك، فإذا أبرأه منه أو عمل له فقد عوّضه.
    مسألة 16 - لو رجع الواهب في هبته في ما جاز له وكان في الموهوب نماء منفصل حدث بعد العقد والقبض - كالثمرة والحمل والولد واللبن في الضرع - كان من مال المتّهب، ولا يرجع إلى الواهب؛ بخلاف المتّصل كالسمن، فإنّه يرجع إليه. ويحتمل أن يكون ذلك مانعاً عن الرجوع، لعدم كون الموهوب معه قائماً بعينه، بل لا يخلو من قوّة؛ بل الظاهر أنّ حصول الثمرة والحمل والولد أيضاً من ذلك، فلايجوز معها الرجوع. نعم، اللبن في الضرع واُجرة البيت والحمّام - سيّما اُجرة المثل لو غصبهما غاصب - ليست منه، فتكون بعد الرجوع للمتّهب.
    مسألة 17 - لو مات الواهب بعد إقباض الموهوب لزمت الهبة وإن كانت لأجنبيّ ولم تكن معوّضةً، وليس لورثته الرجوع. وكذلك لومات الموهوب له، فينتقل الموهوب إلى ورثته انتقالاً لازماً.
    مسألة 18 - لو باع الواهب العين الموهوبة: فإن كانت الهبة لازمةً - بأن كانت لذي رحم، أو معوّضةً، أو قصد بها القربة، أو خرجت العين عن كونها قائمةً بعينها- يقع البيع فضوليّاً، فإن أجاز المتّهب صحّ؛ وإن كانت غير لازمة فالظاهر صحّة البيع ووقوعه من الواهب، وكان رجوعاً في الهبة. هذا إذا كان ملتفتاً إلى هبته. وإلّا ففي كونه رجوعاً قهراً تأمّل وإشكال، فلا يترك الاحتياط.
    مسألة 19 - الرجوع إمّا بالقول، كأن يقول: «رجعت» وما يفيد معناه، وإما بالفعل، كاسترداد العين وأخذها من يد المتّهب؛ ومن ذلك بيعها بل وإجارتها ورهنها إن كان بقصد الرجوع.
    مسألة 20 - لا يشترط في الرجوع اطّلاع المتّهب؛ فلو أنشأه من غير اطّلاعه صحّ.
    مسألة 21 - يستحبّ العطيّة للأرحام الّذين أمر اللّه تعالى أكيداً بصلتهم ونهى شديداً عن قطيعتهم؛ فعن مولانا الباقر(عليه السلام) قال: «في كتاب علي(عليه السلام): ثلاث خصال لا يموت صاحبهنّ أبداً حتّى يرى وبالهنّ: البغي وقطيعة الرحم واليمين الكاذبة يبارز اللّه بها. وإنّ أعجل الطاعة ثواباً لَصلة الرحم، وإنّ القوم ليكونون فجّاراً فيتواصلون فتنمى أموالهم ويثرون. وإنّ اليمين الكاذبة وقطيعة الرحم لَتذرانِ الديار بلاقع من أهلها وتنقلان الرحم؛ وإنّ نقل الرحم انقطاع النسل».
    وأولى بذلك الوالدان اللذان أمر اللّه تعالى ببرّهما؛ فعن أبي عبداللّه (عليه السلام): «إنّ رجلاً أتى النبي(صلى الله عليه وآله وسلم) وقال: أوصني، قال: لا تشرك باللّه شيئاً وإن اُحرقت بالنار وعُذّبت إلّا وقلبك مطمئنّ بالإيمان، ووالديك فأطعهما وبرّهما، حيّين كانا أو ميّتين، وإن أمراك أن تخرج من أهلك ومالك فافعل، فإنّ ذلك من الإيمان». وأولى من الكلّ الاُمّ الّتي يتأكّد برّها وصلتها أزيد من الأب؛ فعن الصادق (عليه السلام): «جاء رجل إلى النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فقال: يا رسول اللّه من أبرّ؟ قال: اُمّك. قال: ثمّ من؟ قال: اُمّك. قال ثمّ من؟ قال: اُمّك. قال: ثمّ من؟ قال: أباك».
    والأخبار في هذه المعاني كثيرة فلتطلب من مظانّها.
    مسألة 22 - يجوز تفضيل بعض الأولاد على بعض في العطيّة على كراهيّة، وربما يحرم إذا كان سبباً لإثارة الفتنة والشحناء والبغضاء المؤدّية إلى الفساد، كما أنّه ربما يرجح في ما إذا يؤمن من الفساد ويكون لبعضهم خصوصيّة موجبة لأولويّة رعايته.

  • كتاب الوقف وأخواته
    • القول في الوقف

       

      القول في الوقف

      وهو تحبيس العين وتسبيل المنفعة. وفيه فضل كثير وثواب جزيل؛ ففي الصحيح عن أبي عبداللّه (عليه السلام) قال: «ليس يتبع الرجلَ بعد موته من الأجر إلّا ثلاث خصال: صدقةٌ أجراها في حياته فهي تجري بعد موته، وسنّةُ هدىً سنّها فهي يعمل بها بعد موته، وولدٌ صالحٌ يدعو له»، وبمضمونه روايات.
      مسألة 1 - يعتبر في الوقف الصيغة. وهي كلّ مادلّ على إنشاء المعنى المذكور، مثل «وقفت» و«حبست» و«سبّلت»، بل و«تصدّقت» إذا اقترن به ما يدلّ على إرادته، كقوله: «صدقةً مؤبّدةً لاتباع ولا توهب» ونحو ذلك، وكذا مثل «جعلت أرضي موقوفةً أو محبّسةً أو مسبّلةً على كذا». ولا يعتبر فيه العربيّة ولاالماضويّة، بل يكفي الجملة الاسميّة، مثل «هذا وقفٌ» أو «هذه محبّسةٌ أو مسبّلةٌ».
      مسألة 2 - لابدّ في وقف المسجد من قصد عنوان المسجديّة؛ فلو وقف مكاناً على صلاة المصلّين وعبادة المسلمين صحّ لكن لم يصر به مسجداً ما لم يكن المقصود عنوانه. والظاهر كفاية قوله: «جعلته مسجداً» وإن لم يذكر ما يدلّ على وقفه وحبسه. والأحوط أن يقول: «وقفته مسجداً» أو «... على أن يكون مسجداً».
      مسألة 3 - الظاهر كفاية المعاطاة في مثل المساجد، والمقابر، والطرق والشوارع، والقناطر، والرباطات المعدّة لنزول المسافرين، والأشجار المغروسة لانتفاع المارّة بظلّها أو ثمرها، بل ومثل البواري للمساجد، والقناديل للمشاهد، وأشباه ذلك، وبالجملة: ما كان محبّساً على مصلحة عامّة؛ فلو بنى بناءً بعنوان المسجديّة وأذن في الصلاة فيه للعموم وصلّى فيه بعض الناس كفى في وقفه وصيرورته مسجداً؛ وكذا لو عيّن قطعةً من الأرض لأن تكون مقبرةً للمسلمين وخلّى بينها وبينهم وأذن إذناً عامّاً للدفن فيها فدفنوا فيها بعض الأموات؛ أو بنى قنطرةً وخلّى بينها وبين العابرين فشرعوا في العبور عليها، وهكذا.
      مسألة 4 - ما ذكرنا من كفاية المعاطاة في المسجد إنّما هو في ما إذا كان أصل البناء بقصد المسجديّة، بأن نوى ببنائه وتعميره أن يكون مسجداً، خصوصاً إذا حاز أرضاً مباحةً لأجل المسجد وبنى فيها بتلك النيّة. وأمّا إذا كان له بناء مملوك -كدار أو خان- فنوى أن يكون مسجداً وصرف الناس بالصلاة فيه من دون إجراء الصيغة عليه يشكل الاكتفاء به؛ وكذا الحال في مثل الرباط والقنطرة.
      مسألة 5 - لا إشكال في جواز التوكيل في الوقف. وفي جريان الفضوليّة فيه خلاف وإشكال لا يبعد جريانها فيه، لكنّ الأحوط خلافه.
      مسألة 6 - الأقوى عدم اعتبار القبول في الوقف على الجهات العامّة،كالمساجد والمقابر والقناطر ونحوها؛ وكذا الوقف على العناوين الكلّيّة، كالوقف على الفقراء والفقهاء ونحوهما. وأمّا الوقف الخاصّ - كالوقف على الذرّيّة- فالأحوط اعتباره فيه، فيقبله الموقوف عليهم، ويكفي قبول الموجودين، ولا يحتاج إلى قبول من سيوجد منهم بعد وجوده؛ وإن كان الموجودون صغاراً أو فيهم صغار قام به وليّهم. لكنّ الأقوى عدم اعتبار القبول في الوقف الخاصّ أيضاً، كما أنّ الأحوط رعاية القبول في الوقف العامّ أيضاً، والقائم به الحاكم أو المنصوب من قبله.
      مسألة 7 - الأقوى عدم اعتبار قصد القربة حتّى في الوقف العامّ وإن كان الأحوط اعتباره مطلقاً.
      مسألة 8 - يشترط في صحّة الوقف القبض. ويعتبر فيه أن يكون بإذن الواقف؛ ففي الوقف الخاصّ يعتبر قبض الموقوف عليهم، ويكفي قبض الطبقة الاُولى عن بقيّة الطبقات، بل يكفي قبض الموجودين من الطبقة الاُولى عمّن سيوجد، ولو كان فيهم قاصر قام وليّه مقامه، ولو قبض بعض الموجودين دون بعض صحّ بالنسبة إلى من قبض دون غيره. وأمّا الوقف على الجهات العامّة والمصالح - كالمساجد وما وقف عليها-: فإن جعل الواقف له قيّماً ومتولّياً اعتبر قبضه أو قبض الحاكم، والأحوط عدم الاكتفاء بالثاني مع وجود الأوّل؛ ومع عدم القيّم تعيّن الحاكم. وكذا الحال في الوقف على العناوين الكلّية كالفقراء والطلبة. وهل يكفي قبض بعض أفراد ذلك العنوان، بأن يقبض فقير في الوقف على الفقراء مثلاً؟ لعلّ الأقوى ذلك في ما إذا سلّم الوقف إلى المستحقّ لاستيفاء ما يستحقّ، كما إذا سلّم الدار الموقوفة على الفقراء للسكنى إلى فقير فسكنها، أو الدابّة الموقوفة على الزوّار والحجّاج للركوب إلى زائر وحاجّ فركبها. نعم، لا يكفي مجرّد استيفاء المنفعة والثمرة من دون استيلاء على العين؛ فإذا وقف بستاناً على الفقراء لايكفي في القبض إعطاء شي ء من ثمرته لبعض الفقراء مع كون البستان تحت يده، بل لا يكفي ذلك في الإعطاء لوليّ العامّ أو الخاصّ أيضاً.
      مسألة 9 - لو وقف مسجداً أو مقبرةً كفى في القبض صلاة واحدة فيه أو دفن ميّت واحد فيها بإذن الواقف وبعنوان التسليم والقبض.
      مسألة 10 - لو وقف الأب على أولاده الصغار ما كان تحت يده وكذا كلّ وليّ إذا وقف على المولّى عليه ما كان تحت يده لم يحتج إلى قبضٍ حادثٍ جديد، لكنّ الأحوط أن يقصد كون قبضه عنه، بل لا يخلو من وجه.
      مسألة 11 - لو كانت العين الموقوفة بيد الموقوف عليه قبل الوقف بعنوان الوديعة أو العارية - مثلاً - لم يحتج إلى قبض جديد، بأن يستردّها ثمّ يقبضها. نعم، لابدّ أن يكون بقاؤها في يده بإذن الواقف. والأحوط بل الأوجه أن يكون بعنوان الوقفيّة.
      مسألة 12 - في ما يعتبر أو يكفي قبض المتولّي - كالوقف على الجهات العامّة- لو جعل الواقف التولية لنفسه لا يحتاج إلى قبضٍ آخر، ويكفي ما هو حاصل، والأحوط بل الأوجه أن يقصد قبضه بما أنّه متولّي الوقف.
      مسألة 13 - لا يشترط في القبض الفوريّة؛ فلو وقف عيناً في زمان ثمّ أقبضها في زمانٍ متأخّر كفى، وتمّ الوقف من حين القبض.
      مسألة 14 - لو مات الواقف قبل القبض بطل الوقف وكان ميراثاً.
      مسألة 15 - يشترط في الوقف الدوام، بمعنى عدم توقيته بمدّة؛ فلو قال: «وقفت هذا البستان على الفقراء إلى سنة» بطل وقفاً، وفي صحّته حبساً أو بطلانه كذلك أيضاً وجهان. نعم، لو قصد به الحبس صحّ.
      مسألة 16 - لو وقف على من ينقرض - كما إذا وقف على أولاده - واقتصر على بطن أو بطون ممّن ينقرض غالباً ولم يذكر المصرف بعد انقراضهم ففي صحّته وقفاً أو حبساً أو بطلانه رأساً أقوال. والأقوى هو الأوّل؛ فيصحّ الوقف المنقطع الآخر، بأن يكون وقفاً حقيقةً إلى زمان الانقراض والانقطاع، وينقضي بعد ذلك ويرجع إلى الواقف أو ورثته، بل خروجه عن ملكه في بعض الصور محلّ منع.
      مسألة 17 - الظاهر أنّ الوقف المؤبّد يوجب زوال ملك الواقف؛ وأمّا الوقف المنقطع الآخر فكونه كذلك محلّ تأمّل. بخلاف الحبس، فإنّه باقٍ معه على ملك الحابس ويورث، ويجوز له التصرّفات غير المنافية لاستيفاء المُحبَس عليه المنفعة إلّا التصرّفات الناقلة، فإنّها لا تجوز، بل الظاهر عدم جواز رهنه أيضاً، لكن بقاء الملك على ملك الحابس في بعض الصور محلّ منع.
      مسألة 18 - لو انقرض الموقوف عليه ورجع إلى ورثة الواقف فهل يرجع إلى ورثته حين الموت أو حين الانقراض؟ قولان، أظهرهما الأوّل. وتظهر الثمرة في ما لو وقف على من ينقرض كزيد وأولاده، ثمّ مات الواقف عن ولدين، ومات بعده أحد الولدين عن ولد قبل الانقراض ثمّ انقرض، فعلى الثاني يرجع إلى الولد الباقي، وعلى الأوّل يشاركه ابن أخيه.
      مسألة 19 - من الوقف المنقطع الآخر ما كان الوقف مبنيّاً على الدوام لكن كان على من يصحّ الوقف عليه في أوّله دون آخره، كما إذا وقف على زيد وأولاده وبعد انقراضهم على الكنائس والبِيَع مثلاً، فيصحّ بالنسبة إلى من يصحّ الوقف عليه دون غيره.
      مسألة 20 - الوقف المنقطع الأوّل: إن كان بجعل الواقف كما إذا وقفه إذا جاء رأس الشهر الكذائيّ فالأحوط بطلانه، فإذا جاء رأس الشهر المزبور فالأحوط تجديد الصيغة، ولا يترك هذا الاحتياط؛ وإن كان بحكم الشرع بأن وقف أوّلاً على ما لا يصحّ الوقف عليه ثمّ على غيره فالظاهر صحّته بالنسبة إلى من يصحّ. وكذا في المنقطع الوسط، كما إذا كان الموقوف عليه في الوسط غير صالح للوقف عليه بخلافه في الأوّل والآخر، فيصحّ على الظاهر في الطرفين، والأحوط تجديده عند انقراض الأوّل في الأوّل، والوسط في الثاني.
      مسألة 21 - لو وقف على جهة أو غيرها وشرط عوده إليه عند حاجته صحّ على الأقوى، ومرجعه إلى كونه وقفاً مادام لم يحتج إليه، ويدخل في منقطع الآخر؛ وإذا مات الواقف فإن كان بعد طروّ الحاجة كان ميراثاً، وإلّا بقي على وقفيّته.
      مسألة 22 - يشترط في صحّة الوقف التنجيز على الأحوط؛ فلو علّقه على شرط متوقّع الحصول - كمجي ء زيد - أو على غير حاصل يقينيّ الحصول في ما بعد - كما إذا قال: «وقفت إذا جاء رأس الشهر» - بطل على الأحوط. نعم، لا بأس بالتعليق على شي ء حاصل، سواء علم بحصوله أم لا، كما إذا قال: «وقفت إن كان اليوم جمعة» وكان كذلك.
      مسألة 23 - لو قال: «هو وقفٌ بعد موتي» فإن فهم منه أنّه وصيّة ٌبالوقف صحّ، وإلّا بطل.
      مسألة 24 - من شرائط صحّة الوقف إخراج نفسه عنه؛ فلو وقف على نفسه لم يصحّ. ولو وقف على نفسه وغيره: فإن كان بنحو التشريك بطل بالنسبة إلى نفسه دون غيره؛ وإن كان بنحو الترتيب: فإن وقف على نفسه ثمّ على غيره فمن منقطع الأوّل، وإن كان بالعكس فمنقطع الآخر، وإن كان على غيره ثمّ نفسه ثمّ غيره فمنقطع الوسط، وقد مرّ حكم الصور.
      مسألة 25 - لو وقف على غيره - كأولاده أو الفقراء مثلاً - وشرط أن يقضي ديونه أو يؤدّي ما عليه من الحقوق الماليّة كالزكاة والخمس أو ينفق عليه من غلّة الوقف لم يصحّ وبطل الوقف، من غير فرق بين ما لو أطلق الدين أو عيّن، وكذا بين أن يكون الشرط الإنفاق عليه وإدرار مؤونته إلى آخر عمره أو إلى مدّة معيّنة، وكذا بين تعيين المؤونة وعدمه. هذا كلّه إن رجع الشرط إلى الوقف لنفسه؛ وأمّا إن رجع إلى الشرط على الموقوف عليهم بأن يؤدّوا ما عليه أو ينفقوا عليه من منافع الوقف الّتي صارت ملكاً لهم فالأقوى صحّته، كما أنّ الأقوى صحّة استثناء مقدار ما عليه من منافع الوقف. ثمّ إنّ في صورة بطلان الشرط تختلف الصور، ففي بعضها يمكن أن يقال بالصحّة بالنسبة إلى ما يصحّ، كما لو شرّك نفسه مع غيره، وفي بعضها يصير من قبيل منقطع الأوّل، فيصحّ على الظاهر في ما بعده، لكنّ الاحتياط بإجراء الصيغة في مواردها لا ينبغي تركه.
      مسألة 26 - لو شرط أكل أضيافه ومن يمرّ عليه من ثمرة الوقف جاز، وكذا لو شرط إدرار مؤونة أهله وعياله وإن كان ممّن يجب نفقته عليه - حتّى الزوجة الدائمة - إذا لم يكن بعنوان النفقة الواجبة عليه حتّى تسقط عنه، وإلّا رجع إلى الوقف على النفس.
      مسألة 27 - لو آجر عيناً ثمّ وقفها صحّ الوقف، وبقيت الإجارة على حالها، وكان الوقف مسلوب المنفعة في مدّة الإجارة؛ فإن انفسخت بالفسخ أو الإقالة بعد تماميّة الوقف رجعت المنفعة إلى الواقف المؤجر، دون الموقوف عليهم.
      مسألة 28 - لا إشكال في جواز انتفاع الواقف بالأوقاف على الجهات العامّة، كالمساجد والمدارس والقناطر والخانات المعدّة لنزول المسافرين ونحوها. وأمّإ؛»:ظظ الوقف على العناوين العامّة - كفقراء المحلّ مثلاً - إذا كان الواقف داخلاً في العنوان حين الوقف أو صار داخلاً فيه في ما بعد: فإن كان المراد التوزيع عليهم فلا إشكال في عدم جواز أخذ حصّته من المنافع، بل يلزم أن يقصد من العنوان المذكور حين الوقف من عدا نفسه ويقصد خروجه عنه، ومن ذلك ما لو وقف شيئاً على ذرّيّة أبيه أو جدّه إن كان المقصود البسط والتوزيع، كما هو الشائع المتعارف فيه؛ وإن كان المراد بيان المصرف - كما هو الغالب المتعارف في الوقف على الفقراء والزوّار والحجّاج ونحوهم - فلا إشكال في خروجه وعدم جواز الانتفاع به إذا قصد خروجه؛ وأمّا لو قصد الإطلاق والعموم بحيث يشمل نفسه فالأقوى جواز الانتفاع، والأحوط خلافه، بل يكفي في جوازه عدم قصد الخروج، وهو أولى به ممّن قصد الدخول.
      مسألة 29 - يعتبر في الواقف البلوغ والعقل والاختيار وعدم الحجر لفلس أو سفه؛ فلا يصحّ وقف الصبيّ وإن بلغ عشراً على الأقوى. نعم، حيث إنّ الأقوى صحّة وصيّة من بلغه - كما يأتي - فإن أوصى به صحّ وقف الوصيّ عنه.
      مسألة 30 - لا يعتبر في الواقف أن يكون مسلماً؛ فيصحّ وقف الكافر في مايصحّ من المسلم على الأقوى، وفي مايصحّ منه على مذهبه إقراراً له على مذهبه.
      مسألة 31 - يعتبر في الموقوف أن يكون عيناً مملوكة يصحّ الانتفاع به منفعةً محلّلةً مع بقاء عينه بقاءً معتدّاً به غير متعلّق لحقّ الغير المانع من التصرّف ويمكن قبضه؛ فلا يصحّ وقف المنافع، ولا الديون، ولا ما لا يملك مطلقاً كالحرّ، أو لا يملكه المسلم كالخنزير، ولا ما لا انتفاع به إلّا بإتلافه كالأطعمة والفواكه، ولا ما انحصر انتفاعه المقصود في المحرّم كآلات اللهو والقمار، ويلحق به ما كانت المنفعة المقصودة من الوقف محرّمة، كما إذا وقف الدابّة لحمل الخمر أو الدكّان لحرزها أو بيعها؛ وكذا لا يصحّ وقف ريحانة للشمّ على الأصحّ، لعدم الاعتداد ببقائها، ولا العين المرهونة، ولا ما لا يمكن قبضه كالدابّة الشاردة. ويصحّ وقف كلّ ما صحّ الانتفاع به مع بقاء عينه بالشرائط، كالأراضي والدور والعقار والثياب والسلاح والآلات المباحة والأشجار والمصاحف والكتب والحليّ وصنوف الحيوان، حتّى الكلب المملوك والسنّور ونحوها.
      مسألة 32 - لا يعتبر في العين الموقوفة كونها ممّا ينتفع بها فعلاً، بل يكفي كونها معرضاً للانتفاع ولو بعد مدّة؛ فيصحّ وقف الدابّة الصغيرة والاُصول المغروسة الّتي لا تثمر إلّا بعد سنين.
      مسألة 33 - المنفعة المقصودة في الوقف أعمّ من المنفعة المقصودة في العارية والإجارة، فتشمل النماءات والثمرات؛ فيصحّ وقف الأشجار لثمرها والشاة لصوفها ولبنها ونتاجها.
      مسألة 34 - ينقسم الوقف باعتبار الموقوف عليه على قسمين: الوقف الخاصّ، وهو ما كان وقفاً على شخص أو أشخاص، كالوقف على أولاده وذرّيّته أو على زيد وذرّيّته، والوقف العامّ، وهو ما كان على جهة ومصلحة عامّة، كالمساجد والقناطر والخانات، أو على عنوان عامّ كالفقراء والأيتام ونحوهما.
      مسألة 35 - يعتبر في الوقف الخاصّ وجود الموقوف عليه حين الوقف؛ فلايصحّ الوقف ابتداءً على المعدوم، ومن سيوجد بعدُ، وكذا الحمل قبل أن يولد. والمراد بكونه ابتداءً أن يكون هو الطبقة الاُولى من دون مشاركة موجود في تلك الطبقة؛ فلو وقف على المعدوم أو الحمل تبعاً للموجود - بأن يجعل طبقةً ثانيةً أو مساوياً للموجود في الطبقة بحيث شاركه عند وجوده - صحّ بلا إشكال، كما إذا وقف على أولاده الموجودين ومن سيولد له على التشريك أو الترتيب؛ بل لا يلزم أن يكون في كلّ زمانٍ وجود الموقوف عليه وولادته؛ فلو وقف على ولده الموجود وعلى ولد ولده بعده ومات الولد قبل ولادة ولده فالظاهر صحّته، ويكون الموقوف عليه بعد موته الحمل؛ فما لا يصحّ الوقف عليه هو المعدوم أو الحمل ابتداءً بنحو الاستقلال لا التبعيّة.
      مسألة 36 - لا يعتبر في الوقف على العنوان العامّ وجود مصداقه في كلّ زمان، بل يكفي إمكان وجوده مع وجوده فعلاً في بعض الأزمان؛ فلو وقف بستاناً -مثلاً- على فقراء البلد ولم يكن في زمان الوقف فقير فيه لكن سيوجد صحّ الوقف، ولم يكن من منقطع الأوّل، كما أنّه مع فقده بعد وجوده لم يكن منقطع الوسط، بل هو باقٍ على وقفيّته، فيحفظ غلّته إلى أن يوجد.
      مسألة 37 - يشترط في الموقوف عليه التعيين؛ فلو وقف على أحد الشخصين أو أحد المسجدين لم يصحّ.
      مسألة 38 - الظاهر صحّة الوقف على الذمّيّ والمرتدّ لا عن فطرة، سيّما إذا كان رحماً؛ وأمّا الكافر الحربيّ والمرتدّ عن فطرة فمحلّ تأمّل.
      مسألة 39 - لا يصحّ الوقف على الجهات المحرّمة وما فيه إعانة على المعصية، كمعونة الزنا وقطع الطريق وكتابة كتب الضلال، وكالوقف على البِيَع والكنائس وبيوت النيران لجهة عمارتها وخدمتها وفرشها ومعلّقاتها وغيرها. نعم، يصحّ وقف الكافر عليها.
      مسألة 40 - لو وقف مسلم على الفقراء أو فقراء البلد انصرف إلى فقراء المسلمين، بل الظاهر أنّه لو كان الواقف شيعيّاً انصرف إلى فقراء الشيعة. ولو وقف كافر على الفقراء انصرف إلى فقراء نحلته، فاليهود إلى اليهود، والنصارى إلى النصارى وهكذا؛ بل الظاهر أنّه لو كان الواقف مخالفاً انصرف إلى فقراء أهل السنّة. نعم، الظاهر أنّه لا يختصّ بمن يوافقه في المذهب؛ فلا انصراف لو وقف الحنفيّ إلى الحنفيّ والشافعيّ إلى الشافعيّ وهكذا.
      مسألة 41 - لو كان أفراد عنوان الموقوف عليه منحصرةً في أفراد محصورة معدودة - كما لو وقف على فقراء محلّة أو قرية صغيرة - توزّع منافع الوقف على الجميع، وإن كانوا غير محصورين لم يجب الاستيعاب، لكن لا يترك الاحتياط بمراعاة الاستيعاب العرفيّ مع كثرة المنفعة، فتوزّع على جماعة معتدّ بها بحسب مقدار المنفعة.
      مسألة 42 - لو وقف على فقراء قبيلة - كبني فلان - وكانوا متفرّقين لم يقتصر على الحاضرين، بل يجب تتبّع الغائبين وحفظ حصّتهم للإيصال إليهم، ولو صعب إحصاؤهم يجب الاستقصاء بمقدار الإمكان وعدم الحرج على الأحوط. نعم، لو كان عدد فقراء القبيلة غير محصور - كبني هاشم - جاز الاقتصار على الحاضرين؛ كما أنّ الوقف لو كان على الجهة جاز اختصاص الحاضرين به، ولا يجب الاستقصاء.
      مسألة 43 - لو وقف على المسلمين كان لمن أقرّ بالشهادتين إذا كان الواقف ممّن يرى أنّ غير أهل مذهبه أيضاً من المسلمين. ولو وقف الإماميّ على المؤمنين اختصّ بالاثني عشريّة؛ وكذا لو وقف على الشيعة.
      مسألة 44 - لو وقف في سبيل اللّه يصرف في كلّ ما يكون وصلةً إلى الثواب؛ وكذلك لو وقف في وجوه البرّ.
      مسألة 45 - لو وقف على أرحامه أو أقاربه فالمرجع العرف. ولو وقف على الأقرب فالأقرب كان ترتيبيّاً على كيفيّة طبقات الإرث.
      مسألة 46 - لو وقف على أولاده اشترك الذكر والاُنثى والخنثى، ويقسّم بينهم على السواء. ولو وقف على أولاد أولاده عمّ أولاد البنين والبنات، ذكورهم وإناثهم بالسويّة.
      مسألة 47 - لوقال: «وقفت على ذرّيّتي» عمّ البنين والبنات وأولادهم بلاواسطة ومعها ذكوراً وإناثاً، وتشارك الطبقات اللاحقة مع السابقة، ويكون على الرؤوس بالسويّة؛ وكذا لو قال: «وقفت على أولادي وأولاد أولادي»، فإنّ الظاهر منهما التعميم لجميع الطبقات أيضاً. نعم، لو قال: «وقفت على أولادي ثمّ على الفقراء» أو قال: «وقفت على أولادي وأولاد أولادي ثمّ على الفقراء» فلا يبعد أن يختصّ بالبطن الأوّل في الأوّل وبالبطنين في الثاني، خصوصاً في الصورة الاُولى.
      مسألة 48 - لوقال: «وقفت على أولادي نسلاً بعدنسل وبطناً بعدبطن»فالظاهر المتبادر منه عرفاً أنّه وقف ترتيب، فلا يشارك الولد أباه ولا ابن الأخ عمّه.
      مسألة 49 - لوعلم من الخارج وقفيّة شي ء على الذرّيّة ولم يعلم أنّه وقف تشريك أو ترتيب فالظاهر في ما عدا قسمة الطبقة الاُولى الرجوع إلى القرعة.
      مسألة 50 - لو قال: «وقفت على أولادي الذكور نسلاً بعد نسل» يختصّ بالذكور من الذكور في جميع الطبقات، ولا يشمل الذكور من الإناث.
      مسألة 51 - لوكان الوقف ترتيبيّاً كانت الكيفيّة تابعةً لجعل الواقف، فتارةً جعل الترتيب بين الطبقة السابقة واللاحقة ويراعى الأقرب فالأقرب إلى الواقف، فلا يشارك الولد أباه، ولا ابن الأخ عمّه وعمّته، ولا ابن الاُخت خاله وخالته؛ واُخرى جعل الترتيب بين خصوص الآباء من كلّ طبقة وأبنائهم، فإذا كانت إخوة ولبعضهم أولاد لم يكن للأولاد شي ء مادام حياة الآباء؛ فإذا توفّي الآباء شارك الأولاد أعمامهم. وله أن يجعل الترتيب على أيّ نحو شاء، ويتّبع.
      مسألة 52 - لو قال: «وقفت على أولادي طبقةً بعد طبقة، وإذا مات أحدهم وكان له ولد فنصيبه لولده» فلو مات أحدهم وله ولد يكون نصيبه له، ولو تعدّد (1) الولد يقسّم نصيبه بينهم على الرؤوس، وإذا مات من لا ولد له فنصيبه لمن كان في طبقته، ولا يشاركهم الولد الّذي أخذ نصيب والده.
      مسألة 53 - لو وقف على العلماء انصرف إلى علماء الشريعة، فلا يشمل غيرهم كعلماء الطبّ والنجوم والحكمة.
      مسألة 54 - لو وقف على أهل مشهدٍ كالنجف - مثلاً - اختصّ بالمتوطّنين والمجاورين، ولا يشمل الزوّار والمتردّدين.
      مسألة 55 - لو وقف على المشتغلين في النجف - مثلاً - من أهل بلد كطهران أو غيره اختصّ بمن هاجر من بلده إليه للاشتغال، ولا يشمل من جعله وطناً له معرضاً عن بلده.
      مسألة 56 - لو وقف على مسجد فمع الإطلاق صرفت منافعه في تعميره وضَوئه وفرشه وخادمه، ولو زاد شي ء يُعطى لإمامه.
      مسألة 57 - لو وقف على مشهد يصرف في تعميره وضَوئه وخدّامه المواظبين لبعض الأشغال اللازمة المتعلّقة به.
      مسألة 58 - لو وقف على سيّدالشهداء7 يُصرف في إقامة تعزيته: من اُجرة القارئ وما يتعارف صرفه في المجلس للمستمعين وغيرهم.
      مسألة 59 - لا إشكال في أنّه بعد تماميّة الوقف ليس للواقف التغيير في الموقوف عليه - بإخراج بعض من كان داخلاً أو إدخال من كان خارجاً - إذا لم يشترط ذلك في ضمن عقد الوقف. وهل يصحّ ذلك إذا شرطه؟ لا يبعد عدم الجواز مطلقاً، لا إدخالاً ولا إخراجاً؛ فلو شرط ذلك بطل شرطه بل الوقف على إشكال. ومثل ذلك لو شرط نقل الوقف من الموقوف عليهم إلى من سيوجد. نعم، لووقف على جماعة إلى أن يوجد من سيوجد وبعد ذلك كان الوقف على من سيوجد صحّ بلا إشكال.
      مسألة 60 - لو علم وقفيّة شي ء ولم يعلم مصرفه ولو من جهة نسيانه: فإن كانت المحتملات متصادقةً غير متباينة يُصرف في المتيقّن - كما إذا لم يدر أنّه وقف على الفقراء أو الفقهاء - فيقتصر على مورد تصادق العنوانين؛ وإن كانت متباينةً: فإن كان الاحتمال بين اُمور محصورة - كما إذا لم يدر أنّه وقف على المسجد الفلانيّ أو المشهد الفلانيّ أو فقراء هذا البلد أو ذاك - يقرع ويعمل بها، وإن كان بين اُمور غير محصورة: فإن كان بين عناوين وأشخاص غير محصورة - كما إذا علم أنّه وقف على ذرّية أحد أفراد المملكة الفلانيّة - ولا طريق إلى معرفته كانت منافعه بحكم مجهول المالك، فيتصدّق بها بإذن الحاكم على الأحوط، والأولى أن لا يخرج التصدّق عن المحتملات مع كونها مورداً له، وإن كان مردّداً بين الجهات غير المحصورة - كما إذا علم أنّه وقف على جهة من الجهات ولم يعلم أنّها مسجد أو مشهد أو قنطرة أو تعزية سيّدالشهداء (عليه السلام) أو إعانة الزوّار وهكذا - تُصرف المنافع في وجوه البرّ بشرط عدم الخروج عن مورد المحتملات.
      مسألة 61 - لو كان للعين الموقوفة منافع متجدّدة وثمرات متنوّعة يملك الموقوف عليهم جميعها مع إطلاق الوقف؛ ففي الشاة الموقوفة يملكون صوفها المتجدّدة ولبنها ونتاجها وغيرها، وفي الشجر والنخل ثمرهما و منفعة الاستظلال بهما والسعف والأغصان والأوراق اليابسة، بل وغيرها ممّا قطعت للإصلاح، وكذا فروخهما وغير ذلك. وهل يجوز في الوقف التخصيص ببعض المنافع حتّى يكون للموقوف عليهم بعض المنافع دون بعض؟ الأقوى ذلك.
      مسألة 62 - لو وقف على مصلحة فبطل رسمها - كما إذا وقف على مسجد أو مدرسة أو قنطرة فخربت ولم يمكن تعميرها أو لم تحتج إلى مصرفٍ لانقطاع من يصلّي في المسجد والطلبة والمارّة ولم يُرج العود - صرف الوقف في وجوه البرّ، والأحوط صرفه في مصلحة اُخرى من جنس تلك المصلحة، ومع التعذّر يراعى الأقرب فالأقرب منها.
      مسألة 63 - إذا خرب المسجد لم تخرج عرصته عن المسجديّة، فتجري عليها أحكامها إلّا في بعض الفروض. وكذا لو خربت القرية الّتي هو فيها بقي المسجد على صفة المسجديّة.
      مسألة 64 - لو وقف داراً على أولاده أو على المحتاجين منهم: فإن أطلق فهو وقف منفعة، كما إذا وقف عليهم قريةً أو مزرعةً أو خاناً ونحوها يملكون منافعها، فلهم استنماؤها، فيقسّمون بينهم ما حصل منها - بإجارة وغيرها - على حسب ماقرّره الواقف من الكمّيّة والكيفيّة، وإن لم يقرّر كيفيّةً في القسمة يقسّمونه بينهم بالسويّة؛ وإن وقفها عليهم لسكناهم فهو وقف انتفاع، ويتعيّن لهم ذلك، وليس لهم إجارتها؛ وحينئذٍ إن كفت لسكنى الجميع فلهم أن يسكنوها، وليس لبعضهم أن يستقلّ به ويمنع غيره. وإن وقع بينهم تشاحّ في اختيار الحُجَر: فإن جعل الواقف متولّياً يكون له النظر في تعيين المسكن للساكن كان نظره وتعيينه هو المتّبع، ومع عدمه كانت القرعة هي المرجع. ولو سكن بعضهم ولم يسكنها بعض فليس له مطالبة الساكن باُجرة حصّته إن لم يكن مانعاً عنه بل هو لم يسكن باختياره أو لمانع خارجيّ. وإن لم تكف لسكنى الجميع: فإن تسالموا على المهايأة أو غيرها فهو، وإلّا كان المتّبع نظر المتولّي من قبل الواقف لتعيين الساكن، ومع فقده فالمرجع القرعة، فمن خرج اسمه يسكن، وليس لمن لم يسكن مطالبته باُجرة حصّته.
      مسألة 65 - الثمر الموجود حال الوقف على النخل والشجر لا يكون للموقوف عليهم، بل هو باقٍ على ملك الواقف؛ وكذلك الحمل الموجود حال وقف الحامل. نعم، في الصوف على الشاة واللبن في ضرعها إشكال، فلا يترك الاحيتاط.
      مسألة 66 - لو قال: «وقفت على أولادي وأولاد أولادي» شمل جميع البطون كما مرّ؛ فمع اشتراط الترتيب أو التشريك أو المساواة أو التفضيل أو الذكورة أو الاُنوثة أو غير ذلك يكون هو المتّبع؛ ولو أطلق فمقتضاه التشريك والشمول للذكور والإناث والمساواة وعدم التفضيل. ولو قال: «وقفت على أولادي ثمّ على أولاد أولادي» أفاد الترتيب بين الأولاد و أولاد الأولاد قطعاً، وأمّا بالنسبة إلى البطون اللاحقة فالظاهر عدم الدلالة على الترتيب، فيشترك أولاد الأولاد مع أولادهم، إلّا إذا قامت القرينة على أنّ حكمهم كحكمهم مع الأولاد وأنّ ذكر الترتيب بين الأولاد وأولاد الأولاد من باب المثال، والمقصود الترتيب في سلسلة الأولاد وأنّ الوقف للأقرب فالأقرب إلى الواقف.
      مسألة 67 - لا ينبغي الإشكال في أنّ الوقف بعد تماميّته يوجب زوال ملك الواقف عن العين الموقوفة إلّا في منقطع الآخر الّذي مرّ التأمّل في بعض أقسامه؛ كما لا ينبغي الريب في أنّ الوقف على الجهات العامّة - كالمساجد والمشاهد والقناطر والخانات والمقابر والمدارس - وكذا أوقاف المساجد و المشاهد وأشباه ذلك لا يملكها أحد، بل هو فكّ الملك وتسبيل المنافع على جهات معيّنة. وأمّا الوقف الخاصّ - كالوقف على الأولاد - والوقف العامّ على العناوين العامّة -كالفقراء والعلماء ونحوهما - فهل يكون كالوقف على الجهات العامّة لا يملك الرقبةَ أحد (سواء كان وقفَ منفعة بأن وقف ليكون منافع الوقف لهم فيستوفونها بأنفسهم أو بالإجارة أو ببيع الثمرة وغير ذلك، أو وقفَ انتفاع كما إذا وقف الدار لسكنى ذرّيّته أو الخان لسكنى الفقراء) أو يملك الموقوف عليهم رقبته ملكاً غير طلق مطلقاً، أو تفصيل بين وقفِ المنفعة ووقفِ الانتفاع، فالثاني كالوقف على الجهات العامّة دون الأوّل، أو بين الوقف الخاصّ فيملك الموقوف عليه ملكاً غيرطلق، والوقفِ العامّ فكالوقف على الجهات؟ وجوه، لا يبعد أن يكون اعتبار الوقف في جميع أقسامه إيقاف العين لدرّ المنفعة على الموقوف عليه، فلا تصير العين ملكاً لهم، وتخرج عن ملك الواقف إلّا في بعض صور المنقطع الآخر، كما مرّ.
      مسألة 68 - لا يجوز تغيير الوقف وإبطال رسمه وإزالة عنوانه ولو إلى عنوان آخر، كجعل الدار خاناً أو دكّاناً أو بالعكس. نعم، لو كان الوقف وقفَ منفعة وصار بعنوانه الفعليّ مسلوبَ المنفعة أو قليلَها في الغاية لا يبعد جواز تبديله إلى عنوان آخر ذي منفعة، كما إذا صار البستان من جهة انقطاع الماء عنه أو لعارض آخر لم ينتفع به، بخلاف ما إذا جعل داراً أو خاناً.
      مسألة 69 - لو خرب الوقف وانهدم وزال عنوانه - كالبستان انقلعت أو يبست أشجاره، والدار إذا تهدّمت حيطانها وعفت آثارها - فإن أمكن تعميره وإعادة عنوانه ولو بصرف حاصله الحاصل بالإجارة ونحوها لزم، وتعيّن على الأحوط، وإلّا ففي خروج العرصة عن الوقفيّة وعدمه فيُستنمى منها بوجه آخر - ولو بزرع ونحوه - وجهان بل قولان، أقواهما الثاني. والأحوط أن تُجعل وقفاً ويُجعل مصرفه وكيفيّاته على حسب الوقف الأوّل.
      مسألة 70 - إذا احتاجت الأملاك الموقوفة إلى تعمير وترميم وإصلاح لبقائها والاستنماء منها: فإن عيّن الواقف لها ما يصرف فيها فهو، وإلّا يصرف فيها من نمائها على الأحوط مقدّماً على حقّ الموقوف عليهم، والأحوط لهم الرضا بذلك، ولو توقّف بقاؤها على بيع بعضها جاز.
      مسألة 71 - الأوقاف على الجهات العامّة -الّتي مرّ أنّها لا يملكها أحد- كالمساجد والمشاهدوالمدارس والمقابر والقناطر ونحوها لايجوز بيعهابلاإشكال في مثل الأوّلين، وعلى الأحوط في غيره وإن آل إلى ما آل، حتّى عند خرابها واندراسها بحيث لا يُرجى الانتفاع بها في الجهة المقصودة أصلاً، بل تبقى على حالها. هذا بالنسبة إلى أعيانها. وأمّا ما يتعلّق بها -من الآلات والفرش وثياب الضرائح وأشباه ذلك - فما دام يمكن الانتفاع بها باقيةً على حالها لا يجوز بيعها، وإن أمكن الانتفاع بها في المحلّ الّذي اُعدّت له بغير ذلك الانتفاع الّذي اُعدّت له بقيت على حالها أيضاً؛ فالفرش المتعلّقة بمسجد أو مشهد إذا أمكن الافتراش بها في ذلك المحلّ بقيت على حالها فيه؛ ولو فُرض استغناؤه عن الافتراش بالمرّة لكن يحتاج إلى ستر يقي أهله من الحرّ أو البرد - مثلاً - تُجعل ستراً لذلك المحلّ؛ ولو فُرض استغناء المحلّ عنها بالمرّة بحيث لا يترتّب على إمساكها وإبقائها فيه إلّا الضياع والضرر والتلف تُجعل في محلّ آخر مماثلٍ له، بأن تُجعل ما للمسجد لمسجد آخر، وما للمشهد لمشهد آخر؛ فإن لم يكن المماثل أو استغنى عنها بالمرّة جُعلت في المصالح العامّة. هذا إذا أمكن الانتفاع بها باقيةً على حالها. وأمّا لو فُرض أنّه لا يمكن الانتفاع بها إلّا ببيعها - وكانت بحيث لو بقيت على حالها ضاعت وتلفت - بيعت وصُرف ثمنها في ذلك المحلّ إن احتاج إليه، وإلّا ففي المماثل، ثمّ المصالح حسب ما مرّ.
      مسألة 72 - كما لا يجوز بيع تلك الأوقاف الظاهر أنّه لا يجوز إجارتها. ولوغصبها غاصب واستوفى منها غير تلك المنافع المقصودة منها - كما إذا جعل المسجد أو المدرسة بيت المسكن - فلا يبعد أن تكون عليه اُجرة المثل في مثل المدارس والخانات والحمّامات، دون المساجد والمشاهد والمقابر والقناطر ونحوها. ولو أتلف أعيانها متلف فالظاهر ضمانه، فيؤخذ منه القيمة، وتُصرف في بدل التالف ومثله.
      مسألة 73 - الأوقاف الخاصّة - كالوقف على الأولاد - والأوقاف العامّة الّتي كانت على العناوين العامّة - كالفقراء - لا يجوز بيعها ونقلها بأحد النواقل إلّا لعروض بعض العوارض وطروّ بعض الطوارئ، وهي اُمور:
      الأوّل: ما إذا خربت بحيث لا يمكن إعادتها إلى حالها الاُولى، ولا الانتفاع بها إلّا ببيعها والانتفاع بثمنها - كالحيوان المذبوح والجذع البالي والحصير الخلق- فتباع ويُشترى بثمنها ما ينتفع به الموقوف عليهم؛ والأحوط لولم يكن الأقوى مراعاة الأقرب فالأقرب إلى العين الموقوفة.
      الثاني: أن يسقط بسبب الخراب أو غيره عن الانتفاع المعتدّ به، بحيث كان الانتفاع به بحكم العدم بالنسبة إلى أمثال العين الموقوفة، بشرط أن لا يُرجى العود كما مرّ، كما إذا انهدمت الدار واندرس البستان فصار عرصةً لا يمكن الانتفاع بها إلّا بمقدار جزئيّ جدّاً يكون بحكم العدم بالنسبة اليهما، لكن لو بيعت يمكن أن يُشترى بثمنها دارٌ أو بستانٌ آخر أو ملكٌ آخر تساوي منفعته منفعةَ الدار أو البستان أو تقرب منها أو تكون معتدّاً بها؛ ولو فرض أنّه على تقدير بيعها لا يُشترى بثمنها إلّا ما يكون منفعتها كمنفعتها باقيةً على حالها أو قريبٌ منها لم يجز بيعها، وتبقى على حالها.
      الثالث: ما إذا اشترط الواقف في وقفه أن يباع عند حدوث أمر، مثل قلّة المنفعة، أوكثرة الخراج أوالمخارج، أو وقوع الخلاف بين أربابه، أوحصول ضرورة أو حاجة لهم أو غير ذلك، فلا مانع من بيعه عند حدوث ذلك الأمر على الأقوى.
      الرابع: ما إذا وقع بين أرباب الوقف اختلاف شديد لايؤمن معه من تلف الأموال والنفوس ولا ينحسم ذلك إلّا ببيعه، فيباع ويقسّم ثمنه بينهم. نعم، لو فرض أنّه يرتفع الاختلاف ببيعه وصرف الثمن في شراء عين اُخرى أو تبديل العين الموقوفة بالاُخرى تعيّن ذلك، فتُشترى بالثمن عين اُخرى أو يبدّل بآخر فيجعل وقفاً ويبقى لسائر البطون. والمتولّي للبيع في الصور المذكورة وللتبديل ولشراء عين اُخرى هو الحاكم أو المنصوب من قبله إن لم يكن متولٍ ّ منصوبٌ من قبل الواقف.
      مسألة 74 - لا إشكال في جواز إجارة ما وقف وقف منفعة، سواء كان وقفاً خاصّاً أوعامّاً على العناوين أو على الجهات والمصالح العامّة، كالدكاكين والمزارع الموقوفة على الأولاد أو الفقراء أو الجهات العامّة، حيث إنّ المقصود استنماؤها بإجارة ونحوها ووصول نفعها إلى الموقوف عليهم، بخلاف ما كان وقف انتفاع، كالدار الموقوفة على سكنى الذرّيّة وكالمدرسة والمقبرة والقنطرة والخانات الموقوفة لنزول المارّة، فإنّ الظاهر عدم جواز إجارتها في حال من الأحوال.
      مسألة 75 - لو خرب بعض الوقف بحيث جاز بيعه واحتاج بعضه الآخر إلى التعمير لحصول المنفعة: فإن أمكن تعمير ذلك البعض المحتاج من منافعه فالأحوط تعميره منها وصرفُ ثمن البعض الآخر في اشتراء مثل الموقوفة، وإن لم يمكن لا يبعد أن يكون الأولى بل الأحوط أن يصرف الثمن في التعمير المحتاج إليه؛ وأمّا جواز صرفه لتعميره الموجب لتوفير المنفعة فبعيد. نعم، لولم يكن الثمن بمقدار شراء مثل الموقوفة يصرف في التعمير ولو للتوفير.
      مسألة 76 - لا إشكال في جواز إفراز الوقف عن الملك الطلق في ما إذا كانت العين مشتركةً بينهما، فيتصدّاه مالك الطلق مع متولّي الوقف أو الموقوف عليهم؛ بل الظاهر جواز قسمة الوقف أيضاً لو تعدّد الواقف والموقوف عليه، كما إذا كانت دار مشتركةً بين شخصين فوقف كلّ منهما حصّته المشاعة على أولاده؛ بل لايبعد الجواز في ما إذا تعدّد الوقف والموقوف عليه مع اتّحاد الواقف، كما إذا وقف نصف داره مشاعاً على مسجد والنصف الآخر على مشهد. ولا يجوز قسمته بين أربابه إذا اتّحد الوقف والواقف مع كون الموقوف عليهم بطوناً متلاحقةً أيضاً. ولو وقع النزاع بين أربابه بما جاز معه بيع الوقف ولا ينحسم إلّا بالقسمة جازت، لكن لاتكون نافذةً بالنسبة إلى البطون اللاحقة، ولعلّها ترجع إلى قسمة المنافع، والظاهر جوازها مطلقاً؛ وأمّا قسمة العين بحيث تكون نافذةً بالنسبة إلى البطون اللاحقة فالأقوى عدم جوازها مطلقاً.
      مسألة 77 - لو آجر الوقفَ البطنُ الأوّل وانقرضوا قبل انقضاء مدّة الإجارة بطلت بالنسبة إلى بقيّة المدّة، إلّا أن يجيز البطن اللاحق فتصحّ على الأقوى. ولو آجره المتولّي فإن لاحظ فيه مصلحة الوقف صحّت ونفذت بالنسبة إلى البطون اللاحقة، بل الأقوى نفوذها بالنسبة إليهم لو كانت لأجل مراعاتهم دون أصل الوقف، ولا تحتاج إلى إجازتهم.
      مسألة 78 - يجوز للواقف أن يجعل تولية الوقف ونظارته لنفسه، دائماً أو إلى مدّة، مستقلّاً ومشتركاً مع غيره؛ وكذا يجوز جعلها للغير كذلك، بل يجوز أن يجعل أمر جعل التولية بيد شخص، فيكون المتولّي من يعيّنه ذلك الشخص، بل يجوز جعل التولية لشخص ويجعل أمر تعيين المتولّي بعده بيده، وهكذا يقرّر أنّ كلّ متولٍ ّ يعيّن المتولّي بعده.
      مسألة 79 - إنّما يكون للواقف جعل التولية لنفسه أو لغيره حين إيقاع الوقف وفي ضمن عقده، وأمّا بعد تماميّته فهو أجنبيّ عن الوقف، فليس له جعل التولية ولا عزل من جعله متولّياً، إلّا إذا اشترط في ضمن عقده لنفسه ذلك، بأن جعل التولية لشخص وشرط أنّه متى أراد أن يعزله عزله.
      مسألة 80 - لا إشكال في عدم اعتبار العدالة في ما إذا جعل التولية والنظر لنفسه. والأقوى عدم اعتبارها لو جعلها لغيره أيضاً. نعم، يعتبر فيه الأمانة والكفاية، فلا يجوز جعلها - خصوصاً في الجهات والمصالح العامّة - لمن كان خائناً غير موثوق به، وكذا من ليس له الكفاية في تولية اُمور الوقف. ولا يجوز جعل التولية للمجنون ولا الطفل حتّى المميّز إن اُريد عمل التولية من إجارة الوقف وأمثالها مباشرةً، وأمّا إذا جعل التولية له حتّى يقوم القيّم بأمرها مادام قاصراً فالظاهر جوازه ولو كان غير مميّز، بل لا يبعد الجواز في جعلها لمجنونٍ متوقّعٍ برؤه، ويقوم الوليّ مقامه إلى أن يفيق.
      مسألة 81 - لو جعل التولية لشخص لم يجب عليه القبول، سواء كان حاضراً في مجلس العقد أو غائباً بلغ إليه الخبر ولو بعد وفاة الواقف. ولو جعل التولية لأشخاص على الترتيب وقبل بعضهم لم يجب القبول على من بعده، ومع عدم القبول كان الوقف بلا متولٍ ّ منصوب. ولو قبل التولية فهل يجوز له عزل نفسه كالوكيل أم لا؟ قولان، لا يترك الاحتياط بعدم العزل، ومعه يقوم بوظائفه مع المراجعة إلى الحاكم ونصبه.
      مسألة 82 - لو جعل التولية لاثنين: فإن جعل لكلّ منهما مستقلّاً استقلّ، ولايلزم عليه مراجعة الآخر، وإذا مات أحدهما أو خرج عن الأهليّة انفرد الآخر، وإن جعلهما بالاجتماع ليس لأحدهما الاستقلال، وكذا لو أطلق ولم تكن على إرادة الاستقلال قرائن الأحوال؛ فحينئذٍ لو مات أحدهما أو خرج عن الأهليّة يضمّ الحاكم إلى الآخر شخصاً آخر على الأحوط لو لم يكن الأقوى.
      مسألة 83 - لو عيّن الواقف وظيفة المتولّي وشغله فهو المتّبع. ولو أطلق كانت وظيفته ما هو المتعارف من تعمير الوقف، وإجارته وتحصيل اُجرته، وقسمتها على أربابه، وأداء خراجه، ونحو ذلك، كلّ ذلك على وجه الاحتياط ومراعاة الصلاح. وليس لأحدٍ مزاحمته فيه حتّى الموقوف عليهم. ويجوز أن يجعل الواقف تولية بعض الاُمور لشخص وبعضها لآخر، فجعل أمر التعمير وتحصيل المنافع -مثلاً- لأحد وأمرَ حفظها وقسمتها على أربابها لآخر، أو جعل لواحدٍ أن يكون الوقف بيده وحفظه وللآخر التصرّفات. ولو فوّض إلى واحدٍ أمراً كالتعمير وتحصيل الفائدة وأهمل باقي الجهات من الحفظ والقسمة وغيرهما كان الوقف بالنسبة إلى غير ما فوّض إليه بلا متولٍ ّ منصوب، فيجري عليه حكمه الآتي.
      مسألة 84 - لو عيّن الواقف للمتولّي شيئاً من المنافع تعيّن، وكان ذلك اُجرة عمله، ليس له أزيد منه وإن كان أقلّ من اُجرة مثله، ولو لم يعيّن شيئاً فالأقرب أنّ له اُجرة المثل.
      مسألة 85 - ليس للمتولّي تفويض التولية إلى غيره حتّى مع عجزه عن التصدّي، إلّا إذا جعل الواقف له ذلك عند جعله متولّياً. نعم، يجوز له التوكيل في بعض ما كان تصدّيه وظيفته ان لم يشترط عليه المباشرة.
      مسألة 86 - يجوز للواقف أن يجعل ناظراً على المتولّي؛ فإن اُحرز أنّ المقصود مجرّد اطّلاعه على أعماله لأجل الاستيثاق فهو مستقلّ في تصرّفاته، ولا يعتبر إذن الناظر في صحّتها ونفوذها، وإنّما اللازم عليه اطّلاعه؛ وإن كان المقصود إعمال نظره وتصويبه لم يجز له التصرّف إلّا بإذنه وتصويبه؛ ولو لم يحرز مراده فاللازم مراعاة الأمرين.
      مسألة 87 - لو لم يعيّن الواقف متولّياً أصلاً ففي الأوقاف العامّة يكون الحاكم أو المنصوب من قبله متولّياً على الأقوى. وكذا في الخاصّة في ما يرجع إلى مصلحة الوقف ومراعاة البطون: من تعميره وحفظ الاُصول وإجارته للبطون اللاحقة؛ وأمّا بالنسبة إلى تنميته وإصلاحاته الجزئيّة المتوقّف عليها حصول النماء الفعليّ - كتنقية أنهاره وكريه وحرثه وجمع حاصله وتقسيمه وأمثال ذلك - فأمرها راجع إلى الموقوف عليهم الموجودين.
      مسألة 88 - في الأوقاف الّتي توليتها للحاكم ومنصوبه مع فقدهما وعدم الوصول إليهما توليتها لعدول المؤمنين.
      مسألة 89 - لا فرق في ما كان أمره راجعاً إلى الحاكم بين ما إذا لم يعيّن الواقف متولّياً وبين ما إذا عيّن ولم يكن أهلاً لها أو خرج عن الأهليّة؛ فإذا جعل للعادل من أولاده ولم يكن بينهم عادلٌ أو كان ففسق كان كأن لم ينصب متولّياً.
      مسألة 90 - لو جعل التولية لعدلين من أولاده - مثلاً - ولم يكن فيهم إلّا عدلٌ واحد ضمّ الحاكم إليه عدلاً آخر؛ وأمّا لو لم يكن فيهم عدلٌ أصلاً فهل اللازم عليه نصب عدلين أو يكفي نصب واحدٍ أمين؟ أحوطهما الأوّل، وأقواهما الثاني.
      مسألة 91 - لو احتاج الوقف إلى التعمير ولم يكن ما يصرف فيه يجوز للمتولّي أن يقترض له قاصداً أداء ما في ذمّته بعد ذلك ممّا يرجع إليه، كمنافعه أو منافع موقوفاته؛ فيقترض متولّي البستان - مثلاً - لتعميره بقصد أن يؤدّي دينه من عائداته، ومتولّي المسجد أو المشهد أو المقبرة ونحوها بقصد أن يؤدّيه من عائدات موقوفاتها؛ بل يجوز أن يصرف في ذلك من ماله بقصد الاستيفاء ممّا ذكر. ولو اقترض له وصرفه لا بقصد الأداء منه أو صرف ماله لا بقصد الاستيفاء منه لم يكن له ذلك بعده.
      مسألة 92 - تثبت الوقفيّة بالشياع المفيد للعلم أو الاطمينان، وبإقرار ذي اليد أو ورثته بعد موته، وبكونه في تصرّف الوقف - بأن يعامل المتصرّفون فيه معاملة الوقف بلا معارض - وبالبيّنة الشرعيّة.
      مسألة 93 - لو أقرّ بالوقف ثمّ ادّعى أنّ إقراره كان لمصلحة يسمع منه، لكن يحتاج إلى الإثبات لو نازعه منازعٌ صالح؛ بخلاف ما إذا أوقع العقد وحصل القبض ثمّ ادّعى أنّه لم يكن قاصداً، فإنّه لا يسمع منه أصلاً، كما هو الحال في جميع العقود والإيقاعات.
      مسألة 94 - كما أنّ عمل المتصرّفين معاملة الوقفيّة دليل على أصل الوقفيّة ما لم يثبت خلافها كذلك كيفيّة عملهم - من الترتيب والتشريك والمصرف وغير ذلك- دليل على كيفيّته، فيتّبع ما لم يعلم خلافها.
      مسألة 95 - لو كان ملكٌ بيد شخصٍ يتصرّف فيه بعنوان الملكيّة لكن علم أنّه قد كان في السابق وقفاً لم ينتزع من يده بمجرّد ذلك ما لم يثبت وقفيّته فعلاً. وكذا لو ادّعى أحد أنّه قد وقف على آبائه نسلاً بعد نسل وأثبت ذلك من دون أن يثبت كونه وقفاً فعلاً. نعم، لو أقرّ ذواليد في مقابل دعوى خصمه بأنّه كان وقفاً إلّا أنّه قد حصل مسوّغ البيع وقد اشتراه سقط حكم يده وينتزع منه، ويُلزم بإثبات وجود المسوّغ ووقوع الشراء.
      مسألة 96 - لوكان كتاب أو مصحف أو غيرهما بيد شخص وهو يدّعي ملكيّته وكان مكتوباً عليه أنّه وقفٌ لم يُحكم بوقفيّته بمجرّده، فيجوز الشراء منه. نعم، الظاهر أنّ وجود مثل ذلك عيب ونقص في العين؛ فلو خفي على المشتري حال البيع كان له الخيار.
      مسألة 97 - لو ظهر في تركة الميّت ورقةٌ بخطّه أنّ ملكه الفلانيّ وقفٌ وأنّه وقع القبض والإقباض لم يُحكم بوقفيّته بمجرّده ما لم يحصل العلم أو الاطمينان به، لاحتمال أنّه كتب ليجعله وقفاً كما يتّفق ذلك كثيراً.
      مسألة 98 - إذا كانت العين الموقوفة من الأعيان الزكويّة - كالأنعام الثلاثة - لم يجب على الموقوف عليهم زكاتها وإن بلغت حصّة كلّ منهم النصاب، وأمّا لو كانت نماؤها منها - كالعنب والتمر - ففي الوقف الخاصّ وجبت الزكاة على كلّ من بلغت حصّته النصاب من الموقوف عليهم، لأنّها ملك طلق لهم، بخلاف الوقف العامّ حتّى مثل الوقف على الفقراء، لعدم كونه ملكاً لواحد منهم إلّا بعد قبضه. نعم، لو اُعطي الفقير - مثلاً - حصّةً من الحاصل على الشجر قبل وقت تعلّق الزكاة -بتفصيل مرّ في كتاب الزكاة - وجبت عليه لو بلغت النصاب.
      مسألة 99 - الوقف المتداول بين بعض الطوائف - يعمدون إلى نعجة أو بقرة ويتكلّمون بألفاظ متعارفة بينهم ويكون المقصود أن تبقى وتذبح أولادها الذكور وتبقى الإناث وهكذا - الظاهر بطلانه، لعدم تحقّق شرائط صحّته.


      1- ما أثبتناه هو الصحيح كما في «الوسيلة» ولكن في جميع الطبعات هكذا: «فإذا مات أحدهم وكان له ولد فنصيبه لولده، ولو مات...».
    • خاتمة
    •  

      خاتمة:

      تشتمل على أمرين: أحدهما في الحبس وما يلحق به، ثانيهما في الصدقة.

      • القول في الحبس وأخواته

         

        القول في الحبس وأخواته

        مسألة ۱ - يجوز للشخص أن يحبس ملكه على كلّ ما يصحّ الوقف عليه، بأن تصرف منافعه في ما عيّنه على ما عيّنه؛ فلو حبسه على سبيل من سبل الخير ومحالّ العبادات - مثل الكعبة المعظّمة والمساجد والمشاهد المشرّفة - فإن كان مطلقاً أو صرّح بالدوام فلا رجوع بعد قبضه، ولا يعود إلى ملك المالك ولا يورّث، وإن كان إلى مدّة لا رجوع إلى انقضائها، وبعده يرجع إلى المالك أو وارثه. ولو حبسه على شخص: فإن عيّن مدّةً أو مدّة حياته لزم الحبس في تلك المدّة، ولو مات الحابس قبل انقضائها يبقى على حاله إلى أن تنقضي، وإن أطلق ولم يعيّن وقتاً لزم مادام حياة الحابس، فإن مات كان ميراثاً. وهكذا الحال لو حبس على عنوان عامّ كالفقراء: فإن حدّده بوقت لزم إلى انقضائه، وإن لم يوقّت لزم مادام حياة الحابس.
        مسألة ۲ - لو جعل لأحدٍ سكنى داره - مثلاً - بأن سلّطه على إسكانها مع بقائها على ملكه يقال له: السكنى، سواء أطلق ولم يعيّن مدّةً، كأن يقول: «أسكنتك داري» أو «لك سكناها» أو قدّره بعمر أحدهما، كما إذا قال: «لك سكنى داري مدّة حياتك أو مدّة حياتي» أو قدّره بالزمان كسنة وسنتين مثلاً. نعم، لكلٍ ّ من الأخيرين اسم يختصّ به، وهو «العمرى » في أوّلهما و«الرقبى » في الثاني.
        مسألة ۳ - يحتاج كلّ من الثلاثة إلى عقد مشتمل على إيجاب من المالك وقبول من الساكن؛ فالإيجاب: كلّ ما أفاد التسليط المزبور عرفاً، كأن يقول في السكنى: «أسكنتك هذه الدار» أو «لك سكناها» وما أفاد معناهما بأيّ لغة كان، وفي العمرى بإضافة مدّة حياتي أو حياتك، وفي الرقبى بإضافة سنة أو سنتين مثلاً، وللعمرى والرقبى لفظان آخران، فللاُولى: «أعمرتك هذه الدار عمرك أو عمري أو ما بقيتَ أو بقيتُ أو ما عشتَ أو عشتُ» ونحوها، وللثانية: «أرقبتك مدّة كذا»؛ والقبول: كلّ ما دلّ على الرضا بالإيجاب.
        مسألة 4 - يشترط في كلّ من الثلاثة قبض الساكن، وهل هو شرط الصحّة أو اللزوم؟ وجهان، لا يبعد أوّلهما؛ فلو لم يقبض حتّى مات المالك بطلت كالوقف على الأظهر.
        مسألة 5 - هذه العقود الثلاثة لازمة يجب العمل بمقتضاها، وليس للمالك الرجوع وإخراج الساكن؛ ففي السكنى المطلقة حيث إنّ الساكن استحقّ مسمّى الإسكان ولو يوماً لزم العقد في هذا المقدار، وليس للمالك منعه عنه، وله الرجوع في الزائد متى شاء، وفي العمرى والرقبى لزم بمقدار التقدير، وليس له إخراجه قبل انقضائه.
        مسألة 6 - لو جعل داره سكنى أو عمرى أو رقبى لشخص لم تخرج عن ملكه، وجاز بيعها، ولم تبطل العقود الثلاثة، بل يستحقّ الساكن السكنى على النحو الّذي جعلت له، وكذا ليس للمشتري إبطالها، ولو كان جاهلاً فله الخيار بين فسخ البيع وإمضائه بجميع الثمن. نعم، في السكنى المطلقة بعد مقدار المسمّى يبطل العقد وينفسخ إذا اُريد بالبيع فسخه وتسليط المشتري على المنافع، فحينئذٍ ليس للمشتري الخيار.
        مسألة 7 - لو جعلت المدّة في العمرى طول حياة المالك ومات الساكن قبله كان لورثته السكنى إلى أن يموت المالك، ولو جعلت طول حياة الساكن ومات المالك قبله ليس لورثته إخراج الساكن طول حياته، ولو مات الساكن ليس لورثته السكنى، إلّا إذا جعل له السكنى مدّة حياته ولعقبه بعد وفاته فلهم ذلك، فإذا انقرضوا رجعت إلى المالك أو ورثته.
        مسألة 8 - هل مقتضى العقود الثلاثة تمليك سكنى الدار، فيرجع إلى تمليك المنفعة الخاصّة، فله استيفاؤها مع الإطلاق بأيّ نحو شاء، من نفسه وغيره مطلقاً ولو أجنبيّاً، وله إجارتها وإعارتها، وتورث لو كانت المدّة عمر المالك ومات الساكن دون المالك؛ أو مقتضاها الالتزام بسكونة الساكن على أن يكون له الانتفاع والسكنى من غير أن تنتقل إليه المنافع، ولازمه عند الإطلاق جواز إسكان من جرت العادة بالسكنى معه، كأهله وأولاده وخادمه وخادمته ومرضعة ولده وضيوفه، بل وكذا دوابّه إن كان الموضع معدّاً لمثلها، ولا يجوز أن يسكن غيرهم إلّا أن يشترط ذلك أو رضي المالك، ولا يجوز أن يؤجر المسكن ويعيره، ويورث هذا الحقّ بموت الساكن؛ أو مقتضاها نحو إباحة لازمة، ولازمه كالاحتمال الثاني إلّا في التوريث، فإنّ لازمه عدمه؟ ولعلّ الأوّل أقرب، خصوصاً في مثل «لك سكنى الدار»، وكذا في العمرى والرقبى . ومع ذلك لا تخلو المسألة من إشكال.
        مسألة 9 - كلّ ما صحّ وقفه صحّ إعماره من العقار والحيوان والأثاث وغيرها. والظاهر أنّ الرقبى بحكم العمرى ، فتصحّ في ما يصحّ الوقف. وأمّا السكنى فيختصّ بالمساكن.(1)


        1- هكذا في جميع الطبعات، والصحيح «فتختصّ».
      • القول في الصدقة

         

        القول في الصدقة

        قد وردت النصوص الكثيرة على ندبها والحثّ عليها، خصوصاً في أوقات مخصوصة، كالجمعة وعرفة وشهر رمضان، وعلى طوائف مخصوصة، كالجيران والأرحام حتّى ورد في الخبر: «لا صدقة وذو رحم محتاج»، وعن رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم): «إنّ اللّه لا إله إلّا هو ليدفع بالصدقة الداء والدُبَيلة والحرقة والغرق والهدم والجنون - وعدّ سبعين باباً من السوء - . . .»، وقد ورد «أنّ الافتتاح بها في اليوم يدفع نحس يومه، وفي الليلة يدفع نحسها» و«أنّ صدقة الليل تطفئ غضب الربّ، وتمحو الذنب العظيم، وتهوّن الحساب، وصدقة النهار تثمر المال، وتزيد في العمر»، و«ليس شي ء أثقل على الشيطان من الصدقة على المؤمن، وهي تقع في يد الربّ تبارك وتعالى قبل أن تقع في يد العبد». وعن عليّ بن الحسين (عليهم السلام): «كان يقبّل يده عند الصدقة فقيل له في ذلك، فقال: إنّها تقع في يداللّه قبل أن تقع في يد السائل»، ونحوه عن غيره (عليه السلام) وعن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم): «كلّ معروف صدقة إلى غنيّ أو فقير، فتصدّقوا ولو بشقّ التمرة، واتّقوا النار ولو بشقّ التمرة، فإنّ اللّه يربّيها لصاحبها كما يربّي أحدكم فِلوه أو فصيله، حتّى يوفيه إيّاها يوم القيامة، وحتّى يكون أعظم من الجبل العظيم» إلى غير ذلك.
        مسألة 1 - يعتبر في الصدقة قصد القربة. ولا يعتبر فيها العقد المشتمل على الإيجاب والقبول على الأقوى، بل يكفي المعاطاة؛ فتتحقّق بكلّ لفظ أو فعل - من إعطاء أو تسليط - قصد به التمليك مجّاناً مع نيّة القربة. ويشترط فيها الإقباض والقبض.
        مسألة 2 - لا يجوز الرجوع في الصدقة بعد القبض وإن كانت على أجنبيّ على الأصحّ.
        مسألة 3 - تحلّ صدقة الهاشميّ لمثله ولغيره مطلقاً، حتّى الزكاة المفروضة والفطرة. وأمّا صدقة غير الهاشميّ للهاشميّ فتحلّ في المندوبة وتحرم في الزكاة المفروضة والفطرة؛ وأمّا غيرهما من المفروضات كالمظالم والكفّارات ونحوهما فالظاهر أنّها كالمندوبة وإن كان الأحوط عدم إعطائهم لها وتنزّههم عنها.
        مسألة 4 - يعتبر في المتصدّق البلوغ والعقل وعدم الحجر لفلس أوسفه؛ فلاتصحّ صدقة الصبيّ حتّى من بلغ عشراً.
        مسألة 5 - لا يعتبر في المتصدّق عليه في الصدقة المندوبة الفقر ولا الإيمان ولا الإسلام؛ فتجوز على الغنيّ وعلى الذمّيّ والمخالف وإن كانا أجنبيّين. نعم، لاتجوز على الناصب ولا على الحربيّ وإن كانا قريبين.
        مسألة 6 - الصدقة سرّاً أفضل؛ فقد ورد: «أنّ صدقة السرّ تطفئ غضب الربّ، وتطفئ الخطيئة كما يطفئ الماء النار، وتدفع سبعين باباً من البلاء». نعم، لو اتّهم بترك المواساة فأراد دفع التهمة عن نفسه أو قصد اقتداء غيره به لا بأس بالإجهار بها ولم يتأكّد إخفاؤها. هذا في المندوبة. وأمّا الواجبة فالأفضل إظهارها مطلقاً.
        مسألة 7 - يستحبّ المساعدة والتوسّط في إيصال الصدقة؛ فعن النبي(صلى الله عليه وآله وسلم) في خطبة له: «ومن تصدّق بصدقة عن رجل إلى مسكين كان له مثل أجره، ولو تداولها أربعون ألف إنسان ثمّ وصلت إلى المسكين كان لهم أجر كامل، وما عنداللّه خير وأبقى للذين اتّقوا وأحسنوا لو كنتم تعلمون».
        مسألة 8 - يكره كراهةً شديدةً أن يتملّك من الفقير ما تصدّق به بشراء أو اتّهاب أو بسبب آخر، بل قيل بحرمته. نعم، لا بأس بأن يرجع إليه بالميراث.
        مسألة 9 - يكره ردّ السائل ولو ظنّ غناه، بل يعطى ولو شيئاً يسيراً.
        مسألة 10 - يكره كراهةً شديدةً السؤال من غير احتياج، بل مع الحاجة أيضاً، بل قيل بحرمة الأوّل، ولا ينبغي ترك الاحتياط، وقد ورد فيه الإزعاج الأكيد، ففي الخبر: «من سأل الناس وعنده قوت ثلاثة أيّام لقى اللّه يوم القيامة وليس على وجهه لحم».

  • كتاب الوصية

     

    كتاب الوصيّة

    وهي إمّا تمليكيّة، كأن يوصي بشي ء من تركته لزيد، ويلحق بها الإيصاء بالتسليط على حقّ؛ وإمّا عهديّة، كأن يوصي بما يتعلّق بتجهيزه أو باستيجار الحجّ أو الصلاة أو نحوهما له؛ وإمّا فكّيّة تتعلّق بفكّ ملك، كالإيصاء بالتحرير.
    مسألة ۱ - إذا ظهرت للإنسان أمارات الموت يجب عليه إيصال ما عنده من أموال الناس - من الودائع والبضائع ونحوها - إلى أربابها؛ وكذا أداء ما عليه خالقيّاً -كقضاء الصلوات والصيام والكفّارات وغيرها- أو خلقيّاً إلّا الديون المؤجّلة. ولو لم يتمكّن من الإيصال والإتيان بنفسه يجب عليه أن يوصي بإيصال ما عنده من أموال الناس إليهم، والإشهاد عليها، خصوصاً إذا خفيت على الورثة؛ وكذا بأداء ما عليه من الحقوق الماليّة خلقيّاً كالديون والضمانات والديات واُروش الجنايات، أو خالقيّاً كالخمس والزكاة والكفّارات ونحوها؛ بل يجب عليه أن يوصي بأن يستأجر عنه ما عليه من الواجبات البدنيّة ممّا يصحّ فيها الاستيناب والاستيجار، كقضاء الصلاة والصوم إن لم يكن له وليّ يقضيها عنه، بل ولو كان له وليّ لا يصحّ منه العمل أو كان ممّن لا يوثق بإتيانه أو يرى عدم صحّة عمله.
    مسألة ۲ - إن كان عنده أموال الناس أو كان عليه حقوق وواجبات لكن يعلم أو يطمئنّ بأنّ أخلافه يوصلون الأموال ويؤدّون الحقوق والواجبات لم يجب عليه الإيصال والإيصاء وإن كان أحوط وأولى.
    مسألة ۳ - يكفي في الوصيّة كلّ ما دلّ عليها من الألفاظ من أيّ لغة كان. ولا يعتبر فيها لفظ خاصّ؛ ففي التمليكيّة يقول: «أوصيت لفلان بكذا» أو «أعطوا فلاناً» أو «ادفعوا إليه بعد موتي» أو «لفلان بعد موتي كذا» ونحوها بأيّ نحو يفيد ذلك؛ وفي العهديّة: «افعلوا بعد موتي كذا وكذا». والظاهر الاكتفاء بالكتابة حتّى مع القدرة على النطق، خصوصاً في الوصيّة العهديّة إذا علم أنّه كان في مقام الوصيّة وكانت العبارة ظاهرة الدلالة على المعنى المقصود؛ فيكفي وجود مكتوب من الموصي بخطّه وإمضائه أو خاتمه إذا علم من قرائن الأحوال كونه بعنوان الوصيّة، فيجب تنفيذها؛ بل الاكتفاء بالإشارة المفهمة حتّى مع القدرة على النطق أو الكتابة لا يخلو من قوّة وإن كان الأحوط عدم الإيصاء بها اختياراً.
    مسألة 4 - للوصيّة التمليكيّة أركان ثلاثة: الموصي والموصى به والموصى له. وقوام العهديّة بأمرين: الموصي والموصى به. نعم، إذا عيّن الموصي شخصاً لتنفيذها تقوم حينئذٍ باُمور ثلاثة: هما والموصى إليه، وهوالّذي يطلق عليه الوصيّ.
    مسألة 5 - لا إشكال في أنّ الوصيّة العهديّة لا تحتاج إلى قبول. نعم، لو عيّن وصيّاً لتنفيذها لابدّ من قبوله لكن في وصايته لا في أصل الوصيّة. وأمّا الوصيّة التمليكيّة: فإن كانت تمليكاً للنوع كالوصيّة للفقراء والسادة فهي كالعهديّة لا يعتبر فيها القبول، وإن كانت تمليكاً للشخص فالمشهور على أنّه يعتبر فيها القبول من الموصى له. والظاهر أنّ تحقّق الوصيّة و ترتّب أحكامها من حرمة التبديل ونحوها لا يتوقّف على القبول، لكن تملّك الموصى له متوقّف عليه، فلا يتملّك قهراً؛ فالوصيّة من الإيقاعات، لكنّها جزء سبب للملكيّة في الفرض.
    مسألة 6 - يكفي في القبول كلّ ما دلّ على الرضا قولاً أو فعلاً، كأخذ الموصى به والتصرّف فيه بقصد القبول.
    مسألة 7 - لا فرق بين وقوع القبول في حياة الموصي أو بعد موته، كما لافرق في الواقع بعد الموت بين أن يكون متّصلاً به أو متأخّراً عنه مدّة.
    مسألة 8 - لو ردّ بعضاً وقبل بعضاً صحّ في ما قبله وبطل في ما ردّه على الأقوى، إلّا إذا أوصى بالمجموع من حيث المجموع.
    مسألة 9 - لو مات الموصى له في حياة الموصي أو بعد موته قبل أن يصدر منه ردّ أو قبول قام ورثته مقامه في الردّ والقبول، فيملكون الموصى به بقبولهم كمورّثهم لو لم يرجع الموصي عن وصيّته.
    مسألة 10 - الظاهر أنّ الوارث يتلقّى المال من الموصي ابتداءً، لا أنّه ينتقل إلى الموصى له أوّلاً ثمّ إلى وارثه وإن كانت القسمة بين الورثة مع التعدّد على حسب قسمة المواريث؛ فعلى هذا لا يخرج من الموصى به ديون الموصى له، ولاتنفذ فيه وصاياه.
    مسألة 11 - إذا قبل بعض الورثة وردّ بعضهم صحّت الوصيّة في من قبل وبطلت في من ردّ بالنسبة.
    مسألة 12 - يعتبر في الموصي البلوغ والعقل والاختيار والرشد، فلا تصحّ وصيّة الصبيّ. نعم، الأقوى صحّة وصيّة البالغ عشراً إذا كانت في البرّ والمعروف، كبناء المساجد والقناطر ووجوه الخيرات والمبرّات. وكذا لا تصحّ وصيّة المجنون ولو أدواريّاً في دور جنونه، ولا السكران ولا المكره ولا المحجور عليه إذا كانت متعلّقةً بالمال المحجور فيه.
    مسألة 13 - يعتبر في الموصي -مضافاً إلى ما ذكر- أن لا يكون قاتل نفسه متعمّداً؛ فمن أوقع على نفسه جرحاً أو شرب سمّاً أو ألقى نفسه من شاهق ونحو ذلك ممّا يقطع أو يظنّ كونه مؤدّياً إلى الهلاك لم تصحّ وصيّته المتعلّقة بأمواله. وإن كان إيقاع ما ذكر خطأً أو كان مع ظنّ السلامة فاتّفق موته به نفذت وصيّته. ولو أوصى ثمّ أحدث في نفسه ما يؤدّي إلى هلاكه لم تبطل وصيّته وإن كان حين الوصيّة بانياً على أن يحدث ذلك بعدها.
    مسألة 14 - لا تبطل الوصيّة بعروض الإغماء والجنون للموصي وإن بقيا إلى حين الممات.
    مسألة 15 - يشترط في الموصى له الوجود حين الوصيّة؛ فلا تصحّ للمعدوم كالميّت، أو لما تحمله المرأة في المستقبل، ولمن سيوجد من أولاد فلان. وتصحّ للحمل بشرط وجوده حين الوصيّة وإن لم تلجه الروح، وانفصاله حيّاً؛ فلو انفصل ميّتاً بطلت ورجع المال ميراثاً لورثة الموصي.
    مسألة 16 - تصحّ الوصيّة للذمّيّ وكذا للمرتدّ الملّيّ إن لم يكن المال ممّا لايملكه الكافر كالمصحف. وفي عدم صحّتها للحربيّ والمرتدّ الفطريّ تأمّلٌ.
    مسألة 17 - يشترط في الموصى به في الوصيّة التمليكيّة أن يكون مالاً أو حقّاً قابلاً للنقل كحقّي التحجير والاختصاص، من غير فرق في المال بين كونه عيناً أو ديناً في ذمّة الغير أو منفعةً، وفي العين بين كونها موجودةً فعلاً أو ممّا ستوجد؛ فتصحّ الوصيّة بما تحمله الدابّة أو يثمر الشجر في المستقبل.
    مسألة 18 - لابدّ وأن تكون العين الموصى بها ذات منفعة محلّلة مقصودة حتّى تكون مالاً شرعاً؛ فلا تصحّ الوصيّة بالخمر غير المتّخذة للتخليل والخنزير وآلات اللهو والقمار، ولا بالحشرات وكلب الهراش ونحوها، وأن تكون المنفعة الموصى بها محلّلة مقصودة؛ فلا تصحّ الوصيّة بمنفعة المغنّية وآلات اللهو، وكذا منفعة القردة ونحوها.
    مسألة 19 - لا تصحّ الوصيّة بمال الغير وإن أجاز المالك إذا كان الإيصاء به عن نفسه، بأن جعل مال الغير لشخص بعد وفاة نفسه؛ وأمّا عن الغير بأن جعله لشخص بعد وفاة مالكه فلا تبعد صحّته ونفوذه بالإجازة.
    مسألة 20 - يشترط في الوصيّة العهديّة أن يكون ما أوصى به عملاً سائغاً تعلّق به أغراض العقلاء؛ فلا تصحّ الوصيّة بصرف ماله في معونة الظلمة وقطّاع الطريق وتعمير الكنائس ونسخ كتب الضلال ونحوها، وكذا بصرف المال في ما يكون سفهاً وعبثاً.
    مسألة 21 - لو أوصى بما هو سائغ عنده اجتهاداً أو تقليداً و غير سائغ عند الوصيّ - كما أوصى بنقل جنازته بعد دفنه وهو غير جائز عند الوصيّ - لم يجز له تنفيذها، ولو انعكس الأمر انعكس.
    مسألة 22 - لو أوصى لغير الوليّ بمباشرة تجهيزه - كتغسيله والصلاة عليه - مع وجود الوليّ ففي نفوذها وتقديمه على الوليّ وعدمه وجهان بل قولان، ولا يترك الوصيّ الاحتياط بالاستيذان من الوليّ، والوليّ بالإذن له.
    مسألة 23 - يشترط في نفوذ الوصيّة في الجملة أن لا تكون في الزائد على الثلث. وتفصيله أنّ الوصيّة إن كانت بواجب ماليّ - كأداء ديونه وأداء ما عليه من الحقوق كالخمس والزكاة والمظالم والكفّارات - يخرج من أصل المال بلغ ما بلغ، بل لو لم يوص به يخرج منه وإن استوعب التركة. ويلحق به الواجب الماليّ المشوب بالبدنيّ، كالحجّ ولو كان منذوراً على الأقوى. وإن كانت تمليكيّةً أو عهديّةً تبرّعيّةً - كما إذا أوصى بإطعام الفقراء أو الزيارات أو إقامة التعزية ونحو ذلك- نفذت بمقدار الثلث، وفي الزائد صحّت إن أجاز الورثة، وإلّا بطلت، من غير فرق بين وقوعها في حال الصحّة أو المرض؛ وكذلك إذا كانت بواجب غير ماليّ على الأقوى، كما لو أوصى بالصلاة والصوم عنه إذا اشتغلت ذمّته بهما.
    مسألة 24 - لا فرق في ما ذكر بين ما إذا كانت الوصيّة بكسر مشاع أو بمال معيّن أو بمقدار من المال، فكما أنّه لو أوصى بالثلث نفذت ولو أوصى بالنصف نفذت في الثلث إلّا إذا أجاز الورثة كذلك لو أوصى بمال معيّن كبستانه أو بمقدار معيّن كألف دينار، فإنّه ينسب إلى مجموع التركة، فإن لم تزد على ثلث المجموع نفذت، وإلّا تحتاج إلى إذن الورثة.
    مسألة 25 - لو كانت إجازة الورثة لما زاد على الثلث بعد موت الموصي نفذت بلا إشكال وإن ردّها قبل موته، وكذا لو أجازها قبل الموت ولم يردّها بعده؛ وأمّا لوردّها بعده فهل تنفذ الإجازة السابقة ولا أثر للردّ بعدها أم لا؟ قولان، أقواهما الأوّل.
    مسألة 26 - لو أجاز الوارث بعض الزيادة لاتمامها نفذت بمقدار ما أجاز، وبطلت في الزائد عليه.
    مسألة 27 - لو أجاز بعض الورثة دون بعضهم نفذت في حقّ المجيز في الزائد، وبطلت في حقّ غيره؛ فإذا كان للموصي ابن وبنت وأوصى لزيد بنصف ماله قسّمت التركة ثمانية عشر ونفذت في ثلثها وهو ستّة، وفي الزائد وهو ثلاثة احتاج إلى إمضاء الابن والبنت، فإن أمضى الابن دون البنت نفذت في اثنين وبطلت في واحد، وإن أمضت البنت نفذت في واحد وبطلت في اثنين.
    مسألة 28 - لو أوصى بعين معيّنة أو مقدار كلّيّ من المال - كمائة دينار - يلاحظ في كونه بمقدار الثلث أو أقلّ أو أزيد بالنسبة إلى أمواله حين الفوت لاحين الوصيّة؛ فلو أوصى بعين كانت بمقدار نصف أمواله حين الوصيّة وصارت لجهة بمقدار الثلث ممّا ترك حين الوفاة نفذت في الكلّ، ولو انعكس نفذت في مقدار الثلث ممّا ترك، وبطلت في الزائد. وهذا ممّا لا إشكال فيه. وإنّما الإشكال في ما إذا أوصى بكسر مشاع - كما إذا قال: «ثلث مالي لزيد بعد وفاتي» - ثمّ تجدّد له بعد الوصيّة أموال وأنّه هل تشمل الوصيّة الزيادات المتجدّدة بعدها أم لا؟ سيّما إذا لم تكن متوقّعة الحصول؛ والظاهر نظراً إلى شاهد الحال أنّ المراد بالمال هو الّذي لولم يوص بالثلث كان جميعه للورثة، وهو ما كان له عند الوفاة. نعم، لو كانت قرينة تدلّ على أنّ مراده الأموال الموجودة حال الوصيّة اقتصر عليها.
    مسألة 29 - الإجازة من الوارث إمضاء وتنفيذ؛ فلا يكفي فيها مجرّد الرضا وطيب النفس من دون قول أو فعل يدلّان على الإمضاء.
    مسألة 30 - لا تعتبر في الاجازة الفوريّة.
    مسألة 31 - يحسب من التركة ما يملك بالموت كالدية، وكذا ما يملك بعد الموت إذا أوجد الميّت سببه قبل موته، مثل ما يقع في الشبكة التي نصبها الميّت في زمان حياته، فيخرج منه دين الميّت ووصاياه. نعم، بعض صورها محلّ تأمّل .
    مسألة 32 - للموصي تعيين ثلثه في عين مخصوصة من التركة، وله تفويض التعيين إلى الوصيّ، فيتعيّن في ما عيّنه، ومع الإطلاق - كما لو قال: «ثلث مالي لفلان» - يصير شريكاً مع الورثة بالإشاعة، فلابدّ وأن يكون الإفراز والتعيين برضا الجميع كسائر الأموال المشتركة.
    مسألة 33 - انّما يحسب الثلث بعد إخراج ما يخرج من الأصل كالدين والواجبات الماليّة، فإن بقي بعد ذلك شي ء يخرج ثلثه.
    مسألة 34 - لو أوصى بوصايا متعدّدة غير متضادّة وكانت من نوع واحد: فإن كانت جميعاً واجبةً ماليّةً ينفذ الجميع من الأصل، وإن كانت واجبةً بدنيّةً أو كانت تبرّعيّةً تنفذ من الثلث، فإن وفى بالجميع أو زادت عليه وأجاز الورثة تنفذ في الجميع؛ وإن لم يجيزوا: فإن لم يكن بين الوصايا ترتيب وتقديم وتأخير في الذكر بل كانت مجتمعةً - كما إذا قال: «اقضوا عشرين سنةً واجباتي البدنيّة» أو «اقضوا عشرين سنةً صلواتي وصيامي» أو قال: «أعطوا زيداً وعمراً وخالداً كلّاً منهم مائة دينار» - كانت بمنزلة وصيّة واحدة، فيوزّع النقص على الجميع بالنسبة؛ فلو أوصى بمقدار من الصوم ومقدار من الصلاة ولم يف الثلث بهما وكانت اُجرة الصلاة ضعف اُجرة الصوم ينتقص من وصيّة الصلاة ضعف ما ينتقص من الصوم، كما إذا كانت التركة ثمانية عشر وأوصى بستّة لاستيجار الصلاة وثلاثة لاستيجار الصوم ولم يجز الورثة بطلتا في الثلاثة، وتوزّع النقص عليهما بالنسبة، فينتقص عن الصلاة اثنان فيصرف فيها أربعة، وعن الصوم واحد ويصرف فيه اثنان، وكذا الحال في التبرّعيّة؛ وإن كانت بينها ترتيب وتقديم وتأخير في الذكر - بأن كانت الثانية بعد تماميّة الاُولى والثالثة بعد تماميّة الثانية وهكذا - وكان المجموع أزيد من الثلث ولم يجز الورثة يبدأ بالأوّل فالأوّل إلى أن يكمل الثلث، ولغت البقيّة.
    مسألة 35 - لو أوصى بوصايا مختلفة بالنوع - كما إذا أوصى بأن يُعطى مقدار معيّن خمساً وزكاةً، ومقدار صوماً وصلاةً، ومقدار لإطعام الفقراء-: فإن أطلق ولم يذكر المخرج يبدأ بالواجب الماليّ فيخرج من الأصل، فإن بقي شي ء يعيّن ثلثه ويخرج منه البدنيّ والتبرعيّ، فإن وفى بهما أو لم يف وأجاز الورثة نفذت في كليهما، وإن لم يف ولم يجيزوا يقدّم الواجب البدنيّ ويردّ النقص على التبرعيّ؛ وإن ذكر المخرج وأوصى بأن تخرج من الثلث تقدّم الواجبات - ماليّةً كانت أو بدنيّةً- على التبرّعيّ على الأقوى. وأمّا الواجبات فلا يقدّم بعضها على بعض، بل الظاهر أنّه لو أوصى مرتّباً يقدّم المقدّم فالمقدّم إلى أن يفنى الثلث، فإن بقي من الواجب الماليّ شي ء يخرج من الأصل، وإن بقي من البدنيّ يُلغى ، وإن لم يكن بينها ترتيب يوزّع الثلث عليها، ويتمّ الواجب الماليّ من الأصل دون البدنيّ.
    مسألة 36 - لو أوصى بوصايا متضادّة بأن كانت المتأخّرة منافيةً للمتقدّمة -كما لو أوصى بعين شخصيّة لواحد ثمّ أوصى بها لآخر أو أوصى بثلثه لشخص ثمّ أوصى به لآخر - كانت اللاحقة عدولاً عن السابقة فيعمل باللاحقة. ولو أوصى بعين شخصيّة لشخص ثمّ أوصى بنصفها - مثلاً - لشخص آخر فالظاهر كون الثانية عدولاً بالنسبة إلى النصف لا التمام، فيبقى النصف الآخر للأوّل.
    مسألة 37 - متعلّق الوصيّة إن كان كسراً مشاعاً من التركة كالثلث أو الربع ملكه الموصى له بالموت والقبول، وله من كلّ شي ء ثلثه أو ربعه، وشارك الورثة فيها من حين ما ملكه. هذا في الوصيّة التمليكيّة. وأمّا في العهديّة كما إذا أوصى بصرف ثلثه أو ربع تركته في العبادات والزيارات كان الموصى به فيها باقياً على حكم مال الميّت، فهو يشارك الورثة حين ما ملكوا بالإرث؛ فكان للميّت من كلّ شي ء ثلثه أو ربعه والباقي للورثة. وهذه الشركة باقية ما لم يفرز الموصى به عن مالهم ولم تقع القسمة بينهم وبين الموصى له؛ فلو حصل نماء متّصل أو منفصل قبل القسمة كان بينهما، ولو تلف شي ء من التركة كان منهما. وإن كان ما أوصى به مالاً معيّناً يساوي الثلث أو دونه اختصّ بالموصى له، ولا اعتراض فيه للورثة، ولاحاجة إلى إجازتهم، لكن إنّما يستقرّ ملكيّة الموصى له أو الميّت في تمام الموصى به إذا كان يصل إلى الوارث ضعف ما أوصى به، فإذا كان له مال عند الورثة بهذا المقدار استقرّت ملكيّة تمام المال المعيّن، فللموصى له أو الوصيّ التصرّف فيه أنحاء التصرّفات، وإن كان ما عدا ما عيّن غائباً توقّف ذلك على حصول مثليه بيد الورثة. نعم، للموصى له أو الوصيّ التصرّف في الثلث بمثل الانتقال إلى الغير، بل لهما المطالبة بتعيين الثلث حتى يتصرّفا فيه كيف شاءا وإن لم يكن للورثة التصرّف في الثلثين بوجه من الوجوه، ولولم يحصل بيد الورثة شي ء منه شاركوا الموصى له في المال المعيّن أثلاثاً: ثلث للموصى له وثلثان للورثة.
    مسألة 38 - يجوز للموصي أن يعيّن شخصاً لتنجيز وصاياه وتنفيذها فيتعيّن، ويقال له: الموصى إليه والوصيّ. ويشترط فيه البلوغ والعقل والإسلام؛ فلا تصحّ وصاية الصغير ولا المجنون ولا الكافر عن المسلم وإن كان ذمّيّاً قريباً. وهل يشترط فيه العدالة أم يكفي الوثاقة؟ لا يبعد الثاني وإن كان الأحوط الأوّل.
    مسألة 39 - إنّما لا تصحّ وصاية الصغير منفرداً، وأمّا منضمّاً إلى الكامل فلا بأس به، فيستقلّ الكامل بالتصرّف إلى زمان بلوغه، فإذا بلغ شاركه من حينه، وليس له الاعتراض في ما أمضاه الكامل سابقاً، إلّا ماكان على خلاف ما أوصى به الميّت، فيردّه إلى ما أوصى به. ولو مات الصغير أو بلغ فاسد العقل كان للكامل الانفراد بالوصاية.
    مسألة 40 - لو طرأ الجنون على الوصيّ بعد موت الموصي فهل تبطل الوصاية أم لا؟ لا يخلو الثاني من وجه وإن لم تنفذ تصرّفاته؛ فلو أفاق جازت التصرّفات، لكنّ الأحوط نصب الحاكم إيّاه. نعم، لو كان جنونه بحيث لا يُرجى زواله فالظاهر بطلانها.
    مسألة 41 - الأحوط أن لا يردّ الابن وصيّة والده. ولا يجب على غيره قبول الوصاية، وله أن يردّها مادام الموصي حيّاً بشرط أن يبلغه الردّ وإن كان الأحوط الأولى أن لا يردّ في ما إذا لم يتمكّن الموصي من الإيصاء إلى غيره؛ فلو كان الردّ بعد موت الموصي أو قبله ولكن لم يبلغه حتّى مات كانت الوصاية لازمةً على الوصيّ وليس له الردّ، بل لولم يبلغه أنّه قد أوصى إليه وجعله وصيّاً إلّا بعد موت الموصي لزمته الوصاية وليس له ردّها.
    مسألة 42 - يجوز للموصي أن يجعل الوصاية لاثنين فما فوق؛ فإن نصّ على الاستقلال والانفراد لكلّ منهما أو كان لكلامه ظهور فيه ولو بقرينة حال أو مقال فيتّبع، وإلّا فليس لكلّ منهما الاستقلال بالتصرّف، لا في جميع ما أوصى به ولا في بعضه؛ وليس لهما أن يقسّما الثلث وينفرد كلّ منهما في نصفه، من غير فرق في ذلك بين أن يشترط عليهما الاجتماع أو يطلق. ولو تشاحّا ولم يجتمعا أجبرهما الحاكم على الاجتماع، فإن تعذّر استبدل بهما. هذا إذا لم يكن التشاحّ لاختلاف اجتهادهما ونظرهما، وإلّا فألزمهما على نظر ثالث إذا كان في أنظارهما تعطيل العمل بالوصاية، فإن امتنعا استبدل بهما، وإن امتنع أحدهما استبدل به.
    مسألة 43 - لو مات أحد الوصيّين أو طرأ عليه الجنون أو غيره ممّا يوجب ارتفاع وصايته فالأحوط مع عدم استقلال كلّ منهما ضمّ الحاكم شخصاً إليه، بل اللزوم لا يخلو من قوّة. ولوماتا معاً احتاج إلى النصب من قبله، فهل اللازم نصب اثنين أويجوز نصب واحد إذا كان كافياً؟ وجهان، أحوطهماالأوّل وأقواهما الثاني.
    مسألة 44 - يجوز أن يوصي إلى واحد في شي ء وإلى آخر في غيره، ولايشارك أحدهما الآخر.
    مسألة 45 - لو قال: «أوصيت إلى زيد فإن مات فإلى عمرو» صحّ ويكون وصيّاً بعد موته، وكذا لو قال: «أوصيت إلى زيد، فإن كبر ابني أو تاب عن فسقه أو اشتغل بالعلم فهو وصيّي» فإنّه يصحّ، وتنتهي وصاية زيد بحصول ما ذكر.
    مسألة 46 - لو ظهرت خيانة الوصيّ فعلى الحاكم عزله ونصب شخص آخر مكانه أو ضمّ أمين إليه حسب ما يراه من المصلحة. ولوظهرمنه العجزعن الاستقلال ضمّ إليه من يساعده. وأمّا إن عجز عن التدبير والعمل مطلقاً بحيث لايُرجى زواله - كالهرم الخرف - فالظاهر انعزاله، وعلى الحاكم نصب شخص آخر مكانه.
    مسألة 47 - لو لم ينجّز الوصيّ ما اُوصي إليه في حياته ليس له أن يجعل وصيّاً لتنجيزه بعد موته، إلّا إذا كان مأذوناً من الموصي في الإيصاء.
    مسألة 48 - الوصيّ أمين؛ فلا يضمن ما كان في يده إلّا مع التعدّي أو التفريط ولو بمخالفة الوصيّة، فيضمن لو تلف.
    مسألة 49 - لو أوصى إليه بعمل خاصّ أو قدر مخصوص أو كيفيّة خاصّة اقتصر عليه ولم يتجاوز إلى غيره؛ وأمّا لو أطلق بأن قال: «أنت وصيّي» من دون ذكر المتعلّق فالأقرب وقوعه لغواً، إلّا إذا كان هناك عرف خاصّ وتعارفٌ يدلّ على المراد فيتّبع، كما في عرف بعض الطوائف، حيث إنّ مرادهم بحسب الظاهر الولاية على أداء ما عليه من الديون، واستيفاء ماله على الناس، وردّ الأمانات والبضائع إلى أهلها، وإخراج ثلثه وصرفه في ما ينفعه - ولو بنظر الحاكم - من استيجار العبادات وأداء الحقوق الواجبة والمظالم ونحوها. نعم، في شموله بمجرّده للقيمومة على الأطفال تأمّل وإشكال، فالأحوط أن يكون تصدّيه لاُمورهم بإذن من الحاكم. وبالجملة: المدار هو التعارف بحيث يكون قرينةً على مراده، فيختلف باختلاف الأعصار والأمصار.
    مسألة 50 - ليس للوصيّ أن يعزل نفسه بعد موت الموصي، ولا أن يفوّض أمر الوصيّة إلى غيره. نعم، له التوكيل في بعض الاُمور المتعلّقة بها ممّا لم يتعلّق الغرض إلّا بوقوعها من أيّ مباشر كان، خصوصاً إذا كان ممّا لم يجر العادة على مباشرة أمثال هذا الوصيّ ولم يشترط عليه المباشرة.
    مسألة 51 - لو نسي الوصيّ مصرف الوصيّة مطلقاً: فإن تردّد بين أشخاص محصورين يقرع بينهم على الأقوى، أو جهات محصورة يقسّط بينها، وتحتمل القرعة، ويحتمل التخيير في صرفه في أيّ الجهات شاء منها، ولا يجوز صرفه في مطلق الخيرات على الأقرب؛ وإن تردّد بين أشخاص أو جهات غير محصورة يجوز صرفه في الخيرات المطلقة في الأوّل، والأولى عدم الخروج عن طرف الشبهة، وجهةٍ من الجهات في الثاني بشرط عدم الخروج عن أطراف الشبهة.
    مسألة 52 - لو أوصى الميّت وصيّةً عهديّةً ولم يعيّن وصيّاً أو بطل وصاية من عيّنه - بموت أو جنون أو غير ذلك - تولّى الحاكم أمرها أو عيّن من يتولّاه؛ ولولم يكن الحاكم ولا منصوبه تولّاه من المؤمنين من يوثق به.
    مسألة 53 - يجوز للموصي أن يجعل ناظراً على الوصيّ، ووظيفته تابعة لجعله: فتارةً من جهة الاستيثاق على وقوع ما أوصى به يجعل الناظر رقيباً على الوصيّ، بأن يكون أعماله باطّلاعه حتّى أنّه لو رأى منه خلاف ما قرّره الموصي لاعترض عليه، واُخرى من جهة عدم الاطمينان بأنظار الوصيّ والاطمينان بأنظار الناظر يجعل على الوصيّ أن يكون أعماله على طبق نظره، ولا يعمل إلّا ما رآه صلاحاً، فالوصيّ وإن كان وليّاً مستقلّاً في التصرّف لكنّه غير مستقلّ في الرأي والنظر، فلايمضي من أعماله إلّا ما وافق نظر الناظر؛ فلو استبدّ الوصيّ بالعمل على نظره من دون مراجعة الناظر واطّلاعه وكان عمله على طبق ما قرّره الموصي فالظاهر صحّته ونفوذه على الأوّل بخلافه على الثاني، ولعلّ الغالب المتعارف في جعل الناظر في الوصايا هو النحو الأوّل.
    مسألة 54 - يجوز للأب مع عدم الجدّ وللجدّ للأب مع فقد الأب جعل القيّم على الصغار، ومعه لاولاية للحاكم. وليس لغيرهما أن ينصب القيّم عليهم حتّى الاُمّ.
    مسألة 55 - يشترط في القيّم على الأطفال ما اشترط في الوصيّ على المال. والأحوط اعتبار العدالة وإن كان الاكتفاء بالأمانة ووجود المصلحة ليس ببعيد.
    مسألة 56 - لو عيّن الموصي على القيّم تولّي جهة خاصّة وتصرّفاً مخصوصاً اقتصر عليه، ويكون أمر غيره بيد الحاكم أو المنصوب من قبله؛ فلو جعله قيّماً في حفظ ماله وما يتعلّق بإنفاقه - مثلاً - ليس له الولاية على أمواله بالبيع والإجارة ونحوهما، وعلى نفسه بالإجارة ونحوها، وعلى ديونه بالوفاء والاستيفاء. ولوأطلق وقال: «فلانٌ قيّمٌ على أولادي» - مثلاً - كان وليّاً على جميع ما يتعلّق بهم ممّا كان للموصي الولاية عليه، فله الإنفاق عليهم بالمعروف، والإنفاق على من عليهم نفقته، وحفظ أموالهم واستنماؤها، واستيفاء ديونهم، وإيفاء ما عليهم، كأرش ما أتلفوا من أموال الناس، وكذا إخراج الحقوق المتعلّقة بأموالهم كالخمس وغير ذلك. وفي ولايته على تزويجهم كلام يأتي في محلّه إن شاء اللّه تعالى.
    مسألة 57 - يجوز جعل الولاية على الأطفال لاثنين فما زاد بالاستقلال والاشتراك، وجعل الناظر على الوصيّ كالوصيّة بالمال.
    مسألة 58 - ينفق الوصيّ على الصبيّ من غير إسراف ولا تقتير، فيطعمه ويلبسه عادة أمثاله ونظرائه؛ فإن أسرف ضمن الزيادة. ولو بلغ فأنكر أصل الإنفاق أو ادّعى عليه الإسراف فالقول قول الوصيّ بيمينه؛ وكذا لو ادّعى عليه أنّه باع ماله من غير حاجة ولا غبطة. نعم، لو اختلفا في دفع المال إليه بعد البلوغ فادّعاه الوصيّ وأنكره الصبيّ قُدّم قول الصبيّ، والبيّنة على الوصيّ.
    مسألة 59 - يجوز للقيّم الّذي يتولّى اُمور اليتيم أن يأخذ من ماله اُجرة مثل عمله، سواء كان غنيّاً أو فقيراً، وإن كان الأحوط الأولى للأوّل التجنّب. وأمّا الوصيّ على الأموال: فإن عيّن الموصي مقدار المال الموصى به وطبّقه على مصرفه المعيّن بحيث لم يُبق شيئاً لاُجرة الوصيّ واستلزم أخذها إمّا الزيادة على المال الموصى به أو النقصان في مقدار المصرف لم يجز له أن يأخذ الاُجرة لنفسه؛ وإن عيّن المال والمصرف على نحو قابل للزيادة والنقصان كان حاله حال متولّي الوقف في أنّه لو لم يعيّن له جُعلاً معيّناً جاز له ان يأخذ اُجرة مثل عمله، كما إذا أوصى بأن يصرف ثلثه أو مقداراً معيّناً من المال في بناء القناطر وتسوية المعابر وتعمير المساجد.
    مسألة 60 - الوصيّة جائزة من طرف الموصي؛ فله أن يرجع عنها مادام فيه الروح، وتبديلها من أصلها أو من بعض جهاتها وكيفيّاتها ومتعلّقاتها؛ فله تبديل الموصى به كلّاً أو بعضاً، وتغيير الوصيّ والموصى له وغير ذلك. ولو رجع عن بعض الجهات يبقى غيرها بحاله؛ فلو أوصى بصرف ثلثه في مصارف مخصوصة وجعل الوصاية لزيد ثمّ بعد ذلك عدل عن وصاية زيد وجعلها لعمرو يبقى أصل الوصيّة بحاله؛ وكذلك إذا أوصى بصرف ثلثه في مصارف معيّنة على يد زيد ثمّ بعد ذلك عدل عن تلك المصارف إلى اُخرى تبقى الوصاية على يد زيد بحالها وهكذا. وكما له الرجوع في الوصيّة المتعلّقة بالمال كذلك له الرجوع في الوصيّة بالولاية على الأطفال.
    مسألة 61 - يتحقّق الرجوع عن الوصيّة بالقول. وهو كلّ لفظ دالّ عليه عرفاً بايّ لغة كان، نحو «رجعت عن وصيّتي» أو «أبطلتها» أو «عدلت عنها» أو «نقضتها» ونحوها؛ وبالفعل. وهو إمّا بإعدام موضوعها كإتلاف الموصى به، وكذا نقله إلى الغير بعقد لازم كالبيع، أو جائزٍ كالهبة مع القبض، وإمّا بما يعدّ عند العرف رجوعاً وإن بقي الموصى به بحاله وفي ملكه، كما إذا وكّل شخصاً على بيعه.
    مسألة 62 - الوصيّة بعد ما وقعت تبقى على حالها ويعمل بها لولم يرجع الموصي وإن طالت المدّة. ولو شكّ في الرجوع ولو للشكّ في كون لفظ أو فعل رجوعاً يحكم ببقائها وعدم الرجوع. هذا إذا كانت الوصيّة مطلقةً، بأن كان مقصود الموصي وقوع مضمون الوصيّة والعمل بها بعد موته في أيّ زمان قضى اللّه عليه. وأمّا لو كانت مقيّدةً بموته في سفر كذا أو عن مرض كذا ولم يتّفق موته في ذلك السفر أو عن ذلك المرض بطلت تلك الوصيّة. ولو أوصى في جناح سفر أو في حال مرض ونحوهما وقامت قرائن حاليّة أو مقاليّة على عدم الإطلاق وأنّ نظره مقصور على موته في هذه الأحوال لا يجوز العمل بها، وإلّا فالأقرب الأخذ بها والعمل عليها ولو مع طول المدّة إلّا إذا نسخها، سيّما إذا ظهر من حاله أنّ عدم الإيصاء الجديد لأجل الاعتماد على الوصيّة السابقة، كما إذا شوهد منه المحافظة على ورقة الوصيّة مثلاً.
    مسألة 63 - لا تثبت الوصيّة بالولاية - سواء كانت على المال أو على الأطفال- إلّا بشهادة عدلين من الرجال. ولا تقبل فيها شهادة النساء لا منفردات ولا منضمّات بالرجال. وأمّا الوصيّة بالمال فهي كسائر الدعاوي الماليّة تثبت بشهادة رجلين عدلين، وشاهد ويمين، وشهادة رجل عدل وامرأتين عادلتين. وتمتاز من بين الدعاوي الماليّة بأمرين: أحدهما: أنّها تثبت بشهادة النساء منفردات وإن لم تكمل أربع ولم تنضمّ اليمين، فتثبت ربعها بواحدة عادلة، ونصفها باثنتين، وثلاثة أرباعها بثلاث، وتمامها بأربع. ثانيهما: أنّها تثبت بشهادة رجلين ذمّيّين عدلين في دينهما عند الضرورة وعدم عدول المسلمين. ولا تقبل شهادة غير أهل الذمّة من الكفّار.
    مسألة 64 - لو كانت الورثة كباراً وأقرّوا كلّهم بالوصيّة بالثلث وما دونه لوارث أو أجنبيّ أو بأن يصرف في مصرف تثبت في تمام الموصى به، ويُلزمون بالعمل بها أخذاً بإقرارهم، ولا يحتاج إلى بيّنة. وإن أقرّبها بعضهم دون بعض: فإن كان المقرّ اثنين عدلين تثبت أيضاً في التمام، لكونه إقراراً بالنسبة إلى المقرّ وشهادةً بالنسبة إلى غيره، فلا يحتاج إلى بيّنة اُخرى؛ وإلّا تثبت بالنسبة إلى حصّة المقرّ، ويحتاج إلى البيّنة في الباقين. نعم، لو كان المقرّ عدلاً واحداً وكانت الوصيّة بالمال لشخص أو أشخاص كفى ضمّ يمين المقرّله بإقرار المقرّ في ثبوت التمام؛ بل لوكان امرأة واحدة عادلة تثبت في ربع حصّة الباقين على حذو ما تقدّم في المسألة السابقة. وبالجملة: المقرّ من الورثة شاهد بالنسبة إلى حصص الباقين كالأجنبيّ، فيثبت به ما يثبت به.
    مسألة 65 - لو أقرّ الوارث بأصل الوصيّة كان كالأجنبيّ، فليس له إنكار وصاية من يدّعيها، ولا يسمع منه كغيره. نعم، لو كانت الوصيّة متعلّقةً بالقصّر، أو العناوين العامّة كالفقراء، أو وجوه القرب كالمساجد والمشاهد، أو الميّت نفسه كاستيجار العبادات والزيارات له ونحو ذلك، كان لكلّ من يعلم كذب مدّعي الوصاية - خصوصاً إذا رأى منه الخيانة - الإنكار عليه والترافع معه عند الحاكم من باب الحسبة؛ لكن الوارث والأجنبيّ في ذلك سيّان إلّا في ما تعلّقت باُمور الميّت، فإنّه لا يبعد أولويّة الوارث من غيره، واختصاص حقّ الدعوى به مقدّماً على غيره.
    مسألة 66 - قد مرّ في كتاب الحجر أنّ الوصيّة نافذة في الثلث، وفي الزائد يتوقّف على إمضاء الوارث، والمنجّزات نافذة في الأصل حتّى من المريض في مرض موته، وحتّى المجّانيّة والمحاباتيّة على الأقوى.
    مسألة 67 - لو جمع في مرض الموت بين عطيّة منجّزة ومعلّقة على الموت: فإن وفى الثلث بهما لا إشكال في نفوذهما في تمام ما تعلّقتا به؛ وإن لم يفِ بهما يبدأ بالمنجّزة، فتخرج من الأصل، وتخرج المعلّقة من ثلث ما بقي مع عدم إذن الورثة.

  • كتاب الايمان والنذور
    • القول في اليمين

       

      القول في اليمين

      ويطلق عليها الحلف والقسم. وهي ثلاثة أقسام:
      الأوّل: ما يقع تأكيداً وتحقيقاً للإخبار بوقوع شي ء ماضياً أو حالاً أو استقبالاً.
      الثاني: يمين المناشدة. وهي مايُقرن به الطلب والسؤال يُقصد بها حثّ المسؤول على إنجاح المقصود، كقول السائل: «أسألك باللّه أن تفعل كذا».
      الثالث: يمين العقد. وهي ما يقع تأكيداً وتحقيقاً لما بنى عليه والتزم به من إيقاع أمر أو تركه في الآتي، كقوله: «واللّه لأصومنّ» أو «... لأتركنّ شرب الدخان» مثلاً.
      لا إشكال في أنّه لا ينعقد القسم الأوّل، ولا يترتّب عليه شي ء سوى الإثم في ما كان كاذباً في إخباره عن عمد. وكذا لا ينعقد القسم الثاني، ولا يترتّب عليه شي ء من إثم أو كفّارة، لا على الحالف في إحلافه، ولا على المحلوف عليه في حنثه وعدم إنجاح مسؤوله. وأمّا القسم الثالث فهو الّذي ينعقد عند اجتماع الشرائط الآتية، ويجب برّه والوفاء به، ويحرم حنثه، ويترتّب على حنثه الكفّارة.
      مسألة 1 - لا تنعقد اليمين إلّا باللفظ أو ما يقوم مقامه كإشارة الأخرس. ولاتنعقد بالكتابة على الأقوى. والظاهر أنّه لا يعتبر فيها العربيّة، خصوصاً في متعلّقاتها.
      مسألة 2 - لا تنعقد اليمين إلّا إذا كان المقسم به هو اللّه - جلّ شأنه - إمّا بذكر اسمه العلميّ المختصّ به كلفظ الجلالة، ويلحق به ما لا يطلق على غيره كالرحمان، أو بذكر الأوصاف والأفعال المختصّة به الّتي لا يشاركه فيها غيره، كقوله: «ومقلّب القلوب والأبصار» «والّذي نفسي بيده» «والّذي فلق الحبّة وبرأ النسمة» وأشباه ذلك، أو بذكر الأوصاف والأفعال المشتركة الّتي تطلق عليه تعالى وعلى غيره لكنّ الغالب إطلاقها عليه بحيث ينصرف عند الإطلاق إليه تعالى، كالربّ والخالق والبارئ والرازق والرحيم. ولاتنعقد بما لاينصرف إليه،كالموجود والحيّ والسميع والبصيروالقادر وإن نوى بها الحلف بذاته المقدّسة على إشكال، فلايترك الاحتياط.
      مسألة 3 - المعتبر في انعقاد اليمين أن يكون الحلف باللّه تعالى لا بغيره؛ فكلّ ما صدق عرفاً أنّه حلفٌ به تعالى انعقدت اليمين به. والظاهر صدق ذلك بأن يقول: «وحقّ اللّه»، و«بجلال اللّه»، و«بعظمة اللّه»، و«بكبرياء اللّه»، و«لعمراللّه». وفي انعقادها بقوله: «بقدرة اللّه» و«بعلم اللّه» تأمّل وإن لا يخلو من قرب.
      مسألة 4 - لا يعتبر في انعقادها أن يكون إنشاء القسم بحروفه، بأن يقول: واللّه أو باللّه أو تاللّه لأفعلنّ كذا؛ بل لو أنشأه بصيغتي القسم والحلف كقوله: «أقسمت باللّه» أو «حلفت باللّه» انعقدت أيضاً. نعم، لا يكفي لفظا «أقسمت» و«حلفت» بدون لفظ الجلالة أو ما هو بمنزلته.
      مسألة 5 - لا تنعقد اليمين بالحلف بالنبيّ 9 والأئمّة: وسائر النفوس المقدّسة المعظّمة، ولا بالقرآن الكريم ولابالكعبة المشرّفة وسائرالأمكنة المحترمة.
      مسألة 6 - لا تنعقد اليمين بالطلاق ونحوه بأن يقول: «زوجتي طالق إن فعلت كذا» أو «إن لم أفعل»؛ فلا يؤثّر مثل هذه اليمين لا في حصول الطلاق ونحوه بالحنث، ولا في ترتّب إثم أو كفّارة عليه. وكذا اليمين بالبراءة من اللّه تعالى أو من رسوله 9 أو من دينه أو من الأئمّة:، بأن يقول مثلاً: برئت من اللّه أو من دين الإسلام إن فعلت كذا أو لم أفعل كذا؛ فلا يؤثّر في ترتّب الإثم أو الكفّارة على حنثه. نعم، هذا الحلف بنفسه حرام، ويأثم حالفه؛ من غير فرق بين الصدق والكذب والحنث وعدمه، بل الأحوط تكفير الحالف بإطعام عشرة مساكين لكلّ مسكين مدّ، ويستغفر اللّه تعالى شأنه. وكذا لا تنعقد بأن يقول: «إن لم أفعل كذا فأنا يهوديّ أو نصرانيّ» مثلاً.
      مسألة 7 - لو علّق اليمين على مشيّة اللّه تعالى بأن قال: «واللّه لأفعلنّ كذا إن شاء اللّه» وكان المقصود التعليق على مشيّته تعالى - لا مجرّد التبرّك بهذه الكلمة- لاتنعقد، حتّى في ما كان المحلوف عليه فعل واجب أو ترك حرام، بخلاف ما إذا علّق على مشيّة غيره، بأن قال: «واللّه لأفعلنّ كذا إن شاء زيد» مثلاً، فإنّه تنعقد على تقدير مشيّته، فإن قال زيد: «أنا شئت أن تفعل كذا» انعقدت ويتحقّق الحنث بتركه، وإن قال: «لم أشأ» لم تنعقد، ولو لم يعلم أنّه شاء أولا لا يترتّب عليه أثر وحنث. وكذا الحال لو علّق على شي ء آخر غير المشيّة، فإنّه تنعقد على تقدير حصول المعلّق عليه، فيحنث لو لم يأت بالمحلوف عليه على ذلك التقدير.
      مسألة 8 - يعتبر في الحالف البلوغ والعقل والاختيار والقصد وانتفاء الحجر في متعلّقه، فلا تنعقد يمين الصغير والمجنون مطبقاً أو أدواريّاً حال دوره، ولاالمكره ولا السكران، بل ولا الغضبان في شدّة الغضب السالب للقصد، ولاالمحجور عليه في ما حجر عليه.
      مسألة 9 - لا تنعقد يمين الولد مع منع الوالد، ولا يمين الزوجة مع منع الزوج، إلّا أن يكون المحلوف عليه فعل واجب أو ترك حرام وكان المنع متوجّهاً إليه، وأمّا إذا كان متوجّهاً إلى الحلف فلا يبعد عدم انعقاده. ولو حلفا في غير ذلك كان للأب أو الزوج حلّ اليمين وارتفع أثرها، فلا حنث ولا كفّارة عليه. وهل يشترط إذنهما ورضاهما في انعقاد يمينهما حتّى أنّه لولم يطّلعا على حلفهما أو لم يحلّا مع علمهما لم تنعقد أصلاً، أو لا بل كان منعهما مانعاً عن انعقادها وحلّهما رافعاً لاستمرارها فتصحّ وتنعقد في الصورتين المزبورتين؟ قولان، أوّلهما لا يخلو من رجحان، فحينئذٍ لا يبعد عدم الانعقاد بدون إذنهما، حتّى في فعل واجب أو ترك حرام، لكن لا يترك الاحتياط خصوصاً فيهما.
      مسألة 10 - لا إشكال في انعقاد اليمين لو تعلّقت بفعل واجب أو مستحبّ أو بترك حرام أو مكروه، وفي عدم انعقادها لو تعلّقت بفعل حرام أو مكروه أو بترك واجب أو مستحبّ. وأمّا المباح المتساوي الطرفين في نظر الشرع: فإن ترجّح فعله على تركه بحسب المنافع والأغراض العقلائيّة الدنيويّة أو العكس فلا إشكال في انعقادها إذا تعلّقت بطرفه الراجح، وعدم انعقادها لو تعلّقت بطرفه المرجوح، ولوساوى طرفاه بحسب الدنيا أيضاً فهل تنعقد إن تعلّقت به فعلاً أو تركاً؟ قولان، أشهرهما وأحوطهما أوّلهما، بل لا يخلو من قوّة.
      مسألة 11 - كما لا تنعقد اليمين على ما كان مرجوحاً تنحلّ إن تعلّقت براجح ثمّ صار مرجوحاً. ولو عاد إلى الرجحان لم تعد اليمين بعد انحلالها على الأقوى.
      مسألة 12 - إنّما تنعقد اليمين على المقدور دون غيره. ولو كان مقدوراً ثمّ طرأ عليه العجز بعدها انحلّت إذا كان عجزه في تمام الوقت المضروب للمحلوف عليه، أو أبداً إذا كان الحلف مطلقاً. وكذا الحال في العسر والحرج الرافعين للتكليف.
      مسألة 13 - إذا انعقدت اليمين وجب عليه الوفاء بها، وحرمت عليه مخالفتها، ووجبت الكفّارة بحنثها. والحنث الموجب للكفّارة هي المخالفة عمداً؛ فلو كانت جهلاً أو نسياناً أو اضطراراً أو إكراهاً فلا حنث ولا كفّارة.
      مسألة 14 - لو كان متعلّق اليمين فعلاً كالصلاة والصوم: فإن عيّن له وقتاً تعيّن، وكان الوفاء بها بالإتيان به في وقته، وحنثها بعدم الإتيان فيه وإن أتى به في وقت آخر؛ وإن أطلق كان الوفاء بها بإيجاده في أيّ وقت كان ولو مرّة واحدة، وحنثها بتركه بالمرّة. ولا يجب التكرار ولا الفور والبدار. ويجوز له التأخير ولو بالاختيار إلى أن يظنّ الفوت لظنّ طروّ العجز أو عروض الموت. وإن كان متعلّقها الترك كما إذا حلف أن لا يشرب الدخان مثلاً: فإن قيّده بزمان كان حنثها بإيجاده ولو مرّةً في ذلك الزمان؛ وإن أطلق كان مقتضاه التأبيد مدّة العمر، فلو أتى به مدّته ولو مرّةً تحقّق الحنث.
      مسألة 15 - لوكان المحلوف عليه الإتيان بعمل كصوم يوم سواء كان مقيّداً بزمان كصوم يوم من شعبان أو مطلقاً لم يكن له إلّا حنث واحد بتركه في الوقت المضروب أو مطلقاً. وكذلك إذا كان ترك عملٍ على الإطلاق - سواء قيّده بزمان أم لا- فالوفاء بها بتركه في الوقت المضروب أو مطلقاً، وحنثها بإيقاعه ولو مرّةً واحدة؛ فلو أتى به حنث وانحلّت اليمين، فلو أتى به مراراً لم يحنث إلّا مرّةً واحدة، فلا تتكرّر الكفّارة. والأقوى أنّ الأمر كذلك لو حلف على أن يصوم كلّ خميس، أو حلف أن لا يشرب الدخان كلّ جمعة، فلا يتكرّر الحنث والكفّارة لو ترك الصوم في أكثر من يوم، أو شرب الدخان في أكثر من جمعة، وتنحلّ اليمين بالمخالفة الاُولى، والاحتياط حسن.
      مسألة 16 - كفّارة اليمين عتق رقبة أو إطعام عشرة مساكين أو كسوتهم، فإن لم يقدر فصيام ثلاثة أيّام، وسيجي ء تفصيلها في الكفّارات إن شاء اللّه تعالى.
      مسألة 17 - الأيمان الصادقة كلّها مكروهة، سواء كانت على الماضي أو المستقبل. نعم، لو قصد بها دفع مظلمة عن نفسه أو غيره من إخوانه جاز بلا كراهة ولو كذباً، بل ربما تجب اليمين الكاذبة لدفع ظالم عن نفسه أو عرضه أو عن نفس مؤمن أو عرضه. والأقوى عدم وجوب التورية وإن أحسنها.
      مسألة 18 - الأقوى جواز الحلف بغير اللّه في الماضي والمستقبل وإن لم يترتّب على مخالفته إثم ولا كفّارة، كما أنّه ليس قسماً فاصلاً في الدعاوي والمرافعات.

    • القول في النذر

       

      القول في النذر

      مسألة ۱ - النذر هو الالتزام بعمل للّه تعالى على نحو مخصوص. ولا ينعقد بمجرّد النيّة، بل لابدّ من الصيغة. وهي ما كان مفادها جعل فعل أو تركٍ على ذمّته للّه تعالى، بأن يقول: «للّه عليّ أن أصوم أو أن أترك شرب الخمر» مثلاً. وهل يعتبر في الصيغة قول: «للّه» بالخصوص أو يجزي غير هذه اللفظة من أسمائه المختصّة كما تقدّم في اليمين؟ الظاهر هو الثاني. ولا يبعد انعقاده بما يرادف القول المزبور من كلّ لغة، خصوصاً لمن لا يُحسن العربيّة. ولو اقتصر على قوله: «عليّ كذا» لم ينعقد وإن نوى في ضميره معنى «للّه». ولو قال: «نذرت للّه أن أصوم» مثلاً أو «للّه عليّ نذر صوم يوم» مثلاً لم ينعقد على إشكال، فلا يترك الاحتياط.
      مسألة ۲ - يشترط في الناذر البلوغ والعقل والاختيار والقصد وانتفاء الحجر في متعلّق نذره؛ فلا ينعقد نذر الصبيّ وإن كان مميّزاً وبلغ عشراً، ولا المجنون ولو أدواريّاً حال دوره، ولا المكره، ولا السكران، بل ولا الغضبان غضباً رافعاً للقصد، ولا السفيه المحجور عليه إن كان المنذور مالاً ولو في ذمّته، ولا المفلّس المحجور عليه إن كان المنذور من المال الّذي حُجر عليه وتعلّق به حقّ الغرماء.
      مسألة ۳ - لا يصحّ نذر الزوجة مع منع الزوج وإن كان متعلّقاً بمالها ولم يكن العمل به مانعاً عن حقّه، بل الظاهر اشتراط انعقاده بإذنه. ولو أذن لها فنذرت انعقد، وليس له بعد ذلك حلّه ولا المنع عن الوفاء به. ولا يشترط نذر الولد بإذن والده على الأظهر؛ وليس له حلّه ولا منعه عن الوفاء به.
      مسألة 4 - النذر إمّا نذر برّ ويقال له: نذر المجازاة، وهو ما علّق على أمر إمّا شكراً لنعمة دنيويّة أو اُخرويّة، كأن يقول: «إن رُزقت ولداً فللّه عليّ كذا» أو «إن وُفّقت لزيارة بيت اللّه فللّه عليّ كذا»؛ وإمّا استدفاعاً لبليّة، كأن يقول: «إن شفى اللّه مريضي فللّه عليّ كذا»؛ وإمّا نذر زجر، وهو ما علّق على فعل حرام أو مكروه زجراً للنفس عن ارتكابهما، مثل أن يقول: «إن تعمّدت الكذب أو بُلت في الماء فللّه عليّ كذا»، أو على ترك واجب أو مستحبّ زجراً لها عن تركهما؛ وإمّا نذر تبرّع، وهو ما كان مطلقاً ولم يعلّق على شي ء، كأن يقول: «للّه عليّ أن أصوم غداً».
      لا إشكال ولا خلاف في انعقاد الأوّلين، وفي انعقاد الأخير قولان، أقواهما الانعقاد.
      مسألة 5 - يشترط في متعلّق النذر مطلقاً أن يكون مقدوراً للناذر؛ وأن يكون طاعةً للّه تعالى، صلاةً أو صوماً أو حجّاً ونحوها ممّا يعتبر في صحّتها القربة؛ أو أمراً ندب إليه الشرع ويصحّ التقرّب به، كزيارة المؤمنين وتشييع الجنازة وعيادة المرضى وغيرها؛ فينعقد في كلّ واجب أو مندوب ولو كفائيّاً إذا تعلّق بفعله، وفي كلّ حرام أو مكروه إذا تعلّق بتركه. وأمّا المباح كما إذا نذر أكل طعام أو تركه: فإن قصد به معنىً راجحاً - كما لو قصد بأكله التقوّي على العبادة أو بتركه منع النفس عن الشهوة - فلا إشكال في انعقاده، كما لا إشكال في عدم الانعقاد في ما إذا صار متعلّقه -فعلاً أو تركاً- بسبب اقترانه ببعض العوارض مرجوحاً ولو دنيويّاً؛ وأمّا إذا لم يقصد به معنىً راجحاً ولم يطرأ عليه ما يوجب رجحانه أو مرجوحيّته فالظاهر عدم انعقاده، لكن لا ينبغي ترك الاحتياط فيه.
      مسألة 6 - قد عرفت أنّ النذر إمّا معلّق على أمر أو لا. والأوّل على قسمين: نذر شكر ونذر زجر. فليعلم أن المعلّق عليه في نذر الشكر إمّا من فعل الناذر أو من فعل غيره أو من فعل اللّه تعالى؛ ولا بدّ في الجميع من أن يكون أمراً صالحاً لأن يشكر عليه حتى يقع المنذور مجازاةً له. فإن كان من فعل الناذر فلابدّ أن يكون طاعةً للّه تعالى من فعل واجب أو مندوب أو ترك حرام أو مكروه، فيلتزم بالمنذور شكراً للّه تعالى حيث وفّقه عليها؛ فلو علّقه شكراً على ترك واجب أو مندوب أو فعل حرام أو مكروه لم ينعقد. وإن كان من فعل غيره فلابدّ أن يكون فيه منفعة دينيّة أو دنيويّة للناذر صالحة للشكر عليها شرعاً أو عرفاً. ولا ينعقد في عكسه، مثل أن يقول: «إن شاع بين الناس المنكرات فللّه عليّ كذا». وإن كان من فعل اللّه تعالى لزم أن يكون أمراً يسوغ تمنّيه، ويحسن طلبه منه تعالى، كشفاء مريض أو هلاك عدوّ دينيّ أو أمنٍ في البلاد ونحوها؛ فلا ينعقد في عكسه، كما إذا قال: «إن أهلك اللّه هذا المؤمن الصالح» أو قال: «إن وقع القحط في البلاد فكذا». وأمّا نذر الزجر فلابدّ وأن يكون الشرط والمعلّق عليه فعلاً أو تركاً اختياريّاً للناذر وكان صالحاً لأن يُزجر عنه حتّى يقع النذر زاجراً عنه، كفعل حرام أو مكروه أو ترك واجب أو مندوب.
      مسألة 7 - إن كان الشرط فعلاً اختياريّاً للناذر فالنذر المعلّق عليه قابل لأن يكون نذر شكر وأن يكون نذر زجر، والمائز هو القصد. مثلاً لو قال: «إن شربت الخمر فللّه عليّ كذا» وكان في مقام زجر النفس وصرفها عن الشرب وإنّما أوجب على نفسه شيئاً على تقدير شربه ليكون زاجراً عنه فهو نذر زجر فينعقد، وإن كان في مقام تنشيط النفس وترغيبها وقد جعل المنذور جزاءً لصدوره منه وتهيّؤ أسبابه له كان نذر شكر، فلا ينعقد.
      مسألة 8 - لو نذر الصلاة أو الصوم أو الصدقة في زمان معيّن تعيّن؛ فلو أتى بها في غيره لم يجز. وكذا لو نذرها في مكان فيه رجحان؛ فلا يجزي في غيره وإن كان أفضل. ولو نذرها في مكان ليس فيه رجحان ففي انعقاده وتعيّنه وجهان بل قولان، أقواهما الانعقاد. نعم، لو نذر إيقاع بعض فرائضه أو بعض نوافله الراتبة -كصلاة الليل أو صوم شهر رمضان مثلاً- في مكان أو بلد لا رجحان فيه بحيث لم يتعلّق النذر بأصل الصلاة والصيام بل بإيقاعهما في المكان الخاصّ فالظاهر عدم انعقاده. هذا إذا لم يطرأ عليه عنوان راجح، مثل كونه أفرغ للعبادة أو أبعد عن الرياء ونحو ذلك، وإلّا فلا إشكال في الانعقاد.
      مسألة 9 - لو نذر صوماً ولم يعيّن العدد كفى صوم يوم. ولو نذر صلاةً ولم يعيّن الكيفيّة والكمّيّة فلايبعد إجزاء ركعةالوتر، إلّا أن يكون قصده غيرالرواتب فلايجزي إلّا الإتيان بركعتين، ولو نذر صدقةً ولم يعيّن جنسها ومقدارها كفى أقلّ ما يتناوله الاسم. ولو نذر أن يأتي بفعل قربيّ يكفي كلّ ما هو كذلك ولو تسبيحةً واحدةً، أو الصلاة على النبيّ وآله صلوات اللّه عليهم، أو التصدّق بشي ء، إلى غير ذلك.
      مسألة 10 - لو نذر صوم عشرة أيّام مثلاً: فإن قيّد بالتتابع أو التفريق تعيّن، وإلّا تخيّر بينهما. وكذا لو نذر صيام سنة فإنّ الظاهر مع الإطلاق كفاية اثني عشر شهراً ولو متفرّقاً؛ بل وكذا لو نذر صيام شهر يكفي ظاهراً صيام ثلاثين يوماً ولو متفرّقاً، كما يكفي صوم ما بين الهلالين من شهر ولو ناقصاً، وله أن يأتي بالشهر ملفّقاً، فيشرع في أثناء شهر ويكمّل من الثاني مقدار ما مضى من الشهر الأوّل. نعم، لو أتى به متفرّقاً لا يجوز الاكتفاء بمقدار الشهر الناقص.
      مسألة 11 - لو نذر صيام سنة معيّنة استثني منها العيدان، فيفطر فيهما، ولا قضاء عليه؛ وكذا يفطر في الأيّام الّتي عرض فيها ما لا يجوز معه الصيام: من مرض أو حيض أو نفاس أو سفر، لكن يجب القضاء على الأقوى.
      مسألة 12 - لو نذر صوم كلّ خميس - مثلاً - فصادف بعضها أحد العيدين أو أحد العوارض المبيحة للإفطار - من مرض أو حيض أو نفاس أو سفر - أفطر، ويجب عليه القضاء على الأقوى في غير العيدين والسفر، وعلى الأحوط فيهما وإن لا يخلو من قوّة بالنسبة إلى العيدين.
      مسألة 13 - لو نذر صوم يوم معيّن فأفطره عمداً يجب قضاؤه مع الكفّارة.
      مسألة 14 - لو نذر صوم يوم معيّن جاز له السفر وإن كان غير ضروريّ، ويفطر ثمّ يقضيه ولا كفّارة عليه.
      مسألة 15 - لو نذر زيارة أحد الأئمّة: أو بعض الصالحين لزم، ويكفي الحضور والسلام على المزور. والظاهر عدم وجوب غسل الزيارة وصلاتها مع عدم ذكرهما فيه. وإن عيّن إماماً لم يجز غيره وإن كانت زيارته أفضل؛ كما أنّه لو عجز عن زيارة من عيّنه لم يجب زيارة غيره بدلاً عنه. وإن عيّن للزيارة زماناً تعيّن؛ فلو تركها في وقتها عامداً حنث وتجب الكفّارة، والأقوى عدم وجوب القضاء.
      مسألة 16 - لو نذر أن يحجّ أو يزور الحسين 7 ماشياً انعقد مع القدرة وعدم الضرر؛ فلو حجّ أو زار راكباً مع القدرة على المشي: فإن كان النذر مطلقاً ولم يعيّن الوقت أعاد ماشياً، وإن عيّن وقتاً وفات عمداً حنث وعليه الكفّارة، والأقوى عدم وجوب القضاء؛ وكذلك الحال لو ركب في بعض الطريق ومشى في بعضه.
      مسألة 17 - ليس لمن نذر الحجّ أو الزيارة ماشياً أن يركب البحر أو يسلك طريقاً يحتاج إلى ركوب السفينة ونحوها ولو لأجل العبور من الشطّ ونحوه. ولو انحصر الطريق في البحر: فإن كان كذلك من أوّل الأمر لم ينعقد، إلّا إذا كان مراده في ما يمكن المشي، فيجب في سائر الطريق؛ وإن طرأ ذلك بعد النذر: فإن كان مطلقاً وتوقّع المكنة من طريق البرّ والمشي منه في ما بعد انتظر، وإن كان معيّناً وطرأ ذلك في الوقت أو مطلقاً ولم يتمكّن مطلقاً سقط عنه ولا شي ء عليه.
      مسألة 18 - لو طرأ لناذر المشي العجز عنه في بعض الطريق دون بعض فالأحوط لولم يكن الأقوى أن يمشي مقدار ما يستطيع ويركب في البعض؛ والأحوط الأولى سياق بدنة في نذر الحجّ. ولو اضطرّ إلى ركوب السفينة فالأحوط أن يقوم فيها بقدر الإمكان.
      مسألة 19 - لو نذر التصدّق بعين شخصيّة تعيّنت، ولا يجزي مثلها أو قيمتها مع وجودها. ومع التلف: فإن كان لا بإتلاف منه انحلّ النذر ولا شي ء عليه، وإن كان بإتلاف منه ضمنها بالمثل أو القيمة على الأحوط فيتصدّق بالبدل، ويكفّر أيضاً على الأقوى إن كان الإتلاف اختياريّاً عمديّاً.
      مسألة 20 - لو نذر الصدقة على شخص معيّن لزم، ولا يملك المنذور له الإبراء منه؛ فلا يسقط عن الناذر بإبرائه. ولا يلزم على المنذور له القبول؛ فإن امتنع عنه لايبعد عدم انحلال النذر، إلّا إذا امتنع في تمام الوقت المضروب له في الموقّت ومطلقاً في غيره؛ فلو رجع عن امتناعه في الموقّت قبل خروج وقته وفي غيره يجب التصدّق عليه. نعم، لو كان نذره الصدقة بعين معيّنة فامتنع عن قبولها جاز له إتلافها، ولا ضمان عليه لو رجع ولا كفّارة. ولو مات الناذر قبل أن يفي بالنذر يخرج من أصل تركته؛ وكذا كلّ نذر تعلّق بالمال كسائر الواجبات الماليّة. ولو مات المنذور له قبل أن يتصدّق عليه قام وارثه مقامه على احتمال مطابق للاحتياط، سيّما إذا كان متعلّق النذر إعطاء شي ء معيّن فمات قبل قبضه.
      مسألة 21 - لو نذر شيئاً لمشهد من المشاهد المشرّفة صرفه في مصالحه، كتعميره وضيائه وطيبه وفرشه؛ والأحوط عدم التجاوز عن نحو تلك المصالح. ولو نذر شيئاً للإمام 7 أو بعض أولاده فالظاهر جواز صرفه في سبل الخير بقصد رجوع ثوابه إلى المنذور له، من غير فرق بين الصدقة على المساكين وإعانة الزائرين وغيرهما من وجوه الخير كبناء المسجد والقنطرة ونحو ذلك، وإن كان الأحوط الاقتصار على معونة زوّارهم وصلة من يلوذ بهم - من المجاورين المحتاجين والصلحاء من الخدّام المواظبين بشؤون مشاهدهم - وإقامة مجالس تعزيتهم. هذا إذا لم يكن في قصد الناذر جهة خاصّة أو انصراف إلى جهة خاصّة، وإلّا اقتصر عليها.
      مسألة 22 - لو عيّن شاةً للصدقة أو لأحد الأئمّة: أو لمشهد من المشاهد ونحو ذلك يتبعها نماؤها المتّصل كالسمن، وأمّا المنفصل فلا يترك الاحتياط في الحمل واللبن، بل لا يخلو من وجه؛ وأمّا النتاج الموجود قبل النذر واللبن المحلوب كذلك فلمالكه.
      مسألة 23 - لو نذر التصدّق بجميع ما يملكه لزم؛ فإن شقّ عليه قوّم الجميع بقيمة عادلة على ذمّته وتصرّف في أمواله بما شاء وكيف شاء، ثمّ يتصدّق عمّا في ذمّته شيئاً فشيئاً ويحسب إلى أن يوفي التمام، فإن بقي منه شي ء أوصى بأن يؤدّى ممّا تركه بعد موته.
      مسألة 24 - لو عجز الناذر عن المنذور - في وقته إن كان موقّتاً، ومطلقاً إن كان مطلقاً - انحلّ نذره وسقط عنه ولا شي ء عليه. نعم، لو نذر صوماً فعجز عنه تصدّق عن كلّ يوم بمُدّ من طعام على الأقوى، والأحوط مُدّان.
      مسألة 25 - النذر كاليمين في أنّه إذا تعلّق بإيجاد عمل - من صوم أو صلاة أو صدقة أو غيرها - فإن عيّن له وقتاً تعيّن، ويتحقّق الحنث، وتجب الكفّارة بتركه فيه، فإن كان صوماً يجب قضاؤه على الأقوى، وإن كان صلاةً يقضيها على الأحوط، وأمّا غيرهما فالظاهر عدم وجوبه؛ وإن كان مطلقاً كان وقته العمر، وجاز له التأخير إلى أن يظنّ بالوفاة فيتضيّق، ويتحقّق الحنث بتركه مدّة الحياة. هذا إذا كان المنذور فعل شي ء. وإن كان ترك شي ء ففي الموقّت حنثه بإيجاده فيه ولو مرّةً، وفي المطلق بإيجاده مدّة حياته ولو مرّةً، ولو أتى به تحقّق الحنث وانحلّ النذر، كما مرّ في اليمين.
      مسألة 26 - إنّما يتحقّق الحنث الموجب للكفّارة بمخالفة النذر اختياراً؛ فلو أتى بشي ء تعلّق النذر بتركه نسياناً أو جهلاً أو اضطراراً أو إكراهاً لم يترتّب عليه شي ء، بل الظاهر عدم انحلال النذر به، فيجب الترك بعد ارتفاع العذر لو كان النذر مطلقاً أو موقّتاً وقد بقي الوقت.
      مسألة 27 - لو نذر إن برئ مريضه أو قدم مسافره صام يوماً - مثلاً - فبان أنّ المريض برئ والمسافر قدم قبل النذر لم يلزم.
      مسألة 28 - كفّارة حنث النذر ككفّارة من أفطر يوماً من شهر رمضان على الأقوى.

    • القول في العهد

       

      القول في العهد

      لا ينعقد العهد بمجرّد النيّة، بل يحتاج إلى الصيغة على الأقوى، وصورتها: «عاهدت اللّه» أو «عليّ عهد اللّه». ويقع مطلقاً ومعلّقاً على شرط كالنذر. والظاهر أنّه يعتبر في المعلّق عليه إن كان مشروطاً ما اعتبر فيه في النذر المشروط. وأمّا ما عاهد عليه فهو بالنسبة إليه كاليمين يعتبر فيه أن لا يكون مرجوحاً ديناً أو دُنيا. ولايعتبر فيه الرجحان فضلاً عن كونه طاعةً؛ فلو عاهد على فعل مباح لزم، ولو عاهد على فعل كان تركه أرجح أو على ترك أمر كان فعله أولى ولو من جهة الدنيا لم ينعقد، ولولم يكن كذلك حين العهد ثمّ طرأ عليه ذلك انحلّ.
      مسألة - مخالفة العهد بعد انعقاده توجب الكفّارة، والأظهر أنّ كفّارتها كفّارة من أفطر يوماً من شهر رمضان.

  • كتاب الكفارات
    • القول في أقسامها

       

      القول في أقسامها

      وهي على أربعةأقسام: مرتّبة، ومخيّرة، ومااجتمع فيه الأمران، وكفّارةالجمع.
      أمّا المرتّبة فهي ثلاث: كفّارة الظهار، وكفّارة قتل الخطأ، يجب فيهما العتق؛ فإن عجز فصيام شهرين متتابعين، فإن عجز فإطعام ستّين مسكيناً، وكفّارة من أفطر يوماً من قضاء شهر رمضان بعد الزوال، وهي إطعام عشرة مساكين، فإن عجز فصيام ثلاثة أيّام، والأحوط كونها متتابعات.
      وأمّا المخيّرة فهي كفّارة من أفطر في شهر رمضان بأحد الأسباب الموجبة لها، وكفّارة حنث النذر، وكفّارة حنث العهد، وكفّارة جزّ المرأة شعرها في المصاب، وهي العتق أو صيام شهرين متتابعين أوإطعام ستّين مسكيناً مخيّراً بينهاعلى الأظهر.
      وما اجتمع فيه الأمران كفّارة حنث اليمين، وكفّارة نتف المرأة شعرها وخدش وجهها في المصاب، وشقّ الرجل ثوبه في موت ولده أو زوجته، فيجب في جميع ذلك عتق رقبة أو إطعام عشرة مساكين أو كسوتهم مخيّراً بينها، فإن عجز عن الجميع فصيام ثلاثة أيّام.
      وأمّا كفّارة الجمع فهي كفّارة قتل المؤمن عمداً وظلماً، وكفّارة الإفطار في شهر رمضان بالمحرّم على الأحوط، وهي عتق رقبة مع صيام شهرين متتابعين وإطعام ستّين مسكيناً.
      مسألة ۱ - لا فرق في جزّ المرأة شعرها بين جزّ تمام شعر رأسها أو جزّ بعضه بما يصدق عرفاً أنها جزّت شعرها، كما لا فرق بين كونه في مصاب زوجها ومصاب غيره، وبين القريب والبعيد. والأقوى عدم إلحاق الحلق والإحراق به وإن كان أحوط، سيّما في الأوّل.
      مسألة ۲ - لا يعتبر في خدش الوجه خدش تمامه، بل يكفي مسمّاه. نعم، الظاهر أنّه يعتبر فيه الإدماء. ولا عبرة بخدش غير الوجه ولو مع الإدماء، ولا بشقّ ثوبها وإن كان على ولدها أو زوجها؛ كما لا عبرة بخدش الرجل وجهه، ولا بجزّ شعره، ولا بشقّ ثوبه على غير ولده وزوجته. نعم، لا فرق في الولد بين الذكر والاُنثى. وفي شموله لولد الولد تأمّل. والأحوط ذلك في ولد الابن. والظاهر عدم الشمول لولد البنت وإن كان أحوط. ولا يبعد شمول الزوجة لغير الدائمة، سيّما إذا كانت مدّتها طويلة.

    • القول في أحكام الكفارات

       

      القول في أحكام الكفّارات

      مسألة ۱ - لا يجزي عتق الكافر في الكفّارة مطلقاً، فيشترط فيه الإسلام. ويستوي في الإجزاء الذكر والاُنثى والكبير والصغير الّذي هو بحكم المسلم، بأن كان أحد أبويه مسلماً؛ لكن لا ينبغي ترك الاحتياط في كفّارة القتل بعتق البالغ. ويشترط أيضاً أن يكون سالماً من العيوب الّتي توجب الانعتاق قهراً، كالعمى والجذام والإقعاد والتنكيل. ولا بأس بسائر العيوب، فيجزي عتق الأصمّ والأخرس وغيرهما. ويجزي عتق الآبق وإن لم يعلم مكانه ما لم يعلم موته.
      مسألة ۲ - يعتبر في الخصال الثلاث - أي العتق والصيام والإطعام - النيّةُ المشتملة على قصد العمل وقصد القربة وقصد كونه عن الكفّارة، وتعيينُ نوعها لوكانت عليه أنواع متعدّدة؛ فلو كانت عليه كفّارة ظهارٍ ويمينٍ وإفطارٍ فأعتق عبداً ونوى التكفير لم يُجز عن واحد منها. وفي المتعدّد من نوع واحد يكفي قصد النوع، ولا يحتاج إلى تعيين آخر؛ فلو أفطر أيّاماً من شهر رمضان من سنة أو سنين فأعتق عبداً لكفّارة الإفطار كفى وإن لم يعيّن اليوم الّذي أفطر فيه، وكذلك بالنسبة إلى الصيام والإطعام. ولو كان عليه كفّارة ولا يدري نوعها مع علمه باشتراكها في الخصال - مثلاً - كفى الإتيان بإحداها ناوياً عمّا في ذمّته، بل لو علم أنّ عليه إعتاق عبد - مثلاً - ولا يدري أنّه منذور أو عن كفّارة كفى إعتاق عبد بقصد ما في ذمّته.
      مسألة 3 - يتحقّق العجز عن العتق - الموجب للانتقال إلى غيره في المرتّبة- بعدم الرقبة أو عدم التمكّن من شرائه أو غير ذلك ممّا هو مذكور في الفقه. ويتحقّق العجز عن الصيام - الموجب لتعيّن الإطعام - بالمرض المانع منه أو خوف زيادته بل حدوثه إن كان لمنشأ عقلائيّ، وبكونه شاقّاً عليه بما لا يتحمّل. وهل يكفي وجود المرض، أو خوف حدوثه، أو زيادته في الحال ولو مع رجاء البرء وتبدّل الأحوال، أو يعتبر اليأس؟ وجهان بل قولان لا يخلو أوّلهما من رجحان. نعم، لو رجا البرء بعد زمان قصير يشكل الانتقال إلى الإطعام. ولو أخّر الإطعام إلى أن برئ من المرض وتمكّن من الصوم تعيّن ولم يُجز الإطعام.
      مسألة 4 - ليس طروّ الحيض والنفاس موجباً للعجز عن الصيام والانتقال إلى الإطعام، وكذا طروّ الاضطرار على السفر الموجب للإفطار، لعدم انقطاع التتابع بطروّ ذلك.
      مسألة 5 - المعتبر في العجز والقدرة هو حال الأداء، لا حال الوجوب؛ فلو كان حال حدوث موجب الكفّارة قادراً على العتق عاجزاً عن الصيام فلم يعتق حتّى انعكس صار فرضه الصيام، وسقط عنه وجوب العتق.
      مسألة 6 - لو عجز عن العتق في المرتّبة فشرع في الصوم ولو ساعةً من النهار ثمّ وجد ما يعتق لم يلزمه العتق، فله إتمام الصيام ويجزي. وفي جواز رفع اليد عن الصوم واختيار العتق وجه، بل الظاهر أنه أفضل. ولو عرض ما يوجب استينافه -بأن عرض في أثنائه ما أبطل التتابع- تعيّن عليه العتق مع بقاء القدرة عليه. وكذإ؛زرظظ الكلام في ما لو عجز عن الصيام فدخل في الإطعام ثمّ زال العجز.
      مسألة 7 - يجب التتابع في الصيام في جميع الكفّارات، والحكم في بعضها مبنيّ على الاحتياط؛ فلا يجوز تخلّل الإفطار ولا صوم آخر بين أيّامها وإن كان لكفّارة اُخرى، من غير فرق بين ما وجب فيه شهران مرتّباً على غيره أو مخيّراً أو جمعاً، وكذا بين ما وجب فيه شهران أو ثلاثة أيّام ككفّارة اليمين؛ ومتى أخلّ بالتتابع وجب الاستيناف. ويتفرّع على وجوبه أنّه لا يجوز الشروع في الصوم من زمان يعلم بتخلّل صوم آخر - واجب في زمان معيّن - بين أيّامه؛ فلو شرع في صيام ثلاثة أيّام قبل شهر رمضان أو قبل خميس معيّن - مثلاً - نذر صومه بيوم أو يومين لم يُجز ووجب استينافه.
      مسألة 8 - إنّما يضرّ بالتتابع ما إذا وقع الإفطار في البين باختيار؛ فلو وقع لعذر - كالإكراه أو الاضطرار أو المرض أو الحيض أو النفاس - لم يضرّ به؛ ومنه وقوع السفر في الأثناء إن كان ضروريّاً دون غيره؛ وكذا منه ما إذا نسي النيّة حتّى فات وقتها بأن تذكّر بعد الزوال؛ وكذا الحال في ما إذا كان تخلّل صوم آخر لابالاختيار، كما إذا نسي فنوى صوماً آخر ولم يتذكّر إلّا بعد الزوال؛ ومنه ما إذا نذر صوم كلّ خميس - مثلاً - ثمّ وجب عليه صوم شهرين متتابعين، فلا يضرّ تخلّل المنذور، ولا يتعيّن عليه البدل في المخيّرة، ولا ينتقل إلى الإطعام في المرتّبة. نعم، في صوم ثلاثة أيّام يخلّ تخلّله في المفروض، فيلزم الشروع فيها من زمان لم يتخلّل المنذور بينها. نعم، لو كان المنذور على وجه لا يمكن معه تحصيل التتابع -كما إذا نذر الصيام يوماً ويوماً لا- فلا يضرّ التخلّل به.
      مسألة 9 - يكفي في تتابع الشهرين في الكفّارة - مرتّبةً كانت أو مخيّرةً - صيام شهر ويوم متتابعاً، ويجوز التفريق في البقيّة ولو اختياراً لا لعذر؛ فمن كان عليه صيام شهرين متتابعين كفّارةً يجوز له الشروع فيه قبل شعبان بيوم، ولا يجوز له الاقتصار على شعبان، وكذا يجوز الشروع قبل الأضحى بواحد وثلاثين يوماً، ولا يجوز قبله بثلاثين.
      مسألة 10 - من وجب عليه صيام شهرين: فإن شرع فيه من أوّل الشهر يجزي هلاليّان وإن كانا ناقصين، وإن شرع في أثنائه ففيه وجوه بل أقوال، أوجهها تكسير الشهرين وتتميم ما نقص؛ فلو شرع فيه عاشر شوّال يتمّ بصيام تاسع ذي الحجّة، من غير فرق بين نقص الشهرين أو تمامهما أو اختلافهما، والأحوط صيام ستّين يوماً. ولو وقع التفريق بين الأيّام بتخلّل ما لا يضرّ بالتتابع شرعاً يتعيّن ذلك ويجب الستّين.
      مسألة 11 - يتخيّر في الإطعام الواجب في الكفّارات بين إشباع المساكين والتسليم إليهم. ويجوز إشباع بعض والتسليم إلى آخر. ولا يتقدّر الإشباع بمقدار، بل المدار أن يأكلوا بمقدار شبعهم قلّ أو كثر. وأمّا في التسليم فلابدّ من مدّ لا أقلّ، والأفضل بل الأحوط مدّان. ولابدّ في كلّ من النحوين كمال العددمن ستّين أوعشرة؛ فلايجزي إشباع ثلاثين أو خمسة مرّتين أو تسليم كلّ واحد منهم مدّين. ولا يجب الاجتماع لا في التسليم ولا في الإشباع؛ فلو أطعم ستّين مسكيناً في أوقات متفرّقة من بلاد مختلفة ولو كان هذا في سنة وذاك في سنة اُخرى لأجزأ وكفى.
      مسألة 12 - الواجب في الإشباع إشباع كلّ واحد من العدد مرّةً، وإن كان الأفضل إشباعه في يومه وليله غداةً وعشاءً.
      مسألة 13 - يجزي في الإشباع كلّ ما يتعارف التغذّي والتقوّت به لغالب الناس من المطبوخ وما يصنع من أنواع الأطعمة، ومن الخبز من أيّ جنس كان ممّا يتعارف تخبيزه - من حنطة أو شعير أو ذُرّة أو دخن وغيرها - وإن كان بلا إدام. نعم، الأحوط في كفّارة اليمين وما كانت كفّارته كفّارتها عدم كون الإطعام بل والتسليم أدون ممّا يطعمون أهليهم وإن كان الإجزاء بما ذكر فيها أيضاً لا يخلو من قوّة؛ والأفضل أن يكون مع الإدام، وهو كلّ ما جرت العادة على أكله مع الخبز جامداً أو مائعاً وإن كان خلّاً أو ملحاً أو بصلاً، وكلّ ما كان أفضل كان أفضل. وفي التسليم بذل ما يسمّى طعاماً، من نيّ ومطبوخ، من الحنطة والشعير ودقيقهما وخبزهما والأرز وغير ذلك؛ والأحوط الحنطة أو دقيقها. ويجزي التمر والزبيب تسليماً وإشباعاً.
      مسألة 14 - التسليم إلى المسكين تمليك له؛ فيملك ما قبضه ويفعل به ما شاء، ولا يتعيّن عليه صرفه في الأكل.
      مسألة 15 - يتساوى الصغير والكبير إن كان التكفير بالتسليم؛ فيعطى الصغير مدّاً من الطعام كالكبير وإن كان اللازم في الصغير التسليم إلى وليّه. وكذلك إن كان بنحو الإشباع إذا اختلط الصغار مع الكبار، فإذا أشبع عائلةً أو عائلاتٍ مشتملةً على كبار وصغار أجزأ مع بلوغهم ستّيناً؛ وإن كان الصغار منفردين فاللازم احتساب اثنين بواحد، بل الأحوط احتسابهم كذلك مطلقاً. والظاهر أنّه لا يعتبر في إشباعهم إذن الوليّ.
      مسألة 16 - لا إشكال في جواز إعطاء كلّ مسكين أزيد من مدّ من كفّارات متعدّدة ولو مع الاختيار، من غير فرق بين الإشباع والتسليم؛ فلو أفطر تمام شهر رمضان جاز له إشباع ستّين شخصاً معيّنين في ثلاثين يوماً، أو تسليم ثلاثين مدّاً من طعام لكلّ واحد منهم وإن وجد غيرهم.
      مسألة 17 - لو تعذّر العدد في البلد وجب النقل إلى غيره، وإن تعذّر انتظر. ولو وجد بعض العدد كرّر على الموجود حتّى يستوفي المقدار. ويقتصر في التكرار على جميع الموجودين؛ فلو تمكّن من عشرة كرّر عليهم ستّ مرّات، ولا يجوز التكرار على خمسة اثنتا عشرة مرّة. والأحوط عند تعذّر العدد الاقتصار على الإشباع دون التسليم، وأن يكون في أيّام متعدّدة.
      مسألة 18 - المراد بالمسكين الّذي هو مصرف الكفّارة هو الفقير الّذي يستحقّ الزكاة، وهو من لم يملك قوت سنته لا فعلاً ولا قوّةً. ويشترط فيه الإسلام، بل الإيمان على الأحوط، وإن كان جواز إعطاء المستضعف من الناس غير الناصب لا يخلو من قوّة؛ وأن لا يكون ممّن تجب نفقته على الدافع، كالوالدين والأولاد والزوجة الدائمة، دون المنقطعة ودون سائر الأقارب والأرحام حتّى الإخوة والأخوات. ولا يشترط فيه العدالة ولا عدم الفسق. نعم، لا يعطى المتجاهر بالفسق الّذي ألقى جلباب الحياء. وفي جواز إعطاء غير الهاشميّ إلى الهاشميّ قولان، لا يخلو الجواز من رجحان، وإن كان الأحوط الاقتصار على مورد الاضطرار والاحتياج التامّ الّذي يحلّ معه أخذ الزكاة.
      مسألة 19 - يعتبر في الكسوة في الكفّارة أن يكون ما يعدّ لباساً عرفاً، من غير فرق بين الجديد وغيره ما لم يكن منخرقاً أو منسحقاً وبالياً بحيث ينخرق بالاستعمال؛ فلا يكتفى بالعمامة والقلنسوة والحزام والخفّ والجورب. والأحوط عدم الاكتفاء بثوب واحد، خصوصاً بمثل السراويل أو القميص القصير؛ فلا يكون أقلّ من قميص مع سراويل وإن كان الأقوى جواز الاكتفاء به. والأحوط أن يكون ممّا يواري عورته. ويعتبر فيها العدد كالإطعام؛ فلو كرّر على واحد - بأن كساه عشر مرّات - لم تحسب إلّا واحدة. ولا فرق في المكسوّ بين الصغير والكبير والذكر والاُنثى. نعم، في الاكتفاء بكسوة الصغير في أوائل عمره - كابن شهر أو شهرين - إشكال فلا يترك الاحتياط. والظاهر اعتبار كونه مخيطاً في ما كان المتعارف فيه المخيطيّة دون ما لا يحتاج إلى الخياطة؛ فلو سلّم إليه الثوب غير مخيط في الفرض لم يجز. نعم، الظاهر أنّه لا بأس بأن يدفع اُجرة الخياطة معه ليخيطه ويلبسه. ولا يُجزي إعطاء لباس الرجال للنساء وبالعكس، ولا إعطاء لباس الصغير للكبير. ولا فرق في جنسه بين كونه من صوف أو قطن أو كتّان أو غيرها. وفي الاجتزاء بالحرير المحض للرجال إشكال، إلّا إذا جاز لهم اللبس لضرورة أو غيرها. ولو تعذّر تمام العدد كسا الموجود وانتظر الباقي. والأحوط التكرار على الموجود، فإذا وجد الباقي كساه.
      مسألة 20 - لا تجزي القيمة في الكفّارة لا في الإطعام ولا في الكسوة، بل لابدّ في الإطعام من بذل الطعام إشباعاً أو تمليكاً؛ وكذا في الكسوة لابدّ من إعطائها. نعم، لابأس بأن يدفع القيمة إلى المستحقّ إذا كان ثقةً، ويوكّله في أن يشتري بها طعاماً فيأكله أو يتملّكه أو كسوةً ليلبسها.
      مسألة 21 - إذا وجبت عليه كفّارة مخيّرة لم يجز أن يكفّر بجنسين، بأن يصوم شهراً ويطعم ثلاثين في كفّارة شهر رمضان مثلاً، أو يطعم خمسة ويكسو خمسة -مثلاً- في كفّارة اليمين. نعم، لا بأس باختلاف أفراد الصنف الواحد منها، كما لو أطعم بعض العدد طعاماً خاصّاً وبعضه غيره، أو كسا بعضهم ثوباً من جنس وبعضهم من آخر، بل يجوز في الإطعام أن يشبع بعضاً ويسلّم إلى بعض كما مرّ.
      مسألة 22 - لا بدل للعتق في الكفّارة، مخيّرةً كانت أو مرتّبةً أو كفّارةَ الجمع، فيسقط بالتعذّر. وأمّا صيام شهرين متتابعين والإطعام لو تعذّرا ففي كفّارة شهر رمضان مع تعذّر جميع الخصال يتصدّق بما يطيق، ومع عدم التمكّن يستغفر اللّه، ويكفي مرّة. والأحوط في هذه الصورة التكفير إن تمكّن بعد ذلك، وفي غيرها مع تعذّرها صام ثمانية عشر يوماً، على الأقوى في الظهار، وعلى الأحوط في غيره، والأحوط التتابع فيها. وإن عجز عن ذلك أيضاً صام ما استطاع أو تصدّق بما وجد على الأحوط في شقّي التخيير، ومع العجز عنهما بالمرّة استغفر اللّه تعالى ولو مرّة.
      مسألة 23 - الظاهر أنّ وجوب الكفّارات موسّع؛ فلا تجب المبادرة إليها، ويجوز التأخير ما لم يؤدّ إلى حدّ التهاون.
      مسألة 24 - يجوز التوكيل في إخراج الكفّارات الماليّة وأدائها. ويتولّى الوكيل النيّة إن كان وكيلاً في إخراجها، وإن كان وكيلاً في الإيصال إلى الفقير ينوي الموكّل حين دفع الوكيل إلى الفقير. ويكفي أن يكون من نيّته أنّ ما يدفع وكيله إلى الفقير كفّارة، ولا يلزم العلم بوقت الأداء تفصيلاً. وأمّا الكفّارات البدنيّة فلا يجزي فيها التوكيل، ولا تجوز فيها النيابة على الأقوى إلّا عن الميّت.
      مسألة 25 - الكفّارات الماليّة بحكم الديون، فلو مات من وجبت عليه تخرج من أصل المال. وأمّا البدنيّة فلا يجب على الورثة أداؤها ولا إخراجها من التركة ما لم يوص بها الميّت، فتخرج من ثلثه. نعم، في وجوبها على الوليّ وهو الولد الأكبر احتمال قويّ في ما إذا تعيّن على الميّت الصيام، وأمّا لو تعيّن عليه غيره -بأن كانت مرتّبةً وتعيّن عليه الإطعام - فلا يجب على الوليّ، ولو كانت مخيّرةً وكان متمكّناً من الصيام والإطعام: فلو أمكن الإخراج من التركة تخرج منها، وإلّا فالأحوط على الوليّ الصيام لو تلفت التركة أو أبى الورثة عن الإطعام.

  • كتاب الصيد والذباحة
    • القول في الصيد

       

      القول في الصيد

      كما يذكّى الحيوان ويحلّ لحم ما حلّ أكله بالذبح الواقع على النحو المعتبر شرعاً يذكّى أيضاً بالصيد على النحو المعتبر. وهو إمّا بالحيوان أو بغيره. وبعبارة اُخرى: الآلة الّتي يصاد بها إمّا حيوانيّة أو جماديّة. ويتمّ الكلام في القسمين في ضمن مسائل:
      مسألة ۱ - لا يحلّ من صيد الحيوان ومقتوله إلّا ما كان بالكلب المعلّم، سواء كان سلوقيّاً أو غيره، وسواء كان أسود أو غيره؛ فلا يحلّ صيد غيره من جوارح السباع - كالفهد والنمر وغيرهما - وجوارح الطيركالبازي والعقاب والباشق وغيرها وإن كانت معلّمة؛ فما يأخذه الكلب المعلّم ويقتله - بعقره وجرحه - مذكّىً حلال أكله من غير ذبح، فيكون عضّه وجرحه على أيّ موضع من الحيوان بمنزلة ذبحه.
      مسألة ۲ - يعتبر في حلّيّة صيد الكلب أن يكون معلّماً للاصيطاد. وعلامة كونه بتلك الصفة أن يكون من عادته مع عدم المانع أن يسترسل ويهيج إلى الصيد لو أرسله صاحبه وأغراه به، وأن ينزجر ويقف عن الذهاب والهياج إذا زجره. نعم، لا يضرّ إذا لم ينزجر حين رؤية الصيد وقربه منه. والأحوط أن يكون من عادته الّتي لا تتخلّف إلّا نادراً أن يمسك الصيد ولا يأكل منه شيئاً حتّى يصل صاحبه.
      مسألة ۳ - يشترط في حلّيّة صيد الكلب المعلّم اُمور:
      الأوّل - أن يكون ذلك بإرساله للاصطياد، فلو استرسل بنفسه من دون إرسال لم يحلّ مقتوله وإن أغراه صاحبه بعده حتّى في ما أثّر إغراؤه فيه - بأن زاد في عدوه بسببه - على الأحوط. وكذا الحال لو أرسله لا للاصطياد بل لأمر آخر من دفع عدوّ أو طرد سبع أو غير ذلك فصادف غزالاً فصاده. والمعتبر قصد الجنس لا الشخص؛ فلو أرسله إلى صيد غزال فصادف غزالاً آخر فأخذه وقتله كفى في حلّه؛ وكذا لو أرسله إلى صيد فصاده مع غيره حلّا معاً.
      الثاني - أن يكون المرسل مسلماً أو بحكمه، كالصبيّ الملحق به بشرط كونه مميّزاً؛ فلو أرسله كافر بجميع أنواعه أو من كان بحكمه كالنواصب -لعنهم اللّه- لم يحلّ أكل ما قتله.
      الثالث - أن يسمّي، بأن يذكر اسم اللّه عند إرساله؛ فلو تركه عمداً لم يحلّ مقتوله، ولا يضرّ لو كان نسياناً. والأحوط أن تكون التسمية عند الإرسال، فلا يكتفى بها قبل الإصابة.
      الرابع - أن يكون موت الحيوان مستنداً إلى جرحه وعقره؛ فلو كان بسبب آخر - كصدمه، أو خنقه، أو إتعابه، أو ذهاب مرارته من الخوف، أو إلقائه من شاهق، أو غير ذلك - لم يحلّ.
      الخامس - عدم إدراك صاحب الكلب الصيدَ حيّاً مع تمكّنه من تذكيته، بأن أدركه ميّتاً، أو أدركه حيّاً لكن لم يسع الزمان لذبحه. وبالجملة: إذا أرسل كلبه إلى الصيد: فإن لحق به بعد ما أخذه وعقره وصار غير ممتنع فوجده ميّتاً كان ذكيّاً وحلّ أكله؛ وكذا إن وجده حيّاً ولم يتّسع الزمان لذبحه فتركه حتّى مات؛ وأمّا إن اتّسع لذبحه لا يحلّ إلّا بالذبح، فلو تركه حتّى مات كان ميتةً. وأدنى ما يدرك ذكاته أن يجده تطرف عينيه، أو تركض رجله، أو يحرّك ذنبه أو يده؛ فإن وجده كذلك واتّسع الزمان لذبحه لم يحلّ أكله إلّا بالذبح. وكذلك الحال لو وجده بعد عقر الكلب عليه ممتنعاً فجعل يعدو خلفه فوقف، فان بقي من حياته زماناً يتّسع { P () هكذا في الطبعات الثلاثة، ولكنّ الصحيح «زمانٌ» بدل «زماناً». P} لذبحه لم يحلّ إلّا به، وإن لم يتّسع حلّ بدونه. ويلحق بعدم اتّساعه ما إذا وسع ولكن كان ترك التذكية لا بتقصير منه، كما إذا اشتغل بأخذ الآلة وسلّ السكين مع المسارعة العرفيّة وكون الآلات على النحو المتعارف؛ فلو كان السكّين في غمدٍ ضيّقٍ غير متعارف فلم يدرك الذكاة لأجل سلّه منه لم يحلّ. وكذا لو كان لأجل لصوقه به بدم ونحوه. ومن عدم التقصير ما إذا امتنع الصيد من التمكين بما فيه من بقيّة قوّة ونحو ذلك فمات قبل أن يمكنه الذبح. نعم، لا يلحق به فقد الآلة على الأحوط لولم يكن أقوى؛ فلو وجده حيّاً واتّسع الزمان لذبحه إلّا أنّه لم يكن عنده السكّين فلم يذبحه لذلك حتّى مات لم يحلّ أكله.
      مسألة 4 - هل يجب على من أرسل الكلب المسارعة والمبادرة إلى الصيد من حين الإرسال، أو من حين ما رآه قد أصاب الصيد وإن كان بعد امتناعه، أو من حين ما أوقفه وصار غير ممتنع، أو لا تجب أصلاً؟ الظاهر وجوبها من حين الإيقاف؛ فإذا أشعر به يجب عليه المسارعة العرفيّة حتّى أنّه لو أدركه حيّاً ذبحه؛ فلو لم يتسارع ثمّ وجده ميّتاً لم يحلّ أكله، وأمّا قبل ذلك فالظاهر عدم وجوبها وإن كان الاحتياط لا ينبغي تركه. هذا إذا احتمل ترتّب أثر على المسارعة واللحوق بالصيد، بأن احتمل أنّه يدركه حيّاً ويقدر على ذبحه من جهة اتّساع الزمان ووجود الآلة. وأمّا مع عدم احتماله ولو من جهة عدم ما يذبح به فلا إشكال في عدم وجوبها؛ فلو خلّاه حينئذٍ على حاله إلى أن قتله الكلب وأزهق روحه بعقره حلّ أكله. نعم، لو توقّف إحراز كون موته بسبب جرح الكلب - لا بسبب آخر- على التسارع إليه وتعرّف حاله لزم لأجل ذلك.
      مسألة 5 - لا يعتبر في حلّيّة الصيد وحدة المرسل ولا وحدة الكلب؛ فلو أرسل جماعة كلباً واحداً أو أرسل واحد أو جماعة كلاباً متعدّدةً فقتلت صيداً حلّ أكله. نعم، يعتبر في المتعدّد - صائداً وآلةً - أن يكون الجميع واجداً للاُمور المعتبرة شرعاً؛ فلو كان المرسل اثنين أحدهما كافر أو لم يسمّ أحدهما أو اُرسل كلبان أحدهما معلّم و الآخر غير معلّم فقتلاه لم يحلّ.
      مسألة 6 - لا يؤكل من الصيد المقتول بالآلة الجماديّة إلّا ما قتله السيف أو السكّين أو الخنجر ونحوها من الأسلحة الّتي تقطع بحدّها، أو الرمح والسهم والنشاب ممّا يُشاك بحدّه حتّى العصا الّتي في طرفها حديدة محدّدة، من غير فرق بين ما كان فيه نصل - كالسهم الّذي يركب عليه الريش - أو صنع قاطعاً أو شائكاً بنفسه؛ بل لا يبعد عدم اعتبار كونه من الحديد، فيكفي بعد كونه سلاحاً قاطعاً أو شائكاً كونه من أيّ فلزّ كان حتّى الصفر والذهب والفضّة، والأحوط اعتباره. ويعتبر كونه مستعملاً سلاحاً في العادة على الأحوط؛ فلا يشمل المخيط والشوك والسفود ونحوها. والظاهر أنّه لا يعتبر الخرق والجرح في الآلة المذكورة أعني ذات الحديد المحدّدة؛ فلو رمى الصيد بسهم أو طعنه برمح فقتله بالرمح والطعن -من دون أن يكون فيه أثر السهم والرمح - حلّ أكله. ويلحق بالآلة الحديديّة المعراض الّذي هو - كما قيل - خشبة لا نصل فيها إلّا أنّها محدّدة الطرفين ثقيلة الوسط، أو السهم الحادّ الرأس الّذي لا نصل فيه، أو سهم بلا ريش غليظ الوسط يصيب بعرضه دون حدّه. وكيف كان، إنّما يحلّ مقتول هذه الآلة لو قتلت الصيد بخرقها إيّاه وشوكها فيه ولو يسيراً؛ فلو قتله بثقلها من دون خرق لم يحلّ. والأحوط عدم التجاوز عن المعراض إلى غيره من المحدّدة غير الحديد.
      مسألة 7 - كلّ آلة جماديّة لم تكن ذات حديدة محدّدة ولا محدّدة غير الحديديّة قتلت بخرقها من المثقلات كالحجارة والمقمعة والعمود والبندقة لا يحلّ مقتولها كالمقتول بالحبائل والشبكة والشرك ونحوها. نعم، لا بأس بالاصطياد بها، وكذا بالحيوان غير الكلب كالفهد والنمر والبازي وغيرها، بمعنى جعل الحيوان الممتنع غير ممتنع بها، ولكنّه لا يحلّ ما يصطاد بها إلّا إذا أدركه وذكّاه.
      مسألة 8 - لا يبعد حلّيّة ما قتل بالآلة المعروفة المسمّاة بالبندقيّة مع اجتماع الشرائط، بشرط أن تكون البندقة محدّدةً نافذةً بحدّته على الأحوط؛ فيجتنب ممّإ؛شش ظظ قتل بالبندق الّذي ليس كذلك وإن جرح وخرق بقوّته. والبندقة الّتي قلنا في المسألة السابقة بحرمة مقتولها غير هذه النافذة الخارقة بحدّتها.
      مسألة 9 - لا يعتبر في حلّيّة الصيد بالآلة الجماديّة وحدة الصائد ولا وحدة الآلة؛ فلو رمى شخص بالسهم وطعن آخر بالرمح وسمّيا معاً فقتلا صيداً حلّ إذا اجتمع الشرائط فيهما؛ بل إذا أرسل أحدٌ كلبه إلى صيد ورماه آخر بسهم فقتل بهما حلّ.
      مسألة 10 - يشترط في الصيد بالآلة الجماديّة جميع ما اشترط في الصيد بالآلة الحيوانيّة؛ فيشترط كون الصائد مسلماً؛ والتسمية عند استعمال الآلة؛ وأن يكون استعمالها للاصطياد، فلو رمى إلى هدف أو إلى عدوّ أو إلى خنزير فأصاب غزالاً فقتله لم يحلّ وإن سمّى عند الرمي لغرض من الأغراض، وكذا لو أفلت من يده فأصابه فقتله؛ وأن لا يدركه حيّاً زماناً اتّسع للذبح، فلو أدركه كذلك لم يحلّ إلّا بالذبح، والكلام في وجوب المسارعة وعدمه كما مرّ؛ وأن يستقلّ الآلة المحلّلة في قتل الصيد، فلو شاركها فيه غيرها لم يحلّ؛ فلو سقط بعد إصابة السهم من الجبل أو وقع في الماء واستند موته إليهما بل وإن لم يعلم استقلال السهم في إماتته لم يحلّ؛ وكذا لو رماه شخصان فقتلاه وفقدت الشرائط في أحدهما.
      مسألة 11 - لا يشترط في إباحة الصيد إباحة الآلة؛ فيحلّ الصيد بالكلب أو السهم المغصوبين وإن فعل حراماً، وعليه الاُجرة، ويملكه الصائد دون صاحب الآلة.
      مسألة 12 - الحيوان الّذي يحلّ مقتوله بالكلب والآلة مع اجتماع الشرائط كلّ حيوان ممتنع مستوحش من طير أو غيره، سواء كان كذلك بالأصل (كالحمام والظبي والبقر الوحشيّ) أوكان إنسيّاً فتوحّش أو استعصى كالبقرالمستعصي والبعير كذلك، وكذلك الصائل من البهائم كالجاموس الصائل ونحوه. وبالجملة: كلّ ما لا يجي ء تحت اليد ولا يقدر عليه غالباً إلّا بالعلاج؛ فلا تقع التذكية الصيديّة على الحيوان الأهليّ المستأنس، سواء كان استيناسه أصليّاً كالدجاج والشاة والبعير والبقر أو عارضيّاً كالظبي والطير المستأنسين، وكذا ولد الوحش قبل أن يقدر على العدو وفرخ الطير قبل نهوضه للطيران؛ فلو رمى طائراً وفرخه الّذي لم ينهض فقتلهما حلّ الطائر دون الفرخ.
      مسألة 13 - الظاهر أنّه كما تقع التذكية الصيديّة على الحيوان المأكول اللحم فيحلّ بها أكله ويطهر جلده تقع على غير مأكول اللحم القابل للتذكية أيضاً، فيطهر بها جلده ويجوز الانتفاع به. هذا إذا كانت بالآلة الجماديّة. وأمّا الحيوانيّة ففيها تأمّل وإشكال.
      مسألة 14 - لو قطعت الآلة قطعةً من الحيوان: فإن كانت الآلة غير محلّلة كالشبكة والحبالة - مثلاً - يحرم الجزء الّذي ليس فيه الرأس ومحالّ التذكية، وكذلك الجزء الآخر إذا زالت عنه الحياة المستقرّة على الأحوط، بأن تكون حركته حركة المذبوح، وإن بقيت حياته المستقرّة يحلّ بالتذكية؛ وإن كانت الآلة محلّلةً - كالسيف في الصيد - مع اجتماع الشرائط: فإن زالت الحياة المستقرّة عن الجزءين بهذا القطع حلّا معاً، وإن بقيت الحياة المستقرّة حرم الجزء الّذي ليس فيه الرأس ومحالّ التذكية ويكون ميتةً، سواء اتّسع الزمان للتذكية أم لا، وأمّا الجزء الآخر فحلال مع عدم اتّساع الزمان للتذكية، ولو اتّسع لها لا يحلّ إلّا بالذبح.
      مسألة 15 - يملك الحيوان الوحشيّ - سواء كان من الطيور أو غيره - بأحد اُمور ثلاثة:
      أحدها: أخذه حقيقة، بأن يأخذ رجله أو قرنه أو جناحه أو شدّه بحبل ونحوه، بشرط أن يكون بقصد الاصطياد والتملّك، وأمّا مع عدم القصد ففيه إشكال، كما أنّه مع قصد الخلاف لا يملك.
      ثانيها: وقوعه في آلة معتادة للاصطياد بها، كالحبالة والشرك والشبكة ونحوها إذا نصبها لذلك.
      ثالثها: أن يصيّره غير ممتنع بآلة، كما لو رماه فجرحه جراحةً منعته عن العدو أو كسر جناحه فمنعه عن الطيران، سواء كانت الآلة من الآلات المحلّلة للصيد كالسهم والكلب المعلّم أو من غيرها كالحجارة والخشب والفهد والباز والشاهين وغيرها، ويعتبر في هذا أيضاً أن يكون إعمال الآلة بقصد الاصطياد والتملّك؛ فلو رماه عبثاً أو هدفاً أو لغرض آخر لم يملكه، فلو أخذه شخص آخر بقصد التملّك ملكه.
      مسألة 16 - الظاهر أنّه يلحق بآلة الاصطياد كلّ ما جعل وسيلةً لإثبات الحيوان وزوال امتناعه ولو بحفر حفيرة في طريقه ليقع فيها فوقع، أو باتّخاذ أرض وإجراء الماء عليها لتصير مَوحِلةً فيتوحّل فيها فتوحّل، أو فتح باب شي ء ضيّق وإلقاء الحبوب فيه ليدخل فيه العصافير فأغلق عليها وزال امتناعها. وأمّا لو فتح باب البيت لذلك فدخلت فيه مع بقائها على امتناعها في البيت فالظاهر عدم تملّكه به مع إغلاق الباب؛ كما أنّه لو عشّش الطير في داره لم يملكه بمجرّده؛ وكذا لو توحّل حيوان في أرضه المَوحِلة ما لم يجعلها كذلك لأجل الاصطياد، فلو أخذه شخص بعد ذلك ملكه وإن عصى لو دخل داره أو أرضه بغير إذنه.
      مسألة 17 - لو سعى خلف حيوان حتّى أعياه ووقف عن العدو لم يملكه ما لم يأخذه، فلو أخذه غيره قبل أن يأخذه ملكه.
      مسألة 18 - لو وقع حيوان في شبكة منصوبة للاصطياد ولم تمسكه الشبكة لضعفها وقوّته فانفلت منها لم يملكه ناصبها؛ وكذا إن أخذ الشبكة وانفلت بها من دون أن يزول عنه الامتناع، فإن صاده غيره ملكه وردّ الشبكة إلى صاحبها. نعم، لو أمسكته الشكبة وأثبتته ثمّ انفلت منها بسبب من الأسباب الخارجيّة لم يخرج بذلك عن ملكه، كما لو أمسكه بيده ثمّ انفلت منها؛ وكذا لو مشى بالشبكة على وجه لا يقدر على الامتناع فإنّه لناصبها، فلو أخذه غيره يجب أن يردّه إليه.
      مسألة 19 - لو رماه فجرحه لكن لم يخرج عن الامتناع فدخل داراً فأخذه صاحبها ملكه بأخذه، لا بدخول الدار؛ كما أنّه لو رماه ولم يثبته فرماه شخص آخر فأثبته فهو للثاني.
      مسألة 20 - لو أطلق الصائد صيده: فإن لم يقصد الإعراض عنه لم يخرج عن ملكه ولا يملكه غيره باصطياده، وإن قصد الاعراض وزوال ملكه عنه فالظاهر أنّه يصير كالمباح، جاز اصطياده لغيره ويملكه، وليس للأوّل الرجوع إليه بعد تملّكه على الأقوى.
      مسألة 21 - إنّما يملك غير الطير بالاصطياد إذا لم يعلم كونه ملكاً للغير ولو من جهة آثار اليد الّتي هي أمارة على الملك فيه، كما إذا كان طوق في عنقه، أو قرط في اُذنه، أوشدّ حبل في أحد قوائمه؛ ولو علم ذلك لم يملكه الصائد بل يردّ إلى صاحبه إن عرفه، وإن لم يعرفه يكون بحكم اللقطة. وأمّا الطير فإن كان مقصوص الجناحين كان بحكم ما علم أنّ له مالكاً، فيردّ إلى صاحبه إن عرف، وإن لم يعرف كان لقطةً، وأمّا إن ملك جناحيه يتملّك بالاصطياد، إلّا إذا كان له مالك معلوم فيجب ردّه إليه. والأحوط في ما إذا علم أنّ له مالكاً ولو من جهة وجود آثار اليد فيه ولم يعرفه أن يعامل معه معاملة اللقطة كغير الطير.
      مسألة 22 - لو صنع برجاً لتعشيش الحمام فعشّش فيه لم يملكه، خصوصاً لو كان الغرض حيازة زرقه مثلاً، فيجوز لغيره صيده، ويملك ما صاده، بل لو أخذ حمامةً من البرج ملكها وإن أثم من جهة الدخول فيه بغير إذن صاحبه؛ وكذلك لو عشّش في بئر مملوكة ونحوها، فإنّه لا يملكه مالكها.
      مسألة 23 - الظاهر أنّه يكفي في تملّك النحل غير المملوكة أخذ أميرها، فمن أخذه من الجبال - مثلاً - واستولى عليه يملكه ويملك كلّ ما تتبعه من النحل ممّا تسير بسيره وتقف بوقوفه وتدخل الكنّ وتخرج منه بدخوله وخروجه.
      مسألة 24 - ذكاة السمك إمّا بإخراجه من الماء حيّاً، أو بأخذه بعد خروجه منه قبل موته، سواء كان ذلك باليد أو بآلة كالشبكة ونحوها؛ فلو وثب على الجدّ أو نبذه البحر إلى الساحل أو نضب الماء الّذي كان فيه حلّ لو أخذه شخص قبل أن يموت، وحرم لو مات قبل أخذه وإن أدركه حيّاً ناظراً إليه على الأقوى.
      مسألة 25 - لا يشترط في تذكية السمك عند إخراجه من الماء أو أخذه بعد خروجه التسمية، كما أنّه لا يعتبر في صائده الإسلام؛ فلو أخرجه كافر أو أخذه فمات بعد أخذه حلّ، سواء كان كتابيّاً أو غيره. نعم، لو وجده في يده ميّتاً لم يحلّ أكله ما لم يعلم أنّه قد مات خارج الماء بعد إخراجه أو أخذه بعد خروجه وقبل موته، ولا يحرز ذلك بكونه في يده، ولا بقوله لو أخبر به، بخلاف ما إذا كان في يد المسلم، فإنّه يحكم بتذكيته حتّى يعلم خلافها.
      مسألة 26 - لو وثب من الماء سمكةٌ إلى السفينة لم يحلّ ما لم يؤخذ باليد، ولم يملكه السفّان ولا صاحب السفينة، بل كلّ من أخذه بقصد التملّك ملكه. نعم، لو قصد صاحب السفينة الصيد بها بأن يجعل فيها ضوء بالليل ودقّ بشي ء كالجرس ليثب فيها السموك فوثبت فيها فالوجه أنّه يملكها، ويكون وثوبها فيها بسبب ذلك بمنزلة إخراجها حيّاً، فيكون به تذكيتها.
      مسألة 27 - لو نصب شبكةً أو صنع حظيرةً في الماء لاصطياد السمك فكلّ ما وقع واحتبس فيهما ملكه؛ فإن أخرج ما فيهما من الماء حيّاً حلّ بلا إشكال، وكذا لو نضب الماء وغار ولو بسبب جزره فمات فيهما بعد نضوبه. وأمّا لو مات في الماء فهل هو حلال أم لا؟ قولان أشهرهما وأحوطهما الثاني، بل لا يخلو من قوّة. ولو أخرج الشبكة من الماء فوجد بعض ما فيها أو كلّه ميّتاً ولم يدر أنّه قد مات في الماء أو بعد خروجه فالأحوط الاجتناب عنه.
      مسألة 28 - لو أخرج السمك من الماء حيّاً ثمّ أعاده إليه مربوطاً أو غير مربوط فمات فيه حرم.
      مسألة 29 - لو طفا السمك على الماء وزال امتناعه بسبب - مثل أن ضرب بمضراب أو بلع ما يسمّى بالزهر في لسان بعض الناس أو غير ذلك - : فإن أدركه شخص وأخذه وأخرجه من الماء قبل أن يموت حلّ، وإن مات على الماء حرم؛ وإن ألقى الزهر أحد فبلعه السمك وصار على وجه الماء وزال امتناعه: فإن لم يكن بقصد الاصطياد لم يملكه، فلو أخذه غيره ملكه، من غير فرق بين ما إذا قصد سمكاً معيّناً أولا، وإن كان بقصد الاصطياد والتملّك فلا يبعد أن تكون إزالة امتناعه مملّكاً له، فلا يملكه غيره بالأخذ؛ وكذا الحال إذا كان إزالة امتناعه بشي ء آخر كاستعمال آلة، كما إذا رماه بالرصاص فطفا على الماء. وبالجملة: لا يبعد أن تكون إزالة امتناعه بقصد الاصطياد والتملّك مطلقاً موجبةً للملكيّة كالحيازة.
      مسألة 30 - لا يعتبر في حلّيّة السمك بعد ما اُخرج من الماء حيّاً أو اُخذ حيّاً بعد خروجه أن يموت خارج الماء بنفسه؛ فلو قطّعه قبل أن يموت ومات بالتقطيع أو غيره حلّ أكله، بل لا يعتبر في حلّه الموت رأساً، فيحلّ بلعه حيّاً؛ بل لو قُطع منه قطعة واُعيد الباقي إلى الماء حلّ ما قطعه، سواء مات الباقي في الماء أم لا. نعم، لو قطع منه قطعة وهو في الماء - حيّ أو ميّت - لم يحلّ ما قطعه.
      مسألة 31 - ذكاة الجراد أخذه حيّاً، سواء كان باليد أو بالآلة؛ فلو مات قبل أخذه حرم. ولا يعتبر فيه التسمية ولا الإسلام كما مرّ في السمك. نعم، لو وجده ميّتاً في يد الكافر لم يحلّ ما لم يعلم بأخذه حيّاً، ولا تجدي يده ولا إخباره في إحرازه.
      مسألة 32 - لو وقعت نار في أجمة ونحوها فأحرقت ما فيها من الجراد لم يحلّ وإن قصده المُحرق. نعم، لو مات بعد أخذه بأيّ نحو كان حلّ؛ كما أنّه لو فرض كون النار آلة صيد الجراد بأنّه لو أجّجها اجتمعت من الأطراف وألقت أنفسها فيها فاُجّجت لذلك فاجتمعت واحترقت بها لا يبعد حلّيّتها.
      مسألة 33 - لا يحلّ من الجراد ما لم يستقلّ بالطيران، وهو المسمّى ب«الدبى » على وزن «عصا»، وهو الجراد إذا تحرّك ولم تنبت بعدُ أجنحته.

    • القول في الذباحة

       

      القول في الذباحة

      والكلام في الذابح وآلة الذبح وكيفيّته وبعض الأحكام المتعلّقة به في طيّ مسائل:
      مسألة 1 - يشترط في الذابح أن يكون مسلماً أو بحكمه كالمتولّد منه؛ فلاتحلّ ذبيحة الكافر مشركاً كان أم غيره حتّى الكتابيّ على الأقوى. ولا يشترط فيه الإيمان؛ فتحلّ ذبيحة جميع فرق الإسلام عدا الناصب وإن أظهر الإسلام.
      مسألة 2 - لا يشترط فيه الذكورة ولا البلوغ ولا غير ذلك؛ فتحلّ ذبيحة المرأة فضلاً عن الخنثى، وكذا الحائض والجنب والنفساء والطفل إذا كان مميّزاً والأعمى والأغلف وولد الزنا.
      مسألة 3 - لا يجوز الذبح بغير الحديد مع الاختيار؛ فإن ذبح بغيره مع التمكّن منه لم يحلّ وإن كان من المعادن المنطبعة كالصفر والنحاس والذهب والفضّة وغيرها. نعم، لو لم يوجد الحديد وخيف فوت الذبيحة بتأخير ذبحها أو اضطرّ إليه جاز بكلّ ما يفري أعضاء الذبح ولو كان قصباً أو ليطةً أو حجارةً حادّةً أو زجاجةً أو غيرها. نعم، في وقوع الذكاة بالسنّ والظفر مع الضرورة إشكال وإن كان عدم الوقوع بهما في حال اتّصالهما بالمحلّ لا يخلو من رجحان. والأحوط الاجتناب مع الانفصال أيضاً وإن كان الوقوع لا يخلو من قرب.
      مسألة 4 - الواجب في الذبح قطع تمام الأعضاء الأربعة: الحلقوم، وهو مجرى النفس دخولاً وخروجاً. والمري ء، وهو مجرى الطعام والشراب، ومحلّه تحت الحلقوم. والودجان، وهما العرقان الغليظان المحيطان بالحلقوم أو المري ء؛ وربّما يطلق على هذه الأربعة: الأوداج الأربعة. واللازم قطعها وفصلها؛ فلا يكفي شقّها من دون القطع والفصل.
      مسألة 5 - محلّ الذبح في الحلق تحت اللحيين على نحو يقطع به الأوداج الأربعة. واللازم وقوعه تحت العقدة المسمّاة في لسان أهل هذا الزمان ب«الجوزة»، وجعلها في الرأس دون الجثّة والبدن، بناءً على ما يدّعى من تعلّق الحلقوم أو الأعضاء الأربعة بتلك العقدة على وجه لولم تبق في الرأس بتمامها ولم يقع الذبح من تحتها لم تقطع الأوداج بتمامها. وهذا أمر يعرفه أهل الخبرة، فإن كان الأمر كذلك أو لم يحصل العلم بقطعها بتمامها بدون ذلك فاللازم مراعاته؛ كما أنّه يلزم أن يكون شي ء من كلّ من الأوداج الأربعة على الرأس حتّى يعلم أنّهإ؛ضض ظظ انقطعت وانفصلت عمّا يلي الرأس.
      مسألة 6 - يشترط أن يكون الذبح من القدّام؛ فلو ذبح من القفا وأسرع إلى أن قطع ما يعتبر قطعه من الأوداج قبل خروج الروح حرمت. نعم، لو قطعها من القدّام لكن لا من الفوق - بأن أدخل السكّين تحت الأعضاء وقطعها إلى الفوق - لم تحرم الذبيحة وإن فعل مكروهاً على الأوجه. والأحوط ترك هذا النحو.
      مسألة 7 - يجب التتابع في الذبح، بأن يستوفي قطع الأعضاءقبل زهوق الروح؛ فلو قطع بعضها وأرسل الذبيحة حتّى انتهت إلى الموت ثمّ قطع الباقي حرمت، بل لا يترك الاحتياط بأن لا يفصل بينها بما يخرج عن المتعارف المعتاد ولا يعدّ معه عملاً واحداً عرفاً بل يعدّ عملين وإن استوفى التمام قبل خروج الروح منها.
      مسألة 8 - لو قطع رقبة الذبيحة من القفا وبقيت أعضاء الذباحة: فإن بقيت لها الحياة - المستكشفة بالحركة ولو يسيرةً - بعد الذبح وقطع الأوداج حلّت، وإن كان لها حركة ولو يسيرةً قبل الذبح ذُبحت، فإن خرج مع ذلك الدم المعتدل حلّت، وإلّا فإن لم تتحرّك حتّى يسيراً قبل الذبح حرمت، وإن تحرّكت قبله ولم يخرج الدم المعتدل فمحلّ إشكال.
      مسألة 9 - لو أخطأ الذابح وذبح من فوق العقدة ولم يقطع الأعضاء الأربعة: فإن لم تبق لها الحياة حرمت، وإن بقيت يمكن أن يتدارك، بأن يتسارع إلى إيقاع الذبح من تحت وقطع الأعضاء وحلّت. واستكشاف الحياة كما مرّ.
      مسألة 10 - لو أكل الذئب - مثلاً - مذبح الحيوان وأدركه حيّاً: فإن أكل تمام الأوداج الأربعة بتمامها بحيث لم يبق شي ء منها ولا منها شي ء فهو غير قابل للتذكية وحرمت؛ وكذا إن أكلها من فوق أو من تحت وبقي مقدار من الجميع معلّقةً بالرأس أو متّصلةً بالبدن على الأحوط، فلا يحلّ بقطع ما بقي منها؛ وكذلك لو أكل بعضها تماماً وأبقى بعضها كذلك، كما إذا أكل الحلقوم بالتمام وأبقى الباقي كذلك؛ فلو قطع الباقي مع الشرائط يشكل وقوع التذكية عليه، فلا يترك الاحتياط.
      مسألة 11 - يشترط في التذكية الذبحيّة - مضافاً إلى ما مرّ - اُمور:
      أحدها: الاستقبال بالذبيحة حال الذبح، بأن يوجّه مذبحها ومقاديم بدنها إلى القبلة؛ فإن أخلّ به: فإن كان عامداً عالماً حرمت، وإن كان ناسياً أو جاهلاً أو مخطئاً في القبلة أو في العمل لم تحرم. ولولم يعلم جهة القبلة أو لم يتمكّن من توجيهها إليها سقط هذا الشرط. ولا يشترط استقبال الذابح على الأقوى وإن كان أحوط وأولى.
      ثانيها: التسمية من الذابح، بأن يذكر اسم اللّه عليها حينما يتشاغل بالذبح أو متّصلاً به عرفاً أو قُبيله المتّصل به؛ فلو أخلّ بها فإن كان عمداً حرمت، وإن كان نسياناً لم تحرم. وفي إلحاق الجهل بالحكم بالنسيان أو العمد قولان، أظهرهما الثاني. والمعتبر في التسمية وقوعها بهذا القصد، أعني بعنوان كونها على الذبيحة. ولا تجزي التسمية الاتّفاقيّة الصادرة لغرض آخر.
      ثالثها: صدور حركة منها بعد تماميّة الذبح كي تدلّ على وقوعه على الحيّ ولو كانت يسيرةً، مثل أن تطرف عينها أو تحرّك اُذنها أو ذنبها أو تركض برجلها ونحوها. ولا يحتاج مع ذلك إلى خروج الدم المعتدل؛ فلو تحرّك ولم يخرج الدم أو خرج متثاقلاً ومتقاطراً لا سائلاً معتدلاً كفى في التذكية. وفي الاكتفاء به أيضاً حتّى يكون المعتبر أحد الأمرين من الحركة أو خروج الدم المعتدل قولٌ مشهور بين المتأخّرين، ولا يخلو من وجه، لكن لا ينبغي ترك الاحتياط. هذا إذا لم يعلم حياته، وأمّا إذا علم حياته بخروج هذا الدم فيكتفى به بلا إشكال.
      مسألة 12 - لا يعتبر كيفيّة خاصّة في وضع الذبيحة على الأرض حال الذبح؛ فلا فرق بين أن يضعها على الجانب الأيمن كهيئة الميّت حال الدفن وأن يضعها على الأيسر.
      مسألة 13 - لا يعتبر في التسمية كيفيّة خاصّة وأن تكون في ضمن البسملة، بل المدار صدق ذكر اسم اللّه عليها؛ فيكفي أن يقول: «بسم اللّه» أو «اللّه أكبر» أو «الحمدللّه» أو «لا إله إلّا اللّه» ونحوها. وفي الاكتفاء بلفظ «اللّه» من دون أن يقرن بما يصير به كلاماً تامّاً دالّاً على صفة كمال أو ثناء أو تمجيدٍ إشكال. نعم، التعدّي من لفظ «اللّه» إلى سائر أسمائه الحسنى - كالرحمان والبارئ والخالق وغيرها من أسمائه الخاصّة - غير بعيد، لكن لا يترك الاحتياط فيه، كما أنّ التعدّي إلى ما يرادف لفظ الجلالة في لغة اُخرى كلفظة «يزدان» في الفارسيّة وغيرها في غيرها لا يخلو من وجه وقوّة، لكن لا ينبغي ترك الاحتياط بمراعاة العربيّة.
      مسألة 14 - الأقوى عدم اعتبار استقرار الحياة في حلّيّة الذبيحة بالمعنى الّذي فسّروه، وهو أن لا تكون مشرفةً على الموت بحيث لا يمكن أن يعيش مثلها اليوم أو نصف اليوم، كالمشقوق بطنه والمخرج حشوته والمذبوح من قفاه الباقية أوداجه والساقط من شاهق ونحوها؛ بل المعتبر أصل الحياة ولو كانت عند إشراف الخروج؛ فإن علم ذلك فهو، وإلّا يكون الكاشف عنها الحركة بعد الذبح ولو كانت يسيرةً كما تقدّم.
      مسألة 15 - لا يشترط في حلّيّة الذبيحة بعد وقوع الذبح عليها حيّاً أن يكون خروج روحها بذلك الذبح؛ فلو وقع عليها الذبح الشرعيّ ثمّ وقعت في نار أو ماء أو سقطت من جبل ونحو ذلك فماتت بذلك حلّت على الأقوى.
      مسألة 16 - يختصّ الإبل من بين البهائم بكون تذكيتها بالنحر، كما أنّ غيرها يختصّ بالذبح، فلو ذبحت الإبل أو نحر غيرها كان ميتةً. نعم، لو بقيت له الحياة بعد ذلك أمكن التدارك، بأن يذبح ما يجب ذبحه بعد ما نحر أو ينحر ما يجب نحره بعد ما ذبح ووقعت عليه التذكية.
      مسألة 17 - كيفيّة النحر ومحلّه أن يدخل سكّيناً أو رمحاً ونحوهما من الآلات الحادّة الحديديّة في لبته، وهي المحلّ المنخفض الواقع بين أصل العنق والصدر. ويشترط فيه كلّ ما اشترط في التذكية الذبحيّة؛ فيشترط في الناحر ما اشترط في الذابح، وفي آلة النحر ما اشترط في آلة الذبح، وتجب التسمية عنده كما تجب عند الذبح، ويجب الاستقبال بالمنحور. وفي اعتبار الحياة واستقرارها هنا ما مرّ في الذبيحة.
      مسألة 18 - يجوز نحر الإبل قائمةً وباركةً مقبلةً إلى القبلة، بل يجوز نحرها ساقطةً على جنبها مع توجيه منحرها ومقاديم بدنها إلى القبلة وإن كان الأفضل كونها قائمةً.
      مسألة 19 - كلّ ما يتعذّر ذبحه ونحره إمّا لاستعصائه أو لوقوعه في موضع لايتمكّن الإنسان من الوصول إلى موضع ذكاته ليذبحه أو ينحره - كما لو تردّى في البئر أو وقع في مكان ضيّق وخيف موته - جاز أن يعقره بسيف أو سكّين أو رمح أو غيرها ممّا يجرحه ويقتله، ويحلّ أكله وإن لم يصادف العقر موضع التذكية، وسقطت شرطيّة الذبح والنحر، وكذلك الاستقبال. نعم، سائر الشرائط من التسمية وشرائط الذابح والناحر تجب مراعاتها. وأمّا الآلة فيعتبر فيها ما مرّ في آلة الصيد الجماديّة. وفي الاجتزاء هنا بعقر الكلب وجهان، أقواهما ذلك في المستعصي؛ ومنه الصائل المستعصي، دون غيره كالمتردّي.
      مسألة 20 - للذباحة والنحر آداب ووظائف مستحبّة ومكروهة:
      فمنها - على ما حكي الفتوى به عن جماعة - : أن يربط يدي الغنم مع إحدى رجليه ويطلق الاُخرى، ويمسك صوفه وشعره بيده حتّى يبرد. وفي البقر أن يعقل قوائمه الأربع، ويطلق ذنبه. وفي الإبل أن تكون قائمةً، ويربط يديها ما بين الخفّين إلى الركبتين أو الإبطين ويطلق رجليها. وفي الطير أن يرسله بعدالذبح حتّى يرفرف.
      ومنها: أن يكون الذابح والناحر مستقبل القبلة.
      ومنها: أن يعرض عليه الماء قبل الذبح والنحر.
      ومنها: أن يعامل مع الحيوان في الذبح والنحر ومقدّماتهما ما هو الأسهل والأروح وأبعد من التعذيب والإيذاء له، بأن يُساق إلى الذبح والنحر برفق ويضجعه برفق، وأن يحدّد الشفرة، وتُوارى وتستر عنه حتّى لا يراها، وأن يسرع في العمل ويمرّ السكّين في المذبح بقوّة.
      وأمّا المكروهة فمنها: أن يسلخ جلده قبل خروج الروح، وقيل بالحرمة وإن لم تحرم به الذبيحة، وهو أحوط.
      ومنها: أن يقلب السكّين ويدخلها تحت الحلقوم ويقطع إلى فوق.
      ومنها: أن يذبح حيوان و حيوان آخر مجانس له ينظر إليه، وأمّا غيره ففيها تأمّل وإن لا تخلو من وجه.
      ومنها: أن يذبح ليلاً، وبالنهار قبل الزوال يوم الجمعة إلّا مع الضرورة.
      ومنها: أن يذبح بيده ما ربّاه من النعم. وأمّا إبانة الرأس قبل خروج الروح منه فالأحوطتركها، بل الحرمةلاتخلومن وجه. نعم، لاتحرم الذبيحةبفعلهاعلى الأقوى. هذا مع التعمّد. وأمّا مع الغفلة أو سبق السكّين فلا حرمة ولا كراهة - لا في الأكل ولا في الإبانة - بلا إشكال. والأحوط ترك أن تنخع الذبيحة، بمعنى إصابة السكّين إلى نخاعها، وهو الخيط الأبيض وسط القفار الممتدّ من الرقبة إلى عجز الذنب.
      مسألة 21 - لو خرج جنين أو اُخرج من بطن اُمّه فمع حياة الاُمّ أو موتها بدون التذكية لم يحلّ أكله إلّا إذا كان حيّاً ووقعت عليه التذكية، وكذا إن خرج أو اُخرج حيّاً من بطن اُمّه المذكّاة، فإنّه لا يحلّ إلّا بالتذكية؛ فلولم يذكّ لم يحلّ وإن كان عدمها من جهة عدم اتّساع الزمان لها على الأقوى. وأمّا لو خرج أو اُخرج ميّتاً من بطن اُمّه المذكّاة حلّ أكله وكانت تذكيته بتذكية اُمّه، لكن بشرط كونه تامّ الخلقة وقد أشعر أو أوبر، وإلّا فميتة. ولا فرق في حلّيّته مع الشرط المزبور بين ما لم تلجه الروح وبين ما ولجته ومات في بطن اُمّه على الأقوى.
      مسألة 22 - لو كان الجنين حيّاً حال إيقاع الذبح أو النحر على اُمّه ومات بعده قبل أن يشقّ بطنها ويستخرج منها حلّ على الأقوى لو بادر على شقّ بطنها ولم يدرك حياته، بل ولو لم يبادر ولم يؤخّر زائداً على القدر المتعارف في شقّ بطون الذبائح بعد الذبح وإن كان الأحوط المبادرة وعدم التأخير حتّى بالقدر المتعارف. ولو أخّر زائداً عن المتعارف ومات قبل أن يشقّ البطن فالأحوط الاجتناب عنه.
      مسألة 23 - لا إشكال في وقوع التذكية على كلّ حيوان حلّ أكله ذاتاً وإن حرم بالعارض كالجلّال والموطوء، بحريّاً كان أو برّيّاً، وحشيّاً كان أو إنسيّاً، طيراً كان أو غيره وإن اختلف في كيفيّة التذكية على ما مرّ. وأثر التذكية فيها طهارة لحمها وجلدها وحلّيّة لحمها لو لم يحرم بالعارض. وأمّا غير المأكول من الحيوان فما ليس له نفس سائلة لا أثر للتذكية فيه لا من حيث الطهارة ولا من حيث الحلّيّة، لأنّه طاهر ومحرّم أكله على كلّ حال. وما كان له نفس سائلة فإن كان نجس العين -كالكلب والخنزير- فليس قابلاً للتذكية. وكذا المسوخ غير السباع كالفيل والدبّ والقرد ونحوها. وكذا الحشرات، وهي الدوابّ الصغار الّتي تسكن باطن الأرض كالفأرة وابن عرس والضبّ ونحوها على الأحوط الّذي لا يترك فيهما وإن كانت الطهارة لا تخلو من وجه. وأمّا السباع وهي ما تفترس الحيوان وتأكل اللحم -سواء كانت من الوحوش كالأسد والنمر والفهد والثعلب وابن آوى وغيرها، أو من الطيور كالصقر والبازي والباشق وغيرها- فالأقوى قبولها للتذكية، وبها تطهر لحومها وجلودها، فيحلّ الانتفاع بها، بأن تلبس في غير الصلاة ويفترش بها، بل بأن تجعل وعاءً للمائعات، كأن تجعل قربة ماء أو عكّة سمن أو دبّة دهن ونحوها وإن لم تدبغ على الأقوى، وإن كان الأحوط أن لا تستعمل ما لم تكن مدبوغةً.
      مسألة 24 - الظاهر أنّ جميع أنواع الحيوان المحرّم الأكل ممّا كانت له نفس سائلة - غير ما ذكر آنفاً - تقع عليها التذكية، فتطهر بها لحومها وجلودها.
      مسألة 25 - تذكية جميع ما يقبل التذكية من الحيوان المحرّم الأكل إنّما تكون بالذبح مع الشرائط المعتبرة في ذبح الحيوان المحلّل؛ وكذا بالاصطياد بالآلة الجماديّة في خصوص الممتنع منها كالمحلّل. وفي تذكيتها بالاصطياد بالكلب المعلّم تردّد وإشكال.
      مسألة 26 - ما كان بيد المسلم من اللحوم والشحوم والجلود إذا لم يعلم كونهإ؛ظطظظ من غير المذكّى يؤخذ منه ويعامل معه معاملة المذكّى ، بشرط تصرّف ذي اليد فيه تصرّفاً مشروطاً بالتذكية على الأحوط، فحينئذٍ يجوز بيعه وشراؤه وأكله واستصحابه في الصلاة وسائر الاستعمالات المتوقّفة على التذكية؛ ولا يجب عليه الفحص والسؤال، بل ولا يستحبّ بل نهي عنه. وكذلك ما يباع منها في سوق المسلمين، سواء كان بيد المسلم أو مجهول الحال؛ بل وكذا ما كان مطروحاً في أرضهم إذا كان فيه أثر الاستعمال، كما إذا كان اللحم مطبوخاً والجلد مخيطاً أو مدبوغاً. وكذا إذا اُخذ من الكافر وعلم كونه مسبوقاً بيد المسلم على الأقوى، بشرط مراعاة الاحتياط المتقدّم. وأمّا ما يؤخذ من يد الكافر ولو في بلاد المسلمين ولم يعلم كونه مسبوقاً بيد المسلم وما كان بيد مجهول الحال في بلاد الكفّار أو كان مطروحاً في أرضهم ولم يعلم أنّه مسبوق بيد المسلم واستعماله يعامل معه معاملة غير المذكّى، وهو بحكم الميتة. والمدار في كون البلد أو الأرض منسوباً إلى المسلمين غلبة السكّان القاطنين بحيث ينسب عرفاً إليهم ولو كانوا تحت سلطة الكفّار، كما أنّ هذا هو المدار في بلد الكفّار. ولو تساوت النسبة من جهة عدم الغلبة فحكمه حكم بلد الكفّار.
      مسألة 27 - لا فرق في إباحة ما يؤخذ من يد المسلم بين كونه مؤمناً أو مخالفاً يعتقد طهارة جلد الميتة بالدبغ ويستحلّ ذبائح أهل الكتاب ولا يراعي الشروط الّتي اعتبرناها في التذكية. وكذا لا فرق بين كون الآخذ موافقاً مع المأخوذ منه في شرائط التذكية - اجتهاداً أو تقليداً - أو مخالفاً معه فيها إذا احتمل الآخذ تذكيته على وفق مذهبه، كما إذا اعتقد الآخذ لزوم التسمية بالعربيّة دون المأخوذ منه إذا احتمل أنّ ما بيده قد روعي فيه ذلك وإن لم يلزم رعايته عنده. واللّه العالم.

  • كتاب الأطعمة والاشربة
    • القول في الحيوان

       

      القول في الحيوان

      مسألة 1 - لا يؤكل من حيوان البحر إلّا السمك والطير في الجملة، فيحرم غيره من أنواع حيوانه حتّى ما يؤكل مثله في البرّ - كبقره - على الأقوى.
      مسألة 2 - لا يؤكل من السمك إلّا ما كان له فلس وقشور بالأصل وإن لم تبق وزالت بالعارض كالكنعت، فإنّه - على ما ورد فيه - حوت سيّئة الخلق تحتك بكلّ شي ء فيذهب فلسها، ولذا لو نظرت إلى أصل اُذنها وجدته فيه. ولا فرق بين أقسام السمك ذي القشور، فيحلّ جميعها صغيرها وكبيرها من البزّ والبنّيّ والشُبّوط والقطّان والطيراميّ والإبلاميّ وغيرها، ولا يؤكل منه ما ليس له فلس في الأصل كالجِرّيّ والزمّار والزهو والمارماهي وغيرها.
      مسألة 3 - الإربيان - المسمّى في لسان أهل هذا الزمان ب«الرُوبيان» - من جنس السمك الّذي له فلس، فيجوز أكله.
      مسألة 4 - بيض السمك يتبعه؛ فبيض المحلّل حلال وإن كان أملس، وبيض المحرّم حرام وإن كان خشناً. والأحوط في حال الاشتباه عدم أكل ما كان أملس. نعم، لو كان مشتبهاً في أنّه من المحلّل والمحرّم وكان خشناً أو اشتبه ذلك أيضاً حلّ أكله.
      مسألة 5 - البهائم البرّيّة من الحيوان صنفان: إنسيّة ووحشيّة:
      أمّا الإنسيّة فيحلّ منها جميع أصناف الغنم والبقر والابل، ويكره الخيل والبغال والحمير، وأخفّها كراهةً الأوّل. وتحرم منها غير ذلك كالكلب والسنّور وغيرهما.
      وأمّا الوحشيّة فتحلّ منها الظبي والغزلان والبقر والكباش الجبليّة واليحمور والحمير الوحشيّة. وتحرم منها السباع، وهي ما كان مفترساً وله ظفر وناب، قويّاً كان كالأسد والنمر والفهد والذئب، أو ضعيفاً كالثعلب والضبع وابن آوى. وكذا يحرم الأرنب وإن لم يكن من السباع. وكذا تحرم الحشرات كلّها، كالحيّة والفأرة والضبّ واليربوع والقنفذ والصراصر والجُعَل والبراغيث والقُمّل وغيرها ممّا لاتحصى. وكذا تحرم المسوخ كالفيل والقردة والدبّ وغيرها.
      مسألة 6 - يحلّ من الطير الحمام بجميع أصنافه، كالقماريّ وهو الأزرق، والدباسيّ وهو الأحمر، والوَرَشان وهو الأبيض، والدُرّاج والقَبَج والقطا والطيهوج والبطّ والكَرَوان والحُبارى والكُركيّ، والدجاج بجميع أقسامه، والعصفور بجميع أنواعه، ومنه البلبل والزُرزُور والقُبّرة وهي الّتي على رأسها القزعة. ويكره منه الهدهد، والخَطّاف وهو الّذي يأوى البيوت وآنس الطيور بالناس، والصُرَد وهو طائر ضخم الرأس والمنقار يصيد العصافير أبقع نصفه أسود ونصفه أبيض، والصوام وهو طائر أغبر اللون طويل الرقبة أكثر ما يبيت في النخل، والشِقِرّاق وهو طائر أخضر مليح بقدر الحمام، خضرته حسنة مشبعة، في أجنحته سواد، ويكون مخطّطاً بحمرة وخضرة وسواد. ولا يحرم شي ء منها حتّى الخَطّاف على الأقوى. ويحرم منه الخُفّاش والطاووس وكلّ ذي مخلب، سواء كان قويّاً يقوى به على افتراس الطيركالبازي والصَقر والعقاب والشاهين والباشَق، أو ضعيفاً لايقوى به على ذلك كالنسر والبُغاث.
      مسألة 7 - الأحوط التنزّه والاجتناب عن الغراب بجميع أقسامه حتّى الزاغ، وهو غراب الزرع، والغُداف الّذي هو أصغر منه أغبر اللون كالرماد. ويتأكّد الاحتياط في الأبقع الّذي فيه سواد وبياض - ويقال له: العقعق - والأسودِ الكبير الّذي يسكن الجبال، وهما يأكلان الجيف. ويحتمل قويّاً كونهما من سباع الطير، فتقوى فيهما الحرمة، بل الحرمة في مطلق الغراب لا تخلو من قرب.
      مسألة 8 - يميّز محلّل الطير عن محرّمه بأمرين، جُعل كلّ منهما في الشرع علامةً للحلّ والحرمة في ما لم ينصّ على حلّيّته ولا على حرمته، دون ما نصّ فيه على حكمه من حيث الحلّ والحرمة كالأنواع المتقدّمة:
      أحدهما: الصفيف والدفيف، فكلّ ما كان صفيفه (وهو بسط جناحيه عند الطيران) أكثر من دفيفه - وهو تحريكهما عنده - فهو حرام، وما كان بالعكس بأن كان دفيفه أكثر فهو حلال.
      ثانيهما: الحوصلة والقانصة والصيصية؛ فما كان فيه أحد هذه الثلاثة فهو حلال، وما لم يكن فيه شي ء منها فهو حرام. والحوصلة: ما يجتمع فيه الحبّ وغيره من المأكول عند الحلق. والقانصة: قطعة صلبة تجتمع فيها الحصاة الدقاق الّتي يأكلها الطير. والصيصية: هي الشوكة الّتي في رجل الطير موضع العقب. ويتساوى طير الماء مع غيره في العلامتين المزبورتين؛ فما كان دفيفه أكثر من صفيفه أو كان فيه أحد الثلاثة فهو حلال وإن كان يأكل السمك، وما كان صفيفه أكثر من دفيفه أو لم يوجد فيه شي ء من الثلاثة فهو حرام.
      مسألة 9 - لو تعارضت العلامتان كما إذا كان ما صفيفه أكثر من دفيفه ذا حوصلة أو قانصة أو صيصية أو كان ما دفيفه أكثر من صفيفه فاقداً للثلاثة فالظاهر أنّ الاعتبار بالصفيف والدفيف، فيحرم الأوّل ويحلّ الثاني على إشكال في الثاني، فلا يترك الاحتياط وإن كان الحلّ أقرب؛ لكن ربّما قيل بالتلازم بين العلامتين وعدم وقوع التعارض بينهما، فلا إشكال.
      مسألة 10 - لو رأى طيراً يطير وله صفيف ودفيف ولم يتبيّن أيّهما أكثر تعيّن له الرجوع إلى العلامة الثانية، وهي وجود أحد الثلاثة وعدمها؛ وكذا إذا وجد طيراً مذبوحاً لم يعرف حاله. ولو لم يعرف حاله مطلقاً فالأقرب الحلّ.
      مسألة 11 - لو فرض تساوي الصفيف والدفيف فالأحوط أن يرجع إلى العلامة الثانية، ومع عدم معرفة الثانية فالأقرب الحلّ.
      مسألة 12 - بيض الطيور تابع لها في الحلّ والحرمة؛ فبيض المحلّل حلال والمحرّم حرام. وما اشتبه أنّه من أيّهما يؤكل ما اختلف طرفاه وتميّز رأسه من تحته مثل بيض الدجاج، دون ما اتّفق وتساوى طرفاه.
      مسألة 13 - النَعامة من الطيور، وهي حلال لحماً وبيضاً على الأقوى.
      مسألة 14 - اللقلق لم ينصّ على حرمته ولا على حلّيّته، فليرجع إلى العلامات. والظاهر أنّ صفيفه أكثر، فهو حرام؛ ومن لم يحرز له ذلك يرجع إلى العلامة الثانية.
      مسألة 15 - تعرض الحرمة على الحيوان المحلّل بالأصل من اُمور: منها: الجلل، وهو أن يتغذّى الحيوان عذرة الإنسان بحيث يصدق عرفاً أنّها غذاؤه. ولايلحق بها عذرة غيره ولا سائر النجاسات. ويتحقّق صدق المزبور بانحصار غذائه بها؛ فلوكان يتغذّى بها مع غيرها لم يتحقّق الصدق؛ فلم يحرم إلّا أن يكون تغذّيه بغيرها نادراً جدّاً بحيث يكون بأنظار العرف بحكم العدم، وبأن يكون تغذّيه بها مدّةً معتدّاً بها. والظاهر عدم كفاية يوم وليلة، بل يشكّ صدقه بأقلّ من يومين بل ثلاثة.
      مسألة 16 - يعمّ حكم الجلل كلّ حيوان محلّل حتّى الطير والسمك.
      مسألة 17 - كما يحرم لحم الحيوان بالجلل يحرم لبنه وبيضه، ويحلّان بما يحلّ به لحمه. وبالجملة: هذا الحيوان المحرّم بالعارض كالحيوان المحرّم بالأصل في جميع الأحكام قبل أن يستبرأ ويزول حكمه. نعم، الحكم في بعض أفراد الكلّيّة مبنيّ على الاحتياط.
      مسألة 18 - الظاهر أنّ الجلل ليس مانعاً عن التذكية، فيُذكّى الجلّال بما يُذكّى به غيره، ويترتّب عليها طهارة لحمه وجلده كسائر الحيوانات المحرّمة بالأصل القابلة للتذكية.
      مسألة 19 - تزول حرمة الجلّال بالاستبراء بترك التغذّي بالعذرة والتغذّي بغيرها حتّى يزول عنه اسم الجلل. ولا يترك الاحتياط مع زوال الاسم بمضيّ المدّة المنصوصة في كلّ حيوان، وهي في الإبل أربعون يوماً، وفي البقر عشرون يوماً، والأحوط ثلاثون، وفي الغنم عشرة أيّام، وفي البطّة خمسة أيّام، وفي الدجاجة ثلاثة أيّام، وفي السمك يوم وليلة. وفي غير ما ذكر المدار هو زوال اسم الجلل بحيث لم يصدق أنّه يتغذّى بالعذرة، بل صدق أنّ غذاءه غيرها.
      مسألة 20 - كيفيّة الاستبراء أن يمنع الحيوان - بربط أو حبس - عن التغذّي بالعذرة في المدّة المقرّرة، ويعلف في تلك المدّة علفاً طاهراً على الأحوط وإن كان الاكتفاء بغير ما أوجب الجلل مطلقاً - وإن كان متنجّساً أو نجساً - لا يخلو من قوّة، خصوصاً في المتنجّس.
      مسألة 21 - يستحبّ ربط الدجاجة الّتي يراد أكلها أيّاماً ثمّ ذبحها وإن لم يعلم جللها.
      مسألة 22 - ممّا يوجب حرمة الحيوان المحلّل بالأصل أن يطأه الإنسان قُبُلاً أو دُبُراً وإن لم يُنزل، صغيراً كان الواطئ أو كبيراً، عالماً كان أو جاهلاً، مختاراً كان أو مكرهاً، فحلاً كان الموطوء أو اُنثى؛ فيحرم بذلك لحمه ولحم نسله المتجدّد بعد الوطء، على الأقوى في نسل الاُنثى وعلى الأحوط في نسل الذكر، وكذا لبنهما وصوفهما وشعرهما. والظاهر أنّ الحكم مختصّ بالبهيمة، ولا يجري في وطء سائر الحيوانات، لا فيها ولا في نسلها.
      مسألة 23 - الحيوان الموطوء إن كان ممّا يراد أكله كالشاة والبقرة والناقة يجب أن يذبح ثمّ يحرق ويغرم الواطئ قيمته لمالكه إن كان غير المالك، وإن كان ممّإ؛عع ظظ يراد ظهره - حملاً أو ركوباً - وليس يعتاد أكله كالحمار والبغل والفرس اُخرج من المحلّ الّذي فعل به إلى بلد آخر فيباع فيه، فيعطى ثمنه للواطئ، ويغرم قيمته إن كان غير المالك.
      مسألة 24 - ممّا يوجب عروض الحرمة على الحيوان المحلّل بالأصل أن يرضع حمل أو جدي أو عجل من لبن خنزيرة حتّى قوي ونبت لحمه واشتدّ عظمه، فيحرم لحمه ولحم نسله ولبنهما. ولا تلحق بالخنزيرة الكلبة ولا الكافرة. وفي تعميم الحكم للشرب من دون رضاع وللرضاع بعد ما كبر وفطم إشكال وإن كان أحوط. وإن لم يشتدّ كره لحمه. وتزول الكراهة بالاستبراء سبعة أيّام، بأن يُمنع عن التغذّي بلبن الخنزيرة ويُعلف إن استغنى عن اللبن، وإن لم يستغن عنه يُلقى على ضرع شاة - مثلاً - في تلك المدّة.
      مسألة 25 - لو شرب الحيوان المحلّل الخمر حتّى سكر وذبح في تلك الحالة يؤكل لحمه لكن بعد غسله على الأحوط، ولا يؤكل ما في جوفه من الأمعاء والكرش والقلب والكبد وغيرها وإن غسل. ولو شرب بولاً ثمّ ذبح عقيب الشرب حلّ لحمه بلا غسل، ويؤكل ما في جوفه بعد ما يغسل.
      مسألة 26 - لو رضع جدي أو عناق أو عجل من لبن امرأة حتّى فطم وكبر لم يحرم لحمه، لكنّه مكروه.
      مسألة 27 - يحرم من الحيوان المحلّل أربعة عشر شيئاً: الدم والروث والطحال والقضيب، والفرج ظاهره وباطنه، والاُنثيان والمثانة والمرارة، والنخاع وهو خيط أبيض كالمخّ في وسط فقار الظهر، والغدد وهي كلّ عقدة في الجسد مدوّرة يشبه البندق في الأغلب، والمشيمة وهي موضع الولد، ويجب الاحتياط عن قرينه الّذي يخرج معه، والعلباوان وهما عصبتان عريضتان صفراوان ممتدّتان على الظهر من الرقبة إلى الذنب، وخرزة الدماغ وهي حبّة في وسط الدماغ بقدر الحمّصة، تميل إلى الغبرة في الجملة، يخالف لونها لون المخّ الّذي في الجمجمة، والحدقة وهي الحبّة الناظرة من العين، لا جسم العين كلّه.
      مسألة 28 - تختصّ حرمة الأشياء المذكورة بالذبيحة والمنحورة؛ فلا يحرم من السمك والجراد شي ء منها، ما عدا الرجيع والدم على إشكال فيهما.
      مسألة 29 - لا يترك الاحتياط بالاجتناب عن كلّ ما وجد من المذكورات في الطيور، كما لا إشكال في حرمة الرجيع والدم منها.
      مسألة 30 - يؤكل من الذبيحة غير ما مرّ، فيؤكل القلب والكبد والكرش والأمعاء والغضروف والعضلات وغيرها. نعم، يكره الكليتان واُذنا القلب والعروق، خصوصاً الأوداج. وهل يؤكل منها الجلد والعظم مع عدم الضرر أم لا؟ أظهرهما الأوّل وأحوطهما الثاني. نعم، لا إشكال في جلد الرأس وجلد الدجاج وغيره من الطيور، وكذا في عظم صغار الطيور كالعصفور.
      مسألة 31 - يجوز أكل لحم ما حلّ أكله نيّاً ومطبوخاً، بل ومحروقاً إذا لم يكن مضرّاً. نعم، يكره أكله غريضاً، أي كونه طريّاً لم يتغيّر بالشمس ولا النار ولا بذرّ الملح عليه وتجفيفه في الظلّ وجعله قديداً.
      مسألة 32 - اختلفوا في حلّيّة بول ما يؤكل لحمه - كالغنم والبقر - عند عدم الضرورة وعدمها، والأوّل هوالأقوى؛ كما لاإشكال في حلّيّة بول الإبل للاستشفاء.
      مسألة 33 - يحرم رجيع كلّ حيوان ولو كان ممّا حلّ أكله. نعم، الظاهر عدم حرمة فضلات الديدان الملتصقة بأجواف الفواكه والبطائخ ونحوها؛ وكذا ما في جوف السمك والجراد إذا اُكل معهما.
      مسألة 34 - يحرم الدم من الحيوان ذي النفس حتّى العلقة، عدا ما يتخلّف في الذبيحة، على إشكال في ما يجتمع منه في القلب والكبد. وأمّا الدم من غير ذي النفس: فماكان ممّا حرم أكله كالوزغ والضفدع فلا إشكال في حرمته، وما كان ممّا حلّ أكله كالسمك الحلال ففيه خلاف، والظاهر حلّيّته إذا اُكل مع السمك، بأن اُكل السمك بدمه، وأمّا إذا اُكل منفرداً ففيه إشكال. والأحوط الاجتناب من الدم في البيضة وإن كان طاهراً.
      مسألة 35 - قد مرّ في كتاب الطهارة طهارة ما لا تحلّه الحياة من الميتة حتّى اللبن والبيضة - إذا اكتست جلدها الأعلى الصلب - والإنفحة؛ وهي كما أنّها طاهرة حلال أيضاً.
      مسألة 36 - لا إشكال في حرمة القيح والوسخ والبلغم والنخامة من كلّ حيوان. وأمّا البصاق والعرق من غير نجس العين فالظاهر حلّيّتهما، خصوصاً الأوّل، وخصوصاً إذا كان من الإنسان أو ممّا يؤكل لحمه من الحيوان.

    • القول في غير الحيوان

       

      القول في غير الحيوان

      مسألة 1 - يحرم تناول الأعيان النجسة، وكذا المتنجّسة ما دامت باقيةً على النجاسة، مائعةً كانت أو جامدة.
      مسألة 2 - يحرم تناول كلّ ما يضرّ بالبدن، سواء كان موجباً للهلاك - كشرب السموم القاتلة وشرب الحامل ما يوجب سقوط الجنين - أو سبباً لانحراف المزاج، أو لتعطيل بعض الحواسّ الظاهرة أو الباطنة، أو لفقد بعض القوى، كالرجل يشرب ما يقطع به قوّة الباه والتناسل، أو المرأة تشرب ما به تصير عقيماً لا تلد.
      مسألة 3 - لا فرق في حرمة تناول المضرّ - على الأقوى في ما يوجب التهلكة وعلى الأحوط في غيره - بين معلوم الضرر ومظنونه، بل ومحتمله أيضاً إذا كان احتماله معتدّاً به عند العقلاء بحيث أوجب الخوف عندهم. وكذا لا فرق بين أن يكون الضرر المترتّب عليه عاجلاً أو بعد مدّة.
      مسألة 4 - يجوز التداوي والمعالجة بما يحتمل فيه الخطر ويؤدّي إليه أحياناً، إذا كان النفع المترتّب عليه حسب ما ساعدت عليه التجربة وحكم به الحذّاق وأهل الخبرة غالبيّاً، بل يجوز المعالجة بالمضرّ العاجل الفعليّ المقطوع به إذا يدفع به ما هو أعظم ضرراً وأشدّ خطراً. ومن هذا القبيل قطع بعض الأعضاء دفعاً للسراية المؤدّية إلى الهلاك وبطّ الجرح، والكيّ بالنار، وبعض العمليّات المعمولة في هذه الأعصار، بشرط أن يكون الإقدام على ذلك جارياً مجرى العقلاء، بأن يكون المباشر للعمل حاذقاً محتاطاً مبالياً غير مسامح ولا متهوّر.
      مسألة 5 - ما كان يضرّ كثيره دون قليله يحرم كثيره المضرّ دون قليله غير المضرّ. ولو فرض العكس كان بالعكس؛ وكذا ما يضرّ منفرداً لا منضمّاً مع غيره يحرم منفرداً، وما كان بالعكس كان بالعكس.
      مسألة 6 - ما لا يضرّ تناوله مرّة أو مرّتين - مثلاً - لكن يضرّ إدمانه وزيادة تكريره والتعوّد به يحرم تكريره المضرّ خاصّة.
      مسألة 7 - يحرم أكل الطين، وهو التراب المختلط بالماء حال بلّته؛ وكذا المدر، وهو الطين اليابس. ويلحق بهما التراب على الأحوط وإن كان عدم الإلحاق لا يخلو من قوّة إلّا مع إضراره. ولا بأس بما يختلط به الحنطة أو الشعير -مثلاً- من التراب والمدر وصارا دقيقاً واستهلك فيه؛ وكذا ما يكون على وجه الفواكه ونحوها من التراب والغبار؛ وكذا الطين الممتزج بالماء - المتوحّل - الباقي على إطلاقه. نعم، لو أحسّ ذائقته الأجزاء الطينيّة حين الشرب فالأحوط الاجتناب إلى أن يصفو وإن كان الأقرب جواز شربه مع الاستهلاك.
      مسألة 8 - الظاهر أنّه لا يلحق بالطين الرمل والأحجار وأنواع المعادن فهي حلال كلّها مع عدم الضرر.
      مسألة 9 - يستثنى من الطين طين قبر سيّدنا أبي عبداللّه الحسين(عليه السلام) للاستشفاء. ولا يجوز أكله لغيره، ولا أكل ما زاد عن قدر الحمّصة المتوسّطة. ولايلحق به طين غير قبره حتّى قبر النبي(صلى الله عليه وآله وسلم) والأئمّة(عليهم السلام) على الأقوى. نعم، لابأس بأن يمزج بماء أو شربة ويستهلك فيه والتبرّك والاستشفاء بذلك الماء وتلك الشربة.
      مسألة 10 - ذكر لأخذ التربة المقدّسة وتناولها عند الحاجة آداب وأدعية، لكنّ الظاهر أنّها شروط كمال لسرعة الإجابة، لا شرط لجواز تناولها.
      مسألة 11 - القدر المتيقّن من محلّ أخذ التربة هو القبر الشريف وما يلحق به عرفاً. والأحوط الاقتصار عليه، وأحوط منه استعمال الترب الّتي في هذه الأعصار ممزوجاً بالماء أو غيره على نحو الاستهلاك، بل لا يترك هذا الاحتياط إذا كان المأخوذ طيناً أو مدراً. نعم، بناءً على ما قدّمناه -من عدم حرمة التراب مطلقاً- لا بأس بأخذه للاستشفاء من الحائر وغيره إلى رأس ميل، بل أزيد ممّا اشتملت عليه الأخبار بقصد الرجاء، ولا يحرم تناوله، لكن لا ينبغي ترك الاحتياط.
      مسألة 12 - تناول التربة المقدّسة للاستشفاء إمّا بازدرادها وابتلاعها، وإمّا بحلّها في الماء وشربه، أو بأن يمزجها بشربة ويشربها بقصد الشفاء.
      مسألة 13 - لو أخذ التربة بنفسه أو علم من الخارج بأنّ هذا الطين من تلك التربة المقدّسة فلا إشكال؛ وكذا إذا قامت على ذلك البيّنة، بل الظاهر كفاية قول عدل واحد بل شخص ثقة. وفي كفاية قول ذي اليد إشكال. والأحوط في غير صورة العلم وقيام البيّنة تناولها بالامتزاج بماء أو شربة بعد استهلاكها.
      مسألة 14 - لا يبعد جواز تناول طين الأرمنيّ للتداوي، ولكنّ الأحوط عدم تناوله إلّا عند انحصار العلاج، أو ممزوجاً بماء ونحوه بحيث لا يصدق معه أكل الطين.
      مسألة 15 - يحرم الخمر بالضرورة من الدين، بحيث يكون مستحلّها في زمرة الكافرين مع الالتفات إلى لازمه أي تكذيب النبيّ 9 والعياذ باللّه. وقد ورد في الأخبار التشديد العظيم في تركها، والتوعيد الشديد في ارتكابها؛ وعن الصادق 7: «أنّ الخمر اُمّ الخبائث ورأس كلّ شرّ، يأتي على شاربها ساعة يسلب لبّه فلا يعرف ربّه، ولا يترك معصيةً إلّا ركبها، ولا يترك حرمةً إلّا انتهكها، ولا رحماً ماسّة إلّا قطعها، ولا فاحشةً إلّا أتاها». وقد ورد «أنّ رسول اللّه 9 لعن فيها عشرة: غارسها وحارسها وعاصرها وشاربها وساقيها وحاملها والمحمول إليه وبائعها ومشتريها وآكل ثمنها»، بل نصّ في بعض الأخبار أنّه أكبر الكبائر؛ وفي أخبار كثيرة أنّ «مدمن الخمر كعابدوثن»، وقد فسّر المدمن في بعض الأخبار بأنّه ليس الّذي يشربها كلّ يوم، ولكنّه الموطّن نفسه أنّه إذا وجدها شربها. هذا. مع كثرة المضارّ في شربها الّتي اكتشفها حذّاق الأطبّاء في هذه الأزمنة وأذعن بها المنصفون من غير ملّتنا.
      مسألة 16 - يلحق بالخمر - موضوعاً أو حكماً - كلّ مسكر، جامداً كان أو مائعاً، وما أسكر كثيره دون قليله حرم قليله وكثيره. ولو فرض عدم إسكارها في بعض الطباع أو بعض الأصقاع أو مع العادة لا يوجب ذلك عدم حرمتها.
      مسألة 17 - لو انقلبت الخمر خلّاً حلّت، سواء كان بنفسها أو بعلاج، بدون مزج شي ء بها أو معه، سواء استهلك الخليط فيها قبل أن تنقلب خلّاً، كما إذا مزجت بقليل من الملح أو الخلّ فاستهلكا فيها ثمّ انقلبت خلّاً، أو لم يستهلك بل بقي فيها إلى ما بعد الانقلاب لكن بشرط أن يكون الخلط للعلاج وبمقدار متعارف، وأمّا مع الزيادة عنه فمحلّ إشكال، بل مع الغلبة فالأقوى حرمتها ونجاستها، ويطهر الممتزج المتعارف الباقي بالتبعيّة كما يطهر بها الإناء.
      مسألة 18 - ومن المحرّمات المائعة الفقّاع إذا صار فيه نشيش وغليان وإن لم يسكر. وهو شراب معروف كان في الصدر الأوّل يتّخذ من الشعير في الأغلب. وليس منه ماء الشعير المعمول بين الأطبّاء.
      مسألة 19 - يحرم عصير العنب إذا نشّ وغلى بنفسه أو غلى بالنار. وأمّا العصير الزبيبيّ والتمريّ فيحلّان إن غليا بالنار؛ وكذا إن غليا بنفسهما، إلّا إذا ثبت إسكارهما. والظاهر أنّ الغليان بالشمس كالغليان بالنار، فله حكمه.
      مسألة 20 - الظاهر أنّ الماء الّذي في جوف حبّة العنب بحكم عصيره؛ فيحرم إذا غلى بنفسه أو بالنار. نعم، لا يحكم بحرمته ما لم يحرز غليانه؛ فلو وقعت حبّة من العنب في قدر يغلي وهي تعلو وتسفل في الماء المغليّ فلا تحرم ما لم يعلم بغليانه، ومجرّد ما ذكر لا يوجب غليان جوفها.
      مسألة 21 - من المعلوم أن الزبيب ليس له عصير في نفسه، فالمراد بعصيره ما اكتسب منه الحلاوة، إمّا بأن يدقّ ويخلط بالماء، وإمّا بأن ينقع في الماء ويمكث إلى أن يكتسب حلاوته بحيث صار في الحلاوة بمثابة عصير العنب، وإمّا بأن يمرس ويعصر بعد النقع فيستخرج عصارته. وأمّا إذا كان الزبيب على حاله وحصل في جوفه ماء فالظاهر أنّ ما فيه ليس من عصيره، فلا يحرم بالغليان ولو قلنا بحرمة عصيره المغليّ؛ فلا إشكال في ما وضع في طبيخ أو كبّة أو محشيّ ونحوها وإن ورد فيه ماء وغلى، فضلاً عمّا إذا شكّ فيه.
      مسألة 22 - الظاهر أنّ ما غلى بنفسه من أقسام العصير الّذي قلنا بحرمته، لاتزول حرمته إلّا بالتخليل كالخمر، حيث إنّها لا تحلّ إلّا بانقلابها خلّاً، ولا أثر فيه لذهاب الثلثين. وأمّا ما غلى بالنار ونحوها فتزول حرمته بذهاب ثلثيه؛ والأحوط أن يكون ذلك بالنار أو بما يغليه، لا بالهواء وطول المكث. نعم، لا يلزم أن يكون ذهاب الثلثين في حال غليانه، بل يكفي ذلك إذا كان مستنداً إلى النار ولو بضميمة ما ينقص منه بعد غليانه قبل أن يبرد؛ فلو كان العصير في القدر على النار وقد غلى حتّى ذهب نصفه - ثلاثة أسداسه - ثمّ وُضع القدر على الأرض فنقص منه قبل أن يبرد - بسبب صعود البخار - سدس آخر كفى في الحلّيّة.
      مسألة 23 - إذا صار العصير المغليّ دبساً قبل أن يذهب ثلثاه لا يكفي في حلّيّته على الأحوط.
      مسألة 24 - إذا اختلط العصير بالماء ثمّ غلى فذهب ثلثا المجموع ففي الحلّيّة إشكال، إلّا إذا علم بذهاب ثلثي العصير.
      مسألة 25 - لو صُبّ على العصير المغليّ قبل أن يذهب ثلثاه مقدار من العصير غير المغليّ وجب ذهاب ثلثي مجموع ما بقي من الأوّل مع ما صُبّ ثانياً، ولايحسب ما ذهب من الأوّل أوّلاً؛ فإذا كان في القدر تسعة أرطال من العصير فغلى حتّى ذهب منه ثلاثة وبقي ستّة ثمّ صُبّ عليه تسعة أرطال اُخر فصار خمسة عشر يجب أن يغلي حتّى يذهب عشرة ويبقى خمسة، ولا يكفي ذهاب تسعة وبقاء ستّة؛ لكن أصل هذا العمل خلاف الاحتياط، فالأحوط أن يطبخ كلّ على حدة وإن كان لما ذكرنا وجه.
      مسألة 26 - لا بأس بأن يطرح في العصير قبل ذهاب الثلثين مثل اليقطين والسفرجل والتفّاح وغيرها ويطبخ فيه حتّى يذهب ثلثاه، فإذا حلّ حلّ ما طبخ فيه؛ لكن إذا كانت المطروح ممّا يجذب العصير إلى جوفه فلابدّ في حلّيّته من ذهاب ثلثي ما في جوفه أيضاً.
      مسألة 27 - يثبت ذهاب الثلثين من العصير المغليّ بالعلم وبالبيّنة وبإخبار ذي اليد المسلم، بل وبالأخذ منه إذا كان ممّن يعتقد حرمة ما لم يذهب ثلثاه، بل وإذا لم يعلم اعتقاده أيضاً. نعم، إذا علم أنّه ممّن يستحلّ العصير المغليّ قبل أن يذهب ثلثاه - مثل أن يعتقد أنّه يكفي في حلّيّته صيرورته دبساً، أو اعتقد أنّ ذهاب الثلثين لايلزم أن يكون بالنار، بل يكفي بالهواء وطول المكث أيضاً - ففي جواز الاستيمان بقوله إذا أخبر عن حصول التثليث خلاف وإشكال. وأولى بالإشكال جواز الأخذ منه والبناء على أنّه طبخ على الثلث إذا احتمل ذلك من دون تفحّص عن حاله؛ فالأحوط الاجتناب عنه وعدم الاعتماد بقوله وعدم البناء على تثليث ما اُخذ منه، بل لا يخلو من قوّة.
      مسألة 28 - يحرم تناول مال الغير - وإن كان كافراً محترم المال - بدون إذنه ورضاه، ولابدّ من إحراز ذلك بعلم ونحوه؛ وقد ورد: «من أكل من طعام لم يدع إليه فكأنّما أكل قطعةً من النار».
      مسألة 29 - يجوز أن يأكل الانسان - ولو مع عدم الضرورة - من بيوت الآباء والاُمّهات والأولاد والإخوان والأخوات والأعمام والعمّات والأخوال والخالات والأصدقاء؛ وكذا الزوجة من بيت زوجها؛ وكذا يجوز لمن كان وكيلاً على بيت أحد - مفوّضاً إليه اُموره وحفظه بما فيه - أن يأكل من بيت موكّله. وإنّما يجوز الأكل من تلك البيوت إذا لم يعلم كراهة صاحب البيت؛ فيكون امتيازها عن غيرها بعدم توقّف جواز الأكل منها على إحراز الرضا والإذن من صاحبها، فيجوز مع الشكّ بل مع الظنّ بالعدم أيضاً على الأقوى، لكن لا ينبغي ترك الاحتياط، خصوصاً مع غلبته. والأحوط اختصاص الحكم بما يعتاد أكله من الخبز والتمر والإدام والفواكه ونحوها، دون نفائس الأطعمة الّتي تدّخر غالباً لمواقع الحاجة وللأضياف ذوي الشرف والعزّة. والظاهر التعدية إلى غير المأكول من المشروبات العاديّة كاللبن المخيض واللبن الحليب وغيرها. ولا يتعدّى إلى بيوت غيرهم ولا إلى غير بيوتهم كدكاكينهم وبساتينهم، كما أنّه يقتصر على ما في البيت من المأكول، فلايتعدّى إلى ما يشترى من الخارج بثمن يؤخذ من البيت.
      مسألة 30 - تباح جميع المحرّمات المزبورة حال الضرورة، إمّا لتوقّف حفظ نفسه وسدّ رمقه على تناوله، أو لعروض المرض الشديد الّذي لا يتحمّل عادةً بتركه، أو لأداء تركه إلى لحوق الضعف المفرط المؤدّي إلى المرض الّذي لايتحمّل عادة أو إلى التلف، أو المؤدّي إلى التخلّف عن الرفقة مع ظهور أمارة العطب. ومنها ما إذا أدّى تركه إلى الجوع والعطش اللذين لا يتحمّلان عادة. ومنها ما إذا خيف بتركه على نفس اُخرى محترمة، كالحامل تخاف على جنينها، والمرضعة على طفلها؛ بل ومنها خوف طول المرض الّذي لا يتحمّل عادةً أو عسر علاجه بترك التناول. والمدار في الكلّ هو الخوف الحاصل من العلم أو الظنّ بالترتّب، بل الاحتمال الّذي يكون له منشأ عقلائيّ، لا مجرّد الوهم والاحتمال.
      مسألة 31 - ومن الضرورات المبيحة للمحرّمات: الإكراه والتقيّة عمّن يخاف منه على نفسه، أو نفسٍ محترمة، أو على عرضه، أو عرضٍ محترم، أو مالٍ محترم منه معتدّ به ممّا يكون تحمّله حرجيّاً، أو من غيره كذلك.
      مسألة 32 - في كلّ مورد يتوقّف حفظ النفس على ارتكاب محرّم يجب الارتكاب؛ فلا يجوز التنزّه والحال هذه. ولا فرق بين الخمر والطين وبين سائر المحرّمات؛ فإذا أصابه عطش حتّى خاف على نفسه جاز شرب الخمر بل وجب. وكذا إذا اضطرّ إلى غيرها من المحرّمات.
      مسألة 33 - لو اضطرّ إلى محرّم فليقتصر على مقدار الضرورة، ولا يجوز له الزيادة؛ فإذا اقتضت الضرورة أن يشرب الخمر أو يأكل الميتة لدفع الخوف على نفسه فليقتصر على ذلك، ولا يجوز له الزيادة.
      مسألة 34 - يجوز التداوي لمعالجة الأمراض بكلّ محرّم إذا انحصر به العلاج ولو بحكم الحذّاق من الأطبّاء الثقات. والمدار هو انحصاره بحسب تشخيصهم ممّا بين أيدي الناس ممّا يعالج به، لا الواقع الّذي لا يحيط به إدراك البشر.
      مسألة 35 - المشهور - على ما حكي - عدم جواز التداوي بالخمر، بل بكلّ مسكر حتّى مع الانحصار؛ لكنّ الجواز لا يخلو من قوّة بشرط العلم بكون المرض قابلاً للعلاج، والعلمِ بأنّ تركه يؤدّي إلى الهلاك أو إلى ما يُدانيه، والعلمِ بانحصار العلاج به بالمعنى الّذي ذكرناه. ولا يخفى شدّة أمر الخمر؛ فلا يبادر إلى تناولها والمعالجة بها إلّا إذا رأى من نفسه الهلاك أو نحوه لو ترك التداوي بها ولو بسبب توافق جماعة من الحذّاق واُولي الديانة والدراية من الأطبّاء، وإلّا فليصطبر على المشقّة، فلعلّ البارى ء - تعالى شأنه - يعافيه لمّا رأى منه التحفّظ على دينه، أو يعطيه الثواب الجزيل على صبره.
      مسألة 36 - لو اضطرّ إلى أكل طعام الغير لسدّ رمقه وكان المالك حاضراً: فإن كان هو أيضاً مضطرّاً لم يجب عليه بذله، وهل لا يجوز له ذلك؟ فيه تأمّل، ولا يجوز للمضطرّ قهره؛ وإن لم يكن مضطرّاً يجب عليه بذله للمضطرّ، وإن امتنع عن البذل جاز له قهره بل مقاتلته والأخذ منه قهراً. ولا يتعيّن على المالك بذله مجّاناً، فله أن لا يبذله إلّا بالعوض، وليس للمضطرّ قهره بدونه؛ فإن اختار البذل بالعوض: فإن لم يقدّره بمقدار كان له عليه ثمن مثل ما أكله إن كان قيميّاً، أو مثله إن كان مثليّاً؛ وإن قدّره لم يتعيّن عليه تقديره بثمن المثل أو أقلّ، بل له أن يقدّره بأزيد منه ما لم ينته إلى الحرج، وإلّا فليس له. فبعد التقدير إن كان المضطرّ قادراً على دفعه يجب عليه الدفع إن طالبه به، وإن كان عاجزاً يكون في ذمّته. هذا إذا كان المالك حاضراً. ولو كان غائباً فله الأكل منه بقدر سدّ رمقه وتقدير الثمن وجعله في ذمّته، ولا يكون أقلّ من ثمن المثل. والأحوط المراجعة إلى الحاكم لو وجد، ومع عدمه فإلى عدول المؤمنين.
      مسألة 37 - يحرم الأكل على مائدة يشرب عليها شي ء من الخمر بل وغيرها من المسكرات، وكذا الفقاع. ثمّ إنّ للأكل والشرب آداباً مندوبةً ومكروهةً مذكورةً في المفصّلات فليراجع إليها.

  • كتاب الغصب

     

    كتاب الغصب

    وهو الاستيلاء على ما للغير من مال أو حقّ عدواناً. وقد تطابق العقل والنقل -كتاباً وسنّةً وإجماعاً- على حرمته، وهو من أفحش الظلم الّذي قد استقلّ العقل بقبحه.
    وفي النبويّ: «من غصب شبراً من الأرض طوّقه اللّه من سبع أرضين يوم القيامة»، وفي نبويّ آخر: «من خان جاره شبراً من الأرض جعله اللّه طوقاً في عنقه من تخوم الأرض السابعة، حتّى يلقى اللّه يوم القيامة مطوّقاً، إلّا أن يتوب ويرجع»، وفي آخر: «من أخذ أرضاً بغير حقّ كلّف أن يحمل ترابها إلى المحشر»، ومن كلام أميرالمؤمنين 7: «الحجر الغصب في الدار رهن على خرابها».
    مسألة 1 - المغصوب إمّا عين مع المنفعة من مالك واحد أو مالكين، وإمّا عين بلا منفعة، وإمّا منفعة مجرّدة، وإمّا حقّ ماليّ متعلّق بعين؛ فالأوّل: كغصب الدار من مالكها، وكغصب العين المستأجرة من المؤجر والمستأجر؛ والثاني: كما إذا غصب المستأجر العين المستأجرة من مالكها في مدّة الإجارة؛ والثالث: كما إذا أخذ المؤجر العين المستأجرة وانتزعها من يد المستأجر واستولى على منفعتها مدّة الإجارة؛ والرابع: كما إذا استولى على أرض محجّرة أو عينٍ مرهونة بالنسبة إلى المرتهن الّذي له فيها حقّ الرهانة، ومن ذلك غصب المساجد والمدارس والرباطات والقناطر والطرق والشوارع العامّة، وكذا غصب المكان الّذي سبق إليه أحد من المساجد والمشاهد، على احتمال موافق للاحتياط.
    مسألة 2 - المغصوب منه قد يكون شخصاً، كما في غصب الأعيان والمنافع المملوكة للأشخاص والحقوق لهم، وقد يكون النوع أو الجهة، كغصب الرباط المعدّ لنزول القوافل، والمدرسةِ المعدّة لسكنى الطلبة إذا غصب أصل المدرسة ومنع عن سكنى الطلبة، وكغصب الخمس والزكاة قبل دفعهما إلى المستحقّ، وكغصب ما يتعلّق بالمشاهد والمساجد ونحوهما.
    مسألة 3 - للغصب حكمان تكليفيّان: وهما الحرمة ووجوب الردّ إلى المغصوب منه أو وليّه، وحكم وضعيّ، وهو الضمان، بمعنى كون المغصوب على عهدة الغاصب، وكون تلفه وخسارته عليه، وأنّه إذا تلف يجب عليه دفع بدله، ويقال لهذا الضمان: ضمان اليد.
    مسألة 4 - يجري الحكمان التكليفيّان في جميع أقسام الغصب، فالغاصب آثم فيها ويجب عليه الردّ. وأمّا الحكم الوضعيّ - وهو الضمان - فيختصّ بما إذا كان المغصوب من الأموال، عيناً كان أو منفعةً؛ فليس في غصب الحقوق ضمان اليد.
    مسألة 5 - لو استولى على حُرّ فحبسه لم يتحقّق الغصب - لا بالنسبة إلى عينه ولا بالنسبة إلى منفعته - وإن أثم بذلك وظلمه، سواء كان كبيراً أو صغيراً؛ فليس عليه ضمان اليد الّذي هو من أحكام الغصب؛ فلو أصابه حرقٌ أو غرقٌ أو مات تحت استيلائه من غير تسبيب منه لم يضمن؛ وكذا لا يضمن منافعه، كما إذا كان صانعاً ولم يشتغل بصنعته في تلك المدّة فلا يضمن اُجرته. نعم، لو استوفى منه منفعةً - كما إذا استخدمه - لزمه اُجرته؛ وكذا لو تلف بتسبيب منه، مثل ما إذا حبسه في دار فيها حيّة فلدغته أو في محلّ السباع فافترسته ضمنه، من جهة سببيّته للتلف، لا لأجل الغصب واليد.
    مسألة 6 - لو منع غيره عن إمساك دابّته المرسلة أو من القعود على فراشه أو عن الدخول في داره أو عن بيع متاعه لم يكن غاصباً وإن كان عاصياً وظالماً له من جهة منعه؛ فلو هلكت الدابّة وتلف الفراش أو انهدمت الدار أو نقصت قيمة المتاع بعد المنع لم يكن على المانع ضمان اليد، وهل عليه ضمان من جهة اُخرى أم لا؟ أقواهما العدم في الأخير، وهو ما إذا نقصت القيمة. وأمّا في غيره: فإن كان الهلاك والتلف والانهدام غير مستند إلى منعه بأن كانت بآفة سماويّة وسبب قهريّ - لا يتفاوت في ترتّبها بين ممنوعيّة المالك وعدمها - لم يكن عليه ضمان، وأمّا إذا كان مستنداً إليه كما إذا كانت الدابّة ضعيفةً أو في موضع السباع وكان المالك يحفظها فلمّا منعه المانع ولم يقدر على حفظها وقع عليها الهلاك ففي الضمان تأمّلٌ، لكنّه أحوط.
    مسألة 7 - استيلاء الغاصب على المغصوب وصيرورته تحت يده عرفاً يختلف باختلاف المغصوبات. والميزان صيرورة الشي ء كذلك عدواناً؛ ففي المنقول غير الحيوان يتحقّق بأخذه بيده أو بنقله إليه أو إلى بيته أو دكّانه أو أنباره وغيرها ممّا يكون محرزاً لأمواله ولو كان ذلك لا بمباشرته بل بأمره؛ فلو نقل حمّال بأمره كان الآمر غاصباً وكفى في الضمان، بل ولوكان المنقول في بيته أو دكّانه - مثلاً - وطالب المالك ولم يؤدّه إليه وكان مستولياً على البيت والدكّان يكفي في الضمان، بل لو استولى على الفراش - مثلاً - ولو بقعوده عليه كفى. ولايكفي مجرّد القعود وقصد الاستيلاء ما لم يتحقّق ذلك عرفاً، وهو مختلف في الموارد؛ كما أنّ في الحيوان أيضاً هو الميزان. ويكفي الركوب عليه لو أخذ مقوده وزمامه أو سوقه بعد طرد المالك ودفعه أو عدم حضوره إذا كان يمشي بسياقه ويكون منقاداً له؛ فلو كانت قطيع غنم في الصحراء ومعها راعيها فطرده واستولى عليها بعنوان القهر والانتزاع من مالكها وجعل يسوقها وصار بمنزلة راعيها يحافظها ويمنعها عن التفرّق فالظاهر كفايته في تحقّق الغصب، لصدق الاستيلاء عرفاً. وأمّا غير المنقول فيكفي في غصب الدار ونحوها - كالدكّان والخان - أن يسكنها أو يسكن غيره ممّن يأتمر بأمره فيها بعد إزعاج المالك عنها أو عدم حضورها؛ وكذا لو أخذ مفاتيحها من صاحبها قهراً وكان يغلق الباب ويفتحه ويتردّد فيها. وأمّا البستان فكذلك لو كان له باب وحيطان، وإلّا فيكفي دخوله والتردّد فيه بعد طرد المالك بعنوان الاستيلاء وبعض التصرّفات فيه. وكذا الحال في غصب القرية والمزرعة. هذا كلّه في غصب الأعيان. وأمّا غصب المنافع فإنّما هو بانتزاع العين ذات المنفعة عن مالك المنفعة وجعلها تحت يده بنحو ما تقدّم، كما في العين المستأجرة إذا أخذها المؤجر أو غيره من المستأجر واستولى عليها في مدّة الإجارة، سواء استوفى تلك المنفعة الّتي ملكها المستأجر أم لا.
    مسألة 8 - لو دخل الدار وسكنها مع مالكها فإن كان المالك ضعيفاً غير قادر على مدافعته وإخراجه: فإن اختصّ استيلاؤه وتصرّفه بطرفٍ معيّن منها اختصّ الغصب والضمان بذلك الطرف دون غيره؛ وإن كان استيلاؤه وتصرّفاته وتقلّباته في أطراف الدار وأجزائها بنسبة واحدة وتساوي يد الساكن مع يد المالك عليها فالظاهر كونه غاصباً للنصف، فيكون ضامناً له خاصّة، بمعنى أنّه لو انهدمت الدار ضمن الساكن نصفها، ولو انهدم بعضها ضمن نصف ذلك البعض، وكذا يضمن نصف منافعها. ولو فرض أنّ المالك الساكن أزيد من واحد ضمن الساكن الغاصب بالنسبة في الفرض، فإن كانا اثنين ضمن الثلث، وإن كانوا ثلاثة ضمن الربع وهكذا. ولو كان الساكن ضعيفاً بمعنى أنّه لا يقدر على مقاومة المالك وأنّه كلّما أراد أن يخرجه من داره أخرجه فالظاهر عدم تحقّق الغصب ولا اليد ولا الاستيلاء، فليس عليه ضمان اليد. نعم، عليه بدل ما استوفاه من منفعة الدار مادام كونه فيها.
    مسألة 9 - لو أخذ بمقود الدابّة فقادها وكان المالك راكباً عليها: فإن كان في الضعف وعدم الاستقلال بمثابة المحمول عليها كان القائد غاصباً لها بتمامها، ويتبعه الضمان؛ ولو كان بالعكس (بأن كان المالك الراكب قويّاً قادراً على مقاومته ومدافعته) فالظاهر عدم تحقّق الغصب أصلاً، فلا ضمان عليه لو تلفت الدابّة في تلك الحال. نعم، لا إشكال في ضمانه لها لو اتّفق تلفها بسبب قوده لها، كما يضمن السائق لها لو كان لها جماح فشردت بسوقه فوقعت في بئر أو سقطت عن مرتفع -مثلاً - فتلفت أو عيبت.
    مسألة 10 - لو اشترك اثنان في الغصب ضمن كلّ منهما للبعض بنسبةالاستيلاء، إن نصفاً فنصف وهكذا، سواء كان كلّ واحد منهما قويّاً قادراً على الاستيلاء على العين ودفع المالك والقهر عليه أم لا، بل كان كلّ ضعيفاً بانفراده وإنّما استيلاؤهما عليها ودفع المالك كان بالتعاضد والتعاون، وسواء كان المالك حاضراً أو غائباً.
    مسألة 11 - غصب الأوقاف العامّة - كالمساجد والمقابر والمدارس والقناطر والرباطات المعدّة لنزول المسافرين والطرق والشوارع العامّة ونحوها - والاستيلاء عليها وإن كان حراماً ويجب ردّها لكنّ الظاهر أنّه لا يوجب ضمان اليد، لا عيناً ولا منفعةً؛ فلو غصب مسجداً أو مدرسةً أو رباطاً فانهدمت تحت يده من دون تسبيب منه لم يضمن عينها ولا منفعتها. نعم، الأوقاف العامّة على الفقراء أو غيرهم بنحو وقف المنفعة يوجب غصبها الضمان عيناً ومنفعة؛ فإذا غصب خاناً أو دكّاناً أو بستاناً كانت وقفاً على الفقراء - مثلاً - على أن تكون منفعتها ونماؤها لهم ترتّب عليه الضمان كغصب المملوك.
    مسألة 12 - لو حبس حرّاً لم يضمن - لا نفسه ولا منافعه - ضمان اليد حتّى في ما إذا كان صانعاً؛ فليس على الحابس اُجرة صنعته مدّة حبسه. نعم، لو كان أجيراً لغيره في زمان فحبسه حتّى مضى ضمن منفعته الفائتة للمستأجر؛ وكذا لو استخدمه واستوفى منفعته كان عليه اُجرة عمله. ولو غصب دابّةً - مثلاً - ضمن منافعها، سواء استوفاها أم لا.
    مسألة 13 - لو منع حرّاً عن عمل له اُجرة من غير تصرّف واستيفاء لم يضمن عمله، ولم يكن عليه اُجرته.
    مسألة 14 - يلحق بالغصب في الضمان المقبوضُ بالعقد المعاوضيّ الفاسد أو كالمعاوضيّ مثل المهر. ويلحق به المقبوض بمثل الجعالة الفاسدة ممّا لا يكون عقداً؛ فالمبيع الّذي يأخذه المشتري والثمن الّذي يأخذه البائع في البيع الفاسد يكون ضمانهما كالمغصوب، سواء كانا عالمين بالفساد أو لا؛ وكذلك الاُجرة الّتي يأخذها المؤجر في الإجارة الفاسدة؛ وكذا المهر الّذي تأخذه المرأة في النكاح الفاسد، والجُعل الّذي يأخذه العامل في الجعالة الفاسدة. وأمّا المقبوض بالعقد الفاسد غير المعاوضيّ وأشباهه فليس فيه ضمان؛ فلو قبض المتّهب ما وهب له بالهبة الفاسدة ليس عليه ضمان. ويلحق بالغصب أيضاً المقبوض بالسوم. والمراد به ما يأخذه الشخص لينظر فيه أو يضع عنده ليطّلع على خصوصيّاته لكي يشتريه إذا وافق نظره، فهو في ضمان آخذه، فلو تلف عنده ضمنه.
    مسألة 15 - يجب ردّ المغصوب إلى مالكه مادام باقياً وإن كان في ردّه مؤونة، بل وإن استلزم ردّه الضرر عليه، حتّى أنّه لو أدخل الخشبة المغصوبة في بناءٍ لزم عليه إخراجها وردّها لو أرادها المالك وإن أدّى إلى خراب البناء؛ وكذا إذا أدخل اللوح المغصوب في سفينة يجب عليه نزعه وردّه، إلّا إذا خيف من قلعه الغرق الموجب لهلاك نفس محترمة أو مال محترم لغير الغاصب الجاهل بالغصب، وإلّا ففيه تفصيل. وهكذا الحال في ما إذا خاط ثوبه بخيوط مغصوبة، فإنّ للمالك إلزامه بردّها، ويجب عليه ذلك وإن أدّى إلى فساد ثوبه. وإن ورد نقص على الخشب أو اللوح أو الخيط بسبب إخراجها ونزعها يجب على الغاصب تداركه. هذا إذا يبقى للمخرج والمنزوع قيمة بعد ذلك، وإلّا فالظاهر أنّه بحكم التالف، فيلزم الغاصب بدفع البدل، وليس للمالك مطالبة العين.
    مسألة 16 - لو مزج المغصوب بما يمكن تميزه ولكن مع المشقّة - كما إذا(1) مزج الشعير المغصوب بالحنطة أو الدخن بالذرّة - يجب عليه أن يميّزه ويردّه.
    مسألة 17 - يجب على الغاصب مع ردّ العين بدل ما كانت لها من المنفعة في تلك المدّة إن كانت لها منفعة، سواء استوفاها - كالدار سكنها والدابّة ركبها - أم لإ؛كك ظي وجعلها معطّلة.
    مسألة 18 - لو كانت للعين منافع متعدّدة وكانت معطّلةً فالمدار المنفعة المتعارفة بالنسبة إلى تلك العين، ولا ينظر إلى مجرّد قابليّتها لبعض منافع اُخر؛ فمنفعة الدار بحسب المتعارف هي السكنى وإن كانت قابلةً في نفسها بأن تجعل محرزاً أو مسكناً لبعض الدوابّ وغير ذلك، ومنفعة بعض الدوابّ كالفرس بحسب المتعارف الركوب ومنفعة بعضها الحمل وإن كانت قابلةً في نفسها لأن تستعمل في إدارة الرحى والدولاب أيضاً. فالمضمون في غصب كلّ عين هو المنفعة المتعارفة بالنسبة إليها. ولو فرض تعدّد المتعارف منها على نحو التبادل كبعض الدوابّ الّتي تعارف استعمالها في الحمل والركوب معاً: فإن لم يتفاوت اُجرة تلك المنافع ضمن تلك الاُجرة، وإن كانت اُجرة بعضها أعلى ضمن الأعلى؛ فلو فرض أنّ اُجرة الحمل في كلّ يوم درهمان واُجرة الركوب درهم كان عليه درهمان. والظاهر أنّ الحكم كذلك مع الاستيفاء أيضاً، فمع تساوي المنافع في الاُجرة كان عليه اُجرة ما استوفاه، ومع التفاوت كان عليه اُجرة الأعلى، سواء استوفى الأعلى أو الأدنى.
    مسألة 19 - إن كان المغصوب منه شخصاً يجب الردّ إليه أو إلى وكيله إن كان كاملاً، وإلى وليّه إن كان قاصراً كما إذا كان صبيّاً أو مجنوناً؛ فلو ردّ في الثاني إلى نفس المالك لم يرتفع منه الضمان. وإن كان المغصوب منه هو النوع كما إذا كان المغصوب وقفاً على الفقراء وقف منفعة: فإن كان له متولّ ٍ خاصّ يردّه إليه، وإلّا فيردّه إلى الوليّ العامّ، وهو الحاكم، وليس له أن يردّه إلى بعض أفراد النوع، بأن يسلّمه في المثال المذكور إلى أحد الفقراء. نعم، في مثل المساجد والشوارع والقناطر بل الرباطات إذا غصبها يكفي في ردّها رفع اليد عنها وإبقاؤها على حالها. بل يحتمل أن يكون الأمر كذلك في المدارس؛ فإذا غصب مدرسةً يكفي في ردّها رفع اليد عنها والتخلية بينها وبين الطلبة، والأحوط الردّ إلى الناظر الخاصّ لو كان، وإلّا فإلى الحاكم. هذا إذا غصبها ولم يكن فيها ساكن، وإلاّ فلا يبعد وجوب الردّ إلى الطلبة الساكنين فيها حال الغصب إن لم يعرضوا عن حقّهم.
    مسألة 20 - إذا كان المغصوب والمالك كلاهما في بلد الغصب فلا إشكال. وكذا إن نقل المال إلى بلد آخر وكان المالك في بلد الغصب، فإنّه يجب عليه عود المال إلى ذلك البلد وتسليمه إلى المالك. وأمّا إذا كان المالك في غير بلد الغصب: فإن كان في بلد المال فله إلزامه بأحد أمرين: إمّا بتسليمه له في ذلك البلد، وإمّا بنقله إلى بلد الغصب؛ وأمّا إن كان في بلد آخر فلا إشكال في أنّ له إلزامه بنقل المال إلى بلد الغصب، وهل له إلزامه بنقل المال إلى البلد الّذي يكون فيه المالك؟ الظاهر أنّه ليس له ذلك.
    مسألة 21 - لو حدث في المغصوب نقص وعيب وجب على الغاصب أرش النقصان - وهو التفاوت بين قيمته صحيحاً وقيمته معيباً - وردّ المعيوب إلى مالكه، وليس للمالك إلزامه بأخذ المعيوب ودفع تمام القيمة. ولافرق على الظاهربين ماكان العيب مستقرّاً وبين ما كان ممّا يسري ويتزايد شيئاً فشيئاً حتّى يتلف المال بالمرّة.
    مسألة 22 - لو كان المغصوب باقياً لكن نزلت قيمته السوقيّة ردّه، ولم يضمن نقصان القيمة ما لم يكن ذلك بسبب نقصان في العين.
    مسألة 23 - لو تلف المغصوب أو ما بحكمه - كالمقبوض بالعقد الفاسد والمقبوض بالسوم - قبل ردّه إلى المالك ضمنه بمثله إن كان مثليّاً وبقيمته إن كان قيميّاً. وتعيين المثليّ والقيميّ موكول إلى العرف. والظاهر أنّ المصنوعات بالمكائن في هذا العصر مثليّات أو بحكمها، كما أنّ الحبوبات والأدهان وعقاقير الأدوية ونحوها مثليّات، وأنواع الحيوان وكذا الجواهر ونحوها قيميّات.
    مسألة 24 - إنّما يكون مثل الحنطة مثليّاً إذا لوحظ أشخاص كلّ صنف منها على حدة، ولم يلاحظ أشخاص صنف مع أشخاص صنف آخر منها مباين له في كثير من الصفات والخصوصيات؛ فإذا تلف عنده مقدار من صنف خاصّ من الحنطة يجب عليه دفع ذلك المقدار من ذلك الصنف لا صنف آخر. نعم، التفاوت الّذي بين أشخاص ذلك الصنف لا ينظر إليه. وكذلك الأرز، فإنّ فيه أصنافاً متفاوتهً جدّاً، فأين العنبر من الحويزاويّ أو غيره؟! فإذا تلف عنده مقدار من العنبر يجب عليه دفع ذلك المقدار منه لا من غيره. وكذلك الحال في التمر وأصنافه والأدهان وغير ذلك ممّا لا يحصى.
    مسألة 25 - لو تعذّر المثل في المثليّ ضمن قيمته. وإن تفاوتت القيمة وزادت ونقصت بحسب الأزمنة - بأن كان له حين الغصب قيمةٌ وفي وقت تلف العين قيمةٌ ويوم التعذّر قيمةٌ واليوم الّذي يدفع القيمة إلى المغصوب منه قيمةٌ - فالمدار هو الأخير، فيجب عليه دفع تلك القيمة؛ فلو غصب منّاً من الحنطة كان قيمتها درهمين فأتلفها في زمان كانت الحنطة موجودةً وكانت قيمتها ثلاثة دراهم ثمّ تعذّرت وكانت قيمتها أربعة دراهم ثمّ مضى زمان وأراد أن يدفع القيمة من جهة تفريغ ذمّته وكانت قيمة الحنطة في ذلك الزمان خمسة دراهم يجب دفع هذه القيمة.
    مسألة 26 - يكفي في التعذّر الّذي يجب معه دفع القيمة فقدانه في البلد وما حوله ممّا ينقل منه إليه عادة.
    مسألة 27 - لو وجد المثل بأكثر من ثمن المثل وجب عليه الشراء ودفعه إلى المالك ما لم يؤدّ إلى الحرج.
    مسألة 28 - لو وجد المثل ولكن تنزّلت قيمته لم يكن على الغاصب إلّا إعطاؤه، وليس للمالك مطالبته بالقيمة ولا بالتفاوت؛ فلو غصب منّاً من الحنطة في زمان كانت قيمتها عشرة دراهم وأتلفها ولم يدفع مثلها - قصوراً أو تقصيراً - إلى زمان قد تنزّلت قيمتها وصارت خمسة دراهم لم يكن عليه إلّا إعطاء منّ من الحنطة، ولم يكن للمالك مطالبة القيمة ولا مطالبة خمسة دراهم مع منّ من الحنطة، بل ليس له الامتناع عن الأخذ فعلاً وإبقاؤها في ذمّة الغاصب إلى أن تترقّى القيمة إذا كان الغاصب يريد الأداء وتفريغ ذمّته فعلاً.
    مسألة 29 - لو سقط المثل عن الماليّة بالمرّة من جهة الزمان أو المكان فالظاهر أنّه ليس للغاصب إلزام المالك بأخذ المثل، ولا يكفي دفعه في ذلك الزمان أو المكان في ارتفاع الضمان لو لم يرض به المالك؛ فلو غصب ثلجاً في الصيف وأتلفه وأراد أن يدفع إلى المالك مثله في الشتاء أو قربةَ ماء في مفازة فأراد أن يدفع إليه قربة ماء عند الشطّ ليس له ذلك وللمالك الامتناع، فله أن يصبر وينتظر زماناً أو مكاناً آخر فيطالبها بالمثل الّذي له القيمة، وله أن يطالب الغاصب بالقيمة فعلاً كما في صورة تعذّر المثل، وحينئذٍ فهل يراعي قيمته في زمان الغصب ومكانه؟ المسألة مشكلة، فالأحوط التخلّص بالتصالح.
    مسألة 30 - لو تلف المغصوب وكان قيميّاً كالدوابّ والثياب ضمن قيمته؛ فإن لم يتفاوت قيمته في الزمان الّذي غصبه مع قيمته في زمان تلفه فلا إشكال، وإن تفاوتت بأن كانت قيمته يوم الغصب أزيد من قيمته يوم التلف أو العكس فهل يراعى الأوّل أو الثاني؟ فيه قولان مشهوران؛ وهنا وجه آخر، وهو مراعاة قيمة يوم الدفع. والأحوط التراضي في ما به التفاوت بين يوم الغصب إلى يوم الدفع. هذا إذا كان تفاوت القيمة من جهة السوق وتفاوت رغبة الناس. وأمّا إن كان من جهة زيادة ونقصان في العين - كالسمن والهزال - فلا إشكال في أنّه يراعى أعلى القيم وأحسن الأحوال، بل لو فرض أنّه لم يتفاوت قيمة زماني الغصب والتلف من هذه الجهة لكن حصل فيه ارتفاع بين الزمانين ثمّ زال ضمن ارتفاع قيمته الحاصل في تلك الحال، مثل ما لو كان الحيوان هازلاً حين الغصب ثمّ سمن ثمّ عاد إلى الهزال وتلف، فإنّه يضمن قيمته حال سمنه.
    مسألة 31 - لو اختلف القيمة باختلاف المكان - كما إذا كان المغصوب في بلد الغصب بعشرة، وفي بلد التلف بعشرين، وفي بلد الأداء بثلاثين - فلا يترك الاحتياط المتقدّم في المسألة السابقة.
    مسألة 32 - كما أنّه عند تلف المغصوب يجب على الغاصب دفع بدله إلى المالك مثلاً أو قيمةً كذلك في ما إذا تعذّر على الغاصب عادةً تسليمه، كما إذا سرق أو دفن في مكان لا يقدر على إخراجه، أو أبق العبد أو شردت الدابّة ونحو ذلك، فإنّه يجب عليه إعطاء مثله أو قيمته مادام كذلك، ويسمّى ذلك البدل بدل الحيلولة، ويملك المالك البدل مع بقاء المغصوب في ملكه، وإذا أمكن تسليم المغصوب وردّه يسترجع البدل.
    مسألة 33 - لو كان للبدل نماء ومنافع في تلك المدّة كان للمغصوب منه. نعم، نماؤه المتّصل كالسمن يتبع العين، فإذا استرجعها الغاصب استرجعها بنمائها. وأمّا المبدل فلمّا كان باقياً على ملك مالكه فنماؤه ومنافعه له، لكنّ الغاصب لا يضمن منافعه الغير المستوفاة في تلك المدّة على الأقوى.
    مسألة 34 - القيمة الّتي يضمنها الغاصب في القيميّات وفي المثليّات عند تعذّر المثل هو نقد البلد من الذهب والفضّة المضروبين بسكّة المعاملة وغيرهما ممّا هو نقد البلد كالأوراق النقديّة. وهذا هو الّذي يستحقّه المغصوب منه، كما هو كذلك في جميع الغرامات والضمانات؛ فليس للضامن دفع غيره إلّا بالتراضي بعد مراعاة قيمة ما يدفعه مقيساً إلى نقد البلد.
    مسألة 35 - الظاهر أنّ الفلزّات والمعادن المنطبعة - كالحديد والرصاص والنحاس - كلّها مثليّة حتّى الذهب والفضّة مضروبين أو غير مضروبين، وحينئذٍ تضمن جميعها بالمثل، وعند التعذّر تضمن بالقيمة كسائر المثليّات المتعذّر المثل. نعم، في خصوص الذهب والفضّة تفصيل، وهو أنّه إذا قوّم بغير الجنس كما إذا قوّم الذهب بالدرهم أو قوّم الفضّة بالدينار فلا إشكال، وأمّا إذا قوّم بالجنس بأن قوّم الفضّة بالدرهم أو قوّم الذهب بالدينار: فإن تساوى القيمة والمقوّم وزناً - كما إذا كانت الفضّة المضمونة المقوّمة عشرة مثاقيل فقوّمت بثمانية دراهم وكان وزنها أيضاً عشرة مثاقيل - فلا إشكال أيضاً، وإن كان بينهما التفاوت بأن كانت الفضّة المقوّمة عشرة مثاقيل - مثلاً - وقد قوّمت بثمانية دراهم وزنها ثمانية مثاقيل فيشكل دفعها غرامةً عن الفضّة، لاحتمال كونه داخلاً في الربا فيحرم، كما أفتى به جماعة، فالأحوط أن يقوّم بغير الجنس، بأن يقوّم الفضّة بالدينار والذهب بالدرهم حتّى يسلم من شبهة الربا.
    مسألة 36 - لو تعاقبت الأيادي الغاصبة على عين ثمّ تلفت - بأن غصبها شخص من مالكها ثمّ غصبها من الغاصب شخص آخر ثمّ غصبها من الثاني شخص ثالث وهكذا ثمّ تلفت - ضمن الجميع؛ فللمالك أن يرجع ببدل ماله من المثل أو القيمة على كلّ واحد منهم، وعلى أكثر من واحد بالتوزيع متساوياً أو متفاوتاً، حتّى أنّه لو كانوا عشرة - مثلاً - له أن يرجع على الجميع ويأخذ من كلّ منهم عشر ما يستحقّه من البدل، وله أن يأخذ من واحد منهم النصف والباقي من الباقين بالتوزيع متساوياً أو بالتفاوت. هذا حكم المالك معهم. وأمّا حكم بعضهم مع بعض فعلى الغاصب الأخير الّذي تلف المال عنده قرار الضمان، بمعنى أنّه لو رجع عليه المالك وغرّمه لم يرجع هو على غيره بما غرّمه؛ بخلاف غيره من الأيادي السابقة، فإنّ المالك لو رجع على واحد منهم فله أن يرجع على الأخير الّذي تلف المال عنده، كما أنّ لكلّ منهم الرجوع على تاليه وهو على تاليه وهكذا إلى أن ينتهي إلى الأخير.
    مسألة 37 - لو غصب شيئاً مثليّاً فيه صنعة محلّلة - كالحليّ من الذهب والفضّة وكالآنية من النحاس وشبهه - فتلف عنده أو أتلفه ضمن مادّته بالمثل وصنعته بالقيمة؛ فلو غصب قرطاً من ذهب كان وزنه مثقالين وقيمة صنعته وصياغته عشرة دراهم ضمن مثقالين من ذهب بدل مادّته وعشرة دراهم قيمة صنعته. ويحتمل قريباً صيرورته بعد الصياغة وبعد ما عرض عليه الصنعة قيميّاً، فيقوّم القرط -مثلاً- بمادّته وصنعته ويعطي قيمته السوقيّة، والأحوط التصالح. وأمّا احتمال كون المصنوع مثليّاً مع صنعته فبعيد جدّاً. نعم، لا يبعد ذلك بل قريب جدّاً في المصنوعات الّتي لها أمثال متقاربة، كالمصنوعات بالمكائن والمعامل المعمولة في هذه الأعصار، من أنواع الظروف والأدوات والأثواب وغيرها، فتضمن كلّهإ؛ل گ ظظ بالمثل مع مراعاة صنفها.
    مسألة 38 - لو غصب المصنوع وتلفت عنه الهيئة والصنعة فقط دون المادّة ردّ العين وعليه قيمة الصنعة، وليس للمالك إلزامه بإعادة الصنعة، كما أنّه ليس عليه القبول لو بذله الغاصب وقال: إنّي أصنعه كما كان سابقاً.
    مسألة 39 - لو كانت في المغصوب المثليّ صنعة محرّمة غير محترمة - كما في آلات القمار والملاهي ونحوها - لم يضمن الصنعة، سواء أتلفها خاصّة أو مع ذيها، فيردّ المادّة لو بقيت وعوضَها لو تلفت، وليس عليه شي ء لأجل الهيئة والصنعة.
    مسألة 40 - إن تعيّب المغصوب في يد الغاصب كان عليه أرش النقصان، ولافرق في ذلك بين الحيوان وغير الحيوان. نعم، اختصّ العبيد والإماء ببعض الأحكام وتفاصيل لا يسعها المقام.
    مسألة 41 - لو غصب شيئين تنقص قيمة كلّ واحد منهما منفرداً عنها في ما إذا كانا مجتمعين - كمصراعي الباب والخفّين - فتلف أحدهما أو أتلفه ضمن قيمة التالف مجتمعاً، وردّ الباقي مع ما نقص من قيمته بسبب انفراده؛ فلو غصب خفّين كان قيمتهما مجتمعين عشرة وكان قيمة كلّ منهما منفرداً ثلاثة فتلف أحدهما عنده ضمن التالف بقيمته مجتمعاً وهي خمسة، وردّ الآخر مع ما ورد عليه من النقص بسبب انفراده وهو اثنان، فيعطي للمالك سبعة مع أحد الخفّين؛ ولو غصب أحدهما وتلف عنده ضمن التالف بقيمته مجتمعاً وهي خمسة في الفرض المذكور، وهل يضمن النقص الوارد على الثاني وهو اثنان حتّى تكون عليه سبعة أم لا؟ فيه وجهان بل قولان، لا يخلو أوّلهما من رجحان.
    مسألة 42 - لو زادت بفعل الغاصب زيادة في العين المغصوبة فهي على أقسام ثلاثة، أحدها: أن تكون أثراً محضاً، كخياطة الثوب بخيوط المالك وغزل القطن ونسج الغزل وطحن الطعام وصياغة الفضّة ونحو ذلك. ثانيها: أن تكون عينيّةً محضةً، كغرس الأشجار والبناء في الأرض البسيطة ونحو ذلك. ثالثها: أن تكون أثراً مشوباً بالعينيّة، كصبغ الثوب ونحوه.
    مسألة 43 - لو زادت في العين المغصوبة ما يكون أثراً محضاً ردّها كما هي، ولا شي ء له لأجل تلك الزيادة، ولا من جهة اُجرة العمل؛ وليس له إزالة الأثر وإعادة العين إلى ما كانت بدون إذن المالك، حيث إنّه تصرّف في مال الغير بدون إذنه، بل لو أزاله بدون إذنه ضمن قيمته للمالك وإن لم يرد نقصٌ على العين؛ وللمالك إلزامه بإزالة الأثر وإعادة الحالة الاُولى للعين إذا كان فيه غرض عقلائيّ، ولايضمن الغاصب حينئذٍ قيمة الصنعة. نعم، لو ورد نقصٌ على العين ضمن أرش النقصان.
    مسألة 44 - لو غصب أرضاً فزرعها أو غرسها فالزرع أو الغرس ونماؤهما للغاصب، وعليه اُجرة الأرض مادامت مزروعةً أو مغروسة. ويلزم عليه إزالة غرسه وزرعه وإن تضرّر بذلك، وعليه أيضاً طمّ الحفر وأرش النقصان إن نقصت الأرض بالزرع والقلع، إلّا أن يرضى المالك بالبقاء مجّاناً أو بالاُجرة. ولو بذل صاحب الأرض قيمة الغرس أو الزرع لم يجب على الغاصب إجابته؛ وكذا لو بذل الغاصب اُجرة الأرض أو قيمتها لم يجب على صاحب الأرض قبوله. ولو حفر الغاصب في الأرض بئراً كان عليه طمّها مع طلب المالك، وليس له طمّها مع عدم الطلب، فضلاً عمّا لو منعه. ولو بنى في الأرض المغصوبة بناءً فهو كما لو غرس فيها، فيكون البناء للغاصب إن كان أجزاؤه له، وللمالك إلزامه بالقلع، فحكمه حكم الغرس في جميع ما ذكر.
    مسألة 45 - لو غرس أو بنى في أرض غصبها وكان الغِراس وأجزاء البناء لصاحب الأرض كان الكلّ له، وليس للغاصب قلعها أو مطالبة الاُجرة، وللمالك إلزامه بالقلع والهدم إن كان له غرض عقلائيّ في ذلك، وعلى الغاصب أرش نقص الأرض وطمّ حفرها.
    مسألة 46 - لو غصب ثوباً وصبغه بصبغه: فإن أمكن إزالته مع بقاء ماليّة له كان له ذلك، وليس لمالك الثوب منعه، كما أنّ للمالك إلزامه به، ولو ورد نقص على الثوب بسبب إزالة صبغه ضمنه الغاصب، ولو طلب مالك الثوب من الغاصب أن يملّكه الصبغ بقيمته لم يجب عليه إجابته، كالعكس، بأن يطلب الغاصب منه أن يملّكه الثوب. هذا إذا أمكن إزالة الصبغ. وأمّا إذا لم يمكن الإزالة أو تراضيا على بقائه وكان للصبغ عين متموّلة اشتركا في قيمة الثوب المصبوغ بالنسبة، فلو كانت قيمة الثوب قبل الصبغ تساوي قيمة الصبغ كانت بينهما نصفين، وإن تفاوتت كان التفاوت لصاحب الثوب أو الصبغ. هذا إذا بقيت قيمتهما على ما هما عليها إلى ما بعد الصبغ، وإلّا فإن زادت قيمة الثوب ونقصت قيمة الصبغ لأجله فالزيادة لصاحب الثوب، ولو انعكس ضمن الغاصب أرش نقص الثوب، ولو زادت قيمة الثوب بالصبغ وبقيت قيمة الصبغ على ما هو عليه كانت الزيادة لصاحب الثوب، ولو انعكس فالزيادة للغاصب.
    مسألة 47 - لو صبغ الثوب المغصوب بصبغ مغصوب وكانت للصبغ بعده عين متموّلة بقيت كلّ منهما في ملك صاحبه، وحصلت الشركة - لو بيعا - بين صاحبيهما بنسبة قيمتهما، ولا غرامة على الغاصب إن لم يرد نقصٌ عليهما، وإن ورد ضمنه لمن ورد عليه.
    مسألة 48 - لو مزج الغاصب المغصوب بغيره أو امتزج في يده بغير اختياره مزجاً رافعاً للتميّز بينهما: فإن كان بجنسه وكانا متماثلين - ليس أحدهما أجود من الآخر أو أردأ - تشاركا في المجموع بنسبة ماليهما، وليس على الغاصب غرامة بالمثل أو القيمة، بل الّذي عليه تسليم المال والإقدام على الإفراز والتقسيم بنسبة المالين أو البيع وأخذ كلّ واحد منهما حصّته من الثمن كسائر الأموال المشتركة؛ وإن خلط المغصوب بما هو أجود أو أردأ منه تشاركا أيضاً بنسبة المالين إلّا أنّ التقسيم وتوزيع الثمن بينهما بنسبة القيمة؛ فلو خلط منّاً من زيت قيمته خمسة بمنّ منه قيمته عشرة كان لكلّ منهما نصف المجموع، لكن إذا بنيا على القسمة يجعل ثلاثة أسهم، ويعطى لصاحب الأوّل سهم ولصاحب الثاني سهمان، وإذا باعاه يقسّم الثمن بينهما أثلاثاً، والأحوط في مثل ذلك - أعني اختلاط مختلفي القيمة من جنس واحد - البيع وتوزيع الثمن بنسبة القيمة، لا التقسيم بالتفاضل بنسبتها، من جهة شبهة لزوم الربا في الثاني كما قال به جماعة. هذا إذا مزج المغصوب بجنسه. وأمّا إذا اختلط بغير جنسه: فإن كان في ما يعدّ معه تالفاً - كما إذا اختلط ماء الورد المغصوب بالزيت - ضمن المثل، وإن لم يكن كذلك - كما لو خلط دقيق الحنطة بدقيق الشعير أو خلط الخلّ بالعسل - فالظاهر أنّه بحكم الخلط بالأجود أو الأردأ من جنس واحد، فيشتركان في العين بنسبة المالين، ويقسّمان العين ويوزّعان الثمن بينهما بنسبة القيمتين كما مرّ.
    مسألة 49 - لو خلط المغصوب بالأجود أو الأردأ وصار قيمة المجموع المخلوط أنقص من قيمةالخليطين منفردين فوردبذلك النقص الماليّ على المغصوب ضمنه الغاصب، كما لو غصب منّاً من زيت جيّد قيمته عشرة وخلطه بمنّ منه ردي ء قيمته خمسة وبسبب الاختلاط يكون قيمة المنّين اثني عشر، فصار حصّة المغصوب منه من الثمن بعد التوزيع ثمانية، والحال أنّ زيته غير مخلوط كان يسوى عشرة، فورد النقص عليه باثنين، وهذا النقص يغرمه الغاصب. وإن شئت قلت: يستوفي المالك قيمة ماله غير مخلوط من الثمن، وما بقي يكون للغاصب.
    مسألة 50 - فوائد المغصوب مملوكة للمغصوب منه وإن تجدّدت بعد الغصب. وهي كلّها مضمونة على الغاصب، أعياناً كانت كاللبن والولد والشعر والثمر، أو منافع كسكنى الدار وركوب الدابّة، بل كلّ صفة زادت بها قيمة المغصوب لو وجدت في زمان الغصب ثمّ زالت وتنقّصت بزوالها قيمته ضمنها الغاصب وإن ردّ العين كما كانت قبل الغصب؛ فلو غصب دابّة هازلة ثمّ سمنت فزادت قيمتها بسبب ذلك ثمّ هزلت ضمن الغاصب تلك الزيادة الّتي حصلت ثمّ زالت. نعم، لو زادت القيمة لزيادة صفة ثمّ زالت تلك الصفة ثمّ عادت الصفة بعينها لم يضمن قيمة الزيادة التالفة، لانجبارها بالزيادة العائدة؛ كما إذا سمنت الدابّة في يده فزادت قيمتها ثمّ هزلت ثمّ سمنت، فإنّه لا يضمن الزيادة الحاصلة بالسمن الأوّل، إلّا إذا نقصت الزيادة الثانية عن الاُولى، بأن كانت الزيادة الحاصلة بالسمن الأوّل درهمين والحاصلة بالثاني درهماً مثلاً، فيضمن التفاوت.
    مسألة 51 - لو حصلت فيه صفة فزادت قيمته ثمّ زالت فنقصت ثمّ حصلت فيه صفة اُخرى زادت بها قيمته لم يزل ضمان زيادة الاُولى ولم ينجبر نقصانها بالزيادة الثانية؛ كما إذا سمنت الدابّة المغصوبة ثمّ هزلت فنقصت قيمتها ثمّ ارتاضت فزادت قيمتها بقدر زيادة الاُولى أو أزيد لم يزل ضمان الغاصب للزيادة الاُولى.
    مسألة 52 - إذا غصب حبّاً فزرعه أو بيضاً فاستفرخه تحت دجاجته - مثلاً - كان الزرع والفرخ للمغصوب منه. وكذا لو غصب خمراً فصارت خلّاً أو غصب عصيراً فصار خمراً عنده ثمّ صارت خلّاً، فإنّه ملك للمغصوب منه لا الغاصب. وأمّا لو غصب فحلاً فأنزاه على الاُثنى وأولدها كان الولد لصاحب الاُنثى وإن كان هو الغاصب، وعليه اُجرة الضراب.
    مسألة 53 - جميع ما مرّ من الضمان وكيفيّته وأحكامه وتفاصيله جارية في كلّ يد جارية على مال الغير بغير حقّ وإن لم تكن عاديةً وغاصبةً وظالمةً، إلّا في موارد الأمانات، مالكيّةً كانت أو شرعيّةً، كما عرفت التفصيل في كتاب الوديعة؛ فتجري في جميع ما يقبض بالمعاملات الفاسدة، وما وضع اليد عليه بسبب الجهل والاشتباه، كما إذا لبس مَداس غيره أو ثوبه اشتباهاً، أو أخذ شيئاً من سارقٍ عاريةً باعتقاد أنّه ماله، وغير ذلك ممّا لا يحصى.
    مسألة 54 - كما أنّ اليد الغاصبة وما يلحق بها موجبة للضمان - وهو المسمّى بضمان اليد، وقد عرفت تفصيله في المسائل السابقة - كذلك للضمان سببان آخران: الإتلاف والتسبيب. وبعبارة اُخرى: له سبب آخر وهو الإتلاف، سواء كان بالمباشرة أو التسبيب.
    مسألة 55 - الإتلاف بالمباشرة واضح لا يخفى مصاديقه، كما إذا ذبح حيواناً أو رماه بسهم فقتله، أو ضرب على إناء فكسره، أو رمى شيئاً في النار فأحرقته، وغير ذلك ممّا لا يحصى. وأمّا الإتلاف بالتسبيب فهو إيجاد شي ء يترتّب عليه الإتلاف بسبب وقوع شي ء، كما لو حفر بئراً في المعابر فوقع فيها إنسان أو حيوان، أو طرح المعاثر والمزالق كقشر البطّيخ والرقّيّ في المسالك، أو أوتد وتداً في الطريق فأصاب به عطب أو جناية على حيوان أو إنسان، أو وضع شيئاً على الطريق فتمرّ به الدابّة فتنفر بصاحبها فتعقره، أو أخرج ميزاباً على الطريق فأضرّ بالمارّة، أو ألقى صبيّاً أو حيواناً يضعف عن الفرار في مسبعة فقتله السبع؛ ومن ذلك ما لو فكّ القيد عن الدابّة فشردت، أو فتح قفصاً عن طائر فطار مبادراً أو بعد مكث وغير ذلك، ففي جميع ذلك يكون فاعل السبب ضامناً، ويكون عليه غرامة التالف وبدله، إن كان مثليّاً فبالمثل، وإن كان قيميّاً فبالقيمة، وإن صار سبباً لتعيّب المال كان عليه الأرش، كما مرّ في ضمان اليد.
    مسألة 56 - لو غصب شاةً ذات ولد فمات ولدها جوعاً أو حبس مالك الماشية أو راعيها عن حراستها فاتّفق تلفها لم يضمن بسبب التسبيب، إلّا إذا انحصر غذاء الولد بارتضاع من اُمّه وكانت الماشية في محالّ السباع ومظانّ الخطر وانحصر حفظها بحراسة راعيها، فعليه الضمان حينئذٍ على الأحوط.
    مسألة 57 - و من التسبيب الموجب للضمان ما لو فكّ وكاءَ ظرف فيه مائع فسال ما فيه. وأمّا لو فتح رأس الظرف ثمّ اتّفق أنّه قلبته الريح الحادثة أو انقلب بوقوع طائر عليه - مثلاً - فسال ما فيه ففي الضمان تردّد وإشكال. نعم، يقوى الضمان في ما كان ذلك في حال هبوب الرياح العاصفة، أو في مجتمع الطيور ومظانّ وقوعها عليه.
    مسألة 58 - ليس من التسبيب الموجب للضمان ما لو فتح باباً على مال فسرق، أو دلّ سارقاً عليه فسرقه، فلا ضمان عليه.
    مسألة 59 - لو وقع الحائط على الطريق - مثلاً - فتلف بوقوعه مال أو نفس لم يضمن صاحبه، إلّا إذا بناه مائلاً إلى الطريق، أو مال إليه بعد ما كان مستوياً وقد تمكّن صاحبه من الإزالة ولم يزله، فعليه الضمان في الصورتين على الأقوى.
    مسألة 60 - لو وضع شربةً أو كوزاً - مثلاً - على حائطه فسقط وتلف به مال أو نفس لم يضمن، إلّا إذا وضعه مائلاً إلى الطريق، أو وضعه على وجه يسقط مثله.
    مسألة 61 - ومن التسبيب الموجب للضمان أن يشعل ناراً في ملكه وداره فتعدّت وأحرقت دار جاره - مثلاً - في ما إذا تجاوز قدر حاجته ويعلم أو يظنّ تعدّيها لعصف الهواء مثلاً، بل الظاهر كفاية الثاني، فيضمن مع العلم أو الظنّ بالتعدّي ولو كان بمقدار الحاجة، بل لا يبعد الضمان إذا اعتقد عدم كونها متعدّيةً فتبيّن خلافه، كما إذا كانت ريح حين اشتعال النار وهو قد اعتقد أنّ بمثل هذه الريح لا تسري النار إلى الجار فتبيّن خلافه. نعم، لو كان الهواء ساكناً بحيث يؤمن معه من التعدّي فاتّفق عصف الهواء بغتةً فطارت شرارتها يقوى عدم الضمان.
    مسألة 62 - إذا أرسل الماء في ملكه فتعدّى إلى ملك غيره فأضرّ به ضمن ولو مع اعتقاده عدم التعدّي. نعم، ضمانه في ما إذا خرجت من اختياره في صورة اعتقاده عدم التعدّي محلّ إشكال، والأحوط الضمان. ولو كان طريقه إلى ملك الغير مسدوداً حين إرسال الماء فدفع بغير فعله فلا ضمان عليه.
    مسألة 63 - لو تعب حمّال الخشبة فأسندها إلى جدار الغير ليستريح بدون إذن صاحب الجدار فوقع بإسناده إليه ضمنه وضمن ما تلف بوقوعه عليه. ولو وقعت الخشبة فأتلفت شيئاً ضمنه - سواء وقعت في الحال أو بعدُ - إذا كان مستنداً اليه.
    مسألة 64 - لو فتح قفصاً عن طائر فخرج وكسر بخروجه قارورة شخص -مثلاً- ضمنها على الأحوط؛ وكذا لو كان القفص ضيّقاً -مثلاً- فاضطرب بخروجه فسقط وانكسر.
    مسألة 65 - إذا أكلت دابّةُ شخص زرعَ غيره أو أفسدته: فإن كان معها صاحبها -راكباً أو سائقاً أو قائداً أو مصاحباً- ضمن ما أتلفته، وإن لم يكن معها بأن انفلتت من مراحها -مثلاً- فدخلت زرع غيره ضمن ما أتلفته إن كان ذلك ليلاً. نعم، ضمانه في ما إذا خرجت من اختياره محلّ إشكال، والأحوط الضمان. وليس عليه ضمان إن كان نهاراً.
    مسألة 66 - لو كانت الشاة أو غيرها في يد الراعي أو الدابّة في يد المستعير أو المستأجر فأتلفتا زرعاً أو غيره كان الضمان على الراعي والمستأجر والمستعير، لاعلى المالك والمعير.
    مسألة 67 - لو اجتمع سببان للإتلاف بفعل شخصين: فإن لم يكن أحدهما أسبق في التأثير اشتركا في الضمان، وإلّا كان الضمان على المتقدّم في التأثير؛ فلوحفر شخص بئراً في الطريق ووضع شخص آخر حجراً بقربها فعثر به إنسان أو حيوان فوقع في البئر كان الضمان على واضع الحجر دون حافر البئر، ويحتمل قويّاً اشتراكهما في الضمان مطلقاً.
    مسألة 68 - لو اجتمع السبب مع المباشر كان الضمان على المباشر، دون فاعل السبب؛ فلو حفر شخص بئراً في الطريق فدفع غيره فيها إنساناً أو حيواناً كان الضمان على الدافع دون الحافر. نعم، لو كان السبب أقوى من المباشر كان الضمان عليه لا على المباشر؛ فلو وضع قارورةً تحت رجل شخص نائم فمدّ رجله فكسرها كان الضمان على الواضع دون النائم.
    مسألة 69 - لو اُكره على إتلاف مال غيره كان الضمان على من أكرهه، وليس عليه ضمان، لكون السبب أقوى من المباشر. هذا إذا لم يكن المال مضموناً في يده، بأن أكرهه على إتلاف ما ليس تحت يده أو على إتلاف الوديعة الّتي عنده مثلاً. وأمّا إذا كان المال مضموناً في يده - كما إذا غصب مالاً فأكرهه شخص على إتلافه- فالظاهر ضمان كليهما، فللمالك الرجوع على أيّهما شاء، فإن رجع على المكره بالكسر لم يرجع على المكره بالفتح، بخلاف العكس. هذا إذا اُكره على إتلاف المال. وأمّا لو اُكره على قتل أحد معصوم الدم فقتله فالضمان على القاتل من دون رجوع على المكره وإن كان عليه عقوبة، فإنّه لا إكراه في الدماء.
    مسألة 70 - لو غصب مأكولاً -مثلاً- فأطعمه المالك مع جهله بأنّه ما له بأن قال له: «هذا ملكي وطعامي» أو قدّمه إليه ضيافةً -مثلاً- أو غصب شاةً واستدعى من المالك ذبحها فذبحها مع جهله بأنّه شاته ضمن الغاصب وإن كان المالك هو المباشر للإتلاف. نعم، لو دخل المالك دار الغاصب -مثلاً- ورأى طعاماً فأكله على اعتقاد أنّه طعام الغاصب فكان طعام الآكل فالظاهر عدم ضمان الغاصب وقد برئ من ضمان الطعام.
    مسألة 71 - لو غصب طعاماً من شخص وأطعمه غير المالك على أنّه ماله مع جهل الآكل بأنّه مال غيره - كما إذا قدّمه إليه بعنوان الضيافة مثلاً- ضمن كلاهما، فللمالك أن يُغرم أيّهما شاء، فإن أغرم الغاصبَ لم يرجع على الآكل، وإن أغرم الآكلَ رجع على الغاصب لأنّه قد غرّه.
    مسألة 72 - إذا سعى إلى الظالم على أحد أو اشتكى عليه عنده بحقّ أو بغير حقّ فأخذ الظالم منه مالاً بغير حقّ لم يضمن الساعي والمشتكي ما خسره وإن أثم بسبب سعايته أو شكايته إذا كانت بغير حقّ، وإنّما الضمان على من أخذ المال.
    مسألة 73 - إذا تلف المغصوب وتنازع المالك والغاصب في القيمة ولم تكن بيّنة ففي أنّ القول قول الغاصب أو المالك تردّد ناشئ من التردّد في معنى «على اليد ما أخذت» الخ، واحتمال أن يكون نفس المأخوذ على عهدته حتّى بعد التلف ويكون أداء المثل أو القيمة نحو أداء له، فيكون القول قول المالك بيمينه، واحتمال أن ينتقل بالتلف إلى القيمة، فيكون القول قول الغاصب بيمينه. ولا يخلو هذا من قوّة. ولو تنازعا في صفة تزيد بها الثمن بأن ادّعى المالك وجود تلك الصفة فيه يوم غصبه أو حدوثها بعده وإن زالت في ما بعد وأنكره الغاصب ولم يكن بيّنة فالقول قول الغاصب بيمينه بلا إشكال.
    مسألة 74 - إن كان على الدابّة المغصوبة رحل أو علّق بها حبل واختلفا في ما عليها فقال المغصوب منه: «هولي» وقال الغاصب: «هولي» ولم يكن بيّنة فالقول قول الغاصب مع يمينه، لكونه ذا يدٍ فعليّةٍ عليه.


    1- هكذا في جميع الطبعات، والصحيح «تمييزه».

  • كتاب إحياء الموات والمشتركات
    • القول في إحياء الموات

       

      القول في إحياء الموات

      الموات: هي الأرض العطلة الّتي لا ينتفع بها، إمّا لانقطاع الماء عنها، أو لاستيلاء المياه أو الرمال أو السبخ أو الأحجار عليها، أو لاستيجامها والتفاف القصب والأشجار بها، أو لغير ذلك. وهو على قسمين:
      الأوّل: الموات بالأصل، وهو ما لا يكون مسبوقاً بالملك والإحياء وإن كان إحراز ذلك - غالباً بل مطلقاً - مشكلاً بل ممنوعاً. ويلحق به ما لم يعلم مسبوقيّته بهما.
      الثاني: الموات بالعارض، وهو ما عرض عليه الخراب والموتان بعد الحياة والعمران، كالأرض الدارسة الّتي بها آثار الأنهار ونحوها، والقرى الخربة الّتي بقيت منها رسوم العمارة.
      مسألة 1 - الموات بالأصل وإن كان للإمام (عليه السلام) حيث إنّه من الأنفال - كما مرّ في كتاب الخمس - لكن يجوز في زمان الغيبة لكلّ أحد إحياؤه مع الشروط الآتية والقيام بعمارته، ويملكه المحيي على الأقوى، سواء كان في دارالإسلام أو في دارالكفر، وسواء كان في أرض الخراج - كأرض العراق - أو في غيرها، وسواء كان المحيي مسلماً أو كافراً.
      مسألة 2 - الموات بالعارض الّذي كان مسبوقاً بالملك والإحياء إذا لم يكن له مالك معروف على قسمين:
      الأوّل: ما باد أهلها وصارت بسبب مرور الزمان وتقادم الأيّام بلا مالك، وذلك كالأراضي الدارسة والقرى والبلاد الخربة والقنوات الطامسة الّتي كانت للاُمم الماضين الّذين لم يبق منهم اسم ولا رسم، أو نسبت إلى أقوام أو أشخاص لم يعرف منهم إلّا الاسم.
      الثاني: ما لم تكن كذلك ولم تكن بحيث عدّت بلا مالك، بل كانت لمالك موجود ولم يعرف شخصه، ويقال لها: مجهولة المالك.
      فأمّا القسم الأوّل فهو بحكم الموات بالأصل في كونه من الأنفال وأنّه يجوز إحياؤه ويملكه المحيي؛ فيجوز إحياء الأراضي الدارسة الّتي بقيت فيها آثار الأنهار والسواقي والمروز، وتنقية القنوات والآبار المطمومة، وتعمير الخربة من القرى والبلاد القديمة الّتي بقيت بلا مالك، ولا يعامل معها معاملة مجهول المالك، ولا يحتاج إلى الإذن من حاكم الشرع أو الشراء منه، بل يملكها المحيي والمعمّر بنفس الإحياء والتعمير.
      وأمّا القسم الثاني فالأحوط الاستيذان فيه من الحاكم في الإحياء والقيام بتعميره والتصرّف فيه، كما أنّ الأحوط معاملة مجهول المالك معه، بأن يتفحّص عن صاحبه وبعد اليأس يشتري عينها من حاكم الشرع ويصرف ثمنها على الفقراء، وإمّا أن يستأجرها منه باُجرة معيّنة أو يقدّر ما هو اُجرة مثلها لو انتفع بها ويتصدّق بها على الفقراء، والأحوط الاستيذان منه. نعم، لو علم أنّ مالكها قد أعرض عنها أو انجلى عنها أهلها وتركوها لقوم آخرين جاز إحياؤها وتملّكها بلاإشكال.
      مسألة 3 - إن كان ما طرأ عليه الخراب لمالك معلوم: فإن أعرض عنه مالكه كان لكلّ أحدٍ إحياؤه وتملّكه؛ وإن لم يعرض عنه: فإن أبقاه مواتاً للانتفاع به في تلك الحال من جهة تعليف دوابّه أو بيع حشيشه أو قصبه ونحو ذلك - فربّما ينتفع منه مواتاً أكثر ممّا ينتفع منه محياةً - فلا إشكال في أنّه لا يجوز لأحدٍ إحياؤه والتصرّف فيه بدون إذن مالكه، وكذا في ما إذا كان مهتمّاً بإحيائه عازماً عليه وإنّما أخّر الاشتغال به لجمع الآلات وتهيئة الأسباب المتوقّعة الحصول أو لانتظار وقت صالح له؛ وأمّا لو ترك تعمير الأرض وإصلاحها وأبقاها إلى الخراب من جهة عدم الاعتناء بشأنها وعدم الاهتمام والالتفات إلى مرمّتها وعدم عزمه على إحيائها إمّا لعدم حاجته إليها أو لاشتغاله بتعمير غيرها فبقيت مهجورةً مدّةً معتدّاً بها حتّى آلت إلى الخراب: فإن كان سبب ملك المالك غير الإحياء - مثل أنّه ملكها بالإرث أو الشراء - فليس لأحدٍ وضع اليد عليها وإحياؤها والتصرّف فيها إلّا بإذن مالكها، ولو أحياها أحد وتصرّف فيها وانتفع بها بزرعٍ أو غيره فعليه اُجرتها لمالكها؛ وإن كان سبب ملكه الإحياء - بأن كانت أرضاً مواتاً بالأصل فأحياها وملكها ثمّ بعد ذلك عطّلها وترك تعميرها حتّى آلت إلى الخراب - فجوّز إحياءها لغيره بعضهم، وهو في غاية الإشكال، بل عدمه لا يخلو من قوّة.
      مسألة 4 - كمايجوزإحياءالقرى الدارسةوالبلادالقديمةالّتي بادأهلهاوصارت بلا مالك - بجعلها مزرعاً أو مسكناً أو غيرهما - كذا يجوز حيازة أجزائها الباقية من أحجارها وأخشابها وآجرها وغيرها، ويملكها الحائز إذا أخذها بقصدالتملّك.
      مسألة 5 - لو كانت الأرض موقوفةً وطرأ عليها الموتان والخراب: فإن كانت من الموقوفات القديمة الدارسة الّتي لم يعلم كيفيّة وقفها وأنّها خاصّ أو عامّ أو وقفٌ على الجهات ولم يعلم من الاستفاضة والشهرة غير كونها وقفاً على أقوام ماضين لم يبق منهم اسم ولا رسم أو قبيلةٍ لم يعرف منهم إلّا الاسم فالظاهر أنّها من الأنفال، فيجوز إحياؤها، كما إذا كان الموات المسبوق بالملك على هذا الحال؛ وإن علم أنّها وقفٌ على الجهات ولم تتعيّن (بأن علم أنّها وقف إمّا على مسجد أو مشهد أو مقبرة أو مدرسة أو غيرها ولم يعلمها بعينها، أو علم أنّها وقفٌ على أشخاص لم يعرفهم بأشخاصهم وأعيانهم، كما إذا علم أنّ مالكها قد وقفها على ذرّيّته ولم يعلم مَن الواقف ومَن الذرّيّة) فالظاهر أنّ ذلك بحكم الموات المجهول المالك الّذي نسب إلى المشهور القول بأنّه من الأنفال، وقد مرّ ما فيه من الإشكال بل القول به هنا أشكل. والأحوط الاستيذان من الحاكم لمن أراد إحياءها وتعميرها والانتفاع بها بزرع أو غيره، وأن يصرف اُجرة مثلها في الأوّل في وجوه البرّ، وفي الثاني على الفقراء، بل الأحوط - خصوصاً في الأوّل - مراجعة حاكم الشرع. وأمّا لو طرأ الموتان على الوقف الّذي علم مصرفه أو الموقوف عليهم فلا ينبغي الإشكال في أنّه لو أحياه أحد وعمّره وجب عليه صرف منفعته في مصرفه المعلوم في الأوّل، ودفعها وإيصالها إلى الموقوف عليهم المعلومين في الثاني وإن كان المتولّي أو الموقوف عليهم تاركين إصلاحه وتعميره ومرمّته إلى أن آل إلى الخراب؛ لكن ليس لأحد الإحياء والتصرّف فيه مع وجود المتولّي المعلوم إلّا بإذنه، أو الاستيذان من الحاكم مع عدمه في الأوّل، ومن المتولّي أو الموقوف عليهم إن كان خاصّاً أو الحاكم إن كان عامّاً في الثاني.
      مسألة 6 - إذا كان الموات بالأصل حريماً لعامر مملوك لا يجوز لغير مالكه إحياؤه، وإن أحياه لم يملكه. وتوضيح ذلك أنّ من أحيى مواتاً لإحداث شي ء من دار أو بستان أو مزرع أو غيرها تبع ذلك الشي ء الّذي أحدثه مقدار من الأرض الموات القريبة من ذلك الشي ء الحادث ممّا يحتاج إليه لتمام الانتفاع به ويتعلّق بمصالحه عادة، ويسمّى ذلك المقدار التابع حريماً لذلك المتبوع، ويختلف مقدار الحريم زيادةً ونقيصةً باختلاف ذي الحريم، وذلك من جهة تفاوت الأشياء في المصالح والمرافق المحتاج إليها، فما يحتاج إليه الدار من المرافق بحسب العادة غير ما يحتاج اليه البئر والنهر مثلاً، وهكذا باقي الأشياء، بل يختلف ذلك باختلاف البلاد والعادات أيضاً؛ فإذا أراد شخص إحياء حوالي ما له الحريم لا يجوز له إحياء مقدار الحريم بدون إذن المالك ورضاه، وإن أحياه لم يملكه وكان غاصباً.
      مسألة 7 - حريم الدار مطرح ترابها وكناستها ورمادها ومصبّ مائها ومطرح ثلوجها ومسلك الدخول والخروج منها في الصوب الّذي يُفتح إليه الباب؛ فلو بنى داراً في أرض موات تبعه هذا المقدار من الموات من حواليها، فليس لأحدٍ أن يحيي هذا المقدار بدون رضا صاحب الدار. وليس المراد من استحقاق الممرّ في قبالة الباب استحقاقه على الاستقامة وعلى امتداد الموات، بل المراد أن يبقى مسلك له يدخل ويخرج إلى الخارج بنفسه وعياله وأضيافه وما تعلّق به - من دوابّه وأحماله وأثقاله- بدون مشقّة بأيّ نحو كان؛ فيجوز لغيره إحياء ما في قبالة الباب من الموات إذا بقي له الممرّ ولو بانعطاف وانحراف. وحريم الحائط لولم يكن جزءً من الدار - بأن كان مثلاً جدار حصار أو بستان أو غير ذلك- مقدار ما يحتاج إليه لطرح التراب والآلات وبلّ الطين لوانتقض واحتاج إلى البناء والترميم. وحريم النهر مقدار مطرح طينه وترابه إذا احتاج إلى التنقية، والمجاز على حافّتيه للمواظبة عليه ولإصلاحه على قدر ما يحتاج إليه. وحريم البئر ما تحتاج إليه لأجل السقي منها والانتفاع بها من الموضع الّذي يقف فيه النازح إن كان الاستقاء منها باليد، وموضع الدولاب ومتردّد البهيمة إن كان الاستقاء بهما، ومصبّ الماء والموضع الّذي يجتمع فيه لسقي الماشية أو الزرع من حوض ونحوه، والموضع الّذي يطرح فيه ما يخرج منها من الطين وغيره لو اتّفق الاحتياج إليه. وحريم العين ما تحتاج إليه لأجل الانتفاع بها أو إصلاحها وحفظها على قياس غيرها.
      مسألة 8 - لكلّ من البئر والعين والقناة - أعني بئرها الأخيرة الّتي هي منبع الماء ويقال لها: «بئر العين واُمّ الآبار» وكذا غيرها إذا كان منشأً للماء - حريمٌ آخر بمعنىً آخر، وهو المقدار الّذي ليس لأحد أن يحدث بئراً أو قناةً اُخرى في ما دون ذلك المقدار بدون إذن صاحبهما، بل الأحوط لحاظ الحريم كذلك بين القناتين مطلقاً وإن كان الجواز في غير ما ذكر أشبه. وهو في البئر أربعون ذراعاً إذا كان حفرها لأجل استقاء الماشية - من الإبل ونحوها - منها، وستّون ذراعاً إذا كان لأجل الزرع وغيره؛ فلو أحدث شخص بئراً في موات من الأرض لم يكن لشخص آخر إحداث بئر اُخرى في جنبها بدون إذنه، بل ما لم يكن الفصل بينهما أربعين ذراعاً أو ستّين فما زاد على ما فصّل. وفي العين والقناة خمسمائة ذراع في الأرض الصلبة وألف ذراع في الأرض الرخوة؛ فإذا استنبط إنسان عيناً أو قناةً في أرض موات صلبة وأراد غيره حفر اُخرى تباعد عنه بخمسمائة ذراع، وإن كانت رخوةً تباعد بألف ذراع. ولو فرض أنّ الثانية يضرّ بالاُولى وتنقص ماؤها مع (1) البعد المزبور فالأحوط لو لم يكن الأقوى زيادة البعد بما يندفع به الضرر أو التراضي مع صاحب الاُولى.
      مسألة 9 - اعتبار البعد المزبور في القناة إنّما هو في إحداث قناة اُخرى كما أشرنا إليه آنفاً. وأمّا إحياء الموات الّذي في حواليها - لزرع أو بناءٍ أو غيرهما- فلامانع منه إذا بقي من جوانبها مقدار تحتاج للنزح أو الاستقاء أو الإصلاح والتنقية وغيرها ممّا ذكر في مطلق البئر، بل لا مانع من إحياء الموات الّذي فوق الآبار وما بينها إذا اُبقي من أطراف حلقها مقدار ما تحتاج إليه لمصالحها، فليس لصاحب القناة المنع عن الإحياء للزرع وغيره فوقها إذا لم يضرّ بها.
      مسألة 10 - قد مرّ أنّ التباعد المزبور في القناة انّما يلاحظ بالنسبة إلى البئر الّتي تكون منبع الماء أو منشأه. وأمّا الآبار الاُخر الّتي هي مجرى الماء فلا يراعى الفصل المذكور بينها؛ فلو أحدث الثاني قناةً في أرض صلبة وكان منبعها بعيداً عن منبع الاُولى بخمسمائة ذراع ثمّ تقارب في الآبار الاُخر - الّتي هي مجرى الماء إلى الآبار الاُخر - للاُخرى إلى أن صار بينها وبينها عشرة أذرع - مثلاً- لم يكن لصاحب الاُولى منعه. نعم، لو فرض أنّ قرب تلك الآبار أضرّ بتلك الآبار من جهة جذبها للماء الجاري فيها أو من جهة اُخرى تباعد بما يندفع به الضرر.
      مسألة 11 - القرية المبنيّة في الموات لها حريم ليس لأحد إحياؤه، ولو أحياه لم يملكه. وهو ما يتعلّق بمصالحها ومصالح أهليها: من طرقها المسلوكة منها وإليها، ومسيل مائها، ومجمع ترابها وكناستها، ومطرح سمادها ورمادها، ومشرعها، ومجمع أهاليها لمصالحهم على حسب مجرى عادتهم، ومدفن موتاهم، ومرعى ماشيتهم، ومحتطبهم، وغير ذلك. والمراد بالقرية: البيوت والمساكن المجتمعة المسكونة؛ فلم يثبت هذا الحريم للضيعة والمزرعة ذات المزارع والبساتين المتّصلة الخالية من البيوت والمساكن والسكنة؛ فلو أحدث شخص قناةً في فلاة وأحيى أرضاً بسيطةً بمقدار ما يكفيه ماء القناة وزرع فيها وغرس فيها النخيل والأشجار لم يكن الموات المجاور لتلك المحياة حريماً لها، فضلاً عن التلال والجبال القريبة منها، بل لو أحدث بعد ذلك في تلك المحياة دوراً ومساكن حتّى صارت قريةً كبيرةً يشكل ثبوت الحريم لها. نعم، لو أحدثها في جنب المزرعة والبساتين في أراضي الموات فالظاهر ثبوته لها، بل لا يبعد ثبوت بعض الحريم من قبيل مرعى الماشية لها مطلقاً؛ كما أنّ للمزرعة بنفسها أيضاً حريماً، وهو ما تحتاج إليه في مصالحها ويكون من مرافقها: من مسالك الدخول والخروج، ومحلّ بيادرها وحظائرها، ومجمع سمادها وترابها وغيرها.
      مسألة 12 - حدّ المرعى الّذي هو حريم للقرية ومحتطبها: مقدار حاجة أهاليها بحسب العادة، بحيث لو منعهم مانع أو زاحمهم مزاحم لوقعوا في الضيق والحرج. ويختلف ذلك بكثرة الأهالي وقلّتهم وكثرة المواشي والدوابّ وقلّتها، وبذلك يتفاوت المقدار سعةً وضيقاً طولاً وعرضاً.
      مسألة 13 - إن كان موات بقرب العامر ولم يكن من حريمه ومرافقه جاز لكلّ أحد إحياؤه، ولم يختصّ بمالك ذلك العامر ولا أولويّة له؛ فإذا طلع شاطئ من الشطّ بقرب أرض محياة أو بستان -مثلاً- كان كسائر الموات، فمن سبق إلى إحيائه وحيازته كان له، وليس لصاحب الأرض أو البستان منعه.
      مسألة 14 - لا إشكال في أنّ حريم القناة المقدّر بخمسمائة ذراع أو ألف ذراع ليس ملكاً لصاحب القناة، ولا متعلّقاً لحقّه المانع عن سائر تصرّفات غيره بدون إذنه، بل ليس له إلّا حقّ المنع عن إحداث قناة اُخرى كما مرّ. والظاهر أنّ حريم القرية أيضاً ليس ملكاً لسكّانها وأهليها بل إنّما لهم حقّ الأولويّة. وأمّا حريم النهر والدار فهو ملك لصاحب ذي الحريم على تردّد وإن لا يخلو من وجه، فيجوز له بيعه منفرداً كسائر الأملاك.
      مسألة 15 - ما مرّ من الحريم لبعض الأملاك إنّما هو في ما إذا ابتكرت في أرض موات. وأمّا في الأملاك المجاورة فلا حريم لها؛ فلو أحدث المالكان المجاوران حائطاً في البين لم يكن له حريم من الجانبين؛ ولو أحدث أحدهما في آخر حدود ملكه حائطاً أو نهراً لم يكن لهما حريم في ملك الآخر؛ وكذا لو حفر أحدهما قناةً في ملكه كان للآخر إحداث قناة اُخرى في ملكه وإن لم يكن بينهما الحدّ.
      مسألة 16 - ذكر جماعة أنّه يجوز لكلّ من المالكين المتجاورين التصرّف في ملكه بما شاء وحيث شاء وإن استلزم ضرراً على الجار، لكنّه مشكل على إطلاقه، والأحوط عدم جواز ما يكون سبباً لعروض الفساد في ملك الجار، بل لا يخلو من قرب، إلّا إذا كان في تركه حرج أو ضرر عليه، فحينئذٍ يجوز له التصرّف، كما إذا دقّ دقّاً عنيفاً انزعج منه حيطان داره بما أوجب خللاً فيها، أو حبس الماء في ملكه بحيث تنشر منه النداوة في حائطه، أو أحدث بالوعةً أو كنيفاً بقرب بئر الجار أوجب فساد مائها؛ بل وكذا لو حفر بئراً بقرب بئره إذا أوجب نقص مائها وكان ذلك من جهة جذب الثانية ماء الاُولى؛ وأمّا إذا كان من جهة أنّ الثانية لكونها أعمق ووقوعها في سمت مجرى المياه ينحدر فيها الماء من عروق الأرض قبل أن يصل إلى الأوّل فالظاهر أنّه لا مانع منه. والمائز بين الصورتين يدركه اُولوا الحدس الصائب من أهل الخبرة. وكذا لا مانع من إطالة البناء وإن كان مانعاً من الشمس والقمر والهواء، أو جعل داره مدبغةً أو مخبزةً -مثلاً- وإن تأذّى الجار من الريح والدخان إذا لم يكن بقصد الإيذاء. وكذا إحداث ثقبة في جداره إلى دار جاره موجبةٍ للإشراف أو لانجذاب الهواء، فإنّ المحرّم هو التطلّع على دار الجار، لا مجرّد ثقب الجدار.
      مسألة 17 - لا يخفى أنّ أمر الجار شديد، وحثّ الشرع الأقدس على رعايته أكيد، والأخبار في وجوب كفّ الأذى عن الجار وفي الحثّ على حسن الجوار كثيرة لا تحصى، فعن النبي(صلى الله عليه وآله وسلم) أنّه قال: «ما زال جبرئيل يوصيني بالجار حتّى ظننت أنّه سيورثه». وفي حديث آخر: «أنّه (صلى الله عليه وآله وسلم) أمر عليّاً(عليه السلام) وسلمان وأباذرّ -قال الراوي: ونسيت آخر وأظنّه المقداد - أن ينادوا في المسجد بأعلى أصواتهم بأنّه لا إيمان لمن لم يأمن جاره بوائقه، فنادوا بها ثلاثاً». وفي الكافي عن الصادق عن أبيه (عليهم السلام) قال: «قرأت في كتاب علي(عليه السلام) أنّ رسول اللّه 9 كتب بين المهاجرين والأنصار و من لحق بهم من أهل يثرب أنّ الجار كالنفس غير مضارّ ولا آثم، وحرمة الجار على الجار كحرمة اُمّه». وروى الصدوق بإسناده عن الصادق عن عليّ (عليهم السلام) عن رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) قال: «من آذى جاره حرّم اللّه عليه ريح الجنّة ومأواه جهنّم وبئس المصير، ومن ضيّع حقّ جاره فليس منّا». وعن الرضا(عليه السلام): «ليس منّا من لم يأمن جاره بوائقه». وعن الصادق (عليه السلام) أنّه قال والبيت غاصّ بأهله: «إعلموا أنّه ليس منّا من لم يحسن مجاورة من جاوره». وعنه (عليه السلام) قال: قال رسول اللّه(صلى الله عليه وآله وسلم): «حسن الجواريعمرالدياروينسئ في الأعمار». فاللازم على كلّ من يؤمن باللّه ورسوله 9 واليوم الآخر الاجتناب عن كلّ ما يؤذي الجار وإن لم يكن ممّا يوجب فساداً أو ضرراً في ملكه، إلّا أن يكون في تركه ضرر فاحش على نفسه. ولا ريب أنّ مثل ثقب الجدار الموجب للإشراف على دار الجار إيذاء عليه وأيّ إيذاء؛ وكذا إحداث ما يتأذّى من ريحه أو دخانه أو صوته أو ما يمنع عن وصول الهواء إليه أو عن إشراق الشمس عليه وغير ذلك.
      مسألة 18 - يشترط في التملّك بالإحياء أن لا يسبق إليه سابق بالتحجير، فإنّ التحجير يفيد أولويّةً للمحجّر، فهو أولى بالإحياء والتملّك من غيره، فله منعه، ولو أحياه قهراً على المحجّر لم يملكه. والمراد بالتحجير أن يحدث ما يدلّ على إرادة الإحياء، كوضع أحجار أو جمع تراب أو حفر أساس أو غرز خشب أو قصب أو نحو ذلك في أطرافه وجوانبه، أو يشرع في إحياء ما يريد إحياءه، كما إذا حفر بئراً من آبار القناة الدارسة الّتي يريدإحياءها، فإنّه تحجير بالنسبة إلى سائر آبار القناة، بل وبالنسبة إلى أراضي الموات الّتي تُسقى بمائها بعد جريانه، فليس لأحدٍ إحياء تلك القناة ولا إحياء تلك الأراضي؛ وكذا إذا أراد إحياء أجمة فيها الماء والقصب فعمد على قطع مائها فقط فهو تحجير لها، فليس لأحد إحياؤها بقطع قصبها.
      مسألة 19 - لابدّ من أن يكون التحجير مضافاً إلى دلالته على أصل الإحياء دالّاً على مقدار ما يريد إحياءه، فلو كان ذلك بوضع الأحجار أو جمع التراب أو غرز الخشب أو القصب - مثلاً- لابدّ أن يكون ذلك في جميع الجوانب حتّى يدلّ على أنّ جميع ما أحاطت به العلامة يريد إحياءه. نعم، في مثل إحياء القناة البائرة يكفي الشروع في حفر إحدى آبارها كما أشرنا اليه آنفاً، فإنّه دليل بحسب العرف على كونه بصدد إحياء جميع القناة، بل الأراضي المتعلّقة بها أيضاً، بل إذا حفر بئراً في أرض موات بالأصل لأجل إحداث قناة يمكن أن يقال: إنّه يكون تحجيراً بالنسبة إلى أصل القناة وإلى الأراضي الموات الّتي تُسقى بمائها بعد تمامها وجريان مائها، فليس لأحدٍ إحياء تلك الجوانب حتّى يتمّ القناة ويعيّن ما تحتاج إليه من الأراضي. نعم، الأرض الموات الّتي ليست من حريم القناة وممّا علم أنّه لايصل إليها ماؤها بعد جريانه لا بأس بإحيائها.
      مسألة 20 - التحجير - كما أشرنا إليه - يفيد حقّ الأولويّة، ولا يفيد الملكيّة، فلايصحّ بيعه على الأحوط وإن لا يبعد الجواز. نعم، يصحّ الصلح عنه، ويورث، ويقع ثمناً في البيع، لأنّه حقّ قابل للنقل والانتقال.
      مسألة 21 - يشترط في مانعيّة التحجير أن يكون المحجّر متمكّناً من القيام بتعميره ولو بعد زمان طويل بشرط أن لا يوجب تعطيل الموات؛ فلو حجّر من لم يقدر على إحياء ما حجّره - إمّا لفقره أو لعجزه عن تهيئة أسبابه- فلا أثر لتحجيره، وجاز لغيره إحياؤه؛ وكذا لو حجّر زائداً على مقدار تمكّنه من الإحياء لاأثر لتحجيره إلّا في مقدار ما تمكّن من تعميره، وأمّا في الزائد فليس له منع الغير عن إحيائه. فعلى هذا ليس لمن عجز عن إحياءالموات تحجيره ثمّ نقل ماحجّره إلى غيره بصلح أوغيره، مجّاناً أو بالعوض، لأنّه لم يحصل له حقّ حتّى ينقله إلى غيره.
      مسألة 22 - لا يعتبر في التحجير أن يكون بالمباشرة، بل يجوز أن يكون بتوكيل الغير أو استيجاره، فيكون الحقّ الحاصل بسببه ثابتاً للموكّل والمستأجر لاللوكيل والأجير، وأمّا كفاية وقوعه عن شخصٍ نيابةً عن غيره ثمّ أجاز ذلك الغير في ثبوته للمنوب عنه فبعيد.
      مسألة 23 - لو انمحت آثار التحجير بنفسها قبل أن يقوم المحجّر بالتعمير بطل حقّه وعاد الموات إلى ما كان قبل التحجير؛ وأمّا لو كان بفعل شخص غير المحجّر فلا يبعد بقاؤه مع قرب زمان المحو، ومع طول المدّة فالظاهر بطلانه مطلقاً، بل لايبعد بقاء الحقّ مع المحو بنفسها إذا لم يكن ذلك لطول مدّة التعطيل، كما لو حصل بالسيل أو الريح مثلاً.
      مسألة 24 - ليس للمحجّر تعطيل الموات المحجّر عليه والإهمال في التعمير، بل اللازم أن يشتغل بالعمارة عقيب التحجير، فإن أهمل وطالت المدّة وأراد شخص آخر إحياءه فالأحوط أن يرفع الأمر إلى الحاكم مع وجوده وبسط يده، فيلزم المحجّر بأحد أمرين: إمّا العمارة أو رفع يده عنه ليعمره غيره، إلّا أن يبدي عذراً موجّهاً، مثل انتظار وقت صالح له أو إصلاح آلاته أو حضور العملة، فيمهل بمقدار ما يزول معه العذر. وليس من العذر عدم التمكّن من تهيئة الأسباب لفقره منتظراً للغنى والتمكّن، إلّا إذا كان متوقّعاً حصوله بحصول أسبابه؛ فإذا مضت المدّة في الفرض المتقدّم ولم يشتغل بالعمارة بطل حقّه وجاز لغيره القيام بالعمارة. وإذا لم يكن حاكم يقوم بهذه الشؤون فالظاهر أنّه يسقط حقّه أيضاً لو أهمل في التعمير وطال الإهمال مدّةً طويلةً يعدّ مثله في العرف تعطيلاً، فجاز لغيره إحياؤه وليس له منعه، والأحوط مراعاة حقّه ما لم تمض مدّة تعطيله وإهماله ثلاث سنين.
      مسألة 25 - الظاهر أنّه يشترط في التملّك بالإحياء قصد التملّك كالتملّك بالحيازة، مثل الاصطياد والاحتطاب والاحتشاش ونحوها؛ فلو حفر بئراً في مفازة بقصد أن يقضي منها حاجته مادام باقياً لم يملكه، بل لم يكن له إلّا حقّ الأولويّة مادام مقيماً، فإذا ارتحل زالت تلك الأولويّة وصارت مباحاً للجميع.
      مسألة 26 - الإحياء المفيد للملك عبارة عن جعل الأرض حيّةً بعد الموتان وإخراجها عن صفةالخراب إلى العمران. ومن المعلوم أنّ عمارة الأرض إمّا بكونها مزرعاً أو بستاناً، وإمّا بكونها مسكناً وداراً، وإمّا حظيرةً للأغنام والمواشي، أو لحوائج اُخر كتجفيف الثمار أو جمع الحطب أو غير ذلك؛ فلابدّ في صدق إحياء الموات من العمل فيه وإنهائه إلى حدّ صدق عليه أحد العناوين العامرة، بأن صدق عليه المزرع أو الدار -مثلاً- أو غيرهما عند العرف. ويكفي تحقّق أوّل مراتب وجودها، ولا يعتبر إنهاؤها إلى حدّ كمالها، وقبل أن يبلغ إلى ذلك الحدّ وإن صنع فيه ما صنع لم يكن إحياءً بل يكون تحجيراً، وقد مرّ أنّه لا يفيد الملك، بل لا يفيد إلّا الأولويّة.


      1- هكذا في جميع الطبعات، لكنّ الصحيح «تضرّ» بدل «يضرّ».

    • تكملة

       

      تكملة

      يختلف ما اعتبر في الإحياء باختلاف العمارة الّتي يقصدها المحيي، فما اعتبر في إحياء الموات مزرعاً أو بستاناً غير ما اعتبر في إحيائه مسكناً وداراً، وما اعتبر في إحيائه قناةً أو بئراً غير ما اعتبر في إحيائه نهراً وهكذا. ويشترط في الكلّ إزالة الاُمور المانعة عن التعمير، كالمياه الغالبة أو الرمال والأحجار، أو القصب والأشجار لو كانت متأجّمةً وغير ذلك. ويختصّ كلّ منها ببعض الاُمور، ونحن نبيّنها في ضمن مسائل:
      مسألة 1 - يعتبر في إحياء الموات داراً أو مسكناً - بعد إزالة الموانع لوكانت- أن يدار عليه حائط بما يعتاد في تلك البلاد ولو كان بخشب أو قصب أو حديد أو غيرها، ويسقّف ولو بعضه ممّا يمكن أن يسكن فيه. ولا يعتبر فيه مع ذلك نصب الباب. ولا يكفي إدارة الحائط بدون التسقيف. نعم، يكفي ذلك في إحيائه حظيرةً للغنم وغيره، أو لأن يجفّف فيه الثمار، أو يجمع فيه الحشيش والحطب. ولو بنى حائطاً في الموات بقصد بناء الدار وقبل أن يسقّف عليه بدا له وقصد كونه حظيرةً ملكه كما لو قصد ذلك من أوّل الأمر؛ وكذلك ملكه في العكس، بأن حوّطه بقصد كونه حظيرةً فبدا له أن يسقّفه ويجعله داراً.
      مسألة 2 - يعتبر في إحياء الموات مزرعاً بعد إزالة الموانع تسويةُ الأرض لو كانت فيها حفر وتلال مانعة عن قابليّتها للزرع، وترتيب مائها إمّا بشقّ ساقية من نهر، أو حفر قناة لها أو بئر. وبذلك يتمّ إحياؤها ويملكها المحيي. ولا يعتبر في إحيائها حرثها فضلاً عن زرعها. وإن كانت الأرض ممّا لا تحتاج في زراعتها إلى ترتيب ماء لأنّه يكفيها ماء السماء كفى في إحيائها إعمال الاُمور الاُخر عدا ترتيب الماء. وإن كانت مهيّأةً للزرع بنفسها - بأن لم يكن فيها مانع عنه ممّا ذكر ولم تحتج إلّا إلى سوق الماء - كفى في إحيائها إدارة التراب حولها مع سوق الماء إليها؛ وإن لم تحتج إلى سوق الماء أيضاً من جهة أنّه يكفيها ماء السماء (كبعض الأراضي السهلة والتلال الّتي لا تحتاج في زرعها إلى علاج، وقابلة لأن تزرع ديميّاً) فالظاهر أنّ إحياءها المفيد لتملّكها إنّما هو بإدارة المرز حولها مع حرثها وزرعها، بل لا يبعد الاكتفاء بالحرث في تملّكها؛ وأمّا الاكتفاء بالمرز من دون حراثة وزراعة ففيه إشكال. نعم، لا إشكال في كونه تحجيراً مفيداً للأولويّة.
      مسألة 3 - يعتبر في إحياء البستان كلّ ما اعتبر في إحياء الزرع بزيادة غرس النخيل أو الأشجار القابلة للنموّ. ولا يعتبر التحويط حتّى في البلاد الّتي جرت عادتهم عليه على الأقوى، بل الظاهر عدم اعتبار السقي أيضاً، فمجرّد غرس الأشجار القابلة للنموّ كافٍ فيه.
      مسألة 4 - يحصل إحياء البئر في الموات، بأن يحفرها إلى أن يصل إلى الماء، فيملكها بذلك، وقبل ذلك يكون تحجيراً لا إحياءً. وإحياء القناة بأن يحفر الآبار إلى أن يجري ماؤها على الأرض. وإحياء النهر بحفره وإنهائه إلى الماء المباح كالشطّ ونحوه، بحيث كان الفاصل بينهما يسيراً كالمرز والمسنّاة الصغيرة. وبذلك يتمّ إحياء النهر، فيملكه الحافر. ولا يعتبر فيه جريان الماء فيه فعلاً وإن اعتبر ذلك في تملّك المياه.

    • القول في المشتركات

       

      القول في المشتركات

      وهي الطرق والشوارع والمساجد والمدارس والرباطات والمياه والمعادن.
      مسألة 1 - الطريق نوعان: نافذ وغير نافذ.
      فالأوّل - وهو المسمّى بالشارع العامّ - محبوس على كافّة الأنام، والناس فيه شرع سواء، وليس لأحد إحياؤه والاختصاص به، ولا التصرّف في أرضه ببناء دكّة أو حائط أو حفر بئر أو غرس شجر أو غير ذلك. نعم، لا يبعد جواز غرس الأشجار وإحداث النهر لمصلحة المارّة لوكان الطريق واسعاً جدّاً، كالشوارع الوسيعة المستحدثة في هذه الأعصار. كما أنّ الظاهر أنّه يجوز أن يحفر فيه بالوعةٌ ليجتمع فيها ماء المطر وغيره لكونها من مصالحه ومرافقه، لكن مع سدّها في غير أوقات الحاجة حفظاً للمستطرقين والمارّة؛ بل الظاهر جواز حفر سرداب تحته إذا اُحكم الأساس والسقف بحيث يؤمن معه من النقض والخسف؛ وأمّا التصرّف في فضائه بإخراج روشن أو جناح أو بناء ساباط أو فتح باب أو نصب ميزاب ونحو ذلك فلاإشكال في جوازه إذا لم يضرّ بالمارّة، وليس لأحدٍ منعه حتّى من يقابل داره داره، كما مرّ في كتاب الصلح.
      وأمّا الثاني - أعني الطريق غير النافذ المسمّى بالسكّة المرفوعة، وقد يطلق عليه «الدريبة»، وهو الّذي لا يسلك منه إلى طريق آخر أو مباح، بل اُحيط بثلاث جوانبه الدور والحيطان والجدران - فهو ملك لأرباب الدور الّتي أبوابها مفتوحة إليه، دون من كان حائط داره إليه من غير أن يكون بابها إليه؛ فيكون هو كسائر الأملاك المشتركة يجوز لأربابه سدّه وتقسيمه بينهم وإدخال كلّ منهم حصّته في داره، ولا يجوز لأحد من غيرهم بل ولا منهم أن يتصرّف فيه ولا في فضائه إلّا بإذن من يعتبر إذنه، كما يأتي في المسألة الآتية.
      مسألة 2 - لا يبعد في «الدريبة» أن يشارك الداخل للأدخل إلى قبالة بابه ممّا هو ممرّه مع ما يتعارف من المرافق المحتاج إليها نوعاً. ولا يبعد أن يشارك الداخل إلى منتهى جدار داره، وينفرد الأدخل بما بعده، ومع تعدّد الشركاء يشارك الأدخل من الجميع معهم، وينفرد بما يكون طريقه الخاصّ، فيشترك الجميع من أوّل الدريبة إلى الباب الأوّل أو منتهى الجدار ثمّ يشترك في ما عداه ما عدا صاحب الباب الأوّل، وهكذا تقلّ الشركاء إلى آخر الزقاق. ولا يبعد اختصاص الآخر بالفضلة الّتي في آخر الزقاق، فيجوز لمن هو أدخل من الجميع أيّ تصرّف شاء في ما ينفرد به، بل وفي الفضلة المذكورة. ولا يجوز لغيره التصرّف -كإخراج جناح أو روشن أو بناء ساباط أو حفر بالوعة أو سرداب أو نصب ميزاب وغيرذلك -إلّا بإذن شركائه. نعم، لكلّ منهم حقّ الاستطراق إلى داره من أيّ موضع من جداره، فلكلّ منهم فتح باب آخر أدخل من بابه الأوّل أو أسبق، مع سدّ الباب الأوّل وعدمه.
      مسألة 3 - ليس لمن كان حائط داره إلى الدريبة فتح باب إليها إلّا بإذن أربابها. نعم، له فتح ثقبة وشبّاك إليها، وليس لهم منعه، لكونه تصرّفاً في جداره لافي ملكهم، وهل له فتح باب إليها لا للاستطراق بل لمجرّد الاستضاءة ودخول الهواء؟ الأقرب جوازه، ولصاحب الدريبة تحكيم سند المالكيّة لدفع الشبهة.
      مسألة 4 - يجوز لكلّ من أرباب الدريبة الجلوس فيها والاستطراق والتردّد منها إلى داره بنفسه وما يتعلّق به من عياله ودوابّه وأضيافه وعائديه وزائريه، وكذا وضع الحطب ونحوه فيها لإدخاله في الدار، ووضع الأحمال والأثقال عند إدخالها وإخراجها من دون إذن الشركاء، بل وإن كان فيهم القصّر والمولّى عليهم، من دون رعاية المساواة مع الباقين.
      مسألة 5 - الشوارع والطرق العامّة وان كانت معدّةً لاستطراق عامّة الناس ومنفعتُها الأصليّة التردّد فيها بالذهاب والإياب إلّا أنّه يجوز لكلّ أحدٍ الانتفاع بها بغير ذلك: من جلوس أو نوم أو صلاة وغيرها، بشرط أن لا يتضرّر بها أحد على الأحوط، ولم يزاحم المستطرقين ولم يتضيّق على المارّة.
      مسألة 6 - لا فرق في الجلوس غير المضرّ بين ما كان للاستراحة أو النزهة وبين ما كان للحرفة والمعاملة إذا جلس في الرحاب والمواضع المتّسعة لئلّا يتضيّق على المارّة؛ فلوجلس فيها بأيّ غرض من الأغراض لم يكن لأحدٍ إزعاجه.
      مسألة 7 - لو جلس في موضع من الطريق ثمّ قام عنه فإن كان جلوس استراحة ونحوها بطل حقّه، فجاز لغيره الجلوس فيه؛ وكذا إن كان لحرفة ومعاملة وقام بعد استيفاء غرضه وعدم نيّة العود، فلو عاد إليه بعد أن جلس في مجلسه غيره لم يكن له دفعه؛ ولو قام قبل استيفاء غرضه ناوياً للعود ففي ثبوت حقّ له فيه إشكال. نعم، لا يجوز التصرّف في بساطه؛ فلو قام ولو بنيّة العود ورفع بساطه فالظاهر جواز جلوس غيره مكانه، والاحتياط حسن.
      مسألة 8 - ثبوت الحقّ للجالس للمعاملات ونحوها مشكل، بل الظاهر عدمه، لكن لا يجوز إزعاجه مادام فيه ولا التصرّف في بساطه؛ ولا مانع من إشغال ماحوله ولو احتاج إليه لوضع متاعه ووقوف المعاملين معه؛ وكذا يجوز له القعود بحيث يمنع من رؤية متاعه أو وصول المعاملين إليه، وليس له منعه؛ لكنّ الاحتياط حسن، ومراعاة المؤمن مطلوب.
      مسألة 9 - يجوز للجالس للمعاملة أن يظلّل على موضع جلوسه بما لا يضرّ بالمارّة بثوب أو بارية ونحوهما، وليس له بناء دكّة ونحوها فيه.
      مسألة 10 - إذا جلس في موضع من الطريق للمعاملة في يوم فسبقه في يوم آخر شخص آخر وأخذ مكانه فليس للأوّل إزعاجه ومزاحمته.
      مسألة 11 - إنّما يصير الموضع شارعاً عامّاً باُمور:
      الأوّل: بكثرة التردّد والاستطراق ومرور القوافل ونحوها في الأرض الموات، كالجوادّ الحاصلة في البراري والقفار الّتي يسلك فيها من بلاد إلى بلاد.
      الثاني: أن يجعل إنسان ملكه شارعاً وسبّله تسبيلاً دائميّاً لسلوك عامّة الناس وسلك فيه بعض الناس، فإنّه يصير بذلك طريقاً عامّاً، ولم يكن للمسبّل الرجوع بعد ذلك.
      الثالث: أن يحيي جماعة أرضاً مواتاً - قريةً أو بلدةً - ويتركوا مسلكاً نافذاً بين الدور والمساكن ويفتحوا إليه الأبواب، والمراد بكونه نافذاً أن يكون له مدخل ومخرج يدخل فيه الناس من جانب ويخرجون من جانب آخر إلى جادّة عامّة أو إلى أرض موات.
      مسألة 12 - لا حريم للشارع العامّ لو وقع بين الأملاك؛ فلو كانت بين الأملاك قطعة أرض موات عرضها ثلاثة أو أربعة أذرع - مثلاً - واستطرقها الناس حتّى صارت جادّةً لم يجب على الملّاك توسيعها وإن تضيّقت على المارّة. وكذا لو سبّل شخص في وسط ملكه أو من طرف ملكه المجاور لملك غيره ثلاثة أو أربعة أذرع -مثلاً- للشارع. وأمّا لو كان الشارع محدوداً بالموات بطرفيه أو أحد طرفيه فكان له الحريم، وهو المقدار الّذي يوجب إحياؤه نقص الشارع من سبعة أذرع على الأحوط؛ فلو حدث بسبب الاستطراق شارع في وسط الموات جاز إحياء طرفيه إلى حدّ يبقى له سبعة أذرع ولا يتجاوز عن هذا الحدّ؛ وكذا لو كان لأحد في وسط المباح ملك عرضه أربعة أذرع -مثلاً- فسبّله شارعاً لا يجوز إحياء طرفيه بما لم يبق للطريق سبعة أذرع؛ ولوكان في أحد طرفي الشارع أرض مملوكة وفي الطرف الآخر أرض موات كان الحريم من طرف الموات؛ بل لو كان طريق بين الموات وسبق شخص وأحيى أحد طرفيه إلى حدّ الطريق اختصّ الحريم بالطرف الآخر، فلا يجوز للآخر الإحياء إلى حدّ لا يبقى للطريق سبعة أذرع؛ فلو بنى بناءً مجاوزاً لذلك الحدّ اُلزم هو بهدمه وتبعيده دون المحيي الأوّل.
      مسألة 13 - إذا استؤجم الطريق أو انقطعت عنه المارّة زال حكمه، بل ارتفع موضوعه وعنوانه، فجاز لكلّ أحد إحياؤه كالموات، من غيرفرق في صورةانقطاع المارّة بين أن يكون ذلك لعدم وجودهم، أو بمنع قاهرٍ إيّاهم، أو لهجرهم إيّاه واستطراقهم غيره، أوبسبب آخر. نعم، في المسبّل لايخلو جوازالإحياء من إشكال.
      مسألة 14 - لو زاد عرض الطريق المسلوك عن سبعة أذرع ففي المسبّل لايجوز لأحدٍ أخذ ما زاد عليها وإحياؤه وتملّكه قطعاً؛ وأمّا غيره ففي جواز إحياء الزائد وعدمه وجهان، أوجههما العدم، إلّا إذا كان الزائد معرضاً عنه.
      مسألة 15 - ومن المشتركات: المسجد. وهو من مرافق المسلمين يشترك فيه عامّتهم، وهم شرع سواء في الانتفاع به إلّا بما لا يناسبه ونهى الشارع عنه، كمكث الجنب فيه ونحوه؛ فمن سبق إلى مكان منه لصلاة أو عبادة أو قراءة قرآن أو دعاء بل وتدريس أو وعظ أو إفتاء وغيرها ليس لأحد إزعاجه، سواء توافق السابق مع المسبوق في الغرض أو تخالفا فيه؛ فليس لأحدٍ بأيّ غرض كان مزاحمة من سبق إلى مكان منه بأيّ غرض كان. نعم، لايبعد تقدّم الصلاة جماعةً أو فرادى على غيرها من الأغراض؛ فلو كان جلوس السابق لغرض القراءة أو الدعاء أو التدريس وأراد أحد أن يصلّي في ذلك المكان جماعةً أو فرادى يجب عليه تخلية المكان له. نعم، ينبغي تقييد ذلك بما إذا لم يكن اختيار مريد الصلاة في ذلك المكان لمجرّد الاقتراح، بل كان إمّا لانحصار محلّ الصلاة فيه، أو لغرض راجح دينيّ كالالتحاق بصفوف الجماعة ونحوه. هذا. ولكن أصل المسألة لا تخلو من إشكال في ما إذا كان جلوس السابق لغرض العبادة كالدعاء والقراءة، لا لمجرّد النزهة والاستراحة، فلا ينبغي فيه ترك الاحتياط للمسبوق بعدم المزاحمة، وللسابق بتخلية المكان له. والظاهر تسوية الصلاة فرادى مع الصلاة جماعةً فلاأولويّة للثانية على الاُولى؛ فمن سبق إلى مكان للصلاة منفرداً فليس لمريد الصلاة جماعةً إزعاجه لها وإن كان الأولى له تخلية المكان له إذا وجد مكان آخر له، ولا يكون منّاعاً للخير عن أخيه.
      مسألة 16 - لو قام الجالس السابق وفارق المكان رافعاً يده منه معرضاً عنه بطل حقّه - على فرض ثبوت حقّ له - وإن بقي رحله؛ فلو عاد إليه وقد أخذه غيره ليس له إزعاجه. نعم، لا يجوز التصرّف في بساطه ورحله؛ وإن كان ناوياً للعود فإن كان رحله باقياً بقي حقّه لو قلنا بثبوت حقّ له، ولكن لا يجوز التصرّف في رحله على أيّ حال، وإلّا فالظاهر سقوط حقّه على فرض ثبوته، لكن ثبوت حقّ في أمثال ذلك مطلقاً لا يخلو من تأمّل وإن يظهر منهم التسالم عليه في خصوص المسجد. والأحوط عدم إشغاله، خصوصاً إذا كان خروجه لضرورة، كتجديد طهارة أو إزالة نجاسة أو قضاء حاجة ونحوها.
      مسألة 17 - الظاهر أنّ وضع الرحل مقدّمةً للجلوس كالجلوس في إفادة الأولويّة، لكن إن كان ذلك بمثل فرش سجّادة ونحوها ممّا يشغل مقدار مكان الصلاة أو معظمه، لا بمثل وضع تربة أو سبحة أو مسواك وشبهها.
      مسألة 18 - يعتبر أن لا يكون بين وضع الرحل ومجيئه طول زمان بحيث استلزم تعطيل المكان، وإلّا لم يفد حقّاً، فجاز لغيره أخذ المكان قبل مجيئه ورفع رحله والصلاة مكانه إذا شغل المحلّ بحيث لا يمكن الصلاة فيه إلّا برفعه، والظاهر أنّه يضمنه الرافع إلى أن يوصله إلى صاحبه؛ وكذا الحال في ما لو فارق المكان معرضاً عنه مع بقاء رحله فيه.
      مسألة 19 - المشاهد كالمساجد في جميع ما ذكر من الأحكام، فإنّ المسلمين فيها شرع سواء، سواء العاكف فيها والباد، والمجاور لها والمتحمّل إليها من بُعد البلاد. ومن سبق إلى مكان منها لزيارة أو صلاة أو دعاء أو قراءة ليس لأحد إزعاجه. وهل للزيارة أولويّة على غيرها كالصلاة في المسجد بالنسبة إلى غيرها لو قلنا بأولويّتها؟ لا يخلو من وجه، لكنّه غير وجيه، كأولويّة من جاء إليها من البلاد البعيدة بالنسبة إلى المجاورين وإن كان ينبغي لهم مراعاتهم. وحكم مفارقة المكان ووضع الرحل وبقائه كما سبق في المساجد.
      مسألة 20 - ومن المشتركات: المدارس بالنسبة إلى طالبي العلم، أو الطائفة الخاصّة منهم إذا خصّها الواقف بصنف خاصّ، كما إذا خصّها بصنف العرب أو العجم أو طالب العلوم الشرعيّة أو خصوص الفقه مثلاً. فمن سبق إلى سكنى حجرة منها فهو أحقّ بها ما لم يفارقها معرضاً عنها وإن طالت مدّة السكنى، إلّا إذا اشترط الواقف له مدّةً معيّنة - كثلاث سنين مثلاً - فيلزمه الخروج بعد انقضائها بلا مهلة وإن لم يؤمر به، أو شرط اتّصافه بصفة فزالت عنه تلك الصفة، كما إذا شرط كونه مشغولاً بالتحصيل أو التدريس فطرأ عليه العجز لمرض أو هرم ونحو ذلك.
      مسألة 21 - لا يبطل حقّ الساكن بالخروج لحاجة معتادة، كشراء مأكول أو مشروب أو كسوة ونحوها قطعاً وإن لم يترك رحله، ولا يلزم تخليف أحدٍ مكانه، بل ولا بالأسفار المتعارفة المعتادة، كالرواح للزيارة أو لتحصيل المعاش أو للمعالجة مع نيّة العود وبقاء متاعه ورحله، ما لم تطل المدّة إلى حدّ لم يصدق معه السكنى والإقامة عرفاً، ولم يوجب تعطيل المحلّ زائداً على المتعارف، ولم يشترط الواقف لذلك مدّة معيّنةً، كما إذا شرط أن لا يكون خروجه أزيد من شهر أو شهرين مثلاً، فيبطل حقّه لو تعدّى زمن خروجه عن تلك المدّة.
      مسألة 22 - من أقام في حجرة منها ممّن يستحقّ السكنى بها له أن يمنع من أن يشاركه غيره إذا كان المسكن معدّاً لواحد إمّا بحسب قابليّة المحلّ أو بسبب شرط الواقف، ولو اُعدّ لما فوقه لم يكن له منع غيره إلّا إذا بلغ العدد الّذي اُعدّ له، فللسكنة منع الزائد.
      مسألة 23 - يلحق بالمدارس الرباطات. وهي المواضع المبنيّة لسكنى الفقراء، والملحوظ فيها غالباً للغرباء؛ فمن سبق منهم إلى إقامة بيت منها كان أحقّ به، وليس لأحد إزعاجه. والكلام في مقدار حقّه وما به يبطل حقّه وجواز منع الشريك وعدمه فيها كما سبق في المدارس.
      مسألة 24 - ومن المشتركات: المياه. والمراد بها مياه الشطوط والأنهار الكبار، كدجلة والفرات والنيل، أو الصغار الّتي لم يجرها أحد، بل جرت بنفسها من العيون أو السيول أو ذوبان الثلوج؛ وكذلك العيون المنفجرة من الجبال أو في أراضي الموات، والمياه المجتمعة في الوهاد من نزول الأمطار، فإنّ الناس في جميع ذلك شرع سواء، ومن حاز منها شيئاً بآنية أو مصنع أو حوض ونحوها ملكه، وجرى عليه أحكام الملك، من غير فرق بين المسلم والكافر. وأمّا مياه العيون والآبار والقنوات الّتي حفرها أحد في ملكه أو في الموات بقصد تملّك مائها فهي ملك للحافر كسائر الأملاك، لا يجوز لأحدٍ أخذها والتصرّف فيها إلاّ بإذن المالك، عدا بعض التصرّفات الّتي مرّ بيانها في كتاب الطهارة، وينتقل إلى غيره بالنواقل الشرعيّة، قهريّةً كانت كالإرث، أو اختياريّةً كالبيع والصلح والهبة وغيرها.
      مسألة 25 - إذا شقّ نهراً من ماء مباح كالشطّ ونحوه ملك ما يدخل فيه من الماء ويجري عليه أحكام الملك كالماء المحوز في آنية ونحوها. وتتبع ملكيّة الماء ملكيّة النهر، فإن كان النهر لواحد ملك الماء بالتمام، وإن كان لجماعة ملك كلّ منهم من الماء بمقدار حصّته من ذلك النهر، فإن كان لواحد نصفه ولآخر ثلثه ولثالث سدسه ملكوا الماء بتلك النسبة وهكذا. ولا يتبع مقدار استحقاق الماء مقدار الأراضي الّتي تُسقى منه، فلو كان النهر مشتركاً بين ثلاثة أشخاص بالتساوي كان لكلّ منهم ثلث الماء، وإن كانت الأراضي الّتي تُسقى منه لأحدهم ألف جريب ولآخر جريباً ولآخر نصف جريب فيصرفان مازاد على احتياج أرضهما في ما شاءا؛ بل لوكان لأحدهما رحىً يدور به ولم يكن له أرض أصلاً يساوي مع كلّ من شريكيه في استحقاق الماء.
      مسألة 26 - إنّما يملك النهر المتّصل بالمباح بحفره في الموات بقصد إحيائه نهراً مع نيّة تملّكه إلى أن يوصله بالمباح كما مرّ في إحياء الموات، فإن كان الحافر واحداً ملكه بالتمام، وإن كان جماعة كان بينهم على قدر ما عملوا، فمع التساوي بالتساوي، ومع التفاوت بالتفاوت.
      مسألة 27 - لمّا كان الماء الّذي يفيضه النهر المشترك بين جماعة مشتركاً بينهم كان حكمه حكم سائر الأموال المشتركة، فلا يجوز لكلّ واحد منهم التصرّف فيه وأخذه والسقاية به إلّا بإذن باقي الشركاء؛ فإن لم يكن بينهم تعاسر ويبيح كلّ منهم سائر شركائه أن يقضي منه حاجته في كلّ وقت وزمان فلا بحث؛ وإن وقع بينهم تعاسر: فإن تراضوا بالتناوب والمهايأة بحسب الساعات أو الأيّام أو الأسابيع -مثلاً- فهو، وإلّا فلا محيص من تقسيمه بينهم بالأجزاء، بأن توضع على فم النهر خشبة أو صخرة أو حديدة ذات ثقب متساوية السعة حتّى يتساوى الماء الجاري فيها، ويجعل لكلّ منهم من الثقب بمقدار حصّته، ويجري كلّ منهم ما يجري في الثقبة المختصّة به في ساقية تختصّ به، فإذا كان بين ثلاثة وسهامهم متساوية فإن كانت الثقب ثلاثاً متساويةً جعلت لكلّ منهم ثقبة، وإن كانت ستّاً جعلت لكلّ منهم ثقبتان، وإن كانت سهامهم متفاوتةً تجعل الثقب على أقلّهم سهماً، فإذا كان لأحدهم نصفه ولآخر ثلثه ولثالث سدسه جعلت الثقب ستّاً، ثلاث منها لذي النصف، واثنتان لذي الثلث وواحدة لذي السدس وهكذا، وبعد ما اُفرزت حصّة كلّ منهم من الماء يصنع بمائه ما شاء.
      مسألة 28 - الظاهر أنّ القسمة بحسب الأجزاء قسمة إجبار، فإذا طلبها أحد الشركاء يجبر الممتنع منهم عليها. وهي لازمة ليس لأحدهم الرجوع عنها بعد وقوعها. وأمّا المهايأة فهي موقوفة على التراضي وليست بلازمة، فلبعضهم الرجوع عنها حتّى في ما إذا استوفى تمام نوبته ولم يستوف الآخر نوبته وإن ضمن حينئذٍ مقدار ما استوفاه بالمثل مع إمكانه، وإلّا فبالقيمة.
      مسألة 29 - إذا اجتمعت أملاك على ماء مباح من عين أو وادٍ أو نهر ونحوها -بأن أحياها أشخاص عليه ليسقوها منه بواسطة السواقي أو الدوالي أو النواعير أو المكائن المتداولة في هذه الأعصار- كان للجميع حقّ السقي منه، فليس لأحد أن يشقّ نهراً فوقها يقبض الماء كلّه أو ينقصه عن مقدار احتياج تلك الأملاك؛ وحينئذٍ فإن وفى الماء لسقي الجميع من دون مزاحمة في البين فهو، وإن لم يف ووقع بين أربابها في التقدّم والتأخّر التشاحّ والتعاسر يقدّم الأسبق فالأسبق في الإحياء إن علم السابق، وإلّا يقدّم الأعلى فالأعلى والأقرب فالأقرب إلى فوهة الماء وأصله، فيقضي الأعلى حاجته ثمّ يرسله إلى ما يليه وهكذا؛ لكن لا يزيد للنخل عن الكعب أي قبّة القدم على الأحوط وإن كان الجواز إلى أوّل الساق لايخلو من قوّة، وللشجر عن القدم، وللزرع عن الشراك.
      مسألة 30 - الأنهار المملوكة المنشقّة من الشطوط ونحوها إذا وقع التعاسر بين أربابها - بأن كان الشطّ لا يفي في زمان واحد بإملاء جميع تلك الأنهار - كان حالها كحال اجتماع الأملاك على الماء المباح المتقدّم في المسألة السابقة؛ فالأحقّ ما كان شقّه أسبق ثمّ الأسبق، وإن لم يعلم الأسبق فالمدار هو الأعلى فالأعلى، فيقبض الأعلى ما يسعه ثمّ مايليه وهكذا.
      مسألة 31 - لو احتاج النهر المملوك المشترك بين جماعة إلى تنقية أو حفر أو إصلاح أو سدّ خرق ونحو ذلك: فإن أقدم الجميع على ذلك كانت المؤونة على الجميع بنسبة ملكهم للنهر، سواء كان إقدامهم بالاختيار أو بالإجبار من حاكم قاهر جائر أو بإلزام من الشرع، كما إذا كان مشتركاً بين المولّى عليهم ورأى الوليّ المصلحة الملزمة في تعميره مثلاً؛ وإن لم يقدم إلّا البعض لم يجبر الممتنع، وليس للمقدمين مطالبته بحصّته من المؤونة ما لم يكن إقدامهم بالتماس منه وتعهّده ببذل حصّته. نعم، لو كان النهر مشتركاً بين القاصر وغيره وكان إقدام غير القاصر متوقّفاً على مشاركة القاصر - إمّا لعدم اقتداره بدونه أو لغير ذلك - وجب على وليّ القاصر مراعاةً لمصلحته تشريكُه في التعمير وبذل المؤونة من ماله بمقدار حصّته.
      مسألة 32 - و من المشتركات: المعادن. وهي إمّا ظاهرة، وهي ما لا تحتاج في استخراجها والوصول إليها إلى عمل ومؤونة، كالملح والقير والكبريت والموميا والكحل والنفط إذا لم يحتج كلّ منها إلى الحفر والعمل المعتدّ به، وإمّا باطنة، وهي ما لا تظهر إلّا بالعمل والعلاج كالذهب والفضّة والنحاس والرصاص، وكذا النفط إذا احتاج في استخراجه إلى حفر آبار كما هو المعمول غالباً في هذه الأعصار. فأمّا الظاهرة فهي تملك بالحيازة لا بالإحياء؛ فمن أخذ منها شيئاً ملك ما أخذه -قليلاً كان أو كثيراً- وإن كان زائداً على ما يعتاد لمثله وعلى مقدار حاجته، ويبقى الباقي ممّا لم يأخذه على الاشتراك ولا يختصّ بالسابق في الأخذ؛ وليس له على الأحوط أن يحوز مقداراً يوجب الضيق والمضارّة على الناس. وأمّا الباطنة فهي تملك بالإحياء، بأن ينهي العمل والنقب والحفر إلى أن يبلغ نيلها، فيكون حالها حال الآبار المحفورة في الموات لأجل استنباط الماء، وقد مرّ أنّها تُملك بحفرها حتّى يبلغ الماء ويملك بتبعها الماء، ولو عمل فيها عملاً لم يبلغ به نيلها كان تحجيراً أفاد الأحقّيّة والأولويّة دون الملكيّة.
      مسألة 33 - إذا شرع في إحياء معدن ثمّ أهمله وعطّله اُجبر على إتمام العمل أو رفع يده عنه، ولو أبدى عذراً اُنظر بمقدار زوال عذره ثمّ اُلزم على أحد الأمرين، كما سبق ذلك كلّه في إحياء الموات.
      مسألة 34 - لو أحيى أرضاً - مزرعاً أو مسكناً مثلاً - فظهر فيها معدن ملكه تبعاً لها، سواء كان عالماً به حين إحيائها أم لا.
      مسألة 35 - لو قال ربّ المعدن لآخر: «اعمل فيه ولك نصف الخارج» -مثلاً- بطل إن كان بعنوان الإجارة، وصحّ لوكان بعنوان الجعالة.

  • كتاب اللقطة
  •  

    كتاب اللقطة

    وهي بمعناها الأعمّ: كلّ مال ضائع عن مالكه ولم يكن يدٌ عليه. وهي إمّا حيوان أو غير حيوان.

    • القول في لقطة الحيوان

       

      القول في لقطة الحيوان

      وهي المسمّاة بالضالّة.
      مسألة 1 - إذا وجد الحيوان في العمران لا يجوز أخذه ووضع اليد عليه أيّ حيوان كان؛ فمن أخذه ضمنه ويجب عليه حفظه من التلف والإنفاقُ عليه بما يلزم، وليس له الرجوع على صاحبه بما أنفق. نعم، إن كان شاةً حبسها ثلاثة أيّام، فإن لم يأت صاحبها باعها وتصدّق بثمنها. والظاهر ضمانها لو جاء صاحبها ولم يرض بالتصدّق. ولا يبعد جواز حفظها لصاحبها أو دفعها إلى الحاكم أيضاً. ولو كان الحيوان في معرض الخطر لمرض أو غيره جاز له أخذه من دون ضمان، ويجب عليه الإنفاق عليه، وجاز له الرجوع بما أنفقه على مالكه لو كان إنفاقه عليه بقصد الرجوع عليه، وإن كان له منفعة من ركوب أو حمل عليه أو لبن ونحوه جاز له استيفاؤها واحتسابها بإزاء ما أنفق، ويرجع إلى صاحبه إن كانت النفقة أكثر، ويؤدّي إليه الزيادة إن زادت المنفعة عنها.
      مسألة 2 - بعد ما أخذ الحيوان في العمران وصار تحت يده يجب عليه الفحص عن صاحبه في صورتي جواز الأخذ وعدمه، فإذا يئس من صاحبه تصدّق به أو بثمنه كغيره من مجهول المالك.
      مسألة 3 - ما يدخل في دار الإنسان من الحيوان كالدجاج والحمام ممّا لم يعرف صاحبه الظاهر خروجه عن عنوان اللقطة، بل هو داخل في عنوان مجهول المالك، فيتفحّص عن صاحبه وعند اليأس منه يتصدّق به. والفحص اللازم هو المتعارف في أمثال ذلك، بأن يسأل من الجيران والقريبة من الدور والعمران. ويجوز تملّك مثل الحمام إذا ملك جناحيه ولم يعلم أن له صاحباً ولا يجب الفحص؛ والأحوط في ما إذا علم أنّ له مالكاً ولو من جهة آثار اليد أن يعامل معه معاملة مجهول المالك.
      مسألة 4 - ما يوجد من الحيوان في غير العمران من الطرق والشوارع والمفاوز والصحاري والبراري والجبال والآجام ونحوها: إن كان ممّا يحفظ نفسه بحسب العادة من صغار السباع مثل الثعالب وابن آوى والذئب والضبع ونحوها -إمّا لكبر جثّته كالبعير، أو لسرعة عدوه كالفرس والغزال، أو لقوّته وبطشه كالجاموس والثور - لا يجوز أخذه ووضع اليد عليه إذا كان في كلأ وماء، أو كان صحيحاً يقدر على تحصيل الماء والكلأ، وإن كان ممّا تغلب عليه صغار السباع -كالشاة وأطفال البعير والدوابّ- جاز أخذه، فإذا أخذه عرّفه على الأحوط في المكان الّذي أصابه وحواليه إن كان فيه أحد، فإن عرف صاحبه ردّه إليه، وإلّا كان له تملّكه وبيعه وأكله مع الضمان لمالكه لو وجد، كما أنّ له إبقاءه وحفظه لمالكه، ولا ضمان عليه.
      مسألة 5 - لو أخذ البعير ونحوه في صورة لا يجوز له أخذه ضمنه، ويجب عليه الإنفاق عليه، وليس له الرجوع بما أنفقه على صاحبه وإن كان من قصده الرجوع عليه، كما مرّ في ما يؤخذ من العمران.
      مسألة 6 - إذا ترك الحيوان صاحبه وسرّحه في الطرق أوالصحاري والبراري: فإن كان بقصد الإعراض عنه جاز لكلّ أحدٍ أخذه وتملّكه، كما هو الحال في كلّ مال أعرض عنه صاحبه؛ وإن لم يكن بقصد الإعراض بل كان من جهة العجز عن إنفاقه أو من جهة جهد الحيوان وكلاله كما يتّفق كثيراً أنّ الإنسان إذا كلّت دابّته في الطرق والمفاوز ولم يتمكّن من الوقوف عندها يأخذ رحلها أو سرجها ويسرّحها ويذهب: فإن تركه في كلأ وماء وأمن ليس لأحدٍ أن يأخذه، فلو أخذه كان غاصباً ضامناً له، وإن أرسله بعد ما أخذه لم يخرج من الضمان، وفي وجوب حفظه والإنفاق عليه وعدم الرجوع على صاحبه ما مرّ في ما يؤخذ في العمران؛ وإن تركه في خوف وعلى غير ماء وكلأ جاز أخذه، وهو للآخذ إذا تملّكه.
      مسألة 7 - إذا أصاب دابّةً وعلم بالقرائن أنّ صاحبها قد تركها ولم يدر أنّه قد تركها بقصد الإعراض أو بسبب آخر كانت بحكم الثاني، فليس له أخذها وتملّكها إلّا إذا كانت في مكان خوف بلا ماء ولا كلأ.
      مسألة 8 - إذا أصاب حيواناً في غير العمران ولم يدر أنّ صاحبه قد تركه بأحد النحوين أو لم يتركه بل ضاعه أو شرد عنه كان بحكم الثاني من التفصيل المتقدّم، فإن كان مثل البعير لم يجز أخذه وتملّكه، إلّا إذا كان غير صحيح ولم يكن في ماء وكلأ، وإن كان مثل الشاة جاز أخذه مطلقاً.

    • القول في لقطة غير الحيوان

       

      القول في لقطة غير الحيوان

      وهي الّتي يطلق عليها اللقطة عند الإطلاق واللقطة بالمعنى الأخصّ. ويعتبر فيها عدم معرفة المالك، فهي قسم من مجهول المالك، لها أحكام خاصّة.
      مسألة 1 - يعتبر فيها الضياع عن المالك؛ فما يؤخذ من يد الغاصب والسارق ليس من اللقطة، لعدم الضياع عن مالكه، بل لابدّ في ترتيب أحكامها من إحراز الضياع ولو بشاهد الحال؛ فالمداس المتبدّل بمداسه في المساجد ونحوها يشكل ترتيب أحكام اللقطة عليه؛ وكذا الثوب المتبدّل بثوبه في الحمّام ونحوه، لاحتمال تعمّد المالك في التبديل، ومعه يكون من مجهول المالك لا من اللقطة.
      مسألة 2 - يعتبر في صدق اللقطة وثبوت أحكامها الأخذ والالتقاط؛ فلو رأى غيره شيئاً وأخبر به فأخذه كان حكمها على الآخذ، دون الرائي وإن تسبّب منه؛ بل لو قال ناولنيه فنوى المأمور الأخذ لنفسه كان هو الملتقط دون الآمر؛ ولو أخذه لا لنفسه وناوله إيّاه ففي كون الآمر ملتقطاً إشكال، فضلاً عن أخذه بأمره ونيابته من دون أن يناوله إيّاه.
      مسألة 3 - لو رأى شيئاً مطروحاً على الأرض فأخذه بظنّ أنّه ماله فتبيّن أنّه ضائع عن غيره صار بذلك لقطةً وعليه حكمها. وكذا لو رأى مالاً ضائعاً فنحّاه بعد أخذه من جانب إلى آخر. نعم، لو دفعه برجله أو بيده من غير أخذٍ ليتعرّفه فالظاهر عدم صيرورته بذلك ملتقطاً بل ولا ضامناً، لعدم صدق اليد والأخذ.
      مسألة 4 - المال المجهول المالك غير الضائع لا يجوز أخذه ووضع اليد عليه؛ فإن أخذه كان غاصباً ضامناً إلّا إذا كان في معرض التلف فيجوز بقصد الحفظ، ويكون حينئذٍ في يده أمانةً شرعيّةً، ولا يضمن إلّا بالتعدّي أو التفريط. وعلى كلّ من تقديري جواز الأخذ وعدمه لو أخذه يجب عليه الفحص عن مالكه إلى أن يئس من الظفر به، وعند ذلك يجب عليه أن يتصدّق به أو بثمنه، ولو كان ممّا يعرض عليه الفساد ولا يبقى بنفسه يبيعه أو يقوّمه ويصرفه، والأحوط أن يكون البيع بإذن الحاكم مع الإمكان، ثمّ بعد اليأس عن الظفر بصاحبه يتصدّق بالثمن.
      مسألة 5 - كلّ مال غير الحيوان أحرز ضياعه عن مالكه المجهول ولو بشاهد الحال - وهو الّذي يطلق عليه اللقطة كما مرّ - يجوز أخذه والتقاطه على كراهة، وإن كان المال الضائع في الحرم -أي حرم مكّة زادها اللّه شرفا وتعظيما - اشتدّت كراهة التقاطه، بل لا ينبغي ترك الاحتياط بتركه.
      مسألة 6 - اللقطة إن كانت قيمتها دون الدرهم جاز تملّكها في الحال، من دون تعريف وفحص عن مالكها، ولا يملكها قهرا بدون قصد التملّك على الأقوى؛ فإن جاء مالكها بعدما التقطها دفعها إليه مع بقائها وإن تملّكها على الأحوط لولم يكن الأقوى، وإن كانت تالفةً لم يضمنها الملتقط، وليس عليه عوضها إن كان بعد التملّك، وكذا قبله إن تلفت من غير تفريط منه. وإن كانت قيمتها درهما أو أزيد وجب عليه تعريفها والفحص عن صاحبها؛ فإن لم يظفر به: فإن كانت لقطة الحرم تخيّر بين أمرين: التصدّق بها مع الضمان كاللقطة في غير الحرم أو إبقاؤها وحفظها لمالكها فلا ضمان عليه، وليس له تملّكها؛ وإن كانت لقطة غيرالحرم تخيّر بين اُمور ثلاثة: تملّكها، والتصدّق بها مع الضمان فيهما، وإبقاؤها أمانةً بيده من غير ضمان.
      مسألة 7 - الدرهم هو الفضّة المسكوكة الرائجة في المعاملة. وهو وإن اختلف عياره بحسب الأزمنة والأمكنة إلّا أنّ المراد هنا ما كان على وزن اثنتي عشرة حمّصة ونصف حمّصة وعشرها. وبعبارة اُخرى: نصف مثقال وربع عشر المثقال بالمثقال الصيرفيّ الّذي يساوي أربع وعشرين حمّصة معتدلة، فالدرهم يقارب { P () هكذا في جميع الطبعات، لكنّ الصحيح: «أربعاً». P} نصف ريال عجميّ، وكذا ربع روپية انگليزيّة.
      مسألة 8 - المدار في القيمة مكان الالتقاط و زمانه في اللقطة وفي الدرهم؛ فان وجد شيئا في بلاد العجم -مثلا- وكان قيمته في بلد الالتقاط وزمانه أقلّ من نصف ريال أو وجد في بلاد تكون الرائج فيها الروپية وكان قيمته أقلّ من ربعها جاز تملّكه في الحال ولا يجب تعريفه.
      مسألة 9 - يجب التعريف في ما لم يكن أقلّ من الدرهم فورا على الأحوط. نعم، لا يجوز التسامح والإهمال والتساهل فيه؛ فلو أخّره كذلك عصى إلّا مع العذر، وعلى أيّ حال لم يسقط التعريف.
      مسألة 10 - قيل: لا يجب التعريف إلّا إذا كان ناويا للتملّك بعده، والأقوى وجوبه مطلقاً وإن كان من نيّته ذلك أو التصدّق أو الحفظ لمالكها أو غير ناوٍ لشي ء أصلا.
      مسألة 11 - مدّة التعريف الواجب سنة كاملة. ولا يشترط فيها التوالي؛ فإن عرّفها في ثلاثة شهور في سنة على نحو يقال في العرف: إنّه عرّفها في تلك المدّة ثمّ ترك التعريف بالمرّة ثمّ عرّفها في سنة اُخرى ثلاثة شهور وهكذا إلى أن كمل مقدار سنة في ضمن أربع سنوات -مثلا- كفى في تحقّق التعريف الّذي هو شرط لجواز التملّك والتصدّق، وسقط عنه ما وجب عليه وإن كان عاصيا في تأخيره بهذا المقدار إن كان بدون عذر.
      مسألة 12 - لا يعتبر في التعريف مباشرة الملتقط، بل يجوز استنابة الغير مجّانا أو بالاُجرة مع الاطمينان بإيقاعه. والظاهر أنّ اُجرة التعريف على الملتقط، إلّا إذا كان من قصده أن يبقى بيده ويحفظها لمالكه، فإنّ في كون الاُجرة على المالك أو عليه تردّدا، والأحوط التصالح.
      مسألة 13 - لو علم بأنّ التعريف لا فائدة فيه أو حصل له اليأس من وجدان مالكها قبل تمام السنة سقط وتخيّر بين الأمرين في لقطة الحرم، والأحوط ذلك في لقطة غيره أيضا.
      مسألة 14 - لو تعذّر التعريف في أثناء السنة انتظر رفع العذر، وليس عليه بعد ارتفاع العذر استيناف السنة، بل يكفي تتميمها.
      مسألة 15 - لو علم بعد تعريف سنة أنّه لو زاد عليها عثر على صاحبه فهل يجب الزيادة إلى أن يعثر عليه أم لا؟ وجهان، أحوطهما الأوّل، خصوصا إذا علم بعثوره مع زيادة يسيرة.
      مسألة 16 - لو ضاعت اللقطة من الملتقط ووجدها شخص آخر لم يجب عليه التعريف، بل يجب عليه إيصالها إلى الملتقط الأوّل. نعم، لو لم يعرّفه وجب عليه التعريف سنةً طالبا به المالك أو الملتقط الأوّل، فأيّا منهما عثر عليه يجب دفعها إليه، من غير فرق بين ما كان ضياعها من الملتقط قبل تعريفه سنةً أو بعده.
      مسألة 17 - إذا كانت اللقطة ممّا لا تبقى لسنة - كالطبيخ والبطّيخ واللحم والفواكه والخضروات - جاز أن يقوّمها على نفسه ويأكلها ويتصرّف فيها، أو يبيعها من غيره ويحفظ ثمنها لمالكها. والأحوط أن يكون بيعها بإذن الحاكم مع الإمكان وإن كان الأقوى عدم اعتباره. والأحوط حفظها إلى آخر زمان الخوف من الفساد، بل وجوبه لا يخلو من قوّة. وكيف كان، لا يسقط التعريف، فيحفظ خصوصيّاتها وصفاتها قبل أن يأكلها أو يبيعها ثمّ يعرّفها سنةً، فإن جاء صاحبها وقد باعها دفع ثمنها إليه، وإن أكلها غرمها بقيمتها، وإن لم يجئ فلا شي ء عليه.
      مسألة 18 - يتحقّق تعريف سنة بأن يكون في مدّة سنة متوالية أو غير متوالية مشغولا بالتعريف بحيث لم يعدّ في العرف متسامحا متساهلا في الفحص عن مالكه، بل عدّوه فاحصا عنه في هذه المدّة، ولا يتقدّر ذلك بمقدار معيّن، بل هو أمر عرفيّ، وقد نسب إلى المشهور تحديده بأن يعرّف في الاُسبوع الأوّل في كلّ يوم مرّة، ثمّ في بقيّة الشهر في كلّ اُسبوع مرّة، وبعد ذلك في كلّ شهر مرّة. والظاهر أنّ المراد بيان أقلّ ما يصدق عليه تعريف سنة عرفا، ومرجعه إلى كفاية بضع وعشرين مرّة بهذه الكيفيّة. وفيه إشكال من جهة الإشكال في كفاية كلّ شهر مرّة في غير الشهر الأوّل. والظاهر كفاية كلّ اُسبوع مرّة إلى تمام الحول. والأحوط أن يكون في الاُسبوع الأوّل كلّ يوم مرّة.
      مسألة 19 - محلّ التعريف مجامع الناس، كالأسواق والمشاهد ومحلّ إقامة الجماعات ومجالس التعازي، وكذا المساجد حين اجتماع الناس فيها وإن كره ذلك فيها، فينبغي أن يكون على أبوابها حين دخول الناس فيها أو خروجهم عنها.
      مسألة 20 - يجب أن يعرّف اللقطة في موضع الالتقاط مع احتمال وجود صاحبها فيه إن وجدها في محلّ متأهّل من بلد أو قرية ونحوهما، ولو لم يقدر على البقاء لم يسافر بها بل استناب شخصا أمينا ثقةً ليعرّفها. وإن وجدها في المفاوز والبراري والشوارع وأمثال ذلك عرّفها لمن يجده فيها، حتّى أنّه لو اجتازت قافلة تبعهم وعرّفها فيهم، فإن لم يجد المالك فيها أتمّ التعريف في غيرها من البلاد، أيّ بلد شاء ممّا احتمل وجود صاحبها فيه، وينبغي أن يكون في أقرب البلدان إليها فالأقرب مع الإمكان.
      مسألة 21 - كيفيّة التعريف أن يقول المنادي: من ضاع له ذهب أو فضّة أو ثوب؟ وما شاكل ذلك من الألفاظ بلغة يفهمها الأغلب. ويجوز أن يقول: من ضاع له شي ء أو مال؟ بل ربما قيل: إنّ ذلك أحوط وأولى؛ فإذا ادّعى أحد ضياعه سأله عن خصوصيّاته وصفاته وعلاماته من وعائه وخيطه وصنعته واُمور يبعد اطّلاع غير المالك عليه من عدده وزمان ضياعه ومكانه وغير ذلك، فإذا توافقت الصفات والخصوصيّات الّتي ذكرها مع الخصوصيّات الموجودة في ذلك المال فقد تمّ التعريف، ولا يضرّ جهله ببعض الخصوصيّات الّتي لايطّلع عليها المالك غالبا ولايلتفت إليها إلّا نادرا. ألا ترى أنّ الكتاب الّذي يملكه الانسان ويقرؤه ويطالعه مدّةً طويلةً من الزمان لا يطّلع غالبا على عدد أوراقه وصفحاته؟ فلو لم يعرف مثل ذلك لكن وصفه بصفات وعلامات اُخر لا تخفى على المالك كفى في تعريفه وتوصيفه.
      مسألة 22 - إذا لم تكن اللقطة قابلةً للتعريف بأن لم تكن لها علامة وخصوصيّات ممتازة عن غيرها حتّى يصف بها من يدّعيها ويسأل عنها الملتقط -كدينار واحد من الدنانير المتعارفة غير مصرور ولا مكسور- سقط التعريف؛ وحينئذٍ هل يتخيّر بين الاُمور الثلاثة المتقدّمة من دون تعريف أو يعامل معه معاملة مجهول المالك، فيتعيّن التصدّق به؟ وجهان، أحوطهما الثاني.
      مسألة 23 - إذا التقط اثنان لقطةً واحدةً: فإن كانت دون درهم جاز لهما تملّكها في الحال من دون تعريف وكان بينهما بالتساوي، وإن كانت بمقدار درهم فما زاد وجب عليهما تعريفها وإن كانت حصّة كلّ منهما أقلّ من درهم. ويجوز أن يتصدّى للتعريف كلاهما أو أحدهما أو يوزّع الحول عليهما بالتساوي أو التفاضل، فإن توافقا على أحد الأنحاء فقد تأدّى ماهو الواجب عليهما وسقط عنهما، وإن تعاسرا يوزّع الحول عليهما بالتساوي. وهكذا بالنسبة إلى اُجرة التعريف - لو كانت - عليهما. وبعدما تمّ حول التعريف يجوز اتّفاقهما على التملّك أو التصدّق أو الإبقاء أمانةً ويجوز أن يختار أحدهما غير ما يختار الآخر، بأن يختار أحدهما التملّك والآخر التصدق -مثلا- بنصفه. ثمّ إن تصدّى أحدهما لأداء تكليفه من التعريف وترك الآخر عصيانا أو لعذر فالظاهر عدم جواز تملّك التارك حصّته، وأمّا المتصدّي فيجوز له تملّك حصّته إن عرّفها سنةً. والأحوط لهما في صورة التوافق على التوزيع أن ينوي كلّ منهما التعريف عنه وعن صاحبه، وإلّا فيشكل تملّكهما. وكذا في صورة التوافق على تصدّي أحدهما أن ينوي عن نفسه وعن صاحبه.
      مسألة 24 - إذا التقط الصبيّ أو المجنون: فما كان دون درهم ملكاه إن قصد وليّهما تملّكهما، وأمّا تأثير قصدهما في ذلك فمحلّ إشكال بل منع؛ وما كان مقدار درهم فما زاد يعرّف، وكان التعريف على وليّهما، وبعد تمام الحول يختار ما هو الأصلح لهما من التملّك لهما والتصدّق والإبقاء أمانةً.
      مسألة 25 - اللقطة في مدّة التعريف أمانة لا يضمنها الملتقط إلّا مع التعدّي أو التفريط. وكذا بعد تمام الحول إن اختار بقاءها عنده أمانة لمالكها، وأمّا إن اختار التملّك أو التصدّق فإنّها تصير في ضمانه كما تعرفه.
      مسألة 26 - إن وجد المالك وقد تملّكها الملتقط بعد التعريف: فإن كانت العين باقيةً أخذها وليس له إلزام الملتقط بدفع البدل من المثل أو القيمة، وكذا ليس له إلزام المالك بأخذ البدل؛ وإن كانت تالفةً أو منتقلةً إلى الغير ببيع ونحوه أخذ بدلها من الملتقط من المثل أو القيمة، وإن وجد بعد ما تصدّق بها فليس له أن يرجع العين وإن كانت موجودةً عند المتصدّق له، وإنّما له أن يرجع على الملتقط ويأخذ منه بدل ماله إن لم يرض بالتصدّق، وإن رضي به لم يكن له الرجوع عليه، وكان أجر الصدقة له. هذا إذا وجد المالك، وأمّا إذا لم يوجد فلا شي ء عليه في الصورتين.
      مسألة 27 - لا يسقط التعريف عن الملتقط بدفع اللقطة إلى الحاكم وإن جاز له دفعها إليه قبل التعريف وبعده، بل إن اختار التصدّق بها بعد التعريف كان الأولى أن يدفعها إليه ليتصدّق بها.
      مسألة 28 - لو وجد المالك وقد حصل للّقطة نماء متّصل يتبع العين فيأخذها بنمائها، سواء حصل قبل تمام التعريف أو بعده، وسواء حصل قبل التملّك أو بعده. وأمّا النماء المنفصل: فإن حصل بعد التملّك كان للملتقط، فإذا كانت العين موجودةً يدفعها إلى المالك دون نمائها؛ وإن حصل في زمن التعريف أو بعده قبل التملّك كان للمالك.
      مسألة 29 - لو حصل لها نماء منفصل بعد الالتقاط فعرّف العين حولا ولم يجد المالك فهل له تملّك النماء بتبع العين أم لا؟ وجهان، أحوطهما الثاني، بأن يعمل معه معاملة مجهول المالك، فيتصدّق به بعد اليأس عن المالك.
      مسألة 30 - ما يوجد مدفونا في الخربة الدارسة الّتي باد أهلها وفي المفاوز وكلّ أرض لاربّ لها فهو لواجده من دون تعريف، وعليه الخمس مع صدق الكنز عليه كما مرّ في كتابه. وكذا لواجده ما كان مطروحا وعلم أو ظنّ بشهادة بعض العلائم والخصوصيّات أنّه ليس لأهل زمن الواجد؛ وأمّا ما علم أنّه لأهل زمانه فهو لقطة، فيجب تعريفه إن كان بمقدار الدرهم فما زاد، وقد مرّ أنّه يعرّف في أيّ بلد شاء.
      مسألة 31 - لو علم مالك اللقطة قبل التعريف أو بعده لكن لم يمكن الإيصال إليه ولا إلى وارثه ففي إجراء حكم اللقطة عليه من التخيير بين الاُمور الثلاثة أو إجراء حكم مجهول المالك عليه وتعيّن التصدّق به وجهان، والأحوط إرجاع الأمر إلى الحاكم.
      مسألة 32 - لو مات الملتقط: فإن كان بعد التعريف والتملّك ينتقل إلى وارثه، وإن كان بعد التعريف وقبل التملّك يتخيّر وارثه بين الاُمور الثلاثة، وإن كان قبل التعريف أو في أثنائه فلا يبعد جريان حكم مجهول المالك عليه.
      مسألة 33 - لو وجد مالا في دار معمورة يسكنها الغير - سواء كانت ملكا له أو مستأجرةً أو مستعارةً بل أو مغصوبةً - عرّفه الساكن، فإن ادّعى ملكيّته فهو له، فليدفع إليه بلا بيّنة، ولو قال: «لا أدري» ففي جريان هذا الحكم إشكال، ولو سلبه عن نفسه فالأحوط إجراء حكم اللقطة عليه، وأحوط منه إجراء حكم مجهول المالك، فيتصدّق به بعد اليأس عن المالك.
      مسألة 34 - لو وجد شيئا في جوف حيوان قد انتقل إليه من غيره: فإن كان غير السمك -كالغنم والبقر- عرّفه صاحبه السابق، فإن ادّعاه دفعه إليه، وكذا إن قال: «لا أدري» على الأحوط وإن كان الأقوى أنّه لواجده، وإن أنكره كان للواجد. وإن وجد شيئا - لؤلؤةً أو غيرها - في جوف سمكة اشتراها فهو له. والظاهر أنّ الحيوان الّذي لم يكن له مالك سابق غير السمك بحكم السمك - كما إذا اصطاد غزالا فوجد في جوفه شيئا - وإن كان الأحوط إجراء حكم اللقطة أو مجهول المالك عليه.
      مسألة 35 - لو وجد في داره الّتي يسكنها شيئا ولم يعلم أنّه ماله أو مال غيره: فإن لم يدخلها غيره أو يدخلها آحاد من الناس من باب الاتّفاق - كالدخلانيّة المعدّة لأهله وعياله - فهو له، وإن كانت ممّا يتردّد فيها الناس - كالبرّانيّة المعدّة للأضياف والواردين والعائدين، والمضائف ونحوها - فهو لقطة يجري عليه حكمها. وإن وجد في صندوقه شيئا ولم يعلم أنّه ماله أو مال غيره فهو له، إلّا إذا كان غيره يدخل يده فيه أو يضع فيه شيئا فيعرّفه ذلك الغير، فإن أنكره كان له لالذلك الغير، وإن ادّعاه دفعه إليه، وإن قال: «لا أدري» فالأحوط التصالح.
      مسألة 36 - لو أخذ من شخص مالا ثمّ علم أنّه لغيره قد اُخذ منه بغير وجه شرعيّ وعدواناً ولم يعرف المالك يجري عليه حكم مجهول المالك، لا اللقطة، لما مرّ من أنّه يعتبر في صدقها الضياع عن المالك، ولا ضياع في هذا الفرض. نعم، في خصوص ما إذا أودع عنده سارق مالا ثمّ تبيّن أنّه مال غيره ولم يعرفه يجب عليه أن يمسكه ولا يردّه إلى السارق مع الإمكان، ثمّ هو بحكم اللقطة فيعرّفه حولا، فإن أصاب صاحبه ردّه عليه، وإلّا تصدّق به، فإن جاء صاحبه بعد ذلك خيّره بين الأجر والغرم، فإن اختار الأجر فله، وان اختار الغرم غرم له وكان الأجر له، وليس له على الأحوط أن يتملّكه بعد التعريف، فليس هو بحكم اللقطة من هذه الجهة.
      مسألة 37 - لو التقط شيئا فبعد ما صار في يده ادّعاه شخص حاضر وقال: «إنّه مالي» يشكل دفعه إليه بمجرّد دعواه، بل يحتاج إلى البيّنة، إلّا إذا كان بحيث يصدق عرفا أنّه في يده، أو ادّعاه قبل أن يلتقطه، فيحكم بكونه ملكا للمدّعي، ولايجوز له أن يلتقطه.
      مسألة 38 - لا يجب دفع اللقطة إلى من يدّعيها إلا مع العلم أو البيّنة وإن وصفها بصفات وعلامات لا يطّلع عليها غير المالك غالبا إذا لم يفد القطع بكونه المالك. نعم، نسب إلى الأكثر أنّه إن أفاد الظنّ جاز دفعها إليه، فإن تبرّع بالدفع لم يمنع، وإن امتنع لم يجبر، وهو الأقوى وإن كان الأحوط الاقتصار في الدفع على صورة العلم أو البيّنة.
      مسألة 39 - لو تبدّل مداسه بمداس آخر في مسجد أو غيره أو تبدّل ثيابه في حمّام أو غيره بثياب آخر: فإن علم أنّ الموجود لمن أخذ ماله جاز أن يتصرّف فيه، بل يتملّكه بعنوان التقاصّ عن ماله إذا علم أنّ صاحبه قد بدّله متعمّدا، وجريان الحكم في غيرذلك محلّ إشكال وإن لايخلو من قرب لكن بعدالفحص عن صاحبه واليأس منه، وكذا يجب الفحص في صورة تعمّده؛ نعم، لو كان الموجود أجود ممّا اُخذ يلاحظ التفاوت فيقوّمان معا ويتصدّق مقدار التفاوت بعد اليأس عن صاحب المتروك؛ وإن لم يعلم بأنّ المتروك لمن أخذ ماله أو لغيره يعامل معه معاملة مجهول المالك، فيتفحّص عن صاحبه ومع اليأس عنه يتصدّق به، بل الأحوط ذلك أيضا في ما لو علم أنّ الموجود للآخذ لكن لم يعلم أنّه قد بدّل متعمّدا.

    • خاتمة في اللقيط

       

      خاتمة

      إذا وجد صبيّا ضائعا لا كافل له ولا يستقلّ بنفسه على السعي في ما يصلحه والدفع عمّا يضرّه ويهلكه - ويقال له: اللقيط - يجوز بل يستحبّ التقاطه وأخذه، بل يجب مقدّمةً إن توقّف حفظه عليه لو كان في معرض التلف، سواء كان منبوذا قد طرحه أهله في شارع أو مسجد ونحوهما، عجزا عن النفقة أو خوفا من التهمة أو غيره، بل وإن كان مميّزا بعد صدق كونه ضائعاً تائها لا كافل له، وبعد ما أخذ اللقيط والتقطه يجب عليه حضانته وحفظه والقيام بضرورة تربيته بنفسه أو بغيره، وهو أحقّ به من غيره إلى أن يبلغ، فليس لأحد أن ينتزعه من يده ويتصدّى حضانته غير من له حقّ الحضانة شرعا بحقّ النسب كالأبوين والأجداد وسائر الأقارب، أو بحقّ الوصاية كوصيّ الأب أو الجدّ إذا وجد أحد هؤلاء، فيخرج بذلك عن عنوان اللقيط، لوجود الكافل له حينئذٍ. واللقيط من لا كافل له. وكما لهؤلاء حقّ الحضانة فلهم انتزاعه من يد آخذه كذلك عليهم ذلك، فلو امتنعوا اُجبروا عليه.
      مسألة ۱- إذا كان للّقيط مال من فراش أو غطاء زائدين على مقدار حاجته أو غير ذلك جاز للملتقط صرفه في إنفاقه بإذن الحاكم أو وكيله، ومع تعذّرهما وتعذّر عدول المؤمنين على الأحوط جاز له ذلك بنفسه، ولا ضمان عليه. وإن لم يكن له مال: فإن وجد من ينفق عليه - من حاكم بيده بيت المال أو من كان عنده حقوق تنطبق عليه من زكاة أو غيرها أو متبرّع - كان له الاستعانة بهم في إنفاقه أو الإنفاق عليه من ماله، وليس له حينئذٍ الرجوع على اللقيط بما أنفقه بعد بلوغه ويساره وإن نوى الرجوع عليه؛ وإن لم يكن من ينفق عليه من أمثال ما ذكر تعيّن عليه، وكان له الرجوع عليه مع قصد الرجوع لا بدونه.
      مسألة ۲ - يشترط في الملتقط البلوغ والعقل والحرّيّة، وكذا الإسلام إن كان اللقيط محكوما بالإسلام.
      مسألة 3 - لقيط دارالإسلام محكوم بالإسلام، وكذا لقيط دار الكفر إذا وجد فيها مسلم احتمل تولّد اللقيط منه. وإن كان في دارالكفر ولم يكن فيها مسلم أو كان ولم يحتمل كونه منه يحكم بكفره. وفي ما كان محكوما بالإسلام لو أعرب عن نفسه الكفر بعد البلوغ يحكم بكفره، لكن لا يجري عليه حكم المرتدّ الفطريّ على الأقوى.

  • كتاب النكاح
    • في بعض آدابه واحکامه

       

      في بعض آدابه واحکامه

      وهو من المستحبّات الأكيدة. وما ورد في الحثّ عليه والذمّ على تركه ممّا لايحصى كثرةً: فعن مولانا الباقر(عليه السلام) قال: «قال رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم): ما بُني بناء في الإسلام أحبّ إلى اللّه عزّوجلّ من التزويج». وعن مولانا الصادق (عليه السلام): «ركعتان يصلّيهما المتزوّج أفضل من سبعين ركعة يصلّيهما عزبٌ». وعنه (عليه السلام) قال: «قال رسول اللّه(صلى الله عليه وآله وسلم): رذال موتا كم العزّاب». وفي خبر آخر عنه(صلى الله عليه وآله وسلم): «أكثر أهل النار العزّاب». ولا ينبغي أن يمنعه الفقر والعيلة بعدما وعد اللّه عزّوجلّ بالإغناء والسعة بقوله عزّ من قائل: «إِنْ يَكُونُوا فُقَراءَ يُغْنِهِم اللّهُ مِنْ فَضْلِهِ»، فعن النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم): «من ترك التزويج مخافة العيلة فقد أساء الظنّ باللّه عزّوجلّ». هذا.
      وممّا يناسب تقديمه على مقاصد هذا الكتاب اُمور: بعضها متعلّق بمن ينبغي اختياره للزواج ومن لا ينبغي، وبعضها في آداب العقد، وبعضها في آداب الخلوة مع الزوجة، وبعضها من اللواحق الّتي لها مناسبة بالمقام. وهي تذكرفي ضمن مسائل:
      مسألة 1 - ممّا ينبغي أن يهتمّ به الإنسان النظر في صفات من يريد تزويجها، فعن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم): «اختاروا لنطفكم، فإنّ الخال أحد الضجيعين». وفي خبر آخر: «تخيّروا لنطفكم، فإنّ الأبناء تشبه الأخوال». وعن مولانا الصادق (عليه السلام) لبعض أصحابه حين قال: قد هممت أن أتزوّج: «اُنظر أين تضع نفسك، ومن تشركه في مالك، وتُطلِعه على دينك وسرّك، فإن كنت لابدّ فاعلا فبكرا تنسب إلى الخير وحسن الخلق» الخبر. وعنه (عليه السلام): «إنّما المرأة قلادة، فانظر ما تتقلّد. وليس للمرأة خطر لا لصالحتهنّ ولا لطالحتهنّ، فأمّا صالحتهنّ فليس خطرها الذهب والفضّة، هي خير من الذهب والفضّة، وأمّا طالحتهنّ فليس خطرها التراب، التراب خير منها». وكما ينبغي للرجل أن ينظر في من يختارها للتزويج كذلك ينبغي ذلك للمرأة وأوليائها بالنسبة إلى الرجل؛ فعن مولانا الرضا عن آبائه: عن رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) أنّه قال: «النكاح رقّ، فإذا أنكح أحدكم وليدته فقد أرقّها، فلينظر أحدكم لمن يرقّ كريمته».
      مسألة 2 - ينبغي أن لا يكون النظر في اختيار المرأة مقصورا على الجمال والمال؛ فعن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم): «من تزوّج امرأةً لا يتزوّجها إلّا لجمالها لم يرفيها ما يحبّ، ومن تزوّجها لمالها لا يتزوّجها إلّا له وكله اللّه إليه، فعليكم بذات الدين»؛ بل يختار من كانت واجدةً لصفات شريفة صالحة قد وردت في مدحها الأخبار فاقدةً لصفات ذميمة قد نطقت بذمّها الآثار، وأجمع خبر في هذا الباب ما عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أنّه قال: «إنّ خير نسائكم الولود الودود العفيفة، العزيزة في أهلها، الذليلة مع بعلها، المتبرّجة مع زوجها، الحَصان على غيره، الّتي تسمع قوله وتطيع أمره - إلى أن قال:- ألا اُخبركم بشرار نسائكم؟ الذليلة في أهلها، العزيزة مع بعلها، العقيم الحقود الّتي لا تتورّع من قبيح، المتبرّجة إذا غاب عنها بعلها، الحَصان معه إذا حضر، لاتسمع قوله، ولا تطيع أمره، وإذا خلا بها بعلها تمنّعت منه كما تمنّع الصعبة عن ركوبها، لا تقبل منه عذرا ولا تقيل له ذنبا». وفي خبر آخر عنه 9: «إيّاكم وخضراء الدمن، قيل يا رسول اللّه: وما خضراء الدمن؟ قال: المرأة الحسناء في منبت السوء».
      مسألة 3 - يكره تزويج الزانية والمتولّدة من الزنا وأن يتزوّج الشخص قابلته أو ابنتها.
      مسألة 4 - لا ينبغي للمرأة أن تختار زوجا سيّئ الخلق والمخنّث والفاسق وشارب الخمر.
      مسألة 5 - يستحبّ الإشهاد في العقد والإعلان به والخطبة أمامه؛ أكملها ما اشتملت على التحميد والصلاة على النبي(صلى الله عليه وآله وسلم) والأئمّة المعصومين(عليهم السلام): والشهادتين، والوصيّة بالتقوى، والدعاء للزوجين، ويجزي «الحمدللّه والصلاة على محمّد وآله»، بل يجزي التحميد فقط، وإيقاعه ليلا. ويكره إيقاعه والقمر في برج العقرب، وإيقاعه في محاق الشهر، وفي أحد الأيّام المنحوسة في كلّ شهر المشتهرة في الألسن بكوامل الشهر؛ وهي سبعة: الثالث، والخامس، والثالث عشر، والسادس عشر، والحادي والعشرون، والرابع والعشرون، والخامس والعشرون.
      مسألة 6 - يستحبّ أن يكون الزفاف ليلا والوليمة في ليله أو نهاره، فإنّها من سنن المرسلين. وعن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم): «لا وليمة إلّا في خمس: في عرس أو خرس أو عذار أو وكار أو ركاز» يعني للتزويج أو ولادة الولد أو الختان أو شراء الدار أو القدوم من مكّة. وإنّما تستحبّ يوما أو يومين لا أزيد، للنبويّ: «الوليمة في الأوّل حقّ، ويومان مكرمة، وثلاثة أيّام رياء وسمعة». وينبغي أن يُدعى لها المؤمنون، ويستحبّ لهم الإجابة والأكل وإن كان المدعوّ صائما نفلا. وينبغي أن يعمّ صاحب الدعوة الأغنياء والفقراء، وأن لا يخصّها بالأغنياء؛ فعن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم): «شرّ الولائم أن يُدعى لها الأغنياء ويترك الفقراء».
      مسألة 7 - يستحبّ لمن أراد الدخول بالمرأة ليلة الزفاف أو يومه أن يصلّي ركعتين ثمّ يدعو بعدهما بالمأثور، وأن يكونا على طهر، وأن يضع يده على ناصيتها مستقبل القبلة، ويقول: «أَللّهُمّ عَلَى كِتَابِكَ تَزَوّجْتُهَا، وَفِي أَمَانَتِكَ أَخَذْتُهَا، وَبِكَلِمَاتِكَ اسْتَحْلَلْتُ فَرْجَهَا، فَإِنْ قَضَيْتَ فِي رَحِمِهَا شَيْئا فَاجْعَلْهُ مُسْلِما سَوِيّا وَلاَ تَجْعَلْهُ شِرْكَ شَيْطَانٍ».
      مسألة 8 - للخلوة بالمرأة مطلقا ولو في غير الزفاف آداب، وهي بين مستحبّ ومكروه.
      أمّا المستحبّة فمنها: أن يسمّي عند الجماع، فإنّه وقاية عن شرك الشيطان؛ فعن الصادق (عليه السلام): «إنّه إذا أتى أحدكم أهله فليذكر اللّه، فإن لم يفعل وكان منه ولد كان شرك شيطان». وفي معناه أخبار كثيرة.
      ومنها: أن يسأل اللّه تعالى أن يرزقه ولدا تقيّا مباركا زكيّا ذكرا سويّا.
      ومنها: أن يكون على وضوء، سيّما إذا كانت المرأة حاملا.
      وأمّا المكروهة: فيكره الجماع في ليلة خسوف القمر، ويوم كسوف الشمس، ويوم هبوب الريح السوداء والصفراء والزلزلة، وعند غروب الشمس حتّى يذهب الشفق، وبعد طلوع الفجر إلى طلوع الشمس، وفي المحاق، وفي أول ليلة من كلّ شهر، ما عدا شهر رمضان، وفي ليلة النصف من كلّ شهر، وليلة الأربعاء، وفي ليلتي الأضحى والفطر. ويستحبّ ليلة الاثنين والثلاثاء والخميس والجمعة ويوم الخميس عند الزوال، ويوم الجمعة بعد العصر. ويكره الجماع في السفر إذا لم يكن معه ماء يغتسل به، والجماع وهو عريان، وعقيب الاحتلام قبل الغسل؛ نعم، لا بأس بأن يجامع مرّات من غير تخلّل الغسل بينها ويكون غسله أخيرا، لكن يستحبّ غسل الفرج والوضوء عند كلّ مرّة، وأن يجامع وعنده من ينظر إليه حتّى الصبيّ والصبيّة، والجماع مستقبل القبلة ومستدبرها، وفي السفينة، والكلام عند الجماع بغير ذكر اللّه، والجماع وهو مختضب أو هي مختضبة، وعلى الامتلاء من الطعام؛ فعن الصادق(عليه السلام): «ثلاث يهدمن البدن وربما قتلن: دخول الحمّام على البطنة، والغشيان على الامتلاء، ونكاح العجائز». ويكره الجماع قائما، وتحت السماء، وتحت الشجرة المثمرة. ويكره أن تكون خرقة الرجل والمرأة واحدة، بل يكون له خرقة ولها خرقة، ولا يمسحا بخرقة واحدة فتقع الشهوة على الشهوة؛ ففي الخبر: «إنّ ذلك يعقب بينهما العداوة».
      مسألة 9 - يستحبّ التعجيل في تزويج البنت، وتحصينها بالزوج عند بلوغها؛ فعن الصادق 7: «من سعادة المرء أن لاتطمث ابنته في بيته». وفي الخبر: «إنّ الأبكار بمنزلة الثمر على الشجر إذا أدرك ثمارها فلم تجتن أفسدته الشمس ونثرته الرياح، وكذلك الأبكار إذا أدركن ما تدرك النساء فليس لهنّ دواء إلّا البعولة»، وأن لا يردّ الخاطب إذا كان من يرضى خلقه ودينه وأمانته، وكان عفيفا صاحب يسار، ولا يُنظر إلى شرافة الحسب وعلوّ النسب؛ فعن علي (عليه السلام) عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم): «إذا جاءكم من ترضون خلقه ودينه فزوّجوه، قلت: يا رسول اللّه وإن كان دنيّا في نسبه، قال: إذا جاء كم من ترضون خلقه ودينه فزوّجوه، إلّا تفعلوه تكن فتنة في الأرض وفساد كبير».
      مسألة 10 - يستحبّ السعي في التزويج والشفاعة فيه وإرضاء الطرفين؛ فعن الصادق (عليه السلام) قال: «قال أميرالمؤمنين (عليه السلام): أفضل الشفاعات أن تشفع بين اثنين في نكاح حتّى يجمع اللّه بينهما». وعن الكاظم (عليه السلام) قال: «ثلاثة يستظلّون بظلّ عرش اللّه يوم القيامة يوم لا ظلّ إلّا ظلّه: رجل زوّج أخاه المسلم، أو أخدمه، أو كتم له سرّا». وعن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم): «من عمل في تزويج بين مؤمنين حتّى يجمع بينهما زوّجه اللّه ألف امرأة من الحور العين كلّ امرأة في قصر من درّ وياقوت، وكان له بكلّ خطوة خطاها أو بكلّ كلمة تكلّم بها في ذلك عمل سنة قام ليلها وصام نهارها. ومن عمل في فرقة بين امرأة وزوجها كان عليه غضب اللّه ولعنته في الدنيا والآخرة، وكان حقّا على اللّه أن يرضخه بألف صخرة من نار. ومن مشى في فساد ما بينهما ولم يفرق كان في سخط اللّه عزّوجلّ ولعنته في الدنيا والآخرة، وحرّم عليه النظر إلى وجهه».
      مسألة 11 - المشهور الأقوى جواز وطء الزوجة دبرا على كراهيّة شديدة، والأحوط تركه خصوصا مع عدم رضاها.
      مسألة 12 - لا يجوز وطء الزوجة قبل إكمال تسع سنين، دواما كان النكاح أو منقطعا. وأمّا سائر الاستمتاعات - كاللمس بشهوة والضمّ والتفخيذ - فلا بأس بها حتّى في الرضيعة. ولو وطئها قبل التسع ولم يفضها لم يترتّب عليه شي ء غير الإثم على الأقوى، وإن أفضاها - بأن جعل مسلكي البول والحيض واحدا أو مسلكي الحيض والغائط واحدا - حرم عليه وطؤها أبدا، لكن على الأحوط في الصورة الثانية. وعلى أيّ حال لم تخرج عن زوجيّته على الأقوى، فيجري عليها أحكامها من التوارث وحرمة الخامسة وحرمة اُختها معها وغيرها، ويجب عليه نفقتها ما دامت حيّةً وإن طلّقها بل وإن تزوّجت بعد الطلاق على الأحوط، بل لا يخلو من قوّة. ويجب عليه دية الإفضاء، وهي دية النفس، فإذا كانت حرّةً فلها نصف دية الرجل مضافا إلى المهر الّذي استحقّته بالعقد والدخول. ولو دخل بزوجته بعد إكمال التسع فأفضاها لم تحرم عليه ولم تثبت الدية، ولكنّ الأحوط الإنفاق عليها ما دامت حيّةً وإن كان الأقوى عدم الوجوب.
      مسألة 13 - لا يجوز ترك وطء الزوجة أكثر من أربعة أشهر إلّا بإذنها، حتّى المنقطعة على الأقوى. ويختصّ الحكم بصورة عدم العذر، وأمّا معه فيجوز الترك مطلقاً مادام وجود العذر، كما إذا خيف الضرر عليه أو عليها. ومن العذر عدم الميل المانع عن انتشار العضو. وهل يختصّ الحكم بالحاضر فلا بأس على المسافر وإن طال سفره، أو يعمّهما فلا يجوز للمسافر إطالة سفره أزيد من أربعة أشهر، بل يجب عليه مع عدم العذر الحضور لإيفاء حقّ زوجته؟ قولان، أظهرهما الأوّل، لكن بشرط كون السفر ضروريّا ولو عرفا، كسفر تجارة أو زيارة أو تحصيل علم ونحو ذلك، دون ما كان لمجرّد الميل والاُنس والتفرّج ونحو ذلك على الأحوط.
      مسألة 14 - لا إشكال في جواز العزل. وهو إخراج الآلة عند الإنزال وإفراغ المنيّ إلى الخارج في غير الزوجة الدائمة الحرّة، وكذا فيها مع إذنها؛ وأمّا فيها بدون إذنها ففيه قولان، أشهرهما الجواز مع الكراهة وهو الأقوى؛ بل لا يبعد عدم الكراهة في الّتي علم أنّها لا تلد، وفي المسنّة والسليطة والبذيّة والّتي لا ترضع ولدها؛ كما أنّ الأقوى عدم وجوب دية النطفة عليه وإن قلنا بالحرمة، وقيل بوجوبها عليه للزوجة، وهي عشرة دنانير، وهو ضعيف في الغاية.
      مسألة 15 - يجوز لكلّ من الزوج والزوجة النظر إلى جسد الآخر ظاهره وباطنه حتّى العورة، وكذا مسّ كلّ منهما بكلّ عضو منه كلّ عضو من الآخر مع التلذّذ وبدونه.
      مسألة 16 - لا إشكال في جواز نظر الرجل إلى ما عدا العورة من مماثله، شيخا كان المنظور إليه أو شابّا، حسن الصورة أو قبيحها، ما لم يكن بتلذّذ وريبة. والعورة هي القبل والدبر والبيضتان. وكذا لا إشكال في جواز نظر المرأة إلى ما عدا العورة من مماثلها، وأمّا عورتها فيحرم أن تنظر إليها كالرجل.
      مسألة 17 - يجوز للرجل أن ينظر إلى جسد محارمه ما عدا العورة إذا لم يكن مع تلذّذ وريبة. والمراد بالمحارم: من يحرم عليه نكاحهنّ من جهة النسب أو الرضاع أو المصاهرة. وكذا يجوز لهنّ النظر إلى ما عدا العورة من جسده بدون تلذّذ وريبة.
      مسألة 18 - لا إشكال في عدم جواز نظر الرجل إلى ما عدا الوجه والكفّين من المرأة الأجنبيّة من شعرها وسائر جسدها، سواء كان فيه تلذّذ وريبة أم لا. وكذا الوجه والكفّان إذا كان بتلذّذ وريبة؛ وأمّا بدونها ففيه قولان بل أقوال: الجواز مطلقاً، وعدمه مطلقاً، والتفصيل بين نظرة واحدة فالأوّل وتكرار النظر فالثاني، وأحوط الأقوال أوسطها.
      مسألة 19 - لا يجوز للمرأة النظر إلى الأجنبيّ كالعكس، والأقرب استثناء الوجه والكفّين.
      مسألة 20 - كلّ من يحرم النظر إليه يحرم مسّه؛ فلا يجوز مسّ الأجنبيّ الأجنبيّة وبالعكس، بل لو قلنا بجواز النظر إلى الوجه والكفّين من الأجنبيّة لم نقل بجواز مسّهما منها، فلا يجوز للرجل مصافحتها. نعم، لا بأس بها من وراء الثوب لكن لا يغمز كفّها احتياطا.
      مسألة 21 - لا يجوز النظر إلى العضو المبان من الأجنبيّ والأجنبيّة. والأحوط ترك النظر إلى الشعر المنفصل. نعم، الظاهر أنّه لا بأس بالنظر إلى السنّ والظفر المنفصلين.
      مسألة 22 - يستثنى من حرمة النظر واللمس في الأجنبيّ والأجنبيّة مقامُ المعالجة إذا لم يمكن بالمماثل، كمعرفة النبض إذا لم تمكن بآلة نحو الدرجة وغيرها، والفصد والحجامة، وجبر الكسر ونحو ذلك، ومقام الضرورة، كما إذا توقّف استنقاذه من الغرق أو الحرق على النظر واللمس؛ وإذا اقتضت الضرورة أو توقّف العلاج على النظر دون اللمس أو العكس اقتصر على ما اضطرّ إليه، وفي ما يضطرّ إليه اقتصر على مقدار الضرورة، فلا يجوز الآخر ولا التعدّي.
      مسألة 23 - كما يحرم على الرجل النظر إلى الأجنبيّة يجب عليها التستّر من الأجانب. ولا يجب على الرجال التستّر وإن كان يحرم على النساء النظر إليهم عدا ما استثني. وإذا علموا بأنّ النساء يتعمّدن النظر إليهم فالأحوط التستّر منهنّ وإن كان الأقوى عدم وجوبه.
      مسألة 24 - لا إشكال في أنّ غير المميّز من الصبيّ والصبيّة خارج عن أحكام النظر واللمس بغير شهوة، لا معها لو فرض ثورانها.
      مسألة 25 - يجوز للرجل أن ينظر ا لى الصبيّة ما لم تبلغ إذا لم يكن فيه تلذّذ وشهوة. نعم، الأحوط الأولى الاقتصار على مواضع لم تجر العادة على سترها بالألبسة المتعارفة، مثل الوجه والكفّين وشعر الرأس والذراعين والقدمين، لا مثل الفخذين والأليين والظهر والصدر والثديين، ولا ينبغي ترك الاحتياط فيها. والأحوط عدم تقبيلها وعدم وضعها في حجره إذا بلغت ستّ سنين.
      مسألة 26 - يجوز للمرأة النظر إلى الصبيّ المميّز ما لم يبلغ، ولا يجب عليها التستّر عنه ما لم يبلغ مبلغا يترتّب على النظر منه أو إليه ثوران الشهوة، على الأقوى في الترتّب الفعليّ وعلى الأحوط في غيره.
      مسألة 27 - يجوز النظر إلى نساء أهل الذمّة بل مطلق الكفّار مع عدم التلذّذ والريبة، أعني خوف الوقوع في الحرام. والأحوط الاقتصار على المواضع الّتي جرت عادتهنّ على عدم التستّر عنها. وقد تلحق بهنّ نساء أهل البوادي والقرى من الأعراب وغيرهم اللاتي جرت عادتهنّ على عدم التستّر وإذا نُهين لا ينتهين، وهو مشكل. نعم، الظاهر أنّه يجوز التردّد في القرى والأسواق ومواقع تردّد تلك النسوة ومجامعهنّ ومحالّ معاملتهنّ مع العلم عادةً بوقوع النظر عليهنّ، ولا يجب غضّ البصر في تلك المحالّ إذا لم يكن خوف افتتان.
      مسألة 28 - يجوز لمن يريد تزويج امرأة أن ينظر إليها بشرط أن لا يكون بقصد التلذّذ وإن علم أنّه يحصل بسبب النظر قهرا، وبشرط أن يحتمل حصول زيادة بصيرة بها، وبشرط أن يجوز تزويجها فعلا، لا مثل ذات البعل والعدّة، وبشرط أن يحتمل حصول التوافق على التزويج دون من علم أنّها تردّ خطبتها. والأحوط الاقتصار على وجهها وكفّيها وشعرها ومحاسنها وإن كان الأقوى جواز التعدّي إلى المعاصم بل وسائر الجسد ما عدا العورة. والأحوط أن يكون من وراء الثوب الرقيق. كما أنّ الأحوط لو لم يكن الأقوى الاقتصار على ما إذا كان قاصدا لتزويج المنظورة بالخصوص؛ فلا يعمّ الحكم ما إذا كان قاصدا لمطلق التزويج وكان بصدد تعيين الزوجة بهذاالاختبار. ويجوز تكرار النظر إذا لم يحصل الاطّلاع عليها بالنظرة الاُولى.
      مسألة 29 - الأقوى جواز سماع صوت الأجنبيّة ما لم يكن تلذّذ وريبة. وكذا يجوز لها إسماع صوتها للأجانب إذا لم يكن خوف فتنة وإن كان الأحوط الترك في غير مقام الضرورة، خصوصا في الشابّة. وذهب جماعة إلى حرمة السماع والإسماع، وهو ضعيف. نعم، يحرم عليها المكالمة مع الرجال بكيفيّة مهيّجة -بترقيق القول وتليين الكلام وتحسين الصوت - فيطمع الّذي في قلبه مرض.

    • فصل في عقد النكاح وأحكامه

       

      فصل في عقد النكاح وأحكامه

      النكاح على قسمين: دائم ومنقطع. وكلّ منهما يحتاج إلى عقد مشتمل على إيجاب وقبول لفظيّين دالّين على إنشاء المعنى المقصود والرضا به دلالةً معتبرةً عند أهل المحاورة؛ فلا يكفي مجرّد الرضا القلبيّ من الطرفين، ولا المعاطاة الجارية في غالب المعاملات، ولا الكتابة، وكذا الإشارة المفهمة في غير الأخرس. والأحوط لزوما كونه فيهما باللفظ العربيّ؛ فلا يجزي غيره من سائر اللغات إلّا مع العجز عنه ولو بتوكيل الغير وإن كان الأقوى عدم وجوب التوكيل. ويجوز بغير العربيّ مع العجز عنه، وعند ذلك لا بأس بإيقاعه بغيره لكن بعبارة يكون مفادها مفاد اللفظ العربيّ بحيث تعدّ ترجمته.
      مسألة 1 - الأحوط لو لم يكن الأقوى أن يكون الإيجاب من طرف الزوجة والقبول من طرف الزوج؛ فلا يجزي أن يقول الزوج: «زوّجتك نفسي» فتقول الزوجة: «قبلت» على الأحوط. وكذا الأحوط تقديم الأوّل على الثاني وإن كان الأظهر جواز العكس إذا لم يكن القبول بلفظ «قبلت» وأشباهه.
      مسألة 2 - الأحوط أن يكون الإيجاب في النكاح الدائم بلفظي «أنكحت» أو «زوّجت»؛ فلا يوقع بلفظ «متّعت» على الأحوط وإن كان الأقوى وقوعه به مع الإتيان بما يجعله ظاهرا في الدوام؛ ولا يوقع بمثل «بعت» أو «وهبت» أو «ملّكت» أو «آجرت»؛ وأن يكون القبول بلفظ «قبلت» أو «رضيت». ويجوز الاقتصار في القبول بذكر «قبلت» فقط بعد الإيجاب من دون ذكر المتعلّقات الّتي ذكرت فيه؛ فلو قال الموجب - الوكيل عن الزوجة - للزوج: «أنكحتك موكّلتي فلانة على المهر الفلانيّ» فقال الزوج: «قبلت» من دون أن يقول: «قبلت النكاح لنفسي على المهر الفلانيّ» صحّ.
      مسألة 3 - يتعدّى كلّ من الإنكاح والتزويج إلى مفعولين. والأولى أن يجعل الزوج مفعولا أوّلا والزوجة ثانيا، ويجوز العكس. ويشتركان في أنّ كلّاً منهما يتعدّيان إلى المفعول الثاني بنفسه تارةً وبواسطة «من» اُخرى، فيقال: «أنكحت أو زوّجت زيدا هندا» أو «أنكحت هندا من زيد»، وباللام أيضا. هذا بحسب المشهور والمأنوس؛ وربما يستعملان على غير ذلك، وهو ليس بمشهور ومأنوس.
      مسألة 4 - عقد النكاح قد يقع بين الزوج والزوجة وبمباشرتهما، فبعد التقاول والتواطؤ وتعيين المهر تقول الزوجة مخاطبةً للزوج: «أنكحتك نفسي أو أنكحت نفسي منك - أو لك - على المهر المعلوم» فيقول الزوج بغير فصل معتدّ به: «قبلت النكاح لنفسي على المهر المعلوم» أو «... هكذا» أو تقول: «زوّجتك نفسي - أو زوّجت نفسي منك أو لك - على المهر المعلوم» فيقول: «قبلت التزويج لنفسي على المهر المعلوم» أو «... هكذا»؛ وقد يقع بين وكيليهما، فبعد التقاول وتعيين الموكّلين والمهر يقول وكيل الزوجة مخاطبا لوكيل ا لزوج: «أنكحت موكّلك فلانا موكّلتي فلانة - أو من موكّلك أو لموكّلك فلان - على المهر المعلوم» فيقول وكيل الزوج: «قبلت النكاح لموكّلي على المهر المعلوم» أو «... هكذا» أو يقول وكيلها: «زوّجت موكّلتي موكّلك - أو من موكّلك أو لموكّلك فلان - على المهر المعلوم» فيقول وكيله: «قبلت التزويج لموكّلي على المهر المعلوم» أو «... هكذا»؛ وقد يقع بين وليّيهما كالأب والجدّ، فبعد التقاول وتعيين المولّى عليهما والمهر يقول وليّ الزوجة: «أنكحت ابنتي أو ابنة ابني فلانة - مثلا - ابنك أو ابن ابنك فلانا أو من ابنك أو ابن ابنك أو لابنك أو لابن ابنك على المهر المعلوم» أو يقول: «زوّجت بنتي ابنك -مثلا- أو من ابنك أو لابنك» فيقول وليّ الزوج: «قبلت النكاح أو التزويج لابني أو لابن ابني على المهر المعلوم»؛ وقد يكون بالاختلاف، بأن يقع بين الزوجة ووكيل الزوج وبالعكس، أو بينها وبين وليّ الزوج وبالعكس، أو بين وكيل الزوجة ووليّ الزوج وبالعكس. ويعرف كيفيّة إيقاع العقد في هذه الصور ممّا فصّلناه في الصور المتقدّمة. والأولى تقديم الزوج على الزوجة في جميع الموارد كما مرّ.
      مسألة 5 - لا يشترط في لفظ القبول مطابقته لعبارة الإيجاب، بل يصحّ الإيجاب بلفظ والقبول بلفظ آخر؛ فلو قال: «زوّجتك» فقال: «قبلت النكاح» أو قال: «أنكحتك» فقال: «قبلت التزويج» صحّ وإن كان الأحوط المطابقة.
      مسألة 6 - إذا لحن في الصيغة: فإن كان مغيّرا للمعنى بحيث يعدّ اللفظ عبارةً لمعنى آخر غير ما هو المقصود لم يكف؛ وإن لم يكن مغيّرا بل كان بحيث يفهم منه المعنى المقصود ويعدّ لفظا لهذا المعنى إلّا أنّه يقال له لفظ ملحون وعبارة ملحونة من حيث المادّة أو من جهة الإعراب والحركات فالاكتفاء به لا يخلو من قوّة وإن كان الأحوط خلافه. وأولى بالاكتفاء اللغات المحرّفة عن اللغة العربيّة الأصليّة، كلغة سواد العراق في هذا الزمان إذا كان المباشر للعقد من أهالي تلك اللغة، لكن بشرط أن لا يكون مغيّرا للمعنى، مثل «جوّزت» بدل «زوّجت» إلّا إذا فرض صيرورته في لغتهم كالمنقول.
      مسألة 7 - يعتبر في العقد القصد إلى مضمونه. وهو متوقّف على فهم معنى لفظي «أنكحت» و«زوّجت» ولو بنحو الإجمال حتّى لا يكون مجرّد لقلقة لسان. نعم، لا يعتبر العلم بالقواعد العربيّة، ولا العلم والإحاطة بخصوصيّات معنى اللفظين على التفصيل، بل يكفى علمه إجمالا؛ فإذا كان الموجب بقوله: «أنكحت» أو «زوّجت» قاصدا لإيقاع العلقة الخاصّة المعروفة المرتكزة في الأذهان الّتي يطلق عليها النكاح والزواج في لغة العرب ويعبّر عنها في لغات اُخر بعبارات اُخر وكان القابل قابلا لهذا المعنى كفى، إلّا إذا كان جاهلا باللغات بحيث لايفهم أنّ العلقة واقعة بلفظ «زوّجت» أو بلفظ «موكّلي»، فحينئذٍ صحّته مشكلة وإن علم أنّ هذه الجملة لهذا المعنى.
      مسألة 8 - يعتبر في العقد قصد الإنشاء، بأن يكون الموجب في قوله: «أنكحت» أو «زوّجت» قاصدا إيقاع النكاح والزواج وإيجاد مالم يكن، لاالإخبار والحكاية عن وقوع شي ء في الخارج، والقابل بقوله: «قبلت» منشئا لقبول ما أوقعه الموجب.
      مسألة 9 - تعتبر الموالاة - وعدم الفصل المعتدّ به - بين الإيجاب والقبول.
      مسألة 10 - يشترط في صحّة العقد التنجيز؛ فلو علّقه على شرط ومجي ء زمان بطل. نعم، لو علّقه على أمر محقّق الحصول - كما إذا قال في يوم الجمعة: «أنكحتُ إن كان اليوم يوم الجمعة» - لم يبعد الصحّة.
      مسألة 11 - يشترط في العاقد المجري للصيغة البلوغ والعقل؛ فلا اعتبار بعقد الصبيّ والمجنون ولو أدواريّا حال جنونه، سواء عقدا لنفسهما أو لغيرهما. والأحوط البناء على سقوط عبارة الصبيّ؛ لكن لو قصد المميّز المعنى وعقد لغيره وكالةً أو فضولا وأجاز أو عقد لنفسه مع إذن الوليّ أو إجازته أو أجاز هو بعد البلوغ يتخلّص بالاحتياط. وكذا يعتبر فيه القصد؛ فلا اعتبار بعقد الساهي والغالط والسكران وأشباههم. نعم، في خصوص عقد السكرى إذا عقّبه الإجازة بعد إفاقتها لايترك الاحتياط بتجديد العقد أو الطلاق.
      مسألة 12 - يشترط في صحّة العقد تعيين الزوجين على وجه يمتازان عن غيرهما بالاسم أو الإشارة أو الوصف الموجب لذلك، فلو قال: «زوّجتك إحدى بناتي» أو قال: «زوّجت بنتي فلانة من أحد بنيك أو من أحد هذين» بطل. نعم، يشكل في ما لو كانا معيّنين بحسب قصد المتعاقدين ومتميّزين في ذهنهما لكن لم يعيّناهما عند إجراء الصيغة ولم يكن ما يدلّ عليه من لفظ أو فعل أو قرينة خارجيّة، كما إذا تقاولا وتعاهدا على تزويج بنته الكبرى من ابنه الكبير ولكن في مقام إجراء الصيغة قال: «زوّجت إحدى بناتي من أحد بنيك» وقبل الآخر. نعم، لو تقاولا وتعاهدا على واحدة فعقدا مبنيّا عليه فالظاهر الصحّة، كما إذا قال بعد التقاول: «زوّجت ابنتي منك» دون أن يقول: «زوّجت إحدى بناتي».
      مسألة 13 - لو اختلف الاسم مع الوصف أو اختلفا أو أحدهما مع الإشارة يتبع العقد لما هو المقصود ويلغى ما وقع غلطا وخطأً؛ فإذا كان المقصود تزويج البنت الكبرى وتخيّل أنّ اسمها فاطمة وكانت المسمّاة بفاطمة هي الصغرى وكانت الكبرى مسمّاةً بخديجة وقال: «زوّجتك الكبرى من بناتي فاطمة» وقع العقد على الكبرى الّتي اسمها خديجة ويلغى تسميتها بفاطمة؛ وإن كان المقصود تزويج فاطمة وتخيّل أنّها كبرى فتبيّن أنّها صغرى وقع العقد على المسمّاة بفاطمة واُلغي وصفها بأنّها الكبرى؛ وكذا لو كان المقصود تزويج المرأة الحاضرة وتخيّل أنّها كبرى واسمها فاطمة فقال: «زوّجتك هذه وهي فاطمة وهي الكبرى من بناتي» فتبيّن أنّها الصغرى واسمها خديجة وقع العقد على المشار إليها ويُلغى الاسم والوصف؛ ولو كان المقصود العقد على الكبرى فلمّا تخيّل أنّ هذه المرأة الحاضرة هي تلك الكبرى قال: «زوّجتك هذه وهي الكبرى» لا يقع العقد على الكبرى بلا إشكال؛ وفي وقوعه على المشار إليها وجه لكن لا يترك الاحتياط بتجديد العقد أو الطلاق.
      مسألة 14 - لا إشكال في صحّة التوكيل في النكاح من طرف واحد أو من طرفين، بتوكيل الزوج أو الزوجة إن كانا كاملين، أو بتوكيل وليّهما إن كانا قاصرين. ويجب على الوكيل أن لا يتعدّى عمّا عيّنه الموكّل من حيث الشخص والمهر وسائر الخصوصيّات؛ فإن تعدّى كان فضوليّا موقوفا على الإجازة. وكذا يجب عليه مراعاة مصلحة الموكّل؛ فإن تعدّى وأتى بما هو خلاف المصلحة كان فضوليّا. نعم، لو عيّن خصوصيّةً تعيّنت ونفذ عمل الوكيل وإن كان ذلك على خلاف مصلحة الموكّل.
      مسألة 15 - لو وكّلت المرأة رجلا في تزويجها ليس له أن يزوّجها من نفسه، إلّإ؛ِظظ إذا صرّحت بالتعميم، أو كان كلامها بحسب متفاهم العرف ظاهرا في العموم بحيث يشمل نفسه.
      مسألة 16 - الأقوى جواز تولّي شخص واحد طرفي العقد، بأن يكون موجبا وقابلا من الطرفين أصالةً من طرف ووكالةً من آخر، أو ولايةً من الطرفين أو وكالةً عنهما، أو بالاختلاف وإن كان الأحوط الأولى مع الإمكان تولّي الاثنين وعدم تولّي شخص واحد للطرفين، خصوصا في تولّي الزوج طرفي العقد أصالةً من طرفه ووكالةً عن الزوجة في عقد الانقطاع، فإنّه لا يخلو من إشكال غير معتدّ به، لكن لا ينبغي فيه ترك الاحتياط.
      مسألة 17 - إذا وكّلا وكيلاً في العقد في زمان معيّن لايجوز لهما المقاربة بعد ذلك الزمان ما لم يحصل لهما العلم بإيقاعه، ولا يكفي الظنّ. نعم، لو أخبر الوكيل بالإيقاع كفى، لأنّ قوله حجّة في ما وكّل فيه.
      مسألة 18 - لا يجوز اشتراط الخيار في عقدالنكاح دواما أو انقطاعا، لاللزوج ولا للزوجة؛ فلو شرطاه بطل الشرط، بل المشهور على بطلان العقد أيضا، وقيل ببطلان الشرط دون العقد، ولا يخلو من قوّة. ويجوز اشتراط الخيار في المهر مع تعيين المدّة؛ فلو فسخ ذو الخيار سقط المهر المسمّى، فيكون كالعقد بلا ذكر المهر، فيرجع إلى مهرالمثل. هذا في العقدالدائم الّذي لا يعتبر فيه ذكر المهر. وأمّا المتعة الّتي لاتصحّ بلامهر فهل يصحّ فيها اشتراط الخيارفي المهر؟ فيه إشكال.
      مسألة 19 - إذا ادّعى رجلٌ زوجيّة امرأة فصدّقته أو ادّعت امرأةٌ زوجيّة رجل فصدّقها حكم لهما بذلك مع احتمال الصدق، وليس لأحد الاعتراض عليهما، من غير فرق بين كونهما بلديّين معروفين أو غريبين. وأمّا إذا ادّعى أحدهما الزوجيّة وأنكر الآخر فالبيّنة على المدّعي واليمين على من أنكر؛ فإن كان للمدّعي بيّنة حكم له، وإلّا فتتوجّه اليمين إلى المنكر، فإن حلف سقطت دعوى المدّعي، وإنْ نكل يردّ الحاكم اليمين على المدّعي، فإن حلف ثبت الحقّ، وإن نكل سقط؛ وكذإ؛ٍظظ لوردّه المنكر على المدّعي وحلف ثبت، وان نكل سقط. هذا بحسب موازين القضاء وقواعد الدعوى. وأمّا بحسب الواقع فيجب على كلّ منهما العمل على ما هو تكليفه بينه وبين اللّه تعالى.
      مسألة 20 - إذا رجع المنكر عن إنكاره إلى الإقرار يسمع منه و يحكم بالزوجيّة بينهما وإن كان ذلك بعد الحلف على الأقوى.
      مسألة 21 - إذا ادّعى رجلٌ زوجيّة امرأة وأنكرت فهل لها أن تتزوّج من غيره وللغير أن يتزوّجها قبل فصل الدعوى والحكم ببطلان دعوى المدّعي أم لا؟ وجهان، أقواهما الأوّل، خصوصا في ما لو تراخى المدّعي في الدعوى، أو سكت عنها حتّى طال الأمر عليها؛ وحينئذٍ إن أقام المدّعي بعد العقد عليها بيّنة حكم له بها و بفساد العقد عليها، وإن لم تكن بيّنة تتوجّه اليمين إلى المعقود عليها، فإن حلفت بقيت على زوجيّتها وسقطت دعوى المدّعي؛ وكذا لو ردّت اليمين على المدّعي ونكل عن اليمين. وإنّما الإشكال في ما إذا نكلت عن اليمين أو ردّت اليمين على المدّعي وحلف فهل يحكم بسببهما بفساد العقد عليها فيفرّق بينها وبين زوجها أم لا؟ وجهان، أوجههما الثاني، لكن إذا طلّقها الّذي عقد عليها أو مات عنها زال المانع، فتردّ إلى المدّعي بسبب حلفه المردود عليه من الحاكم أو المنكر.
      مسألة 22 - يجوز تزويج امرأة تدّعي أنّها خليّة من الزوج مع احتمال صدقها، من غير فحص، حتّى في ما إذا كانت ذات بعل سابقا فادّعت طلاقها أو موته. نعم، لو كانت متّهمةً في دعواها فالأحوط الأولى الفحص عن حالها؛ فمن غاب غيبةً منقطعةً لم يعلم موته وحياته إذا ادّعت زوجته حصول العلم لها بموته من الأمارات والقرائن وإخبار المخبرين جاز تزويجها وإن لم يحصل العلم بقولها؛ ويجوز للوكيل أن يجري العقد عليها إذا لم يَعلم كذبها في دعوى العلم، ولكنّ الأحوط الترك، خصوصا إذا كانت متّهمةً.
      مسألة 23 - إذا تزوّج بامرأة تدّعي أنّها خليّة عن الزوج فادّعى رجل آخر زوجيّتها فهذه الدعوى متوجّهة إلى كلّ من الزوج والزوجة؛ فإن أقام المدّعي بيّنةً شرعيّةً حكم له عليهما وفرّق بينهما وسلّمت إليه؛ ومع عدم البيّنة توجّه اليمين إليهما؛ فإن حلفا معا على عدم زوجيّته سقطت دعواه عليهما، وإن نكلا عن اليمين فردّها الحاكم عليه أو ردّاها عليه وحلف ثبت مدّعاه؛ وإن حلف أحدهما دون الآخر - بأن نكل عن اليمين فردّها الحاكم عليه أو ردّ هو عليه فحلف - سقطت دعواه بالنسبة إلى الحالف؛ وأمّا بالنسبة إلى الآخر وإن ثبتت دعوى المدّعي بالنسبة إليه لكن ليس لهذا الثبوت أثر بالنسبة إلى من حلف؛ فإن كان الحالف هو الزوج والناكل هي الزوجة ليس لنكولها أثر بالنسبة إلى الزوج، إلّا أنّه لو طلّقها أو مات عنها ردّت إلى المدّعي، وإن كان الحالف هي الزوجة والناكل هو الزوج سقطت دعوى المدّعي بالنسبة إليها، وليس له سبيل إليها على كلّ حال.
      مسألة 24 - إذا ادّعت امرأة أنّها خليّة فتزوّجها رجل ثمّ ادّعت بعد ذلك أنّها كانت ذات بعل لم تسمع دعواها. نعم، لو أقامت البيّنة على ذلك فرّق بينهما؛ ويكفي في ذلك بأن تشهد بأنّها كانت ذات بعل فتزوّجت حين كونها كذلك من الثاني، من غير لزوم تعيين زوج معيّن.
      مسألة 25 - يشترط في صحّة العقد الاختيار، أعني اختيار الزوجين؛ فلو اُكرها أو اُكره أحدهما على الزواج لم يصحّ. نعم، لو لحقه الرضا صحّ على الأقوى.

    • فصل في أولياء العقد

       

      فصل في أولياء العقد

      مسألة 1 - للأب والجدّ من طرف الأب - بمعنى أب الأب فصاعدا - ولايةٌ على الصغير والصغيرة والمجنون المتّصل جنونه بالبلوغ، وكذا المنفصل عنه على الظاهر. ولا ولاية للاُمّ عليهم وللجدّ من طرف الاُمّ ولو من قبل اُمّ الأب، بأن كان أبا لاُمّ الأب مثلا؛ ولا للأخ والعمّ والخال وأولادهم.
      مسألة 2 - ليس للأب والجدّ للأب ولايةٌ على البالغ الرشيد، ولا على البالغة الرشيدة إذا كانت ثيّبةً. وأمّا إذا كانت بكرا ففيه أقوال: استقلالها وعدم الولاية لهما عليها، لا مستقلّاً ولامنضمّا؛ واستقلالهما وعدم سلطنة وولاية لها كذلك؛ والتشريك بمعنى اعتبار إذن الوليّ وإذنها معا؛ والتفصيل بين الدوام والانقطاع إمّا باستقلالها في الأوّل دون الثاني أو العكس، والأحوط الاستيذان منهما. نعم، لاإشكال في سقوط اعتبار إذنهما إن منعاها من التزويج بمن هو كفوٌ لها - شرعا وعرفا - مع ميلها، وكذا إذا كانا غائبين بحيث لايمكن الاستيذان منهما مع حاجتها إلى التزويج.
      مسألة 3 - ولاية الجدّ ليست منوطةً بحياة الأب ولا موته، فعند وجودهما استقلّ كلّ منهما بالولاية، وإذا مات أحدهما اختصّت بالآخر. وأيّهما سبق في تزويج المولّى عليه عند وجودهما لم يبق محلّ للآخر. ولو زوّج كلّ منهما من شخص: فإن علم السابق منهما فهو المقدّم ولغا الآخر؛ وإن علم التقارن قدّم عقد الجدّ ولغا عقد الأب؛ وإن جهل تاريخهما فلا يعلم السبق واللحوق والتقارن لزم إجراء حكم العلم الإجماليّ بكونها زوجةً لأحدهما؛ وإن علم تاريخ أحدهما دون الآخر: فإن كان المعلوم تاريخ عقد الجدّ قدّم على عقد الأب، وإن كان عقد الأب قدّم على عقد الجدّ، لكن لا ينبغي ترك الاحتياط في هذه الصورة.
      مسألة 4 - يشترط في صحّة تزويج الأب والجدّ ونفوذه عدم المفسدة، وإلّا يكون العقد فضوليّا كالأجنبيّ، يتوقّف صحّته على إجازة الصغير بعد البلوغ، بل الأحوط مراعاة المصلحة.
      مسألة 5 - إذا وقع العقد من الأب أو الجدّ عن الصغير أو الصغيرة مع مراعاة ما يجب مراعاته لاخيار لهما بعد بلوغهما، بل هو لازم عليهما.
      مسألة 6 - لو زوّج الوليّ الصغيرةَ بدون مهر المثل أو زوّج الصغيرَ بأزيد منه: فإن كانت هناك مصلحة تقتضي ذلك صحّ العقد والمهر ولزم، وإن كانت المصلحة في نفس التزويج دون المهر فالأقوى صحّة العقد ولزومه وبطلان المهر، بمعنى عدم نفوذه وتوقّفه على الإجازة بعد البلوغ، فإن أجاز استقرّ، وإلّا رجع إلى مهر المثل.
      مسألة 7 - السفيه المبذّر المتّصل سفهه بزمان صغره أو حُجر عليه للتبذير لايصحّ نكاحه إلّا بإذن أبيه أو جدّه أو الحاكم مع فقدهما؛ وتعيين المهر والمرأة إلى الوليّ. ولو تزوّج بدون الإذن وقف على الإجازة، فإن رأى المصلحة وأجاز جاز ولا يحتاج إلى إعادة الصيغة.
      مسألة 8 - إذا زوّج الوليّ المولّى عليه بمن له عيب لم يصحّ ولم ينفذ، سواء كان من العيوب الموجبة للخيار، أو غيرها، ككونه منهمكا في المعاصي، وكونه شارب الخمر أو بذيّ اللسان سيّئ الخلق وأمثال ذلك، إلّا إذا كانت مصلحة ملزمة في تزويجه، وحينئذٍ لم يكن خيار الفسخ لا له ولا للمولّى عليه، إذا لم يكن العيب من العيوب المجوّزة للفسخ، وإن كان منها فالظاهر ثبوت الخيار للمولّى عليه بعد بلوغه. هذا كلّه مع علم الوليّ بالعيب، وإلّا ففيه تأمّل وتردّد وإن لا تبعد الصحّة مع إعمال جهده في إحراز المصلحة؛ وعلى الصحّة له الخيار في العيوب الموجبة للفسخ، كما أنّ للمولّى عليه ذلك بعد رفع الحجر عنه، وفي غيرها لاخيار له ولا للوليّ على الأقوى.
      مسألة 9 - ينبغي بل يستحبّ للمرأة المالكة أمرها أن تستأذن أباها أو جدّها، وإن لم يكونا فأخاها، وإن تعدّد الأخ قدّمت الأكبر.
      مسألة 10 - هل للوصيّ - أي القيّم من قبل الأب أو الجدّ - ولايةٌ على الصغير والصغيرة في النكاح؟ فيه إشكال لا يترك الاحتياط.
      مسألة 11 - ليس للحاكم ولاية في النكاح على الصغير - ذكرا كان أو اُنثى- مع فقد الأب والجدّ. ولو اقتضت الحاجة والضرورة والمصلحة اللازمة المراعاة النكاحَ بحيث ترتّب على تركه مفسدةٌ يلزم التحرّز عنها قام الحاكم به، ولا يترك الاحتياط بضمّ إجازة الوصيّ للأب أو الجدّ مع وجوده؛ وكذا في من بلغ فاسد العقل أو تجدّد فساد عقله إذا كان البلوغ والتجدّد في زمان حياة الأب أو الجدّ.
      مسألة 12 - يشترط في ولاية الأولياء البلوغ والعقل والحرّيّة والإسلام إذا كان المولّى عليه مسلما؛ فلا ولاية للصغير والصغيرة على أحد، بل الولاية في موردها لوليّهما؛ وكذا لا ولاية للأب والجدّ إذا جنّا؛ وإن جنّ أحدهما يختصّ الولاية بالآخر؛ وكذا لا ولاية للأب الكافر على ولده المسلم، فتكون للجدّ إذا كان مسلما. والظاهر ثبوت ولايته على ولده الكافر إذا لم يكن له جدّ مسلم، وإلّا فلا يبعد ثبوتها له دون الكافر.
      مسألة 13 - العقد الصادر من غير الوكيل والوليّ - المسمّى بالفضوليّ - يصحّ مع الإجازة، سواء كان فضوليّا من الطرفين أو من أحدهما، وسواء كان المعقود عليه صغيرا أو كبيرا، وسواء كان العاقد قريبا للمعقود عليه - كالأخ والعمّ والخال - أو أجنبيّا. ومنه العقد الصادر من الوليّ أو الوكيل على غير الوجه المأذون فيه، بأن أوقع الوليّ على خلاف المصلحة، أو الوكيل على خلاف ما عيّنه الموكّل.
      مسألة 14 - إن كان المعقود له ممّن يصحّ منه العقد لنفسه - بأن كان بالغا عاقلا- فإنّما يصحّ العقد الصادر من الفضوليّ بإجازته، وإن كان ممّن لا يصحّ منه العقد وكان مولّىً عليه - بأن كان صغيرا أو مجنونا - فإنّما يصحّ إمّا بإجازة وليّه في زمان قصوره أو إجازته بنفسه بعد كماله؛ فلو أوقع الأجنبيّ عقدا على الصغير أو الصغيرة وقفت صحّة عقده على إجازتهما له بعد بلوغهما ورشدهما إن لم يجز أبوهما أو جدّهما في حال صغرهما، فأيّ من الإجازتين حصلت كفت. نعم، يعتبر في صحّة إجازة الوليّ ما اعتبر في صحّة عقده؛ فلو أجاز العقد الواقع على خلاف مصلحة الصغير لغت إجازته، وانحصر الأمر في إجازته بنفسه بعد بلوغه ورشده.
      مسألة 15 - ليست الإجازة على الفور؛ فلو تأخّرت عن العقد بزمن طويل صحّت، سواء كان التأخير من جهة الجهل بوقوعه، أو لأجل التروّي، أو للاستشارة، أو غير ذلك.
      مسألة 16 - لا أثر للإجازة بعد الردّ، وكذا لا أثر للردّ بعد الإجازة، فبها يلزم العقد وبه ينفسخ، سواء كان السابق - من الردّ أو الإجازة - واقعا من المعقود له أو وليّه؛ فلو أجاز أو ردّ وليّ الصغيرين العقد الواقع عليهما فضولا ليس لهما بعد البلوغ ردّ في الأوّل ولا إجازةٌ في الثاني.
      مسألة 17 - إذا كان أحد الزوجين كارها حال العقد لكن لم يصدر منه ردّ له فالظاهر أنّه يصحّ لو أجاز بعد ذلك، بل الأقوى صحّته بها حتّى لو استؤذن فنهى ولم يأذن ومع ذلك أوقع الفضوليّ العقد.
      مسألة 18 - يكفي في الإجازة المصحّحة لعقد الفضوليّ كلّ مادلّ على إنشاء الرضا بذلك العقد، بل يكفي الفعل الدالّ عليه.
      مسألة 19 - لا يكفي الرضا القلبيّ في صحّة العقد وخروجه عن الفضوليّة وعدم الاحتياج إلى الإجازة؛ فلو كان حاضرا حال العقد راضيا به إلّا أنّه لم يصدر منه قول أو فعل يدلّ على رضاه فالظاهر أنّه من الفضوليّ. نعم، قد يكون السكوت إجازةً، وعليه تحمل الأخبار في سكوت البكر.
      مسألة 20 - لا يعتبر في وقوع العقد فضوليّا قصد الفضوليّة ولا الالتفات إليها؛ بل المدار في الفضوليّة وعدمها هوكون العقد بحسب الواقع صادرا عن غير من هو مالك للعقد وإن تخيّل خلافه؛ فلو تخيّل كونه وليّا أو وكيلا وأوقع العقد فتبيّن خلافه كان من الفضوليّ ويصحّ بالإجازة؛ كما أنّه لو اعتقد أنّه ليس بوكيل ولا وليّ فأوقع العقد بعنوان الفضوليّة فتبيّن خلافه صحّ العقد ولزم بلا توقّف على الإجازة مع فرض مراعاة المصلحة.
      مسألة 21 - إن زوّج صغيران فضولا: فإن أجاز وليّهما قبل بلوغهما أو أجازا بعد بلوغهما أو بالاختلاف - بأن أجاز وليّ أحدهما قبل بلوغه وأجاز الآخر بعد بلوغه - تثبت الزوجيّة ويترتّب جميع أحكامها؛ وإن ردّ وليّهما قبل بلوغهما أو ردّ وليّ أحدهما قبل بلوغه أو ردّا بعد بلوغهما أو ردّ أحدهمابعد بلوغه أو ماتا أو مات أحدهما قبل الإجازة بطل العقد من أصله، بحيث لم يترتّب عليه أثر أصلا من توارث وغيره من سائر الآثار. نعم، لو بلغ أحدهما وأجاز ثمّ مات قبل بلوغ الآخر وإجازته يعزل من تركته مقدار ما يرث الآخر على تقدير الزوجيّة، فإن بلغ وأجاز يدفع إليه لكن بعد ما حلف على أنّه لم تكن إجازته للطمع في الإرث، وإن لم يجز أو أجاز ولم يحلف على ذلك لم يدفع إليه بل يردّ إلى الورثة. والظاهر أنّ الحاجة إلى الحلف إنّما هو في ما إذا كان متّهما بأنّ إجازته لأجل الإرث، وأمّا مع عدمه -كما إذا أجاز مع الجهل بموت الآخر، أو كان الباقي هو الزوج وكان المهر اللازم عليه على تقدير الزوجيّة أزيد ممّا يرث - يدفع إليه بدون الحلف.
      مسألة 22 - كما يترتّب الإرث على تقدير الإجازة والحلف يترتّب الآثار الاُخر المترتّبة على الزوجيّة أيضا، من المهر، وحرمة الاُمّ والبنت، وحرمتها على أب الزوج وابنه إن كانت الزوجة هي الباقية، وغير ذلك، فيترتّب جميع الآثار على الحلف في الظاهر على الأقوى.
      مسألة 23 - الظاهر جريان هذا الحكم في كلّ مورد مات من لزم العقد من طرفه وبقي من يتوقّف زوجيّته على إجازته، كما إذا زوّج أحد الصغيرين الوليّ وزوّج الآخر الفضوليّ فمات الأوّل قبل بلوغ الثاني وإجازته، بل لا يبعد جريان الحكم في ما لو كاناكبيرين فأجاز أحدهما ومات قبل موت الثاني وإجازته؛ لكنّ الحلف مبنيّ على الاحتياط كالحلف في بعض الصور الاُخر.
      مسألة 24 - إذا كان العقد فضوليّا من أحد الطرفين كان لازما من طرف الأصيل؛ فلو كان هي الزوجة ليس لها أن تتزوّج بالغير قبل أن يردّ الآخر العقد ويفسخه. وهل يثبت في حقّه تحريم المصاهرة قبل إجازة الآخر وردّه، فلو كان زوجا حرم عليه نكاح اُمّ المرأة وبنتها واُختها، والخامسة إن كانت هي الرابعة؟ الأحوط ذلك وإن كان الأقوى خلافه.
      مسألة 25 - إن ردّ المعقود له أو المعقود لها العقد الواقع فضولا صار العقد كأنّه لم يقع، سواء كان العقد فضوليّا من الطرفين وردّاه معا أو ردّه أحدهما بل ولو أجاز أحدهما وردّ الآخر، أو من طرف واحد وردّ ذلك الطرف؛ فتحلّ المعقود لها على أب المعقود له وابنه، وتحلّ بنتها واُمّها على المعقود له.
      مسألة 26 - إن زوّج الفضوليّ امرأةً برجل من دون اطّلاعها وتزوّجت هي برجل آخر صحّ الثاني ولزم ولم يبق محلّ لإجازة الأوّل؛ وكذا لو زوّج الفضوليّ رجلا بامرأة من دون اطّلاعه وزوّج هو باُمّها أو بنتها ثمّ علم.
      مسألة 27 - لو زوّج فضوليّان امرأةً كلّ منهما برجل كانت بالخيار في إجازة أيّهما شاءت، وإن شاءت ردّتهما، سواء تقارن العقدان أو تقدّم أحدهما على الآخر؛ وكذلك الحال في ما إذا زوّج أحد الفضوليّين رجلا بامرأة والآخر باُمّها أو بنتها أو اُختها فإنّ له إجازة أيّهما شاء.
      مسألة 28 - لو وكّلت رجلين في تزويجها فزوّجها كلّ منهما برجل: فإن سبق أحدهما صحّ ولغا الآخر، وإن تقارنا بطلا معا. وإن لم يعلم الحال: فإن علم تاريخ أحدهما حكم بصحّته دون الآخر؛ وإن جهل تاريخهما: فان احتمل تقارنهما حكم ببطلانهما معا في حقّ كلّ من الزوجة والزوجين، وإن علم عدم التقارن فيعلم إجمالا بصحّة أحد العقدين، وتكون المرأة زوجةً لأحد الرجلين وأجنبيّةً عن أحدهما، فليس للزوجة أن تتزوّج بغيرهما، ولا للغير أن يتزوّج بها، لكونها ذات بعل قطعا. وأمّا حالها بالنسبة إلى الزوجين وحالهما بالنسبة إليها فالأولى أن يطلّقاها ويجدّد النكاح عليها أحدهما برضاها، وإن تعاسرا وكان في التوقّف إلى أن يظهر الحال عسرٌ وحرجٌ على الزوجة أولا يُرجى ظهور الحال فالمتّجه تعيين الزوج منهما بالقرعة، فيحكم بزوجيّة من وقعت عليه.
      مسألة 29 - لو ادّعى أحد الزوجين سبق عقده:
      فإن صدّقه الآخر وكذا الزوجة أو صدّقه أحدهما وقال الآخر: «لا أدري» فالزوجة لمدّعي السبق؛ وإن قال كلاهما: «لا أدري» فوجوب تمكين الزوجة من المدّعي بل جوازه محلّ تأمّل، إلّا إذا رجع عدم دراية الرجل إلى الغفلة حين إجراء العقد واحتمل تطبيقه على الصحيح من باب الاتّفاق.
      وإن صدّقه الآخر ولكن كذّبته الزوجة كانت الدعوى بين الزوجة وكلا الزوجين، فالزوج الأوّل يدّعي زوجيّتها وصحّة عقده وهي تنكر زوجيّته وتدّعي فساد عقده، وتنعكس الدعوى بينها وبين الزوج الثاني، حيث إنّه يدّعي فساد عقده وهي تدّعي صحّته؛ ففي الدعوى الاُولى تكون هي المدّعية والزوج هو المنكر، وفي الثانية بالعكس؛ فإن أقامت البيّنة على فساد الأوّل المستلزم لصحّة الثاني حكم لها بزوجيّتها للثاني دون الأوّل، وإن أقام الزوج الثاني بيّنةً على فساد عقده يحكم بعدم زوجيّتها له وثبوتها للأوّل، وإن لم تكن بيّنةٌ يتوجّه الحلف إلى الزوج الأوّل في الدعوى الاُولى وإلى الزوجة في الدعوى الثانية؛ فإن حلف الزوج الأوّل ونكلت الزوجة تثبت زوجيّتها للأوّل، وإن كان العكس - بأن حلفت هي دونه - حكم بزوجيّتها للثاني، وإن حلفا معا فالمرجع هي القرعة. هذا إذا كان مصبّ الدعوى صحّةالعقد وفساده، لاالسبق وعدمه، أوالسبق واللحوق،أوالزوجيّة وعدمها. وبالجملة: الميزان في تشخيص المدّعي والمنكر غالبا مصبّ الدعوى.
      وإن ادّعى كلّ من الزوجين سبق عقده: فإن قالت الزوجة: «لا أدري» تكون الدعوى بين الزوجين؛ فإن أقام أحدهما بيّنةً دون الآخر حكم له وكانت الزوجة له، وإن أقام كلّ منهما بيّنةً تعارضت البيّنتان، فيرجع إلى القرعة فيحكم بزوجيّة من وقعت عليه؛ وإن لم تكن بيّنةٌ يتوجّه الحلف إليهما، فإن حلف أحدهما حكم له، وإن حلفا أو نكلا يرجع إلى القرعة؛ وإن صدّقت المرأة أحدهما كان أحد طرفي الدعوى من لم تصدّقه الزوجة، والطرف الآخر الزوج الآخر مع الزوجة؛ فمع إقامة البيّنة - من أحد الطرفين أو من كليهما - الحكم كما مرّ؛ وأمّا مع عدمها وانتهاء الأمر إلى الحلف: فإن حلف من لم تصدّقه الزوجة يحكم له على كلّ من الزوجة والزوج الآخر، وأمّا مع حلف من صدّقته فلا يترتّب على حلفه رفع دعوى الزوج الآخر على الزوجة، بل لابدّ من حلفها أيضا.
      مسألة 30 - لو زوّج أحد الوكيلين عن الرجل له امرأة والآخر بنتها صحّ السابق ولغا اللاحق، ومع التقارن بطلا معا. وإن لم يعلم السابق: فإن علم تاريخ أحدهما حكم بصحّته دون الآخر؛ وإن جهل تاريخهما: فإن احتمل تقارنهما يحكم ببطلان كليهما، وإن علم بعدم التقارن فقد علم بصحّة أحدالعقدين وبطلان أحدهما، فلا يجوز للزوج مقاربة واحدة منهما، كما أنّه لا يجوز لهما التمكين منه. نعم، يجوز له النظر إلى الاُمّ ولا يجب عليها التستّر عنه، للعلم بأنّه إمّا زوجها أو زوج بنتها. وأمّا البنت فحيث إنّه لم يحرز زوجيّتها وبنت الزوجة إنّما يحلّ النظر إليها إن دخل بالاُمّ والمفروض عدمه فلم يحرز ما هو سبب لحلّيّة النظر إليها، ويجب عليها التستّر عنه. نعم، لو فرض الدخول بالاُمّ ولو بالشبهة كان حالها حال الاُمّ.

    • فصل في أسباب التحريم
    •  

      فصل في أسباب التحريم

      أعني ما بسببه يحرم ولا يصحّ تزويج الرجل بالمرأة ولا يقع الزواج بينهما. وهي اُمور: النسب، والرضاع، والمصاهرة وما يلحق بها، والكفر، وعدم الكفاءة، واستيفاء العدد، والاعتداد، والإحرام.

      • القول في النسب

         

        القول في النسب

        يحرم بالنسب سبعة أصناف من النساء على سبعة أصناف من الرجال:
        الاُمّ بما شملت الجدّات عاليات وسافلات، لأبٍ كنّ أو لاُمّ؛ فتحرم المرأة على ابنها وعلى ابن ابنها وابن ابن ابنها، وعلى ابن بنتها وابن بنت بنتها وابن بنت ابنها وهكذا. وبالجملة: تحرم على كلّ ذكرٍ ينتمي إليها بالولادة، سواء كان بلا واسطة أو بواسطة أو وسائط، وسواء كانت الوسائط ذكورا أو إناثا أو بالاختلاف.
        والبنت بما شملت الحفيدة ولو بواسطة أو وسائط؛ فتحرم هي على أبيها بما شمل الجدّ، لأبٍ كان أو لاُمّ؛ فتحرم على الرجل بنته، وبنت ابنه وبنت ابن ابنه، وبنت بنته، وبنت بنت بنته، وبنت ابن بنته. وبالجملة: كلّ اُنثى تنتمي إليه بالولادة بواسطة أو وسائط، ذكورا كانوا أو إناثا أو بالاختلاف.
        والاُخت، لأبٍ كانت أو لاُمّ أو لهما.
        وبنت الأخ، سواء كان لأبٍ أو لاُمّ أو لهما. وهي كلّ مرأة تنتمي بالولادة إلى أخيه، بلا واسطة أو معها وإن كثرت، سواء كان الانتماء إليه بالآباء أو الاُمّهات أو بالاختلاف؛ فتحرم عليه بنت أخيه، وبنت ابنه، وبنت ابن ابنه، وبنت بنته، وبنت بنت بنته، وبنت ابن بنته وهكذا.
        وبنت الاُخت. وهي كلّ اُنثى تنتمي إلى اُخته بالولادة، على النحو الّذي ذكر في بنت الأخ.
        والعمّة. وهي اُخت أبيه، لأبٍ أو لاُمّ أو لهما. والمراد بها ما تشمل العاليات، أعني عمّة الأب: اُخت الجدّ للأب، لأبٍ أو لاُمّ أو لهما، وعمّة الاُمّ: اُخت أبيها، لأبٍ أو لاُمّ أو لهما، وعمّة الجدّ للأب والجدّ للاُمّ والجدّة كذلك؛ فمراتب العمّات مراتب الآباء، فهي كلّ اُنثى تكون اُختا لذكر ينتمي إليك بالولادة من طرف أبيك أو اُمّك.
        والخالة. والمراد بها أيضا ما تشمل العاليات؛ فهي كالعمّة إلّا أنّها اُخت إحدى اُمّهاتك ولو من طرف أبيك، والعمّة اُخت أحد آبائك ولو من طرف اُمّك؛ فاُخت جدّتك للأب خالتك، حيث إنّها خالة أبيك، واُخت جدّك للاُمّ عمّتك، حيث إنّها عمّة اُمّك.
        مسألة 1 - لا تحرم عمّة العمّة ولا خالة الخالة ما لم تدخلا في عنواني العمّة والخالة ولو بالواسطة. وهما قد تدخلان فيهما فتحرمان، كما إذا كانت عمّتك اُختا لأبيك لأب واُمّ أو لأب ولأبي أبيك اُخت لأب أو اُمّ أو لهما، فهذه عمّة لعمّتك بلاواسطة، وعمّة لك معها؛ وكما إذا كانت خالتك اُختا لاُمّك لاُمّها أو لاُمّها وأبيها وكانت لاُمّ اُمّك اُخت، فهي خالة لخالتك بلا واسطة، وخالة لك معها. وقد لاتدخلان فيهما فلا تحرمان؛ كما إذا كانت عمّتك اُختا لأبيك لاُمّه لا لأبيه وكانت لأبي الاُخت اُخت، فالاُخت الثانية عمّة لعمّتك، وليس بينك وبينها نسب أصلا؛ وكما إذا كانت خالتك اُختا لاُمّك لأبيها لا لاُمّها وكانت لاُمّ الاُخت اُخت، فهي خالة لخالتك، وليست خالتك ولو مع الواسطة. وكذلك اُخت الأخ أو الاُخت إنّما تحرم إذا كانت اُختا لا مطلقا؛ فلو كان لك أخ أو اُخت لأبيك وكانت لاُمّها بنت من زوج آخر فهي اُخت لأخيك أو اُختك، وليست اُختا لك، لا من طرف أبيك ولا من طرف اُمّك، فلا تحرم عليك.
        مسألة 2 - النسب إمّا شرعيّ، وهو ما كان بسبب وطءٍ حلالٍ ذاتا بسبب شرعيّ - من نكاح أو ملك يمين أو تحليل - وإن حرم لعارض: من حيض أو صيام أو اعتكاف أو إحرام ونحوها، ويلحق به وطء الشبهة؛ وإمّا غير شرعيّ، وهو ما حصل بالسفاح والزنا. والأحكام المترتّبة على النسب الثابتة في الشرع - من التوارث وغيره - وإن اختصّت بالأوّل لكنّ الظاهر بل المقطوع أنّ موضوع حرمة النكاح أعمّ، فيعمّ غير الشرعيّ؛ فلو زنى بامرأة فولدت منه ذكرا واُنثى حرمت المزاوجة بينهما، وكذا بين كلّ منهما وبين أولاد الزاني والزانية، الحاصلين بالنكاح الصحيح أو بالزنا بامرأة اُخرى؛ وكذا حرمت الزانية واُمّها واُمّ الزاني واُختهنّ على الذكر، وحرمت الاُنثى على الزاني وأبيه وأجداده وإخوته وأعمامه.
        مسألة 3 - المراد بوطء الشبهة: الوطء الّذي ليس بمستحقّ مع عدم العلم بالتحريم، كما إذا وطئ أجنبيّةً باعتقاد أنّها زوجته، أو مع عدم الطريق المعتبر عليه، بل أوالأصل كذلك؛ ومع ذلك فالمسألة محلّ إشكال. ويلحق به وطء المجنون والنائم وشبههما، دون السكران إذا كان سكره بشرب المسكر عن عمد وعصيان.

      • القول في الرضاع
        • شروط الرضاع واحکامه

           

          شروط الرضاع واحکامه

          انتشار الحرمة بالرضاع يتوقّف على شروط:
          الأوّل: أن يكون اللبن حاصلا من وطءٍ جائزٍ شرعا، بسبب نكاح أو ملك يمين أو تحليل وما بحكمه، كسبق الماء إلى فرج حليلته من غير وطء؛ ويلحق به وطء الشبهة على الأقوى. فلو درّ اللبن من الامرأة من دون نكاح و ما يلحق به لم ينشر الحرمة؛ وكذا لو كان من دون وطءٍ وما يلحق به ولو مع النكاح؛ وكذا لو كان اللبن من الزنا؛ بل الظاهر اعتبار كون الدرّ بعد الولادة؛ فلو درّ من غير ولادة ولو مع الحمل لم تنشر به الحرمة على الأقوى.
          مسألة 1 - لا يعتبر في النشر بقاء المرأة في حبال الرجل؛ فلو طلّقها الزوج أو مات عنها وهي حامل منه أو مرضعة فأرضعت ولدا نشر الحرمة وإن تزوّجت ودخل بها الزوج الثاني ولم تحمل منه أو حملت منه وكان اللبن بحاله لم ينقطع ولم تحدث فيه زيادة، بل مع حدوثها إذا احتمل كونه للأوّل.
          الثاني: أن يكون شرب اللبن بالامتصاص من الثدي؛ فلو وجر في حلقه اللبن أو شرب المحلوب من المرأة لم ينشر الحرمة.
          الثالث: أن تكون المرضعة حيّةً؛ فلو ماتت في أثناء الرضاع وأكمل النصاب حال موتها ولو رضعةً لم ينشر الحرمة.
          الرابع: أن يكون المرتضع في أثناء الحولين وقبل استكمالهما؛ فلا عبرة برضاعه بعدهما. ولا يعتبر الحولان في ولد المرضعة على الأقوى؛ فلو وقع الرضاع بعد كمال حوليه نشر الحرمة إذا كان قبل حولي المرتضع.
          مسألة 2 - المراد بالحولين أربع وعشرون شهرا هلاليّا من حين الولادة. ولو وقعت في أثناء الشهر يكمل من الشهر الخامس والعشرين ما مضى من الشهر الأوّل على الأظهر؛ فلو تولّد في العاشر من شهر تكمل حولاه في العاشر من الخامس والعشرين.
          الشرط الخامس: الكمّيّة: وهي بلوغه حدّا معيّنا؛ فلا يكفي مسمّى الرضاع ولارضعة كاملة. وله تحديدات وتقديرات ثلاثة: الأثر والزمان والعدد. وأيّ منها حصل كفى في نشر الحرمة. ولا يبعد كون الأثر هو الأصل والباقيان أمارتان عليه، لكن لا يترك الاحتياط لو فرض حصول أحدهما دونه. فأمّا الأثر فهو أن يرضع بمقدار نبت اللحم وشدّ العظم. وأمّا الزمان فهو أن يرتضع من المرأة يوما وليلةً مع اتّصالهما، بأن يكون غذاؤه في هذه المدّة منحصرا بلبن المرأة. وأمّا العدد فهو أن يرتضع منها خمس عشرة رضعة كاملة.
          مسألة 3 - المعتبر في إنبات اللحم وشدّ العظم: استقلال الرضاع في حصولهما على وجه ينسبان إليه؛ فلو فرض ضمّ السكّر ونحوه إليه على نحو ينسبان إليهما أشكل ثبوت التحريم؛ كما أنّ المدار هو الإنبات والشدّ المعتدّ به منهما على نحوٍ مبانٍ يصدقان عرفا. ولا يكفي حصولهما بالدقّة العقليّة. وإذا شكّ في حصولهما بهذه المرتبة أو استقلال الرضاع في حصولهما يرجع إلى التقديرين الآخرين.
          مسألة 4 - يعتبر في التقدير بالزمان أن يكون غذاؤه في اليوم والليلة منحصرا باللبن. ولا يقدح شرب الماء للعطش، ولا ما يأكل أو يشرب دواءً إن لم يخرج ذلك عن المتعارف. والظاهر كفاية التلفيق في التقدير بالزمان لو ابتدأ بالرضاع في أثناء الليل أو النهار.
          مسألة 5 - يعتبر في التقدير بالعدد اُمور:
          منها: كمال الرضعة، بأن يروى الصبيّ ويصدر من قبل نفسه. ولا تحسب الرضعة الناقصة. ولا تضمّ الناقصات بعضها ببعض، بأن تحسب رضعتان ناقصتان أو ثلاث رضعات ناقصات -مثلا- واحدة. نعم، لو التقم الصبيّ الثدي ثمّ رفضه لابقصد الإعراض - بأن كان للتنفّس، أو الالتفات إلى ملاعب، أو الانتقال من ثدي إلى آخر، أو غير ذلك - كان الكلّ رضعةً واحدةً.
          ومنها: توالي الرضعات، بأن لا يفصل بينها رضاع امرأة اُخرى رضاعا تامّا كاملا على الأقوى، ومطلقاً على الأحوط. نعم، لا يقدح القليل جدّا. ولا يقدح في التوالي تخلّل غير الرضاع من المأكول والمشروب وإن تغذّى به.
          ومنها: أن يكون كمال العدد من امرأة واحدة؛ فلو ارتضع بعض الرضعات من امرأة وأكملها من امرأة اُخرى لم ينشر الحرمة وإن اتّحد الفحل؛ فلا تكون واحدة من المرضعتين اُمّا للمرتضع ولا الفحل أبا له.
          ومنها: اتّحاد الفحل، بأن يكون تمام العدد من لبن فحل واحد. ولا يكفي اتّحاد المرضعة؛ فلو أرضعت امرأةٌ من لبن فحل ثمان رضعات ثمّ طلّقها الفحل (1) وتزوّجت بآخر وحملت منه ثمّ أرضعت ذلك الطفل من لبن الفحل الثاني تكملة العدد من دون تخلّل رضاع امرأة اُخرى في البين - بأن يتغذّى الولد في هذه المدّة المتخلّلة بالمأكول والمشروب - لم ينشر الحرمة.
          مسألة 6 - ما ذكرناه من الشروط شروط لناشرية الرضاع للحرمة؛ فلو انتفى بعضها لا أثر له وليس بناشر لها أصلا حتّى بين الفحل والمرتضعة، وكذا بين المرتضع والمرضعة، فضلا عن الاُصول والفروع والحواشي. وفي الرضاع شرط آخر زائد على ما مرّ مختصّ بنشر الحرمة بين المرتضعين وبين أحدهما وفروع الآخر. وبعبارة اُخرى: شرط لتحقّق الاُخوّة الرضاعيّة بين المرتضعين. وهو اتّحاد الفحل الّذي ارتضع المرتضعان من لبنه؛ فلو ارتضع صبيّ من امرأة من لبن شخص رضاعا كاملا وارتضعت صبيّة من تلك المرأة من لبن شخص آخر كذلك - بأن طلّقها الأوّل وزوّجها الثاني وصارت ذات لبن منه فأرضعتها رضاعا كاملا - لم تحرم الصبيّة على ذلك الصبيّ ولا فروع أحدهما على الآخر؛ بخلاف ما إذا كان الفحل وصاحب اللبن واحدا وتعدّدت المرضعة، كما إذا كانت لشخصٍ نسوةٌ متعدّدة وأرضعت كلّ واحدة منهنّ من لبنه طفلا رضاعا كاملا، فإنّه يحرم بعضهم على بعض وعلى فروعه، لحصول الاُخوّة الرضاعيّة بينهم.
          مسألة 7 - إذا تحقّق الرضاع الجامع للشرائط صار الفحل والمرضعة أبا واُمّا للمرتضع، واُصولهما أجدادا وجدّات، وفروعهما إخوة وأولاد إخوة له، ومن في حاشيتهما وفي حاشية اُصولهما أعماما أو عمّات، وأخوالا أو خالات له، وصار هو - أعني المرتضع - ابنا أو بنتا لهما،وفروعه أحفادا لهما. وإذا تبيّن ذلك فكلّ عنوان نسبيّ محرّم - من العناوين السبع المتقدّمة - إذا تحقّق مثله في الرضاع يكون محرّما، فالاُمّ الرضاعيّة كالاُمّ النسبيّة، والبنت الرضاعيّة كالبنت النسبيّة وهكذا؛ فلو أرضعت امرأة من لبن فحل طفلا حرمت المرضعة واُمّها واُمّ الفحل على المرتضع للاُمومة، والمرتضعة وبناتها وبنات المرتضع على الفحل وعلى أبيه وأبي المرضعة للبنتيّة، وحرمت اُخت الفحل واُخت المرضعة على المرتضع، لكونهما عمّةً وخالةً له، والمرتضعة على أخي الفحل وأخي المرضعة، لكونها بنت أخ أو بنت اُخت لهما، وحرمت بنات الفحل على المرتضع والمرتضعةُ على أبنائه، نسبيّين كانوا أم رضاعيّين، وكذا بنات المرضعة على المرتضع والمرتضعةُ على أبنائها، إذا كانوا نسبيّين للاُخوّة. وأمّا أولاد المرضعة الرضاعيّون ممّن أرضعتهم بلبن فحل آخر غير الفحل الّذي ارتضع المرتضع بلبنه فلم يحرموا على المرتضع، لما مرّ من اشتراط اتّحاد الفحل في نشر الحرمة بين المرتضعين.
          مسألة 8 - تكفي في حصول العلاقة الرضاعيّة المحرّمة دخالة الرضاع فيه في الجملة؛ فقد تحصل من دون دخالة غيره فيها، كعلاقة الاُبوّة والاُمومة والابنيّة والبنتيّة الحاصلة بين الفحل والمرضعة وبين المرتضع، وكذا الحاصلة بينه وبين اُصولهما الرضاعيّين، كما إذا كان لهما أب أو اُمّ من الرضاعة، حيث إنّهما جدّ وجدّة للمرتضع من جهة الرضاع محضا؛ وقد تحصل به مع دخالة النسب في حصولها، كعلاقة الاُخوّة الحاصلة بين المرتضع وأولاد الفحل والمرضعة النسبيّين، فإنّهم وإن كانوا منسوبين إليهما بالولادة إلّا أنّ اُخوّتهم للمرتضع حصلت بسبب الرضاع، فهم إخوة أو أخوات له من الرضاعة.
          توضيح ذلك: أنّ النسبة بين شخصين قد تحصل بعلاقة واحدة، كالنسبة بين الولد ووالده ووالدته؛ وقد تحصل بعلاقتين، كالنسبة بين الأخوين، فإنّها تحصل بعلاقة كلّ منهما مع الأب أو الاُمّ أو كليهما، وكالنسبة بين الشخص وجدّه الأدنى، فإنّها تحصل بعلاقةٍ بينه وبين أبيه - مثلا - وعلاقةٍ بين أبيه وبين جدّه؛ وقد تحصل بعلاقات ثلاث، كالنسبة بين الشخص وبين جدّه الثاني، وكالنسبة بينه وبين عمّه الأدنى، فإنّها تحصل بعلاقةٍ بينك وبين أبيك وبعلاقة كلّ من أبيك وأخيه مع أبيهما مثلا، وهكذا تتصاعد وتتنازل النسب وتنشعب بقلّة العلاقات وكثرتها، حتّى أنّه قد تتوقّف نسبة بين شخصين على عشر علائق أو أقلّ أو أكثر. وإذا تبيّن ذلك فإن كانت تلك العلائق كلّها حاصلةً بالولادة كانت العلاقة نسبيّة، وإن حصلت كلّها أو بعضها ولو واحدة من العشر بالرضاع كانت العلاقة رضاعيّةً.
          مسألة 9 - لمّا كانت المصاهرة - الّتي هي أحد أسباب تحريم النكاح كما يأتي - علاقةً بين أحد الزوجين وبعض أقرباء الآخر فهي تتوقّف على أمرين: مزاوجة وقرابة، والرضاع إنّما يقوم مقام الثاني دون الأوّل. فمرضعة ولدك لاتكون بمنزلة زوجتك حتّى تحرم اُمّها عليك، لكنّ الاُمّ والبنت الرضاعيّتين لزوجتك تكونان كالاُمّ والبنت النسبيّين لها، فتحرمان عليك، وكذلك حليلة الابن الرضاعيّ كحليلة الابن النسبيّ، وحليلة الأب الرضاعيّ كحليلة الأب النسبيّ، تحرم الاُولى على أبيه الرضاعيّ، والثانية على ابنه الرضاعيّ.
          مسألة 10 - قد تبيّن ممّا سبق أنّ العلاقة الرضاعيّة المحضة قد تحصل برضاع واحد، كالحاصلة بين المرتضع وبين المرضعة وصاحب اللبن؛ وقد تحصل برضاعين، كالحاصلة بين المرتضع وبين أبوي الفحل والمرضعة الرضاعيّين؛ وقد تحصل برضاعات متعدّدة؛ فإذا كان لصاحب اللبن -مثلاً- أبٌ من جهة الرضاع وكان لذلك الأب الرضاعيّ أيضا أبٌ من الرضاع وكان للأخير أيضا أبٌ من الرضاع وهكذا إلى عشرة آباء -مثلا- كان الجميع أجدادا رضاعيّين للمرتضع الأخير، وجميع المرضعات جدّات له؛ فإن كانت اُنثى حرمت على جميع الأجداد، وإن كان ذكرا حرمت عليه جميع الجدّات، بل لو كانت للجدّ الرضاعيّ الأعلى اُختٌ رضاعيّة حرمت على المرتضع الأخير، لكونها عمّته العليا من الرضاع، ولوكانت للمرضعة الأبعد الّتي هي الجدّة العليا للمرتضع اُخت حرمت عليه، لكونها خالته العليا من الرضاع.
          مسألة 11 - قد عرفت في ما سبق أنّه يشترط في حصول الاُخوّة الرضاعيّة بين المرتضعين اتّحاد الفحل. ويتفرّع على ذلك مراعاة هذا الشرط في العمومة والخؤولة الحاصلتين بالرضاع أيضا، لأنّ العمّ والعمّة أخ واُخت للأب، والخال والخالة أخ واُخت للاُمّ؛ فلو تراضع أبوك أو اُمّك مع صبيّة من امرأة: فإن اتّحد الفحل كانت الصبيّة عمّتك أو خالتك من الرضاعة، بخلاف ما إذا لم يتّحد، فحيث لم تحصل الاُخوّة الرضاعيّة بين أبيك أو اُمّك مع الصبيّة لم تكن هي عمّتك أو خالتك، فلم تحرم عليك.
          مسألة 12 - لا يجوز أن ينكح أبو المرتضع في أولاد صاحب اللبن ولادةً بل ورضاعا على الأحوط؛ وكذا في أولاد المرضعة نسبا لا رضاعا. وأمّا أولاده الّذين لم يرتضعوا من هذا اللبن فيجوز نكاحهم في أولاد صاحب اللبن وفي أولاد المرضعة الّتي أرضعت أخاهم وإن كان الاحتياط لا ينبغي تركه.
          مسألة 13 - إذا أرضعت امرأة ابن شخص بلبن فحلها ثمّ أرضعت بنت شخص آخر من لبن ذلك الفحل فتلك البنت وإن حرمت على ذلك الابن لكن تحلّ أخوات كلّ منهما لإخوة الآخر.
          مسألة 14 - الرضاع المحرّم كما يمنع من النكاح لو كان سابقا يبطله لو حصل لاحقا؛ فلو كانت له زوجة صغيرة فأرضعتها بنته أو اُمّه أو اُخته أو بنت أخيه أو بنت اُخته أو زوجة أخيه بلبنه رضاعا كاملا بطل نكاحها وحرمت عليه، لصيرورتها بالرضاع بنتا أو اُختا أو بنت أخ أو بنت اُخت له، فحرمت عليه لاحقا كما كانت تحرم عليه سابقا؛ وكذا لو كانت له زوجتان صغيرة وكبيرة فأرضعت الكبيرة الصغيرة حرمت عليه الكبيرة، لأنّها صارت اُمّ زوجته، وكذلك الصغيرة إن كانت رضاعها من لبنه أو دخل بالكبيرة، لكونها بنتا له في الأوّل، وبنت زوجته المدخول بها في الثاني. نعم، ينفسخ عقدها وإن لم يكن الرضاع من لبنه ولم يدخل بالكبيرة وإن لم تحرم عليه.


          1- هكذا في جميع الطبعات، والصحيح: «ثماني».

        • تنبيه

           

          تنبيه

          إذا كان أخوان في بيت واحد - مثلا - وكانت زوجة كلّ منهما أجنبيّةً عن الآخر وأرادا أن تصير زوجة كلّ منهما من محارم الآخر حتّى يحلّ له النظر إليها يمكن لهما الاحتيال، بأن يتزوّج كلّ منهما بصبيّة وتُرضع زوجةُ كلّ منهما زوجة الآخر رضاعا كاملا، فتصير زوجة كلّ منهما اُمّاً لزوجة الآخر، فتصير من محارمه، وحلّ نظره إليها، وبطل نكاح كلتا الصبيّتين، لصيرورة كلّ منهما بالرضاع بنت أخي زوجها.
          مسألة 1 - إذا أرضعت امرأةٌ ولد بنتها - وبعبارة اُخرى: أرضعت الولدَ جدّتُه من طرف الاُمّ - حرمت بنتها اُمّ الولد على زوجها، وبطل نكاحها، سواء أرضعته بلبن أبي البنت أو بلبن غيره، وذلك لأنّ زوج البنت أب للمرتضع، وزوجته بنت للمرضعة جدّة الولد، وقد مرّ أنّه يحرم على أبي المرتضع نكاح أولاد المرضعة، فإذا منع منه سابقا أبطله لاحقا؛ وكذا إذا أرضعت زوجة أبي البنت من لبنه ولدَ البنت بطل نكاح البنت، لما مرّ من أنّه يحرم نكاح أبي المرتضع في أولاد صاحب اللبن. وأمّا الجدّة من طرف الأب إذا أرضعت ولدَ ابنها فلا يترتّب عليه شي ء؛ كما أنّه لو كان رضاع الجدّة من طرف الاُمّ ولدَ بنتها بعد وفاة بنتها أو طلاقها أو وفاة زوجها لم يترتّب عليه شي ء، فلا مانع منه وإن يترتّب عليه حرمة نكاح المطلّقة واُختها وكذا اُخت المتوفّاة.
          مسألة 2 - لو زوّج ابنه الصغير بابنة أخيه الصغيرة ثمّ أرضعت جدّتهما من طرف الأب أو الاُمّ أحدهما - وذلك في ما إذا تزوّج الأخوان الاُختين - انفسخ نكاحهما، لأنّ المرتضع إن كان هو الذكر فإن أرضعته جدّته من طرف الأب صار عمّا لزوجته، وإن أرضعته جدّته من طرف الاُمّ صار خالاً لزوجته، وإن كان هو الاُنثى صارت هي عمّة لزوجها على الأوّل وخالة له على الثاني، فبطل النكاح على أيّ حال.
          مسألة 3 - إذا حصل الرضاع الطارئ المبطل للنكاح: فإمّا أن يبطل نكاح المرضعة بإرضاعها، كما في إرضاع الزوجة الكبيرة لشخص زوجته الصغيرة بالنسبة إلى نكاحها؛ وإمّا أن يبطل نكاح المرتضعة، كالمثال بالنسبة إلى نكاح الصغيرة؛ وإمّا أن يبطل نكاح غيرهما، كما في إرضاع الجدّة من طرف الاُمّ ولدَ بنتها. والظاهر بقاء استحقاق الزوجة للمهر في الجميع إلّا في الصورة الاُولى في ما إذا كان الإرضاع وانفساخ العقد قبل الدخول، فإنّ فيها تأمّلا، فالأحوط التخلّص بالصلح، بل الأحوط ذلك في جميع الصور وإن كان الاستحقاق أقرب. وهل تضمن المرضعة مايغرمه الزوج من المهر قبل الدخول في ما إذا كان إرضاعها مبطلا لنكاح غيرها؟ قولان، أقواهما العدم، والأحوط التصالح.
          مسألة 4 - قد سبق أنّ العناوين المحرّمة من جهة الولادة والنسب سبعة: الاُمّهات، والبنات، والأخوات، والعمّات، والخالات، وبنات الأخ، وبنات الاُخت؛ فإن حصل بسبب الرضاع أحد هذه العناوين كان محرّما كالحاصل بالولادة، وقد عرفت في ما سبق كيفيّة حصولها بالرضاع مفصّلا؛ وأمّا لو لم يحصل بسببه أحد تلك العناوين السبعة لكن حصل عنوان خاصّ لو كان حاصلا بالولادة لكان ملازما ومتّحدا مع أحد تلك العناوين السبعة - كما لو أرضعت امرأة ولدَ بنتها فصارت اُمّ ولد بنتها، واُمّ ولد البنت ليست من تلك السبع، لكن لو كانت اُمومة ولد البنت بالولادة كانت بنتا له، والبنت من المحرّمات السبعة - فهل مثل هذا الرضاع أيضا محرّم، فتكون مرضعة ولد البنت كالبنت أم لا؟ الحقّ هو الثاني، وقيل بالأوّل. وهذا هو الّذي اشتهر في الألسنة بعموم المنزلة الّذي ذهب إليه بعض الأجلّة. ولنذكر لذلك أمثلة:
          أحدها: زوجتك أرضعت بلبنك أخاها فصار ولدَك، وزوجتك اُخت له، فهل تحرم عليك من جهة أنّ اُخت ولدك إمّا بنتك أو ربيبتك، وهما محرّمتان عليك، وزوجتك بمنزلتهما، أم لا؟ فمن قال بعموم المنزلة يقول: نعم، ومن قال بالعدم يقول: لا.
          ثانيها: زوجتك أرضعت بلبنك ابنَ أخيها فصار ولَدك، وهي عمّته، وعمّة ولدك حرام عليك، لأنّها اُختك، فهل تحرم من الرضاع أم لا؟ فمن قال بعموم المنزلة يقول: نعم، ومن قال بالعدم يقول: لا.
          ثالثها: زوجتك أرضعت عمّها أو عمّتها أو خالَها أو خالَتها فصارت اُمّهم، واُمّ عمّ واُمّ عمّة زوجتك حرام عليك، حيث إنّها جدّتها من الأب، وكذا اُمّ خال واُمّ خالة زوجتك حرام عليك، حيث إنّها جدّتها من الاُمّ، فهل تحرم عليك من جهة الرضاع أم لا؟ فمن قال بعموم المنزلة يقول: نعم، ومن قال بالعدم يقول: لا.
          رابعها: زوجتك أرضعت بلبنك ولدَ عمّها أو ولدَ خالها فصرتَ أبا ابن عمّها أو أبا ابن خالها، وهي تحرم على أبي ابن عمّها وأبي ابن خالها، لكونهما عمّها وخالَها، فهل تحرم عليك من جهة الرضاع أم لا؟ فمن قال بعموم المنزلة يقول: نعم، ومن قال بالعدم يقول: لا.
          خامسها: امرأة أرضعت أخاك أو اُختَك لأبويك فصارت اُمّا لهما، وهي محرّمة في النسب لأنّها اُمّ لك، فهل تحرم عليك من جهة الرضاع ويبطل نكاح المرضعة إن كانت زوجتَك، أم لا؟ فمن قال بعموم المنزلة يقول: نعم، ومن قال بالعدم يقول: لا.
          سادسها: امرأة أرضعت ولدَ بنتك فصارت اُمّا له، فهل تحرم عليك لكونها بمنزلة بنتك، وإن كانت المرضعة زوجتَك بطل نكاحها، أم لا؟ فمن قال بعموم المنزلة يقول: نعم، ومن قال بالعدم يقول: لا.
          سابعها: امرأة أرضعت ولدَ اُختك فصارت اُمّا له، فهل تحرم عليك من جهة أنّ اُمّ ولد الاُخت حرام عليك، لأنّها اُختك، وإن كانت المرضعة زوجتَك بطل نكاحها، أم لا؟ فمن قال بعموم المنزلة يقول: نعم، ومن قال بالعدم يقول: لا.
          ثامنها: امرأة أرضعت عمّك أو عمّتَك أو خالَك أو خالتَك فصارت اُمّهم، واُمّ عمّك وعمّتك نسبا تحرم عليك، لأنّها جدّتك من طرف أبيك، وكذا اُمّ خالك وخالتك، لأنّها جدّتك من طرف الاُمّ، فهل تحرم عليك بسبب الرضاع، وإن كانت المرضعة زوجتَك بطل نكاحها، أم لا؟ فمن قال بعموم المنزلة يقول: نعم، ومن قال بالعدم يقول: لا.
          مسألة 5 - لو شكّ في وقوع الرضاع أو في حصول بعض شروطه من الكمّيّة أو الكيفيّة بنى على العدم. نعم، يشكل في ما لو علم بوقوع الرضاع بشروطه ولم يعلم بوقوعه في الحولين أو بعدهما وعلم تاريخ الرضاع وجهل تاريخ ولادة المرتضع، فحينئذٍ لا يترك الاحتياط.
          مسألة 6 - لاتقبل الشهادة على الرضاع إلّا مفصّلةً، بأن يشهد الشهود على الارتضاع في الحولين بالامتصاص من الثدي خمس عشرة رضعةً متوالياتٍ -مثلا- إلى آخر ما مرّ من الشروط. ولا يكفي الشهادة المطلقة والمجملة، بأن يشهد على وقوع الرضاع المحرّم، أو يشهد -مثلا- على أنّ فلانا ولد فلانة أو فلانة بنت فلان من الرضاع، بل يسأل منه التفصيل. نعم، لو علم عرفانهما شرائط الرضاع وأنّهما موافقان معه في الرأي -اجتهادا أو تقليدا- تكفي.
          مسألة 7 - الأقوى أنّه تقبل شهادة النساء العادلات في الرضاع مستقلّات، بأن تشهد به أربع نسوة، ومنضمّات، بأن تشهد به امرأتان مع رجل واحد.
          مسألة 8 - يستحبّ أن يختار لرضاع الأولاد المسلمةَ العاقلةَ العفيفةَ الوضيئةَ ذاتَ الأوصاف الحسنة، فإنّ للّبن تأثيرا تامّا في المرتضع كما يشهد به الاختبار ونطقت به الأخبار والآثار؛ فعن الباقر(عليه السلام) قال: «قال رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم): لا تسترضعوا الحمقاءوالعمشاء، فإنّ اللبن يعدي». وعن أميرالمؤمنين(عليه السلام):«لاتسترضعوا الحمقاء، فإنّ اللبن يغلب الطباع». وعنه (عليه السلام): «انظروا من ترضع أولادكم، فإنّ الولد يشبّ عليه». إلى غير ذلك من الأخبار المستفاد منها رجحان اختيار ذوات الصفات الحميدة خَلقا وخُلقاً، ومرجوحيّة اختيار أضدادهنّ وكراهته، لا سيّما الكافرة. وإن اضطرّ إلى استرضاعها فليختر اليهوديّة والنصرانيّة على المشركة والمجوسيّة، ومع ذلك لا يسلّم الطفل إليهنّ، ولا يذهبن بالولد إلى بيوتهنّ. ويمنعها عن شرب الخمر وأكل لحم الخنزير. ومثل الكافرة أو أشدّ كراهةً استرضاع الزانية باللبن الحاصل من الزنا والمرأةِ المتولّدة من زنا؛ فعن الباقر(عليه السلام): «لبن اليهوديّة والنصرانيّة والمجوسيّة أحبّ إليّ من ولد الزنا»، وعن الكاظم(عليه السلام): «سئل عن امرأة زنت هل يصلح أن تُسترضع؟ قال: لا يصلح، ولا لبن ابنتها الّتي وُلدت من الزنا».

      • القول في المصاهرة وما يلحق بها

         

        القول في المصاهرة وما يلحق بها

        المصاهرة هي علاقة بين أحد الزوجين مع أقرباء الآخر، موجبةٌ لحرمة النكاح عينا أو جمعا على تفصيل يأتي.
        مسألة 1 - تحرم معقودة الأب على ابنه وبالعكس - فصاعدا في الأوّل ونازلا في الثاني - حرمةً دائميّةً، سواء كان العقد دائميّا أو انقطاعيّا، وسواء دخل العاقد بالمعقودة أم لا، وسواء كان الأب والابن نسبيّين أو رضاعيّين.
        مسألة 2 - لو عقد على امرأة حرمت عليه اُمّها وإن علت نسبا أو رضاعا، سواء دخل بها أم لا، وسواء كان العقد دواما أو انقطاعا، وسواء كانت المعقودة صغيرةً أو كبيرةً. نعم، الأحوط في العقد على الصغيرة انقطاعا أن تكون بالغةً إلى حدّ تقبل للاستمتاع والتلذّذ بها ولو بغير الوطء، بأن كانت بالغةً ستّ سنين فما فوق مثلا، أو يدخل في المدّة بلوغها إلى هذا الحدّ، فما تعارف من إيقاع عقد الانقطاع ساعةً أو ساعتين على الصغيرة الرضيعة أو من يقاربها مريدين بذلك محرميّة اُمّها على المعقود له لا يخلو من إشكال، من جهة الإشكال في صحّة مثل هذا العقد حتّى يترتّب عليه حرمة اُمّ المعقود عليها وإن لايخلو من قرب أيضا؛ لكن لو عقد كذلك -أي الساعة أو الساعتين عليها- فلا ينبغي ترك الاحتياط بترتّب آثار المصاهرة وعدم المحرميّة لو قصدتحقّق الزوجيّة ولوبداعي بعض الآثاركالمحرميّة.
        مسألة 3 - لو عقد على امرأة حرمت عليه بنتها وإن نزلت إذا دخل بالاُمّ ولو دبرا، وأمّا إذا لم يدخل بها لم تحرم عليه بنتها عينا، وإنّما تحرم عليه جمعا، بمعنى أنّها تحرم عليه ما دامت الاُمّ في حباله، فإذا خرجت بموت أو طلاق أو غير ذلك جاز له نكاحها.
        مسألة 4 - لا فرق في حرمة بنت الزوجة بين أن تكون موجودةً في زمان زوجيّة الاُمّ أو تولّدت بعد خروجها عن الزوجيّة؛ فلو عقد على امرأة ودخل بها ثمّ طلّقها ثمّ تزوّجت وولدت من الزوج الثاني بنتا تحرم هذه البنت على الزوج الأوّل.
        مسألة 5 - لا إشكال في ترتّب الحرمات الأربع على النكاح والوطء الصحيحين، وهل تترتّب على الزنا ووطء الشبهة أم لا؟ قولان، أحوطهما وأشهرهما أوّلهما؛ فلو زنى بامرأة حرمت على أبي الزاني، وحرمت على الزاني اُمّ المزنيّ بها وبنتها؛ وكذلك الموطوءة بالشبهة. نعم، الزنا الطارئ على التزويج لايوجب الحرمة، سواء كان بعد الوطء أو قبله؛ فلو تزوّج بامرأة ثمّ زنى باُمّها أو بنتها لم تحرم عليه امرأته؛ وكذا لو زنى الأب بامرأة الابن لم تحرم على الابن، أو زنى الابن بامرأة الأب لم تحرم على أبيه.
        مسألة 6 - لا فرق في الحكم بين الزنا في القبل أو الدبر، وكذا في الشبهة.
        مسألة 7 - إذا علم بالزنا وشكّ في كونه سابقاً على العقد أو طارئا بنى على صحّته.
        مسألة 8 - لو لمس امرأةً أجنبيّةً أو نظر إليها بشهوة لم تحرم الملموسة والمنظورة على أبي اللامس والناظر وابنهما، ولا تحرم اُمّ المنظورة والملموسة على الناظر واللامس. نعم، لو كانت للأب جارية ملموسة بشهوة أو منظورة إلى ما لا يحلّ النظر إليه لغيره إن كان نظره بشهوة أو نظر إلى فرجها ولو بغير شهوة حرمت على ابنه، وكذا العكس على الأقوى.
        مسألة 9 - لا يجوز نكاح بنت الأخ على العمّة وبنت الاُخت على الخالة إلّا بإذنهما، من غير فرق بين كون النكاحين دائمين أو منقطعين أو مختلفين، ولا بين علم العمّة والخالة حال العقد وجهلهما، ولا بين اطّلاعهما على ذلك وعدمه أبدا؛ فلوتزوّجهما عليهما بدون إذنهما كان العقدالطارئ كالفضوليّ على الأقوى، تتوقّف صحّته على إجازتهما، فإن أجازتا جاز، وإلّا بطل. ويجوز نكاح العمّة والخالة على بنتي الأخ والاُخت وإن كانت العمّة والخالة جاهلتين. وليس لهما الخيار، لافي فسخ عقد أنفسهما، ولا في فسخ عقد بنتي الأخ والاُخت على الأقوى.
        مسألة 10 - الظاهر أنّه لا فرق في العمّة والخالة بين الدنيا منهما والعليا، كما أنّه لا فرق بين نسبيّتين منهما والرضاعيّتين.
        مسألة 11 - إذا أذنتا ثمّ رجعتا عن الإذن: فإن كان الرجوع بعد العقد لم يؤثّر في البطلان، وإن كان قبله بطل الإذن السابق؛ فلو لم يبلغه الرجوع وتزوّج توقّف صحّته على الإجازة اللاحقة.
        مسألة 12 - الظاهر أنّ اعتبار إذنهما ليس حقّا لهما كالخيار حتّى يسقط بالإسقاط؛ فلو اشترط في ضمن عقدهما أن لا يكون لهما ذلك لم يؤثّر شيئا؛ ولو اشترط عليهما أن يكون للزوج العقد على بنت الأخ أو الاُخت فالظاهر كون قبول هذا الشرط إذنا. نعم، لو رجع عنه قبل العقد لم يصحّ العقد؛ ولو شرط أنّ له ذلك ولو مع الرجوع بحيث يرجع إلى إسقاط إذنه فالظاهر بطلان الشرط.
        مسألة 13 - لو تزوّج بالعمّة وابنة الأخ والخالة وبنت الاُخت وشكّ في السابق منهما حكم بصحّة العقدين؛ وكذلك في ما إذا تزوّج ببنت الأخ أو الاُخت وشكّ في أنّه كان عن إذن من العمّة أو الخالة أم لا حكم بالصحّة.
        مسألة 14 - لو طلّق العمّة أو الخالة: فإن كان بائنا صحّ العقد على بنتي الأخ والاُخت بمجرّد الطلاق، وان كان رجعيّا لم يجز بلا إذن منهما إلّا بعد انقضاء العدّة.
        مسألة 15 - لا يجوز الجمع في النكاح بين الاُختين، نسبيّتين أو رضاعيّتين، دواما أو انقطاعا أو بالاختلاف؛ فلو تزوّج بإحدى الاُختين ثمّ تزوّج باُخرى بطل العقد الثاني دون الأوّل، سواء دخل بالاُولى أولا؛ ولو اقترن عقدهما - بأن تزوّجهما بعقد واحد أو في زمان واحد - بطلا معا.
        مسألة 16 - لو تزوّج بالاُختين ولم يعلم السابق واللاحق: فإن علم تاريخ أحدهما حكم بصحّته دون الآخر؛ وإن جهل تاريخهما: فإن احتمل تقارنهما حكم ببطلانهما معا، وإن علم عدم الاقتران فقد علم إجمالا بصحّة أحدهما وبطلان الآخر، فلا يجوز له عمل الزوجيّة بالنسبة إليهما أو إلى إحداهما مادام الاشتباه. والأقوى تعيين السابق بالقرعة؛ لكنّ الأحوط أن يطلّقهما أو يطلّق الزوجة الواقعيّة منهما ثمّ يزوّج من شاء منهما، وله أن يطلّق إحداهما ويجدّد العقد على الاُخرى بعد انقضاء عدّة الاُولى إن كانت مدخولا بها.
        مسألة 17 - لو طلّقهما والحال هذه: فإن كان قبل الدخول فعليه للزوجة الواقعيّة نصف مهرها، وإن كان بعد الدخول فلها عليه تمام مهرها، فإن كان المهران مثليّين واتّفقا جنسا وقدرا فقد علم من عليه الحقّ ومقدار الحقّ، وإنّما الاشتباه في من له الحقّ؛ وفي غير ذلك يكون الاشتباه في الحقّ أيضا؛ فإن اصطلحوا بما تسالموا عليه فهو، وإلّا فلا محيص إلّا عن القرعة؛ فمن خرجت عليها من الاُختين كان لها نصف مهرها المسمّى أو تمامه، ولم تستحقّ الاُخرى شيئا. نعم، مع الدخول بها تفصيل لا يسعه هذا المختصر.
        مسألة 18 - الظاهر جريان حكم تحريم الجمع في ما إذا كانت الاُختان كلتاهما او إحداهما من زنا.
        مسألة 19 - لو طلّق زوجته: فإن كان الطلاق رجعيّا لايجوز ولا يصحّ نكاح اُختها ما لم تنقض عدّتها، وإن كان بائنا جاز له نكاح اُختها في الحال. نعم، لو كانت متمتّعا بها وانقضت مدّتها أو وهبها لا يجوز على الأحوط لو لم يكن الأقوى نكاح اُختها قبل انقضاء العدّة وإن كانت بائنةً.
        مسألة 20 - ذهب بعض الأخباريّين إلى حرمة الجمع بين الفاطميّتين في النكاح، والحقّ جوازه وإن كان الترك أحوط وأولى.
        مسألة 21 - لو زنت امرأة ذات بعل لم تحرم على زوجها، ولا يجب على زوجها أن يطلّقها وإن كانت مصرّةً على ذلك.
        مسألة 22 - من زنى بذات بعل - دواما أو متعةً - حرمت عليه أبدا، سواء كانت مسلمةً أم لا، مدخولا بها كانت من زوجها أم لا؛ فلا يجوز نكاحها بعد موت زوجها أو زوال عقدها بطلاق ونحوه. ولا فرق على الظاهر بين أن يكون الزاني عالما بأنّها ذات بعل أولا. ولو كان مكرها على الزنا ففي لحوق الحكم إشكال.
        مسألة 23 - لو زنى بامرأة في العدّة الرجعيّة حرمت عليه أبدا كذات البعل، دون البائنة ومن في عدّة الوفاة. ولو علم بأنّها كانت في العدّة ولم يعلم بأنّها كانت رجعيّةً أو بائنةً فلا حرمة. نعم، لو علم بكونها في عدّة رجعيّة وشكّ في انقضائها فالظاهر الحرمة.
        مسألة 24 - من لاط بغلام فأوقبه ولو ببعض الحشفة حرمت عليه أبدا اُمّ الغلام وإن علت وبنته وإن نزلت واُخته، من غير فرق بين كونهما صغيرين أو كبيرين أو مختلفين. ولا تحرم على المفعول اُمّ الفاعل وبنته واُخته على الأقوى. والاُمّ والبنت والاُخت الرضاعيّات للمفعول كالنسبيّات.
        مسألة 25 - إنّما يوجب اللواط حرمة المذكورات إذا كان سابقا، وأمّا الطارئ على التزويج فلا يوجبها ولا بطلان النكاح، ولا ينبغي ترك الاحتياط.
        مسألة 26 - لو شكّ في تحقّق الإيقاب حينما عبث بالغلام أو بعده بنى على العدم.

      • القول في النكاح في العدة وتكميل العدد

         

        القول في النكاح في العدّة وتكميل العدد

        مسألة 1 - لا يجوز نكاح المرأة لا دائما ولا منقطعا إذا كانت في عدّة الغير، رجعيّةً كانت أو بائنةً، عدّة وفاة أو غيرها، من نكاح دائم أو منقطع أو من وطء شبهة. ولو تزوّجها فإن كانا عالمين بالموضوع والحكم - بأن علما بكونها في العدّة وعلما بأنّه لا يجوز النكاح فيها - أو كان أحدهما عالما بهما بطل النكاح وحرمت عليه أبدا، سواء دخل بها أولا. وكذا إن جهلا بهما أو بأحدهما ودخل بها ولو دبرا؛ وأمّا لو لم يدخل بها بطل العقد ولكن لم تحرم عليه أبدا، فله استيناف العقد عليها بعد انقضاء العدّة الّتي كانت فيها.
        مسألة 2 - لو وكّل أحدا في تزويج امرأة له ولم يعيّن الزوجة فزوّجه امرأةً ذات عدّة لم تحرم عليه إن علم الوكيل بكونها في العدّة، وإنّما تحرم عليه مع الدخول. وأما لو عيّن الزوجةَ فإن كان الموكّل عالما بالحكم والموضوع حرمت عليه ولو كان الوكيل جاهلا بهما، بخلاف العكس؛ فالمدار علم الموكّل وجهله، لاالوكيل.
        مسألة 3 - لا يلحق بالتزويج في العدّة وطء الشبهة أو الزنا بالمعتدّة؛ فلو وطئ شبهةً أو زنى بالمرأة في حال عدّتها لم يؤثّر في الحرمة الأبديّة أيّة عدّة كانت إلّا العدّة الرجعيّة إذا زنى بها فيها، فإنّه يوجب الحرمة كما مرّ.
        مسألة 4 - لو كانت المرأة في عدّة الرجل جاز له العقد عليها في الحال، ولاينتظر انقضاء العدّة إلّا في موارد لموانع طارئة، كالطلاق الثالث المحتاج إلى المحلّل، والتاسع المحرّم أبدا. وفي ما إذا كانت معتدّةً له بالعدّة الرجعيّة يبطل العقد عليها أيضا، لكونها بمنزلة زوجته؛ فلو كانت عنده متعة وأراد أن يجعل عقدها دواما جاز أن يهب مدّتها ويعقد عليها دواما في الحال، بخلاف ما إذا كانت عنده زوجة دائمة وأراد أن يجعلها منقطعةً فطلّقها لذلك طلاقا غير بائن، فإنّه لا يجوز له إيقاع عقد الانقطاع عليها إلّا بعد خروجها عن العدّة.
        مسألة 5 - هل يعتبر في الدخول الّذي هو شرط للحرمة الأبديّة في صورة الجهل أن يكون في العدّة أو يكفي وقوع العقد فيها وإن كان الدخول واقعا بعد انقضائها؟ قولان، أحوطهما الثاني، بل لا يخلو من قوّة.
        مسألة 6 - لو شكّ في أنّها معتدّة أم لا حكم بالعدم وجاز له تزويجها، ولا يجب عليه الفحص عن حالها؛ وكذا لو شكّ في انقضاء عدّتها وأخبرت هي بالانقضاء، فتصدّق وجاز تزويجها.
        مسألة 7 - لو علم أنّ التزويج كان في العدّة مع الجهل موضوعا أو حكما ولكن شكّ في أنّه دخل بها حتّى تحرم عليه أبدا أولا بنى على عدمه، فلم تحرم عليه؛ وكذا لو علم بعدم الدخول لكن شكّ في أنّ أحدهما قد كان عالما أولا بنى على عدمه، فلا يحكم بالحرمة الأبديّة.
        مسألة 8 - يلحق بالتزويج في العدّة في إيجاب الحرمة الأبديّة التزويج بذات البعل؛ فلو تزوّجها مع العلم بأنّها ذات بعل حرمت عليه أبدا، سواء دخل بها أم لا؛ ولو تزوّجها مع الجهل لم تحرم عليه إلّا مع الدخول بها.
        مسألة 9 - لو تزوّج بامرأة عليها عدّة ولم تشرع فيها لعدم تحقّق مبدئها، كما إذا تزوّج بمن مات زوجها ولم يبلغها الخبر، فإنّ مبدأ عدّتها من حين بلوغه، فهل يوجب الحرمة الأبديّة أم لا؟ قولان، أحوطهما الأوّل وأرجحهما الثاني.
        مسألة 10 - من كانت عنده أربع زوجات دائميّات تحرم عليه الخامسة دائمةً. وأمّا المنقطعة فيجوز الجمع بما شاء خاصّةً أو مع دائميّات.
        مسألة 11 - لو كانت عنده أربع فماتت إحداهنّ يجوز له تزويج اُخرى في الحال؛ وكذا لو فارق إحداهنّ بالفسخ أو الانفساخ أو بالطلاق البائن. وأولى بذلك ما إذا لم تكن لها عدّة كغير المدخول بها واليائسة. وأمّا إذا طلّقها بالطلاق الرجعيّ فلا يجوز له تزويج اُخرى إلّا بعد انقضاء عدّة الاُولى.
        مسألة 12 - لو طلّق الرجل زوجته الحرّة ثلاث طلقات لم يتخلّل بينها نكاح رجل آخر حرمت عليه، ولا يجوز له نكاحها حتّى تنكح زوجا غيره بالشروط الآتية في كتاب الطلاق. ولو طلّقها تسعا للعدّة بتخلّل محلّلين في البين - بأن نكحت بغير المطلّق بعد الثلاثة الاُولى والثانية - حرمت عليه أبدا. وكيفيّة وقوع تسع طلقات للعدّة أن يطلّقها بالشرائط ثمّ يراجعها في العدّة ويطأها، ثمّ يطلّقها في طهر آخر ثمّ يراجعها ثمّ يطأ ثمّ يطلّقها الثالثة، ثمّ ينكحها بعد عدّتها زوج آخر، ثمّ يفارقها بعد أن يطأها، ثمّ يتزوّجها الأوّل بعد عدّتها، ثمّ يوقع عليها ثلاث طلقات مثل ما أوقع أوّلا ثمّ ينكحها آخر ويطأها ويفارقها ويتزوّجها الأوّل، ويوقع عليها ثلاث طلقات اُخرى - مثل السابقات - إلى أن يكمل تسعا تخلّل بينهما نكاح رجلين، فتحرم عليه في التاسعة أبدا.

      • القول في الكفر

         

        القول في الكفر

        لا يجوز للمسلمة أن تنكح الكافر دواما وانقطاعا، سواء كان أصليّا حربيّا أو كتابيّا، أو كان مرتدّا عن فطرة أو عن ملّة. وكذا لا يجوز للمسلم تزويج غير الكتابيّة من أصناف الكفّار، ولا المرتدّة عن فطرة أو عن ملّة. وأمّا الكتابيّة من اليهوديّة والنصرانيّة ففيه أقوال، أشهرها المنع في النكاح الدائم والجواز في المنقطع، وقيل بالمنع مطلقاً، وقيل بالجواز كذلك. والأقوى الجواز في المنقطع، وأمّا في الدائم فالأحوط المنع.
        مسألة 1 - الأقوى حرمة نكاح المجوسيّة. وأمّا الصابئة ففيها إشكال، حيث إنّه لم يتحقّق عندنا إلى الآن حقيقة دينهم، فإن تحقّق أنّهم طائفة من النصارى -كما قيل- كانوا بحكمهم.
        مسألة 2 - العقد الواقع بين الكفّار لو وقع صحيحا عندهم وعلى طبق مذهبهم يترتّب عليه آثار الصحيح عندنا، سواء كان الزوجان كتابيّين أو وثنيّين أو مختلفين، حتّى أنّه لو أسلما معا دفعةً اُقرّا على نكاحهما الأوّل ولم يحتج إلى عقد جديد، بل وكذا لو أسلم أحدهما أيضا في بعض الصور الآتية. نعم، لو كان نكاحهم مشتملا على ما يقتضي الفساد ابتداءً واستدامةً (كنكاح إحدى المحرّمات عينا أو جمعا) جرى عليه بعد الإسلام حكم الإسلام.
        مسألة 3 - لو أسلم زوج الكتابيّة بقيا على نكاحهما الأوّل، سواء كان كتابيّا أو وثنيّا، وسواء كان إسلامه قبل الدخول أو بعده. وإذا أسلم زوج الوثنيّة - وثنيّاً كان أو كتابيّا - فإن كان قبل الدخول انفسخ النكاح في الحال، وإن كان بعده يفرّق بينهما وينتظر انقضاء العدّة، فإن أسلمت الزوجة قبل انقضائها بقيا على نكاحهما، وإلّا انفسخ النكاح، بمعنى أنّه يتبيّن انفساخه من حين إسلام الزوج.
        مسألة 4 - لو أسلمت زوجة الوثنيّ أو الكتابيّ - وثنيّةً كانت أو كتابيّةً - فإن كان قبل الدخول انفسخ النكاح في الحال، وإن كان بعده وقف على انقضاء العدّة لكن يفرّق بينهما، فإن أسلم قبل انقضائها فهي امرأته، وإلّا بان أنّها بانت منه حين إسلامها.
        مسألة 5 - لو ارتدّ أحد الزوجين أو ارتدّا معا دفعةً قبل الدخول وقع الانفساخ في الحال، سواء كان الارتداد عن فطرة أو ملّة؛ وكذا بعد الدخول إذا كان الارتداد من الزوج وكان عن فطرة. وأمّا إن كان ارتداده عن ملّة أو كان الارتداد من الزوجة مطلقا وقف الفسخ على انقضاء العدّة، فإن رجع أو رجعت قبل انقضائها كانت زوجته، وإلّا انكشف أنّها بانت منه عند الارتداد.
        مسألة 6 - العدّة في ارتداد الزوج عن فطرة كالوفاة، وفي غيره كالطلاق.
        مسألة 7 - لا يجوز للمؤمنة أن تنكح الناصب المعلن بعداوة أهل البيت:، ولا الغالي المعتقد باُلوهيّتهم أو نبوّتهم. وكذا لا يجوز للمؤمن أن ينكح الناصبة والغالية، لأنّهما بحكم الكفّار وإن انتحلا دين الإسلام.
        مسألة 8 - لا إشكال في جواز نكاح المؤمن المخالفةَ غيرَ الناصبة. وأمّا نكاح المؤمنة المخالفَ غيرَ الناصب ففيه خلاف، والجواز مع الكراهة لا يخلو من قوّة، لكن لا ينبغي ترك الاحتياط مهما أمكن.
        مسألة 9 - لا يشترط في صحّة النكاح تمكّن الزوج من النفقة. نعم، لو زوّج الصغيرةَ وليّها بغير القادر عليها لم يلزم العقد عليها، فلها الردّ، لأنّ فيه المفسدة، إلّإ؛ظظ إذا زوحمت بمصلحة غالبة عليها.
        مسألة 10 - لو كان الزوج متمكّنا من النفقة حين العقد ثمّ تجدّد العجز عنها بعد ذلك لم يكن للزوجة المذكورة التسلّط على الفسخ، لا بنفسها ولا بوسيلة الحاكم على الأقوى. نعم، لو كان ممتنعا عن الإنفاق مع اليسار ورفعت أمرها إلى الحاكم ألزمه بالإنفاق أو الطلاق؛ فإذا امتنع عنهما ولم يمكن الإنفاق من ماله ولا إجباره بالطلاق فالظاهر أنّ للحاكم أن يطلّقها إن أرادت الطلاق.
        مسألة 11 - لا إشكال في جواز تزويج العربيّة بالعجميّ والهاشميّة بغير الهاشميّ وبالعكس؛ وكذا ذوات البيوتات الشريفة بأرباب الصنائع الدنيّة كالكنّاس والحجّام ونحوهما، لأنّ المسلم كفو المسلم، والمؤمن كفو المؤمنة، والمؤمنون بعضهم أكفاء بعض كما في الخبر. نعم، يكره التزويج بالفاسق، خصوصا شارب الخمر والزاني كما مرّ.
        مسألة 12 - ممّا يوجب الحرمة الأبديّة التزويج حال الإحرام دواما أو انقطاعا، سواء كانت المرأة محرمةً أو محلّةً، وسواء كان إيقاع التزويج له بالمباشرة أو بالتوكيل، محرما كان الوكيل أو محلّاً، كان التوكيل قبل الإحرام أو حاله. هذا مع العلم بالحرمة. وأمّا مع جهله بها وإن بطل النكاح في جميع الصور المذكورة لكن لا يوجب الحرمة الأبديّة.
        مسألة 13 - لافرق في ما ذكر - من التحريم مع العلم والبطلان مع الجهل - بين أن يكون الإحرام لحجّ واجب أو مندوب، أو لعمرة واجبة أو مندوبة، ولابين أن يكون حجّه وعمرته لنفسه أو نيابة عن غيره.
        مسألة 14 - لو كانت الزوجة محرمةً عالمةً بالحرمة وكان الزوج محلّاً فهل يوجب نكاحها الحرمة الأبديّة بينهما؟ قولان، أحوطهما ذلك، بل لا يخلو من قوّة.
        مسألة 15 - يجوز للمحرم الرجوع في الطلاق في العدّة الرجعيّة، من غير فرق بين المطلّقة تبرّعا أو المختلعة إذا رجعت في البذل؛ وكذا يجوز أن يوكّل محلّاً في أن يزوّج له بعد إحلاله، بل و كذا أن يوكّل محرما في أن يزوّج له بعد إحلالهما.
        مسألة 16 - ومن أسباب التحريم اللعان بشروطه المذكورة في بابه، بأن يرميها بالزنا ويدّعيَ المشاهدة بلا بيّنة، أو ينفيَ ولدها الجامع لشرائط الإلحاق به وتنكر ذلك، ورفعا أمرهما إلى الحاكم فيأمرهما بالملاعنة بالكيفيّة الخاصّة؛ فإذا تلاعنا سقط عنه حدّ القذف وعنها حدّ الزنا، وانتفى الولد عنه، وحرمت عليه مؤبّدا.
        مسألة 17 - نكاح الشغار باطل. وهو أن تتزوّج امرأتان برجلين على أن يكون مهر كلّ واحد منهما نكاح الاُخرى، ولا يكون بينهما مهر غير النكاحين، مثل أن يقول أحد الرجلين للآخر: «زوّجتك بنتي أو اُختي على أن تزوّجني بنتك أو اُختك» ويكون صداق كلّ منهما نكاح الاُخرى، ويقول الآخر: «قبلت وزوّجتك بنتي أو اُختي هكذا» وأمّا لو زوّج إحداهما الآخر بمهر معلوم وشرط عليه أن يزوّجه الاُخرى بمهر معلوم فيصحّ العقدان؛ وكذا لو شرط أن يزوّجه الاُخرى ولم يذكر المهر أصلاً، مثل أن يقول: «زوّجتك بنتي على أن تزوّجني بنتك»، فقال: «قبلت وزوّجتك بنتي»، فإنّه يصحّ العقدان ويستحقّ كلّ منهما مهر المثل.

    • القول في النكاح المنقطع

       

      القول في النكاح المنقطع

      ويقال له: المتعة والنكاح المؤجّل.
      مسألة 1 - النكاح المنقطع كالدائم في أنّه يحتاج إلى عقد مشتمل على إيجاب وقبول لفظيّين، وأنّه لا يكفي فيه مجرّد الرضا القلبيّ من الطرفين، ولا المعاطاة ولاالكتابة ولا الإشارة، وفي غير ذلك كما فصّل ذلك كلّه.
      مسألة 2 - ألفاظ الإيجاب في هذا العقد: «متّعت» و«زوّجت» و«أنكحت»، أيّها حصلت وقع الإيجاب به. ولا ينعقد بمثل التمليك والهبة والإجارة. والقبول كلّ لفظ دالّ على إنشاءالرضا بذلك،كقوله:«قبلت المتعة»أو«...التزويج».وكفى«قبلت» و«رضيت». ولو بدأ بالقبول فقال: «تزوّجتك» فقالت: «زوّجتك نفسي» صحّ.
      مسألة 3 - لا يجوز تمتّع المسلمة بالكافر بجميع أصنافه. وكذا لا يجوز تمتّع المسلم بغير الكتابيّة من أصناف الكفّار، ولا بالمرتدّة، ولا بالناصبة المعلنة بالعداوة كالخارجيّة.
      مسألة 4 - لا يتمتّع على العمّة ببنت أخيها، ولا على الخالة ببنت اُختها إلّا بإذنهما أو إجازتهما؛ وكذا لا يجمع بين الاُختين.
      مسألة 5 - يشترط في النكاح المنقطع ذكر المهر؛ فلو أخلّ به بطل. ويعتبر فيه أن يكون ممّا يتموّل، سواء كان عينا خارجيّا أو كلّيّا في الذمّة أو منفعةً أو عملاً صالحاً للعوضيّة أو حقّا من الحقوق الماليّة، كحقّ التحجير ونحوه؛ وأن يكون معلوما بالكيل أو الوزن في المكيل والموزون، والعدّ في المعدود، أو المشاهدة أو الوصف الرافعين للجهالة؛ ويتقدّر بالمراضاة قلّ أو كثر.
      مسألة 6 - تملك المتمتّعة المهر بالعقد؛ فيلزم على الزوج دفعه إليها بعده لو طالبته وإن كان استقراره بالتمام مراعىً بالدخول ووفائها بالتمكين في تمام المدّة؛ فلو وهبها المدّة: فإن كان قبل الدخول لزمه نصف المهر، وإن كان بعده لزمه الجميع. وإن مضت من المدّة ساعة وبقيت منها شهور أو أعوام فلا يقسّط المهر على ما مضى منها وما بقي. نعم، لو لم يهب المدّة ولكنّها لم تف بها ولم تمكّنه من نفسها في تمامها كان له أن يضع من المهر بنسبتها، إن نصفا فنصف، وإن ثلثا فثلث وهكذا، ما عدا أيّام حيضها، فلا ينقص لها شي ء من المهر. وفي إلحاق سائر الأعذار - كالمرض المدنف ونحوه- بها أو عدمه وجهان، بل قولان، ولا يترك الاحتياط بالتصالح.
      مسألة 7 - لو وقع العقد ولم يدخل بها مع تمكينها حتّى انقضت المدّة استقرّ عليه تمام المهر.
      مسألة 8 - لو تبيّن فساد العقد - بأن ظهر لها زوج أو كانت اُخت زوجته أو اُمّها مثلا - ولم يدخل بها فلا مهر لها، ولو قبضته كان له استعادته، بل لو تلف كان عليها بدله. وكذا إن دخل بها وكانت عالمةً بالفساد. وأمّا إن كانت جاهلةً فلها مهر المثل؛ فإن كان ما أخذت أزيد منه استعاد الزائد، وإن كان أقلّ أكمله.
      مسألة 9 - يشترط في النكاح المنقطع ذكر الأجل؛ فلو لم يذكره متعمّدا أو نسيانا بطل متعةً وانعقد دائما. وتقدير الأجل إليهما طال أو قصر. ولابدّ أن يكون معيّنا بالزمان محروسا من الزيادة والنقصان. ولو قدّره بالمرّة أو المرّتين من دون أن يقدّره بزمان بطل متعةً وانعقد دائما على إشكال. والأحوط فيه إجراء الطلاق وتجديد النكاح لو أراد، وأحوط منه مع ذلك الصبر إلى انقضاء المدّة المقدّرة بالمرّة أو المرّتين أو هبتها.
      مسألة 10 - لو قالت: «زوّجتك نفسي إلى شهر أو شهرا» -مثلا- وأطلقت اقتضى الاتّصال بالعقد. وهل يجوز أن تُجعل المدّة منفصلةً عنه - بأن يعيّن المدّة شهرا مثلا ويُجعل مبدؤه بعد شهر من حين العقد - أم لا؟ قولان، أحوطهما الثاني.
      مسألة 11 - لا يصحّ تجديد العقد عليها دائما أو منقطعا قبل انقضاء الأجل أو بذل المدّة؛ فلو كانت المدّة شهرا وأراد الازدياد لابدّ أن يهبها ثمّ يعقد عليها.
      مسألة 12 - يجوز أن يشترط عليها وعليه الإتيان ليلا أو نهارا، وأن يشترط المرّة أو المرّات مع تعيين المدّة بالزمان.
      مسألة 13 - يجوز العزل من دون إذنها في المنقطع وإن قلنا بعدم جوازه في الدائم؛ ولكن يلحق به الولد لو حملت وإن عزل، لاحتمال سبق المنيّ من غير تنبّه منه. ولو نفاه عن نفسه انتفى ظاهرا، ولم يفتقر إلى اللعان إن لم يعلم أنّ نفيه كان عن إثم مع احتمال كون الولد منه. وعلى أيّ حال لا يجوز له النفي بينه وبين اللّه إلّا مع العلم بالانتفاء.
      مسألة 14 - لا يقع عليها طلاق. وإنّما تبين بانقضاء المدّة أو هبتها، ولا رجوع له بعد ذلك.
      مسألة 15 - لا يثبت بهذا العقد توارث بين الزوجين؛ فلو شرطا التوارث أو توريث أحدهما ففي التوريث إشكال؛ فلا يترك الاحتياط بترك هذا الشرط، ومعه لا يترك بالتصالح.
      مسألة 16 - لو انقضى أجلها أو وهب مدّتها قبل الدخول فلا عدّة عليها. وإن كان بعده ولم تكن غير بالغة ولا يائسة فعليها العدّة. وهي على الأشهر الأظهر حيضتان. وإن كانت في سنّ من تحيض ولا تحيض فعدّتها خمسة وأربعون يوما. والظاهر اعتبار حيضتين تامّتين؛ فلو انقضى الأجل أو وهب المدّة في أثناء الحيض لم يحسب تلك الحيضة منها، بل لابدّ من حيضتين تامّتين بعد ذلك. هذا في ما اذا كانت حائلا. ولو كانت حاملا فعدّتها إلى أن تضع حملها كالمطلّقة على إشكال، فالأحوط مراعاة أبعد الأجلين من وضع الحمل ومن انقضاء خمسة وأربعين يوما أو حيضتين. وأمّا عدّتها من الوفاة فأربعة أشهر وعشرة أيّام إن كانت حائلا، وأبعد الأجلين منها ومن وضع حملها إن كانت حاملا كالدائمة.
      مسألة 17 - يستحبّ أن تكون المتمتّع بها مؤمنةً عفيفةً، والسؤال عن حالها قبل التزويج وأنّها ذات بعل أو ذات عدّة أم لا، وأمّا بعده فمكروه. وليس السؤال والفحص عن حالها شرطا في الصحّة.
      مسألة 18 - يجوز التمتّع بالزانية على كراهيّة، خصوصا لو كانت من العواهر والمشهورات بالزنا، وإن فعل فليمنعها من الفجور.

    • القول في العيوب الموجبة لخيار الفسخ والتدليس

       

      القول في العيوب الموجبة لخيار الفسخ والتدليس

      وهي قسمان: مشترك ومختصّ.
      أمّا المشترك فهو الجنون. وهو اختلال العقل. وليس منه الإغماء، ومرض الصرع الموجب لعروض الحالة المعهودة في بعض الأوقات. ولكلّ من الزوجين فسخ النكاح بجنون صاحبه في الرجل مطلقا، سواء كان جنونه قبل العقد مع جهل المرأة به أو حدث بعده قبل الوطء أو بعده. نعم، في الحادث بعد العقد إذا لم يبلغ حدّا لا يعرف أوقات الصلاة تأمّلٌ وإشكال، فلا يترك الاحتياط. وأمّا في المرأة ففي ما إذا كان قبل العقد ولم يعلم الرجل، دون ما إذا طرأ بعده. ولا فرق في الجنون الموجب للخيار بين المطبق والأدوار وإن وقع العقد حال إفاقته؛ كما أنّ الظاهر عدم الفرق في الحكم بين النكاح الدائم والمنقطع.
      وأمّا المختصّ فالمختصّ بالرجل ثلاثة:
      الخصاء. وهو سلّ الخصيتين أو رضّهما. وتفسخ به المرأة مع سبقه على العقد وعدم علمها به.
      والجبّ. وهو قطع الذكر، بشرط أن لا يبقى منه ما يمكن معه الوطء ولو قدر الحشفة. وتفسخ المرأة في ما إذا كان ذلك سابقا على العقد. وأمّا اللاحق به ففيه تأمّل، بل لا يبعد عدم الخيار في اللاحق مطلقا، سواء كان قبل الوطء أو بعده.
      والعنن. وهو مرض تضعف معه الآلة عن الانتشار بحيث يعجز عن الإيلاج، فتفسخ المرأة بشرط عجزه عن الوطء مطلقا؛ فلو لم يقدر على وطئها وقدر على وطء غيرها لا خيار لها. ويثبت به الخيار سواء سبق العقد أو تجدّد بعده، لكن بشرط أن لم يقع منه وطؤها ولو مرّة حتّى دبرا؛ فلو وطأها ثمّ حدثت به العنّة بحيث لم يقدر على الوطء بالمرّة فلا خيار لها.
      والمختصّ بالمرأة ستّة:
      البرص والجذام والإفضاء. وقد مرّ تفسيره في ما سبق.
      والقرن، ويقال له العفل. وهو لحم أو غدّة أو عظم ينبت في فم الرحم يمنع عن الوطء، بل ولو لم يمنع إذا كان موجبا للتنفّر والانقباض على الأظهر.
      والعرج البيّن وإن لم يبلغ حدّ الإقعاد والزمانة على الأظهر.
      والعمى. وهو ذهاب البصر عن العينين وإن كانتا مفتوحتين.
      ولا اعتبار بالعور؛ ولابالعَشا، وهي علّة في العين لايبصر في الليل ويبصر بالنهار؛ ولا بالعمش، وهو ضعف الرؤية مع سيلان الدمع في غالب الأوقات.
      مسألة 1 - إنّما يفسخ العقد بعيوب المرأة إذا تبيّن وجودها قبل العقد؛ وأمّا ما يتجدّد بعده فلا اعتبار به، سواء كان قبل الوطء أو بعده.
      مسألة 2 - ليس العقم من العيوب الموجبة للخيار، لا من طرف الرجل، ولا من طرف المرأة.
      مسألة 3 - ليس الجذام والبرص من عيوب الرجل الموجبة لخيار المرأة على الأقوى.
      مسألة 4 - خيار الفسخ في كلّ من الرجل والمرأة على الفور؛ فلو علم كلّ منهما بالعيب فلم يبادر بالفسخ لزم العقد. نعم، الظاهر أنّ الجهل بالخيار بل والفوريّة عذر؛ فلا يسقط مع الجهل بأحدهما لو لم يبادر.
      مسألة 5 - إذا اختلفا في العيب فالقول قول منكره مع اليمين إن لم تكن لمدّعيه بيّنة. ويثبت بها العيب حتّى العنن على الأقوى؛ كما أنّه يثبت كلّ عيب بإقرار صاحبه أو البيّنة على إقراره؛ وكذا يثبت باليمين المردودة على المدّعي. ولو نكل المنكر عن اليمين ولم يردّها ردّها الحاكم على المدّعي، فإن حلف يثبت به. وتثبت العيوب الباطنة للنساء بشهادة أربع نسوة عادلات كما في نظائرها.
      مسألة 6 - لو ثبت عنن الرجل: فإن صبرت فلا كلام، وإن لم تصبر ورفعت أمرها إلى حاكم الشرع لاستخلاص نفسها منه أجّلها سنةً كاملةً من حين المرافعة، فإن واقعها أو واقع غيرها في أثناء هذه المدّة فلا خيار لها، وإلّا كان لها الفسخ فورا عرفيّا؛ فإن لم تبادر به: فإن كان بسبب جهلها بالخيار أو فوريّته لم يضرّ كما مرّ، وإلّا سقط خيارها؛ وكذا إن رضيت أن تقيم معه ثمّ طلبت الفسخ بعد ذلك، فإنّه ليس لها ذلك.
      مسألة 7 - الفسخ بالعيب ليس بطلاق، سواء وقع من الزوج أو الزوجة؛ فليس له أحكامه إلّا تنصيف المهر في الفسخ بالعنن كما يأتي. ولا يعتبر فيه شروطه؛ فلايحسب من الثلاثة المحرّمة المحتاجة إلى المحلّل. ولا يعتبر فيه الخلوّ من الحيض والنفاس ولا حضور العدلين.
      مسألة 8 - يجوز للرجل الفسخ بعيب المرأة من دون إذن الحاكم، وكذا المرأة بعيب الرجل. نعم، مع ثبوت العنن يفتقر إلى الحاكم، لكن من جهة ضرب الأجل -حيث إنّه من وظائفه- لا من جهة نفوذ فسخها؛ فبعد ما ضرب الأجل لها كان لها التفرّد بالفسخ عند انقضائه وتعذّر الوطء في المدّة من دون مراجعته.
      مسألة 9 - لو فسخ الرجل بأحد عيوب المرأة: فإن كان قبل الدخول فلا مهر لها، وإن كان بعده استقرّ عليه المهر المسمّى. وكذا الحال في ما إذا فسخت المرأة بعيب الرجل؛ فتستحقّ تمام المهر إن كان بعده، وإن كان قبله لم تستحقّ شيئا إلّا في العنن، فإنّها تستحقّ عليه نصف المهر المسمّى.
      مسألة 10 - لو دلّست المرأة نفسها على الرجل في أحد عيوبها الموجبة للخيار وتبيّن له بعد الدخول: فإن اختار البقاء فعليه تمام المهر، وإن اختار الفسخ لم تستحقّ المهر، وإن دفعه إليها استعاده. وإن كان المدلّس غير الزوجة فالمهر المسمّى وإن استقرّ على الزوج بالدخول واستحقّت عليه الزوجة، إلّا أنّه بعد ما دفعه إليها يرجع به إلى المدلّس ويأخذه منه.
      مسألة 11 - يتحقّق التدليس بتوصيف المرأة بالصحّة عند الزوج للتزويج بحيث صار ذلك سببا لغروره وانخداعه؛ فلا يتحقّق بالإخبار لا للتزويج أو لغير الزوج. والظاهر تحقّقه أيضا بالسكوت عن العيب مع العلم به وخفائه عن الزوج واعتقاده بالعدم.
      مسألة 12 - من يكون تدليسه موجبا للرجوع عليه بالمهر هو الّذي يسند إليه التزويج: من وليّها الشرعيّ أو العرفيّ، كأبيها وجدّها واُمّها وأخيها الكبير وعمّها وخالها ممّن لا تصدر إلّا عن رأيهم ويتصدّون تزويجها ويرجع إليهم فيه في العرف والعادة. ومثلهم على الظاهر بعض الأجانب ممّن له شدّة علاقة وارتباط بها بحيث لا تصدر إلّا عن رأيه، ويكون هو المرجع في اُمورها المهمّة ويركن إليه في ما يتعلّق بها؛ بل لا يبعد أن يلحق بمن ذكر من يراود عند الطرفين ويعالج في إيجاد وسائل الائتلاف في البين.
      مسألة 13 - كما يتحقّق التدليس في العيوب الموجبة للخيار كالجنون والعمى وغيرهما كذلك يتحقّق في مطلق النقص - كالعور ونحوه - بإخفائه. وكذا في صفات الكمال كالشرف والحسب والنسب والجمال والبكارة وغيرها بتوصيفها بها مع فقدانها. ولا أثر للأوّل - أي التدليس في العيوب الموجبة للخيار - إلّا رجوع الزوج على المدلّس بالمهر كما مرّ، وأمّا الخيار فإنّما هو بسبب نفس وجود العيب. وأمّا الثاني - وهو التدليس في سائر أنواع النقص وفي صفة الكمال - فهو موجب للخيار إذا كان عدم النقص أو وجود صفة الكمال مذكورين في العقد بنحو الاشتراط. ويلحق به توصيفها به في العقد وإن لم يكن بعبارة الاشتراط، كما إذا قال: «زوّجتك هذه الباكرة أو غير الثيّبة»، بل الظاهر أنّه إذا وصفها بصفة الكمال أو عدم النقص قبل العقد عند الخطبة والمقاولة ثمّ أوقعه مبنيّا على ما ذكر كان بمنزلة الاشتراط، فيوجب الخيار. وإذا تبيّن ذلك بعد العقد والدخول واختار الفسخ ودفع المهر رجع به على المدلّس.
      مسألة 14 - ليس من التدليس الموجب للخيار سكوت الزوجة أو وليّها عن النقص مع وجوده واعتقاد الزوج عدمه في غير العيوب الموجبة للخيار؛ وأولى بذلك سكوتهما عن فقد صفة الكمال مع اعتقاد الزوج وجودها.
      مسألة 15 - لو تزوّج امرأةً على أنّها بكر - بأحد الوجوه الثلاثة المتقدّمة- فوجدها ثيّبا لم يكن له الفسخ، إلّا إذا ثبت بالإقرار أو البيّنة سبق ذلك على العقد، فكان له الفسخ. نعم، لو تزوّجها باعتقاد البكارة ولم يكن اشتراط ولا توصيف وإخبار وبناء على ثبوتها فبان خلافها ليس له الفسخ وإن ثبت زوالها قبل العقد.
      مسألة 16 - لو فسخ في الفرض المتقدّم حيث كان له الفسخ: فإن كان قبل الدخول فلا مهر، وإن كان بعده استقرّ المهر ورجع به على المدلّس. وإن كانت هي المدلّس لم تستحقّ شيئا. وإن لم يكن تدليس استقرّ عليه المهر ولا رجوع له على أحد. وإذا اختار البقاء أو لم يكن له الفسخ - كما في صورة اعتقاد البكارة من دون اشتراط وتوصيف وبناء - كان له أن ينقص من مهرها شيئا. وهو نسبة التفاوت بين مهر مثلها بكرا وثيّبا؛ فإذا كان المهر المسمّى مائة وكان مهر مثلها بكرا ثمانين وثيّبا ستّين ينقص من المائة ربعها. والأحوط في صورة العلم بتجدّد زوالها أو احتماله التصالح وإن كان التنقيص بما ذكر لا يخلو من وجه.

    • فصل في المهر

       

      فصل في المهر

      ويقال له: الصداق.
      مسألة 1 - كلّ ما يملكه المسلم يصحّ جعله مهرا، عينا كان أو دينا أو منفعةً لعين مملوكة: من دار أو عقار أو حيوان. ويصحّ جعله من منفعة الحرّ كتعليم صنعة ونحوه من كلّ عمل محلّل، بل الظاهر صحّة جعله حقّا ماليّا قابلا للنقل والانتقال كحقّ التحجير ونحوه. ولا يتقدّر بقدر، بل ما تراضى عليه الزوجان كثيرا كان أو قليلا ما لم يخرج بسبب القلّة عن الماليّة. نعم، يستحبّ في جانب الكثرة أن لا يزيد على مهر السنّة، وهو خمسمائة درهم.
      مسألة 2 - لو جعل المهر ما لا يملكه المسلم - كالخمر والخنزير - صحّ العقد وبطل المهر؛ فلم تملك شيئا بالعقد، وإنّما تستحقّ مهر المثل بالدخول. نعم، في ماإذا كان الزوج غير مسلم تفصيل.
      مسألة 3 - لابدّ من تعيين المهر بما يخرج عن الإبهام؛ فلو أمهرها أحد هذين أو خياطة أحد الثوبين - مثلا - بطل المهر دون العقد، وكان لها مع الدخول مهر المثل. نعم، لا يعتبر فيه التعيين الّذي يعتبر في البيع ونحوه من المعاوضات؛ فيكفي مشاهدةالحاضر وإن جهل كيله أو وزنه أو عدّه أو ذرعه، كصبرة من الطعام، وقطعةٍ من الذهب، وطاقةٍ مشاهدة من الثوب، وصبرةٍ حاضرة من الجوز، وأمثال ذلك.
      مسألة 4 - ذكر المهر ليس شرطا في صحّةالعقدالدائم؛ فلوعقد عليهاولم يذكر لها مهرا أصلا صحّ العقد، بل لو صرّح بعدم المهر صحّ، ويقال لذلك - أي لإيقاع العقد بلامهر-: تفويض البضع، وللمرأة الّتي لم يذكر في عقدها مهر: مفوّضة البضع.
      مسألة 5 - لو وقع العقد بلا مهر لم تستحقّ المرأة قبل الدخول شيئا إلّا إذا طلّقها، فتستحقّ عليه أن يعطيها شيئا بحسب حاله - من الغنى والفقر واليسار والإعسار- من دينار أو درهم أو ثوب أو دابّة أو غيرها، ويقال لذلك الشي ء: المتعة. ولو انفسخ العقد قبل الدخول بأمر غير الطلاق لم تستحقّ شيئا. وكذا لو مات أحدهما قبله. وأمّا لو دخل بها استحقّت عليه بسببه مهر أمثالها.
      مسألة 6 - الأحوط في مهر المثل هنا التصالح في ما زاد عن مهر السنّة، وفي غير المورد ممّا نحكم بمهر المثل ملاحظة حال المرأة وصفاتها: من السنّ والبكارة والنجابة والعفّة والعقل والأدب والشرف والجمال والكمال وأضدادها، بل يلاحظ كلّ ما له دخل في العرف والعادة في ارتفاع المهر ونقصانه، فتلاحظ أقاربها وعشيرتها وبلدها وغير ذلك أيضا.
      مسألة 7 - لو أمهر ما لا يملكه أحد كالحرّ أو ما لايملكه المسلم كالخمر والخنزير صحّ العقد وبطل المهر واستحقّت عليه مهر المثل بالدخول. وكذلك الحال في ما إذا جعل المهر شيئا باعتقاد كونه خلّاً فبان خمرا، أو جعل مال الغير باعتقاد كونه ماله فبان خلافه.
      مسألة 8 - لو شرّك أباها في المهر - بأن سمّى لها مهرا ولأبيها شيئا معيّنا - يعيّن ما سمّى لها مهرا لها، وسقط ما سمّى لأبيها، فلا يستحقّ الأب شيئا.
      مسألة 9 - ما تعارف في بعض البلاد من أنّه يأخذ بعض أقارب البنت كأبيها واُمّها من الزوج شيئا - وهو المسمّى في لسان بعض ب' «شيربها»، وفي لسان بعض آخر بشى ء آخر - ليس بعنوان المهر وجزء منه، بل هو شي ء يؤخذ زائدا على المهر. وحكمه أنّه إن كان إعطاؤه وأخذه بعنوان الجعالة لعمل مباح فلا إشكال في جوازه وحلّيّته، بل وفي استحقاق العامل له وعدم سلطنة الزوج على استرجاعه بعد إعطائه. وإن لم يكن بعنوان الجعالة: فإن كان إعطاء الزوج للقريب بطيب نفس منه (وإن كان لأجل جلب خاطره وتحبيبه وإرضائه، حيث إنّ رضاه في نفسه مقصود، أو من جهة أنّ رضا البنت منوط برضاه، فبملاحظة هذه الجهات يطيب خاطر الزوج ببذل المال) فالظاهر جواز أخذه، لكن يجوز للزوج استرجاعه مادام موجودا؛ وأمّا مع عدم الرضا من الزوج وإنّما أعطاه من جهة استخلاص البنت حيث إنّ القريب مانع عن تمشية الأمر مع رضاها بالتزويج بما بذل لها من المهر فيحرم أخذه وأكله، ويجوز للزوج الرجوع فيه وإن كان تالفا.
      مسألة 10 - لو وقع العقد بلا مهر جاز أن يتراضيا بعده على شي ء، سواء كان بقدر مهر المثل أو أقلّ منه أو أكثر، ويتعيّن ذلك مهرا وكان كالمذكور في العقد.
      مسألة 11 - يجوز أن يجعل المهر كلّه حالّاً - أي بلا أجل - ومؤجّلا وأن يجعل بعضه حالّاً وبعضه مؤجّلا. وللزوجة مطالبة الحالّ في كل حال بشرط مقدرةالزوج واليسار؛ بل لها أن تمتنع من التمكين وتسليم نفسها حتّى تقبض مهرها الحالّ، سواء كان الزوج موسرا أو معسرا. نعم، ليس لها الامتناع في ما لو كان كلّه أو بعضه مؤجّلا وقد أخذت بعضه الحالّ.
      مسألة 12 - يجوز أن يذكر المهر في العقد في الجملة ويفوّض تقديره وتعيينه إلى أحد الزوجين، بأن تقول الزوجة مثلا: «زوّجتك على ما تحكم - أو أحكم - من المهر» فقال: «قبلت»، فإن كان الحاكم الزوج جاز أن يحكم بما شاء ولم يتقدّر في الكثرة والقلّة مادام متموّلا، وإن كان الزوجة كان لها الحكم في طرف القلّة بما شاءت مادام متموّلا، وأمّا في طرف الكثرة فلا يمضي حكمها في مازاد على مهر السنّة وهو خمسمائة درهم.
      مسألة 13 - لو طلّق قبل الدخول سقط نصف المهر المسمّى وبقي نصفه؛ فإن كان دينا عليه ولم يكن قد دفعه برئت ذمّته من النصف، وإن كان عينا صارت مشتركةً بينه وبينها، ولو كان دفعه إليها استعاد نصفه إن كان باقيا، وإن كان تالفا استعاد نصف مثله إن كان مثليّا، ونصف قيمته إن كان قيميّا. وفي حكم التلف نقله إلى الغير بناقل لازم. ومع النقل الجائز فالأحوط الرجوع ودفع نصف العين إن طالبها الزوج.
      مسألة 14 - لومات أحد الزوجين قبل الدخول فالأقوى تنصيف المهركالطلاق، خصوصا في موت المرأة. والأحوط الأولى التصالح، خصوصا في موت الرجل.
      مسألة 15 - تملك المرأة الصداق بنفس العقد، وتستقرّ ملكيّة تمامه بالدخول؛ فإن طلّقها قبله عاد إليه النصف وبقي لها النصف؛ فلها التصرّف فيه بعد العقد بأنواعه. وبعد ما طلّقها قبل الدخول كان له نصف ما وقع عليه العقد، ولا يستحقّ من النماء السابق المنفصل شيئا.
      مسألة 16 - لو أبرأته من الصداق الّذي كان عليه ثمّ طلّقها قبل الدخول رجع بنصفه عليها. وكذا لو كان الصداق عينا فوهبته إيّاها رجع بنصف مثلها إليها أو قيمة نصفها.
      مسألة 17 - الدخول الّذي يستقرّ به تمام المهر هو مطلق الوطء ولو دبرا. وإذا اختلف الزوجان بعد ما طلّقها فادّعت وقوع المواقعة وأنكرها فالقول قوله بيمينه، وله أن يدفع اليمين عن نفسه بإقامه البيّنة على العدم إن أمكن، كما إذا ادّعت المواقعة قبلا وكانت بكرا وعنده بيّنة على بقاء بكارتها.
      مسألة 18 - لو اختلفا في أصل المهر فادّعت الزوجة وأنكر الزوج: فإن كان قبل الدخول فالقول قوله بيمينه، وإن كان بعده كلّفت بالتعيين؛ بل لا يبعد عدم سماع الدعوى منها ما لم تفسّر، ولا يسمع منها مجرّد قولها: «لي عليه المهر» ما لم تبيّن المقدار؛ فإن فسّرت وعيّنت بما لا يزيد على مهر المثل حكم لها عليه بما تدّعيه، ولا يسمع منه إنكار أصل المهر. نعم، لو ادّعى سقوطه إمّا بالأداء أو الإبراء يسمع منه؛ فإن أقام البيّنة عليه ثبت مدّعاه، وإلّا فله عليها اليمين، فإن حلفت على نفي الأداء أو الإبراء ثبتت دعواها، وإن ردّته على الزوج فحلف سقط دعواها، وإن نكل تثبت. وإن نكلت ردّه الحاكم على الزوج، فإن حلف تسقط دعواها، وإن نكل تثبت. هذا إذا كان ما تدّعيه بمقدار مهر المثل أو أقلّ، وإن كان أكثر كان عليها الإثبات، وإلّا فلها على الزوج اليمين.
      مسألة 19 - لو توافقا على أصل المهر واختلفا في مقداره كان القول قول الزوج بيمينه، إلّا إذا أثبتت الزوجة بالموازين الشرعيّة. وكذا إذا ادّعت كون عين من الأعيان - كدار أو بستان - مهرا لها وأنكر الزوج، فإنّ القول قوله بيمينه، وعليها البيّنة.
      مسألة 20 - لو اختلفا في التعجيل والتأجيل فقالت: إنّه معجّل، وقال: بل مؤجّل ولم يكن بيّنة كان القول قولها بيمينها. وكذا لو اختلفا في زيادة الأجل، كما إذا ادّعت أنّه سنة، وقال: إنّه سنتان.
      مسألة 21 - لو توافقا على المهر وادّعى تسليمه ولا بيّنة فالقول قولها بيمينها.
      مسألة 22 - لو دفع إليها قدر مهرها ثمّ اختلفا بعد ذلك فقالت: دفعته هبةً وقال: بل دفعته صداقا فلا يبعد التداعي، وتحتاج المسألة إلى زيادة تأمّل.
      مسألة 23 - لو زوّج ولده الصغير: فإن كان للولد مال فالمهر على الولد، وإن لم يكن له مال فالمهر على عهدة الوالد؛ فلو مات الوالد اُخرج المهر من أصل تركته، سواء بلغ الولد وأيسر أم لا. نعم، لو تبرّأ من ضمان العهدة في ضمن العقد برئ منه.
      مسألة 24 - لو دفع الوالد المهر الّذي كان عليه من جهة إعسار الولد ثمّ بلغ الصبيّ فطلّق قبل الدخول استعاد الولد نصف المهر وكان له دون الوالد.

    • خاتمة: في الشروط المذكورة في عقد النكاح

       

      خاتمة
      في الشروط المذكورة في عقد النكاح

      مسألة 1 - يجوز أن يشترط في ضمن عقد النكاح كلّ شرط سائغ؛ ويجب على المشروط عليه الوفاء به كما في سائر العقود، لكن تخلّفه أو تعذّره لا يوجب الخيار في عقد النكاح، بخلاف سائر العقود. نعم، لو كان الشرط الالتزام بوجود صفة في أحد الزوجين - مثل كون الزوجة باكرةً أو كون الزوج مؤمنا غير مخالف- فتبيّن خلافه أوجب الخيار كما مرّت الإشارة إليه.
      مسألة 2 - إذا شرط في عقد النكاح ما يخالف المشروع (مثل أن لا يمنعها من الخروج من المنزل متى شاءت وإلى أين شاءت، أولا يعطي حقّ ضرّتها من المضاجعة ونحوها، وكذا لو شرط أن لا يتزوّج عليها، أولا يتسرّى) بطل الشرط وصحّ العقد والمهر وإن قلنا بأنّ الشرط الفاسد يفسد العقد.
      مسألة 3 - لو شرط أن لا يفتضّها لزم الشرط. ولو أذنت بعد ذلك جاز، من غير فرق بين النكاح الدائم والمنقطع.
      مسألة 4 - لو شرط أن لا يخرجها من بلدها أو أن يسكنها في بلد معلوم أو منزل مخصوص يلزم الشرط.

    • فصل في القسم والنشوز والشقاق
      • القول في القسم

         

        فصل في القسم

        لكلّ واحد من الزوجين حقّ على صاحبه يجب عليه القيام به وإن كان حقّ الزوج أعظم. ومن حقّه عليها أن تطيعه ولا تعصيه ولا تخرج من بيتها إلّا باذنه ولو إلى أهلها حتّى لعيادة والدها أو في عزائه؛ بل ورد: أن ليس لها أمر مع زوجها في صدقة ولا هبة ولا نذر في مالها إلّا بإذنه، إلّا في حجّ أو زكاة أو برّ والديها أو صلة قرابتها. وتفصيل ذلك كلّه موكول إلى محلّه. وأمّا حقّها عليه فهو أن يشبعها، ويكسوها، وأن يغفر لها إذا جهلت، ولا يقبّح لها وجها، كما ورد في الأخبار. والتفصيل موكول إلى محلّه.
        مسألة 1 - من كانت له زوجة واحدة ليس لها عليه حقّ المبيت عندها والمضاجعة معها في كلّ ليلة، بل ولا في كلّ أربع ليالٍ ليلة على الأقوى، بل القدر اللازم أن لايهجرها ولا يذرها كالمعلّقة، لا هي ذات بعل ولا مطلّقة. نعم، لها عليه حقّ المواقعة في كلّ أربعة أشهر مرّة كما مرّ. وإن كانت عنده أكثر من واحدة: فإن بات عند إحداهنّ يجب عليه أن يبيت عند غيرها أيضاً؛ فإن كنّ أربع وبات عند(1) إحداهنّ طاف على غيرها لكلّ منهنّ ليلة، ولا يفضّل بعضهنّ على بعض، وإن لم تكن أربع يجوز له تفضيل بعضهنّ، فإن تك عنده مرأتان يجوز له أن يأتي إحداهما ثلاث ليال والاُخرى ليلة، وإن تك ثلاث فله أن يأتي إحداهنّ ليلتين والليلتان الاُخريان للاُخريين. والمشهور أنّه إذا كانت عنده زوجة واحدة كانت لها في كلّ أربع ليالٍ ليلة وله ثلاث ليال. وإن كانت عنده زوجات متعدّدة يجب عليه القسم بينهنّ في كلّ أربع ليالٍ؛ فإن كانت عنده أربع كانت لكلّ منهنّ ليلة، فإذا تمّ الدور يجب عليه الابتداء بإحداهنّ وإتمام الدور وهكذا، فليس له ليلة، بل جميع لياليه لزوجاته؛ وإن كانت له زوجتان فلهما ليلتان في كلّ أربع وليلتان له؛ وإن كانت ثلاث فلهنّ ثلاث والفاضل له. والعمل به أحوط، خصوصا في أكثر من واحدة. والأقوى ما تقدّم، خصوصا في الواحدة.
        مسألة 2 - يختصّ وجوب المبيت والمضاجعة في ما قلنا به بالدائمة؛ فليس للمتمتّع بها هذا الحقّ، واحدةً كانت أو متعدّدةً.
        مسألة 3 - في كلّ ليلة كان للمرأة حقّ المبيت يجوز لها أن ترفع اليد عنه وتهبه للزوج ليصرف ليله في ما يشاء، وأن تهبه للضرّة فيصير الحقّ لها.
        مسألة 4 - تختصّ البكر أوّل عرسها بسبع ليال والثيّب بثلاث، يجوزتفضيلهما بذلك على غيرهما. ولا يجب عليه أن يقضي تلك الليالي لنسائه القديمة.
        مسألة 5 - لا قسمة للصغيرة، ولا للمجنونة المطبقة، ولا لذات الأدوار حين دور جنونها، ولا للناشزة. وتسقط القسمة وحقّ المضاجعة بالسفر، وليس عليه القضاء.
        مسألة 6 - لو شرع في القسمة بين نسائه كان له الابتداء بأيّ منهنّ، وبعد ذلك بأيّ من البقيّة وهكذا وإن كان الأحوط الأولى التعيين بالقرعة، سيّما ما عدا الاُولى.
        مسألة 7 - يستحبّ التسوية بين الزوجات في الإنفاق والالتفات وإطلاق الوجه والمواقعة، وأن يكون في صبيحة كلّ ليلة عند صاحبتها، وأن يأذن لها في حضور موت أبيها واُمّها وإن كان له منعها عنه وعن عيادتهما، فضلا عن عيادة غيرهما، وعن الخروج من منزله إلّا لحقّ واجب.


        1- هكذا في جميع الطبعات. والصحيح: «أربعاً».

      • القول في النشوز

         

        القول في النشوز

        وهو في الزوجة خروجها عن طاعة الزوج الواجبة عليها: من عدم تمكين نفسها، وعدم إزالة المنفّرات المضادّة للتمتّع والالتذاذ بها، بل وترك التنظيف والتزيين مع اقتضاء الزوج لها؛ وكذا خروجها من بيته من دون إذنه وغير ذلك. ولايتحقّق النشوز بترك طاعته في ما ليست بواجبة عليها؛ فلو امتنعت من خدمات البيت وحوائجه الّتي لا تتعلّق بالاستمتاع - من الكنس أو الخياطة أو الطبخ أو غير ذلك، حتّى سقي الماء وتمهيد الفراش - لم يتحقّق النشوز.
        مسألة 1 - لو ظهرت منها أمارات النشوز والطغيان بسبب تغيير عادتها معه في القول أو الفعل - بأن تجيبه بكلام خشن بعد ما كان بكلام ليّن، أو أن تظهر عبوسا وتقطّبا في وجهه وتثاقلا ودمدمةً بعد أن كانت على خلاف ذلك، وغيرذلك- يعظها؛ فإن لم تسمع يتحقّق النشوز بخروجها عن طاعته في ما يرجع إلى الاستمتاع؛ فحينئذٍ جاز له هجرها في المضجع، إمّا بأن يحوّل إليها ظهره في الفراش أو يعتزل عن فراشها؛ فإذا هجرها ولم ترجع وأصرّت عليه جاز له ضربها، ويقتصر على ما يؤمّل معه رجوعها، فلا يجوز الزيادة عليه مع حصول الغرض به، وإلّا تدرّج إلى الأقوى فالأقوى ما لم يكن مدميا ولا شديدا مؤثّرا في اسوداد بدنها أو احمراره. واللازم أن يكون ذلك بقصد الإصلاح لا التشفّي والانتقام. ولو حصل بالضرب جناية وجب الغرم.
        مسألة 2 - كما يكون النشوز من قبل الزوجة يكون من طرف الزوج أيضا بتعدّيه عليها، وعدم القيام بحقوقها الواجبة؛ فإذا ظهر منه النشوز بمنع حقوقها -من قسم ونفقة ونحوهما - فلها المطالبة بها ووعظها إيّاه؛ فإن لم يؤثّر رفعت أمرها إلى الحاكم فيلزمه بها. وليس لها هجره ولا ضربه. وإذا اطّلع الحاكم على نشوزه وتعدّيه نهاه عن فعل ما يحرم عليه وأمره بفعل ما يجب؛ فإن نفع وإلّا عزّره بما يراه، وله أيضا الإنفاق من ماله مع امتناعه من ذلك ولو ببيع عقاره إذا توقّف عليه.
        مسألة 3 - لو ترك الزوج بعض حقوقها الغير الواجبة أو همّ بطلاقها لكراهته لها لكبر سنّها أو غيره أو همّ بالتزويج عليها فبذلت له مالا أو بعض حقوقها الواجبة من قسم أو نفقة استمالةً له صحّ وحلّ له ذلك. وأمّا لو ترك بعض حقوقها الواجبة أو آذاها بالضرب أو الشتم وغير ذلك فبذلت مالا أو تركت بعض حقوقها ليقوم بما ترك من حقّها أو ليمسك عن أذيّتها أو ليخلعها فتخلص من يده حرم عليه ما بذلت وإن لم يكن من قصده إلجاؤها بالبذل على الأقوى.
        مسألة 4 - لو وقع النشوز من الزوجين بحيث خيف الشقاق والفراق بينهما وانجرّ أمرهما إلى الحاكم بعث حكمين - حكما من جانبه وحكماً من جانبها- للإصلاح ورفع الشقاق بما رأياه من الصلاح من الجمع أو الفراق. ويجب عليهمإ؛
        ظظ البحث والاجتهاد في حالهما وفي ما هوالسبب والعلّة لحصول ذلك بينهماثمّ يسعيان في أمرهما، فكلّما استقرّ عليه رأيهما وحكما به نفذ على الزوجين ويلزم عليهما الرضا به بشرط كونه سائغا، كما لو شرطا على الزوج أن يسكن الزوجة في البلد الفلانيّ، أو في مسكن مخصوص، أو عند أبويها، أو لا يسكن معها اُمّه أو اُخته ولو في بيت منفرد، أو لا يسكن معها ضرّتها في دار واحدة، ونحو ذلك، أو شرطا عليها أن تؤجّله بالمهر الحالّ إلى أجل، أو تردّ عليه ما قبضته قرضا ونحو ذلك، بخلاف ما إذا كان غير سائغ، كما إذا شرطا عليه ترك بعض حقوق الضرّة من قسم، أو نفقة، أو رخصة المرأة في خروجها عن بيته حيث شاءت وأين شاءت، ونحو ذلك.
        مسألة 5 - لو اجتمع الحكمان على التفريق ليس لهما ذلك، إلّا إذا شرطا عليهما حين بعثهما بأنّهما إن شاءا جمعا وإن شاءا فرّقا. وحيث إن التفريق لايكون إلّا بالطلاق فلابدّ من وقوعه عند اجتماع شرائطه.
        مسألة 6 - الأولى بل الأحوط أن يكون الحكمان من أهل الطرفين، بأن يكون حَكمٌ من أهله وحَكمٌ من أهلها؛ فإن لم يكن لهما أهل؛ أو لم يكن أهلهما أهلا لهذا الأمر تعيّن من غيرهم. ولا يعتبر أن يكون من جانب كلّ منهما حَكمٌ واحد، بل لو اقتضت المصلحة بعث أزيد تعيّن.
        مسألة 7 - ينبغي للحَكمين إخلاص النيّة وقصد الإصلاح؛ فمن حسنت نيّته في ما تحرّاه أصلح اللّه مسعاه، كما يرشد إلى ذلك قوله جلّ شأنه في هذا المقام: «إنْ يُرِيدَا إصْلاحا يُوَفّقِ اللّهُ بَيْنَهُمَا».

    • فصل في أحكام الأولاد والولادة
      • القول في أحكام الأولاد

         

        فصل في أحكام الأولاد

        مسألة 1 - إنّما يلحق ما ولدته المرأة بزوجها بشروط: الدخول مع الإنزال، أو الإنزال في الفرج وحواليه، أو دخول منيّه فيه بأيّ نحو كان، وفي الدخول بلا إنزال إشكال؛ ومضيّ ستّة أشهر أو أكثر من حين الوطء إلى زمن الولادة؛ وأن لاتتجاوز عن أقصى مدّة الحمل. وفي كونه تسعة أشهر إشكال، بل الأرجح بالنظر أن يكون الأقصى سنة. فلو لم يدخل بها أصلا ولم ينزل في فرجها أو حواليه بحيث يحتمل الجذب ولم يدخل المنيّ فيه بنحو من الأنحاء لم يلحق به قطعا، بل يجب نفيه عنه. وكذا لو دخل بها وأنزل وجاءت بولد حيّ كامل لأقلّ من ستّة أشهر من حين الدخول ونحوه، أو جاءت به وقد مضى من حين وطئه ونحوه أزيد من أقصى الحمل، كما إذا اعتزلها أو غاب عنها أزيد منه و ولدت بعده.
        مسألة 2 - إذا تحقّقت الشروط المتقدّمة لحق الولد به. ولا يجوز له نفيه وإن وطئها واطئ فجورا، فضلا عمّا لواتّهمها به. ولا ينتفي عنه لونفاه إن كان العقد دائما إلّا باللعان؛ بخلاف ما إذا كان العقد منقطعا وجاءت بولد أمكن إلحاقه به، فإنّه وإن لم يجز له نفيه لكن لو نفاه ينتفي منه ظاهرا من غير لعان، لكن عليه اليمين مع دعواها أو دعوى الولد النسب.
        مسألة 3 - لا يجوز نفي الولد لأجل العزل؛ فلو نفاه لم ينتف إلّا باللعان.
        مسألة 4 - الموطوءة بشبهة - كما إذا وطئ أجنبيّةً بظنّ أنّها زوجته - يلحق ولدها بالواطئ بشرط أن تكون ولادته لستّة أشهر من حين الوطء أو أكثر، وأن لايتجاوز عن أقصى الحمل، وبشرط أن لا تكون تحت زوج مع إمكان التولّد منه بشروطه.
        مسألة 5 - لو اختلفا في الدخول الموجب لإلحاق الولد وعدمه فادّعته المرأة ليلحق الولد به وأنكره أو اختلفا في ولادته فنفاها الزوج وادّعى أنّها أتت به من خارج فالقول قوله بيمينه. ولو اتّفقا في الدخول والولادة واختلفا في المدّة فادّعى ولادتها لدون ستّة أشهر أو لأزيد من أقصى الحمل وادّعت خلافه فالقول قولها بيمينها، ويلحق الولد به ولا ينتفي عنه إلّا باللعان.
        مسألة 6 - لو طلّق زوجته المدخول بها فاعتدّت وتزوّجت ثمّ أتت بولد: فإن لم يمكن لحوقه بالثاني وأمكن لحوقه بالأوّل - كما إذا ولدته لدون ستّة أشهر من وطء الثاني ولتمامها من غير تجاوز عن أقصى الحمل من وطء الأوّل - فهو للأوّل، وتبيّن بطلان نكاح الثاني، لتبيّن وقوعه في العدّة، وحرمت عليه مؤبّدا لوطئه إيّاها؛ وإن انعكس الأمر بأن أمكن لحوقه بالثاني دون الأوّل لحق بالثاني، بأن ولدته لأزيد من أكثر الحمل من وطء الأوّل ولأقلّ الحمل إلى الأقصى من وطء الثاني؛ وإن لم يمكن لحوقه بأحدهما - بأن ولدته لأزيد من أقصى الحمل من وطء الأوّل ولدون ستّة أشهر من وطء الثاني - انتفى منهما؛ وإن أمكن إلحاقه بهما فهو للثاني.
        مسألة 7 - لو طلّقها ثمّ بعد ذلك وطئت بشبهة ثمّ أتت بولد فهو كالتزويج بعد العدّة، فيجي ء فيه الصور الأربعة المتقدّمة حتّى الصورة الأخيرة، وهي ما إذا أمكن اللحوق بكلّ منهما، فإنّه يلحق بالأخير هنا أيضا.
        مسألة 8 - لو كانت تحت زوج فوطئها شخص آخر بشبهة فأتت بولد: فإن أمكن لحوقه بأحدهما دون الآخر يلحق به، وإن لم يمكن اللحوق بهما انتفى عنهما، وإن أمكن لحوقه بكلّ منهما اُقرع بينهما.

      • القول في أحكام الولادة وما يلحق بها

         

        القول في أحكام الولادة وما يلحق بها

        للولادة والمولود سنن وآداب، بعضها واجبة وبعضها مندوبة، نذكر مهمّاتها.
        مسألة 1 - يجب استقلال النساء في شؤون المرأة حين وضعها، دون الرجال إذا استلزم اطّلاعهم على ما يحرم عليهم، إلّا مع عدم النساء ومسّت الضرورة بذلك. نعم، لا بأس بالزوج وإن وجدت النساء.
        مسألة 2 - يستحبّ غسل المولود عند وضعه مع الأمن من الضرر، والأذان في اُذنه اليُمنى والإقامة في اليُسرى، وتحنيكه بماء الفرات وتربة سيّد الشهداء عليه السلام، وتسميته بالأسماء المستحسنة، فإنّ ذلك من حقّ الولد على الوالد، وأفضلها ما يتضمّن العبوديّة للّه جلّ شأنه، كعبداللّه وعبدالرحيم وعبدالرحمان ونحوها، ويليها أسماء الأنبياء والأئمّة:، وأفضلها محمّد، بل يكره ترك التسمية به إن ولد له أربعة أولاد. ويكره أن يكنّيه أبا القاسم إن كان اسمه محمّد. ويستحبّ أن يحلق رأس الولد يوم السابع، ويتصدّق بوزن شعره ذهبا أو فضّةً. ويكره أن يحلق من رأسه موضع ويترك موضع.
        مسألة 3 - تستحبّ الوليمة عند الولادة. وهي إحدى الخمس الّتي سنّ فيها الوليمة، كما أنّ إحداها عند الختان. ولا يعتبر إيقاع الاُولى يوم الولادة، فلا بأس بتأخيرها عنه بأيّام قلائل. والظاهر أنّه إن ختن في اليوم السابع أو قبله فأولم في يوم الختان بقصدهما تتأدّى السنّتان.
        مسألة 4 - يجب ختان الذكور. ويستحبّ إيقاعه في اليوم السابع، ويجوز التأخير عنه، وإن تأخّر إلى ما بعد البلوغ يجب عليه أن يختن نفسه، حتّى أنّ الكافر إذا أسلم غير مختون يجب عليه الختان وإن طعن في السنّ. ولا يجب على الوليّ أن يختن الصبيّ إلى زمان بلوغه؛ فمن بلغ بلا ختان يجب على نفسه وإن كان الأحوط أن يختنه.
        مسألة 5 - الختان واجب لنفسه، وشرط لصحّة طوافه في حجّ أو عمرة واجبين أو مندوبين. وليس شرطا في صحّة الصلاة على الأقوى، فضلا عن سائر العبادات.
        مسألة 6 - الأحوط في الختان قطع الغلاف بحيث يظهر تمام الحشفة كما هو المتعارف، بل لا يخلو من قوّة.
        مسألة 7 - لا بأس بكون الختّان كافرا حربيّا أو ذمّيّا، فلا يعتبر فيه الإسلام.
        مسألة 8 - لو ولد الصبيّ مختونا سقط الختان وإن استحبّ إمرار الموسى على المحلّ لإصابة السنّة.
        مسألة 9 - من المستحبّات الأكيدة: العقيقة للذكر والاُنثى. ويستحبّ أن يعقّ عن الذكر ذكرا وعن الاُنثى اُنثى، وأن تكون يوم السابع. وإن تأخّرت عنه لعذر أو لغير عذر لم تسقط، بل لو لم يعقّ عنه حتّى بلغ عقّ عن نفسه، بل لو لم يعقّ عن نفسه حال حياته يستحبّ أن يعقّ عنه بعد موته. ولابدّ أن تكون من أحد الأنعام الثلاثة: الغنم - ضأنا كان أو معزا - والبقر والإبل. ولا يجزي عنها التصدّق بثمنها. قيل: يستحبّ أن تجتمع فيها شروط الاُضحيّة: من كونها سليمةً من العيوب، لايكون سنّها أقلّ من خمس سنين كاملة في الإبل. وأقلّ من سنتين في البقر، وأقلّ من سنة كاملة في المعز، وأقلّ من سبعة شهور في الضأن. وهو لا يخلو من إشكال، كما أنّ تعيين السنين بما ذكر لا يخلو بعضها من إشكال، والأمر سهل. ويستحبّ أن تخصّ القابلة بالرجل والورك. والأفضل أن يخصّها بالربع. وإن جمع بين الربع والرجل والورك بأن أعطاها الربع الّذي هما فيه لا يبعد أن يكون عاملا بالاستحبابين. ولو لم تكن قابلة اُعطي الاُمّ تتصدّق به.
        مسألة 10 - يتخيّر في العقيقة بين أن يفرّقها لحما أو مطبوخا أو تُطبخ ويُدعى إليها جماعة من المؤمنين، ولا أقلّ من عشرة، وإن زاد فهو أفضل. ويأكلون منها ويدعون للولد. ولا بأس بطبخها على ماهو المتعارف؛ وقد يقال: الأفضل طبخها بماء وملح، وهو غير معلوم.
        مسألة 11 - لا يجب على الاُمّ إرضاع ولدها - لا مجّانا ولا بالاُجرة - مع عدم الانحصار بها، بل ومع الانحصار لو أمكن حفظ الولد بلبن ونحوه مع الأمن من الضرر عليه. كما أنّه لا يجب عليها إرضاعه مجّانا وإن انحصر بها، بل لها المطالبة باُجرة الإرضاع من مال الولد إن كان له مال، ومن أبيه إن لم يكن له مال وكان الأب موسرا. نعم، لولم يكن للولد مال ولم يكن الأب والجدّ وإن علا موسرين تعيّن على الاُمّ إرضاعه مجّانا، إمّا بنفسها أو باستيجار مرضعة اُخرى، أو بغيره من طرق الحفظ إن لم يكن مضرّا له، وتكون الاُجرة أو النفقة عليها.
        مسألة 12 - الاُمّ أحقّ بإرضاع ولدها من غيرها إذا كانت متبرّعةً أو تطلب ما تطلب غيرها أوأنقص. وأمّا لوطلبت زيادةً أواُجرةً ووُجدت متبرّعةٌفللأب تسليمه إلى غيرها. والأحوط عدم سقوط حق الحضانة الثابت للاُمّ أيضا، لعدم التنافي بين سقوط حقّ الإرضاع وثبوت حقّ الحضانة.
        مسألة 13 - لو ادّعى الأب وجود متبرّعة وأنكرت الاُمّ ولم تكن البيّنة على وجودها فالقول قولها بيمينها.
        مسألة 14 - يستحبّ أن يكون رضاع الصبيّ بلبن اُمّه، فإنّه أبرك من غيره، إلّا إذا اقتضت بعض الجهات أولويّة غيرها، من حيث شرافتها وطيب لبنها وخباثة الاُمّ.
        مسألة 15 - كمال الرضاع حولان كاملان أربع وعشرون شهرا. ويجوز أن ينقص عن ذلك إلى ثلاثة شهور، بأن يفطم على أحد وعشرين شهرا. ولا يجوز أن ينقص عن ذلك مع الإمكان ومن غير ضرورة.
        مسألة 16 - الاُمّ أحقّ بحضانة الولد وتربيته وما يتعلّق بها من مصلحة حفظه مدّة الرضاع - أي الحولين - إذا كانت حرّةً مسلمةً عاقلةً، ذكرا كان أو اُنثى، سواء أرضعته هي بنفسها أو بغيرها؛ فلا يجوز للأب أن يأخذه في هذه المدّة منها وإن فطمته على الأحوط؛ فإذا انقضت مدّة الرضاع فالأب أحقّ بالذكر والاُمّ بالاُنثى حتّى تبلغ سبع سنين من عمرها ثمّ يكون الأب أحقّ بها. وإن فارق الاُمّ بفسخ أو طلاق قبل أن تبلغ سبع سنين لم يسقط حقّها ما لم تتزوّج بالغير؛ فلو تزوّجت سقط حقّها عن الذكر والاُنثى وكانت الحضانة للأب. ولو فارقها الثاني لا يبعد عود حقّها. والأحوط التصالح والتسالم.
        مسألة 17 - لو مات الأب بعد انتقال الحضانة إليه أو قبله كانت الاُمّ أحقّ بحضانة الولد - وإن كانت مزوّجةً، ذكرا كان أو اُنثى - من وصيّ أبيه، وكذا من باقي أقاربه حتّى أبي أبيه واُمّه، فضلا عن غيرهما. كما أنّه لو ماتت الاُمّ في زمن حضانتها فالأب أحقّ بها من غيره. وإن فقد الأبوان فهي لأب الأب. وإذا عُدم ولم يكن وصيّ له ولا للأب فلأقارب الولد على ترتيب مراتب الإرث، الأقرب منهم يمنع الأبعد. ومع التعدّد والتساوي في المرتبة والتشاحّ اُقرع بينهم. وإذا وجد وصيّ لأحدهما ففي كون الأمر كذلك أو كونها للوصيّ ثمّ إلى الأقارب وجهان، لايترك الاحتياط بالتصالح والتسالم.
        مسألة 18 - تنتهي الحضانة ببلوغ الولد رشيدا؛ فإذا بلغ رشيدا ليس لأحد حقّ الحضانة عليه حتّى الأبوين، بل هو مالك لنفسه ذكرا كان أو اُنثى.

    • فصل في النفقات
      • القول في نفقة الزوجة

         

        القول في نفقة الزوجة

        إنّما تجب النفقة بأحد أسباب ثلاثة: الزوجيّة والقرابة والملك.
        مسألة 1 - إنّما تجب نفقة الزوجة على الزوج بشرط أن تكون دائمةً، فلا نفقة للمنقطعة، وأن تكون مطيعةً له في ما يجب إطاعتها له، فلا نفقة للناشزة. ولا فرق بين المسلمة والذمّيّة.
        مسألة 2 - لو نشزت ثمّ عادت إلى الطاعة لم تستحقّ النفقة حتّى تظهرها وعلم بها وانقضى زمان أمكن الوصول إليها.
        مسألة 3 - لو ارتدّت سقطت النفقة، وإن عادت في العدّة عادت.
        مسألة 4 - الظاهر أنّه لا نفقة للزوجة الصغيرة غير القابلة للاستمتاع منها على زوجها، خصوصا إذا كان صغيرا غير قابل للتمتّع والتلذّذ؛ وكذا للزوجة الكبيرة إذا كان زوجها صغيرا غير قابل لأن يستمتع منها. نعم، لو كانت الزوجة مراهقةً والزوج مراهقا أو كبيرا أو كان الزوج مراهقا والزوجة كبيرةً لم يبعد استحقاقها لها مع تمكينها له من نفسها على ما يمكنه من التلذّذ والاستمتاع منها.
        مسألة 5 - لا تسقط نفقتها بعدم تمكينه من نفسها لعذر شرعيّ أو عقليّ: من حيض أو إحرام أواعتكاف واجب أو مرض أو غيرذلك. وكذا لاتسقط إذا سافرت بإذن الزوج، سواء كان في واجب أو مندوب أو مباح. وكذا لو سافرت في واجب مضيّق - كالحجّ الواجب - بغير إذنه، بل ولو مع منعه ونهيه؛ بخلاف ما لو سافرت بغير إذنه في مندوب أو مباح، فإنّه تسقط نفقتها، بل الأمر كذلك لو خرجت من بيته بغير إذنه ولو لغير سفر، فضلا عمّا كان له، لتحقّق النشوز المسقط لها.
        مسألة 6 - تثبت النفقة والسكنى لذات العدّة الرجعيّة مادامت في العدّة كما تثبت للزوجة، من غير فرق بين كونها حائلا أو حاملا. ولو كانت ناشزةً وطُلّقت في حال نشوزها لم تثبت لها كالزوجة الناشزة. وإن رجعت إلى التمكين وجبت النفقة على الأقرب. وأما ذات العدّة البائنة فتسقط نفقتها وسكناها، سواء كانت عن طلاق أو فسخ، إلّا إذا كانت عن طلاق وكانت حاملا، فإنّها تستحقّهما حتّى تضع حملها. ولا تلحق بها المنقطعة الحامل الموهوبة أو المنقضية مدّتها. وكذا الحامل المتوفّى عنها زوجها، فإنّه لا نفقة لها مدّة حملها، لا من تركة زوجها ولا من نصيب ولدها على الأقوى.
        مسألة 7 - لو ادّعت المطلّقة بائنا أنّها حامل (مستندةً إلى وجود الأمارات الّتي يستدلّ بها على الحمل عند النسوان) فتصديقها بمجرّد دعواها محلّ إشكال. نعم، لا يبعد قبول قول الثقة الخبيرة من القوابل قبل ظهور الحمل، من غير احتياج إلى شهادة أربع منهنّ أو اثنين من الرجال المحارم؛ فحينئذٍ اُنفق عليها يوما فيوما إلى أن يتبيّن الحال، فإن تبيّن الحمل وإلّا استعيدت منها ما صرف عليها. وفي جواز مطالبتها بكفيل قبل تبيّن الحال وجهان، بل قولان، أرجحهما الثاني إن قلنا بوجوب تصديقها، وكذلك مع عدمه وإخبار الثقة من أهل الخبرة.
        مسألة 8 - لا تقدير للنفقة شرعا، بل الضابط القيام بما تحتاج إليه المرأة من طعام وإدام، وكسوة وفراش وغطاء، وإسكان وإخدام، وآلات تحتاج إليها لشربها وطبخها وتنظيفها وغير ذلك.
        فأمّا الطعام فكمّيّته بمقدار ما يكفيها لشبعها. وفي جنسه يرجع إلى ما هو المتعارف لأمثالها في بلدها والموالم لمزاجها وما تعوّدت به بحيث تتضرّر بتركه.
        وأمّا الإدام فقدرا وجنسا كالطعام يراعى ما هو المتعارف لأمثالها في بلدها وما يوالم مزاجها وما هو معتاد لها، حتّى لو كانت عادة أمثالها أو الموالم لمزاجها دوام اللحم - مثلا - وجب؛ وكذا لو اعتادت بشي ء خاصّ من الإدام بحيث تتضرّر بتركه؛ بل الظاهر مراعاة ما تعارف اعتياده لأمثالها من غير الطعام والإدام كالشاي والتنباك والقهوة ونحوها. وأولى بذلك المقدارُ اللازم من الفواكه الصيفيّة الّتي تناولها كاللازم في الأهوية الحارّة، بل وكذا ما تعارف من الفواكه المختلفة في الفصول لمثلها.
        وكذلك الحال في الكسوة؛ فيلاحظ في قدرها وجنسها عادة أمثالها، وبلد سكناها، والفصول الّتي تحتاج إليها شتاءً وصيفا، ضرورة شدّة الاختلاف في الكمّ والكيف والجنس بالنسبة إلى ذلك؛ بل لو كانت من ذوات التجمّل وجب لها زيادةً على ثياب البدن ثيابٌ على حسب أمثالها.
        وهكذا الفراش والغطاء، فإنّ لها مايفرشها على الأرض وما تحتاج إليها للنوم: من لحاف ومخدّة وما تنام عليها. ويرجع في قدرها وجنسها ووصفها إلى ما ذكر في غيرها. وتستحقّ في الإسكان أن يسكنها دارا تليق بها بحسب عادة أمثالها، وكانت لها من المرافق ما تحتاج إليها. ولها أن تطالبه بالتفرّد بالمسكن عن مشاركة غيرالزوج - ضرّة أوغيرها - من دار أوحجرة منفردةالمرافق، إمّا بعاريةأوإجارةأو ملك. ولو كانت من أهل البادية كفاها كوخ أو بيت شعر منفرد يناسب حالها.
        وأمّا الإخدام فإنّما يجب إن كانت ذات حشمة وشأن ومن ذوي الإخدام، وإلّا خدمت نفسها. وإذا وجبت الخدمة: فإن كانت من ذوات الحشمة بحيث يتعارف من مثلها أن يكون لها خادم مخصوص لابدّ من اختصاصها به، ولو بلغت حشمتها بحيث يتعارف من مثلها تعدّد الخادم فلا يبعد وجوبه.
        والأولى إيكال الأمر إلى العرف والعادة في جميع المذكورات، وكذا في الآلات والأدوات المحتاج إليها، فهي أيضا تلاحظ ما هو المتعارف لأمثالها بحسب حاجات بلدها الّتي تسكن فيها.
        مسألة 9 - الظاهر أنّه من الإنفاق الّذي تستحقّه الزوجة اُجرة الحمّام عند الحاجة، سواء كان للاغتسال أو للتنظيف إذا كان بلدها ممّا لم يتعارف فيه الغسل والاغتسال في البيت أو يتعذّر أو يتعسّر ذلك لها لبرد أو غيره. ومنه أيضا الفحم والحطب ونحوهما في زمان الاحتياج إليها. وكذا الأدوية المتعارفة الّتي يكثر الاحتياج إليها بسبب الأمراض والآلام الّتي قلّما يخلو الشخص منها في الشهور والأعوام. نعم، الظاهر أنّه ليس منه الدواء وما يصرف في المعالجات الصعبة الّتي يكون الاحتياج إليها من باب الاتّفاق، خصوصا إذا احتاج إلى بذل مال خطير. وهل يكون منه اُجرة الفصد والحجامة عند الاحتياج إليهما؟ فيه تأمّل وإشكال.
        مسألة 10 - تملك الزوجة على الزوج نفقة كلّ يوم من الطعام والإدام وغيرهما ممّا يصرف ولايبقى عينه في صبيحته ملكا متزلزلا مراعىً بحصول تمام التمكين منها، وإلّا فبمقداره وتستردّ البقيّة؛ فلها أن تطالبه بها عنده، فلو منعها مع التمكين وانقضى اليوم استقرّت في ذمّته وصارت دينا عليه. وكذا يشترط ذلك في الاستقرار مع انقضاء أيّام، فيستقرّ بمقدار التمكين على ذمّته نفقة تلك المدّة، سواء طالبته بها أو سكتت عنها، وسواء قدّرها الحاكم وحكم بها أم لا، وسواء كان موسرا أو معسرا. ومع الإعسار ينظر إلى اليسار، وليس لها مطالبة نفقة الأيّام الآتية.
        مسألة 11 - لو دفعت إليها نفقة أيّام - كاُسبوع أو شهر مثلا - وانقضت المدّة ولم تصرفها على نفسها (إمّا بأن أنفقت من غيرها أو أنفق إليها شخص) كانت ملكا لها، وليس للزوج استردادها. وكذا لو استفضلت منها شيئا بالتقتير على نفسها كانت الزيادة ملكا لها، فليس له استردادها. نعم، لو خرجت عن الاستحقاق قبل انقضاء المدّة - بموت أحدهما أو نشوزها أو طلاقها بائنا - يوزّع المدفوع على الأيّام الماضية والآتية، ويستردّ منها بالنسبة إلى ما بقي من المدّة؛ بل الظاهر ذلك أيضا في ما إذا دفع لها نفقة يوم وعرض أحد تلك العوارض في أثنائه، فيستردّ الباقي من نفقة اليوم.
        مسألة 12 - كيفيّة الإنفاق بالطعام والإدام إمّا بمؤاكلتها مع الزوج في بيته على العادة كسائر عياله، وإمّا بتسليم النفقة لها. وليس له إلزامها بالنحو الأوّل؛ فلها أن تمتنع من المؤاكلة معه وتطالبه بكون نفقتها بيدها تفعل بها ما تشاء، إلّا أنّه إذا أكلت وشربت معه على العادة سقط ما عليه، وليس لها أن تطالبه بعده.
        مسألة 13 - ما يدفع إليها للطعام والإدام: إمّا عين المأكول كالخبز والتمر والطبيخ واللحم المطبوخ ممّا لايحتاج في إعداده للأكل إلى علاج ومزاولة ومؤونة وكلفة، وإمّا عين تحتاج إلى ذلك، كالحبّ والأرز والدقيق ونحوها؛ فإن لم يكن النحوان خلاف المتعارف فالزوج بالخيار بينهما، وليس للزوجة الامتناع؛ ولو اختار النحو الثاني واحتاج إعداد المدفوع للأكل إلى مؤونة كالحطب وغيره كان عليه؛ وإن كان أحدهما خلاف المتعارف يتّبع ما هو المتعارف.
        مسألة 14 - لو تراضيا على بذل الثمن وقيمة الطعام والإدام وتسلّمت ملكته وسقط ما هو الواجب عليه، وليس لكلّ منهما إلزام الآخر به.
        مسألة 15 - إنّما تستحقّ في الكسوة أن يكسوها بما هو ملكه أو بما استأجره أو استعاره، ولا تستحقّ عليه أن يدفع إليها بعنوان التمليك. ولو دفع إليها كسوةً لمدّة جرت العادة ببقائها إليها فكستها فخلقت قبل تلك المدّة أو سرقت وجب عليه دفع كسوة اُخرى إليها. ولو انقضت المدّة و الكسوة باقية على نحو يليق بحالها ليس لها مطالبة كسوة اُخرى. ولو خرجت في أثناء المدّة عن الاستحقاق لموت أو نشوز أو طلاق تستردّ إذا كانت باقيةً. وكذا الحال في الفراش والغطاء واللحاف والآلات الّتي دفعها إليها من جهة الإنفاق ممّا تنتفع بها مع بقاء عينها، فإنّها كلّها باقية على ملك الزوج تنتفع بها الزوجة، فله استردادها إذا زال استحقاقها إلّا مع التمليك لها.
        مسألة 16 - لو اختلف الزوجان في الإنفاق وعدمه مع اتّفاقهما على الاستحقاق: فإن كان الزوج غائبا أو كانت الزوجة منعزلةً عنه فالقول قولها بيمينها، وعليه البيّنة؛ وإن كانت في بيته داخلةً في عيالاته فالظاهر أنّ القول قول الزوج بيمينه، وعليها البيّنة.
        مسألة 17 - لو كانت الزوجة حاملا ووضعت وقد طُلّقت رجعيّا واختلفا في زمان وقوع الطلاق، فادّعى الزوج أنّه قبل الوضع وقد انقضت عدّتها به فلا نفقة لها وادّعت أنّه بعده ولم تكن بيّنة فالقول قولها مع اليمين؛ فإن حلفت ثبت لها استحقاق النفقة، لكن يحكم عليه بالبينونة وعدم جواز الرجوع أخذا بإقراره.
        مسألة 18 - لو طالبته بالإنفاق وادّعى الإعسار وعدم الاقتدار ولم تصدّقه وادّعت عليه اليسار فالقول قوله بيمينه إن لم يكن لها بيّنة، إلّا إذا كان مسبوقا باليسار وادّعى تلف أمواله وصيرورته معسرا وأنكرته، فإنّ القول قولها بيمين، وعليه البيّنة.
        مسألة 19 - لايشترط في استحقاق الزوجة النفقة فقرها واحتياجها، فلها عليه الإنفاق وإن كانت من أغنى الناس.
        مسألة 20 - إن لم يكن له مال يفي بنفقة نفسه وزوجته وأقاربه الواجبي النفقة فهو مقدّم على زوجته، وهي على أقاربه، فما فضل من قوته صرفه عليها، ولا يدفع إلى الأقارب إلّا ما يفضل عن نفقتها.

      • القول في نفقة الاقارب

         

        القول في نفقة الأقارب

        مسألة 1 - يجب - على التفصيل الآتي - الإنفاق على الأبوين وآبائهما واُمّهاتهما وإن علوا، وعلى الأولاد وأولادهم وإن نزلوا، ذكورا وإناثا، صغيراً أو كبيرا، مسلما أو كافرا. ولا يجب على غير العمودين من الأقارب وإن استحبّ، خصوصا الوارث منه.
        مسألة 2 - يشترط في وجوب الإنفاق على القريب فقره واحتياجه، بمعنى عدم وجدانه لما يقوت به فعلا؛ فلا يجب إنفاق من قدر على نفقته فعلا وإن كان فقيرا لا يملك قوت سنته وجاز له أخذ الزكاة ونحوها. وأمّا غير الواجد لها فعلا القادر على تحصيلها: فإن كان ذلك بغير الاكتساب - كالاقتراض والاستعطاء والسؤال - لم يمنع ذلك عن وجوب الإنفاق عليه بلا إشكال. وإن كان ذلك بالاكتساب: فإن كان ذلك بالاقتدار على تعلّم صنعة بها إمرار معاشه وقد ترك التعلّم وبقي بلا نفقة فلا إشكال في وجوب الإنفاق عليه، وكذا الحال لو أمكن له التكسّب بما يشقّ عليه تحمّله - كحمل الأثقال - أولا يناسب شأنه فترك التكسّب بذلك، فإنّه يجب عليه الإنفاق عليه. وإن كان قادرا على التكسّب بما يناسب حاله وشأنه وتركه طلبا للراحة فالظاهر عدم وجوبه عليه. نعم، لو فات عنه زمان الاكتساب بحيث صار فعلا محتاجا بالنسبة إلى يوم أو أيّام غير قادر على تحصيل نفقتها وجب وإن كان العجز حصل باختياره؛ كما أنّه لو ترك التشاغل به لا لطلب الراحة بل لاشتغاله بأمر دنيويّ أو دينيّ مهمّ - كطلب العلم الواجب - لم يسقط بذلك وجوبه.
        مسألة 3 - لوأمكن للمرأة التزويج بمن يليق بها ويقوم بنفقتها دائما أو منقطعا فهل تكون بحكم القادر فلا يجب الإنفاق عليها أم لا؟ وجهان، أوجههما الثاني.
        مسألة 4 - يشترط في وجوب النفقة على القريب قدرة المنفق على نفقته بعد نفقة نفسه ونفقة زوجته لو كانت له زوجة دائمة؛ فلو حصل عنده قدر كفاية نفسه خاصّة اقتصر على نفسه، ولو فضل منه شي ء وكانت له زوجة فلزوجته، ولو فضل شي ء فللأبوين والأولاد.
        مسألة 5 - المراد بنفقة نفسه المقدّمة على نفقة زوجته مقدار قوت يومه وليلته وكسوته اللائقة بحاله وكلّ مااضطرّ إليه من الآلات للطعام والشراب والفراش والغطاء وغيرها؛ فإن زاد على ذلك شي ء صرفه على زوجته ثمّ على قرابته.
        مسألة 6 - لو زاد على نفقته شي ء ولم تكن عنده زوجة: فإن اضطرّ إلى التزويج بحيث يكون في تركه عسر وحرج شديد أو مظنّة فساد دينيّ فله أن يصرفه في التزويج وإن لم يبق لقريبه شي ء، وإن لم يكن كذلك فالأحوط صرفه في إنفاق القريب، بل لا يخلو وجوبه من قوّة.
        مسألة 7 - لو لم يكن عنده ما ينفقه على نفسه وجب عليه التوسّل إلى تحصيله بأيّ وسيلة مشروعة حتّى الاستعطاء والسؤال، فضلا عن الاكتساب اللائق بحاله. ولو لم يكن عنده ما ينفقه على زوجته أو قريبه فلا ينبغي الإشكال في أنّه يجب عليه تحصيله بالاكتساب اللائق بحاله وشأنه، ولا يجب عليه التوسّل إلى تحصيله بمثل الاستيهاب والسؤال. نعم، لا يبعد وجوب الاقتراض إذا أمكن من دون مشقّةوكان له محلّ الإيفاءفي مابعد.وكذاالشراءنسيئةًبالشرطين المذكورين.
        مسألة 8 - لا تقدير في نفقة الأقارب، بل الواجب قدر الكفاية من الطعام والإدام والكسوة والمسكن، مع ملاحظة الحال والشأن والزمان والمكان حسب ما مرّ في نفقة الزوجة.
        مسألة 9 - لا يجب إعفاف من وجبت نفقته - ولدا كان أو والدا - بتزويج أو إعطاء مهر له وإن كان أحوط مع حاجته إلى النكاح وعدم قدرته عليه وعلى بذل الصداق، خصوصا في الأب.
        مسألة 10 - يجب على الولد نفقة والده، دون أولاده لأنّهم إخوته، ودون زوجته. ويجب على الوالد نفقة ولده وأولاده، دون زوجته.
        مسألة 11 - لا تُقضى نفقة الأقارب ولا يتداركها لو فاتت في وقتها وزمانها ولو بتقصير من المنفق، ولا تستقرّ في ذمّته، بخلاف الزوجة كما مرّ. نعم، لو لم ينفق عليه لغيبته أو امتنع عن إنفاقه مع يساره ورفع المنفق عليه أمره إلى الحاكم فأمره بالاستدانة عليه فاستدان عليه اشتغلت ذمّته به، ووجب عليه قضاؤه.
        مسألة 12 - لوجوب الإنفاق ترتيب من جهة المنفق ومن جهة المنفق عليه:
        أمّا من الجهة الاُولى فتجب نفقة الولد - ذكرا كان أو اُنثى - على أبيه. ومع عدمه أو فقره فعلى جدّه للأب. ومع عدمه أو إعساره فعلى جدّ الأب وهكذا متعاليا الأقرب فالأقرب. ومع عدمهم أو إعسارهم فعلى اُمّ الولد. ومع عدمها أو إعسارها فعلى أبيها واُمّ أبيها وأبي اُمّها واُمّ اُمّها وهكذا الأقرب فالأقرب. ومع التساوي في الدرجة يشتركون فيه بالسويّة وإن اختلفوا في الذكورة والاُنوثة. وفي حكم آباء الاُمّ واُمّهاتها اُمّ الأب وكلّ من تقرّب إلى الأب بالاُمّ كأبي اُمّ الأب واُمّ اُمّه واُمّ أبيه وهكذا، فإنّه تجب عليهم نفقة الولد مع فقد آبائه واُمّه مع مراعاة الأقرب فالأقرب إلى الولد؛ فإذا كان له أب وجدّ موسران فالنفقة على الأب، ولوكان له أب واُمّ فعلى الأب، ولو كان جدّ لأب مع اُمّ فعلى الجدّ، ومع جدّ لاُمّ واُمّ فعلى الاُمّ، ومع جدّ وجدّة لاُمّ تشاركا بالسويّة، ومع جدّة لأب وجدّ وجدّة لاُمّ تشاركوا ثلاثا. هذا في الاُصول أعني الآباء والاُمّهات.
        وأمّا الفروع - أعني الأولاد - فتجب نفقة الأب والاُمّ عند الإعسار على الولد مع اليسار، ذكرا كان أم اُنثى. ومع فقده أو إعساره فعلى ولد الولد أعني ابنَ ابن أو بنت وبنتَ ابن أو بنت وهكذا الأقرب فالأقرب. ومع التعدّد والتساوي في الدرجة يشتركون بالسويّة؛ فلو كان له ابن أو بنت مع ابن ابن - مثلا - فعلى الابن أو البنت، ولو كان له ابنان أو بنتان أو ابن وبنت اشتركا بالسويّة. وإذا اجتمعت الاُصول والفروع يُراعى الأقرب فالأقرب. ومع التساوي يتشاركون؛ فإذا كان له أب مع ابن أو بنت تشاركا بالسويّة، وإن كان له أب مع ابن ابن أو ابن بنت فعلى الأب، وإن كان ابن وجدّ لأب فعلى الابن، وإن كان ابن ابن مع جدّ لأب تشاركا بالسويّة، وإن كانت له اُمّ مع ابن ابن أو ابن بنت - مثلا - فعلى الاُمّ. ويشكل الأمر في ما إذا اجتمعت الاُمّ مع الابن أو البنت. والأحوط التراضي والتسالم على الاشتراك بالسويّة.
        وأما الجهة الثانية فإذا كان عنده زائدا على نفقته ونفقة زوجته ما يكفي لجميع أقاربه المحتاجين وجب عليه نفقة الجميع، وإذا لم يكف إلّا لإنفاق بعضهم ينفق على الأقرب فالأقرب منهم. وإذا كان قريبان أو أزيد في مرتبة واحدة ولا يكفي ما عنده الجميع فالأقرب أنّه يقسم بينهم بالسويّة مع إمكانه وإمكان انتفاعهم به، وإلّا فيقرع بينهم.
        مسألة 13 - لو كان له ولدان ولم يقدر إلّا على نفقة أحدهما وكان له أب موسر: فإن اختلفا في قدر النفقة وكان ما عنده يكفي لأحدهما بعينه - كالأقلّ نفقة - اختصّ به وكان الآخر على الجدّ، وإن اتّفقا في مقدارها فإن توافق مع الجدّ في أن يشتركا أو يختصّ كلّ بواحد فهو، وإلّا رجعا إلى القرعة.
        مسألة 14 - لو امتنع من وجبت عليه النفقة عنها أجبره الحاكم، ومع عدمه فعدول المؤمنين، ومع فقدهم ففسّاقهم. وإن لم يمكن إجباره: فإن كان له مال أمكن للمنفق عليه أن يقتصّ منه مقدارها جاز للزوجة ذلك دون غيرها إلّا بإذن الحاكم، فمعه جاز له الأخذ وإن لم يكن اقتصاصا، وإن لم يكن له مال كذلك أمر الحاكم بالاستدانة عليه، ومع تعذّر الحاكم يشكل الأمر.
        مسألة 15 - تجب نفقة المملوك حتّى النحل ودود القزّ على مالكه. ولا تقدير لنفقة البهيمة مثلا، بل الواجب القيام بما تحتاج إليه من أكل وسقي ومكان رحل ونحو ذلك. ومالكها بالخيار بين علفها وبين تخليتها لترعى في خصب الأرض، فإن اجتزأت بالرعي وإلّا علفها بمقدار كفايتها.
        مسألة 16 - لو امتنع المالك من الإنفاق على البهيمة ولو بتخليتها للرعي الكافي لها اُجبر على بيعها، أو الإنفاق عليها، أو ذبحها إن كانت ممّا يقصد اللحم بذبحها.

  • كتاب الطلاق
  •  

    كتاب الطلاق

    وله شروط وأقسام ولواحق وأحكام:

    • القول في شروطه

       

      القول في شروطه

      مسألة ۱ - يشترط في الزوج المطلّق: البلوغ على الأحوط، والعقل؛ فلايصحّ على الأحوط طلاق الصبيّ - لا بالمباشرة ولا بالتوكيل - وإن كان مميّزا وله عشر سنين، ولو طلّق من بلغه فلا يترك الاحتياط؛ ولا طلاق المجنون مطبقا أو أدوارا حال جنونه. ويلحق به السكران ونحوه ممّن زال عقله.
      مسألة 2 - لا يصحّ طلاق وليّ الصبيّ عنه كأبيه وجدّه، فضلاً عن الوصيّ والحاكم. نعم، لو بلغ فاسد العقل أو طرأ عليه الجنون بعد البلوغ طلّق عنه وليّه مع مراعاة الغبطة والصلاح؛ فإن لم يكن له أب وجدّ فالأمر إلى الحاكم، وإن كان أحدهما معه فالأحوط أن يكون الطلاق منه مع الحاكم وإن كان الأقوى نفوذ طلاقه بلاضمّ الحاكم إليه.
      مسألة 3 - يشترط في الزوج المطلّق القصد والاختيار، بمعنى عدم الإكراه والإجبار؛ فلا يصحّ طلاق غير القاصد كالنائم والساهي والغالط والهازل الّذي لايريد وقوع الطلاق جدّا، بل يتكلّم بلفظه هزلا؛ وكذا لا يصحّ طلاق المكره الّذي قد اُلزم على إيقاعه مع التوعيد والتهديد على تركه.
      مسألة 4 - الإكراه: هو حمل الغير على إيجاد ما يكره إيجاده، مع التوعيد على تركه بإيقاع ما يضرّ بحاله عليه أو على من يجري مجرى نفسه - كأبيه وولده- نفسا أو عرضا أو مالا، بشرط أن يكون الحامل قادرا على إيقاع ما توعّد به، مع العلم أو الظنّ بإيقاعه على تقدير عدم امتثاله، بل أو الخوف به وإن لم يكن مظنونا. ويلحق به موضوعا أو حكما ما إذا أمره بإيجاد ما يكرهه مع خوف المأمور من عقوبته والإضرار عليه لو خالفه وإن لم يقع منه توعيد وتهديد. ولا يلحق به ما لو أوقع الفعل مخافة إضرار الغير عليه بتركه من دون إلزام منه عليه؛ فلو تزوّج بامرأة ثمّ رأى أنّه لو بقيت على حباله لوقعت عليه وقيعة من بعض متعلّقيها - كأبيها وأخيها مثلا - فالتجأ إلى طلاقها فطلّقها يصحّ طلاقها.
      مسألة 5 - لوقدر على دفع ضرر الآمر ببعض التفصّيات ممّا ليس فيه ضرر عليه -كالفرار والاستغاثة بالغير- لم يتحقّق الإكراه؛ فلو أوقع الطلاق - مثلا - حينئذٍ وقع صحيحا. نعم، لو قدر على التورية وأوقعه من دون ذلك فالظاهر وقوعه مكرها عليه وباطلا.
      مسألة 6 - لو أكرهه على طلاق إحدى زوجتيه فطلّق إحداهما المعيّنة وقع مكرها عليه. ولو طلّقهما معا ففي وقوع طلاق إحداهما مكرها عليه فيعيّن بالقرعة أو صحّة كليهما وجهان، لا يخلو أوّلهما من رجحان. ولو أكرهه على طلاق كلتيهما فطلّق إحداهما فالظاهر أنّه وقع مكرها عليه.
      مسألة 7 - لو أكرهه على أن يطلّق ثلاث تطليقات بينهما رجعتان فطلّقها واحدةً أو اثنتين ففي وقوع ما أوقعه مكرها عليه إشكال، إلّا إذا قصد تحمّل ما أوعده عليه في ترك البقيّة، أو كان ذلك بقصد احتمال التخلّص عن المكروه وأنّه لعلّ المكره اقتنع بما أوقعه وأغمض عمّا لم يوقعه.
      مسألة 8 - لو أوقع الطلاق عن إكراه ثمّ تعقّبه الرضا لم يفد ذلك في صحّته، وليس كالعقد.
      مسألة 9 - لا يعتبر في الطلاق اطّلاع الزوجة عليه، فضلاً عن رضاها به.
      مسألة 10 - يشترط في المطلّقة أن تكون زوجةً دائمةً، فلا يقع ا لطلاق على المتمتّع بها؛ وأن تكون طاهرةً من الحيض والنفاس، فلا يصحّ طلاق الحائض والنفساء، والمراد بهما ذات الدمين فعلا أو حكما كالنقاء المتخلّل في البين، ولو نقتا من الدمين ولم تغتسلا من الحدث صحّ طلاقهما؛ وأن لا تكون في طهرٍ واقعها فيه زوجها.
      مسألة 11 - إنّما يشترط خلوّ المطلّقة من الحيض في المدخول بها الحائل، دون غير المدخول بها، ودون الحامل بناءً على مجامعة الحيض للحمل كما هو الأقوى؛ فيصحّ طلاقها في حال الحيض. وكذا يشترط ذلك في ما إذا كان الزوج حاضرا، بمعنى كونهما في بلد واحد حين الطلاق. ولوكان غائبايصحّ طلاقهاوإن وقع في حال الحيض، لكن إذا لم يعلم حالها من حيث الطهر والحيض وتعذّر أو تعسّر عليه استعلامها؛ فلو علم أنّها في حال الحيض ولو من جهة علمه بعادتها الوقتيّة على الأظهر أو تمكّن من استعلامها وطلّقها فتبيّن وقوعه في حال الحيض بطل.
      مسألة 12 - لو غاب الزوج: فإن خرج حال حيضها لم يجز طلاقها إلّا بعد مضيّ مدّة قطع بانقطاع ذلك الحيض أو كانت ذات العادة ومضت عادتها؛ فإن طلّقها بعد ذلك في زمان لم يعلم بكونها حائضا في ذلك الزمان صحّ طلاقها وإن تبيّن وقوعه في حال الحيض؛ وإن خرج في حال الطهر الّذي لم يواقعها فيه طلّقها في أيّ زمان لم يعلم بكونها حائضا وصحّ طلاقها وإن صادف الحيض. نعم، لو طلّقها في زمان علم بأنّ عادتها التحيّض فيه بطل إن صادفه. ولو خرج في الطهر الّذي واقعها فيه ينتظر مضيّ زمان انتقلت بمقتضى العادة من ذلك الطهر إلى طهر آخر، ويكفي تربّص شهر، والأحوط أن لا ينقص عن ذلك، والأولى تربّص ثلاثة أشهر. هذا مع الجهل بعادتها، وإلّا فيتّبع العادة على الأقوى. ولو وقع ا لطلاق بعد التربّص المذكور لم يضرّ مصادفة الحيض في الواقع، بل الظاهر أنّه لا يضرّ مصادفته للطهر الّذي واقعها فيه، بأن طلّقها بعد شهر - مثلا - أو بعد مضيّ مدّة علم بحسب عادتها خروجها عن الطهر الأوّل والحيض الّذي بعده ثمّ تبيّن الخلاف.
      مسألة 13 - الحاضر الّذي يتعذّر أو يتعسّر عليه معرفة حال المرأة (من حيث الطهر والحيض) كالغائب؛ كما أنّ الغائب لو فرض إمكان علمه بحالها بسهولة -بلاتعسّر - كالحاضر.
      مسألة 14 - يجوز الطلاق في الطهر الّذي واقعها فيه في اليائسة والصغيرة والحامل والمسترابة - وهي المرأة الّتي كانت في سنّ من تحيض ولا تحيض، لخلقة أو عارض - لكن يشترط في الأخيرة مضيّ ثلاثة أشهر من زمان المواقعة؛ فلو طلّقها قبلها لم يقع.
      مسألة 15 - لا يشترط في تربّص ثلاثة أشهر في المسترابة أن يكون اعتزاله لأجل أن يطلّقها؛ فلولم يتّفق مواقعتهابسبب إلى مضيّها ثمّ بدا له طلاقهاصحّ في الحال.
      مسألة 16 - لو واقعها في حال الحيض لم يصحّ طلاقها في الطهر الّذي بعد تلك الحيضة، بل لابدّ من إيقاعه في طهر آخر بعد حيض آخر؛ فما هو الشرط كونها مستبرأةً بحيضة بعد المواقعة، لا وقوعه في طهرٍ غير طهر المواقعة.
      مسألة 17 - يشترط في صحّة الطلاق تعيّن المطلّقة، بأن يقول: «فلانة طالق»، أويشير إليها بما يرفع الإبهام والإجمال؛ فلو كانت له زوجة واحدة فقال: «زوجتي طالق» صحّ، بخلاف ما إذا كانت له زوجتان أو أكثر وقال: «زوجتي طالق»، إلّا إذا نوى في نفسه معيّنةً، فهل يقبل تفسيره بمعيّنة من غير يمين؟ فيه تأمّل.

    • القول في الصيغة

       

      القول في الصيغة

      مسألة ۱ - لا يقع الطلاق إلّا بصيغة خاصّة. وهي قوله: «أنتِ طالق» أو «فلانة» أو «هذه» أو ما شاكلها من الألفاظ الدالّة على تعيين المطلّقة؛ فلا يقع بمثل «أنتِ مطلّقة» أو «طلّقت فلانة»، بل ولا «أنتِ الطالق»، فضلا عن الكناية ك«أنت خليّة أو بريّة» أو «حبلك على غاربك» أو «إلحقي بأهلك» ونحو ذلك؛ فلا يقع بها وإن نواه، حتّى قوله: «اعتدّي» المنويّ به الطلاق على الأقوى.
      مسألة ۲ - يجوز إيقاع طلاق أكثر من زوجة واحدة بصيغة واحدة؛ فلو قال: «زوجتاي طالقان» أو «زوجاتي طوالق» صحّ طلاق الجميع.
      مسألة ۳ - لا يقع الطلاق بما يرادف الصيغة المزبورة من سائر اللغات مع القدرة. ومع العجز يصحّ. وكذا لا يقع بالإشارة ولا بالكتابة مع القدرة على النطق. ومع العجز يصحّ إيقاعه بهما. والأحوط تقديم الكتابة لمن يعرفها على الإشارة.
      مسألة 4 - يجوز للزوج أن يوكّل غيره في طلاق زوجته بالمباشرة أو بتوكيل غيره، سواء كان الزوج حاضرا أو غائبا، بل وكذا له أن يوكّل زوجته فيه بنفسها أو بالتوكيل، لكن لا ينبغي ترك الاحتياط بعدم توكيلها.
      مسألة 5 - يجوز أن يوكّلها على أنّه لو طال سفره أزيد من ثلاثة شهور -مثلا- أو سامح في إنفاقها أزيد من شهر -مثلا- طلّقت نفسها، لكن بشرط أن يكون الشرط قيدا للموكّل فيه، لا تعليقا في الوكالة.
      مسألة 6 - يشترط في صيغة الطلاق التنجيز؛ فلو علّقه على شرط بطل، سواء كان ممّا يحتمل وقوعه، كما إذا قال: «أنتِ طالق إن جاء زيد»، أو ممّا يتيقّن حصوله، كما إذا قال: «إن طلعت الشمس». نعم، لا يبعد جواز تعليقه على ما يكون معلّقا عليه في الواقع، كقوله: «إن كانت فلانة زوجتي فهي طالق»، سواء كان عالما بأنّها زوجته أم لا.
      مسألة 7 - لو كرّر صيغة الطلاق ثلاثا فقال: «هي طالق هي طالق هي طالق» من دون تخلّل رجعة في البين قاصدا تعدّده تقع واحدة ولغت الاُخريان. ولو قال: «هي طالق ثلاثا» لم يقع الثلاث قطعا. والأقوى وقوع واحدة كالصورة السابقة.
      مسألة 8 - لو كان الزوج من العامّة ممّن يعتقد وقوع الثلاث بثلاث مرسلة أو مكرّرة وأوقعه بأحدالنحوين اُلزم عليه، سواءكانت المرأة شيعيّةً أو مخالفةً، ونُرتّب نحن عليها آثار المطلّقة ثلاثا. فلو رجع إليها نحكم ببطلانه، إلّا إذا كانت الرجعة في مورد صحيحةً عندهم؛ فنتزوّج بها في غير ذلك بعد انقضاء عدّتها. وكذلك الزوجة إذا كانت شيعيّةً جاز لها التزويج بالغير. ولا فرق في ذلك بين الطلاق ثلاثا وغيره ممّا هو صحيح عندهم فاسد عندنا، كالطلاق المعلّق، والحلف به، وفي طهر المواقعة والحيض، وبغير شاهدين؛ فنحكم بصحّته إذا وقع من المخالف القائل بالصحّة. وهذا الحكم جارٍ في غير الطلاق أيضا؛ فنأخذ بالعَول والتعصيب منهم الميراث - مثلا - مع بطلانهما عندنا. والتفصيل لا يسع هذا المختصر.
      مسألة 9 - يشترط في صحّة الطلاق - زائدا على مامرّ - الإشهاد، بمعنى إيقاعه بحضور شاهدين عدلين ذكرين يسمعان الإنشاء، سواء قال لهما: «إشهدا» أم لا. ويعتبر اجتماعهما حين سماع الإنشاء؛ فلو شهد أحدهما وسمع في مجلس ثمّ كرّر اللفظ وسمع الآخر بانفراده لم يقع. نعم، لو شهدا بإقراره بالطلاق لم يعتبر اجتماعهما، لا في تحمّل الشهادة ولا في أدائها. ولا اعتبار بشهادة النساء وسماعهنّ، لا منفردات ولا منضمّات بالرجال.
      مسألة 10 - لو طلّق الوكيل عن الزوج لا يكتفى به مع عدل آخر في الشاهدين، كما لا يكتفى بالموكّل مع عدل آخر.
      مسألة 11 - المراد بالعدل في هذا المقام ما هو المراد به في غيره ممّا رتّب عليه بعض الأحكام، كما مرّ في كتاب الصلاة.
      مسألة 12 - لو كان الشاهدان عادلين في اعتقاد المطلّق - أصيلا كان أو وكيلا- وفاسقين في الواقع يشكل ترتيب آثار الطلاق الصحيح لمن يطّلع على فسقهما. وكذلك إذا كانا عادلين في اعتقاد الوكيل دون الموكّل، فإنّه يشكل جواز ترتيب آثار الصحّة عليه، بل الأمر فيه أشكل من سابقه.

    • القول في أقسام الطلاق

       

      القول في أقسام الطلاق

      الطلاق نوعان: بدعيّ وسنّيّ.
      فالأوّل: هو غير الجامع للشرائط المتقدّمة. وهو على أقسامٍ فاسدةٍ عندنإ؛(' ظظ صحيحةٍ عند غيرنا.
      والثاني: ما جمع الشرائط في مذهبنا. وهو قسمان: بائن ورجعيّ.
      فالبائن: ما ليس للزوج الرجوع إليها بعده، سواء كانت لها عدّة أم لا. وهو ستّة: الأوّل: الطلاق قبل الدخول. الثاني: طلاق الصغيرة، أي من لم تبلغ التسع وإن دخل بها. الثالث: طلاق اليائسة. وهذه الثلاث ليست لها عدّة كما يأتي. الرابع والخامس: طلاق الخلع والمباراة مع عدم رجوع الزوجة في ما بذلت، وإلّا كانت له الرجعة. السادس: الطلاق الثالث إذا وقع منه رجوعان إلى الزوجة في البين: بين الأوّل والثاني وبين الثاني والثالث، ولو بعقد جديد بعد خروجها عن العدّة.
      مسألة 1 - لو طلّقها ثلاثا مع تخلّل رجعتين حرمت عليه ولوبعقد جديد. ولاتحلّ له إلّا بعد أن تنكح زوجا غيره ثمّ فارقها بموت أو طلاق وانقضت عدّتها، وحينئذٍ جاز للأوّل نكاحها.
      مسألة 2 - كلّ امرأة حرّة إذا استكملت الطلاق ثلاثا مع تخلّل رجعتين في البين حرمت على المطلّق حتّى تنكح زوجا غيره، سواء واقعها بعد كلّ رجعة وطلّقها في طهر آخر غير طهر المواقعة - وهذا يقال له: طلاق العدّة - أو لم يُواقعها، وسواء وقع كلّ طلاق في طهر أو وقع الجميع في طهر واحد؛ فلو طلّقها مع الشرائط ثمّ راجعها ثمّ طلّقها ثمّ راجعها ثمّ طلّقها في مجلس واحد حرمت عليه، فضلا عمّا إذا طلّقها ثمّ راجعها ثمّ تركها حتّى حاضت وطهرت ثمّ طلّقها وهكذا.
      مسألة 3 - العقد الجديد بحكم الرجوع في الطلاق؛ فلو طلّقها ثلاثا بينها عقدان مستأنفان حرمت عليه حتّى تنكح زوجا غيره، سواء لم تكن لها عدّة كما إذا طلّقها قبل الدخول، أو كانت ذات عدّة وعقد عليها بعد انقضاء العدّة.
      مسألة 4 - المطلّقة ثلاثا إذا نكحت زوجا آخر وفارقها بموت أو طلاق حلّت للزوج الأوّل وجاز له العقد عليها بعد انقضاء عدّتها من الثاني؛ فإذا طلّقها ثلاثا حرمت أيضا حتّى تنكح زوجا آخر وإن كان ذلك الزوج هو الثاني في الثلاثة الاُولى. وهكذا تحرم عليه بعد كلّ طلاق ثالث، وتحلّ بنكاح الغير بعده وإن طلّقت مائة مرّة. نعم، لو طلّقت تسعا طلاق العدّة بالتفسير الّذي أشرنا إليه حرمت عليه أبدا، وذلك بأن طلّقها ثمّ راجعها ثمّ واقعها ثمّ طلّقها في طهر آخر، ثمّ راجعها ثمّ واقعها ثم طلّقها في طهر آخر؛ فإذا حلّت للمطلّق بنكاح زوج آخر وعقد عليها ثمّ طلّقها كالثلاثة الاُولى ثمّ حلّت بمحلّل ثمّ عقد عليها ثمّ طلّقها ثلاثا كالاُوليين حرمت عليه أبدا. ويعتبر فيه أمران: أحدهما: تخلّل رجعتين؛ فلا يكفي وقوع عقدين مستأنفين ولا رجعة وعقد مستأنف في البين. الثاني: وقوع المواقعة بعد كلّ رجعة؛ فطلاق العدّة مركّب من ثلاث طلقات: اثنتان منها رجعيّة وواحدة بائنة؛ فإذا وقعت ثلاثة منه حتّى كملت تسع طلقات حرمت عليه أبدا. هذا. والأحوط الاجتناب عن المطلّقة تسعا مطلقاً وإن لم تكن الجميع طلاق عدّة.
      مسألة 5 - إنّما يوجب التحريم الطلقات الثلاث إذا لم تنكح في البين زوجا آخر؛ وأمّا إن تزوّجت للغير انهدم حكم ما سبق، وتكون كأنّها غير مطلّقة، ويتوقّف التحريم على إيقاع ثلاث طلقات مستأنفة.
      مسألة 6 - قد مرّ أنّ المطلّقة ثلاثا تحرم حتّى تنكح زوجا غيره. وتعتبر في زوال التحريم به اُمور ثلاثة: الأوّل: أن يكون الزوج المحلّل بالغا؛ فلا اعتبار بنكاح غير البالغ وإن كان مراهقا. الثاني: أن يطأها قبلا وطءاً موجبا للغسل بغيبوبة الحشفة أو مقدارها من مقطوعها ،بل كفاية المسمّى في مقطوعها لا يخلو من قوّة. والاحتياط لا ينبغي تركه. وهل يعتبر الإنزال؟ فيه إشكال. والأحوط اعتباره. الثالث: أن يكون العقد دائما لا متعة.
      مسألة 7 - لو طلّقها ثلاثا وانقضت مدّة وادّعت أنّها تزوّجت وفارقها الزوج الثاني ومضت العدّة واحتمل صدقها صُدّقت ويقبل قولها بلا يمين؛ فللزوج الأوّل أن ينكحها، وليس عليه الفحص. والأحوط الاقتصار على ما إذا كانت ثقةً أمينةً.
      مسألة 8 - لو دخل المحلّل فادّعت الدخول ولم يكذّبها صدّقت وحلّت للزوج الأوّل، وإن كذّبها فالأحوط الاقتصار في قبول قولها على صورة حصول الاطمينان بصدقها. ولو ادّعت الإصابة ثمّ رجعت عن قولها: فإن كان قبل أن يعقد الأوّل عليها لم تحلّ له، وإن كان بعده لم يقبل رجوعها.
      مسألة 9 - لا فرق في الوطء المعتبر في المحلّل بين المحرّم والمحلّل؛ فلو وطئها محرّما - كالوطء في الإحرام، أو في الصوم الواجب، أو في الحيض، ونحو ذلك- كفى في التحليل.
      مسألة 10 - لو شكّ الزوج في إيقاع أصل الطلاق لم يلزمه، ويحكم ببقاء علقة النكاح. ولو علم بأصله وشكّ في عدده بنى على الأقلّ، سواء كان الطرف الأكثر الثلاث أو التسع؛ فلا يحكم بالحرمة في الأوّل وبالحرمة الأبديّة في الثاني، بل لو شكّ بين الثلاث والتسع يبني على الأوّل، وتحلّ بالمحلّل على الأشبه.

    • القول في العدد
    •  

      القول في العدد

      إنّما يجب الاعتداد باُمور ثلاثة: الفراق بطلاق أو فسخ أو انفساخ في الدائم وانقضاء المدّة أو بذلها في المتعة، وموت الزوج، ووطء الشبهة.

      • فصل في عدة الفراق طلاقاً كان أو غيره

         

        فصل في عدّة الفراق

        طلاقا كان أو غيره

        مسألة 1 - لا عدّة على من لم يدخل بها، ولا على الصغيرة، وهي من لم تكمل التسع وإن دخل بها، ولا على اليائسة، سواء بانت في ذلك كلّه بطلاق أو فسخ أو هبة مدّة أو انقضائها.
        مسألة 2 - يتحقّق الدخول بإيلاج تمام الحشفة قبلا أو دبراوإن لم ينزل، بل وإن كان مقطوع الاُنثيين.
        مسألة 3 - يتحقّق اليأس ببلوغ ستّين في القرشيّة وخمسين في غيرها. والأحوط مراعاة الستّين مطلقاً بالنسبة إلى التزويج بالغير، وخمسين كذلك بالنسبة إلى الرجوع إليها.
        مسألة 4 - لو طلّقت ذات الأقراء قبل بلوغ سنّ اليأس ورأت الدم مرّةً أو مرّتين ثمّ يئست أكملت العدّة بشهرين أو شهر، وكذلك ذات الشهور إذا اعتدّت شهرا أو شهرين ثمّ يئست أتمّت ثلاثة.
        مسألة 5 - المطلّقة ومن اُلحقت بها إن كانت حاملا فعدّتها مدّة حملها. وتنقضي بأن تضع ولو بعد الطلاق بلا فصل، سواء كان تامّا أو غيره ولو كان مضغةً أو علقةً إن تحقّق أنّه حملٌ.
        مسألة 6 - إنّما تنقضي العدّة بالوضع إذا كان الحمل ملحقا بمن له العدّة؛ فلاعبرة بوضع من لم يلحق به في انقضاء عدّته؛ فلو كانت حاملا من زناً قبل الطلاق أو بعده لم تخرج منها به، بل يكون انقضاؤها بالأقراء والشهور كغير الحامل؛ فوضع الحمل لا أثر له أصلاً. نعم، إذا حملت من وطء الشبهة قبل الطلاق أو بعده بحيث يلحق الولد بالواطئ لا بالزوج فوضعه سبب لانقضاء العدّة بالنسبة إليه، لا الزوج المطلّق.
        مسألة 7 - لو كانت حاملا باثنين فالأقوى عدم البينونة إلّا بوضعهما؛ فللزوج الرجوع بعد وضع الأوّل، لكن لا ينبغي ترك الاحتياط، ولا تنكح زوجا إلّا بعد وضعهما.
        مسألة 8 - لو وطئت شبهةً فحملت واُلحق الولد بالواطئ - لبُعد الزوج عنها أو لغير ذلك - ثمّ طلّقها أو وطئت شبهةً بعد الطلاق على نحو اُلحق الولد بالواطئ كانت عليها عدّتان: عدّة لوطء الشبهة تنقضي بالوضع، وعدّة للطلاق تستأنفها في ما بعده. وكان مدّتها بعد انقضاء نفاسها إذا اتّصل بالوضع. ولو تأخّر دم النفاس يحسب النقاء المتخلّل بين الوضع والدم قرءاً من العدّة الثانية ولو كان بلحظة.
        مسألة 9 - لو ادّعت المطلّقة الحامل أنّها وضعت فانقضت عدّتها وأنكر الزوج أو انعكس فادّعى الوضع وانقضاء العدّة وأنكرت هي أو ادّعت الحمل وأنكر أو ادّعت الحمل والوضع معا وأنكرهما يقدّم قولها بيمينها بالنسبة إلى بقاء العدّة والخروج منها، لا بالنسبة إلى آثار الحمل غير ما ذكر على الظاهر.
        مسألة 10 - لو اتّفق الزوجان على إيقاع الطلاق ووضع الحمل واختلفا في المتقدّم والمتأخّر فقال الزوج: «وضعت بعد الطلاق فانقضت عدّتك» وقالت: «وضعت قبله وأنا في العدّة» أو انعكس لا يبعد تقديم قولها في بقاء العدّة والخروج منها مطلقاً من غير فرق بين ما لم يتّفقا على زمان أحدهما أو اتّفقا عليه.
        مسألة 11 - لو طلّقت الحائل أو انفسخ نكاحها: فإن كانت مستقيمة الحيض -بأن تحيض في كلّ شهر مرّة - كانت عدّتها ثلاثة قروء، وكذا إذا تحيض في كلّ شهر أزيد من مرّة أو ترى الدم في كلّ شهرين مرّة، وبالجملة: كان الطهر الفاصل بين حيضتين أقلّ من ثلاثة أشهر؛ وإن كانت لا تحيض وهي في سنّ من تحيض -إمّا لكونها لم تبلغ الحدّ الّذي ترى الحيض غالب النساء، وإمّا لانقطاعه لمرض أو حمل أو رضاع - كانت عدّتها ثلاثة أشهر. ويلحق بها من تحيض لكنّ الطهر الفاصل بين حيضتين منها ثلاثة أشهر أو أزيد.
        مسألة 12 - المراد بالقروء: الأطهار. ويكفي في الطهر الأوّل مسمّاه ولو قليلا؛ فلو طلّقها وقد بقيت منه لحظة يحسب ذلك طهرا؛ فإذا رأت طهرين آخرين تامّين بتخلّل حيضة بينهما انقضت العدّة، فانقضاؤها برؤية الدم الثالث. نعم، لو اتّصل آخر صيغة الطلاق بأوّل زمان الحيض صحّ الطلاق، لكن لابدّ في انقضاء العدّة من أطهار تامّة، فتنقضي برؤية الدم الرابع. كلّ ذلك في الحُرّة.
        مسألة 13 - بناءً على كفاية مسمّى الطهر في الطهر الأوّل ولو لحظةً وإمكان أن تحيض المرأة في شهر واحد أزيد من مرّة فأقلّ زمان يمكن ان تنقضي عدّة الحرّة ستّة وعشرون يوما ولحظتان، بأن كان طهرها الأوّل لحظةً ثمّ تحيض ثلاثة أيّام، ثمّ ترى أقلّ الطهر عشرة أيّام، ثمّ تحيض ثلاثة أيّام، ثمّ ترى أقلّ الطهر عشرة أيّام، ثمّ تحيض؛ فبمجرّد رؤية الدم الأخير لحظةً من أوّله انقضت العدّة. وهذه اللحظة الأخيرة خارجة عن العدّة، وإنّما يتوقّف عليها تماميّة الطهر الثالث. هذا في الحرّة. وأمّا في الأمة فأقلّ ما يمكن انقضاء عدّتها لحظتان وثلاثة عشر يوما.
        مسألة 14 - عدّة المتعة في الحامل وضع حملها. وفي الحائل إذا كانت تحيض قرءان. والمراد بهما هنا حيضتان على الأقوى. وإن كانت لا تحيض وهي في سنّ من تحيض فخمسة وأربعون يوما. والمراد من الحيضتين: الكاملتان؛ فلو وهبت مدّتها أو انقضت في أثناء الحيض لم تحسب بقيّة تلك الحيضة من الحيضتين.
        مسألة 15 - المدار في الشهور هو الهلاليّ؛ فإن وقع الطلاق في أوّل رؤية الهلال فلا إشكال،وإن وقع في أثناء الشهر ففيه خلاف وإشكال، ولعلّ الأقوى في النظر جعل الشهرين الوسطين هلاليّين وإكمال الأوّل من الرابع بمقدار مافات منه.
        مسألة 16 - لو اختلفا في انقضاء العدّة وعدمه قدّم قولها بيمينها، سواء ادّعت الانقضاء أو عدمه، وسواء كانت عدّتها بالأقراء أو الأشهر.

      • القول في عدة الوفاة

         

        القول في عدّة الوفاة

        مسألة 1 - عدّة المتوفّى عنها زوجها أربعة أشهر وعشرة أيّام إذا كانت حائلا، صغيرةً كانت أو كبيرةً، يائسةً كانت أو غيرَها، مدخولا بها كانت أم لا، دائمةً كانت أو منقطعةً، من ذوات الأقراء كانت أولا. وإن كانت حاملا فأبعد الأجلين من وضع الحمل والمدّة المزبورة.
        مسألة 2 - المراد بالأشهر هي الهلاليّة؛ فإن مات عند رؤية الهلال اعتدّت بأربعة أشهر، وضمّت إليها من الخامس عشرةَ أيّام، وإن مات في أثناء الشهر فالأظهر أنّها تجعل ثلاثةَ أشهر هلاليّات في الوسط، وأكملت الأوّل بمقدار مامضى منه من الشهر الخامس، حتّى تصير مع التلفيق أربعةَ أشهر وعشرةَ أيّام.
        مسألة 3 - لو طلّقها ثمّ مات قبل انقضاء العدّة: فإن كان رجعيّا بطلت عدّة الطلاق، واعتدّت من حين موته عدّة الوفاة، إلّا في المسترابة بالحمل فإنّ فيها محلّ تأمّل، فالأحوط لها الاعتداد بأبعد الأجلين من عدّة الوفاة ووظيفة المسترابة، فإذا مات الزوج بعد الطلاق بشهر - مثلا - تعتدّ عدّة الوفاة وتتمّ عدّة المسترابة إلى رفع الريبة وظهور التكليف، ولو مات بعد سبعة أشهر اعتدّت بأبعدهما من اتّضاح الحال وعدّة الوفاة، ولو كانت المرأة حاملا اعتدّت بأبعد الأجلين منها ومن وضع الحمل كغير المطلّقة؛ وإن كان بائنا اقتصرت على إتمام عدّة الطلاق، ولا عدّة لها بسبب الوفاة.
        مسألة 4 - يجب على المرأة في وفاة زوجها الحداد ما دامت في العدّة. والمراد به: ترك الزينة في البدن بمثل التكحيل والتطيّب والخضاب وتحمير الوجه والخطاط ونحوها، وفي اللباس بلبس الأحمر والأصفر والحليّ ونحوها. وبالجملة: ترك كل ما يعدّ زينةً تتزيّن به للزوج، وفي الأوقات المناسبة له في العادة، كالأعياد والأعراس ونحوهما. ويختلف ذلك بحسب الأشخاص والأزمان والبلاد، فيلاحظ في كلّ بلد ماهو المعتاد والمتعارف فيه للتزيين. نعم، لا بأس بتنظيف البدن واللباس، وتسريح الشعر، وتقليم الأظفار،ودخول الحمّام،والافتراش بالفراش الفاخر، والسكنى في المساكن المزيّنة، وتزيين أولادها وخدمها.
        مسألة 5 - الأقوى أنّ الحداد ليس شرطا في صحّة العدّة، بل هو تكليف مستقلّ في زمانها؛ فلو تركته عصيانا أو جهلا أو نسيانا في تمام المدّة أو بعضها لم يجب عليها استينافها وتدارك مقدار ما اعتدّت بدونه.
        مسألة 6 - لافرق في وجوب الحداد بين المسلمة والذمّيّة، كما لافرق على الظاهر بين الدائمة والمنقطعة. نعم، لا يبعد عدم وجوبه على من قصرت مدّة تمتّعها كيوم أو يومين. وهل يجب على الصغيرة والمجنونة أم لا؟ قولان، أشهرهما الوجوب، بمعنى وجوبه على وليّهما، فيجنّبهما عن التزيين ما دامتا في العدّة. وفيه تأمّلٌ وإن كان أحوط.
        مسألة 7 - يجوز للمعتدّة بعدّة الوفاة أن تخرج من بيتها في زمان عدّتها والتردّد في حوائجها، خصوصا إذا كانت ضروريّة، أو كان خروجها لاُمور راجحة، كالحجّ والزيارة وعيادة المرضى وزيارة أرحامها، ولا سيّما والديها. نعم، ينبغي بل الأحوط أن لا تبيت إلّا في بيتها الّذي كانت تسكنه في حياة زوجها، أو تنتقل منه إليه للاعتداد، بأن تخرج بعد الزوال وترجع عند العشيّ، أو تخرج بعد نصف الليل وترجع صباحا.
        مسألة 8 - لا إشكال في أنّ مبدأ عدّة الطلاق من حين وقوعه، حاضرا كان الزوج أو غائبا، بلغ الزوجة الخبر أم لا؛ فلو طلّقها غائبا ولم يبلغها إلّا بعد مضيّ مقدار العدّة فقد انقضت عدّتها، وليس عليها عدّة بعد بلوغ الخبر. ومثل عدّة الطلاق عدّة الفسخ والانفساخ على الظاهر. وكذا عدّة وطء الشبهة وإن كان الأحوط الاعتداد من حين ارتفاع الشبهة بل هذا الاحتياط لا يترك. وأمّا عدّة الوفاة فإن مات الزوج غائباً فهي من حين بلوغ الخبر إليها. ولا يبعد عدم اختصاص الحكم بصورة غيبة الزوج، بل يعمّ صورة حضوره إن خفي عليها موته لعلّة، فتعتدّ من حين إخبارها بموته.
        مسألة 9 - لا يعتبر في الإخبار الموجب للاعتداد من حينه كونه حجّةً شرعيّةً كعدلين، ولا عدل واحد. نعم، لا يجوز لها التزويج بالغير بلا حجّة شرعيّة على موته؛ فإذا ثبت ذلك بحجّة يكفي اعتداده من حين البلوغ، ولا يحتاج إليه من حين الثبوت.
        مسألة 10 - لو علمت بالطلاق ولم تعلم وقت وقوعه حتّى تحسب العدّة من ذلك الوقت اعتدّت من الوقت الّذي تعلم بعدم تأخّره عنه. والأحوط أن تعتدّ من حين بلوغ الخبر إليها، بل هذا الاحتياط لا يترك.
        مسألة 11 - لو فقد الرجل وغاب غيبةً منقطعةً ولم يبلغ منه خبر ولا ظهر منه أثر ولم يعلم موته وحياته: فإن بقي له مال تنفق به زوجته أو كان له وليّ يتولّى اُموره ويتصدّى لإنفاقه أو متبرّع للإنفاق عليها وجب عليها الصبر والانتظار، ولايجوز لها أن تتزوّج أبدا حتّى تعلم بوفاة الزوج أو طلاقه؛ وإن لم يكن ذلك: فإن صبرت فلها ذلك، وإن لم تصبر وأرادت الزواج رفعت أمرها إلى الحاكم الشرعيّ، فيؤجّلها أربع سنين من حين الرفع إليه، ثمّ يتفحّص عنه في تلك المدّة؛ فإن لم يتبيّن موته ولا حياته: فإن كان للغائب وليّ - أعني من كان يتولّى اُموره بتفويضه أو توكيله - يأمره الحاكم بطلاقها، وإن لم يقدم أجبره عليه؛ وإن لم يكن له وليّ أو لم يقدم ولم يمكن إجباره طلّقها الحاكم، ثمّ تعتدّ أربعةَ أشهر وعشرا عدّة الوفاة؛ فإذا تمّت هذه الاُمور جاز لها التزويج بلا إشكال. وفي اعتبار بعض ما ذكر تأمّلٌ ونظر، إلّا أنّ اعتبار الجميع هو الأحوط.
        مسألة 12 - ليس للفحص والطلب كيفيّة خاصّة، بل المدار ما يعدّ طلبا وفحصا. ويتحقّق ذلك ببعث من يعرف المفقود رعايةً - باسمه وشخصه أو بحِليته - إلى مظانّ وجوده للظفر به، وبالكتابة وغيرها كالتلغراف وسائر الوسائل المتداولة في كلّ عصر ليتفقّد عنه، وبالالتماس من المسافرين - كالزوّار والحجّاج والتجّار وغيرهم - بأن يتفقّدوا عنه في مسيرهم ومنازلهم ومقامهم، وبالاستخبار منهم حين الرجوع.
        مسألة 13 - لا يشترط في المبعوث والمكتوب إليه والمستخبر منهم من المسافرين العدالة، بل تكفي الوثاقة.
        مسألة 14 - لايعتبر أن يكون الفحص - بالبعث أو الكتابة ونحوها - من الحاكم، بل يكفي كونه من كلّ أحد حتّى نفس الزوجة إذا كان بأمره بعد رفع الأمر إليه.
        مسألة 15 - مقدار الفحص بحسب الزمان أربعة أعوام. ولا يعتبر فيه الاتّصال التامّ، بل هو على الظاهر نظير تعريف اللقطة سنةً كاملةً، يكفي فيه ما يصدق عرفا أنّه قد تفحّص عنه في تلك المدّة.
        مسألة 16 - المقدار اللازم من الفحص هو المتعارف لأمثال ذلك وما هو المعتاد؛ فلا يعتبر استقصاء الممالك والبلاد؛ ولا يعتنى بمجرّد إمكان وصوله إلى مكان، ولا بالاحتمالات البعيدة، بل إنّما يتفحّص عنه في مظانّ وجوده فيه ووصوله إليه، وما احتمل فيه احتمالا قريبا.
        مسألة 17 - لو علم أنّه قد كان في بلد معيّن في زمان ثمّ انقطع أثره يتفحّص عنه أوّلا في ذلك البلد على المعتاد؛ فيكفي التفقّد عنه في جوامعه ومجامعه وأسواقه ومتنزّهاته ومستشفياته وخاناته المعدّة لنزول الغرباء ونحوها. ولا يلزم استقصاء تلك المحالّ بالتفتيش أو السؤال، بل يكفي الاكتفاء بما هو المعتدّ به من مشتهراتها. وينبغي ملاحظة زيّ المفقود وصنعته وحرفته، فيتفقّد عنه في المحالّ المناسبة له ويسأل عنه من أبناء صنفه وحرفته مثلا؛ فإذا تمّ الفحص في ذلك البلد ولم يظهر منه أثر ولم يعلم موته ولا حياته: فإن لم يحتمل انتقاله إلى محلّ آخر بقرائن الأحوال سقط الفحص والسؤال، واكتفي بانقضاء مدّة التربّص أربع سنين؛ وإن احتمل الانتقال: فإن تساوت الجهات فيه تفحّص عنه في تلك الجهات، ولايلزم الاستقصاء التامّ، بل يكفي الاكتفاء ببعض المحالّ المهمّة والمشتركة في كلّ جهة، مراعيا للأقرب ثمّ الأقرب إلى البلد الأوّل، وإن كان الاحتمال في بعضها أقوى جاز جعل محلّ الفحص ذلك البعض والاكتفاء به، خصوصا إذا بعُد احتمال انتقاله إلى غيره. وإذا علم أنّه قد كان في مملكة أو سافر إليها ثمّ انقطع أثره كفى أن يتفحّص عنه مدّة التربّص في بلادها المشهورة الّتي تشدّ إليها الرحال. وإن سافر إلى بلد معيّن من مملكة - كالعراقيّ سافر إلى خراسان - يكفي الفحص في البلاد والمنازل الواقعة في طريقه إلى ذلك البلد وفي نفس ذلك البلد، ولا ينظر إلى الأماكن البعيدة عن الطريق، فضلا عن البلاد الواقعة في أطراف المملكة. وإذا خرج من منزله مريدا للسفر أو هرب ولا يدرى إلى أين توجّه وانقطع أثره تفحّص عنه مدّة التربّص في الأطراف والجوانب ممّا يحتمل قريبا وصوله إليه، ولا ينظر إلى ما بَعُد احتماله.
        مسألة 18 - قد عرفت أنّ الأحوط أن يكون الفحص والطلاق بعد رفع أمرها إلى الحاكم؛ فلو لم يمكن الوصول إليه: فإن كان له وكيل ومأذون في التصدّي للاُمور الحسبيّة فلا يبعد قيامه مقامه في هذا الأمر، ومع فقده أيضا فقيام عدول المؤمنين مقامه محلّ إشكال.
        مسألة 19 - إن علم أنّ الفحص لا ينفع ولا يترتّب عليه أثر فالظاهر سقوط وجوبه. وكذا لو حصل اليأس من الاطّلاع عليه في أثناء المدّة؛ فيكفي مضيّ المدّة في جواز الطلاق والزواج.
        مسألة 20 - يجوز لها اختيار البقاء على الزوجيّة - بعد رفع الأمر إلى الحاكم قبل أن تطلّق - ولو بعد الفحص وانقضاء الأجل. ولها أن تعدل عن اختيار البقاء إلى اختيار الطلاق، وحينئذٍ لا يلزم تجديد ضرب الأجل والفحص.
        مسألة 21 - الظاهر أنّ العدّة الواقعة بعد الطلاق عدّة طلاق وإن كانت بقدر عدّة الوفاة، ويكون الطلاق رجعيّا، فتستحقّ النفقة في أيّامها. وإن ماتت فيها يرثها لو كان في الواقع حيّا. وإن تبيّن موته فيها ترثه، وليس عليها حداد بعد الطلاق.
        مسألة 22 - إن تبيّن موته قبل انقضاء المدّة أو بعده قبل الطلاق وجب عليها عدّة الوفاة. وإن تبيّن بعد انقضاء العدّة اكتفي بها، سواء كان التبيّن قبل التزويج أو بعده، وسواء كان موته المتبيّن وقع قبل العدّة أو بعدها أو في أثنائها أو بعد التزويج. وأمّا لو تبيّن موته في أثناء العدّة فهل يكتفى بإتمامها أو تستأنف عدّة الوفاة من حين التبيّن؟ وجهان بل قولان، أحوطهما الثاني لو لم يكن الأقوى.
        مسألة 23 - لو جاء الزوج بعد الفحص وانقضاء الأجل: فإن كان قبل الطلاق فهي زوجته، وإن كان بعد ما تزوّجت بالغير فلا سبيل له عليها، وإن كان في أثناء العدّة فله الرجوع إليها كما أنّ له إبقاءها على حالها حتّى تنقضي عدّتها وتبين عنه، وأمّا إن كان بعد انقضاء العدّة وقبل التزويج ففي جواز رجوعها إليها وعدمه قولان، أقواهما الثاني.
        مسألة 24 - لو حصل لزوجة الغائب بسبب القرائن وتراكم الأمارات العلم بموته جاز لها بينها وبين اللّه أن تتزوّج بعد العدّة من دون حاجة إلى مراجعة الحاكم، وليس لأحد عليها اعتراضٌ ما لم يعلم كذبها في دعوى العلم. نعم، في جواز الاكتفاء بقولها واعتقادها لمن أراد تزويجها وكذا لمن يصير وكيلا عنها في إيقاع العقد عليها إشكال. والأحوط لها أن تتزوّج ممّن لم يطّلع بالحال ولم يدرِ أنّ زوجها قد فُقد، ولم يكن في البين إلّا دعواها بأنّ زوجها مات، بل يقدم على تزويجها مستندا إلى دعواها أنّها خليّة بلا مانع، وكذا تُوكّل من كان كذلك.

      • القول في عدة وطء الشبهة

         

        القول في عدّة وطء الشبهة

        والمراد به وطء الأجنبيّة بشبهة أنّها حليلته، إمّا لشبهة في الموضوع، كما لو وطئ مرأةً باعتقاد أنّها زوجته، أو لشبهة في الحكم، كما إذا عقد على اُخت الموطوء معتقدا صحّته ودخل بها.
        مسألة 1 - لا عدّة على المزنيّ بها، سواء حملت من الزنا أم لا على الأقوى. وأمّا الموطوءة شبهةً فعليها عدّة، سواء كانت ذاتَ بعل أو خليّةً، وسواء كانت لشبهة من الطرفين أو من طرف الواطئ، بل الأحوط لزومها إن كانت من طرف الموطوءة خاصّة.
        مسألة 2 - عدّة وطء الشبهة كعدّة الطلاق بالأقراء والشهور وبوضع الحمل لوحملت من هذا الوطء على التفصيل المتقدّم. ومن لم يكن عليها عدّة الطلاق كالصغيرة واليائسة ليس عليها هذه العدّة أيضا.
        مسألة 3 - لو كانت الموطوءة شبهةً ذاتَ بعل لايجوز لزوجها وطؤها في مدّة عدّتها. وهل يجوز له سائر الاستمتاعات منها أم لا؟ أحوطهما الثاني وأقواهما الأوّل. والظاهر أنّه لا تسقط نفقتها في أيّام العدّة وإن قلنا بحرمة جميع الاستمتاعات منها.
        مسألة 4 - إذا كانت خليّةً يجوز لواطئها أن يتزوّج بها في زمن عدّتها، بخلاف غيره، فإنّه لايجوز له ذلك على الأقوى.
        مسألة 5 - لا فرق في حكم وطء الشبهة من حيث العدّة وغيرها بين أن يكون مجرّدا عن العقد أو يكون بعده، بأن وطئ المعقود عليها بشبهة صحّة العقد مع فساده واقعا.
        مسألة 6 - لو كانت معتدّةً بعدّة الطلاق أو الوفاة فوطئت شبهةً أو وطئت ثمّ طلّقها أو مات عنها زوجها فعليها عدّتان على الأحوط لو لم يكن الأقوى؛ فإن كانت حاملا من أحدهما تقدّمت عدّة الحمل، فبعد وضعه تستأنف العدّة الاُخرى أو تستكمل الاُولى، وإن كانت حائلا يقدّم الأسبق منهما، وبعد تمامها استقبلت العدّةَ الاُخرى من الآخر.
        مسألة 7 - لو طلّق زوجته بائناً ثمّ وطئها شبهةً اعتدّت عدّةً اُخرى على الأحوط بالتفصيل المتقدّم في المسألة السابقة.
        مسألة 8 - الموجب للعدّة اُمور: الوفاة، والطلاق بأقسامه، والفسخ بالعيوب، والانفساخ بمثل الارتداد أو الإسلام أو الرضاع، والوطء بالشبهة مجرّدا عن العقد أو معه، وانقضاء المدّة أو هبتها في المتعة. ويشترط في الجميع كونها مدخولاً بها إلّا الأوّل.
        مسألة 9 - لو طلّقها رجعيّا بعد الدخول ثمّ رجع ثمّ طلّقها قبل الدخول لايجري عليه حكم الطلاق قبل الدخول حتّى لايحتاج إلى العدّة، من غير فرق بين كون الطلاق الثاني رجعيّا أو بائنا. وكذا الحال لو طلّقها بائنا ثمّ جدّد نكاحها في أثناء العدّة ثمّ طلّقها قبل الدخول، لايجري عليها حكم الطلاق قبل الدخول. وكذا الحال في ما إذا عقد عليها منقطعا ثمّ وهب مدّتها بعد الدخول ثمّ تزوّجها ثمّ طلّقها قبل الدخول؛ فتوهّم جواز الاحتيال بنكاح جماعة في يوم واحد امرأةً شابّةً ذاتَ عدّة بما ذكر في غاية الفساد.
        مسألة 10 - المطلّقة بالطلاق الرجعيّ بحكم الزوجة في الأحكام؛ فما لم يدلّ دليل على الاستثناء يترتّب عليها حكمها ما دامت في العدّة: من استحقاق النفقة والسكنى والكسوة إذا لم تكن ولم تصر ناشزةً، ومن التوارث بينهما، وعدم جواز نكاح اُختها والخامسة، وكون كفنها وفطرتها عليه. وأمّا البائنة - كالمختلعة والمباراة والمطلّقة ثلاثا - فلا يترتّب عليها آثار الزوجيّة مطلقا، لا في العدّة ولابعدها. نعم، لو كانت حاملا من زوجها استحقّت النفقة والكسوة والسكنى عليه حتّى تضع حملها كما مرّ.
        مسألة 11 - لو طلّقها مريضا ترثه الزوجة ما بين الطلاق وبين سنة، بمعنى أنّه إن مات الزوج بعد ما طلّقها في حال المرض بالمرض المزبور لا بسبب آخر على الأقرب: فإن كان موته بعد سنة من حين الطلاق ولو يوما أو أقلّ لا ترثه، وإن كان بمقدار سنة وما دونها ترثه، سواء كان الطلاق رجعيّا أو بائنا. وذلك بشروط ثلاثة: الأوّل: أن لا تتزوّج المرأة، فلو تزوّجت بعد انقضاء عدّتها ثمّ مات الزوج لم ترثه. الثاني: أن لا يبرأ من المرض الّذي طلّقها فيه، فلو برئ منه ثمّ مرض ومات في أثناء السنة لم ترثه إلّا إذا مات في أثناء العدّة الرجعيّة. الثالث: أن لا يكون الطلاق بالتماس منها، فلا ترث المختلعة والمباراة، لأنّ الطلاق بالتماسهما.
        مسألة 12 - لا يجوز لمن طلّق رجعيّا أن يخرج المطلّقة من بيته حتّى تنقضي عدّتها، إلّا أن تأتي بفاحشة توجب الحدّ، أو تأتي بما يوجب النشوز. وأمّا مطلق المعصية فلا توجب جواز إخراجها. وأمّا البذاء باللسان وإيذاء الأهل إذا لم ينته إلى النشوز ففي كونه موجبا له إشكال وتأمّل. ولا يبعد أن يكون ما يوجب الحدّ موجبا لسقوط حقّها مطلقا، وما يوجب النشوز موجبا لسقوطه مادام بقاؤها عليه، وإذا رجعت رجع حقّها. وكذا لا يجوز لها الخروج بدون إذن زوجها إلّا لضرورة أو أداء واجب مضيّق.

    • القول في الرجعة

       

      القول في الرجعة

      وهي ردّ المطلّقة في زمان عدّتها إلى نكاحها السابق. ولا رجعة في البائنة ولافي الرجعيّة بعد انقضاء عدّتها.
      مسألة 1 - الرجعة إمّا بالقول، وهو كلّ لفظ دلّ على إنشاء الرجوع، كقوله: «راجعتك إلى نكاحي» ونحوه، أو دلّ على التمسّك بزوجيّتها، كقوله: «رددتك إلى نكاحي» أو «أمسكتك في نكاحي»، ويجوز في الجميع إسقاط قوله: «إلى نكاحي» و«في نكاحي»، ولا يعتبر فيه العربيّة، بل يقع بكلّ لغة إذا أفاد المعنى المقصود؛ وإمّا بالفعل، بأن يفعل بهاما لا يحلّ إلّا للزوج بحليلته، كالوطء والتقبيل واللمس بشهوة أو بدونها.
      مسألة 2 - لا تتوقّف حلّيّة الوطء وما دونه من التقبيل واللمس على سبق الرجوع لفظا ولا على قصد الرجوع به، لأنّ الرجعيّة بحكم الزوجة. وهل يعتبر في كونه رجوعا أن يقصد به الرجوع؟ قولان، أقواهما العدم. ولو قصد عدم الرجوع وعدم التمسّك بالزوجيّة ففي كونه رجوعا تأمّل. نعم، في خصوص الغشيان غير بعيد. ولا عبرة بفعل الغافل والساهي والنائم ممّا لا قصد فيه للفعل، كما لا عبرة بالفعل المقصود به غير المطلّقة، كما لو واقعها باعتقاد أنّها غيرها.
      مسألة 3 - لو أنكر أصل الطلاق وهي في العدّة كان ذلك رجوعا وإن علم كذبه.
      مسألة 4 - لا يعتبر الإشهاد في الرجعة وإن استحبّ دفعا لوقوع التخاصم والنزاع. وكذا لا يعتبر فيها اطّلاع الزوجة عليها؛ فإن راجعها من دون اطّلاع أحد صحّت واقعا، لكن لو ادّعاها بعد انقضاء العدّة ولم تصدّقه الزوجة لم تسمع دعواه، غاية الأمر له عليها يمين نفي العلم لو ادّعى عليها العلم، كما أنّه لو ادّعى الرجوع الفعليّ كالوطء وأنكرته كان القول قولها بيمينها، لكن على البتّ لاعلى نفي العلم.
      مسألة 5 - لو اتّفقا على الرجوع وانقضاء العدّة واختلفا في المتقدّم منهما فادّعى الزوج أنّ المتقدّم الرجوع وادّعت هي أنّه انقضاؤها فإن تعيّن زمان الانقضاء وادّعى الزوج أنّ رجوعه كان قبله وادّعت هي أنّه بعده فالأقرب أنّ القول قولها بيمينها، وإن كان بالعكس - بأن تعيّن زمان الرجوع دون الانقضاء- فالقول قوله بيمينه.
      مسألة 6 - لو طلّق وراجع فأنكرت الدخول بها قبل الطلاق لئلّا تكون عليها العدّة ولا تكون له الرجعة وادّعى الدخول فالقول قولها بيمينها.
      مسألة 7 - الظاهر أنّ جواز الرجوع في الطلاق الرجعيّ حكم شرعيّ غير قابل للإسقاط، وليس حقّا قابلا له كالخيار في البيع الخياريّ؛ فلو أسقطه لم يسقط، وله الرجوع، وكذلك إذا صالح عنه بعوض أو بغير عوض.

  • كتاب الخلع والمباراة

     

    كتاب الخلع والمباراة

    مسألة 1 - الخلع: هو الطلاق بفدية من الزوجة الكارهة لزوجها؛ فهو قسم من الطلاق يعتبر فيه جميع شروطه المتقدّمة، ويزيد عليها بأنّه يعتبر فيه كراهة الزوجة لزوجها خاصّة؛ فإن كانت الكراهة من الطرفين فهو مباراة، وإن كانت من طرف الزوج خاصّة لم يكن خلعا ولا مباراةً.
    مسألة 2 - الظاهر وقوع الخلع بكلّ من لفظي «الخلع» و«الطلاق» مجرّدا كلّ منهما عن الآخر أو منضمّا؛ فبعد ما أنشأت الزوجة بذل الفدية ليخلعها الزوج يجوز أن يقول: «خلعتك على كذا» أو «أنت مختلعة على كذا» ويكتفي به أو يتبعه بقوله: «فأنت طالق على كذا»، أو يقول: «أنت طالق على كذا» ويكتفي به أو يتبعه بقوله: «فأنت مختلعة على كذا»، لكن لا ينبغي ترك الاحتياط بالجمع بينهما بل لا يترك.
    مسألة 3 - الخلع من الإيقاعات، لكن يشبه العقود في الاحتياج إلى طرفين وإنشاءين: بذل شي ء من طرف الزوجة ليطلّقها الزوج، وإنشاء الطلاق من طرفه بما بذلت. ويقع ذلك على نحوين: الأوّل: أن يقدّم البذل من طرفها على أن يطلّقها فيطلّقها على ما بذلت. الثاني: أن يبتدئ الزوج بالطلاق مصرّحا بذكر العوض فتقبل الزوجة بعده. ولا ينبغي ترك الاحتياط بإيقاعه على النحو الأوّل.
    مسألة 4 - يعتبر في صحّة الخلع عدم الفصل بين إنشاء البذل والطلاق بما يخلّ بالفوريّة العرفيّة؛ فلو أخلّ بها بطل الخلع ولم يستحق الزوج العوض، لكن إذا أوقعه بلفظ الطلاق أو أتبعه بذلك وقع الطلاق رجعيّا مع فرض اجتماع شرائطه، وإلّا كان بائنا.
    مسألة 5 - يجوز أن يكون البذل والطلاق بمباشرة الزوجين أو بتوكيلهما الغير أو بالاختلاف، ويجوز أن يوكّلا شخصا واحدا ليبذل عنها ويطلّق عنه، بل الظاهر أنّه يجوز لكلّ منهما أن يوكّل الآخر في ما هو من طرفه، فيكون أصيلا في ما يرجع إليه ووكيلاً في ما يرجع إلى الطرف.
    مسألة 6 - يصحّ التوكيل من الزوج في الخلع في جميع ما يتعلّق به من شرط العوض وتعيينه وقبضه وإيقاع الطلاق، ومن المرأة في جميع ما يتعلّق بها من استدعاء الطلاق وتقدير العوض وتسليمه.
    مسألة 7 - لو وقع الخلع بمباشرة الزوجين فإمّا أن يبتدئ الزوجة وتقول: «بذلت لك أو أعطيتك ما عليك من المهر أو الشي ء الفلانيّ لتطلّقني» فيقول فورا: «أنت طالق أو مختلعة - بكسر اللام - على ما بذلت أو على ما أعطيت»؛ وإمّا أن يبتدئ الزوج فيقول: «أنت طالق أو مختلعة بكذا أو على كذا» فتقول فورا: «قبلت». وإن وقع من وكيلين يقول وكيل الزوجة مخاطبا لوكيل الزوج: «عن قبل موكّلتي فلانة بذلت لموكّلك ما عليه من المهر أو المبلغ الفلانيّ ليخلعها ويطلّقها»، فيقول وكيل الزوج فورا: «زوجة موكّلي طالق على ما بذلت». وقس على ما ذكر سائر الصور المتصوّرة، لكن لاينبغي ترك الاحتياط المتقدّم أي الجمع بين الصيغتين، بل لا يترك.
    مسألة 8 - لو استدعت الزوجة الطلاق بعوض معلوم فقالت له: «طلّقني أو اخلعني بكذا» فيقول: «أنت طالق أو مختلعة بكذا» ففي وقوعه إشكال، فالأحوط إتباعه بالقبول منها بأن تقول بعد ذلك: «قبلت».
    مسألة 9 - يشترط في تحقّق الخلع بذل الفداء عوضا عن الطلاق. ويجوز الفداء بكلّ متموّل - من عين أو دين أو منفعة - قلّ أو كثر وإن زاد على المهر المسمّى؛ فإن كان عينا حاضرةً تكفي فيها المشاهدة، وإن كان كلّيّاً في الذمّة أو غائبا ذكر جنسه ووصفه وقدره. بل لا يبعد أن يكون الأمر فيه أوسع من ذلك؛ فيصحّ بما يؤول إلى العلم، كما لو بذلت ما في الصندوق مع العلم بكونه متموّلا؛ ويصحّ بما في ذمّة الزوج من المهر ولو لم يعلما به فعلا، بل في مثله ولولم يعلما بعدُ أيضا صحّ على الأقوى. ويصحّ جعل الفداء إرضاع ولده لكن مشروطا بتعيين المدّة. ولا تبعد صحّته بمثل قدوم الحاجّ وبلوغ الثمرة. وإن جعل كلّيّاً في ذمّتها يجوز جعله حالّاً ومؤجّلا مع تعيين الأجل ولو بمثل ما ذكر.
    مسألة 10 - يصحّ بذل الفداء منها ومن وكيلها، بأن يبذل وكالةً عنها من مالها أو بمال في ذمّتها. وهل يصحّ ممّن يضمنه في ذمّته بإذنها فيرجع إليها بعد البذل، بأن تقول لشخص: «اطلب من زوجي أن يطلّقني بألف درهم -مثلا- عليك وبعد ما دفعتها إليه ارجع عليّ» ففعل ذلك وطلّقها الزوج على ذلك؟ وجهان بل قولان، لايخلو ثانيهما من رجحان؛ كما أنّه لا يصحّ من المتبرّع الّذي لا يرجع عليها؛ فلوقالت الزوجة لزوجها: «طلّقني على دار زيد أو ألف في ذمّته» فطلّقها على ذلك وقد أذن زيد أو أجاز بعده لم يصحّ الخلع ولا الطلاق الرجعيّ ولا غيره، إلّا إذا أوقع بلفظ الطلاق أو أتبعه بصيغته.
    مسألة 11 - لو قال أبوها: «طلّقها وأنت بري ءٌ من صداقها» وكانت بالغةً رشيدةً فطلّقها صحّ الطلاق وكان رجعيّا بشرائطه والشرط المتقدم في المسألة السابقة، ولم تبرأ ذمّته بذلك ما لم تبرئ، ولم يلزم عليها الإبراء، ولا يضمنه الأب.
    مسألة 12 - لو جعلت الفداء مال الغير أو ما لا يملكه المسلم كالخمر مع العلم بذلك بطل البذل فبطل الخلع وصار الطلاق رجعيّا بالشرط المتقدّم. ولو جعلته مال الغير مع الجهل بالحال فالمشهور صحّة الخلع وضمانها للمثل أو القيمة. وفيه تأمّلٌ.
    مسألة 13 - يشترط في الخلع على الأحوط أن تكون كراهة الزوجة شديدةً بحيث يخاف من قولها أوفعلها أوغيرهما الخروج عن الطاعةوالدخول في المعصية.
    مسألة 14 - الظاهر أنّه لا فرق بين أن تكون الكراهة المشترطة في الخلع ذاتيّةً ناشئةً من خصوصيّات الزوج - كقبح منظره وسوء خلقه وفقره وغير ذلك- وبين أن تكون ناشئةً من بعض العوارض، مثل وجود الضرّة، وعدم إيفاء الزوج بعض الحقوق الواجبة أو المستحبّة. نعم، إن كانت الكراهة وطلب المفارقة من جهة إيذاء الزوج لها - بالسبّ والشتم والضرب ونحوها - فتريد تخليص نفسها منها فبذلت شيئا ليطلّقها فطلّقها لم يتحقّق الخلع، وحرم عليه ما أخذه منها، ولكنّ الطلاق صحّ رجعيّاً بالشرط المتقدّم.
    مسألة 15 - لو طلّقها بعوض مع عدم الكراهة وكون الأخلاق ملتئمةً لم يصحّ الخلع ولم يملك العوض، ولكن صحّ الطلاق بالشرط المتقدّم، فإن كان مورده الرجعيّ كان رجعيّا، وإلّا بائنا.
    مسألة 16 - طلاق الخلع بائن لا يقع فيه الرجوع مالم ترجع المرأة في ما بذلت، ولها الرجوع فيه ما دامت في العدّة، فإذا رجعت كان له الرجوع إليها.
    مسألة 17 - الظاهر اشتراط جواز رجوعها في المبذول بإمكان رجوعه بعد رجوعها؛ فلو لم يمكن - كالمطلّقة ثلاثا، وكما إذا كانت ممّن ليست لها عدّة، كاليائسة وغير المدخول بها - لم يكن لها الرجوع في البذل ،بل لا يبعد عدم صحّة رجوعها فيه مع فرض عدم علمه بذلك إلى انقضاء محلّ رجوعه؛ فلو رجعت عند نفسها ولم يطّلع عليه الزوج حتّى انقضت العدّة فلا أثر لرجوعها.
    مسألة 18 - المباراة قسم من الطلاق؛ فيعتبر فيه جميع شروطه المتقدّمة. ويعتبر فيه ما يشترط في الخلع من الفدية والكراهة، فهي كالخلع طلاق بعوض ما تبذله المرأة. وتقع بلفظ الطلاق، بأن يقول الزوج بعد ما بذلت له شيئا ليطلّقها: «أنت طالق على ما بذلت». ولو قرنه بلفظ «بارأتك» كان الفراق بلفظ الطلاق من غير دخل للفظ «بارأتك». ولا يقع بقوله: «بارأتك» مجرّدا.
    مسألة 19 - تفارق المباراة الخلع باُمور:
    أحدها: أنّها تترتّب على كراهة كلّ من الزوجين لصاحبه، بخلاف الخلع فإنّه يترتّب على كراهة الزوجة خاصّة.
    ثانيها: أنّه يشترط فيها أن لا تكون الفداء بأكثر من مهرها، بل الأحوط أن يكون أقلّ منه، بخلاف الخلع، فإنّه فيه على ما تراضيا.
    ثالثها: أنّها لا تقع بلفظ «بارأتك». ولو جمع بينه وبين لفظ الطلاق يكون الفراق بالطلاق وحده، بخلاف الخلع، فإنّ الأحوط وقوعه بلفظ الخلع والطلاق جمعا كما مرّ.
    مسألة 20 - طلاق المباراة بائن ليس للزوج الرجوع فيه، إلّا أن ترجع الزوجة في الفدية قبل انقضاء العدّة، فله الرجوع إليها حينئذٍ.

  • كتاب الظهار

     

    كتاب الظهار

    الّذي كان طلاقا في الجاهليّة و موجباً للحرمة الأبديّة، وقد غيّر شرع الإسلام حكمه، وجعله موجبا لتحريم الزوجة المظاهرة ولزوم الكفّارة بالعود، كما ستعرف تفصيله.
    مسألة 1 - صيغة الظهار أن يقول الزوج مخاطبا للزوجة: «أنت عليّ كظهر اُمّي» أو يقول بدل أنت: «هذه» مشيرا إليها أو «زوجتي» أو «فلانة». ويجوز تبديل «عليّ» بقوله: «منّي» أو «عندي» أو «لديّ»، بل الظاهر عدم اعتبار ذكر لفظة «عليّ» وأشباهه أصلا، بأن يقول «أنت كظهر اُمّي». ولو شبّهها بجزء آخر من أجزاء الاُمّ غير الظهر كرأسها أو يدها أو بطنها ففي وقوع الظهار قولان، أحوطهما ذلك. ولو قال: «أنتِ كاُمّي أو اُمّي» قاصدا به التحريم - لاعلوّ المنزلة والتعظيم أو كبر السنّ وغير ذلك - لم يقع وإن كان الأحوط وقوعه، بل لا يترك الاحتياط.
    مسألة 2 - لو شبّهها بإحدى المحارم النسبيّة غير الاُمّ كالبنت والأخت فمع ذكر الظهر بأن يقول مثلا: «أنتِ عليّ كظهر اُختي» يقع الظهار على الأقوى، وبدونه كما إذا قال: «كاُختي، أو كرأس اُختي» لم يقع على إشكال.
    مسألة 3 - الموجب للتحريم ما كان من طرف الرجل؛ فلو قالت المرأة: «أنت عليّ كظهر أبي أو أخي» لم يؤثّر شيئا.
    مسألة 4 - يشترط في الظهار وقوعه بحضور عدلين يسمعان قول المظاهر كالطلاق؛ وفي المظاهر: البلوغ والعقل والاختيار والقصد، فلا يقع من الصبيّ ولاالمجنون ولا المكره ولا الساهي والهازل والسكران، ولا مع الغضب، سواء كان سالبا للقصد أم لا على الأقوى؛ وفي المظاهرة: خلوّها عن الحيض والنفاس، وكونها في طهر لم يواقعها فيه على التفصيل المذكور في الطلاق. وفي اشتراط كونها مدخولا بها قولان، أصحّهما ذلك.
    مسألة 5 - الأقوى عدم اعتبار دوام الزوجيّة، بل يقع على المتمتّع بها.
    مسألة 6 - الظهار على قسمين: مشروط ومطلق؛ فالأوّل ما علّق على شي ء دون الثاني. ويجوز التعليق على الوطء، بأن يقول: «أنت عليّ كظهراُمّي إن واقعتك».
    مسألة 7 - إن تحقّق الظهار بشرائطه: فإن كان مطلقاً حرم على المظاهر وطء المظاهرة، ولا يحلّ له حتّى يكفّر، فإذا كفّر حلّ له وطؤها، ولا يلزم كفّارة اُخرى بعد وطئها، ولو وطئها قبل أن يكفّر فعليه كفّارتان، والأشبه عدم حرمة سائر الاستمتاعات قبل التكفير؛ وإن كان مشروطا حرم عليه الوطء بعد حصول شرطه؛ فلو علّقه على الوطء لم يحرم عليه الوطء المعلّق عليه، ولا تتعلّق به الكفّارة.
    مسألة 8 - إذا طلّقها رجعيّا ثمّ راجعها لم يحلّ له وطؤها حتّى يكفّر، بخلاف ما إذا تزوّجها بعد انقضاء عدّتها أو كان بائناً. ولو تزوّجها في العدّة يسقط حكم الظهار.
    مسألة 9 - كفّارة الظهار أحد اُمور ثلاثة مرتّبة: عتق رقبة، فإن عجز عنه فصيام شهرين متتابعين، وإن عجز عنه فإطعام ستّين مسكيناً.
    مسألة 10 - لو صبرت المظاهرة على ترك وطئها فلا اعتراض، وإن لم تصبر رفعت أمرها إلى الحاكم الشرعيّ، فيحضره ويخيّره بين الرجعة بعد التكفير وبين طلاقها، فإن اختار أحدهما، وإلّا أنظره ثلاثةَ أشهر من حين المرافعة، فإن انقضت المدّة ولم يختر أحدَهما حبسه وضيّق عليه في المأكل والمشرب حتّى يختار أحدَهما، ولا يجبره على أحدهما ولا يطلّق عنه.

  • كتاب الايلاء

     

    كتاب الإيلاء

    وهو الحلف على ترك وطء الزوجة الدائمة المدخول بها أبدا أو مدّةً تزيد على أربعة أشهر، للإضرار بها، فلا يتحقّق بغير القيود المذكورة وإن انعقد اليمين مع فقدها، ويترتّب عليه آثاره إذا اجتمع شروطه.
    مسألة 1 - لا ينعقد الإيلاء - كمطلق اليمين - إلّا باسم اللّه تعالى المختصّ به أو الغالب إطلاقه عليه. ولا يعتبر فيه العربيّة، ولا اللفظ الصريح في كون المحلوف عليه ترك الجماع في القبل، بل المعتبر صدق كونه حالفا على ترك ذلك العمل بلفظ له ظهور فيه، فيكفي قوله: «لا أطأك» أو «لا اُجامعك» أو «لا أمسّك»، بل وقوله: «لاجمع رأسي ورأسك وسادة أو مخدّة» إذا قصد به ترك الجماع.
    مسألة 2 - لو تمّ الإيلاء بشرائطه: فإن صبرت المرأة مع امتناعه عن المواقعة فلا كلام، وإلّا فلها الرفع إلى الحاكم فيُحضره ويُنظره أربعة أشهر: فإن رجع وواقعها في هذه المدّة فهو، وإلّا أجبره على أحد الأمرين: إمّا الرجوع أو الطلاق؛ فإن فعل أحدهما، وإلّا حبسه وضيّق عليه في المأكل والمشرب حتّى يختار أحدهما، ولا يجبره على أحدهما معيّنا.
    مسألة 3 - الأقوى أنّ الأشهر الأربعة الّتي يُنظر فيها ثمّ يُجبر على أحد الأمرين بعدها هي من حين الرفع إلى الحاكم.
    مسألة 4 - يزول حكم الإيلاء بالطلاق البائن وإن عقد عليها في العدّة، بخلاف الرجعيّ، فإنّه وإن خرج بذلك من حقّها فليست لها المطالبة والترافع إلى الحاكم، لكن لا يزول حكم الإيلاء إلّا بانقضاء عدّتها؛ فلو راجعها في العدّة عاد إلى الحكم الأوّل، فلها المطالبة بحقّها والمرافعة.
    مسألة 5 - متى وطئها الزوج بعد الإيلاء لزمته الكفّارة، سواء كان في مدّة التربّص أو بعدها أو قبلها، لأنّه قد حنث اليمين على كلّ حال وإن جاز له هذا الحنث، بل وجب بعد انقضاء المدّة ومطالبتها وأمر الحاكم به تخييرا. وبهذا يمتاز هذا الحلف عن سائر الأيمان، كما أنّه يمتاز عن غيره بأنّه لا يعتبر فيه ما يعتبر في غيره من كون متعلّقه مباحا تساوى طرفاه أو كان راجحا ديناً أو دنيا.

  • كتاب اللعان

     

    كتاب اللعان

    وهي مباهلة خاصّة بين الزوجين، أثرها دفع الحدّ أو نفي الولد.
    مسألة 1- إنّما يشرع اللعان في مقامين: أحدهما: في ما إذا رمى الزوج زوجته بالزنا. ثانيهما: في ما إذا نفى ولديّة من ولد في فراشه مع إمكان لحوقه به.
    مسألة 2 - لايجوز للرجل قذف زوجته بالزنا مع الريب، ولا مع غلبة الظنّ ببعض الأسباب المريبة، بل ولا بالشياع ولا بإخبار ثقة. نعم، يجوز مع اليقين، لكن لا يصدّق إذا لم تعترف به الزوجة ولم تكن بيّنة، بل يُحَدّ حدّ القذف مع مطالبتها إلّا اذا أوقع اللعان الجامعة للشروط الآتية، فيدرأ عنه الحدّ.
    مسألة 3 - يشترط في ثبوت اللعان بالقذف أن يدّعي المشاهدة؛ فلا لعان في من لم يدّعها ومن لم يتمكّن منها كالأعمى، فيحدّان مع عدم البيّنة؛ وأن لاتكون له بيّنة، فإن كانت تتعيّن إقامتها لنفي الحدّ ولا لعان.
    مسألة 4 - يشترط في ثبوت اللعان أن تكون المقذوفة زوجةً دائمةً؛ فلالعان في قذف الأجنبيّة، بل يحدّ القاذف مع عدم البيّنة، وكذا في المنقطعة على الأقوى؛ وأن تكون مدخولا بها، وإلّا فلا لعان؛ وأن تكون غير مشهورة بالزنا، وإلّا فلا لعان، بل ولا حدّ حتّى يدفع باللعان، بل عليه التعزير لو لم يدفعه عن نفسه بالبيّنة. نعم، لوكانت متجاهرةً بالزنا لا يبعد عدم ثبوت التعزير أيضا. ويشترط في اللعان أيضا أن تكون كاملةً سالمةً عن الصمم والخرس.
    مسألة 5 - لا يجوز للرجل أن ينكر ولديّة من تولّد في فراشه مع إمكان لحوقه به، بأن دخل باُمّه، أو أمنى في فرجها، أو حواليه بحيث أمكن جذب الرحم إيّاه، وقد مضى من ذلك إلى زمان وضعه ستّة أشهر فصاعدا ولم يتجاوز عن أقصى مدّة الحمل، حتّى في ما إذا فجر أحدٌ بها فضلا عمّا إذا اتّهمها، بل يجب الإقرار بولديّته. نعم، يجب عليه أن ينفيه -ولو باللعان- مع علمه بعدم تكوّنه منه، من جهة علمه باختلال شروط الالتحاق به إذا كان بحسب ظاهر الشرع ملحقا به لولا نفيه، لئلّا يلحق بنسبه من ليس منه، فيترتّب عليه حكم الولد في الميراث والنكاح ونظر محارمه وغير ذلك.
    مسألة 6 - لو نفى ولديّة من ولد في فراشه: فإن علم أنّه دخل باُمّه دخولا يمكن معه لحوق الولد به أو أقرّ بذلك ومع ذلك نفاه لا يسمع منه ولا ينتفي منه لاباللعان ولا بغيره؛ وأما لو لم يعلم ذلك ولم يقرّ به وقد نفاه إمّا مجرّدا عن ذكر السبب بأن قال: «هذا ليس ولدي» أومع ذكره بأن قال: «لأنّي لم أدخل باُمّه أصلا» أو أنكر دخولا يمكن تكوّنه منه فحينئذٍ وإن لم ينتف عنه بمجرّد نفيه لكن باللعان ينتفي عنه بشرط ثبوت الدخول، ومع عدم ثبوته لم يشرع اللعان مطلقاً.
    مسألة 7 - إنما يشرع اللعان لنفي الولد إذا كانت المرأة منكوحةً بالعقد الدائم. وأمّا ولد المتمتّع بها فينتفي بنفيه من دون لعان وإن لم يجز له نفيه مع عدم علمه بالانتفاء. ولو علم أنّه دخل بها أو أمنى في فرجها أو حواليه بحيث يمكن أن يكون الولد منه أو أقرّ بذلك ومع ذلك قد نفاه لم ينتف عنه بنفيه، ولم يسمع منه ذلك كالدائمة.
    مسألة 8 - لا فرق في مشروعيّة اللعان لنفي الولد بين كونه حملا أو منفصلا.
    مسألة 9 - من المعلوم أنّ انتفاء الولد عن الزوج لا يلازم كونه من زناً، لاحتمال تكوّنه من وطء الشبهة أو غيره؛ فلو علم الرجل بعدم التحاق الولد به وإن جاز له بل وجب عليه نفيه عن نفسه لكن لا يجوز له أن يرميها بالزنا وينسب ولدها بكونه من زناً.
    مسألة 10 - لو أقرّ بالولد لم يسمع إنكاره له بعد ذلك، سواء كان إقراره صريحا، أو كنايةً مثل أن يبشّر به ويقال له: «بارك اللّه لك في مولودك»، فيقول: «آمين» أو «إن شاء اللّه تعالى»، بل قيل: إنّه إذا كان الزوج حاضرا وقت الولادة ولم ينكر الولد مع ارتفاع العذر لم يكن له إنكاره بعده، بل نسب ذلك إلى المشهور، لكنّ الأقوى خلافه.
    مسألة 11 - لا يقع اللعان إلّا عند الحاكم الشرعيّ. والأحوط أن لا يقع حتّى عند المنصوب من قبله لذلك. وصورته أن يبدأ الرجل ويقول بعد ما قذفها أو نفى ولدها: «أشهد باللّه إنّي لمن الصادقين في ما قلت من قذفها، أو نفي ولدها» يقول ذلك أربع مرّات. ثمّ يقول مرّة واحدة: «لعنة اللّه عليّ إن كنت من الكاذبين»؛ ثمّ تقول المرأة بعد ذلك أربع مرّات: «أشهد باللّه إنّه لمن الكاذبين في مقالته من الرمي بالزنا أونفي الولد»، ثمّ تقول مرّة واحدة: «إنّ غضب اللّه عليّ إن كان من الصادقين».
    مسألة 12 - يجب أن تكون الشهادة واللعن على الوجه المذكور؛ فلو قال أو قالت: «أحلف» أو «اُقسم» أو «شهدت» أو «أنا شاهد» أو أبدلا لفظ الجلالة بغيره كالرحمان وخالق البشر ونحوهما أو قال الرجل: «إنّي صادق» أو «لصادق» أو «من الصادقين» بغير ذكر اللام أو قالت المرأة: «إنّه لكاذب» أو «كاذب» أو «من الكاذبين» لم يقع، وكذا لو أبدل الرجل اللعنة بالغضب والمرأة بالعكس.
    مسألة 13 - يجب أن يكون إتيان كلّ منهما باللعان بعد إلقاء الحاكم إيّاه عليه؛ فلو بادر به قبل أن يأمر الحاكم به لم يقع.
    مسألة 14 - يجب أن تكون الصيغة بالعربيّة الصحيحة مع القدرة عليها، وإلّا أتى بالميسور منها، ومع التعذّر أتى بغيرها.
    مسألة 15 - يجب أن يكونا قائمين عند التلفّظ بألفاظهما الخمسة. وهل يعتبر أن يكونا قائمين معا عند تلفّظ كلّ منهما أو يكفي قيام كلّ عند تلفّظه بما يخصّه؟ أحوطهما الأوّل، بل لايخلو من قوّة.
    مسألة 16 - إذا وقع اللعان الجامع للشرائط منهما يترتّب عليه أحكام أربعة:
    الأوّل: انفساخ عقد النكاح والفرقة بينهما.
    الثاني: الحرمة الأبديّة؛ فلا تحلّ له أبدا ولو بعقد جديد. وهذان الحكمان ثابتان في مطلق اللعان، سواء كان للقذف أو لنفي الولد.
    الثالث: سقوط حدّ القذف عن الزوج بلعانه، وسقوط حدّ الزنا عن الزوجة بلعانها؛ فلو قذفها ثمّ لاعن ونكلت هي عن اللعان تخلّص الرجل عن حدّ القذف، وتحدّ المرأة حدّ الزانية، لأنّ لعانه بمنزلة البيّنة في إثبات الزنا.
    الرابع: انتفاء الولد عن الرجل دون المرأة إن تلاعنا لنفيه، بمعنى أنّه لو نفاه وادّعت كونه له فتلاعنا لم يكن توارث بين الرجل والولد، وكذا بين الولد وكلّ من انتسب إليه بالاُبوّة، كالجدّ والجدّة والأخ والاُخت للأب، وكذا الأعمام والعمّات، بخلاف الاُمّ ومن انتسب إليه بها، حتّى أنّ الإخوة للأب والاُمّ بحكم الإخوة للاُمّ.
    مسألة 17 - لو كذّب نفسه بعد ما لاعَنَ لنفي الولد لحق به الولد في ما عليه لافي ما له، فيرثه الولد ولا يرثه الأب ولا من يتقرّب به، ولا يرث الولد أقارب أبيه بإقراره.

  • كتاب المواريث
  •  

    كتاب المواريث

    وفيه مقدّمات ومقصدان ولواحق. أمّا المقدّمات فاُمور:

    • مقدمات الإرث
      • الأمر الأول في موجبات الإرث

         

        الأوّل في موجبات الإرث

        وهي نسب وسبب:
        فالأوّل ثلاث مراتب: الاُولى: الأبوان والأولاد وإن نزلوا. والثانية: الأجداد والجدّات وإن علوا والإخوة والأخوات وأولادهم وإن نزلوا. الثالثة: الأعمام والعمّات والأخوال والخالات وإن علوا وأولادهم وإن نزلوا بشرط الصدق عرفاً.
        والثاني قسمان: الزوجيّة، والولاء. وهو ثلاث مراتب: ولاء العتق، ثمّ ولاء ضمان الجريرة، ثمّ ولاء الإمامة.

      • الامر الثاني في موانع الإرث
      •  

        الأمر الثاني في موانع الإرث

        وهي كثيرة: منها ما يمنع عن أصله، وهو حجب الحرمان. ومنها ما يمنع عن بعضه، وهو حجب النقصان.
        فما يمنع عن أصله اُمور:

        • حجب الحرمان
          • الأول: الكفر بأصنافه

             

            الأوّل: الكفر بأصنافه

            أصليّاً كان أو عن ارتداد؛ فلا يرث الكافر من المسلم وإن كان قريباً. ويختصّ إرثه بالمسلم وإن كان بعيداً؛ فلو كان له ابنٌ كافرٌ لا يرثه. ولو لم يكن له قرابةٌ نسباً وسبباً إلّا الإمام (عليه السلام) فيختصّ إرثه به دون ابنه الكافر.
            مسألة 1 - لو مات الكافر - أصليّاً أو مرتدّاً عن فطرة أو ملّة - وله وارث مسلم وكافر ورثه المسلم كما مرّ. وإن لم يكن له وارث مسلم بل كان جميع ورّاثه كفّاراً يرثونه على قواعد الإرث، إلاّ إذا كان مرتدّاً فطريّاً أو ملّيّاً، فإنّ ميراثه للإمام (عليه السلام)، دون ورّاثه الكفّار.
            مسألة 2 - لوكان الميّت مسلماً أو مرتدّاً فطريّاً أو ملّيّاً و لم يكن له وارث إلّا الزوج والإمام (عليه السلام) كان إرثه للزوج لا الإمام (عليه السلام) ولو كان وارثه منحصراً بالزوجة والإمام(عليه السلام) يكون ربع تركته للزوجة والبقيّة للإمام (عليه السلام).
            مسألة 3 - لو مات مسلم أو كافر وكان له وارث كافر ووارث مسلم غير الإمام (عليه السلام) وأسلم وارثه الكافر بعد موته: فإن كان وارثه المسلم واحداً اختصّ بالإرث ولم ينفع لمن أسلم إسلامه؛ نعم، لو كان الواحد زوجةً ينفع إسلام من أسلم قبل قسمة التركة بينها وبين الإمام (عليه السلام) أو نائبه؛ ولو كان وارثه المسلم متعدّداً: فإن كان إسلام من أسلم بعد قسمة الإرث لم ينفع إسلامه، وأمّا لو كان قبلها فيشاركهم فيه إن ساواهم في المرتبة، واختصّ به و حجبهم إن تقدّم عليهم، كما إذا كان ابناً للميّت وهم إخوة.
            مسألة 4 - لو أسلم الوارث بعد قسمة بعض التركة دون بعض فالأحوط التصالح.
            مسألة 5 - لو مات مسلم عن ورثة كفّار ليس بينهم مسلم فأسلم بعضهم بعد موته اختصّ هو بالإرث، ولا يرثه الباقون ولا الإمام(عليه السلام) وكذا الحال لو مات مرتدّ وخلّف ورثةً كفّاراً وأسلم بعضهم بعد موته.
            مسألة 6 - لو مات كافر أصليّ وخلّف ورثةً كفّاراً ليس بينهم مسلم فأسلم بعضهم بعد موته فالظاهر أنّه لا أثر لإسلامه، وكان الحكم كما قبل إسلامه، فيختصّ بالإرث مع تقدّم طبقته، ويختصّ غيره به مع تأخّرها، وشاركهم مع المساواة. ويحتمل أن تكون مشاركته مع الباقين في الصورة الأخيرة في ما إذا كان إسلامه بعد قسمة التركة بينه وبينهم، وأمّا إذا كان قبلها اختصّ بالإرث. وكذا اختصاص الطبقة السابقة في الصورة الثانية إنّما هو في ما إذا كان مَن في الطبقة السابقة واحداً أو متعدّداً وكان إسلام من أسلم بعد قسمة التركة بينهم، وأمّا إذا كان إسلامه قبلها اختصّ الإرث به.
            مسألة 7 - المراد بالمسلم والكافر وارثاً ومورّثاً وحاجباً ومحجوباً أعمّ منهما حقيقةً ومستقلّاً أو حكماً وتبعاً؛ فكلّ طفل كان أحد أبويه مسلماً حال انعقاد نطفته فهو مسلم حكماً وتبعاً، فيلحقه حكمه، وإن ارتدّ بعد ذلك المتبوع فلا يتبعه الطفل في الارتداد الطارئ. نعم، يتبعه في الإسلام لو أسلم أحد أبويه قبل بلوغه بعد ما كانا كافرين حين انعقاد نطفته. وكلّ طفل كان أبواه معاً كافرين - أصليّين أو مرتدّين أو مختلفين - حين انعقاد نطفته فهو بحكم الكافر حتّى أسلم أحدهما قبل بلوغه أو أظهر الإسلام هو بعده؛ فعلى ذلك لو مات كافر وله أولاد كفّار وأطفال أخ مسلم أو اُخت مسلمة ترثه تلك الأطفال دون الأولاد؛ ولو كان له ابن كافر وطفل ابن مسلم يرثه هو دون ابنه. ولو مات مسلم وله طفل ثمّ مات الطفل ولم يكن له وارث مسلم في جميع الطبقات كان وارثه الإمام(عليه السلام)، كما هو الحال في الميّت المسلم. ولو مات طفل بين كافرين وله مال وكان ورثته كلّهم كفّاراً ورثه الكفّار على ما فرض اللّه دون الإمام (عليه السلام) هذا إذا كان أبواه كافرين أصليّين. وأمّا إذا كانا مرتدّين فهل لهذا الطفل حكم الكفر الارتداديّ حتّى يكون وارثه الإمام(عليه السلام) أو حكم الكافر الأصليّ حتّى ترثه ورثته الكفّار؟ وجهان، لا يخلو ثانيهما من قوّة. وفي جريان حكم التبعيّة في ما تقدّم في الجدّة تأمّل. وكذا في الجدّ مع وجود الأب الكافر وإن كان جريانه فيه مطلقاً لا يخلو من وجه.
            مسألة 8 - المسلمون يتوارثون وإن اختلفوا في المذاهب والاُصول والعقائد؛ فيرث المحقّ منهم عن المبطل وبالعكس ومبطلهم عن مبطلهم. نعم، الغلاة المحكومون بالكفر والخوارج والنواصب ومن أنكر ضروريّاً من ضروريّات الدين مع الالتفات والالتزام بلازمه كفّار أو بحكمهم، فيرث المسلم منهم وهم لا يرثون منه.
            مسألة 9 - الكفّار يتوارثون وإن اختلفوا في الملل والنحل؛ فيرث النصرانيّ من اليهوديّ وبالعكس، بل يرث الحربيّ من الذمّيّ وبالعكس، لكن يشترط في إرث بعضهم من بعضٍ فقدانُ الوارث المسلم كما مرّ.
            مسألة 10 - المرتدّ - وهو من خرج عن الإسلام واختار الكفر - على قسمين: فطريّ وملّي. والأوّل: من كان أحد أبويه مسلماً حال انعقاد نطفته ثمّ أظهر الإسلام بعد بلوغه ثمّ خرج عنه. والثاني: من كان أبواه كافرين حال انعقاد نطفته ثمّ أظهر الكفر بعد البلوغ فصار كافراً أصليّاً ثمّ أسلم ثمّ عاد إلى الكفر، كنصرانيّ بالأصل أسلم ثمّ عاد إلى نصرانيّته مثلاً.
            فالفطريّ إن كان رجلاً تبين منه زوجته وينفسخ نكاحها بغيرطلاق، وتعتدّعدّة الوفاة ثمّ تتزوّج إن أرادت، وتقسّم أمواله الّتي كانت له حين ارتداده بين ورثته بعد أداء ديونه كالميّت ولا ينتظر موته، ولا تفيد توبته ورجوعه إلى الإسلام في رجوع زوجته وماله إليه. نعم، تقبل توبته - باطناً وظاهراً أيضاً- بالنسبة إلى بعض الأحكام، فيطهر بدنه، وتصحّ عباداته، ويملك الأموال الجديدة بأسبابه الاختياريّة كالتجارة والحيازة، والقهريّة كالإرث، ويجوز له التزويج بالمسلمة، بل له تجديد العقد على زوجته السابقة. وإن كان امرأةً بقيت أموالها على ملكها، ولا تنتقل إلى ورثتها إلّا بموتها، وتبين من زوجها المسلم في الحال بلا اعتداد إن كانت غير مدخول بها، ومع الدخول بها فإن تابت قبل تمام العدّة - وهي عدّة الطلاق- بقيت الزوجيّة، وإلّا انكشف عن الانفساخ والبينونة من أوّل زمن الارتداد.
            وأمّا الملّيّ - سواء كان رجلاً أو امرأةً - فلا تنتقل أمواله إلى ورثته إلّا بالموت، وينفسخ النكاح بين المرتدّ وزوجته المسلمة؛ وكذا بين المرتدّة وزوجها المسلم بمجرّد الارتداد بدون اعتداد مع عدم الدخول، ومعه وقف الفسخ على انقضاء العدّة، فإن رجع أو رجعت قبل انقضائها كانت زوجته، وإلّا انكشف أنّها بانت عنه عند الارتداد. ثمّ إنّ هنا أقساماً اُخرفي إلحاقهابالفطريّ أوالملّيّ خلاف موكول إلى محلّه.

          • الثاني والثالث: القتل والرّق

             

            الثاني: القتل

            مسألة 1 - لا يرث القاتل من المقتول لو كان القتل عمداً وظلماً، ويرث منه إن قتله بحقّ، كما إذا كان قصاصاً أو حدّاً أو دفاعاً عن نفسه أو عرضه أو ماله؛ وكذا إذا كان خطأً محضاً، كما إذا رمى إلى طائر فأخطأ وأصاب قريبه فإنّه يرثه. نعم، لايرث من ديته الّتي تتحمّلها العاقلة على الأقوى. وأمّا شبه العمد (وهو ما إذا كان قاصداً لإيقاع الفعل على المقتول غير قاصد للقتل وكان الفعل ممّا لا يترتّب عليه القتل في العادة، كما إذا ضربه ضرباً خفيفاً للتأديب فأدّى إلى قتله) ففي كونه كالعمد المحض مانعاً عن الإرث أو كالخطأ المحض قولان، أقواهما ثانيهما.
            مسألة 2 - لا فرق في القتل العمديّ ظلماً في مانعيّته من الإرث بين ما كان بالمباشرة - كما إذا ذبحه أو رماه بالرصاص - وبين ما كان بالتسبيب، كما إذا ألقاه في مسبعة فافترسه السبع، أو حبسه في مكان زماناً طويلاً بلا قوت فمات جوعاً أو عطشاً، أو أحضر عنده طعاماً مسموماً بدون علم منه فأكله، إلى غير ذلك من التسبيبات الّتي ينسب ويستند معها القتل إلى المسبّب. نعم، بعض التسبيبات الّتي قد يترتّب عليها التلف ممّا لا ينسب ولا يستند إلى المسبّب - كحفر البئر وإلقاء المزالق والمعاثر في الطرق والمعابر وغير ذلك - وإن أوجب الضمان والدية على مسبّبها إلّا أنّها غير مانعة من الإرث، فيرث حافر البئر في الطريق عن قريبه الّذي وقع فيها ومات.
            مسألة 3 - كما أنّ القاتل ممنوع عن الإرث من المقتول كذلك لا يكون حاجباً عمّن دونه في الدرجة ومتأخّر عنه في الطبقة، فوجوده كعدمه؛ فلو قتل شخص أباه وكان له ابن ولم يكن لأبيه أولاد غير القاتل يرث ابن القاتل عن جدّه. وكذا لو انحصر أولاد المقتول في ابنه القاتل وله إخوة كان ميراثه لهم دون ابنه، بل لو لم يكن له وارث إلّا الإمام (عليه السلام) ورثه دون ابنه.
            مسألة 4 - لافرق في مانعيّة القتل بين أن يكون القاتل واحداً أو متعدّداً، وعلى الثاني بين كون جميعهم وارثاً أو بعضهم دون بعض.
            مسألة 5 - الدية في حكم مال المقتول يُقضى منها ديونه، ويُخرج منها وصاياه أوّلاً قبل الإرث ثمّ يورّث الباقي كسائر الأموال، سواء كان القتل عمداً وصولحوا عن القصاص بالدية أو شبهَ عمد أو خطأً، وسواء كان في مورد الصلح مايأخذونه أزيد من الدية أو أنقص أو مساوياً، وسواء كان المأخوذ من جنس الدية أم لا. ويرث الدية كلّ من يتقرّب إليه بالنسب والسبب حتّى الزوجين في القتل العمديّ وإن لم يكن لهما حقّ القصاص، لكن إذا وقع الصلح والتراضي بالدية ورثا نصيبهما منها. نعم، لا يرث المتقرّب بالاُمّ وحدها من الدية شيئاً كالأخ والاُخت للاُمّ، بل سائر من يتقرّب بها كالخؤولة والجدودة من قبلها وإن كان الأحوط في غير الأخ والاُخت التصالح.

            الثالث من الموانع: الرقّ

            على ما فصّل في المفصّلات.

          • الرابع: التولد من الزنا

             

            الرابع: التولّد من الزنا

            مسألة 1 - إن كان الزنا من الأبوين لايكون التوارث بين الطفل وبينهما، ولابينه وبين المنتسبين إليهما. وإن كان من أحدهما دون الآخر - كما كان الفعل من أحدهما شبهةً - لا يكون التوارث بين الطفل والزاني، ولا بينه وبين المنتسبين إليه.
            مسألة 2 - لا مانع من التوارث بين المتولّد من الزنا وأقربائه من غير الزنا، كولده وزوجته ونحوهما. وكذا بينه وبين أحد الأبوين الّذي لا يكون زانياً وبينه وبين المنتسبين إليه.
            مسألة 3 - المتولّد من الشبهة كالمتولّد من الحلال، يكون التوارث بينه وبين أقاربه، أباً كان أو اُمّاً أو غيرهما من الطبقات والدرجات.
            مسألة 4 - لا يمنع من التوارث التولّد من الوطء الحرام غير الزنا، كالوطء حال الحيض وفي شهر رمضان و نحوهما.
            مسألة 5 - نكاح سائر المذاهب والملل لا يمنع من التوارث لو كان موافقاً لمذهبهم وإن كان مخالفاً لشرع الإسلام، حتّى لو كان التولّد من نكاح بعض المحارم لو فرض جوازه في بعض النحل.
            مسألة 6 - نكاح سائر المذاهب - غير الاثني عشريّ - لا يمنع من التوارث لووقع على وفق مذهبهم وإن كان باطلاً بحسب مذهبنا، كما لوكانت المنكوحة مطلّقةً بالطلاق البدعيّ.

          • الخامس: اللعان

             

            الخامس: اللعان

            مسألة 1 - يمنع اللعان عن التوارث بين الولد ووالده، وكذا بينه وبين أقاربه من قبل الوالد؛ وأمّا بين الولد واُمّه وكذا بينه وبين أقاربه من قبلها فيتحقّق التوارث ولا يمنع اللعان عنه.
            مسألة 2 - لوكان بعض الأقارب من الأبوين وبعضهم من الاُمّ فقط يرثون بالسوية للانتساب إلى الاُمّ، ولا أثر للانتساب إلى الأب؛ فالأخ للأب والاُمّ بحكم الأخ للاُمّ.
            مسألة 3 - لو اعترف الرجل بعد اللعان بأنّ الولد له لحق به في ما عليه لا في ما له، فيرثه الولد ولا يرث الأب إيّاه ولا من يتقرّب به، بل لا يرث الولد أقارب أبيه بإقراره.
            مسألة 4 - لا أثر لإقرار الولد ولا سائر الأقارب في التوارث بعد اللعان، بل مإ؛بب ظظ يؤثّر هو إقرار الأب فقط في إرث الولد منه.
            وهاهنا اُمور عدّت من الموانع. وفيه تسامح.

          • امور أخرى

             

            الأوّل: الحمل ما دام حملاً لا يرث وإن عُلم حياته في بطن اُمّه، ولكن يحجب من كان متأخّراً عنه في المرتبة أو في الطبقة؛ فلو كان للميّت حملٌ وله أحفاد وإخوة يحجبون عن الإرث، ولم يُعطَوا شيئاً حتّى تبيّن الحال، فإن سقط حيّاً اختصّ به، وإن سقط ميّتاً يرثوا.
            مسألة 1 - لو كان للميّت وارث آخر في مرتبة الحمل وطبقته - كما إذا كان له أولاد - يُعزل للحمل نصيب ذكرين ويُعطى الباقي للباقين، ثمّ بعد تبيّن الحال إن سقط ميّتاً يُعطى ما عزله للوارث الآخر، ولو تعدّد وزّع بينهم على ما فرض اللّه.
            مسألة 2 - لو كان للوارث الموجود فرضٌ لا يتغيّر بوجود الحمل وعدمه -كنصيب أحد الزوجين والأبوين إذا كان معه ولد- يعطى كمال نصيبه، ومن ينقصه ولو على بعض الوجوه يعطى أقلّ ما يصيبه على تقدير ولادته على وجه تقتضيه، كالأبوين لولم يكن هناك ولد غيره.
            مسألة 3 - لو علم بالآلات المستحدثة حال الطفل يُعزل مقدار نصيبه؛ فلوعلم أنّه واحد وذكرٌ يُعزل نصيب ذكر واحد، أو اُنثى واحدة يُعزل نصيبها؛ ولو علم أنّ الحمل أكثر من اثنين يُعزل نصيبهم.
            مسألة 4 - لو عزل نصيب اثنين وقسّمت بقيّة التركة فتولّد أكثر استرجعت التركة بمقدار نصيب الزائد.
            مسألة 5 - الحمل يرث ويورّث لو انفصل حيّاً وإن مات من ساعته؛ فلو علم حياته بعد انفصاله فمات بعده يرث ويورّث. ولا يعتبر في ذلك الصياح بعد السقوط لو علم سقوطه حيّاً بالحركة البيّنة وغيرها.
            مسألة 6 - لا يشترط ولوج الروح فيه حين موت المورّث، بل يكفي انعقاد نطفته حينه؛ فإذا مات شخص وتبيّن الحمل في زوجته بعد موته وكان بحيث يلحق به شرعاً يرثه لو انفصل حيّاً.
            الثاني: وجود طبقة مقدّمة، فإنّها مانعة عن الطبقة المؤخّرة إلّا أن تكون ممنوعةً بجهة عن الإرث.
            الثالث: وجود درجة مقدّمة في الطبقات، فإنّها مع عدم ممنوعيّتها عن الإرث مانعة عن الدرجة المتأخّرة، كالولد عن ولد الولد، وكالأخ عن ولد الأخ.

        • حجب النقصان

           

          وأمّا حجب النقصان - أي ما يمنع عن بعض الإرث - فاُمور:
          الأوّل: قتل الخطأ وشبه العمد، فإنّه يمنع القاتل عن إرث خصوص الدية دون غيرها من التركة.
          الثاني: أكبر الأولاد الذكور، فإنّه يمنع باقيَ الورثة عن خصوص الحبوة؛ ولو كان الولد الذكر واحداً يكون مانعاً عنها أيضاً.
          الثالث: الولد مطلقاً - ذكراً كان أو اُنثى، منفرداً أو متعدّداً، بلا واسطة أو معها-، فإنّه يمنع أحد الزوجين عن النصيب الأعلى، أي النصف والربع.
          الرابع: الوارث مطلقاً - النسبيّ والسببيّ، ذكراً كان أو اُنثى، متّحداً أو متعدّداً-، فإنّه يمنع أحد الزوجين عن الزيادة عن فريضتهما، أي النصف أو الربع أو الثمن، فمع زيادة التركة عن الفريضة تردّ إلى غيرهما. نعم، لو كان الوارث منحصراً بالزوج والإمام (عليه السلام) يرث الزوج النصف فريضةً ويردّ عليه النصف الآخر، بخلاف ما لو كان منحصراً بالزوجة والإمام (عليه السلام)، فإنّ الربع لها والبقيّة له(عليه السلام).
          الخامس: نقص التركة عن السهام المفروضة، فإنّه يمنع البنت الواحدة والاُخت الواحدة للأب والاُمّ أو للأب عن فريضتهما، وهي النصف؛ وكذا يمنع البنات المتعدّدة والأخوات المتعدّدة من الأب والاُمّ أو من الأب عن فريضتهم، وهي الثلثان؛ فلو كان للميّت بنت واحدة وأبوان وزوج أو بنات متعدّدة وأبوان وزوج يردّ النقص على البنت أو البنات؛ وكذا في سائر الفروض.
          السادس: الاُخت من الأبوين أو الأب، فإنّها تمنع الإخوة من الاُمّ عن ردّ مازاد على فريضتهم؛ وكذا الأخوات المتعدّدة من الأبوين أو الأب، فإنّها تمنع الأخ الواحد الاُمّيّ أو الاُخت كذلك عن ردّ مازاد على فريضتهما؛ وكذا أحد الجدودة من قبل الأب، فإنّه يمنع الإخوة من قبل الاُمّ عمّا زاد عليها.
          السابع: الولد وإن نزل، واحداً كان أو متعدّداً، فإنّه يمنع الأبوين عمّا زاد على السدس فريضةً لا ردّاً.
          الثامن: الإخوة والأخوات - لا أولادهم -، فإنّهم يمنعون الاُمّ عن الزيادة على السدس - فريضةً وردّاً - بشروط: أوّلها: أن لا يكون الأخ أقلّ من اثنين أو الاُخت أقلّ من أربع. ويكفي الأخ الواحد والاُختان. ثانيها: أن تكون الإخوة حيّاً في الدنيا حين فوت المورّث؛ فلا يكون الميّت والحمل حاجباً. ثالثها: أن تكون الإخوة مع الميّت من الأب والاُمّ أو من الأب؛ فلا يحجب الاُمّيّ فقط. رابعها: أن يكون أب الميّت حيّاً حين موته. خامسها: أن لا يكون الإخوة والأب ممنوعين من الإرث بكفر ورقّيّة وتولّد الإخوة الحاجبين من الزنا وكون الأب قاتلاً للمورّث. ولو كان الإخوة الحاجبين قاتلين للمورّث ففيه إشكال، فلا يترك (1) الاحتياط. سادسها: أن يكون بين الحاجب والمحجوب مغايرة. ويتصوّر عدمها في الوطء بالشبهة.


          1- هكذا في جميع الطبعات، ولكنّ الصحيح: «الحاجبون».
      • الأمر الثالث في السهام

         

        الأمر الثالث في السهام

        الوارث إمّا يرث بالفرض أو بالقرابة. والمراد بالفرض هو السهم المقدّر والكسر المعيّن الّذي سمّاه اللّه تعالى في كتابه الكريم. والفروض ستّة وأربابها ثلاثة عشر:
        الأوّل: النصف. وهو لبنت واحدة إذا لم يكن معها ولد غير ممنوع عن الإرث، ويعتبر هذا القيد في جميع الطبقات والدرجات الآتية؛ ولاُخت واحدة لأبوين أو لأب إذا لم يكن معها أخ كذلك؛ وللزوج إن لم يكن للزوجة ولد وإن نزل.
        الثاني: الربع. وهو للزوج إن كان للزوجة ولد وإن نزل؛ وللزوجة إن لم يكن للزوج ولد وإن نزل.
        الثالث: الثمن. وهو للزوجة إن كان للزوج ولد وإن نزل.
        الرابع: الثلث. وهو للاُمّ بشرط أن لا يكون للميّت ولد مطلقاً وإن نزل، وأن لايكون له إخوة متعدّدة كما تقدّم بشرائطه؛ وللأخ والاُخت من الاُمّ مع التعدّد.
        الخامس: الثلثان. وهو للبنتين فصاعداً مع عدم وجود الابن للميّت؛ وللاُختين فصاعداً لأبوين مع عدم وجود الأخ لأبوين، أو لأب مع عدم وجود الأخ لأب.
        السادس: السدس. وهو للأب مع وجود الولد مطلقاً؛ وللاُمّ مع وجود الحاجب عن الثلث، أي الولد والإخوة على ما مرّ؛ وللأخ أو الاُخت للاُمّ مع عدم التعدّد من قبلها؛ فالفروض: نصف، ونصفه، ونصف نصفه، وثلثان، ونصفهما، ونصف نصفهما.
        مسألة 1 - قد ظهر ممّا ذكر أنّ أهل الطبقة الثالثة من ذوي الأنساب لا فرض لهم ويرثون بالقرابة فقط، وأنّ الزوجين وراثتهما بالفرض مطلقاً إلّا في صورة واحدة، وهي انحصار الوارث بالإمام(عليه السلام) والزوج. وأمّا الطبقة الاُولى والثانية فبعضهم لا فرض له أصلاً، كالابن والأخ لأبوين أو لأب، وبعضهم ذو فرض مطلقاً كالاُمّ، وبعضهم ذو فرض على حال دون حال كالأب، فإنّه ذوفرض مع وجود الولد للميّت، وليس له فرض مع عدمه، وكذا الاُخت والاُختان لأب وأبوين، فإنّ لهنّ فرضاً إن لم يكن معهنّ ذكرٌ، وليس لهنّ فرضٌ إن كان.
        مسألة 2 - ظهر ممّا ذكر أنّ من كان له فرضٌ على قسمين:
        أحدهما: من ليس له إلّا فرضٌ واحد، ولا ينقص ولا يزيد فرضه بتبدّل الأحوال كالأب، فإنّه ذوفرض في صورة وجود الولد، وهو ليس إلّا السدس مطلقاً، وكذلك البنت الواحدة والبنتان فصاعداً مع عدم الابن، وكذا الاُخت والاُختان لأب أو لأبوين مع عدم الأخ، فإنّ فرضهنّ النصف أو الثلثان مطلقاً. وهؤلاء وإن كانوا ذوي فروض على حال دون حال إلّا أنّ فرضهم لا يزيد ولاينقص بتبدّل الأحوال؛ وقد يكون من له فرضٌ على كلّ حال لا يتغيّر فرضه بتبدّل الأحوال، وذلك كالأخ للاُمّ أو الاُخت كذلك؛ فمع الوحدة فرضه السدس، ومع التعدّد الثلث، لا يزيد ولا ينقص في جميع الأحوال.
        الثاني: من كان فرضه يتغيّر بتبدّل الأحوال كالاُمّ، فإنّ لها الثلث تارةً والسدس اُخرى، وكذا الزوجان، فإنّ لهما نصفاً وربعاً مع عدم الولد، وربعاً وثمناً معه.
        مسألة 3 - غير ما ذكر من أصناف ذوي الفروض وارث بالقرابة.
        مسألة 4 - لو اجتمع جدّ وجدّة من قبل الاُمّ - كلاهما أو أحدهما - مع المنتسبين من قبل الأب (كالإخوة والأخوات من الأب والاُمّ أو من الأب، وكالجدّ والجدّة من قبل الأب) يكون حقّه ثلث مجموع التركة وإن ورد النقص على ذي الفرض؛ فإن كان الوارث زوجاً وجدّاً أو جدّةً من الاُمّ واُختاً من الأب والاُمّ فالنصف للزوج، والثلث للجدّ من قبل الاُمّ واحداً أو متعدّداً، والباقي - وهو السدس - للاُخت الواحدة من قبل الأب مع أنّ فريضتها النصف، ومع ذلك إرث الجدودة بالقرابة لا الفرض.
        مسألة 5 - الفروض الستّة مع ملاحظة اجتماعها والصور المتصوّرة منه ستّة وثلاثون، حاصلةٌ من ضرب الستّة في مثلها، وإذا سقطت الصور المتكرّرة - وهي خمس عشرة - بقيت إحدى وعشرون صورة.
        مسألة 6 - الصور المتقدّمة غير المتكرّرة منها ما يصحّ اجتماعها، ومنها ما يمتنع ولو لبطلان العول. فالممتنع ثمانية: وهي اجتماع النصف مع الثلثين، والربع مع مثله، ومع الثمن، والثمن مع مثله، ومع الثلث، والثلثين مع مثلهما، والثلث مع مثله، ومع السدس. والصحيح هو البقيّة؛ فإنّ النصف يجتمع مع مثله، كزوج واُخت واحدة لأب أو لأبوين؛ ومع الربع، كبنت واحدة والزوج؛ ومع الثمن؛ كبنت واحدة مع الزوجة؛ ومع الثلث، كالزوج والاُمّ مع عدم الحاجب؛ ومع السدس، كالزوج وواحد من كلالة الاُمّ. فالنصف يجتمع مع الفرائض الستّة إلّا واحدة منها لبطلان العول؛ فالاُختان لو اجتمعتا مع الزوج ترثان بالقرابة لا بالفرض، ويكون النقص وارداً عليهما. والربع يجتمع مع الثلثين، كزوج وابنتين؛ ومع الثلث، كزوجة والمتعدّد من كلالة الاُمّ؛ ومع السدس، كالزوجة والمتّحد من كلالة الاُمّ. والثمن يجتمع مع الثلثين، كالزوجة وابنتين؛ ومع السدس كزوجة وأحد الأبوين مع وجود الولد. والثلثان يجتمع مع الثلث، كاُختين فصاعداً لأب وإخوةٍ من الاُمّ؛ ومع السدس، كبنتين وأحد الأبوين. والسدس يجتمع مع مثله، كالأبوين مع وجود الولد.


        1- «الثلثان» فرض واحد ولعلّه لذا اُفرد لفظ «يجتمع».

    • تنبيه: التعصيب والعول باطلان

       

      تنبيه: التعصيب والعول باطلان

      مسألة 1 - الورّاث الموجودون للميّت إن كانوا ورّاثاً بالفرض فهوعلى صور:
      الاُولى: ما إذا كانت تركة الميّت بقدر السهام المفروضة بلا زيادة ونقيصة، كما إذا كان الوارث أبوين وبناتٍ متعدّدة، فالثلثان للبنات، والثلث للأبوين، لكلٍ ّ سدس.
      الثانية: ما لو كانت التركة أزيد من السهام فتردّ الزيادة على أرباب الفروض ولا تُعطى لعُصبة الميّت. وهي كلّ ذكر ينتسب إليه بلا وسط أو بواسطة الذكور؛ فلو كان الوارث منحصراً ببنت واحدة واُمّ يُعطى النصف البنت فرضاً والسدس الاُمّ فرضاً، ويردّ الثلث الباقي عليهما أرباعاً على نسبة سهمهما؛ ولو انحصر ببنات متعدّدة واُمّ يُعطى الثلثان البنات فرضاً والسدس الاُمّ فرضاً، والسدس الباقي يردّ عليهما أخماساً على نسبة السهام، والعُصبة في فيها التراب.
      الثالثة: ما إذا كانت التركة أقلّ من السهام، وذلك بدخول بنت أو بنتين فصاعداً أو اُختٍ من قبل الأبوين أو الأب أو اُختين كذلك فصاعداً في الورثة، فيرد النقص عليهنّ، ولا يعول بوروده على الجميع بالنسبة؛ فلو كان الوارث بنتاً وزوجاً وأبوين يردّ فرض الزوج والأبوين، ويرد النقص - وهو نصف السدس - على البنت؛ ولو كانت في الفرض بنات متعدّدة يرد النقص - وهو الربع - عليهنّ؛ وكذا في الأمثلة الاُخر.
      مسألة 2 - لا تردّ الزيادة على طوائف من أرباب الفروض: منها: الزوجة مطلقاً، فتعطى فرضها ويردّ الباقي على غيرها من الطبقات حتّى الإمام (عليه السلام) ومنها: الزوج، فيعطى فرضه ويردّ الباقي على غيره إلّا مع انحصار الوارث به وبالإمام (عليه السلام) فيردّ عليه النصف مضافاً إلى فرضه. ومنها: الاُمّ مع وجود الحاجب من الردّ كما تقدّم. و منها: الإخوة من الاُمّ مطلقاً مع وجود واحد من الجدودة من قبل الأب أو واحدٍ من الإخوة من قبل الأبوين أو الأب كما تقدّم.
      مسألة 3 - الذكور من الأولاد وكذا الإناث مع وجود الذكور يرثون بالقرابة؛ وكذا الأب بشرط عدم وجود الولد للميّت، وكذا الجدودة مطلقاً والإخوة من قبل الأبوين أو الأب بشرط وجود ذكور فيهم، وكذا جميع أصناف الطبقة الثالثة من العمومة والخؤولة وأولادهم، فهؤلاء يرثون بالقرابة لا بالفرض.
      مسألة 4 - لو اجتمع الوارث بالفرض مع الوارث بالقرابة فالفرض للوارث بالفرض والباقي للوارث بالقرابة؛ فلو اجتمع الأبوان مع أولاد الذكور والإناث يُعطى فرض الأبوين - وهو السدسان - والباقي للأولاد بالقرابة؛ ولو كان الوارث الأبوين فللاُمّ السدس مع وجود الحاجب والثلث مع عدمه فرضاً، والباقي للأب قرابةً؛ ولو اجتمعت الاُخت أو الأخوات من الأبوين مع الجدودة من قبل الاُمّ فالفرض للاُخت أو الأخوات، والباقي للجدودة بالقرابة؛ وهكذا غير ما ذكر.

    • المقصد الأول في ميراث الأنساب
    •  

      المقصد الأوّل في ميراث الأنساب

      وهم ثلاث مراتب:
      الاُولى: الأبوان بلا واسطة، والأولاد وإن نزلوا الأقرب فالأقرب.
      مسألة 1 - لو انفرد الأب فالمال له قرابةً، أو الاُمّ فلها الثلث فرضاً والباقي يردّ عليها. ولو اجتمعا فللاُمّ الثلث فرضاً، والباقي للأب إن لم يكن للاُمّ حاجب، وإلّا فلها السدس والباقي للأب. ولا ترث الإخوة في الفرض شيئاً وإن حجبوا.
      مسألة 2 - لو انفرد الابن فالمال له قرابةً. ولو كان أكثر فهم سواء. ولو انفردت البنت فلها النصف فرضاً والباقي ردّاً، والعصبة لا نصيب لها، وفي فيها التراب. ولو كانت بنتان فصاعداً فلهما أو لهنّ الثلثان فرضاً والباقي ردّاً. ولو اجتمع الذكور والإناث فالمال لهم (لِلذّكَرِ مِثْلُ حَظّ الْاُنْثَيَيْنِ).
      مسألة 3 - لو اجتمع الأولاد مع أحد الأبوين: فإن كان الولد بنتاً واحدةً يردّ عليها النصف فرضاً، وعلى أحد الأبوين السدس فرضاً، والباقي يردّ عليهما أرباعاً؛ ولو كان بنتين فصاعداً يردّ على البنات أربعة أخماس فرضاً وردّاً، وعلى أحد الأبوين الخمس فرضاً وردّاً؛ ولوكان ذكراً - سواءكان واحداً أومتعدّداً -فلأحد الأبوين السدس فرضاً، والباقي للولد.
      مسألة 4 - لو اجتمع الأولاد مع الأبوين: فإن كان الولد بنتاً واحدةً ولم يكن للاُمّ حاجب من الردّ فثلاثة أخماس للبنت فرضاً وردّاً، وخمسان للأبوين بالمناصفة فرضاً وردّاً؛ وإن كان للاُمّ حاجب من الردّ فالسدس لها، والبقيّة تقسّم بين البنت والأب أرباعاً فرضاً وردّاً؛ وإن كان اُنثى متعدّدةً أو ذكراً واحداً أو متعدّداً أو إناثاً وذكراناً فالسدسان للأبوين، والبقيّة للأولاد تقسّم بينهم بالسويّة مع وحدة الجنس، وللذكر ضعف الاُنثى مع الاختلاف.
      مسألة 5 - لو اجتمع أحد الأبوين وأحد الزوجين فلأحد الزوجين نصيبه الأعلى والباقي لأحد الأبوين، للأب قرابةً، وللاُمّ فرضاً وردّاً.
      مسألة 6 - لو اجتمع الأبوان وأحد الزوجين فلأحد الزوجين نصيبه الأعلى وللاُمّ الثلث من مجموع التركة مع عدم الحاجب، والسدس معه فرضاً، والباقي للأب قرابةً.
      مسألة 7 - لو اجتمع الأولاد مع أحد الزوجين فلأحدهما نصيبه الأدنى والباقي للأولاد - متّحداً أو متعدّداً - للذكر ضعف الاُنثى.
      مسألة 8 - لو اجتمع أحد الأبوين والأولاد وأحد الزوجين: فلو كان الولد بنتاً واحدةً فلأحد الزوجين نصيبه الأدنى، والباقي يقسّم بين الباقي أرباعاً: ربع لأحد الأبوين والباقي للبنت. ولو كان بنتين فصاعداً: فإن كان أحد الزوجين هي الزوجة فلها نصيبها الأدنى، والباقي يقسّم بين الباقي أخماساً؛ وإن كان هو الزوج فله نصيبه الأدنى، ولأحد الأبوين السدس، والبقيّة للبنتين فصاعداً. وإن كان ذكراً واحداً أومتعدّداً أوذكوراً وإناثاً فلأحدهما نصيبه الأدنى، والسدس من أصل التركة لأحد الأبوين، والباقي للباقي، ومع الاختلاف (فَلِلّذكَرِ مِثْلُ حَظّ الْأُنْثَيَيْنِ).
      مسألة 9 - لو اجتمع الأبوان والأولاد وأحد الزوجين: فإن كان الولد بنتاً واحدةً فللزوج نصيبه الأدنى، وللأبوين سدسان من التركة، والباقي للبنت، والنقص يرد عليها، وللزوجة نصيبها الأدنى، وتقسّم البقيّة بين الباقي أخماساً إن لم يكن للاُمّ حاجب عن الردّ، وإلّا فلها السدس، والباقي يقسّم بين الأب والبنت أرباعاً. ولو كان الولد بنتين فصاعداً فلأحد الزوجين نصيبه الأدنى، والسدسان من أصل التركة للأبوين، والباقي للبنات فيرد النقص عليهنّ. ولو كان ذكراً واحداً أو متعدّداً أو ذكوراً وإناثاً فلأحد الزوجين نصيبه الأدنى، وللأبوين سدسان من الأصل، والباقي للأولاد (لِلذّكَرِ مِثْلُ حَظّ الأُنْثَيَيْنِ).

      • المرتبة الأولى: الأبوان والأولاد

         

        وهاهنا اُمور:

        الأوّل: أولاد الأولاد وإن نزلوا يقومون مقام الأولاد في مقاسمة الأبوين وحجبهم عن أعلى السهمين إلى أدناهما ومنعِ من عداهم من الأقارب، سواء كان والدا الميّت موجودين أم لا، ويتقدّم كلّ بطن على البطن المتأخّر.
        الثاني: يرث كلّ واحد منهم نصيب من يتقرّب به، فيرث ولد البنت نصيب اُمّه -ذكراً كان أو اُنثى - وهو النصف مع انفراده أو كان مع الأبوين، ويردّ عليه وإن كان ذكراً كما يردّ على اُمّه لو كانت موجودةً. ويرث ولد الابن نصيب أبيه - ذكراً كان أو اُنثى - فإن انفرد فله جميع المال، ولو كان معه ذو فريضة فله ما فضل عن حصص الفريضة.
        الثالث: لو اجتمع أولاد الابن وأولاد البنت فلأولاد الابن الثلثان نصيب أبيهم، ولأولاد البنت الثلث نصيب اُمّهم، ومع وجود أحد الزوجين فله نصيبه الأدنى، والباقي للمذكورين، الثلثان لأولاد الابن والثلث لأولاد البنت.
        الرابع: أولاد البنت كأولاد الابن لو كانوا من جنس واحد يقتسمون بالسويّة، ومع الاختلاف (لِلذّكَرِ مِثْلُ حَظّ الْأُنْثَيَيْنِ).
        الخامس: يُحبى الولد الأكبر من ترِكة أبيه بثياب بدنه وخاتمه وسيفه ومصحفه.
        مسألة 1 - تختصّ الحبوة بالأكبر من الذكور، بأن لا يكون ذكرٌ أكبر منه. ولو تعدّد الأكبر - بأن يكونا بسنّ واحد، ولا يكون ذكرٌ أكبر منهما - تقسّم الحبوة بينهما بالسويّة. وكذا لو كان أكثر من اثنين. ولو كان الذكر واحداً يُحبى به. وكذا لو كان معه اُنثى وإن كانت أكبر منه.
        مسألة 2 - لا فرق في الثياب بين أن تكون مستعملةً أو مخيطةً للّبس وإن لم يستعملها، ولا بين الواحد والمتعدّد؛ كما لا فرق بين الواحد والمتعدّد في المصحف والخاتم والسيف لو كانت مستعملةً أو معدّةً للاستعمال.
        مسألة 3 - الأقوى عدم كون السلاح - غير السيف - والرحل والراحلة من الحبوة. والاحتياط بالتصالح مطلوب جدّاً.
        مسألة 4 - لو لم تكن الحبوة أو بعضها في ما تركه لا يعطى قيمتها.
        مسألة 5 - لا يعتبر في الحبوة أن تكون بعض الترِكة؛ فلو كانت الترِكة منحصرةً بها يُحبى الولد الأكبر على الأقوى. والاحتياط حسن.
        مسألة 6 - لا يعتبر بلوغ الولد، ولا كونه منفصلاً حيّاً حين موت الأب على الأقوى؛ فتعزل الحبوة له، كما يعزل نصيبه من الإرث. فلو انفصل بعد موت الأب حيّاً يُحبى. ولو كان الحمل اُنثى أو كان ذكراً ومات قبل الانفصال فالظاهر أنّ الحبوة لأكبر الموجودين من الذكر.
        مسألة 7 - الأقوى عدم اشتراط كون الولد عاقلاً رشيداً. وفي اشتراط كونه غير المخالف - من سائر فرق المسلمين - تأمّلٌ وإن لا يبعد إلزامه بمعتقده إن اعتقد عدم الحبوة.
        مسألة 8 - يقدّم تجهيز الميّت وديونه على الحبوة مع تزاحمهما، بأن لا تكون له إلّا الحبوة أو نقص ما تركه غير الحبوة عن مصرف التجهيز والدين. ومع عدم التزاحم - بأن يكون ما تركه غيرها كافياً - فالأحوط للولد الأكبر أن يعطي لهما منها بالنسبة.
        مسألة 9 - لو أوصى بعين من الترِكة: فإن كان ما أوصى هي الحبوة فالوصيّة نافذة، إلّا أن تكون زائدةً على الثلث، فيحتاج إلى إجازة الولد الأكبر، وليس له شي ء من الترِكة في قبال الحبوة. ولو أوصى مطلقاً أو بالحبوة وغيرها: فلو كانت الوصيّة غير زائدة على الثلث تنفذ، وفي صورة الإطلاق يحسب من جميع الترِكة حتى الحبوة، وفي الصورة الثانية يحسب منها ومن غيرها حسب الوصيّة؛ ولو زادت على الثلث تحتاج في الحبوة إلى إذن صاحبها، وفي غيرها إلى إذن جميع الورثة. ولو أوصى بمقدار معلوم - كألف أو كسر مشاع - فكذلك.
        السادس: لا يرث الجدّ ولا الجدّة لأب أو لاُمّ مع أحد الأبوين، لكن يستحبّ أن يطعم كلّ من الأبوين أبويه سدسَ أصل الترِكة لو زاد نصيبه من السدس؛ فلو خلّف أبويه وجدّاً وجدّةً لأب أو لاُمّ يستحبّ للاُمّ أن تطعم أباها واُمّها السدسَ بالسويّة، وهو نصف نصيبها، وللأب أن يطعم أباه واُمّه سدسَ أصل الترِكة، وهو ربع نصيبه، ولو كان الموجود واحداً منهما كان السدس له.

      • المرتبة الثانية: الإخوة وأولادهم والأجداد

         

        المرتبة الثانية: الإخوة وأولادهم - المسمّون بالكلالة - والأجداد مطلقاً. ولايرث واحد منهم مع وجود واحد من الطبقة السابقة.
        مسألة 1 - لو انفرد الأخ لأب واُمّ فالمال له قرابةً. ولو كان معه أخ أو إخوة كذلك فهو بينهم بالسويّة. ولو كان معهم إناث أو اُنثى كذلك (فَلِلذّكَرِ مِثْلُ حَظّ الْأُنْثَيَيْنِ).
        مسألة 2 - لو انفردت الاُخت لأب واُمّ كان لها النصف فرضاً، والباقي يردّ عليها قرابةً. ولو تعدّدت كان لها الثلثان فرضاً، والباقي يردّ عليها قرابةً.
        مسألة 3 - يقوم كلالة الأب مقام كلالة الأب والاُمّ مع عدمهم؛ فيكون حكمهم في الانفراد والاجتماع حكم كلالتهما؛ فلو انفرد الأخ فالمال له، ولو تعدّد فهو لهم بالسويّة، ولو كان فيهم اُنثى فللذكر ضعفها، ولو انفردت الاُخت كان لها النصف فرضاً والباقي ردّاً، ولو تعدّدت فلهما أو لهنّ الثلثان فرضاً والباقي ردّاً.
        مسألة 4 - لا يرث أخ واُخت لأب مع أحد من الإخوة للأب والاُمّ.
        مسألة 5 - لو انفرد الواحد من ولد الاُمّ خاصّة عمّن يرث معه كان له السدس فرضاً والباقي ردّاً قرابةً، ذكراً كان أو اُنثى. ولو تعدّد الولد اثنين فصاعداً فلهما أولهم الثلث فرضاً والباقي قرابةً، ويقسّم بينهم بالسويّة وإن اختلف الجنسان.
        مسألة 6 - لو كان الإخوة متفرّقين - فبعضهم للاُمّ وبعضهم للأب والاُمّ - كان لمن يتقرّب بالاُمّ السدس فرضاً مع وحدته، والثلث كذلك مع التعدّد، يقسّم بالسويّة ولو مع الاختلاف، ولمن يتقرّب بالأب والاُمّ البقيّة - خمسة أسداس أو الثلثان - يقسّم بينهم، ومع الاختلاف للذكر ضعف الاُنثى.
        مسألة 7 - مع فقد الإخوة من الأب والاُمّ واجتماع الإخوة من الأب مع الإخوة من الاُمّ كان الحكم كما ذكر في المسألة، فيقومون مقامهم.
        مسألة 8 - لو انفرد الجدّ فالمال له، لأب كان أو لاُمّ أولهما. ولو انفردت الجدّة فكذلك.
        مسألة 9 - لو اجتمع الجدّ أو الجدّة أو هما لاُمّ مع جدّ أو جدّة أو هما لأب فللمتقرّب بالاُمّ منهم الثلث بالسويّة وللمتقرّب بالأب الثلثان (لِلذّكَرِ مِثْلُ حَظّ الْأُنْثَيَيْنِ).
        مسألة 10 - لو اجتمع جدّ وجدّة أو أحدهما من قبل الاُمّ مع الإخوة من قبلها كان الجدّ كالأخ منها والجدّة كالاُخت منها، ويقسّم بينهم بالسويّة مطلقاً.
        مسألة 11 - لو اجتمع جدّ وجدّة أو أحدهما من قبل الأب والاُمّ أو الأب مع الإخوة من قبله فالجدّ بمنزلة الأخ من قبله والجدّة بمنزلة الاُخت من قبله، (فَلِلذّكَرِ مِثْلُ حَظّ الْأُنْثَيَيْنِ).
        مسألة 12 - لو اجتمع الإخوة من قبل الأب والاُمّ أو من قبل الأب مع الجدّ أو الجدّة أو هما من قبل الاُمّ فالثلث من التركة للجدّ، ومع التعدّد يقسّم بالسويّة مطلقاً، والثلثان للإخوة، ومع التعدّد والاختلاف للذكر ضِعف الاُنثى.
        نعم، لو كانت اُخت واحدة مع الجدودة من الاُمّ فالنصف للاُخت فرضاً والثلث للجدودة؛ وفي السدس إشكال، من حيث إنّه هل يردّ على الاُخت أو عليها وعلى الجدودة؟ فلا يترك الاحتياط وإن كان الأرجح أنّ للاُخت الثلثين وللجدودة الثلث كسائر الفروض.
        مسألة 13 - لو اجتمع الجدودة من قبل الأب مع الإخوة من قبل الاُمّ فمع وحدة الأخ أو الاُخت فالسدس له أولها، ومع التعدّد فالثلث لهم بالسويّة ولو مع الاختلاف، والباقي في الفرضين للجدودة (لِلذّكَرِ مِثْلُ حَظّ الْأُنْثَيَيْنِ).
        مسألة 14 - لو اجتمع الإخوة من قبل الأبوين أو الأب مع عدم الإخوة من قبلهما والأجداد من قبل الأب والإخوة من قبل الاُمّ فالسدس مع الاتّحاد والثلث مع التعدّد للإخوة من قبل الاُمّ بالسويّة، والباقي للإخوة من قبلهما أو قبله والجدودة، ومع الاختلاف في الجنس للذكر ضعف الاُنثى.
        مسألة 15 - لو اجتمع الإخوة من قبل الأبوين أو الأب مع الجدودة من قبل الأب والجدودة من قبل الاُمّ فالثلث للجدودة من قبل الاُمّ، ومع التعدّد يقسّم بالسويّة، والثلثان للباقي (لِلذّكَرِ مِثْلُ حَظّ الْأُنْثَيَيْنِ)، ونصيب الجدّ كالأخ والجدّة كالاُخت.
        مسألة 16 - لو اجتمع الجدودة من قبل الاُمّ والإخوة من قبل الأبوين أو الأب والإخوة من قبل الاُمّ فالثلث للمتقرّب بالاُمّ بالسويّة، والثلثان للمتقرّب بالأب للذكر الضعف.
        مسألة 17 - لو اجتمع الجدودة من قبل الأب مع الجدودة من قبل الاُمّ والإخوة من قبل الاُمّ فالثلث للمتقرّب بالاُمّ بالسويّة، والثلثان للمتقرّب بالأب للذكر ضعف الاُنثى.
        مسألة 18 - لو اجتمع الجدودة من قبل الأب مع الجدودة من قبل الاُمّ والإخوة من قبل الأبوين أو الأب والإخوة من قبل الاُمّ فالثلث للمتقّرب بالاُمّ بالسويّة، والثلثان للمتقرّب بالأب للذكر ضعف الاُنثى.
        مسألة 19 - لو اجتمع أحد الزوجين مع الإخوة من قبل الأبوين أو الأب أو مع الجدودة من قبل الأب فلأحد الزوجين نصيبه الأعلى، والباقي للباقي في الصورتين للذكر ضعف الاُنثى. ولو اجتمع أحدهما مع إحدى الطائفتين من قبل الاُمّ فلأحدهما نصيبه الأعلى، والباقي للباقي في الصورتين بالسويّة مطلقاً.
        مسألة 20 - لو اجتمع أحدهما مع الإخوة من قبل الأبوين أو الأب والإخوة من الاُمّ أو مع الجدودة من قبل الأب والإخوة من قبل الاُمّ فلأحدهما نصيبه الأعلى، وللمتقرّب بالاُمّ السدس من التركة مع الانفراد والثلث مع التعدّد بالسويّة مطلقاً، وللمتقرّب بالأب أو الأبوين الباقي، للذكر ضعف الاُنثى.
        مسألة 21 - لو اجتمع أحدهما مع الإخوة من قبل الأبوين أو الأب والجدودة من قبل الاُمّ أو مع الجدودة من قبل الأب والجدودة من قبل الاُمّ فلأحدهما نصيبه الأعلى، والثلث من مجموع التركة للمتقرّب بالاُمّ يقسّم بالسويّة مع التعدّد مطلقاً، والباقي للمتقرّب بالأب أو الأبوين للذكر ضعف الاُنثى.
        مسألة 22 - لو اجتمع أحدهما مع الإخوة من قبل الأبوين أو الأب والإخوة من قبل الاُمّ والجدودة من قبلها فلأحدهما نصيبه الأعلى، والثلث من مجموع التركة للمتقرّب بالاُمّ يقسّم بالسويّة، والباقي للإخوة من قبل الأبوين أو الأب للذكر الضعف. وكذا الحال لو اجتمع أحدهما مع الجدودة من قبل الأب والإخوة من قبل الاُمّ والجدودة من قبلها.
        مسألة 23 - لو اجتمع أحدهما مع الإخوة من قبل الأب والاُمّ أو الأب والجدودة من قبل الأب فلأحدهما نصيبه الأعلى، والباقي للباقي للذكر ضعف الاُنثى، ولوكان الإخوة من قبل الاُمّ وكذا الجدودة فالباقي لهم بالسويّة.
        مسألة 24 - لو اجتمع أحدهما مع الإخوة من قبل الأب أو الأبوين والجدودة من قبل الأب والإخوة من الاُمّ فلأحدهما نصيبه الأعلى، والسدس من الترِكة للإخوة من قبلها مع الانفراد، والثلث مع التعدّد بالسويّة مطلقاً، والباقي للباقي للذكر ضعف الاُنثى.
        مسألة 25 - لو اجتمع أحدهما مع الإخوة من قبل الأبوين أو الأب والجدودة من الأب والجدودة من الاُمّ فلأحدهما نصيبه الأعلى، والثلث من التركة للجدودة من الاُمّ بالسويّة مطلقاً، والباقي للباقي (لِلذّكَرِ مِثْلُ حَظّ الْأُنْثَيَيْنِ).
        مسألة 26 - لو اجتمع أحدهما مع الإخوة من قبل الأبوين أو الأب والإخوة من قبل الاُمّ والجدودة من قبلها والجدودة من الأب فلأحدهما نصيبه الأعلى، والثلث للمتقرّب بالاُمّ بالسويّة مطلقاً، والباقي للباقي للذكر ضعف الاُنثى.

        هاهنا اُمور:

        الأوّل: أولاد الإخوة بحكم أولاد الأولاد في أنّه مع وجود أحد من الإخوة من الأب أو الاُمّ ولوكان اُنثى لا يرث أولاد الإخوة ولو كانوا من الأب والاُمّ.
        الثاني: يرث أولاد الإخوة إرث من يتقرّبون به؛ فلو خلّف أحد الإخوة من الاُمّ وارثاً فالمال له فرضاً وردّاً مع الوحدة، ومع التعدّد يقسّم بالسويّة. ولوكان من أحد الإخوة من الأب فله المال مع الانفراد، ومع التعدّد يقسّم بينهم للذكر ضعف الاُنثى. ولو كان الأولاد من الإخوة المتعدّدة من الاُمّ فلابدّ من فرض حياة الوسائط والتقسيم بينهم بالسويّة، ثمّ يقسّم قسمة كلّ بين أولادهم بالسويّة. ولو كان الأولاد من الاُختين أو الزيادة للأب والاُمّ أو للأب مع فقد الأبوينيّ فكالفرض السابق، لكن للذكر ضعف الاُنثى. ولو كان الأولاد من الذكور الأبوينيّ أو الأبيّ أو كانوا من الذكور والإناث من الأب والاُمّ أو من الأب فلابدّ من فرض الوسائط حيّاً والقسمة بينهم للذكر ضعف الاُنثى، ثمّ قسمة نصيب كلّ منهم بين أولاده للذكر ضعف الاُنثى.
        الثالث: الكلام في الأولاد مع الوسائط المتعدّدة كالكلام في المسألة السابقة في إرث من يتقرّبون به وكيفيّة التقسيم.
        الرابع: لا يرث أولاد الإخوة من الأب فقط مع وجود أولاد الإخوة للأب والاُمّ في جميع الوسائط، بشرط أن يكونا في درجة واحدة.
        الخامس: لا يرث الجدودة مع الواسطة مع وجود واحد من الجدودة بلاواسطة. ولو كان واحد من الجدودة الأربعة بلا وسط موجوداً لا يرث الجدودة مع الواسطة. ومع وجود واحد من ذي وسطٍ واحد لا يرث ذو وسائط متعدّدة. وهكذا كلّ أقرب مقدّم على الأبعد.
        السادس: الجدّ الأعلى بأيّ واسطة كان يرث مع الإخوة إذا لم يكن في صنفه أقرب منه، كما أنّ الإخوة وأولادهم مع أيّ واسطة يرثون مع الجدّ، بشرط أن لايكون في صنفهم أقرب منهم؛ فلو اجتمع جدّ الجدّ وإن علا مع الأخ يرث، فضلاً عمّا إذا كان مع ولده. وكذا لو اجتمع ولد الإخوة وإن دنا مع الجدّ بلا وسط يرث، فضلاً عن كونه مع الوسط. وبالجملة: الأقرب من كلّ صنف مقدّم على الأبعد من هذا الصنف، لا الصنف الآخر.
        السابع: لو اجتمع الأجداد الثمانية - أي الأبوين من أب الأب وأب الاُمّ واُمّ الأب واُمّ الاُمّ - فلايترك الاحتياط بالتصالح والتراضي، سواءكان معهم غيرهم أم لا.


        1- هكذا في جميع الطبعات، لكنّ الظاهر أنّ الصحيح: «الأبوان».

      • المرتبة الثالثة: الأعمام والأخوال

         

        المرتبة الثالثة: الأعمام والأخوال.

        ولا يرث واحد منهم مع وجود واحد من الطبقة السابقة.
        مسألة 1 - لوكان الوارث منحصراً بالعمومة من قبل الأب والاُمّ أو من قبل الأب فالترِكة لهم، ومع اختلاف الجنس (لِلذّكَرِ مِثْلُ حَظّ الْأُنْثَيَيْنِ).
        مسألة 2 - لو كان الوارث منحصراً بالعمومة من قبل الاُمّ فالتركة لهم، ومع التعدّد واتّحاد الجنس يقسّم بالسويّة، ومع الاختلاف لا يترك الاحتياط بالتصالح والتراضي.
        مسألة 3 - لو اجتمع العمومة من قبل الأبوين أو من قبل الأب مع العمومة من قبل الاُمّ فالسدس لعمومة الاُمّ مع الانفراد، والثلث مع التعدّد يقسّم بالسويّة مع وحدة الجنس، ويحتاط بالصلح مع الاختلاف، والباقي للعمومة من قبل الأبوين أو الأب، للذكر ضعف الاُنثى مع الاختلاف.
        مسألة 4 - لوكان الوارث منحصراً بالخؤولة من قبل الأبوين أو الأب فالتركة لهم، ومع التعدّد تقسّم بينهم بالسويّة مطلقاً. وكذا الحال في الخؤولة من قبل الاُمّ.
        مسألة 5 - لو اجتمع الخؤولة من قبل الأب والاُمّ أو الأب مع الخؤولة من قبل الاُمّ فالسدس للاُمّيّ مع الانفراد، والثلث مع التعدّد يقسّم بالسويّة مطلقاً، والباقي للخؤولة من قبل الأب والاُمّ، ومع فقدهم للخؤولة من قبل الأب، ومع التعدّد يقسّم بالسويّة مطلقاً.
        مسألة 6 - لو اجتمع العمومة من قبل الأبوين أو الأب مع الخؤولة من قبل الأبوين أو الأب فالثلث للخؤولة، ومع التعدّد يقسّم بالسويّة، والثلثان للعمومة للذكر ضعف الاُنثى مع التعدّد والاختلاف.
        مسألة 7 - لو اجتمع العمومة من قبل الاُمّ والخؤولة كذلك فالثلث للخؤولة، وفي صورة التعدّد يقسّم بالسويّة مطلقاً، والثلثان للعمومة، ومع التعدّد يقسّم بالسويّة مع عدم الاختلاف، ومعه يحتاط بالتصالح.
        مسألة 8 - لو اجتمع العمومة من الأبوين أو الأب والخؤولة كذلك والعمومة من قبل الاُمّ فالثلث للخؤولة بالسويّة مع التعدّد مطلقاً، والسدس من الثلثين للعمومة من قبل الاُمّ مع الاتّحاد، والثلث مع التعدّد بالسويّة، ومع اختلاف الجنس يحتاط بالتصالح، والباقي من الثلثين للعمومة من قبل الأبوين أو الأب، ومع التعدّد والاختلاف (لِلذّكَرِ مِثْلُ حَظّ الْأُنْثَيَيْنِ).
        مسألة 9 - لو اجتمع العمومة من قبل الأبوين أو الأب مع العمومة والخؤولة من قبل الاُمّ فالثلث للخؤولة من قبل الاُمّ يقسّم مع التعدّد بالسويّة مطلقاً، والسدس من الثلثين في صورة الاتّحاد والثلث في صورة التعدّد للعمومة من قبل الاُمّ، ويحتاط في صورة التعدّد والاختلاف، والباقي للباقي للذكر ضعف الاُنثى مع التعدّد والاختلاف.
        مسألة 10 - لو اجتمع العمومة من قبل الأبوين أو الأب مع الخؤولة كذلك والخؤولة من قبل الاُمّ فالثلث للخؤولة مطلقاً، والسدس من الثلث مع الاتّحاد والثلث منه مع التعدّد للاُمّيّ منهم يقسّم بينهم بالسويّة مطلقاً، وبقيّته للخؤولة من الأب أو الأبوين بالسويّة مطلقاً، والثلثان من الترِكة للعمومة، ومع التعدّد والاختلاف (لِلذّكَرِ مِثْلُ حَظّ الْأُنْثَيَيْنِ).
        مسألة 11 - لو اجتمع الخؤولة من قبل الأبوين أو الأب مع العمومة والخؤولة من قبل الاُمّ فالثلث للخؤولة، وسدس هذا الثلث مع الانفراد وثلثه مع التعدّد للخؤولة من قبل الاُمّ بالسويّة مطلقاً، والباقي من الثلث للخؤولة من قبل الأبوين أو الأب يقسّم بالسويّة مطلقاً، والثلثان من التركة للعمومة من قبل الاُمّ، ومع التعدّد والاختلاف يحتاط بالتصالح.
        مسألة 12 - لو اجتمع الأصناف الأربعة فالثلث للخؤولة، وسدس هذا الثلث مع الاتّحاد وثلثه مع التعدّد للخؤولة من قبل الاُمّ بالسويّة مطلقاً، والباقي من هذا الثلث للخؤولة من قبل الأبوين أو الأب بالسويّة أيضاً، والسدس من ثلثي الترِكة مع الاتّحاد والثلث مع التعدّد للعمومة من قبل الاُمّ، ومع الاختلاف يحتاط بالتصالح، والباقي من الثلثين للعمومة من قبل الأب أو الأبوين للذكر ضعف الاُنثى مع التعدّد والاختلاف.
        مسألة 13 - لو كان أحد الزوجين مع العمومة من قبل الأبوين أو الأب فله نصيبه الأعلى، والباقي للباقي للذكر ضعف الاُنثى. ولو كان مع الخؤولة من قبلهما أو قبله فكذلك، إلّا أنّه يقسّم الباقي بين الباقي بالسويّة مطلقاً. وكذا لو كان مع الخؤولة من قبل الاُمّ. ولو كان مع العمومة من قبلها فكذلك إلّا مع الاختلاف في الجنس، فلا يترك الاحتياط بالتصالح.
        مسألة 14 - لوكان أحدهما مع العمومة من قبل الأبوين أو الأب والعمومة من قبل الاُمّ فله نصيبه الأعلى، وللعمومة من قبل الاُمّ السدس من البقيّة مع الانفراد والثلث مع التعدّد يقسّم بالسويّة مع وحدة الجنس، ويحتاط مع الاختلاف، والباقي للعمومة من قبل الأب أو الأبوين (لِلذّكَرِ مِثْلُ حَظّ الْأُنْثَيَيْنِ). ولو كان مع الخؤولة من الأبوين أو الأب والخؤولة من الاُمّ فله نصيبه الأعلى، والسدس من البقيّة مع الانفراد والثلث منها مع التعدّد للخؤولة من الاُمّ يقسّم بالسويّة مطلقاً، والباقي للباقي بالسويّة كذلك.
        مسألة 15 - لو كان أحدهما مع العمومة من قبل الأبوين أو الأب والخؤولة كذلك فله نصيبه الأعلى، وثلث مجموع التركة للخؤولة يقسّم بالسويّة مطلقاً، والباقي للباقي للذكر ضعف الاُنثى. ولو كان في الفرض الخؤولة من قبل الاُمّ لاالأب أو الأبوين فله نصيبه الأعلى، والثلث من التركة للخؤولة بالسويّة، والباقي للباقي (لِلذّكَرِ مِثْلُ حَظّ الْأُنْثَيَيْنِ).
        مسألة 16 - لو كان مع أحدهما العمومة من الاُمّ والخؤولة من الأبوين أو الأب فله نصيبه الأعلى، والثلث من المجموع للخؤولة يقسّم بالسويّة مطلقاً، والباقي للباقي، ويحتاط مع الاختلاف. ولوكان في الفرض الخؤولة من الاُمّ - لا الأبوين أو الأب - فالحال كما تقدّم في التقسيم والاحتياط في العمومة.
        مسألة 17 - لوكان مع أحدهما العمومة من الأبوين أو الأب والخؤولة كذلك والعمومة من الاُمّ فله نصيبه الأعلى، والثلث من التركة للخؤولة بالسويّة مطلقاً، والسدس من الباقي مع الانفراد والثلث مع التعدّد للعمومة من قبل الاُمّ يقسّم بالسويّة، ومع الاختلاف يحتاط بالتصالح، والباقي للباقي للذكر ضعف الاُنثى. ولو كان مع أحدهما العمومة من الأبوين أو الأب والعمومة من الاُمّ والخؤولة من الاُمّ فله نصيبه الأعلى، والثلث من التركة للخؤولة من الاُمّ يقسّم بالسويّة مطلقاً، والسدس من البقيّة مع الانفراد والثلث مع التعدّد للعمومة من قبل الاُمّ يقسّم بالسويّة إلّا مع الاختلاف في الجنس، فيحتاط كما تقدّم، والباقي للباقي (لِلذّكَرِ مِثْلُ حَظّ الْأُنْثَيَيْنِ).
        مسألة 18 - لوكان مع أحدهما العمومة من الأبوين أو الأب والخؤولة كذلك والخؤولة من الاُمّ فله نصيبه الأعلى، والثلث من التركة للخؤولة، وسدس هذا الثلث مع الانفراد وثلثه مع التعدّد للخؤولة من قبل الاُمّ بالسويّة مطلقاً، والباقي من هذا الثلث للخؤولة من الأبوين أو الأب بالسويّة مطلقاً، والباقي من الترِكة للعمومة للذكر ضعف الاُنثى.
        مسألة 19 - لوكان مع أحدهما الخؤولة من الأبوين أو الأب والخؤولة من الاُمّ والعمومة منها فله نصيبه الأعلى، والثلث من التركة للخؤولة، وسدس هذا الثلث مع الانفراد وثلثه مع التعدّد للخؤولة من الاُمّ بالسويّة مطلقاً، وباقي الثلث لسائر الخؤولة بالسويّة مطلقاً، والباقي من الترِكة للعمومة يقسّم بالسويّة إلّا مع الاختلاف، فيجب الاحتياط بالتصالح.
        مسألة 20 - لوكان أحدهما مع العمومة من الأبوين أو الأب ومن الاُمّ والخؤولة من الأبوين أو الأب ومن الاُمّ فله نصيبه الأعلى، والثلث من الترِكة للخؤولة، والسدس من هذا الثلث مع الانفراد وثلثه مع التعدّد للخؤولة من الاُمّ يقسّم بالسويّة، وباقي الثلث للخؤولة من الأبوين أو الأب يقسّم بالسويّة مطلقاً، والباقي للعمومة، وسدسه مع الانفراد وثلثه مع التعدّد للعمومة من الاُمّ يقسّم بالسويّة، إلّا مع الاختلاف فيجب الاحتياط المذكور، والباقي للعمومة من الأبوين أو الأب للذكر ضعف الاُنثى.
        مسألة 21 - لا يرث العمومة من قبل الأب مع وجودها من قبل الأبوين. وكذا الحال في الخؤولة.

        وهاهنا اُمور:

        الأوّل: لا يرث أحد من أولاد العمومة والخؤولة مع وجود واحد من العمومة أو الخؤولة، فمع وجود خالة من قبل الاُمّ - مثلاً - لا يرث أولاد العمومة ولا أولاد الخؤولة مطلقاً إلّا في مورد واحد، وهو ما إذا كان عمّ من قبل الأب وابن عمّ من قبل الأبوين فيقدّم الثاني على الأوّل، بشرط أن لا يكون معهما عمّ من قبل الأبوين ولا من قبل الاُمّ ولا العمّة مطلقاً، ولا الخال والخالة مطلقاً. ولا فرق بين كون العمّ من الأب واحداً أو متعدّداً، وكذا بين كون ابن العمّ من قبل الأبوين واحداً أو متعدّداً؛ فحينئذٍ يكون الإرث لابن العمّ، لا العمّ ولا أبناء الأعمام والعمّات والأخوال والخالات. ولا فرق في ذلك بين وجود أحد الزوجين وعدمه، ولايجري الحكم المذكور في غير ذلك. نعم، مع كون الوارث العمّة من قبل الأب وابن العمّ من قبل الأبوين فالاحتياط بالتصالح مطلوب.
        الثاني: أولاد العمومة والخؤولة يقومون مقامهم عند عدمهم وعدم من هو في درجتهم، وأنّ الأقرب مقدّم وإن اتّحد سببه على الأبعد وإن تقرّب بسببين، إلّا في مورد واحد تقدّم آنفاً. ويرث أولاد العمومة والخؤولة إرث من يتقرّبون به.
        الثالث: المنتسبون باُمّ الميّت في هذه الطبقة (سواء كان الخال أو الخالة أو أولادهما، وسواء كانوا من قبل الأبوين أو الأب) يرثون بالسويّة مطلقاً. والمنتسبون بأبيه - أي العمومة وأولادهم - يرثون بالتفاوت (لِلذّكَرِ مِثْلُ حَظّ الْأُنْثَيَيْنِ). نعم، في العمومة من قبل الاُمّ وأولادهم لابدّ من الاحتياط بالتصالح.
        الرابع: مع وجود أولاد العمومة من الأبوين لا يرث أولادهم من الأب فقط، وكذا في أولاد الخؤولة، لكن مع وجود أولاد العمومة من قبل الأبوين يرث أولاد الخؤولة من قبل الأب مع عدم أولاد الخؤولة من قبل الأبوين، وكذا مع أولاد الخؤولة من قبل الأبوين يرث أولاد العمومة من قبل الأب مع فقد أولادهم من الأبوين .
        الخامس: قد مرّ أنّ أولاد العمومة والخؤولة يقومون مقامهم، وإذا كانوا من العمومة المتعدّدة والخؤولة كذلك لابدّ في كيفيّة التقسيم من فرض حياة الوسائط والتقسيم بالسويّة في المنتسبين بالاُمّ، و(لِلذّكَرِ مِثْلُ حَظّ الْأُنْثَيَيْنِ) في المنتسبين بالأب، ثمّ تقسيم نصيب كلّ بين أولادهم كالتقسيم بين الوسائط، ويحتاط في أولاد الأعمام من قبل الاُمّ بالتصالح كما مرّ. وهكذا الكلام في الوسائط المتعدّدة.
        السادس: ترتّب الأرحام الّذين هم من حواشي نسب الميّت؛ فأعمامه وعمّاته وأولادهم وإن نزلوا - مع الصدق العرفيّ - وكذا أخواله وخالاته أحقّ بالميراث من أعمام الأب والاُمّ وعمّاتهما وأخوالهما وخالاتهما. نعم، مع فقد الطائفة الاُولى تقوم الثانية مقامهم مرتّبين، الأقرب منهم مقدّم على الأبعد؛ ومع فقدهم عمومة جدّ الميّت وجدّته وخؤولتهما وأولادهم مرتّبون بحسب القرب والبعد.
        السابع: لو اجتمع لوارث موجبان للإرث أو الزيادة يرث بجميعها إن لم يكن بعضها مانعاً عن الآخر، ككون أحدهما - مثلاً - أقرب من الآخر، وإلّا يرث من جهة المانع دون الممنوع، مثل ابن عمّ هو أخ لاُمّ. ولا فرق بين كون الموجب نسباً أو سبباً؛ فلو اجتمع السببان أو نسب وسبب: فإن كان أحدهما مانعاً يرث به دون الآخر كالمعتق وضامن الجريرة، وإلّا بهما كالزوج وابن العمّ مثلاً. وكيفيّة الإرث عند الاجتماع كالكيفيّة عند الانفراد. والاحتياط المتقدّم في الأعمام من قبل الأمّ جارٍ في المقام.

    • المقصد الثاني: في الميراث بسبب الزوجية
    •  

      المقصد الثاني في الميراث بسبب الزوجيّة

      مسألة 1 - لا يرث أحد الزوجين جميع المال بسبب الزوجيّة إلّا في صورة واحدة، وهي انحصار الوارث بالزوج والإمام (عليه السلام)، فيرث الزوج جميع المال فرضاً وردّاً كما تقدّم. وقد ظهر ممّا مرّ أنّ فرض الزوج نصفٌ تارةً وربعٌ اُخرى، وفرض الزوجة ربعٌ تارةً وثمنٌ اُخرى، ولا يزيد نصيبهما ولا ينقص مع اجتماعهما بأيّ طبقة أو درجة، إلّا في الفرض المتقدّم آنفاً.
      مسألة 2 - يشترط في التوارث بالزوجيّة أن يكون العقد دائماً، فلا توارث في الانقطاع، لا من جانب الزوج ولا الزوجة بلا اشتراط بلا إشكال، ومعه من جانب أو جانبين في غاية الإشكال، فلا يترك الاحتياط بترك الشرط، ومعه لايترك بالتصالح؛ وأن تكون الزوجة في حبال الزوج وإن لم يدخل بها، فيتوارثان ولو مع عدم الدخول. والمطلّقة الرجعيّة بحكم الزوجة ما دامت في العدّة، بخلاف البائنة؛ فلو مات أحدهما في زمان العدّة الرجعيّة يرثه الآخر، بخلاف ما لو مات في العدّة البائنة. نعم، لو طلّقها في حال المرض ولو بائناً ومات بهذا المرض ترثه إلى سنة من حين الطلاق، بشرط أن لا يكون الطلاق بالتماس منها، فلا ترث المختلعة والمبارأة؛ وأن لا تتزوّج، فلو طلّقها حال المرض وتزوّجت بعد انقضاء عدّتها ثمّ مات الزوج قبل انقضاء السنة لم ترثه؛ وأن لايبرأ الزوج من المرض الّذي طلّقها فيه، فلو برئ منه ثمّ مرض ولو بمثل هذا المرض لم ترثه؛ ولو ماتت هي في مرضه قبل تمام السنة لا يرثها إلّا في العدّة الرجعيّة.
      مسألة 3 - لو نكح المريض في مرضه: فإن دخل بها أو برئ من ذلك المرض يتوارثان، وإن مات في مرضه ولم يدخل بطل العقد، ولا مهر لها ولا ميراث. وكذا لو ماتت في مرضه ذلك المتّصل بالموت قبل الدخول لا يرثها. ولو تزوّجت وهي مريضة - لا الزوج - فماتت أو مات يتوارثان. ولا فرق في الدخول بين القبل والدبر. كما أنّ الظاهر أنّ المعتبر موته في هذا المرض قبل البرء لا بهذا؛ فلو مات فيه بعلّة اُخرى لا يتوارثان أيضاً. والظاهر عدم الفرق بين طول المرض وقصره. ولو كان المرض شبه الأدوار بحيث يقال بعدم برئه في دور الوقوف فالظاهر عدم التوارث لو مات فيه، والأحوط التصالح.
      مسألة 4 - إن تعدّدت الزوجات فالثمن مع وجود الولد والربع مع عدمه يقسّم بينهنّ بالسويّة، فلهنّ الربع أو الثمن من الترِكة. ولا فرق في منع الولد عن نصيبها الأعلى بين كونه منها أو من غيرها، أو كان من دائمة أو منقطعة، ولا بين كونه بلا واسطة أو معها. والزوجة المطلّقة حال مرض الموت شريكة في الربع أو الثمن مع الشرائط المتقدّمة .
      مسألة 5 - يرث الزوج من جميع ترِكة زوجته من منقول وغيره. وترث الزوجة من المنقولات مطلقاً. ولا ترث من الأراضي مطلقاً - لا عيناً ولا قيمةً - سواء كانت مشغولةً بالزرع والشجر والبناء وغيرها أم لا. وترث القيمة خاصّةً من آلات البناء، كالجذوع والخشب والطوب ونحوها، وكذا قيمة الشجر والنخل، من غير فرق بين أقسام البناء كالرحى والحمّام والدكّان والإصطبل وغيرها، وفي الأشجار بين الصغيرة والكبيرة واليابسة الّتي معدّة للقطع ولم تقطع والأغصان اليابسة، والسعف كذلك مع اتّصالها بالشجر.
      مسألة 6 - المراد من الأعيان الّتي ترث الزوجة من قيمتها هي الموجودة حال الموت؛ فإن حصل منها نماء وزيادة عينيّة من حين الموت إلى حين القسمة لا ترث من تلك النماء والزيادة.
      مسألة 7 - المدار في القيمة يوم الدفع لا الموت؛ فلو زادت القيمة على القيمة حين الموت ترث منها، ولو نقصت نقصت من نصيبها. نعم، الأحوط مع تفاوت القيمتين التصالح.
      مسألة 8 - طريق التقويم أن تقوّم الآلات والشجر والنخل باقيةً في الأرض مجّاناً إلى أن تفنى، وتُعطى حصّتها من ذلك؛ فلو زادت قيمتها مثبتةً إلى أن تفنى عنها غير مثبتة فلها الزيادة.
      مسألة 9 - المدار كون الآلات مثبتةً حين الموت؛ فلو خربت البناء وقطعت الأشجار قبل الموت وبقيت بتلك الحالة إلى حين الموت ترث من أعيانها كسائر المنقولات. ومن المنقول الثمر على الشجر والزرع والبذر المزروع. وكذا القدر المثبت في الدكّان ليطبخ فيه، فإنّ الظاهر أنّه من المنقول. كما أنّ الظاهر أنّ الدولاب والعريش الّذي يكون عليه أغصان الكرم من غير المنقول.
      مسألة 10 - الأقوى أنّ الزوجة تستحقّ القيمة، ويجوز لها أن لا تقبل نفس الأعيان، كما ليس لها مطالبة الأعيان.
      مسألة 11 - لا يجوز للزوجة التصرّف في الأعيان الّتي تستحقّ قيمتها بلا رضا سائرالورثة. والأحوط لسائرالورثة عدم التصرّف فيها - قبل أداءقيمتها - بغيرإذنها.
      مسألة 12 - لو زوّج الصغيرةَ أبوها أو جدّها لأبيها بالكفو بمهر المثل أو الأكثر يرثها الزوج وترثه. وكذا لو زوّج الصغيرين أبوهما أو جدّهما لأبيهما، بل لو كان التزويج بالكفو بدون مهر المثل مع عدم المفسدة، فضلاً عمّا كان فيه الصلاح. وكذا لو زوّج الحاكم في مورد جاز له التزويج. وقد مرّ بعض ما يناسب المقام في النكاح.
      مسألة 13 - الإرث بسبب الولاء غير مبتلىً به إلّا بسبب الإمامة؛ فمن مات وليس له وارث من الطبقات المتقدّمة ولا بولاء العتق وضمان الجريرة ولم يكن له زوج يرثه الإمام (عليه السلام) ولو كان الوارث الزوجة فقط فالبقيّة بعد الربع له (عليه السلام) وأمره في عصر غيبة وليّ الأمر - عجّل اللّه تعالى فرجه - كسائر ما للإمام (عليه السلام) بيد الفقيه الجامع للشرائط.

      • اللواحق
        • الفصل الأول: في ميراث الخنثى

           

          وأمّا اللواحق ففيها فصول:

          الأوّل
          في ميراث الخنثى

          مسألة 1 - لو كان بعض الورّاث خنثى - بأن كان له فرج الرجال والنساء: فإن أمكن تعيين كونه رجلاً أو امرأةً بإحدى المرجّحات المنصوصة أو غير المنصوصة فهو غير مشكل، ويعمل على طبقها؛ وإلّا فهو مشكل.
          مسألة 2 - المرجّحات المنصوصة اُمور:
          الأوّل: أن يبول من أحد الفرجين دائماً، أو غالباً بحيث يكون البول من غيره نادراً كالمعدوم؛ وإلّا فمحلّ إشكال، فيرث على الفرج الّذي يبول منه؛ فإن بال من فرج الرجال يرث ميراث الذكر، وإن بال من فرج النساء يرث ميراث الاُنثى.
          الثاني: سبق البول من أحد الفرجين دائماً، أو غالباً بنحوٍ عدّ ما عداه كالمعدوم لو بال منهما؛ فإن سبق ممّا للرجال يرث ميراث الذكر، وإن سبق ممّا للنساء يرث ميراث الاُنثى.
          الثالث: قيل: تأخّر الانقطاع من أحد الفرجين دائماً أو غالباً مع فقد الأمارة الثانية. وفيه إشكال، لا يترك الاحتياط بالتصالح مع فقد سائر الأمارات.
          الرابع: عدّ الأضلاع، فإن كان أضلاع جنبه الأيمن أكثر من الأيسر فهو من الرجال ويرث إرث الذكر، وإن كانتا متساويتين يرث إرث الاُنثى.
          مسألة 3 - لو فقدت العلائم المنصوصة: فإن كانت فيه علائم خاصّة بالنساء كرؤية الدم حسب ماترى النساء أو خاصّة بالرجال كإنبات اللحية - مثلاً - فإن حصل منها الاطمينان يحكم بحسبه؛ وإلّا فهو من المشكل.
          مسألة 4 - الخنثى المشكل - أي الّذي لا تكون فيه المرجّحات المنصوصة ولا العلائم الموجبة للاطمينان - يرث نصف نصيب الرجال ونصف نصيب النساء.
          مسألة 5 - لو لم يكن لشخصٍ فرج الرجال ولا النساء وخرج بوله من محلّ آخر كدبره فالأقوى العمل بالقرعة.
          مسألة 6 - لوكان لشخص رأسان على صدر واحد أو بدنان على حقوٍ واحد فطريق الاستعلام أن يوقظ أحدهما، فإن انتبه دون الآخر فهما اثنان يورثان ميراث الاثنين، وإن انتبها يورث إرث الواحد. ثمّ إنّ لهذا الموضوع فروعاً كثيرةً جدّاً سيّالةً في أبواب الفقه، مذكور بعضها في المفصّلات.

        • الفصل الثاني: في ميراث الغرقى والمهدوم عليهم

           

          الفصل الثاني
          في ميراث الغرقى والمهدوم عليهم

          مسألة 1 - لو مات اثنان بينهما توارثٌ في آن واحد بحيث يعلم تقارن موتهما فلا يكون بينهما توارثٌ، سواء ماتا أو مات أحدهما حتف أنف أو بسبب، كان السبب واحداً أو لكلّ سبب؛ فيرث من كلّ منهما الحيّ من ورّاثه حال موته. وكذا الحال في موت الأكثر من اثنين.
          مسألة 2 - لو مات اثنان حتف أنف أو بسبب وشكّ في التقارن وعدمه أو علم عدم التقارن وشكّ في المتقدّم والمتأخّر فإن علم تاريخ أحدهما المعيّن يرث الآخر - أي مجهول التاريخ - منه دون العكس. وكذا في أكثر من واحد. ولا فرق في الأسباب كما تقدّم.
          مسألة 3 - لو مات اثنان وشكّ في التقارن والتقدّم والتأخّر ولم يعلم التاريخ: فإن كان سبب موتهما الغرق أو الهدم فلا إشكال في إرث كلّ منهما من الآخر؛ وإن كان السبب غيرهما - أيّ سبب كان - أوكان الموت حتف أنف أو اختلفا في الأسباب فهل يحكم بالقرعة أو التصالح أو كان حكمه حكم الغرقى والمهدوم عليهم؟ وجوه، أقواها الأخير وإن كان الاحتياط بالتصالح مطلوباً، سيّما في ما كان موتهما أو موت أحدهما حتف أنف. ويجري الحكم في موت الأكثر من اثنين.
          مسألة 4 - لو ماتا وعلم تقدّم أحدهما على الآخر وشكّ في المتقدّم وجهل تاريخهما فالأقوى الرجوع إلى القرعة، سواء كان السبب الغرق أو الهدم أو غيرهما أو ماتا أو أحدهما حتف أنف.
          مسألة 5 - طريق التوريث من الطرفين أن يفرض حياة كلّ واحد منهما حين موت الآخر ويرث من ترِكته حال الموت، ثمّ يرث وارثه الحيّ ما ورثه. نعم، لايرث واحد منهما ممّا ورث الآخر منه؛ فلو مات ابن وأب ولم يعلم التقدّم والتأخّر والتقارن وكان للأب - غير الابن الّذي مات معه - ابنة وكان ما تركه تسعمائة وكان للابن الميّت ابن وما تركه ستّمائة فيفرض أوّلاً موت الأب وحياة الابن، فيرث من أبيه ستّمائة - ثلثي التركة - وهي حقّ ابنه أي ابن ابن الميّت، والباقي حقّ اُخته، ثمّ يفرض موت الابن وحياة الأب، فيرث منه مائةً - سدس ترِكته - ويؤتى ابنته، والباقي حقّ ابن ابنه.
          مسألة 6 - يشترط في التوريث من الطرفين عدم الحاجب من الإرث في كلّ منهما. ولوكان أحدهما محجوباً يرث منه صاحبه؛ كما أنّه لولم يكن لأحدهما ما ترك من مال أو حقّ يرث ممّن له ذلك، فلا يشترط في إرثه منه إرث الطرف منه.

        • الفصل الثالث: في ميراث الكفار

           

          الفصل الثالث
          في ميراث المجوس وغيرهم من الكفّار

          مسألة 1 - المجوس وغيرهم من فرق الكفّار قد ينكحون المحرّمات عندنا بمقتضى مذهبهم على ما قيل، وقد ينكحون المحلّلات عندنا، فلهم نسب وسبب صحيحان وفاسدان.
          مسألة 2 - لا يرث مجوسيّ ولا غيره ممّن لا يكون بينه وبينه نسب أو سبب صحيح في مذهبه.
          مسألة 3 - لوكان نسب أو سبب صحيح في مذهبهم وباطل عندنا كما لو نكح أحدهم باُمّه أو بنته وأولدها فهل لا يكون بين الولد وبينهما وكذا بين الزوج والزوجة توارثٌ مطلقاً، وإنّما التوارث بالنسب والسبب الصحيحين عندنا، أو يكون التوارث بالنسب ولو كان فاسداً وبالسبب الصحيح دون الفاسد، أو يكون بالأمرين صحيحهما وفاسدهما؟ وجوه وأقوال أقواها الأخير.
          مسألة 4 - لو اجتمع موجبان للإرث أو أكثر لأحدهم يرث بالجميع، مثل اُمّ هي زوجته، فلها نصيب الزوجة من الربع أو الثمن ونصيب الاُمومة، ولو ماتت فله نصيب الزوج والابن.
          مسألة 5 - لو اجتمع سببان وكان أحدهما مانعاً من الآخر ورث من جهة المانع فقط، مثل بنت هي اُخت من اُمّ، فلها نصيب البنت لا الاُخت، وبنتٍ هي بنت بنت، فلها نصيب البنت فقط.
          مسألة 6 - لو كان لامرأة زوجان أو أكثر - وصحّ في مذهبهم - فماتت فالظاهر أنّ إرث الزوج (أي النصف أو الربع) يقسّم بينهم بالسويّة كإرث الزوجات منه. ولو مات أحد الزوجين فلها منه نصيبها من الربع أو الثمن. ولو ماتا فلها من كلّ منهما نصيبها من الربع أو الثمن.
          مسألة 7 - لو تزوّجوا بالسبب الفاسد عندهم والصحيح عندنا فلا يبعد جريان حكم الصحيح عليه، ولكن اُلزموا في ما عليهم بما ألزموا به أنفسهم.
          مسألة 8 - المسلم لا يرث بالسبب الفاسد؛ فلو تزوّج أحدَ محارمه لم يتوارثا بهذا التزويج وإن فرض كونه عن شبهة؛ فلو تزوّج اُمّه من الرضاع أو من الزنا فلايتوارثان به.
          مسألة 9 - المسلم يرث بالنسب الصحيح وكذا الفاسد لو كان عن شبهة؛ فلو اعتقد أنّ اُمّه أجنبيّة فتزوّجها وأولد منهما يرث الولد منهما وهما منه. فيأتي في المسلم مع الشبهة الفروع الّتي تتصوّر في المجوس. ولا فرق في الشبهة بين الموضوعيّة والحكميّة.
          مسألة 10 - لو اختلف اجتهاد فقيهين في صحّة تزويج وفساده كتزويج اُمّ المزنيّ بها أو المختلقة من ماء الزاني فتزوّج القائل بالصحّة أو مقلّده ليس للقائل بالفساد ترتيب آثار الصحّة عليه، فلا توارث بينهما عند المبطل.

    • كتاب القضاء
      • في بيان أهميته وبعض أحكامه

         

        في بيان أهميته وبعض أحكامه

        وهو الحكم بين الناس لرفع التنازع بينهم بالشرائط الآتية. ومنصب القضاء من المناصب الجليلة الثابتة من قبل اللّه تعالى للنبي(صلى الله عليه وآله وسلم)، ومن قبله للأئمّة المعصومين:، ومن قبلهم للفقيه الجامع للشرائط الآتية. ولا يخفى أنّ خطره عظيم، وقد ورد: «أنّ القاضي على شفير جهنّم»، وعن أميرالمؤمنين (عليه السلام) أنّه قال: «يا شريح قد جلست مجلساً لا يجلسه إلّا نبيّ أو وصيّ نبيّ أو شقيّ»، وعن أبي عبداللّه(عليه السلام): «اتّقوا الحكومة، فإنّ الحكومة إنّما هي للإمام العالم بالقضاء العادل في المسلمين، لنبيّ أو وصيّ نبي»، وفي رواية: «من حكم في درهمين بغير ما أنزل اللّه - عزّوجلّ - فقد كفر»، وفي اُخرى: «لسان القاضي بين جمرتين من نار حتّى يقضي بين الناس، فإمّا في الجنّة، وإمّا في النار»، وعن أبي عبداللّه(عليه السلام) قال: «القضاة أربعة: ثلاثة في النار وواحد في الجنّة، رجل قضى بجور وهو يعلم فهو في النار، ورجل قضى بجور وهو لا يعلم فهو في النار، ورجل قضى بالحقّ وهو لايعلم فهو في النار، ورجل قضى بالحقّ وهو يعلم فهو في الجنّة». ولو كان موقوفاً على الفتوى يلحقه خطر الفتوى أيضاً، ففي الصحيح قال أبوجعفر(عليه السلام): «من أفتى الناس بغير علم ولاهدىً من اللّه لعنه ملائكة الرحمة وملائكة العذاب، ولحقه وزر من عمل بفتياه».
        مسألة 1 - يحرم القضاء بين الناس ولو في الأشياء الحقيرة إذا لم يكن من أهله؛ فلو لم ير نفسه مجتهداً عادلاً جامعاً لشرائط الفُتيا والحكم حرم عليه تصدّيه وإن اعتقد الناس أهليّته. ويجب كفايةً على أهله. وقد يتعيّن إذا لم يكن في البلد أو ما يقرب منه - ممّا لا يتعسّر الرفع إليه - من به الكفاية.
        مسألة 2 - لا يتعيّن القضاء على الفقيه إذا كان من به الكفاية ولو اختاره المترافعان أو الناس.
        مسألة 3 - يستحبّ تصدّي القضاء لمن يثق بنفسه القيام بوظائفه. والأولى تركه مع وجود من به الكفاية، لما فيه من الخطر والتهمة.
        مسألة 4 - يحرم الترافع إلى قضاة الجور - أي من لم يجتمع فيهم شرائط القضاء - فلو ترافع إليهم كان عاصياً. وما أخذ بحكمهم حرام إذا كان ديناً، وفي العين إشكال، إلّا اذا توقّف استيفاء حقّه على الترافع إليهم فلا يبعد جوازه، سيّما إذا كان في تركه حرجٌ عليه. وكذا لو توقّف ذلك على الحلف كاذباً جاز.
        مسألة 5 - يجوز لمن لم يتعيّن عليه القضاء الارتزاق من بيت المال ولو كان غنيّاً وإن كان الأولى الترك مع الغنى. ويجوز مع تعيّنه عليه إذا كان محتاجاً، ومع كونه غنيّاً لا يخلو من إشكال وإن كان الأقوى جوازه. وأمّا أخذ الجعل من المتخاصمين أو أحدهما فالأحوط الترك حتّى مع عدم التعيّن عليه. ولو كان محتاجاً يأخذ الجعل أو الأجر على بعض المقدّمات.
        مسألة 6 - أخذ الرشوة وإعطاؤها حرام إن توصّل بها إلى الحكم له بالباطل. نعم، لو توقّف التوصّل إلى حقّه عليها جاز للدافع وإن حرم على الآخذ. وهل يجوز الدفع إذا كان محقّاً ولم يتوقّف التوصّل إليه عليها؟ قيل: نعم، والأحوط الترك، بل لا يخلو من قوّة. ويجب على المرتشي إعادتها إلى صاحبها، من غير فرق في جميع ذلك بين أن يكون الرشى بعنوانه أو بعنوان الهبة أو الهديّة أو البيع المحاباتيّ ونحو ذلك.
        مسألة 7 - قيل من لا يقبل شهادته لشخص أو عليه لا ينفذ حكمه كذلك، كشهادة الولد على والده والخصم على خصمه. والأقوى نفوذه وإن قلنا بعدم قبول شهادته.
        مسألة 8 - لو رفع المتداعيان اختصامهما إلى فقيه جامع للشرائط فنظر في الواقعة وحكم على موازين القضاء لا يجوز لهما الرفع إلى حاكم آخر، وليس للحاكم الثاني النظر فيه ونقضه، بل لو تراضى الخصمان على ذلك فالمتّجه عدم الجواز. نعم، لو ادّعى أحد الخصمين بأنّ الحاكم الأوّل لم يكن جامعاً للشرائط -كأن ادّعى عدم اجتهاده أو عدالته حال القضاء - كانت مسموعةً يجوز للحاكم الثاني النظر فيها؛ فإذا ثبت عدم صلوحه للقضاء نقض حكمه، كما يجوز النقض لوكان مخالفاً لضروريّ الفقه بحيث لو تنبّه الأوّل يرجع بمجرّده لظهور غفلته. وأمّا النقض في ما يكون نظريّاً اجتهاديّاً فلا يجوز. ولا تسمع دعوى المدّعي ولو ادّعى خطأه في اجتهاده.
        مسألة 9 - لو افتقر الحاكم إلى مترجم لسماع الدعوى أو جواب المدّعى عليه أو الشهادة يعتبر أن يكون شاهدين عدلين.

      • االقول في صفات القاضي وما يناسب ذلك

         

        القول في صفات القاضي
        وما يناسب ذلك

        مسألة 1 - يشترط في القاضي البلوغ، والعقل، والإيمان، والعدالة، والاجتهاد المطلق، والذكورة، وطهارة المولد، والأعلميّة ممّن في البلد أو ما يقربه على الأحوط. والأحوط أن يكون ضابطاً غير غالب عليه النسيان، بل لو كان نسيانه بحيث سلب منه الاطمينان فالأقوى عدم جواز قضائه. وأمّا الكتابة ففي اعتبارها نظر. والأحوط اعتبار البصر وإن كان عدمه لا يخلو من وجه.
        مسألة 2 - تثبت الصفات المعتبرة في القاضي بالوجدان، والشياع المفيد للعلم أو الاطمينان، والبيّنة العادلة. والشاهد على الاجتهاد أو الأعلميّة لابدّ وأن يكون من أهل الخبرة.
        مسألة 3 - لابدّ من ثبوت شرائط القضاء في القاضي عند كلّ من المترافعين. ولا يكفي الثبوت عند أحدهما.
        مسألة 4 - يشكل للقاضي القضاء بفتوى المجتهد الآخر، فلابدّ له من الحكم على طبق رأيه، لا رأي غيره ولو كان أعلم.
        مسألة 5 - لو اختار كلّ من المدّعي والمنكر حاكماً لرفع الخصومة فلا يبعد تقديم اختيار المدّعي لو كان القاضيان متساويين في العلم، وإلّا فالأحوط اختيار الأعلم. ولو كان كلّ منهما مدّعياً من جهة ومنكراً من جهة اُخرى فالظاهر في صورة التساوي الرجوع إلى القرعة.
        مسألة 6 - إذا كان لأحد من الرعيّة دعوى على القاضي فرفع إلى قاضٍ آخر تسمع دعواه وأحضره. ويجب على القاضي إجابته. ويعمل معه الحاكم في القضيّة معاملته مع مدّعيه من التساوي في الآداب الآتية.
        مسألة 7 - يجوز للحاكم الآخر تنفيذ الحكم الصادر من القاضي، بل قد يجب. نعم، لو شكّ في اجتهاده أو عدالته أو سائر شرائطه لا يجوز إلّا بعد الإحراز، كما لا يجوز نقض حكمه مع الشكّ واحتمال صدور حكمه صحيحاً، ومع علمه بعدم أهليّته ينقض حكمه.
        مسألة 8 - يجوز للقاضي أن يحكم بعلمه من دون بيّنة أو إقرار أو حلف في حقوق الناس، وكذا في حقوق اللّه تعالى، بل لا يجوز له الحكم بالبيّنة إذا كانت مخالفةً لعلمه، أو إحلاف من يكون كاذباً في نظره. نعم، يجوز له عدم التصدّي للقضاء في هذه الصورة مع عدم التعيّن عليه.
        مسألة 9 - لو ترافعا إليه في واقعة قد حكم فيها سابقاً يجوز أن يحكم بها على طبقه فعلاً إذا تذكّر حكمه وإن لم يتذكّر مستنده، وإن لم يتذكّر الحكم فقامت البيّنة عليه جاز له الحكم، وكذا لو رأى خطّه وخاتمه وحصل منهما القطع أو الاطمينان به. ولو تبدّل رأيه فعلاً مع رأي سابقه الّذي حكم به جاز تنفيذ حكمه إلّا مع العلم بخلافه، بأن يكون حكمه مخالفاً لحكم ضروريّ أو إجماع قطعيّ، فيجب عليه نقضه.
        مسألة 10 - يجوز للحاكم تنفيذ حكم من له أهليّة القضاء من غير الفحص عن مستنده. ولا يجوز له الحكم في الواقعة مع عدم العلم بموافقته لرأيه. وهل له الحكم مع العلم به؟ الظاهر أنّه لا أثر لحكمه بعد حكم القاضي الأوّل بحسب الواقعة. وإن كان قد يؤثّر في إجراء الحكم كالتنفيذ فإنّه أيضاً غير مؤثّر في الواقعة وإن يؤثّر في الإجراء أحياناً. ولا فرق في جواز التنفيذ بين كونه حيّاً أو ميّتاً، ولابين كونه باقياً على الأهليّة أم لا، بشرط أن لا يكون إمضاؤه موجباً لإغراء الغير بأنّه أهلٌ فعلاً.
        مسألة 11 - لا يجوز إمضاء الحكم الصادر من غير الأهل، سواء كان غير مجتهد أو غير عادل ونحو ذلك وإن علم بكونه موافقاً للقواعد، بل يجب نقضه مع الرفع إليه أو مطلقاً.
        مسألة 12 - إنّما يجوز إمضاء حكم القاضي الأوّل للثاني إذا علم بصدور الحكم منه، إمّا بنحو المشافهة، أو التواتر، ونحو ذلك. وفي جوازه بإقرار المحكوم عليه إشكال. ولا يكفي مشاهدة خطّه وإمضائه، ولا قيام البيّنة على ذلك. نعم، لو قامت على أنّه حكم بذلك فالظاهر جوازه.

      • القول في وظائف القاضي

         

        القول في وظائف القاضي

        وهي اُمور:
        الأوّل: يجب التسوية بين الخصوم - وإن تفاوتا في الشرف والضعة - في السلام والردّ والإجلاس والنظر والكلام والإنصات وطلاقة الوجه وسائر الآداب وأنواع الإكرام، والعدل في الحكم. وأمّا التسوية في الميل بالقلب فلا يجب، هذإ؛زر ظظ إذا كانا مسلمين. وأمّا إذا كان أحدهما غير مسلم يجوز تكريم المسلم زائداً على خصمه. وأمّا العدل في الحكم فيجب على أيّ حال.
        الثاني: لا يجوز للقاضي أن يلقّن أحد الخصمين شيئاً يستظهر به على خصمه، كأن يدّعي بنحو الاحتمال فيلقّنه أن يدّعي جزماً حتّى تسمع دعواه، أو يدّعي أداء الأمانة أو الدين فيلقّنه الإنكار. وكذا لا يجوز أن يعلّمه كيفيّة الاحتجاج وطريق الغلبة. هذا إذا لم يعلم أنّ الحقّ معه وإلّا جاز، كما جاز له الحكم بعلمه. وأمّا غير القاضي فيجوز له ذلك مع علمه بصحّة دعواه، ولا يجوز مع علمه بعدمها، ومع جهله فالأحوط الترك.
        الثالث: لو ورد الخصوم مترتّبين بدأ الحاكم في سماع الدعوى بالأوّل فالأوّل، إلّا إذا رضي المتقدّم تأخيره، من غير فرق بين الشريف والوضيع والذكر والاُنثى. وإن وردوا معاً أو لم يعلم كيفيّة ورودهم ولم يكن طريق لإثباته يقرع بينهم مع التشاحّ.
        الرابع: لو قطع المدّعى عليه دعوى المدّعي بدعوى لم يسمعها حتّى يجيب عن دعوى صاحبه وتنتهي الحكومة، ثمّ يستأنف هو دعواه، إلّا مع رضا المدّعي الأوّل بالتقديم.
        الخامس: إذا بدر أحد الخصمين بالدعوى فهو أولى. ولو ابتدرا معاً يسمع من الّذي على يمين صاحبه. ولو اتّفق مسافر وحاضر فهما سواء ما لم يستضرّ أحدهما بالتأخير، فيقدّم دفعاً للضرر. وفيه تردّد.

      • القول في شروط سماع الدعوى

         

        القول في شروط سماع الدعوى

        وليعلم أن تشخيص المدّعي والمنكر عرفيّ كسائر الموضوعات العرفيّة. وليس للشارع الأقدس اصطلاح خاصّ فيهما. وقد عرّف بتعاريف متقاربة. والتعاريف جلّها مربوطة بتشخيص المورد، كقولهم: إنّه من لو ترك تُرك، أو يدّعي خلاف الأصل، أو من يكون في مقام إثبات أمر على غيره. والأولى الإيكال إلى العرف. وقد يختلف المدّعي والمنكر عرفاً بحسب طرح الدعوى ومصبّها. وقد يكون من قبيل التداعي بحسب المصبّ.
        مسألة 1 - يشترط في سماع دعوى المدّعي اُمور بعضها مربوط بالمدّعي، وبعضها بالدعوى، وبعضها بالمدّعى عليه، وبعضها بالمدّعى به:
        الأوّل: البلوغ؛ فلا تسمع من الطفل ولو كان مراهقاً. نعم، لو رفع الطفل المميّز ظلامته إلى القاضي: فإن كان له وليّ أحضره لطرح الدعوى، وإلّا فأحضر المدّعى عليه ولايةً، أو نصب قيّماً له، أو وكّل وكيلاً في الدعوى، أو تكفّل بنفسه وأحلف المنكر لو لم تكن بيّنة. ولو ردّ الحلف فلا أثر لحلف الصغير. ولو علم الوكيل أو الوليّ صحّة دعواه جاز لهما الحلف.
        الثاني: العقل؛ فلا تسمع من المجنون ولو كان أدواريّاً إذا رفع حال جنونه.
        الثالث: عدم الحجر لسفه إذا استلزم منها التصرّف الماليّ. وأمّا السفيه قبل الحجر فتسمع دعواه مطلقاً.
        الرابع: أن لا يكون أجنبيّاً عن الدعوى؛ فلو ادّعى بدين شخص أجنبيّ على الآخر لم تسمع. فلابدّ فيه من نحو تعلّقٍ به كالولاية والوكالة أو كان المورد متعلّق حقّ له.
        الخامس: أن يكون للدعوى أثر لو حكم على طبقها؛ فلو ادّعى أنّ الأرض متحرّكةٌ وأنكرها الآخر لم تسمع. ومن هذا الباب ما لو ادّعى الوقف عليه أو الهبة مع التسالم على عدم القبض، أو الاختلاف في البيع وعدمه مع التسالم على بطلانه على فرض الوقوع، كمن ادّعى أنّه باع ربويّاً وأنكر الآخر أصل الوقوع. ومن ذلك ما لو ادّعى أمراً محالاً، أو ادّعى أنّ هذا العنب الّذي عند فلان من بستاني وليس لي إلّا هذه الدعوى لم تسمع، لأنّه بعد ثبوته بالبيّنة لا يؤخذ من الغير، لعدم ثبوت كونه له. ومن هذا الباب لو ادّعى ما لا يصحّ تملّكه، كما لو ادّعى أنّ هذا الخنزير أو الخمر لي، فإنّه بعد الثبوت لا يحكم بردّه إليه إلّا في ما يكون له الأولويّة فيه. ومن ذلك الدعوى على غيرمحصور، كمن ادّعى أنّ لي على واحد من أهل هذا البلدديناً.
        السادس: أن يكون المدّعى به معلوماً بوجه؛ فلا تسمع دعوى المجهول المطلق، كأن ادّعى أنّ لي عنده شيئاً، للتردّد بين كونه ممّا تسمع فيه الدعوى أم لا. وأمّا لو قال: «إنّ لي عنده فرساً أو دابّةً أو ثوباً» فالظاهر أنّه تسمع، فبعد الحكم بثبوتها يطالب المدّعى عليه بالتفسير، فإن فسّر ولم يصدّقه المدّعي فهو دعوى اُخرى، وإن لم يفسّر لجهالته - مثلاً - فإن كان المدّعى به بين أشياء محدودة يقرع على الأقوى. وإن أقرّ بالتلف ولم ينازعه الطرف: فإن اتّفقا في القيمة، وإلّا ففي الزيادة دعوى اُخرى مسموعة.
        السابع: أن يكون للمدّعي طرف يدّعي عليه؛ فلو ادّعى أمراً من دون أن تكون على شخص ينازعه فعلاً لم تسمع، كما لو أراد إصدار حكم من فقيه يكون قاطعاً للدعوى المحتملة، فإنّ هذه الدعوى غير مسموعة. ولو حكم الحاكم بعد سماعها: فإن كان حكمه من قبيل الفتوى - كأن حكم بصحّة الوقف الكذائيّ أو البيع الكذائيّ - فلا أثر له في قطع المنازعة لو فرض وقوعها؛ وإن كان من قبيل أنّ لفلان على فلان ديناً بعد عدم النزاع بينهما فهذا ليس حكماً يترتّب عليه الفصل وحرمة النقض، بل من قبيل الشهادة؛ فإن رفع الأمر إلى قاضٍ آخر يسمع دعواه، ويكون ذلك الحاكم من قبيل أحد الشهود، ولو رفع الأمر إليه وبقي على علمه بالواقعة له الحكم على طبق علمه.
        الثامن: الجزم في الدعوى في الجملة. والتفصيل: أنّه لا إشكال في سماع الدعوى إذا أوردها جزماً. وأمّا لو ادّعى ظنّاً أو احتمالاً ففي سماعها مطلقاً أو عدمه مطلقاً، أو التفصيل بين موارد التهمة وعدمها، بالسماع في الأوّل، أو التفصيل بين ما يتعسّر الاطّلاع عليه - كالسرقة - وغيره، فتسمع في الأوّل، أو التفصيل بين ما يتعارف الخصومة به - كما لو وجد الوصيّ أو الوارث سنداً أو دفتراً فيه ذلك، أو شهد به من لا يوثق به - وبين غيره فتسمع في الأوّل، أو التفصيل بين موارد التهمة وما يتعارف الخصومة به وبين غيرهما، فتسمع فيهما، وجوه، الأوجه الأخير؛ فحينئذٍ لو أقرّ المدّعى عليه أو قامت البيّنة فهو، وإن حلف المدّعى عليه سقطت الدعوى، ولو ردّ اليمين لا يجوز للمدّعي الحلف، فتتوقّف الدعوى، فلو ادّعى بعده جزماً أو عثر على بيّنة ورجع إلى الدعوى تُسمع منه.
        التاسع: تعيين المدّعى عليه؛ فلو ادّعى على أحد الشخصين أو الأشخاص المحصورين لم تسمع على قول. والظاهر سماعها، لعدم خلوّها عن الفائدة، لإمكان إقرار أحدهما لدى المخاصمة؛ بل لو اُقيمت البيّنة على كون أحدهما مديوناً - مثلاً - فحكم الحاكم بأنّ الدين على أحدهما فثبت بعدُ براءةُ أحدهما يحكم بمديونيّة الآخر، بل لا يبعد بعد الحكم الرجوعُ إلى القرعة؛ فيفرّق بين ما علما أو علم أحدهما باشتغال ذمّة أحدهما فلا تأثير فيه وبين حكم الحاكم لفصل الخصومة فيقال بالاقتراع.
        مسألة 2 - لا يشترط في سماع الدعوى ذكر سبب استحقاقه؛ فتكفي الدعوى بنحو الإطلاق من غير ذكر السبب، سواء كان المدّعى به عيناً أو ديناً أو عقداً من العقود. نعم، في دعوى القتل اشترط بعضٌ لزوم بيان أنّه عن عمد أو خطأ، بمباشرة أو تسبيب، كان هو قاتلاً أو مع الشركة.
        مسألة 3 - لو لم يكن جازماً فأراد الدعوى على الغير لابدّ أن يبرزها بنحو مايكون من الظنّ أو الاحتمال. ولا يجوز إبرازها بنحو الجزم ليقبل دعواه، بناءً على عدم السماع من غير الجازم.
        مسألة 4 - لو ادّعى اثنان - مثلاً - بأنّ لأحدهما على أحد كذا تسمع، وبعد الإثبات على وجه الترديد يقرع بينهما.
        مسألة 5 - لا يشترط في سماع الدعوى حضور المدّعى عليه في بلد الدعوى؛ فلو ادّعى على الغائب من البلد سواء كان مسافراً أو كان من بلد آخر -قريباً كان أو بعيداً - تسمع، فإذا أقام البيّنة حكم القاضي على الغائب ويردّ عليه ما ادّعى إذا كان عيناً، ويباع من مال الغائب ويؤدّى دينه إذا كان ديناً. ولايدفع إليه إلّا مع الأمن من تضرّر المدّعى عليه لو حضر وقضي له، بأن يكون المدّعي مليّاً أو كان له كفيل. وهل يجوز الحكم لو كان غائباً وأمكن إحضاره بسهولة أو كان في البلد وتعذّر حضوره بدون إعلامه؟ فيه تأمّل. ولا فرق في سماع الدعوى على الغائب بين أن يدّعي المدّعي جحود المدّعى عليه وعدمه. نعم، لو قال: «إنّه مقرّ ولا مخاصمة بيننا» فالظاهر عدم سماع دعواه، وعدم الحكم. والأحوط عدم الحكم على الغائب إلّا بضمّ اليمين. ثمّ إنّ الغائب على حجّته؛ فإذا حضر وأراد جرح الشهود أو إقامة بيّنة معارضة يقبل منه لو قلنا بسماع بيّنته.
        مسألة 6 - الظاهر اختصاص جواز الحكم على الغائب بحقوق الناس؛ فلايجوز الحكم عليه في حقوق اللّه تعالى مثل الزنا. ولو كان في جنايةٍ حقوق الناس وحقوق اللّه - كما في السرقة، فإنّ فيها القطع وهو من حقوق اللّه، وأخذ المال وردّه إلى صاحبه وهو من حقوق الناس - جاز الحكم في حقوق الناس دون حقوق اللّه؛ فلو أقام المدّعي البيّنة حكم الحاكم، ويؤخذ المال على ما تقدّم.
        مسألة 7 - لو تمّت الدعوى من المدّعي: فإن التمس من الحاكم إحضار المدّعى عليه أحضره، ولا يجوز التأخير غير المتعارف؛ ومع عدم التماسه وعدم قرينة على إرادته فالظاهر توقّفها إلى أن يطلبه.

      • فصل في جواب المدعى عليه
      •  

        فصل في جواب المدّعى عليه

        المدّعى عليه إمّا أن يسكت عن الجواب، أو يقرّ، أو ينكر، أو يقول: «لاأدري»، أو يقول: «أدّيت»، ونحو ذلك ممّا هو تكذيب للمدّعي.

        • القول في الجواب بالإقرار

           

          القول في الجواب بالإقرار

          مسألة 1 - إذا أقرّ المدّعى عليه بالحقّ - عيناً أو ديناً - وكان جامعاً لشرائط الإقرار وحكم الحاكم ألزمه به، وانفصلت الخصومة، ويترتّب عليه لوازم الحكم، كعدم جواز نقضه، وعدم جواز رفعه إلى حاكم آخر، وعدم جواز سماع الحاكم دعواه، وغير ذلك. ولو أقرّ ولم يحكم فهو مأخوذ بإقراره؛ فلا يجوز لأحد التصرّف في ما عنده إذا أقرّ به إلّا بإذن المقرّ له، وجاز لغيره إلزامه، بل وجب من باب الأمر بالمعروف. وكذا الحال لو قامت البيّنة على حقّه من جواز ترتيب الأثر على البيّنة، وعدم جواز التصرّف إلّا بإذن من قامت على حقّه. نعم، في جواز إلزامه أو وجوبه مع قيام البيّنة - من باب الأمر بالمعروف - إشكال، لاحتمال أن لا يكون الحقّ عنده ثابتاً ولم تكن البيّنة عنده عادلة، ومعه لا يجوز أمره ونهيه، بخلاف الثبوت بالإقرار.
          مسألة 2 - بعد إقرار المدّعى عليه ليس للحاكم على الظاهر الحكم إلّا بعد طلب المدّعي؛ فإذا طلب منه يجب عليه الحكم في ما يتوقّف استيفاء حقّه عليه على الأقوى، ومع عدم التوقّف على الأحوط، بل لا يخلو من وجه؛ وإذا لم يطلب منه الحكم أو طلب عدمه فحكم الحاكم ففي فصل الخصومة به تردّد.
          مسألة 3 - الحكم: إنشاء ثبوت شي ء، أو ثبوت شي ء على ذمّة شخص، أو الإلزام بشي ء، ونحو ذلك. ولا يعتبر فيه لفظ خاصّ، بل اللازم الإنشاء بكلّ ما دلّ على المقصود - كأن يقول: «قضيت» أو «حكمتُ» أو «ألزمتُ» أو «عليك دين فلان» أو «هذا الشي ء لفلان» وأمثال ذلك - من كلّ لغة كان إذا اُريد الإنشاء ودلّ اللفظ بظاهره عليه ولو مع القرينة.
          مسألة 4 - لو التمس المدّعي أن يكتب له صورة الحكم أو إقرار المقرّ فالظاهر عدم وجوبه إلّا إذا توقّف عليه استنقاذ حقّه؛ وحينئذٍ هل يجوز له مطالبة الأجر أم لا؟ الأحوط ذلك وإن لا يبعد الجواز؛ كما لا إشكال في جواز مطالبة قيمة القرطاس والمداد؛ وأمّا مع عدم التوقّف فلا شبهة في شي ء منها. ثمّ إنّه لايكتب حتّى يعلم اسم المحكوم عليه ونسبه على وجه يخرج عن الاشتراك والإبهام. ولو لم يعلم لم يكتب إلّا مع قيام شهادة عدلين بذلك. ويكتب مع المشخّصات النافية للإيهام والتدليس. ولو لم يحتج إلى ذكر النسب وكفى ذكر مشخّصاته اكتفى به.
          مسألة 5 - لو كان المقرّ واجداً اُلزم بالتأدية. ولو امتنع أجبره الحاكم. وإن ماطل وأصرّ على المماطلة جازت عقوبته بالتغليظ بالقول حسب مراتب الأمر بالمعروف، بل مثل ذلك جائز لسائر الناس. ولو ماطل حبسه الحاكم حتّى يؤدّي ما عليه، وله أن يبيع ماله إن لم يمكن إلزامه ببيعه. ولو كان المقرّ به عيناً يأخذها الحاكم بل وغيره من باب الأمر بالمعروف، ولو كان ديناً أخذ الحاكم مثله في المثليّات وقيمته في القيميّات بعد مراعاة مستثنيات الدين. ولا فرق بين الرجل والمرأة في ما ذكر .
          مسألة 6 - لو ادّعى المقرّ الإعسار وأنكره المدّعي: فإن كان مسبوقاً باليسار فادّعى عروض الإعسار فالقول قول منكر العسر، وإن كان مسبوقاً بالعسر فالقول قوله؛ فإن جهل الأمران ففي كونه من التداعي أو تقديم قول مدّعي العسر تردّد وإن لا يبعد تقديم قوله.
          مسألة 7 - لو ثبت عسره: فإن لم يكن له صنعة أو قوّة على العمل فلا إشكال في إنظاره إلى يساره؛ وإن كان له نحو ذلك فهل يسلّمه الحاكم إلى غريمه ليستعمله أو يؤاجره، أو أنظره وألزمه بالكسب لتأدية ما عليه، ويجب عليه الكسب لذلك، أو أنظره ولم يلزمه بالكسب، ولم يجب عليه الكسب لذلك بل لو حصل له مال يجب أداء ما عليه؟ وجوه، لعلّ الأوجه أوسطها. نعم، لو توقّف إلزامه بالكسب على تسليمه إلى غريمه يسلّمه إليه ليستعمله.
          مسألة 8 - إذا شكّ في إعساره وإيساره وطلب المدّعي حبسه إلى أن يتبيّن الحال حبسه الحاكم. وإذا تبيّن إعساره خلّى سبيله وعمل معه كما تقدّم. ولافرق في ذلك وغيره بين الرجل والمرأة؛ فالمرأة المماطلة يعمل معها نحو الرجل المماطل ويحبسها الحاكم كما يحبس الرجل إلى تبيّن الحال.
          مسألة 9 - لو كان المديون مريضاً يضرّه الحبس أو كان أجيراً للغير قبل حكم الحبس عليه فالظاهر عدم جواز حبسه.
          مسألة 10 - ما قلنا من إلزام المعسر بالكسب مع قدرته عليه إنّما هو في ما إذا لم يكن الكسب بنفسه حرجاً عليه أو منافياً لشأنه، أو الكسب الّذي أمكنه لا يليق بشأنه بحيث كان تحمّله حرجاً عليه.
          مسألة 11 - لا يجب على المرأة التزوّج لأخذ المهر وأداء دينها، ولا على الرجل طلاق زوجته لدفع نفقتها لأداء الدين. ولو وهبه ولم يكن في قبولها مهانةٌ وحرجٌ عليه يجب القبول لأداء دينه.

        • القول في الجواب بالإنكار

           

          القول في الجواب بالإنكار

          مسألة 1 - لو أجاب المدّعى عليه بالإنكار فأنكر ما ادّعى المدّعي فإن لم يعلم أنّ عليه البيّنة أو علم وظنّ أن لا تجوز إقامتها إلّا مع مطالبة الحاكم وجب على الحاكم أن يعرّفه ذلك بأن يقول: «ألك بيّنة؟» فإن لم تكن له بيّنة ولم يعلم أنّ له حقّ إحلاف المنكر يجب على الحاكم إعلامه بذلك.
          مسألة 2 - ليس للحاكم إحلاف المنكر إلّا بالتماس المدّعي. وليس للمنكر التبرّع بالحلف قبل التماسه؛ فلو تبرّع هو أو الحاكم لم يعتدّ بتلك اليمين، ولابدّ من الإعادة بعد السؤال. وكذا ليس للمدّعي إحلافه بدون إذن الحاكم؛ فلو أحلفه لم يعتدّ به.
          مسألة 3 - لو لم يكن للمدّعي بيّنة واستحلف المنكر فحلف سقطت دعوى المدّعي في ظاهر الشرع؛ فليس له بعد الحلف مطالبة حقّه، ولا مقاصّته، ولا رفع الدعوى إلى الحاكم، ولا تُسمع دعواه. نعم، لا تبرأ ذمّة المدّعى عليه، ولا تصير العين الخارجيّة بالحلف خارجاً عن ملك مالكها، فيجب عليه ردّها وإفراغ ذمّته وإن لم يجز للمالك أخذها ولا التقاصّ منه. ولا يجوز بيعها وهبتها وسائر التصرّفات فيها. نعم، يجوز إبراء المديون من دينه على تأمّل فيه؛ فلو أقام المدّعي البيّنة بعد حلف المنكر لم تسمع. ولو غفل الحاكم أو رفع الأمر إلى حاكم آخر فحكم ببيّنة المدّعي لم يعتدّ بحكمه.
          مسألة 4 - لو تبيّن للحاكم بعد حكمه كون الحلف كذباً يجوز بل يجب عليه نقض حكمه؛ فحينئذٍ يجوز للمدّعي المطالبة والمقاصّة وسائر ما هو آثار كونه محقّاً. ولو أقرّ المدّعى عليه بأنّ المال للمدّعي جاز له التصرّف والمقاصّة ونحوهما، سواء تاب وأقرّ أم لا.
          مسألة 5 - هل الحلف بمجرّده موجب لسقوط حقّ المدّعي مطلقاً، أو بعد إذن الحاكم، أو إذا تعقّبه حكم الحاكم، أو حكمه موجب له إذا استند إلى الحلف؟ الظاهر أنّ الحلف بنفسه لا يوجبه ولو كان بإذن الحاكم، بل بعد حكم الحاكم يسقط الحقّ، بمعنى أنّ الحلف بشرط حصول الحكم موجب للسقوط بنحوالشرطالمقارن.
          مسألة 6 - للمنكر أن يردّ اليمين على المدّعي؛ فإن حلف ثبت دعواه وإلّا سقطت. والكلام في السقوط بمجرّد عدم الحلف والنكول أو بحكم الحاكم كالمسألة السابقة. وبعد سقوط دعواه ليس له طرح الدعوى ولو في مجلس آخر، كانت له بيّنة أولا. ولو ادّعى بعد الردّ عليه بأنّ لي بيّنةٌ يسمع منه الحاكم. وكذا لو استمهل في الحلف لم يسقط حقّه. وليس للمدّعي بعد الردّ عليه أن يردّ على المنكر، بل عليه إمّا الحلف أو النكول؛ وللمنكر أن يرجع عن ردّه قبل أن يحلف المدّعي؛ وكذا للمدّعي أن يرجع عنه لو طلبه من المنكر قبل حلفه.
          مسألة 7 - لو نكل المنكر فلم يحلف ولم يردّ فهل يحكم عليه بمجرّد النكول،أو يردّ الحاكم اليمين على المدّعي فإن حلف ثبت دعواه وإلّا سقطت؟ قولان، والأشبه الثاني.
          مسألة 8 - لو رجع المنكر الناكل عن نكوله فإن كان بعد حكم الحاكم عليه أو بعد حلف المدّعي المردود عليه الحلف لا يلتفت إليه، ويثبت الحقّ عليه في الفرض الأوّل، ولزم الحكم عليه في الثاني من غيرفرق بين علمه بحكم النكول أولا.
          مسألة 9 - لو استمهل المنكر في الحلف والردّ ليلاحظ ما فيه صلاحه جاز إمهاله بمقدار لا يضرّ بالمدّعي ولا يوجب تعطيل الحقّ والتأخير الفاحش. نعم، لو أجاز المدّعي جاز مطلقاً بمقدار إجازته.
          مسألة 10 - لو قال المدّعي: «لي بيّنة» لا يجوز للحاكم إلزامه بإحضارها، فله أن يحضرها أو مطالبة اليمين أو ترك الدعوى. نعم، يجوز له إرشاده بذلك أو بيان الحكم، من غير فرق في الموضعين بين علمه وجهله.
          مسألة 11 - مع وجود البيّنة للمدّعي يجوز له عدم إقامتها -ولو كانت حاضرةً- وإحلاف المنكر، فلا يتعيّن عليه إقامتها. ولو علم أنّها مقبولة عند الحاكم فهو مخيّر بين إقامتها وإحلاف المنكر. ويستمرّ التخيير إلى يمين المنكر؛ فيسقط حينئذٍ حقّ إقامة البيّنة ولو لم يحكم الحاكم. ولو أقام البيّنة المعتبرة وقبل الحاكم فهل يسقط التخيير أو يجوز العدول إلى الحلف؟ وجهان، أوجههما سقوطه.
          مسألة 12 - لو أحضر البيّنة: فإن علم أو شهدت القرائن بأنّ المدّعي بعد حضورها لم يُرد إقامتها فليس للحاكم أن يسألها، وإن علم أو شهدت الأحوال بإرادة إقامتها فله أن يسألها، ولولم يعلم الحال وشكّ في ذلك فليس للحاكم سؤال الشهود. نعم، له السؤال من المدّعي بأنّه أراد الإقامة أولا.
          مسألة 13 - إذا شهدت البيّنة: فإن عرفهما الحاكم بالفسق طرح شهادتهما، وكذا لو عرف بفقدهما بعض شرائط الشهادة، ولو عرفهما بالعدالة وجامعيّتهما للشرائط قبل شهادتهما، وإن جهل حالهما توقّف واستكشف من حالهما، وعمل بما يقتضيه.
          مسألة 14 - إذا عرفهما بالفسق أو عدم جامعيّتهما للشرائط طرحهما من غير انتظار التزكية، لكن لو ادّعى المدّعي خطأ الحاكم في اعتقاده تسمع منه، فإن أثبت دعواه وإلّا فعلى الحاكم طرح شهادتهما. وكذا لو ثبت عدالتهما وجامعيّتهما للشرائط لم يحتج إلى التزكية ويعمل بعلمه. ولو ادّعى المنكر جرحهما أو جرح أحدهما تقبل، فإن أثبت دعواه أسقطهما، وإلّا حكم. ويجوز للحاكم التعويل على الاستصحاب في العدالة والفسق.
          مسألة 15 - إذا جهل الحاكم حالهما وجب عليه أن يبيّن للمدّعي أنّ له تزكيتهما بالشهود مع جهله به، فإن زكّاهما بالبيّنة المقبولة وجب أن يبيّن للمدّعى عليه أنّ له الجرح إن كان جاهلاً به. فإن اعترف بعدم الجارح حكم عليه، وإن أقام البيّنة المقبولة على الجرح سقطت بيّنة المدّعي.
          مسألة 16 - في صورة جهل الحاكم وطلبه التزكية من المدّعي لو قال: «لاطريق لي» أو قال: «لا أفعل» أو «يعسر عليّ» وطلب من الحاكم الفحص لايجب عليه ذلك وإن كان له ذلك، بل هو راجح. ولو طلب الجرح في البيّنة المقبولة من المدّعى عليه ولم يفعل وقال: «لا طريق لي» أو «يعسر عليّ» لا يجب عليه الفحص، ويحكم على طبق البيّنة. ولو استمهله لإحضار الجارح فهل يجب الإمهال ثلاثة أيّام، أو بمقدار مدّة أمكنه فيها ذلك، أو لا يجب وله الحكم، أو وجب عليه الحكم فإن أتى بالجارح ينقضه؟ وجوه، لا يبعد وجوب الإمهال بالمقدار المتعارف. ولو ادّعى الإحضار في مدّة طويلة يحكم على طبق البيّنة.
          مسألة 17 - لو أقام البيّنة على حقّه ولم يعرفهما الحاكم بالعدالة فالتمس المدّعي أن يحبس المدّعى عليه حتّى يثبت عدالتهما قيل: يجوز حبسه، والأقوى عدم الجواز، بل لا يجوز مطالبة الكفيل منه، ولا تأمين المدّعى به، أو الرهن في مقابل المدّعى به.
          مسألة 18 - لو تبيّن فسق الشاهدين أو أحدهما حال الشهادة انتقض الحكم. وإن كان طارئاً بعد الحكم لم ينتقض. وكذا لو تبيّن فسقهما بعد الشهادة وقبل الحكم على الأشبه.
          مسألة 19 - الظاهر كفاية الإطلاق في الجرح والتعديل. ولا يعتبر ذكر السبب فيهما مع العلم بالأسباب وموافقة مذهبه لمذهب الحاكم، بل لا يبعد الكفاية إلّا مع العلم باختلاف مذهبهما. ويكفي فيهما كلّ لفظ دالّ على الشهادة بهما. ولا يشترط ضمّ مثل «أنّه مقبول الشهادة» أو «مقبولها لي وعليّ» ونحو ذلك في التعديل ولامقابلاته في الجرح.
          مسألة 20 - لو تعارضت بيّنة الجرح والتعديل بأن قالت إحداهما: «إنّه عادل» وقالت الاُخرى: «إنّه فاسق» أو قالت إحداهما: «كان يوم كذا يشرب الخمر في مكان كذا» وقالت الاُخرى: «إنّه كان في يوم كذا في غير هذا المكان» سقطتا، فعلى المنكر اليمين. نعم، لو كان له حالة سابقة من العدالة أو الفسق يؤخذ بها؛ فإن كانت عدالةً حكم على طبق الشهادة، وإن كانت فسقاً تطرح وعلى المنكر اليمين.
          مسألة 21 - يعتبر في الشهادة بالعدالة العلم بها إمّا بالشياع أو بمعاشرة باطنة متقادمة. ولايكفي في الشهادة حسن الظاهر ولو أفاد الظنّ، ولاالاعتماد على البيّنة أو الاستصحاب. وكذا في الشهادة بالجرح لابدّ من العلم بفسقه، ولا يجوز الشهادة اعتماداً على البيّنة أو الاستصحاب. نعم، يكفي الثبوت التعبّديّ -كالثبوت بالبيّنة أو الاستصحاب أو حسن الظاهر- لترتيب الآثار؛ فيجوز للحاكم الحكم اعتماداً على شهادة من ثبتت عدالته بالاستصحاب أو حسن الظاهر الكاشف تعبّداً أو البيّنة.
          مسألة 22 - لو شهد الشاهدان بحسن ظاهره فالظاهر جواز الحكم بشهادته بعد كون حسن الظاهر كاشفاً تعبّداً عن العدالة.
          مسألة 23 - لا يجوز الشهادة بالجرح بمجرّد مشاهدة ارتكاب كبيرة ما لم يعلم أنّه على وجه المعصية ولا يكون له عذر؛ فلو احتمل أنّ ارتكابه لعذر لايجوز جرحه ولو حصل له ظنّ بذلك بقرائن مفيدة له.
          مسألة 24 - لو رضي المدّعى عليه بشهادة الفاسقين أو عدلٍ واحد لا يجوز للحاكم الحكم، ولو حكم لا يترتّب عليه الأثر.
          مسألة 25 - لا يجوز للحاكم أن يحكم بشهادة شاهدين لم يحرز عدالتهما عنده ولو اعترف المدّعى عليه بعدالتهما لكن أخطأهما في الشهادة.
          مسألة 26 - لو تعارض الجارح والمعدّل سقطا وإن كان شهود أحدهما اثنين والآخر أربعة، من غير فرق بين أن يشهد اثنان بالجرح وأربعة بالتعديل معاً أو اثنان بالتعديل ثمّ بعد ذلك شهد اثنان آخران به، ومن غير فرق بين زيادة شهود الجرح أو التعديل.
          مسألة 27 - لا يشترط في قبول شهادة الشاهدين علم الحاكم باسمهما ونسبهما بعد إحراز مقبوليّة شهادتهما؛ كما أنّه لو شهد جماعة يعلم الحاكم أنّ فيهم عدلين كفى في الحكم، ولا يعتبر تشخيصهما بعينهما.
          مسألة 28 - لا يشترط في الحكم بالبيّنة ضمّ يمين المدّعي. نعم، يستثنى منه الدعوى على الميّت، فيعتبر قيام البيّنة الشرعيّة مع اليمين الاستظهاريّ؛ فإن أقام البيّنة ولم يحلف سقط حقّه. والأقوى عدم إلحاق الطفل والمجنون والغائب وأشباههم - ممّن له نحو شباهة بالميّت في عدم إمكان الدفاع لهم - به، فتثبت الدعوى عليهم بالبيّنة من دون ضمّ يمين. وهل ضمّ اليمين بالبيّنة منحصر بالدين أو يشمل غيره كالعين والمنفعة والحقّ؟ وجهان، لا يخلو ثانيهما عن قرب. نعم، لاإشكال في لحوق العين المضمونة على الميّت إذا تلفت مضمونةً عليه.

        • القول في الشاهد واليمين

           

          فروع:

          الأوّل: لو كان المدّعي على الميّت وارث صاحب الحقّ فالظاهر أنّ ثبوت الحقّ محتاج إلى ضمّ اليمين إلى البيّنة، ومع عدم الحلف يسقط الحقّ. وإن كان الوارث متعدّداً لابدّ من حلف كلّ واحد منهم على مقدار حقّه. ولو حلف بعض ونكل بعض ثبت حقّ الحالف وسقط حقّ الناكل.
          الثاني: لو شهدت البيّنة بإقراره قبل موته بمدّة لا يمكن فيها الاستيفاء عادةً فهل يجب ضمّ اليمين أو لا؟ وجهان، أوجههما وجوبه؛ وكذا كلّ مورد يعلم أنّه على فرض ثبوت الدين سابقاً لم يحصل الوفاء من الميّت.
          الثالث: لو تعدّدت ورثة الميّت فادّعى شخص عليه وأقام البيّنة تكفي يمين واحدة، بخلاف تعدّد ورثة المدّعي كما مرّ.
          الرابع - اليمين للاستظهار لابدّ وأن تكون عند الحاكم؛ فإذا قامت البيّنة عنده وأحلفه ثبت حقّه، ولا أثر لحلفه بنفسه أو عند الوارث.
          الخامس - اليمين للاستظهار غير قابلة للإسقاط؛ فلو أسقطها وارث الميّت لم تسقط، ولم يثبت حقّ المدّعي بالبيّنة بلا ضمّ الحلف.

          القول في الشاهد واليمين

          مسألة 1 - لا إشكال في جواز القضاء في الديون بالشاهد الواحد ويمين المدّعي؛ كما لا إشكال في عدم الحكم والقضاء بهما في حقوق اللّه تعالى، كثبوت الهلال وحدود اللّه. وهل يجوز القضاء بهما في حقوق الناس كلّها حتّى مثل النسب والولاية والوكالة، أو يجوز في الأموال وما يقصد به الأموال، كالغصب والقرض والوديعة وكذا البيع والصلح والإجارة ونحوها؟ وجوه، أشبهها الاختصاص بالديون. ويجوز القضاء في الديون بشهادة امرأتين مع يمين المدّعي.
          مسألة 2 - المراد بالدين: كلّ حقّ ماليّ في الذمّة بأيّ سبب كان؛ فيشمل مااستقرضه، وثمن المبيع، ومال الإجارة، ودية الجنايات، ومهر الزوجة إذا تعلّق بالعهدة، ونفقتها، والضمان بالإتلاف والتلف إلى غير ذلك؛ فإذا تعلّقت الدعوى بها أو بأسبابها لأجل إثبات الدين واستتباعها ذلك فهي من الدين، وإن تعلّقت بذات الأسباب وكان الغرض نفسها لا تكون من دعوى الدين.
          مسألة 3 - الأحوط تقديم الشاهد وإثبات عدالته ثمّ اليمين؛ فإن قدّم اليمين ثمّ أقام الشاهد فالأحوط عدم إثباته وإن كان عدم اشتراط التقديم لايخلو من قوّة.
          مسألة 4 - إذا كان المال المدّعى به مشتركاً بين جماعة بسبب واحد - كإرث ونحوه - فأقام بعضهم شاهداً على الدعوى وحلف لا يثبت به إلّا حصّته، وثبوت سائر الحصص موقوف على حلف صاحب الحقّ؛ فكلّ من حلف ثبت حقّه مع الشاهد الواحد.
          مسألة 5 - ثبوت الحقّ بشاهد ويمين إنّما هو في ما لا يمكن إثباته بالبيّنة، ومع إمكانه بها لا يثبت بهما على الأحوط.
          مسألة 6 - إذا شهد الشاهد وحلف المدّعي وحكم الحاكم بهما ثمّ رجع الشاهد ضمن نصف المال.

        • القول في السكوت

           

          القول في السكوت

          أو الجواب بقوله: «لا أدري» أو «ليس لي» أو غير ذلك.
          مسألة 1 - إن سكت المدّعى عليه بعد طلب الجواب عنه: فإن كان لعذر -كصمم أو خرس أو عدم فهم اللغة أو لدهشة ووحشة- أزاله الحاكم بما يناسب ذلك، وإن كان السكوت لا لعذر بل سكت تعنّتاً ولجاجاً أمره الحاكم بالجواب باللطف والرفق ثمّ بالغلظة والشدّة، فإن أصرّ عليه فالأحوط أن يقول الحاكم له: «أجب وإلّا جعلتك ناكلاً»، والأولى التكرار ثلاثاً، فإن أصرّ ردّ الحاكم اليمين على المدّعي، فإن حلف ثبت حقّه.
          مسألة 2 - لو سكت لعذر من صمم أو خرس أو جهل باللسان توصّل إلى معرفة جوابه بالإشارة المفهمة أو المترجم؛ ولابدّ من كونه اثنين عدلين، ولا يكفي العدل الواحد.
          مسألة 3 - إذا ادّعى العذر واستمهل في التأخير أمهله الحاكم بما يراه مصلحةً.
          مسألة 4 - لو أجاب المدّعى عليه بقوله: «لا أدري»: فإن صدّقه المدّعي فهل تسقط دعواه مع عدم البيّنة عليها، أو يكلّف المدّعى عليه بردّ الحلف على المدّعي، أو يردّ الحاكم الحلف على المدّعي، فإن حلف ثبت حقّه، وإن نكل سقط، أو توقّفت الدعوى والمدّعي على ادّعائه إلى أن يقيم البيّنة أو أنكر دعوى المدّعى عليه؟ وجوه، أوجهها الأخير؛ وإن لم يصدّقه المدّعي في الفرض وادّعى أنّه عالم بأنّي ذو حقّ فله عليه الحلف، فإن حلف سقطت دعواه بأنّه عالم، وإن ردّ على المدّعي فحلف ثبت حقّه.
          مسألة 5 - حلف المدّعى عليه بأنّه لا يدري يُسقط دعوى الدراية، فلا تسمع دعوى المدّعي ولا البيّنة منه عليها. وأمّا حقّه الواقعيّ فلا يسقط به. ولو أراد إقامة البيّنة عليه تقبل منه، بل له المقاصّة بمقدار حقّه. نعم، لو كانت الدعوى متعلّقةً بعين في يده منتقلةٍ إليه من ذي يد وقلنا يجوز له الحلف استناداً إلى اليد على الواقع فحلف عليه سقطت الدعوى وذهب الحلف بحقّه، ولا تُسمع بيّنة منه، ولا يجوز له المقاصّة.
          مسألة 6 - لو أجاب المدّعى عليه بقوله: «ليس لي، وهو لغيرك»: فإن أقرّ لحاضر وصدّقه الحاضر كان هو المدّعى عليه، فحينئذٍ له إقامة الدعوى على المقرّ له، فإن تمّت وصار ماله إليه فهو، وإلّا له الدعوى على المقرّ بأنّه صار سبباً للغرامة، وله البدأة بالدعوى على المقرّ، فإن ثبت حقّه أخذ الغرامة منه، وله حينئذٍ الدعوى على المقرّ له لأخذ عين ماله، فإن ثبتت دعواه عليه ردّ غرامة المقرّ؛ وإن أقرّ لغائب يلحقه حكم الدعوى على الغائب. وإن قال: «إنّه مجهول المالك وأمره إلى الحاكم»: فإن قلنا: إنّ دعوى مدّعي الملكيّة تقبل إذ لا معارض له يردّ إليه، وإلّا فعليه البيّنة، ومع عدمها لا يبعد إرجاع الحاكم الحلفَ عليه. وإن قال: «إنّه ليس لك بل وقف»: فإن ادّعى التولية ترتفع الخصومة بالنسبة إلى نفسه وتتوجّه إليه، لكونه مدّعي التولية، فإن توجّه الحلف إليه وقلنا بجواز حلف المتولّي فحلف سقطت الدعوى؛ وإن نفى عن نفسه التولية فأمره إلى الحاكم. وكذا لو قال المدّعى عليه: «إنه لصبيّ أو مجنون» ونفى الولاية عن نفسه.
          مسألة 7 - لو أجاب المدّعى عليه بأنّ المدّعي أبرأ ذمّتي، أو أخذ المدّعى به منّي، أو وهبني، أو باعني، أو صالحني، ونحو ذلك، انقلبت الدعوى وصار المدّعى عليه مدّعياً والمدّعي منكراً. والكلام في هذه الدعوى على ما تقدّم.

      • القول في أحكام الحلف

         

        القول في أحكام الحلف

        مسألة 1- لا يصحّ الحلف ولا يترتّب عليه أثر - من إسقاط حقّ أو إثباته - إلاّ أن يكون باللّه تعالى أو بأسمائه الخاصّة به تعالى كالرحمان والقديم والأوّل الّذي ليس قبله شي ء. وكذا الأوصاف المشتركة المنصرفة إليه تعالى كالرازق والخالق، بل الأوصاف غير المنصرفة إذا ضمّ إليها ما يجعلها مختصّةً به. والأحوط عدم الاكتفاء بالأخير، وأحوط منه عدم الاكتفاء بغير الجلالة. ولا يصحّ بغيره تعالى، كالأنبياء والأوصياء والكتب المنزلة والأماكن المقدّسة كالكعبة وغيرها.
        مسألة 2- لا فرق في لزوم الحلف باللّه بين أن يكون الحالف والمستحلف مسلمين أو كافرين أو مختلفين، بل ولا بين كون الكافر ممّن يعتقد باللّه أو يجحده. ولا يجب في إحلاف المجوس ضمّ قوله: «خالق النور والظلمة» إلى «اللّه». ولو رأى الحاكم أنّ إحلاف الذمّيّ بما يقتضيه دينه أردع هل يجوز الاكتفاء به كالإحلاف بالتوراة الّتي اُنزلت على موسى (عليه السلام)؟ قيل: نعم. والأشبه عدم الصحّة. ولا بأس بضمّ ما ذُكر إلى اسم اللّه إذا لم يكن أمراً باطلاً.
        مسألة 3- لا يترتّب أثر على الحلف بغير اللّه تعالى وإن رضي الخصمان الحلف بغيره، كما أنّه لا أثر لضمّ غير اسم اللّه تعالى إليه؛ فإذا حلف باللّه كفى، ضمّ إليه سائر الصفات أو لا، كما يكفي الواحد من الأسماء الخاصّة، ضمّ إليه شي ء آخرأولا.
        مسألة 4 - لا إشكال في عدم ترتّب أثر على الحلف بغير اللّه تعالى؛ فهل الحلف بغيره محرّم تكليفاً في إثبات أمر أو إبطاله - مثلاً - كما هو المتعارف بين الناس؟ الأقوى عدم الحرمة. نعم، هو مكروه، سيّما إذا صار ذلك سبباً لترك الحلف باللّه تعالى. وأمّا مثل قوله: «سألتك بالقرآن أو بالنبي(صلى الله عليه وآله وسلم) أن تفعل كذا» فلا إشكال في عدم حرمته.
        مسألة 5- حلف الأخرس بالإشارة المفهمة. ولا بأس بأن تكتب اليمين في لوح ويغسل ويؤمر بشربه بعد إعلامه، فإن شرب كان حالفاً، وإلاّ اُلزم بالحقّ، ولعلّ بعد الإعلام كان ذلك نحو إشارة. والأحوط الجمع بينهما.
        مسألة 6 - لا يشترط في الحلف العربيّة، بل يكفي بأيّ لغة إذا كان باسم اللّه أو صفاته المختصّة به.
        مسألة 7 - لا إشكال في تحقّق الحلف إن اقتصر على اسم اللّه كقوله: «واللّه ليس لفلان عليّ كذا». ولا يجب التغليظ بالقول، مثل أن يقول: «واللّه الغالب القاهر المهلك»، ولا بالزمان كيوم الجمعة والعيد، ولا بالمكان كالأمكنة المشرّفة، ولابالأفعال كالقيام مستقبل القبلة آخذاً المصحف الشريف بيده. والمعروف أنّ التغليظ مستحبّ للحاكم، وله وجه.
        مسألة 8 - لا يجب على الحالف قبول التغليظ. ولا يجوز إجباره عليه. ولو امتنع عنه لم يكن ناكلاً، بل لا يبعد أن يكون الأرجح له ترك التغليظ وإن استحبّ للحاكم التغليظ احتياطاً على أموال الناس. ويستحبّ التغليظ في جميع الحقوق إلّا الأموال، فإنّه لا يغلّظ فيها بما دون نصاب القطع.
        مسألة 9 - لا يجوز التوكيل في الحلف ولا النيابة فيه؛ فلو وكّل غيره وحلف عنه بوكالته أو نيابته لم يترتّب عليه أثر، ولا يفصل به خصومة.
        مسألة 10 - لابدّ وأن يكون الحلف في مجلس القضاء. وليس للحاكم الاستنابة فيه إلّا لعذر كمرض أو حيض والمجلس في المسجد، أو كون المرأة مخدّرةً حضورها في المجلس نقصٌ عليها، أو غير ذلك، فيجوز الاستنابة؛ بل الظاهر عدم جواز الاستنابة في مجلس القضاء وبحضور الحاكم؛ فما يترتّب عليه الأثر في غير مورد العذر أن يكون الحلف بأمر الحاكم واستحلافه.
        مسألة 11 - يجب أن يكون الحلف على البتّ، سواء كان في فعل نفسه أو فعل غيره، وسواء كان في نفي أو إثبات؛ فمع علمه بالواقعة يجوز الحلف، ومع عدم علمه لا يجوز إلّا على عدم العلم.
        مسألة 12 - لا يجوز الحلف على مال الغير أو حقّه إثباتاً أو إسقاطاً إذا كان أجنبيّاً عن الدعوى، كما لو حلف زيد على براءة عمرو. وفي مثل الوليّ الإجباريّ أو القيّم على الصغير أو المتولّي للوقف تردّد. والأشبه عدم الجواز.
        مسألة 13 - تثبت اليمين في الدعاوي الماليّة وغيرها كالنكاح والطلاق والقتل. ولا تثبت في الحدود، فإنّها لا تثبت إلّا بالإقرار أو البيّنة بالشرائط المقرّرة في محلّها. ولا فرق في عدم ثبوت الحلف بين أن يكون المورد من حقّ اللّه محضاً كالزنا أو مشتركاً بينه وبين حقّ الناس كالقذف؛ فإذا ادّعى عليه أنّه قذفه بالزنا فأنكر لم يتوجّه عليه يمين. ولو حلف المدّعي لم يثبت عليه حدّ القذف. نعم، لو كانت الدعوى مركّبةً من حقّ اللّه وحقّ الناس كالسرقة فبالنسبة إلى حقّ الناس تثبت اليمين، دون القطع الّذي هو حقّ اللّه تعالى.
        مسألة 14 - يستحبّ للقاضي وعظ الحالف قبله، وترغيبه في ترك اليمين إجلالاً للّه تعالى ولو كان صادقاً، وأخافه من عذاب اللّه تعالى إن حلف كاذباً، وقد روي أنّه «من حلف باللّه كاذباً كفر»، وفي بعض الروايات: «من حلف على يمين وهو يعلم أنّه كاذب فقد بارز اللّه» و«أنّ اليمين الكاذبة تدع الديار بلاقع من أهلها».

      • القول في أحكام اليد

         

        القول في أحكام اليد

        مسألة 1 - كلّ ما كان تحت استيلاء شخص وفي يده بنحو من الأنحاء فهو محكوم بملكيّته وأنّه له، سواء كان من الأعيان أو المنافع أو الحقوق أو غيرها؛ فلو كان في يده مزرعة موقوفة ويدّعي أنّه المتولّي يحكم بكونه كذلك. ولا يشترط في دلالة اليد على الملكّيّة ونحوها التصرّفات الموقوفة على الملك - فلو كان شي ء في يده يحكم بأنّه ملكه ولو لم يتصرّف فيه فعلاً - ولا دعوى ذي اليد الملكيّة. ولو كان في يده شي ء فمات ولم يعلم أنّه له ولم يسمع منه دعوى الملكيّة يحكم بأنّه له وهو لوارثه. نعم، يشترط عدم اعترافه بعدمها؛ بل الظاهر الحكم بملكيّة ما في يده ولولم يعلم أنّه له؛ فإن اعترف ب «أنّي لا أعلم أنّ ما في يدي لي أم لا» يحكم بكونه له بالنسبة إلى نفسه وغيره.
        مسألة 2 - لوكان شي ء تحت يد وكيله أو أمينه أو مستأجره فهو محكوم بملكيّته، فيدهم يده. وأمّا لو كان شي ء بيد غاصبٍ معترفٍ بغصبيّته من زيد فهل هو محكوم بكونه تحت يد زيد أو لا؟ فلو ادّعى أحد ملكيّته وأكذب الغاصب في اعترافه يحكم بأنّه لمن يعترف الغاصب أنّه له أم يحكم بعدم يده عليه فتكون الدعوى من الموارد الّتي لايد لأحدهما عليه؟ فيه إشكال وتأمّل وإن لا يخلو الأوّل من قوّة. نعم، الظاهر في ما إذا لم يعترف بالغصبيّة أو لم تكن يده غصباً واعترف بأنّه لزيد يصير بحكم ثبوت يده عليه.
        مسألة 3 - لو كان شي ء تحت يد اثنين فيد كلّ منهما على نصفه، فهو محكوم بمملوكيّته لهما. وقيل: يمكن أن تكون يد كلّ منهما على تمامه، بل يمكن أن يكون شي ء واحد لمالكين على نحو الاستقلال، وهو ضعيف.
        مسألة 4 - لو تنازعا في عين مثلاً: فإن كانت تحت يد أحدهما فالقول قوله بيمينه، وعلى غير ذي اليد البيّنة؛ وإن كانت تحت يدهما فكلّ بالنسبة إلى النصف مدّع ومنكر، حيث إنّ يد كلّ منهما على النصف، فإن ادّعى كلّ منهما تمامها يطالب بالبيّنة بالنسبة إلى نصفها، والقول قوله بيمينه بالنسبة إلى النصف؛ وإن كانت بيد ثالث: فإن صدّق أحدهما المعيّن يصير بمنزلة ذي اليد، فيكون منكراً والآخر مدّعياً؛ ولوصدّقهما ورجع تصديقه بأنّ تمام العين لكلّ منهما يلغى تصديقه ويكون المورد ممّا لا يد لهما، وإن رجع إلى أنّها لهما - بمعنى اشتراكهما فيها -يكون بمنزلة ما تكون في يدهما؛ وإن صدّق أحدهما لا بعينه لا تبعد القرعة، فمن خرجت له حلف؛ وإن كذّبهما وقال: «هي لي» تبقى في يده ولكلّ منهما عليه اليمين؛ ولولم تكن في يدهما ولا يد غيرهما ولم تكن بيّنة فالأقرب الاقتراع بينهما.
        مسألة 5 - إذا ادّعى شخص عيناً في يد آخر وأقام بيّنةً وانتزعها منه بحكم الحاكم ثمّ أقام المدّعى عليه بيّنةً على أنّها له: فإن ادّعى أنّها فعلاً له وأقام البيّنة عليه تنتزع العين وتردّ إلى المدّعي الثاني؛ وإن ادّعى أنها له حين الدعوى وأقام البيّنة على ذلك فهل ينتقض الحكم وتردّ العين إليه أو لا؟ قولان، ولا يبعد عدم النقض.
        مسألة 6 - لو تنازع الزوجان في متاع البيت - سواء حال زوجيّتهما أو بعدها- ففيه أقوال، أرجحها أنّ ما يكون من المتاع للرجال فهو للرجل، كالسيف والسلاح وألبسة الرجال، وما يكون للنساء فللمرأة، كألبسة النساء ومكينة الخياطة الّتي تستعملها النساء ونحو ذلك، وما يكون للرجال والنساء فهو بينهما؛ فإن ادّعى الرجل ما يكون للنساء كانت المرأة مدّعىً عليها، وعليها الحلف لو لم يكن للرجل بيّنة؛ وإن ادّعت المرأة ما للرجال فهي مدّعية، عليها البيّنة وعلى الرجل الحلف؛ وما بينهما فمع عدم البيّنة وحلفهما يقسّم بينهما. هذا إذا لم يتبيّن كون الأمتعة تحت يد أحدهما، وإلّا فلو فرض أنّ المتاع الخاصّ بالنساء كان في صندوق الرجل وتحت يده أو العكس يحكم بملكيّة ذي اليد، وعلى غيره البيّنة. ولا يعتبر في ما للرجال أو ما للنساء العلم بأنّ كلّاً منهما استعمل ماله أو انتفع به، ولا إحراز أن يكون لكلّ منهما يدٌ مختصّة بالنسبة إلى مختصّات الطائفتين. وهل يجري الحكم بالنسبة إلى شريكين في دارٍ أحدهما من أهل العلم والفقه والثاني من أهل التجارة والكسب، فيحكم بأنّ ما للعلماء للعالم وما للتجّار للتاجر، فيستكشف المدّعي من المدّعى عليه؟ وجهان، لا يبعد الإلحاق.
        مسألة 7 - لو تعارضت اليد الحاليّة مع اليد السابقة أو الملكيّة السابقة تقدّم اليد الحاليّة؛ فلو كان شي ء في يد زيد فعلاً وكان هذا الشي ء تحت يد عمرو سابقاً أو كان ملكاً له يحكم بأنّه لزيد، وعلى عمرو إقامة البيّنة، ومع عدمها فله الحلف على زيد. نعم، لو أقرّ زيد بأنّ ما في يده كان لعمرو وانتقل إليه بناقل انقلبت الدعوى وصار زيد مدّعياً، والقول قول عمرو بيمينه. وكذا لو أقرّ بأنّه كان لعمرو أو في يده وسكت عن الانتقال إليه، فإنّ لازم ذلك دعوى الانتقال، وفي مثله يشكل جعله منكراً لأجل يده. وأمّا لو قامت البيّنة على أنّه كان لعمرو سابقاً أو علم الحاكم بذلك فاليد محكّمة، ويكون ذو اليد منكراً والقول قوله. نعم، لو قامت البيّنة بأنّ يد زيد على هذا الشي ء كان غصباً من عمرو أو عاريةً أو أمانةً ونحوها فالظاهر سقوط يده، والقول قول ذي البيّنة.
        مسألة 8 - لو تعارضت البيّنات في شي ء: فإن كان في يد أحد الطرفين فمقتضى القاعدة تقديم بيّنة الخارج ورفض بيّنة الداخل وإن كانت أكثر أو أعدل وأرجح؛ وإن كان في يدهما فيحكم بالتنصيف بمقتضى بيّنة الخارج وعدم اعتبار الداخل؛ وإن كان في يد ثالث أو لايد لأحد عليه فالظاهر سقوط البيّنتين والرجوع إلى الحلف أو إلى التنصيف أو القرعة؛ لكنّ المسألة بشقوقها في غاية الإشكال من حيث الأخبار والأقوال، وترجيح أحد الأقوال مشكل وإن لا يبعد في الصورة الاُولى ما ذكرناه.

      • خاتمة فيها فصلان
        • الفصل الأول: في كتاب قاض إلى قاض

           

          الأوّل في كتاب قاضٍ إلى قاضٍ

          مسألة 1 - لا ينفذ الحكم ولا تفصل الخصومة إلّا بالإنشاء لفظاً. ولا عبرة بالإنشاء كتباً؛ فلو كتب قاضٍ إلى قاضٍ آخر بالحكم وأراد الإنشاء بالكتابة لايجوز للثاني إنفاذه وإن علم بأنّ الكتابة له وعلم بقصده.
          مسألة 2 - إنهاء حكم الحاكم - بعد فرض الإنشاء لفظاً - إلى حاكم آخر إمّا بالكتابة أو القول أو الشهادة: فإن كان بالكتابة - بأن يكتب إلى حاكم آخر بحكمه- فلا عبرة بها حتّى مع العلم بأنّها له وأراد مفادها. وأمّا القول مشافهةً فإن كان شهادةً على إنشائه السابق فلا يقبل إلّا مع شهادة عادل آخر، وأولى بذلك ما إذا قال: «ثبت عندي كذا»، وإن كان الانشاء بحضور الثاني بأن كان الثاني حاضراً في مجلس الحكم فقضى الأوّل فهو خارج عن محطّ البحث لكن يجب إنفاذه. وأمّا شهادة البيّنة على حكمه فمقبولة يجب الإنفاذ على حاكم آخر. وكذا لو علم حكم الحاكم بالتواتر أو قرائن قطعيّة أو إقرار المتخاصمين.
          مسألة 3 - الظاهر أنّ إنفاذ حكم الحاكم أجنبيّ عن حكم الحاكم الثاني في الواقعة، لأنّ قطع الخصومة حصل بحكم الأوّل، وإنّما أنفذه وأمضاه الحاكم الآخر ليجريه الولاة والاُمراء، ولا أثر له بحسب الواقعة، فإنّ إنفاذه وعدم إنفاذه بعد تماميّة موازين القضاء في الأوّل سواء، وليس له الحكم في الواقعة، لعدم علمه وعدم تحقّق موازين القضاء عنده.
          مسألة 4 - لا فرق في ما ذكرناه بين حقوق اللّه تعالى وحقوق الناس إلّا في الثبوت بالبيّنة، فإنّ الإنفاذ بها فيها محلّ إشكال والأشبه عدمه.
          مسألة 5 - لا يعتبر في جواز شهادة البيّنة ولا في قبولها هنا غير ما يعتبر فيهما في سائر المقامات، فلا يعتبر إشهادهما على حكمه وقضائه في التحمّل. وكذا لا يعتبر في قبول شهادتهما إشهادهما على الحكم، ولا حضورهما في مجلس الخصومة وسماعهما شهادة الشهود، بل المعتبر شهودهما أنّ الحاكم حكم بذلك، بل يكفي علمهما بذلك.
          مسألة 6 - قيل: إن لم يحضر الشاهدان الخصومة فحكى الحاكم لهما الواقعة وصورة الحكم وسمّى المتحاكمين بأسمائهما وآبائهما وصفاتهما وأشهدهما على الحكم فالأولى القبول، لأنّ إخباره كحكمه ماضٍ. والأشبه عدم القبول إلّا بضمّ عادل آخر؛ بل لو أنشأ الحكم بعد الإنشاء في مجلس الخصومة فجواز الشهادة بالحكم بنحو الإطلاق مشكل بل ممنوع، والشهادة بنحو التقييد - بأنّه لم يكن إنشاء مجلس الخصومة ولا إنشاء الرافع لها - جائزة، لكن إنفاذه للحاكم الآخر مشكل بل ممنوع.
          مسألة 7 - لا فرق في جميع ما مرّ بين أن يكون حكم الحاكم بين المتخاصمين مع حضورهما وبين حكمه على الغائب بعد إقامة المدّعي البيّنة؛ فالتحمّل فيهما والشهادة وشرائط القبول واحد. ولابدّ للشاهدين من حفظ جميع خصوصيّات المدّعي والمدّعى عليه بما يخرجهما عن الإبهام، وحفظ المدّعى به بخصوصيّاته المخرجة عن الإبهام، وحفظ الشاهدين وخصوصيّاتهما كذلك في مايحتاج إليه، كالحكم على الغائب وأنّه على حجّته.
          مسألة 8 - لو اشتبه الأمر على الحاكم الثاني - لعدم ضبط الشهود له ما يرفع به الإبهام - أوقف الحكم حتّى يتّضح الأمر بتذكّرهما أو بشهادة غيرهما.
          مسألة 9 - لو تغيّرت حال الحاكم الأوّل بعد حكمه بموت أو جنون لم يقدح ذلك في العمل بحكمه وفي لزوم إنفاذه على حاكم آخر لو توقّف استيفاء الحقّ عليه. ولو تغيّرت بفسق فقد يقال: لم يعمل بحكمه، أو يفصّل بين ظهور الفسق قبل إنفاذه فلم يعمل أو بعده فيعمل. والأشبه العمل مطلقاً كسائر العوارض وجواز إنفاذه أو وجوبه.
          مسألة 10 - لو أقرّ المدّعى عليه عند الحاكم الثاني بأنّه المحكوم عليه وهو المشهود عليه ألزمه الحاكم. ولو أنكر فإن كانت شهادة الشهود على عينه لم يسمع منه واُلزم؛ وكذا لو كانت على وصف لا ينطبق إلّا عليه؛ وكذا في ما ينطبق عليه إلّا نادراً بحيث لا يعتني باحتماله العقلاء وكان الانطباق عليه ممّا يطمأنّ به. وإن كان الوصف على وجه قابل للانطباق على غيره وعليه فالقول قوله بيمينه، وعلى المدّعي إقامة البيّنة بأنّه هو. ويحتمل في هذه الصورة عدم صحّة الحكم، لكونه من قبيل القضاء بالمبهم. وفيه تأمّل.

        • الفصل الثاني: في المقاصّه

           

          الفصل الثاني في المقاصّة

          مسألة 1 - لا إشكال في عدم جواز المقاصّة مع عدم جحود الطرف ولامماطلته وأدائه عند مطالبته. كما لا إشكال في جوازها إذا كان له حقّ على غيره -من عين أو دين أو منفعة أو حقّ- وكان جاحداً أو مماطلاً. وأمّا إذا كان منكراً لاعتقاد المحقّيّة أو كان لا يدري محقّيّة المدّعي ففي جواز المقاصّة إشكال، بل الأشبه عدم الجواز. ولو كان غاصباً وأنكر لنسيانه فالظاهر جواز المقاصّة.
          مسألة 2 - إذا كان له عين عند غيره: فإن كان يمكن أخذها بلا مشقّة ولاارتكاب محذور فلا يجوز المقاصّة من ماله؛ وإن لم يمكن أخذها منه أصلاً جاز المقاصّة من ماله الآخر: فإن كان من جنس ماله جاز الأخذ بمقداره، وإن لم يكن جاز الأخذ بمقدار قيمته، وإن لم يمكن إلّا ببيعه جاز بيعه وأخذ مقدار قيمة ماله وردّ الزائد.
          مسألة 3 - لو كان المطلوب مثليّاً وأمكن له المقاصّة من ماله المثليّ وغيره فهل يجوز له أخذ غير المثليّ تقاصّاً بقدر قيمة ماله أو يجب الأخذ من المثليّ؟ وكذا لو أمكن الأخذ من جنس ماله ومن مثليّ آخر بمقدار قيمته، مثلاً لو كان المطلوب حنطةً وأمكنه أخذ حنطة منه بمقدار حنطته وأخذ مقدار من العدس بقدر قيمتها فهل يجب الاقتصار على الحنطة أو جاز الأخذ من العدس؟ لا يبعد جواز التقاصّ مطلقاً في ما إذا لم يلزم منه بيع مال الغاصب وأخذ القيمة؛ ومع لزومه وإمكان التقاصّ بشي ء لم يلزم منه ذلك فالأحوط بل الأقوى الاقتصار على ذلك، بل الأحوط الاقتصار على أخذ جنسه مع الإمكان بلا مشقّة ومحذور.
          مسألة 4 - لو أمكن أخذ ماله بمشقّة فالظاهر جواز التقاصّ. ولو أمكن ذلك مع محذور - كالدخول في داره بلا إذنه أو كسر قفله ونحو ذلك - ففي جواز المقاصّة إشكال. هذا إذا جاز ارتكاب المحذور وأخذ ماله ولوأضرّ ذلك بالغاصب. وأمّا مع عدم جوازه - كما لو كان المطلوب منه غير غاصب وأنكر المال بعذر - فالظاهر جواز التقاصّ من ماله إن قلنا بجواز المقاصّة في صورة الإنكار لعذر.
          مسألة 5 - لو كان الحقّ ديناً وكان المديون جاحداً أو مماطلاً جازت المقاصّة من ماله وإن أمكن الأخذ منه بالرجوع إلى الحاكم.
          مسألة 6 - لو توقّف أخذ حقّه على التصرّف في الأزيد جاز، والزائد يردّ إلى المقتصّ منه. ولو تلف الزائد في يده من غير إفراط وتفريط ولا تأخير في ردّه لم يضمن.
          مسألة 7 - لو توقّف أخذ حقّه على بيع مال المقتصّ منه جاز بيعه وصحّ، ويجب ردّ الزائد من حقّه. وأمّا لو لم يتوقّف على البيع - بأن كان قيمة المال بمقدار حقّه - فلا إشكال في جواز أخذه مقاصّةً، وأمّا في جواز بيعه وأخذ قيمته مقاصّةً أو جواز بيعه واشتراء شي ء من جنس ماله ثمّ أخذه مقاصّةً إشكال، والأشبه عدم الجواز.
          مسألة 8 - لا إشكال في أنّ ما إذا كان حقّه ديناً على عهدة المماطل فاقتصّ منه بمقداره برئت ذمّته، سيّما إذا كان المأخوذ مثل ما على عهدته، كما إذا كان عليه مقدار من الحنطة فأخذ بمقدارها تقاصّاً. وكذا في ضمان القيميّات إذا اقتصّ القيمة بمقدارها. وأمّا إذا كان عيناً: فإن كانت مثليّةً واقتصّ مثلها فلا يبعد حصول المعاوضة قهراً على تأمّل؛ وأمّا إذا كانت من القيميّات - كفرس مثلاً - واقتصّ بمقدار قيمتها فهل كان الحكم كما ذكر من المعاوضة القهريّة، أو كان الاقتصاص بمنزلة بدل الحيلولة، فإذا تمكّن من العين جاز أخذها بل وجب، ويجب عليه ردّ ما أخذ، وكذا يجب على الغاصب ردّها بعد الاقتصاص وأخذ ماله؟ فيه إشكال وتردّد وإن لا يبعد جريان حكم بدل الحيلولة فيه.
          مسألة 9 - الأقوى جواز المقاصّة من المال الّذي جعل عنده وديعةً على كراهيّة، والأحوط عدمه.
          مسألة 10 - جواز المقاصّة في صورة عدم علمه بالحقّ مشكل؛ فلو كان عليه دين واحتمل أداءه يشكل المقاصّة، فالأحوط رفعه إلى الحاكم؛ كما أنّه مع جهل المديون مشكل ولو علم الدائن، بل ممنوع كما مرّ، فلابدّ من الرفع إلى الحاكم.
          مسألة 11 - لا يجوز التقاصّ من المال المشترك بين المديون وغيره إلّا بإذن شريكه، لكن لو أخذ وقع التقاصّ وإن أثم؛ فإذا اقتصّ من المال المشاع صار شريكاً لذلك الشريك إن كان المال بقدر حقّه أو أنقص منه، وإلّا صار شريكاً مع المديون وشريكه؛ فهل يجوز له أخذ حقّه وإفرازه بغير إذن المديون؟ الظاهر جوازه مع رضا الشريك.
          مسألة 12 - لو كان له حقّ ومنعه الحياء أو الخوف أو غيرهما من المطالبة فلايجوز له التقاصّ. وكذا لوشكّ في أنّ الغريم جاحد أو مماطل لا يجوز التقاصّ.
          مسألة 13 - لا يجوز التقاصّ من مال تعلّق به حقّ الغير، كحقّ الرهانة، وحقّ الغرماء في مال المحجور عليه، وفي مال الميّت الّذي لا تفي تركته بديونه.
          مسألة 14 - لا يجوز لغير ذي الحقّ التقاصّ إلّا إذا كان وليّاً أو وكيلاً عن ذي الحقّ؛ فللأب التقاصّ لولده الصغير أو المجنون أو السفيه في مورد له الولاية، وللحاكم أيضاً ذلك في مورد ولايته.
          مسألة 15 - إذا كان للغريم الجاحد أو المماطل عليه دين جاز احتسابه عوضاً عمّا عليه مقاصّةً إذا كان بقدره أو أقلّ، وإلّا فبقدره وتبرأ ذمّته بمقداره.
          مسألة 16 - ليس للفقراء والسادة المقاصّة من مال من عليه الزكاة أو الخمس أو في ماله إلّا بإذن الحاكم الشرعيّ. وللحاكم التقاصّ ممّن عليه أو في ماله نحو ذلك وجحد أو ماطل. وكذا لو كان شي ء وقفاً على الجهات العامّة أو العناوين الكلّيّة وليس لها متولّ لا يجوز التقاصّ لغير الحاكم، وأمّا الحاكم فلا إشكال في جواز مقاصّته منافع الوقف. وهل يجوز المقاصّة بمقدار عينه إذا كان الغاصب جاهلاً أو مماطلاً لا يمكن أخذها منه وجعل المأخوذ وقفاً على تلك العناوين؟ وجهان. وعلى الجواز لو رجع عن الجحود والمماطلة فهل ترجع العين وقفاً وتردّ ما جعله وقفاً إلى صاحبه أو بقي ذلك على الوقفيّة وصار الوقف ملكاً للغاصب؟ الأقوى هو الأوّل. والظاهر أنّ الوقف من منقطع الآخر، فيصحّ إلى زمان الرجوع.
          مسألة 17 - لا تتحقّق المقاصّة بمجرّد النيّة بدون الأخذ والتسلّط على مال الغريم. نعم، يجوز احتساب الدين تقاصّاً كما مرّ؛ فلو كان مال الغريم في يده أو يد غيره فنوى الغارم تملّكه تقاصّاً لا يصير ملكاً له؛ وكذا لا يجوز بيع ما بيد الغير منه بعنوان التقاصّ من الغريم.
          مسألة 18 - الظاهر أنّ التقاصّ لا يتوقّف على إذن الحاكم؛ وكذا لو توقّف على بيعه أو إفرازه يجوز كلّ ذلك بلا إذن الحاكم.
          مسألة 19 - لو تبيّن بعد المقاصّة خطؤه في دعواه يجب عليه ردّ ما أخذه أو ردّ عوضه مثلاً أو قيمةً لو تلف، وعليه غرامة ما أضرّه، من غير فرق بين الخطأ في الحكم أو الموضوع. ولو تبيّن أنّ ما أخذه كان ملكاً لغير الغريم يجب ردّه أو ردّ عوضه لو تلف.
          مسألة 20 - يجوز المقاصّة من العين أو المنفعة أو الحقّ في مقابل حقّه من أيّ نوع كان؛ فلو كان المطلوب عيناً يجوز التقاصّ من المنفعة إذا عثر عليها أو الحقّ كذلك وبالعكس.
          مسألة 21 - إنّما يجوز التقاصّ إذا لم يرفعه إلى الحاكم فحلّفه، وإلّا فلا يجوز بعد الحلف، ولو اقتصّ منه بعده لم يملكه.
          مسألة 22 - يستحبّ أن يقول عند التقاصّ: «أللّهمّ إنّي آخذ هذا المال مكان مالي الّذي أخذه منّي، وإنّي لم آخذ الّذي أخذته خيانةً ولا ظلماً». وقيل: يجب، وهو أحوط.
          مسألة 23 - لو غصب عيناً مشتركاً بين شريكين فلكلّ منهما التقاصّ منه بمقدار حصّته. وكذا إذا كان دين مشتركاً بينهما، من غير فرق بين التقاصّ بجنسه أو بغير جنسه؛ فإذا كان عليه ألفان من زيد فمات وورثه ابنان: فإن جحد حقّ أحدهما دون الآخر فلا إشكال في أنّ له التقاصّ بمقدار حقّه، وإن جحد حقّهما فالظاهر أنّه كذلك، فلكلّ منهما التقاصّ بمقدار حقّه، ومع الأخذ لا يكون الآخر شريكاً، بل لا يجوز لكلّ المقاصّة لحقّ شريكه.
          مسألة 24 - لا فرق في جواز التقاصّ بين أقسام الحقوق الماليّة؛ فلو كان عنده وثيقة لدينه فغصبها جاز له أخذ عين له وثيقةً لدينه وبيعها لأخذ حقّه في مورده. وكذا لا فرق بين الديون الحاصلة من الاقتراض أو الضمانات أو الديات، فيجوز المقاصّة في كلّها.

    • كتاب الشهادات
      • القول في صفات الشهود

         

        القول في صفات الشهود

        وهي اُمور:
        الأوّل: البلوغ؛ فلا اعتبار بشهادة الصبيّ غير المميّز مطلقاً، ولا بشهادة المميّز في غيرالقتل والجرح، ولا بشهادته فيهما إذا لم يبلغ العشر. وأمّا لو بلغ عشراً وشهد بالجراح والقتل ففيه تردّد. نعم، لا إشكال في عدم اعتبار شهادة الصبيّة مطلقاً.
        الثاني: العقل؛ فلا تقبل شهادة المجنون حتّى الأدواريّ منه حال جنونه، وأمّا حال عقله وسلامته فتقبل منه إذا علم الحاكم - بالابتلاء والامتحان - حضور ذهنه وكمال فطنته، وإلّا لم تقبل. ويلحق به في عدم القبول من غلب عليه السهو أو النسيان أو الغفلة أو كان به البله. وفي مثل ذلك يجب الاستظهار على الحاكم حتّى يستثبت ما يشهدون به؛ فاللازم الإعراض عن شهادتهم، إلّا في الاُمور الجليّة الّتي يعلم بعدم سهوهم ونسيانهم وغلطهم في التحمّل والنقل.
        الثالث: الإيمان؛ فلا تقبل شهادة غير المؤمن - فضلاً عن غير المسلم - مطلقاً على مؤمن أو غيره أو لهما. نعم، تقبل شهادة الذمّيّ العدل في دينه في الوصيّة بالمال إذا لم يوجد من عدول المسلمين من يشهد بها. ولا يعتبر كون الموصي في غربة؛ فلو كان في وطنه ولم يوجد عدول المسلمين تقبل شهادة الذمّيّ فيها. ولايلحق بالذمّيّ الفاسق من أهل الإيمان. وهل يلحق به المسلم غير المؤمن إذا كان عدلاً في مذهبه؟ لا يبعد ذلك. وتقبل شهادة المؤمن الجامع للشرائط على جميع الناس من جميع الملل. ولا تقبل شهادة الحربيّ مطلقاً. وهل تقبل شهادة كلّ ملّة على ملّتهم؟ به رواية، وعمل بها الشيخ(قدس سره).
        الرابع: العدالة. وهي الملكة الرادعة عن معصيةاللّه تعالى؛فلاتقبل شهادةالفاسق. وهوالمرتكب للكبيرة أو المصرّ على الصغيرة، بل المرتكب للصغيرة على الأحوط إن لم يكن الأقوى؛ فلا تقبل شهادة مرتكب الصغيرة إلّا مع التوبة وظهور العدالة.
        مسألة 1 - لا تقبل شهادة كلّ مخالف في شي ء من اُصول العقائد؛ بل لا تقبل شهادة من أنكر ضروريّاً من الإسلام - كمن أنكر الصلاة أو الحجّ أو نحوهما- وإن قلنا بعدم كفره إن كان لشبهة. وتقبل شهادة المخالف في الفروع وإن خالف الإجماع لشبهة.
        مسألة 2 - لا تقبل شهادة القاذف - مع عدم اللعان أو البيّنة أو إقرار المقذوف- إلّا إذا تاب. وحدّ توبته أن يكذّب نفسه عند من قذف عنده أو عند جمع من المسلمين أو عندهما. وإن كان صادقاً واقعاً يورّي في تكذيبه نفسه؛ فإذا كذّب نفسه وتاب تقبل شهادته إذا صلح.
        مسألة 3 - اتّخاذ الحمام للاُنس وإنفاذ الكتب والاستفراخ والتطيير واللعب ليس بحرام. نعم، اللعب بها مكروه؛ فتقبل شهادة المتّخذ واللاعب بها. وأمّا اللعب بالرهان فهو قمار حرام لا تقبل شهادة من فعل ذلك.
        مسألة 4 - لا تردّ شهادة أرباب الصنائع المكروهة، كبيع الصرف وبيع الأكفان وصنعة الحجامة والحياكة ونحوها، ولا شهادة ذوي العاهات الخبيثة كالأجذم والأبرص.
        الخامس: طيب المولد؛ فلا تقبل شهادة ولد الزنا وإن أظهر الإسلام وكان عادلاً. وهل تقبل شهادته في الأشياء اليسيرة؟ قيل: نعم، والأشبه لا. وأمّا لوجهلت حاله: فإن كان ملحقاً بفراش تقبل شهادته وإن أنالته الألسن، وإن جهلت مطلقاً ولم يعلم له فراش ففي قبولها إشكال.
        السادس: ارتفاع التهمة لا مطلقاً، بل الحاصلة من أسباب خاصّة، وهي اُمور:
        منها: أن يجرّ بشهادته نفعاً له - عيناً أو منفعةً أو حقّاً - كالشريكِ في ما هو شريك فيه، وأمّا في غيره فتقبل شهادته؛ وصاحبِ الدين إذا شهد للمحجور عليه بمال يتعلّق دينه به، بخلاف غير المحجور عليه، وبخلاف مال لم يتعلّق حجره به؛ والوصيّ والوكيلِ إذا كان لهما زيادة أجر بزيادة المال، بل وكذا في ما كان لهما الولاية عليه وكانا مدّعيين بحقّ ولايتهما، وأمّا عدم القبول مطلقاً منهما ففيه تأمّل؛ وكشهادةالشريك لبيع الشقص الّذي فيه له الشفعة، إلى غيرذلك من موارد جرّ النفع.
        ومنها: إذا دفع بشهادته ضرراً عنه، كشهادة العاقلة بجرح شهود الجناية خطأً، وشهادةِ الوكيل والوصيّ بجرح الشهود على الموكّل والموصي في مثل الموردين المتقدّمين.
        ومنها: أن يشهد ذوالعداوة الدنيويّة على عدوّه. وتقبل شهادته له إذا لم تستلزم العداوة الفسق. وأمّا ذوالعداوة الدينيّة فلا تردّ شهادته له أو عليه حتّى إذا أبغضه لفسقه واختصمه لذلك.
        ومنها: السؤال بكفّه. والمراد منه من يكون سائلاً في السوق وأبواب الدور وكان السؤال حرفةً وديدناً له. وأمّا السؤال أحياناً عند الحاجة فلا يمنع من قبول شهادته.
        ومنها: التبرّع بالشهادة في حقوق الناس، فإنّه يمنع عن القبول في قول معروف. وفيه تردّد. وأمّا في حقوق اللّه - كشرب الخمر والزنا - وللمصالح العامّة فالأشبه القبول.
        مسألة 5 - النسب لا يمنع عن قبول الشهادة، كالأب لولده وعليه، والولدِ لوالده، والأخِ لأخيه وعليه، وسائرِ الأقرباء بعضها لبعض وعليه. وهل تقبل شهادة الولد على والده؟ فيه تردّد. وكذا تقبل شهادة الزوج لزوجتها وعليها، وشهادة (1) الزوجة لزوجها وعليه. ولا يعتبر في شهادة الزوج الضميمة. وفي اعتبارها في الزوجة وجه. والأوجه عدمه. وتظهر الفائدة في ما إذا شهدت لزوجها في الوصيّة؛ فعلى القول بالاعتبار لا تثبت، وعلى عدمه يثبت الربع.
        مسألة 6 - تقبل شهادة الصديق على صديقه وكذا له وإن كانت الصداقة بينهما أكيدةً والموادّة شديدةً. وتقبل شهادة الضيف وإن كان له ميل إلى المشهود له. وهل تقبل شهادة الأجير لمن آجره؟ قولان أقربهما المنع. ولو تحمّل حال الإجارة وأدّاها بعدها تقبل.
        مسألة 7 - من لا يجوز شهادته لصغر أو فسق أو كفر إذا عرف شيئاً في تلك الحال ثمّ زال المانع واستكمل الشروط فأقام تلك الشهادة تقبل. وكذا لو أقامها في حال المانع فردّت ثمّ أعادها بعد زواله، من غير فرق بين الفسق والكفر الظاهرين وغيرهما.
        مسألة 8 - إذا سمع الإقرار - مثلاً - صار شاهداً وإن لم يستدعه المشهود له أو عليه؛ فلا يتوقّف كونه شاهداً على الإشهاد والاستدعاء؛ فحينئذٍ إن لم يتوقّف أخذ الحقّ على شهادته فهو بالخيار بين الشهادة والسكوت، وإن توقّف وجبت عليه الشهادة بالحقّ. وكذا لو سمع اثنين يُوقعان عقداً كالبيع ونحوه أو شاهد غصباً أو جنايةً. ولو قال له الغريمان أو أحدهما: «لا تشهد علينا» فسمع ما يوجب حكماً ففي جميع تلك الموارد يصير شاهداً.
        مسألة 9 - المشهور بالفسق إن تاب لتقبل شهادته لا تقبل حتّى يستبان منه الاستمرار على الصلاح وحصول الملكة الرادعة. وكذا الحال في كلّ مرتكب للكبيرة بل الصغيرة؛ فميزان قبول الشهادة هو العدالة المحرزة بظهور الصلاح؛ فإن تاب وظهر منه الصلاح يحكم بعدالته وتقبل شهادته.


        1- هكذا في جميع الطبعات، ولكنّ الصحيح: «لزوجته».

      • القول فيما به يصير الشاهد شاهداً

         

        القول في ما به يصير الشاهد شاهداً

        مسألة 1 - الضابط في ذلك: العلم القطعيّ واليقين؛ فهل يجب أن يكون العلم مستنداً إلى الحواسّ الظاهرة في ما يمكن، كالبصر في المبصرات والسمع في المسموعات والذوق في المذوقات وهكذا، فإذا حصل العلم القطعيّ بشي ء من غير المبادئ الحسّيّة - حتّى في المبصرات من السماع المفيد للعلم القطعيّ - لم يجز الشهادة، أم يكفي العلم القطعيّ بأيّ سبب، كالعلم الحاصل من التواتر والاشتهار؟ وجهان، الأشبه الثاني. نعم، يشكل جواز الشهادة في ما إذا حصل العلم من الاُمور غير العاديّة - كالجفر والرمل - وإن كان حجّةً للعالم.
        مسألة 2 - التسامع والاستفاضة إن أفادا العلم يجوز الشهادة بهما، لا لمجرّد الاستفاضة، بل لحصول العلم؛ وحينئذٍ لا ينحصر في اُمور خاصّة، كالوقف والزوجيّة والنسب والولاءوالولاية ونحوها، بل تجوزفي المبصرات والمسموعات إذا حصل منهما العلم القطعيّ. وإن لم يفيدا علماً وإنّما أفادا ظنّاً ولو متاخماً للعلم لايجوز الشهادة بالمسبّب. نعم، يجوز الشهادة بالسبب بأن يقول: «إنّ هذا مشهور مستفيض»، أو «إنّي أظنّ ذلك أو من الاستفاضة».
        مسألة 3 - هل يجوز الشهادة بمقتضى اليد والبيّنة والاستصحاب ونحوها من الأمارات والاُصول الشرعيّة، فكما يجوز شراء ما في يده أو ما قامت البيّنة على ملكه أو الاستصحاب كذلك تجوز الشهادة على الملكيّة. وبالجملة: يجوز الاتّكال على ما هو حجّة شرعيّة على الملك ظاهراً، فيشهد بأنّه ملكٌ مريداً به الملكيّة في ظاهر الشرع؟ وجهان، أوجههما عدم الجواز إلّا مع قيام قرائن قطعيّة توجب القطع. نعم، تجوز الشهادة بالملكيّة الظاهريّة مع التصريح به، بأن يقول: هو ملكٌ له بمقتضى يده أو بمقتضى الاستصحاب، لا بنحو الإطلاق، ووردت رواية بجواز الشهادة مستنداً إلى اليد وكذا الاستصحاب.
        مسألة 4 - يجوز للأعمى والأصمّ تحمّل الشهادة وأداؤها إذا عرفا الواقعة، وتقبل منهما؛ فلو شاهد الأصمّ الأفعال جازت شهادته فيها. وفي رواية: «يؤخذ بشهادته في القتل بأوّل قوله، لا الثاني»، وهي مطروحة. ولو سمع الأعمى وعرف صاحب الصوت علماً جازت شهادته. وكذا يصحّ للأخرس تحمّل الشهادة وأداؤها؛ فإن عرف الحاكم إشارته يحكم، وإن جهلها اعتمد فيها على مترجمين عدلين، وتكون شهادته أصلاً، ويحكم بشهادته.

      • القول في أقسام الحقوق

         

        القول في أقسام الحقوق

        مسألة 1 - الحقوق على كثرتها قسمان: حقوق اللّه تعالى وحقوق الآدميّين. أمّا حقوق اللّه تعالى فقد ذكرنا في كتاب الحدود أنّ منها ما يثبت بأربعة رجال أو يثبت بثلاثة رجال وامرأتين، ومنها برجلين وأربع نساء، ومنها ما يثبت بشاهدين، فليراجع إليه.
        مسألة 2 - حقّ الآدميّ على أقسام:
        منها: ما يشترط في إثباته الذكورة، فلا يثبت إلّا بشاهدين ذكرين كالطلاق؛ فلا يقبل فيه شهادة النساء لا منفردات ولا منضمّات. وهل يعمّ الحكم أقسامه كالخلع والمباراة؟ الأقرب نعم إذا كان الاختلاف في الطلاق، وأمّا الاختلاف في مقدار البذل فلا. ولا فرق في الخلع والمباراة بين كون المرأة مدّعيةً أو الرجل، على إشكال في الثاني.
        مسألة 3 - قيل: ما يكون من حقوق الآدميّ غير الماليّة ولم يقصد منه المال لا تقبل شهادة النساء فيها لا منفردات ولا منضمّات. ومُثّل لذلك بالإسلام والبلوغ والولاء والجرح والتعديل والعفو عن القصاص والوكالة والوصايا والرجعة وعيوب النساء والنسب والهلال. وألحق بعضهم الخمس والزكاة والنذر والكفّارة. والضابط المذكور لا يخلو من وجه وإن كان دخول بعض الأمثلة فيها محلّ تأمّل. وتقبل شهادتهنّ على الرضاع على الأقرب.
        مسألة 4 - من حقوق الآدميّ ما يثبت بشاهدين، وبشاهد وامرأتين، وبشاهد ويمين المدّعي، وبامرأتين ويمين المدّعي. وهو كلّ ما كان مالاً أو المقصود منه المال، كالديون بالمعنى الأعمّ، فيدخل فيها القرض وثمن المبيع والسلف وغيرها ممّا في الذمّة، وكالغصب وعقود المعاوضات مطلقاً والوصيّة له، والجنايةِ الّتي توجب الدية، كالخطأ وشبه العمد وقتل الأب ولده والمسلم الذمّيّ والمأمومة والجائفة وكسر العظام، وغيرِ ذلك ممّا كان متعلّق الدعوى فيها مالاً أو مقصوداً منها المال؛ فجميع ذلك تثبت بما ذكر حتّى بشهادة المرأتين واليمين على الأظهر. وتقبل شهادتهنّ في النكاح إذا كان معهنّ الرجل.
        مسألة 5 - في قبول شهادتهنّ في الوقف وجه لا يخلو عن إشكال. و تقبل شهادتهنّ في حقوق الأموال، كالأجل والخيار والشفعة وفسخ العقد المتعلّق بالأموال ونحو ذلك ممّا هي حقوق آدميّ. ولا تقبل شهادتهنّ في ما يوجب القصاص.
        مسألة 6 - من حقوق الآدميّ ما يثبت بالرجال والنساء منفردات ومنضمّات. وضابطه: كلّ ما يعسر اطّلاع الرجال عليه غالبا، كالولادة والعُذرة والحيض وعيوب النساء الباطنة، كالقرن والرتق والقرحة في الفرج، دون الظاهرة كالعرج والعمى.
        مسألة 7 - كلّ موضع تقبل شهادة النساء منفردات لا يثبت بأقلّ من أربع. نعم، تقبل شهادة المرأة الواحدة بلا يمين في ربع ميراث المستهلّ وربع الوصيّة، والاثنتين في النصف، والثلاث في ثلاثة أرباع، والأربع في الجميع. ولا يلحق بها رجل واحد، ولا يثبت به أصلا.

        فروع:

        الأوّل: الشهادة ليست شرطا في شي ء من العقود والإيقاعات، إلّا الطلاق والظهار.
        الثاني: حكم الحاكم تبعٌ للشهادة؛ فإن كانت محقّقةً نفذ الحكم ظاهرا وواقعا، وإلّا نفذ ظاهرا لا واقعا. ولا يباح للمشهود له ما حكم الحاكم له مع علمه ببطلان الشهادة، سواء كان الشاهدان عالمين ببطلان شهادتهما أو معتقدين بصحّتها.
        الثالث: الأحوط وجوب تحمّل الشهادة إذا دُعي إليه من له أهليّة لذلك. والوجوب على فرضه كفائيّ لا يتعيّن عليه إلّا مع عدم غيره ممّن يقوم بالتحمّل. ولا إشكال في وجوب أداء الشهادة إذا طلبت منه. والوجوب هاهنا أيضا كفائيّ.

      • القول في الشهادة على الشهادة

         

        القول في الشهادة على الشهادة

        مسألة 1 - تقبل الشهادة على الشهادة في حقوق الناس، عقوبةً كانت كالقصاص، أو غيرها كالطلاق والنسب؛ وكذا في الأموال كالدين والقرض والغصب و عقود المعاوضات؛ وكذا ما لا يطّلع عليه الرجال غالبا كعيوب النساء الباطنة والولادة والاستهلال؛ وغير ذلك ممّا هو حقّ آدميّ.
        مسألة 2 - لا تقبل الشهادة على الشهادة في الحدود. ويلحق بها التعزيرات على الأحوط لو لم يكن الأقوى. ولو شهد شاهدان بشهادة شاهدين على السرقة لا تقطع. ولابدّ في الحدود من شهادة الأصل، سواء كانت حقّ اللّه محضا كحدّ الزنا واللواط، أو مشتركةً بينه تعالى و بين الآدميّ كحدّ القذف والسرقة.
        مسألة 3 - إنّما لا تقبل الشهادة على الشهادة في الحدود لإجراء الحدّ، وأمّا في سائر الآثار فتقبل؛ فإذا شهد الفرع بشهادة الأصل بالسرقة لا تقطع، لكن يؤخذ المال منه، وكذا يثبت بها نشر الحرمة باُمّ الموطوء واُخته وبنته، وكذا سائر مايترتّب على الواقع المشهود به غير الحدّ.
        مسألة 4 - تقبل شهادة الفرع في سائر حقوق اللّه غير الحدّ، كالزكاة والخمس وأوقاف المساجد والجهات العامّة، بل والأهلّة أيضا.
        مسألة 5 - لا تقبل شهادة فرع الفرع، كالشهادة على الشهادة على الشهادة، وهكذا.
        مسألة 6 - يعتبر في الشهادة على الشهادة ما يعتبر في شهادة الأصل من العدد والأوصاف، فلا تثبت بشهادة الواحد؛ فلو شهد على كلّ واحد اثنان أو شهد اثنان على شهادة كلّ واحد تقبل؛ وكذا لو شهد شاهد أصل وهو مع آخر على شهادة أصل آخر؛ وكذا لو شهد شاهدان على شهادة المرأة في ما جازت شهادتها.
        مسألة 7 - لا تقبل شهادة النساء على الشهادة في ما لا تقبل فيها شهادتهنّ منفردات أو منضمّات، فهل تقبل في ما تقبل شهادتهنّ كذلك؟ فيه قولان، أشبههما المنع.
        مسألة 8 - الأقوى عدم قبول شهادة الفرع إلّا لعذر يمنع حضور شاهد الأصل لإقامتها، لمرض أو مشقّة يسقط بهما وجوب حضوره، أو لغيبة كان الحضور معها حرجا ومشقّةً. ومن المنع الحبس المانع عن الحضور.
        مسألة 9 - لو شهد الفرع على شهادة الأصل فأنكر شاهد الأصل: فإن كان بعد حكم الحاكم فلا يلتفت إلى الإنكار، وإن كان قبله فهل تطرح بيّنة الفرع أو يعمل بأعدلهما ومع التساوي تطرح الشهادة؟ وجهان.

      • القول في اللواحق

         

        القول في اللواحق

        مسألة 1 - يشترط في قبول شهادة الشاهدين تواردهما على الشي ء الواحد، فإن اتّفقا حكم بهما. والميزان اتّحاد المعنى لا اللفظ؛ فإن شهد أحدهما بأنّه غصبٌ والآخر بأنّه انتزع منه قهرا أو قال أحدهما: «باع» والآخر: «ملّكه بعوض» تقبل. ولو اختلفا في المعنى لم تقبل؛ فإن شهد أحدهما بالبيع والآخر بإقراره بالبيع وكذا لو شهد أحدهما بأنّه غصبه من زيد والآخر بأنّ هذا ملكُ زيدٍ لم تردا على معنىً واحد، لأنّ الغصب منه أعمّ من كونه ملكا له.
        مسألة 2 - لو شهد أحدهما بشي ء وشهد الآخر بغيره: فإن تكاذبا سقطت الشهادتان، فلا مجال لضمّ يمين المدّعي؛ وإن لم يتكاذبا فإن حلف مع كلّ واحد يثبت المدّعى. وقيل: يصحّ الحلف مع أحدهما في صورة التكاذب أيضا. والأشبه ما ذكرناه.
        مسألة 3 - لو شهد أحدهما بأنّه سرق نصابا غدوةً والآخر بأنّه سرق نصابا عشيّةً لم يقطع ولم يحكم بردّ المال؛ وكذا لو قال الآخر: سرق هذا النصاب بعينه عشيّةً.
        مسألة 4 - لو اتّفق الشاهدان في فعل واختلفا في زمانه أو مكانه أو وصفه بما يوجب تغاير الفعلين لم تكمل شهادتهما، كما لو قال أحدهما: «سرق ثوبا في السوق» والآخر: «سرق ثوبا في البيت»، أو قال أحدهما: «سرق دينارا عراقيّا» وقال الآخر: «سرق دينارا كويتيّا»، أو قال أحدهما: «سرق دينارا غدوةً» والآخر: «عشيّةً»، فإنّه لم يقطع ولم يثبت الغرم إلّا إذا حلف المدّعي مع كلّ واحد، فإنّه يغرم الجميع. فلوتعارض شهادتهما تسقط، ولا يثبت بهما شي ء ولو مع الحلف. وكذا لو تعارضت البيّنتان سقطتا على الأشبه، كما لو شهدت إحداهما بأنّه سرق هذا الثوب أوّل زوال يوم الجمعة في النجف، وشهدت الاُخرى بأنّه سرق هذا الثوب بعينه أوّل زوال هذا اليوم بعينه في بغداد، ولا يثبت بشي ء منها القطع ولا الغرم.
        مسألة 5 - لو شهد أحدهما أنّه باع هذا الثوب أوّل الزوال في هذا اليوم بدينار وشهد آخر أنّه باعه أوّل الزوال بدينارين لم يثبت وسقطتا. وقيل: كان له المطالبة بأيّهما شاء مع اليمين. وفيه ضعفٌ. ولو شهد له مع كلّ واحد شاهدٌ آخر قيل: ثبت الديناران. والأشبه سقوطهما. وكذا لو شهد واحد بالإقرار بألف والآخر بألفين في زمان واحد سقطتا. وقيل يثبت بهما الألف، والآخر بانضمام اليمين إلى الثاني. وهو ضعيف. فالضابط أنّ كلّ مورد وقع التعارض سقط المتعارضان، بيّنةً كانا أو شهادةً واحدةً، ومع عدم التعارض عمل بالبيّنة، وتثبت مع الواحد ويمين المدّعي الدعوى.
        مسألة 6 - لو شهدا عند الحاكم وقبل أن يحكم بهما ماتا أو جُنّا أو اُغمي عليهما حكم بشهادتهما. وكذا لو شهدا ثمّ زكّيا بعد عروض تلك العوارض حكم بهما بعد التزكية. وكذا لو شهدا ثمّ فسقا أو كفرا قبل الحكم حكم بهما؛ بل لا يبعد ذلك لو شهد الأصل وحمل الفرع وكان الأصل عادلا ثمّ فسق ثمّ شهد الفرع. ولافرق في حدود اللّه تعالى وحقوق الناس في غير الفسق والكفر، وأمّا فيهما فلايثبت الحدّ في حقوق اللّه محضا كحدّ الزنا واللواط، وفي المشتركة بينه وبين العبادكالقذف والسرقة تردّدٌ. والأشبه عدم الحدّ، وأمّا في القصاص فالظاهر ثبوته.
        مسألة 7 - قالوا: لو شهدا لمن يرثانه فمات قبل الحكم فانتقل المشهود به إليهما لم يحكم به لهما بشهادتهما. وفيه تردّدٌ وإشكال. وأشكل منه ما قيل: إنّه لم يثبت بشهادتهما لشريكهما في الإرث. والوجه في ذلك ثبوت حصّة الشريك.
        مسألة 8 - لو رجع الشاهدان أو أحدهما عن الشهادة قبل الحكم وبعد الإقامة لم يحكم بها ولا غرم؛ فإن اعترفا بالتعمّد بالكذب فسقا، وإلّا فلا فسق؛ فلو رجعا عن الرجوع في الصورة الثانية فهل تقبل شهادتهما؟ فيه إشكال. فلو كان المشهود به الزنا واعترف الشهود بالتعمّد حدّوا للقذف، ولو قالوا: «أوهمنا» فلا حدّ على الأقوى.
        مسألة 9 - لو رجعا بعد الحكم والاستيفاء وتلف المشهود به لم ينقض الحكم، وعليهما الغرم. ولو رجعا بعد الحكم قبل الاستيفاء فإن كان من حدود اللّه تعالى نقض الحكم. وكذا ما كان مشتركا نحو حدّ القذف وحدّ السرقة. والأشبه عدم النقض بالنسبة إلى سائر الآثار غير الحدّ، كحرمة اُمّ الموطوء واُخته وبنته، وحرمة أكل لحم البهيمة الموطوءة، وقسمة مال المحكوم بالردّة، واعتداد زوجته. ولاينقض الحكم على الأقوى في ما عدا ما تقدّم من الحقوق. ولورجعا بعد الاستيفاء في حقوق الناس لم ينقض الحكم وإن كانت العين باقيةً على الأقوى .
        مسألة 10 - إن كان المشهود به قتلا أو جرحا موجبا للقصاص واستوفي ثمّ رجعوا: فإن قالوا: «تعمّدنا» اقتُصّ منهم، وإن قالوا: «أخطأنا» كان عليهم الدية في أموالهم، وإن قال بعضهم: «تعمّدنا» وبعضهم: «أخطأنا» فعلى المقرّ بالتعمّد القصاص وعلى المقرّ بالخطأ الدية بمقدار نصيبه، ولوليّ الدم قتل المقرّين بالعمد أجمع وردّ الفاضل عن دية صاحبه، وله قتل بعضهم ويردّ الباقون قدر جنايتهم.
        مسألة 11 - لو كان المشهود به ما يوجب الحدّ برجم أو قتل فإن استوفي ثمّ قال أحد الشهود بعد الرجم مثلاً: «كذبت متعمّداً» وصدّقه الباقون وقالوا: «تعمّدنا» كان لوليّ الدم قتلهم بعد ردّ ما فضل من دية المرجوم؛ وإن شاء قتل واحداً، وعلى الباقين تكملة ديته بالحصص بعد وضع نصيب المقتول؛ وإن شاء قتل أكثر من واحد وردّ الأولياء ما فضل من دية صاحبهم، وأكمل الباقون ما يعوز بعد وضع نصيب من قتل؛ وإن لم يصدّقه الباقون مضى إقراره على نفسه فحسب، فللوليّ قتله بعد ردّ فاضل الدية عليه، وله أخذ الدية منه بحصّته.
        مسألة 12 - لو ثبت أنّهم شهدوا بالزور نقض الحكم واستعيد المال إن أمكن، وإلّا يضمن الشهود. ولو كان المشهود به قتلاً ثبت عليهم القصاص، وكان حكمهم حكم الشهود إذا رجعوا وأقرّوا بالتعمّد. ولو باشر الوليّ القصاص واعترف بالتزوير كان القصاص عليه لا الشهود ولو أقرّ الشهود أيضاً بالتزوير؛ ويحتمل في هذه الصورة كون القصاص عليهم جميعاً. والأوّل أشبه.
        مسألة 13 - لو شهد اثنان على رجل بسرقة فقطعت يده ثمّ ثبت تزويرهما فللوليّ القصاص منهما بعد ردّ نصف الدية إليهما، ومن واحد منهما ويردّ الآخر ربع الدية إلى صاحبه. ولو رجعا في الفرض: فإن قالا: «تعمّدنا» فمثل التزوير، وإن قالا: «أوهمنا وكان السارق فلاناً غيره» أغرما ديةَ اليد، ولم يقبل شهادتهما على الآخر.
        مسألة 14 - لو شهدا بالطلاق ثمّ رجعا بعد حكم الحاكم لم ينقض حكمه؛ فإن كان الرجوع بعد دخول الزوج لم يضمنا شيئاً، وإن كان قبله ضمنا نصف مهر المسمّى. وفي هذا تردّدٌ.
        مسألة 15 - يجب أن يُشهّر شهود الزور في بلدهم أوحيّهم لتجتنب شهادتهم ويرتدع غيرهم، ويعزّرهم الحاكم بما يراه، ولا تقبل شهادتهم إلّا أن يتوبوا ويصلحوا وتظهر العدالة منهم. ولا يجري الحكم في من تبيّن غلطه أو ردّت شهادته لمعارضة بيّنة اُخرى أو ظهور فسق بغير الزور.

    • كتاب الحدود
      • الفصل الأول في حدّ الزنا
      •  

        الأوّل في حدّ الزنا

        والنظر فيه في الموجب وما يثبت به والحدّ واللواحق:

        • القول في الموجب

           

          القول في الموجب

          مسألة 1 - يتحقّق الزنا الموجب للحدّ بإدخال الإنسان ذكره الأصليّ في فرج امرأة محرّمة عليه أصالةً، من غير عقد نكاح - دائماً أو منقطعاً - ولاملكٍ من الفاعل للقابلة ولا تحليلٍ ولا شبهةٍ، مع شرائط يأتي بيانها.
          مسألة 2 - لا يتحقّق الزنا بدخول الخنثى ذكره الغير الأصليّ، ولا بالدخول المحرّم غير الأصليّ، كالدخول حال الحيض والصوم والاعتكاف، ولا مع الشبهة موضوعاً أو حكماً.
          مسألة 3 - يتحقّق الدخول بغيبوبة الحشفة قُبُلاً أو دبراً. وفي عادم الحشفة يكفي صدق الدخول عرفاً ولولم يكن بمقدار الحشفة. والأحوط في إجراء الحدّ حصوله بمقدارها، بل يُدرأ بما دونها.
          مسألة 4 - يشترط في ثبوت الحدّ على كلّ من الزاني والزانية البلوغ؛ فلا حدّ على الصغير والصغيرة. والعقل؛ فلا حدّ على المجنونة بلا شبهة، ولا على المجنون على الأصحّ. والعلم بالتحريم حال وقوع الفعل منه اجتهاداً أو تقليداً؛ فلا حدّ على الجاهل بالتحريم؛ ولو نسي الحكم يُدرأ عنه الحدّ؛ وكذا لو غفل عنه حال العمل. والاختيار؛ فلا حدّ على المكره والمكرهة. ولا شبهة في تحقّق الإكراه في طرف الرجل كما يتحقّق في طرف المرأة.
          مسألة 5 - لو تزوّج امرأةً محرّمةً عليه - كالاُمّ والمرضعة وذات البعل وزوجة الأب والابن - فوطئ مع الجهل بالتحريم فلا حدّ عليه. وكذا لا حدّ مع الشبهة، بأن اعتقد فاعله الجواز ولم يكن كذلك، أو جهل بالواقع جهالة مغتفرة، كما لو أخبرت المرأة بكونها خليّةً وكانت ذات بعل، أو قامت البيّنة على موت الزوج أو طلاقه، أو شكّ في حصول الرضاع المحرّم وكان حاصلاً. ويشكل حصول الشبهة مع الظنّ غير المعتبر؛ فضلاً عن مجرّد الاحتمال؛ فلو جهل الحكم ولكن كان ملتفتاً واحتمل الحرمة ولم يسأل فالظاهر عدم كونه شبهةً. نعم، لوكان جاهلاً قاصراً أو مقصّراً غير ملتفت إلى الحكم والسؤال فالظاهر كونه شبهةً دارئةً.
          مسألة 6 - لو عقد على محرّمة عليه - كالمحارم ونحوها - مع علمه بالحرمة لم يسقط الحدّ. وكذا لو استأجرها للوطء مع علمه بعدم الصحّة فالحدّ ثابت خلافاً للمحكيّ عن بعض أهل الخلاف. وكذا لا يشترط في الحدّ كون المسألة إجماعيّةً؛ فلو كانت اختلافيّةً لكن أدّى اجتهاده أو تقليده إلى الحرمة ثبت الحدّ. ولو خالف اجتهاد الوالي لاجتهاد المرتكب وقال الوالي بعدم الحرمة فهل له إجراء الحدّ أم لا؟ الأشبه الثاني، كما أنّه لو كان بالعكس لا حدّ عليه.
          مسألة 7 - يسقط الحدّ في كلّ موضع يتوهّم الحلّ، كمن وجد على فراشه امرأةً فتوهّم أنّها زوجته فوطئها. فلو تشبّهت امرأةٌ نفسها بالزوجة فوطئها فعليها الحدّ دون واطئها. وفي روايةٍ: يقام عليها الحدّ جهراً وعليه سرّاً. وهي ضعيفة غير معوّل عليها.
          مسألة 8 - يسقط الحدّ بدعوى كلّ ما يصلح أن يكون شبهةً بالنظر إلى المدّعي لها؛ فلو ادّعى الشبهة أحدهما أو هما مع عدم إمكانها إلّا بالنسبة إلى أحدهما سقط عنه دون صاحبه. ويسقط بدعوى الزوجيّة ما لم يعلم كذبه، ولا يكلّف اليمين ولا البيّنة.
          مسألة 9 - يتحقّق الإحصان الّذي يجب معه الرجم باستجماع اُمور:
          الأوّل: الوطء بأهله في القبل. وفي الدبر لا يوجبه على الأحوط؛ فلو عقد وخلا بها خلوةً تامّةً أو جامعها في ما بين الفخذين أو بما دون الحشفة أو مادون قدرها في المقطوعة مع الشكّ في حصول الدخول لم يكن محصناً ولا المرأة محصنةً. والظاهر عدم اشتراط الإنزال؛ فلو التقى الختانان تحقّق. ولا يشترط سلامة الخصيتين.
          الثاني: أن يكون الواطئ بأهله بالغاً على الأحوط؛ فلا إحصان مع إيلاج الطفل وإن كان مراهقاً، كما لا تحصن المرأة بذلك؛ فلو وطئها وهو غير بالغ ثمّ زنى بالغاً لم يكن محصناً على الأحوط ولو كانت الزوجيّة باقيةً مستمرّةً.
          الثالث: أن يكون عاقلاً حين الدخول بزوجته على الأحوط فيه؛ فلو تزوّج في حال صحّته ولم يدخل بها حتّى جُنّ ثمّ وطئها حال الجنون لم يتحقّق الإحصان على الأحوط.
          الرابع: أن يكون الوطء في فرج مملوك له بالعقد الدائم الصحيح أو ملك اليمين؛ فلا يتحقّق الإحصان بوطء الزنا ولا الشبهة؛ وكذا لا يتحقّق بالمتعة؛ فلو كان عنده متعة يروح ويغدو عليها لم يكن محصناً.
          الخامس: أن يكون متمكّناً من وطء الفرج يغدو عليه ويروح إذا شاء؛ فلو كان بعيداً وغائباً لا يتمكّن من وطئها فهو غير محصن. وكذا لو كان حاضراً لكن غير قادر لمانع - من حبسه أو حبس زوجته، أو كونها مريضةً لا يمكن له وطؤها، أو منعه ظالم عن الاجتماع بها - ليس محصناً.
          السادس: أن يكون حرّاً.
          مسألة 10 - يعتبر في إحصان المرأة ما يعتبر في إحصان الرجل؛ فلا ترجم لو لم يكن معها زوجها يغدو عليها ويروح، ولا ترجم غير المدخول بها، ولا غير البالغة ولا المجنونة ولا المتعة.
          مسألة 11 - الطلاق الرجعيّ لا يوجب الخروج عن الإحصان؛ فلو زنى أو زنت في الطلاق الرجعيّ كان عليهما الرجم. ولو تزوّجت عالمةً كان عليها الرجم.وكذا الزوج الثاني إن علم بالتحريم والعدّة .ولو جهل بالحكم أو بالموضوع فلا حدّ. ولو علم أحدهما فعليه الرجم دون الجاهل. ولو ادّعى أحدهما الجهل بالحكم قُبل منه إن أمكن الجهل في حقّه، ولو ادّعى الجهل بالموضوع قُبل كذلك.
          مسألة 12 - يخرج المرء وكذا المرأة عن الإحصان بالطلاق البائن كالخلع والمباراة. ولو راجع المخالع ليس عليه الرجم إلّا بعد الدخول.
          مسألة 13 - لا يشترط في الإحصان الإسلام في أحد منهما، فيحصن النصرانيّ النصرانيّة وبالعكس، والنصرانيّ اليهوديّة وبالعكس؛ فلو وطئ غير مسلم زوجته الدائمة ثمّ زنى يرجم. ولا يشترط صحّة عقدهم إلّا عندهم؛ فلو صحّ عندهم وبطل عندنا كفى في الحكم بالرجم.
          مسألة 14 - لو ارتدّ المحصن عن فطرة خرج عن الإحصان، لبينونة زوجته منه. ولو ارتدّ عن ملّة: فإن زنى بعد عدّة زوجتها ليس محصناً، وإلّا فهو محصن.(1)
          مسألة 15 - يثبت الحدّ - رجماً أو جلداً - على الأعمى. ولو ادّعى الشبهة مع احتمالها في حقّه فالأقوى القبول. وقيل: لا تقبل منه، أو لا تقبل إلاّ أن يكون عدلاً، أو لا تقبل إلّا مع شهادة الحال بما ادّعاه. والكلّ ضعيف.
          مسألة 16 - في التقبيل والمضاجعة والمعانقة وغير ذلك من الاستمتاعات دون الفرج تعزير ولا حدّ لها، كما لا تحديد في التعزير، بل هو منوط بنظر الحاكم على الأشبه.


          1- هكذا في جميع الطبعات، والصحيح: «زوجته».

        • القول في ما يثبت به

           

          القول في ما يثبت به

          مسألة 1 - يثبت الزنا بالإقرار. ويشترط فيه بلوغ المقرّ وعقله واختياره وقصده؛ فلا عبرة بإقرار الصبيّ وإن كان مراهقاً، ولا بإقرار المجنون حال جنونه، ولا بإقرار المكره، ولا بإقرار السكران والساهي والغافل والنائم والهازل ونحوهم.
          مسألة 2 - لابدّ وأن يكون الإقرار صريحاً أو ظاهراً لا يقبل معه الاحتمال العقلائيّ. ولابدّ من تكراره أربعاً. وهل يعتبر أن يكون الأربع في أربعة مجالس، أو يكفي الأربع ولوكان في مجلس واحد؟ فيه خلاف، أقربه الثبوت. والأحوط اعتبار أربعة مجالس. ولو أقرّ دون الأربعة لا يثبت الحدّ. والظاهر أنّ للحاكم تعزيره. ويستوي في كلّ ما ذكر الرجل والمرأة. وإشارة الأخرس المفهمة للمقصود تقوم مقام النطق. ولو احتاجت إلى الترجمان يكفي فيه شاهدان عادلان.
          مسألة 3 - لو قال: «زنيت بفلانة العفيفة» لم يثبت الزنا الموجب للحدّ في طرفه إلّا إذا كرّرها أربعاً. وهل يثبت القذف بذلك للمرأة؟ فيه تردّدٌ. والأشبه العدم. نعم، لو قال: «زنيت بها وهي أيضاً زانية بزنائي» فعليه حدّ القذف .
          مسألة 4 - من أقرّ على نفسه بما يوجب الحدّ ولم يعيّن لا يكلّف بالبيان، بل يجلد حتّى يكون هو الّذي ينهى عن نفسه. به وردت رواية صحيحة، ولا بأس بالعمل بها. وقيّده قوم بأن لا يزيد على المائة، وبعض بأن لا ينقص عن ثمانين.
          مسألة 5 - لو أقرّ بما يوجب الرجم ثمّ أنكر سقط الرجم. ولو أقرّ بما لايوجبه لم يسقط بالإنكار. والأحوط إلحاق القتل بالرجم؛ فلو أقرّ بما يوجب القتل ثمّ أنكر لم يحكم بالقتل.
          مسألة 6 - لو أقرّ بما يوجب الحدّ ثمّ تاب كان للإمام (عليه السلام) عفوه أو إقامة الحدّ عليه، رجماً كان أو غيره. ولا يبعد ثبوت التخيير لغير إمام الأصل من نوّابه.
          مسألة 7 - لوحملت المرأة الّتي لا بعل لها لم تحدّ إلّا مع الإقرار بالزنا أربعاً أو تقوم البيّنة على ذلك. وليس على أحد سؤالها ولا التفتيش عن الواقعة.
          مسألة 8 - لو أقرّ أربعاً أنّه زنى بامرأة حُدّ دونها وإن صرّح بأنّها طاوعته على الزنا. وكذا لو أقرّت أربعاً بأنّه زنى بي وأنا طاوعته حُدّت دونه. ولو ادّعى أربعاً أنّه وطئ امرأةً ولم يعترف بالزنا لا يثبت عليه حدّ وإن ثبت أنّ المرأة لم تكن زوجته. ولو ادّعى في الفرض أنّها زوجته وأنكرت هي الوطء والزوجيّة لم يثبت عليه حدّ ولا مهر. ولو ادّعت أنّه أكرهها على الزنا أو تشبّه عليها فلا حدّ على أحد منهما.
          مسألة 9 - يثبت الزنا بالبيّنة. ويعتبر أن لا تكون أقلّ من أربعة رجال أو ثلاثة رجال وامرأتين. ولا تقبل شهادة النساء منفردات، ولا شهادة رجل وستّ نساء فيه، ولا شهادة رجلين وأربع نساء في الرجم. ويثبت بها الحدّ دون الرجم على الأقوى. ولو شهد مادون الأربعة وما في حكمها لم يثبت الحدّ رجماً ولا جلداً، بل حُدّوا للفرية.
          مسألة 10 - لابدّ في شهادة الشهود على الزنا من التصريح أو نحوه على مشاهدة الولوج في الفرج كالميل في المكحلة أو الإخراج منه، من غير عقد ولاملك ولا شبهة ولا إكراه. وهل يكفي أن يقولوا: لا نعلم بينهما سبباً للتحليل؟ قيل: نعم. والأشبه لا. وفي كفاية الشهادة مع اليقين وإن لم يبصربه وجه لا يخلو من شبهة في المقام.
          مسألة 11 - تكفي الشهادة على نحو الإطلاق، بأن يشهد الشهود أنّه زنى وأولج كالميل في المكحلة من غير ذكر زمان أو مكان أو غيرهما، لكن لو ذكروا الخصوصيّات واختلف شهادتهم فيها - كأن شهد أحدهم بأنّه زنى يوم الجمعة والآخر بأنّه يوم السبت، أو شهد بعضهم أنّه زنى في مكان كذا والآخر في مكان غيره، أو بفلانة والآخر بغيرها - لم تسمع شهادتهم ولا يحدّ، ويحدّ الشهود للقذف. ولو ذكر بعضهم خصوصيّةً وأطلق بعضهم فهل يكفي ذلك أو لابدّ مع ذكر أحدهم الخصوصيّة أن يذكرها الباقون؟ فيه إشكال والأحوط لزومه.
          مسألة 12 - لو حضر بعض الشهود وشهد بالزنا في غيبة بعض آخر حُدّ من شهد للفرية، ولم ينتظر مجي ء البقيّة لإتمام البيّنة؛ فلو شهد ثلاثة منهم على الزنا وقالوا: «لنا رابع سيجي ء» حُدّوا. نعم، لايجب أن يكونوا حاضرين دفعةً؛ فلو شهد واحد وجاء الآخر بلا فصل فشهد وهكذا ثبت الزنا، ولا حدّ على الشهود. ولايعتبر تواطؤهم على الشهادة؛ فلو شهد الأربعة بلا علم منهم بشهادة السائرين تمّ النصاب وثبت الزنا. ولو شهد بعضهم بعد حضورهم جميعاً للشهادة ونكل بعض يحدّ من شهد للفرية.
          مسألة 13 - لو شهد أربعةٌ بالزنا وكانوا غير مرضيّين كلّهم أو بعضهم -كالفسّاق- حُدّوا للقذف. وقيل: إن كان ردّ الشهادة لأمر ظاهر كالعمى والفسق الظاهر حُدّوا، وإن كان الردّ لأمر خفيّ كالفسق الخفيّ لا يحدّ إلّا المردود. ولو كان الشهود مستورين ولم يثبت عدالتهم ولا فسقهم فلا حدّ عليهم للشبهة.
          مسألة 14 - تقبل شهادة الأربعة على الاثنين فمازاد؛ فلو قالوا: «إنّ فلاناً وفلاناً زنيا» قُبل منهم وجرى عليهما الحدّ.
          مسألة 15 - إذا كملت الشهادة ثبت الحدّ. ولا يسقط بتصديق المشهود عليه مرّةً أو مرّات دون الأربع، خلافاً لبعض أهل الخلاف. وكذا لا يسقط بتكذيبه.
          مسألة 16 - يسقط الحدّ لو تاب قبل قيام البيّنة - رجماً كان أو جلداً - ولايسقط لو تاب بعده. وليس للامام (عليه السلام) أن يعفو بعد قيام البيّنة، وله العفو بعد الإقرار كما مرّ. ولو تاب قبل الإقرار سقط الحدّ.

        • القول في الحدّ
          • المقام الأول في أقسامه

             

            الأوّل في أقسامه

            للحدّ أقسام:
            الأوّل: القتل؛ فيجب على من زنى بذات محرم للنسب كالاُمّ والبنت والاُخت وشبهها. ولا يلحق ذات محرم للرضاع بالنسب على الأحوط لو لم يكن الأقوى. وهل تُلحق الاُمّ والبنت ونحوهما من الزنا بالشرعيّ منها؟ فيه تردّدٌ، والأحوط عدم الإلحاق. والأحوط عدم إلحاق المحارم السببيّة - كبنت الزوجة واُمّها- بالنسبيّة. نعم، الأقوى إلحاق امرأة الأب بها، فيقتل بالزنا بها. ويقتل الذمّيّ إذا زنى بمسلمة مطاوعة أو مكرهة، سواء كان على شرائط الذمّة أم لا. والظاهر جريان الحكم في مطلق الكفّار؛ فلو أسلم هل يسقط عنه الحدّ أم لا؟ فيه إشكال وإن لايبعد عدم السقوط. وكذا يقتل من زنى بامرأة مكرهاً لها.
            مسألة 1 - لا يعتبر في المواضع المتقدّمة الإحصان، بل يقتل محصناً كان أوغير محصن. ويتساوى الشيخ والشابّ والمسلم والكافر والحرّ والعبد. وهل يجلد الزاني المحكوم بقتله في الموارد المتقدّمة ثمّ يقتل، فيجمع فيها بين الجلد والقتل؟ الأوجه عدم الجمع وإن كان في النفس تردّدٌ في بعض الصور.
            الثاني: الرجم فقط؛ فيجب على المحصن إذا زنى ببالغة عاقلة، وعلى المحصنة إذا زنت ببالغ عاقل إن كانا شابّين. وفي قول معروف: يجمع في الشابّ والشابّة بين الجلد والرجم. والأقرب الرجم فقط.
            مسألة 2 - لو زنى البالغ العاقل المحصن بغير البالغة أو بالمجنونة فهل عليه الرجم أم الحدّ دون الرجم؟ وجهان، لا يبعد ثبوت الرجم عليه. ولو زنى المجنون بالعاقلة البالغة مع كونها مطاوعةً فعليها الحدّ كاملةً من رجم أو جلد، وليس على المجنون حدّ على الأقوى.
            الثالث: الجلد خاصّة. وهو ثابت على الزاني غير المحصن إذا لم يملك، أي لم يزوّج؛ وعلى المرأة العاقلة البالغة إذا زنى بها طفلٌ، كانت محصنةً أو لا؛ وعلى المرأة غير المحصنة إذا زنت.
            الرابع: الجلد والرجم معاً. وهما حدّ الشيخ والشيخة إذا كانا محصنين، فيجلدان أوّلاً ثمّ يرجمان.
            الخامس: الجلد والتغريب والجزّ. وهي حدّ البكر. وهو الّذي تزوّج ولم يدخل بها على الأقرب.
            مسألة 3 - الجزّ: حلق الرأس. ولا يجوز حلق لحيته ولا حلق حاجبه. والظاهر لزوم حلق جميع رأسه. ولا يكفي حلق شعر الناصية.
            مسألة 4 - حدّ النفي سنة من البلدة الّتي جلد فيها. وتعيين البلد مع الحاكم. ولو كانت بلدة الحدّ غير وطنه لا يجوز النفي منها إلى وطنه، بل لابدّ من أن يكون إلى غير وطنه. ولو حدّه في فلاة لا يسقط النفي، فينفيه إلى غير وطنه. ولا فرق في البلد بين كونه مصراً أو قريةً.
            مسألة 5 - في تكرّر الزنا مرّتين أو مرّات - في يوم واحد أو أيّام متعدّدة بامرأة واحدة أو متعدّدة - حدّ واحد مع عدم إقامة الحدّ في خلالها. هذا إذا اقتضى الزنا المتكرّر نوعاً واحداً من الحدّ كالجلد مثلاً. وأمّا إن اقتضى حدوداً مختلفة -كأن يقتضي بعضه الجلد خاصّة وبعضه الجلد والرجم أو الرجم - فالظاهر تكراره بتكرار سببه.
            مسألة 6 - لو تكرّر من الحرّ غير المحصن - ولو كان امرأةً - فاُقيم عليه الحدّ ثلاث مرّات قتل في الرابعة. وقيل: قتل في الثالثة بعد إقامة الحدّ مرّتين. وهو غير مرضيّ.
            مسألة 7 - قالوا: الحاكم بالخيار في الذمّيّ بين إقامة الحدّ عليه وتسليمه إلى أهل نحلته وملّته ليقيموا الحدّ على معتقدهم. والأحوط إجراء الحدّ عليه. هذا إذا زنى بالذمّيّة أو الكافرة، وإلّا فيجري عليه الحدّ بلا إشكال.
            مسألة 8 - لا يقام الحدّ رجماً ولا جلداً على الحامل - ولو كان حمله من الزنا- حتّى تضع حملها وتخرج من نفاسها إن خيف في الجلد الضرر على ولدها، وحتّى ترضع ولدها إن لم يكن له مرضعة - ولو كان جلداً - إن خيف الإضرار برضاعها. ولو وجد له كافل يجب عليها الحدّ مع عدم الخوف عليه.
            مسألة 9 - يجب الحدّ على المريض ونحوه - كصاحب القروح والمستحاضة- إذا كان رجماً أو قتلاً. ولا يجلد أحدهم إذا لم يجب القتل أو الرجم خوفاً من السراية، وينتظر البرء. ولو لم يتوقّع البرء أو رأى الحاكم المصلحة في التعجيل ضربهم بالضغث المشتمل على العدد من سياط أو شماريخ ونحوهما. ولايعتبر وصول كلّ سوط أو شمراخ إلى جسده، فيكفي التأثير بالاجتماع وصدق مسمّى الضرب بالشماريخ مجتمعاً. ولو برئ قبل الضرب بالضغث حُدّ كالصحيح، وأمّا لو برئ بعده لم يعد. ولا يؤخّر حدّ الحائض. والأحوط التأخير في النفساء.
            مسألة 10 - لا يسقط الحدّ باعتراض الجنون أو الارتداد؛ فإن أوجب على نفسه الحدّ وهو صحيح - لا علّة به من ذهاب عقل - ثمّ جُنّ اُقيم عليه الحدّ رجماً أو جلداً. ولو ارتكب المجنون الأدواريّ ما يوجبه في دور إفاقته وصحّته اُقيم عليه الحدّ ولو في دور جنونه، ولا ينتظر به الإفاقة. ولا فرق بين أن يحسّ بالألم حال الجنون أو لا.
            مسألة 11 - لا يقام الحدّ إذا كان جلداً في الحرّ الشديد ولا البرد الشديد؛ فيتوخّى به في الشتاء وسط النهار، وفي الصيف في ساعة برده، خوفاً من الهلاك أو الضرر زائداً على ما هو لازم الحدّ. ولا يقام في أرض العدوّ ولا في الحرم على من التجأ إليه، لكن يضيّق عليه في المطعم والمشرب ليخرج. ولو أحدث موجب الحدّ في الحرم يقام عليه فيه.

          • المقام الثاني في كيفية ايقاعه

             

            المقام الثاني في كيفيّة إيقاعه

            مسألة 1 - إذا اجتمع على شخص حدود بُدئ بما لا يفوت معه الآخر؛ فلو اجتمع الجلد والرجم عليه جُلد أوّلاً ثمّ رُجم؛ ولو كان عليه حدّ البكر والمحصن فالظاهر وجوب كون الرجم بعد التغريب على إشكال. ولا يجب توقّع برء جلده في ما اجتمع الجلد والرجم، بل الأحوط عدم التأخير.
            مسألة 2 - يدفن الرجل للرجم إلى حقويه لا أزيد، والمرأة إلى وسطها فوق الحقوة تحت الصدر؛ فإن فرّ أو فرّت من الحفيرة ردّا إن ثبت الزنا بالبيّنة. وإن ثبت بالإقرار: فإن فرّا بعد إصابة الحجر ولو واحداً لم يردّا، وإلّا ردّا. وفي قول مشهور إن ثبت بالإقرار لا يردّ مطلقاً. وهو أحوط. هذا في الرجم. وأمّا في الجلد فالفرار غير نافع فيه، بل يردّ ويحدّ مطلقاً.
            مسألة 3 - إذا أقرّ الزاني المحصن كان أوّل من يرجمه الإمام (عليه السلام) ثمّ الناس.وإذا قامت عليه البيّنة كان أوّل من يرجمه البيّنة، ثمّ الإمام(عليه السلام)، ثمّ الناس.
            مسألة 4 - يجلد الرجل الزاني قائماً مجرّداً من ثيابه إلّا ساتر عورته، ويضرب أشدّ الضرب، ويفرّق على جسده من أعالي بدنه إلى قدمه، ولكن يتّقى رأسه ووجهه وفرجه. وتضرب المرأة جالسةً، وتربط عليها ثيابها. ولو قتله أو قتلها الحدّ فلا ضمان.
            مسألة 5 - ينبغي للحاكم إذا أراد إجراء الحدّ أن يُعلم الناس ليجتمعوا على حضوره؛ بل ينبغي أن يأمرهم بالخروج لحضور الحدّ. والأحوط حضور طائفة من المؤمنين ثلاثة أو أكثر. وينبغي أن يكون الأحجار صغاراً، بل هو الأحوط. ولايجوز بما لا يصدق عليه الحجر كالحصى، ولا بصخرة كبيرة تقتله بواحدة أو اثنتين. والأحوط أن لايقيم عليه الحدّ من كان على عنقه حدّ، سيّما إذا كان ذنبه مثل ذنبه. ولو تاب عنه بينه وبين اللّه جاز إقامته وإن كان الأقوى الكراهة مطلقاً. ولا فرق في ذلك بين ثبوت الزنا بالإقرار أو البيّنة.
            مسألة 6 - إذا اُريد رجمه يأمره الإمام (عليه السلام) أو الحاكم أن يغتسل غسل الميّت بماء السدر ثمّ ماء الكافور ثمّ القراح، ثمّ يكفّن كتكفين الميّت، يلبس جميع قطعه، ويحنّط قبل قتله كحنوط الميّت، ثمّ يرجم فيصلّى عليه، ويدفن بلا تغسيل في قبور المسلمين. ولا يلزم غسل الدم من كفنه. ولو أحدث قبل القتل لا يلزم إعادة الغسل. ونيّة الغسل من المأمور. والأحوط نيّة الآمر أيضاً.

        • القول في اللواحق

           

          القول في اللواحق

          وفيها مسائل:
          مسألة 1 - إذا شهد الشهود بمقدار النصاب على امرأة بالزنا قُبُلاً فادّعت أنّها بكرٌ وشهد أربع نساء عدول بذلك يقبل شهادتهنّ ويُدرأ عنها الحدّ؛ بل الظاهر أنّه لو شهدوا بالزنا من غير قيد بالقُبُل ولا الدبر فشهدت النساء بكونها بكراً يُدرأ الحدّ عنها؛ فهل تحدّ الشهود للفرية أم لا؟ الأشبه الثاني. وكذا يسقط الحدّ عن الرجل لو شهد الشهود بزناه بهذه المرأة، سواء شهدوا بالزنا قبلاً أو أطلقوا فشهدت النساء بكونها بكراً.
          نعم، لو شهدوا بزناه دبراً ثبت الحدّ. ولا يسقط بشهادة كونها بكراً. ولو ثبت علماً - بالتواتر ونحوه - كونها بكراً وقد شهد الشهود بزناها قبلاً أو زناه معها كذلك فالظاهر ثبوت حدّ الفرية، إلّا مع احتمال تجديد البكارة وإمكانه. ولو ثبت جبّ الرجل المشهود عليه بالزنا في زمان لا يمكن حدوث الجبّ بعده دُرئ عنه الحدّ وعن المرأة الّتي شهدوا أنّه زنى بها، وحُدّ الشهود للفرية إن ثبت الجبّ علماً، وإلّا فلا يحدّ.
          مسألة 2 - لا يشترط حضور الشهود عند إقامة الحدّ رجماً أو جلداً؛ فلايسقط الحدّ لو ماتوا أو غابوا. نعم، لو فرّوا لا يبعد السقوط للشبهة الدارئة. ويجب عقلاً على الشهود حضورهم موضع الرجم مقدّمةً لوجوب بدئهم بالرجم، كما يجب على الإمام (عليه السلام) أو الحاكم الحضور ليبدأ بالرجم إذا ثبت بالإقرار، ويأتي به بعد الشهود إذا ثبت بالبيّنة.
          مسألة 3 - إذا شهد أربعة أحدهم الزوج بالزنا فهل تقبل وترجم المرأة أو يلاعن الزوج ويجلد الآخرون للفرية؟ قولان وروايتان، لا يبعد ترجيح الثاني على إشكال.
          مسألة 4 - للحاكم أن يحكم بعلمه في حقوق اللّه وحقوق الناس؛ فيجب عليه إقامة حدود اللّه تعالى لو علم بالسبب، فيحدّ الزاني كما يجب عليه مع قيام البيّنة والإقرار، ولا يتوقّف على مطالبة أحد؛ وأمّا حقوق الناس فتقف إقامتها على المطالبة حدّاً كان أو تعزيراً، فمع المطالبة له العمل بعلمه.
          مسألة 5 - من افتضّ بكراً حرّةً بإصبعه لزمه مهر نسائها، ويعزّره الحاكم بما رأى .
          مسألة 6 - من زنى في زمان شريف كشهر رمضان والجُمع والأعياد أو مكان شريف كالمسجد والحرم والمشاهد المشرّفة عوقب زيادةً على الحدّ. وهو بنظر الحاكم. وتلاحظ الخصوصيّات في الأزمنة والأمكنة، أو اجتماع زمان شريف مع مكان شريف، كمن ارتكب - والعياذ باللّه - في ليلة القدر المصادفة للجمعة في المسجد، أو عند الضرائح المعظّمة من المشاهد المشرّفة.
          مسألة 7 - لا كفالة في حدّ، ولا تأخير فيه مع عدم عذر كحبل أو مرض، ولاشفاعة في إسقاطه.

      • الفصل الثاني في اللواط والسحق والقيادة

         

        الفصل الثاني في اللواط والسحق والقيادة

        مسألة 1 - اللواط: وطء الذكران من الآدميّ بإيقاب وغيره. وهو لا يثبت إلّا بإقرار الفاعل أو المفعول أربع مرّات، أو شهادة أربعة رجال بالمعاينة مع جامعيّتهم لشرائط القبول.
        مسألة 2 - يشترط في المقرّ - فاعلاً كان أو مفعولاً - البلوغ وكمال العقل والحرّيّة والاختيار والقصد؛ فلا عبرة بإقرار الصبيّ والمجنون والعبد والمكره والهازل.
        مسألة 3 - لو أقرّ دون الأربع لم يحدّ، وللحاكم تعزيره بمايرى . ولو شهد بذلك دون الأربعة لم يثبت، بل كان عليهم الحدّ للفرية. ولا يثبت بشهادة النساء منفردات أو منضمّات. والحاكم يحكم بعلمه إماماً كان أو غيره.
        مسألة 4 - لو وطئ فأوقب ثبت عليه القتل وعلى المفعول، إذا كان كلّ منهما بالغاً عاقلاً مختاراً. ويستوي فيه المسلم والكافر والمحصن وغيره. ولو لاط البالغ العاقل بالصبيّ موقباً قُتل البالغ واُدّب الصبيّ. وكذا لو لاط البالغ العاقل موقباً بالمجنون، ومع شعور المجنون أدّبه الحاكم بما يراه. ولو لاط الصبيّ بالصبيّ اُدّبا معاً. ولو لاط مجنون بعاقل حُدّ العاقل دون المجنون. ولو لاط صبيّ ببالغ حُدّ البالغ واُدّب الصبيّ. ولو لاط الذمّيّ بمسلم قُتل وإن لم يوقب. ولو لاط ذمّيّ بذمّيّ قيل: كان الإمام (عليه السلام) مخيّراً بين إقامة الحدّ عليه وبين دفعه إلى أهل ملّته ليقيموا عليه حدّهم. والأحوط لولم يكن الأقوى إجراء الحدّ عليه.
        مسألة 5 - الحاكم مخيّر في القتل بين ضرب عنقه بالسيف، أو إلقائه من شاهق - كجبل ونحوه - مشدود اليدين والرجلين، أو إحراقه بالنار، أو رجمه، وعلى قول: أو إلقاء جدار عليه، فاعلاً كان أو مفعولاً. ويجوز الجمع بين سائر العقوبات والإحراق، بأن يُقتل ثمّ يحرق.
        مسألة 6 - إذا لم يكن الإتيان إيقاباً - كالتفخيذ أو بين الأليتين - فحدّه مائة(1) جلدة، من غير فرق بين المحصن وغيره والكافر والمسلم، إذا لم يكن الفاعل كافراً والمفعول مسلماً، وإلّا قتل كما مرّ. ولو تكرّر منه الفعل وتخلّله الحدّ قُتل في الرابعة، وقيل: في الثالثة. والأوّل أشبه.
        مسألة 7 - المجتمعان تحت إزار واحديعزّران، إذا كانامجرّدين ولم يكن بينهما رحمٌ و لا تقتضي ذلك ضرورةٌ. والتعزير بنظر الحاكم. والأحوط في المقام الحدّ إلّا سوطاً. وكذا يعزّر من قبّل غلاماً بشهوة، بل أو رجلاً أو امرأةً صغيرةً أو كبيرةً.
        مسألة 8 - لو تاب اللائط - إيقاباً أو غيره - قبل قيام البيّنة سقط الحدّ، ولوتاب بعده لم يسقط. ولو كان الثبوت بإقراره فتاب فللإمام 7 العفو والإجراء، وكذا لنائبه على الظاهر.
        مسألة 9 - يثبت السحق وهو وطء المرأة مثلها بما يثبت به اللواط. وحدّه مأة جلدة بشرط البلوغ والعقل والاختيار، محصنةً كانت أم لا. وقيل في المحصنة الرجم. والأشبه الأوّل. ولا فرق بين الفاعلة والمفعولة، ولا الكافرة والمسلمة.
        مسألة 10 - إذا تكرّرت المساحقة مع تخلّلها الحدّ قتلت في الرابعة. ويسقط الحدّ بالتوبة قبل قيام البيّنة، ولا يسقط بعده. ولو ثبتت بالإقرار فتابت يكون الإمام 7 مخيرّاً كما في اللواط. والظاهر أنّ نائبه مخيّر أيضاً.
        مسألة 11 - الأجنبيّتان إذا وجدتا تحت إزار واحد مجرّدتين عزّرت كلّ واحدة دون الحدّ. والأحوط مائة إلّا سوطاً.
        مسألة 12 - إن تكرّر الفعل منهما والتعزير مرّتين اُقيم عليهما الحدّ. ولو عادتا بعد الحدّ فالأحوط التعزير مرّتين والحدّ في الثالثة. وقيل: تقتلان. وقيل تقتلان في التاسعة أو الثانية عشر. والأشبه ما تقدّم.
        مسألة 13 - لو وطئ زوجته فساحقت بكراً فحملت البكر فالولد للواطئ صاحب الماء. وعلى الصبيّة الجلد مائة بعد وضعها إن كانت مطاوعةً. والولد يلحق بها أيضاً. ولها بعد رفع العُذرة مهر مثل نسائها. وأمّا المرأة فقد ورد أنّ عليها الرجم. وفيه تأمّل. والأحوط الأشبه فيها الجلد مائة.
        مسألة 14 - تثبت القيادة - وهي الجمع بين الرجل والمرأة أو الصبيّة للزنا أو الرجل بالرجل أو الصبيّ للّواط - بالإقرار مرّتين. وقيل: مرّة. والأوّل أشبه. ويعتبر في الإقرار بلوغ المقرّ وعقله واختياره وقصده؛ فلا عبرة بإقرار الصبيّ والمجنون والمكره والهازل ونحوه. وتثبت أيضاً بشهادة شاهدين عدلين.
        مسألة 15 - يُحدّ القوّاد خمس وسبعون جلداً ثلاثة أرباع حدّ الزاني، ويُنفى من البلد إلى غيره. والأحوط أن يكون النفي في المرّة الثانية. وعلى قول مشهور يحلق رأسه ويشهّر. ويستوي فيه المسلم والكافر والرجل والمرأة، إلّا أنّه ليس في المرأة إلّا الجلد؛ فلا حلق ولا نفي ولا شهرة عليها. ولا يبعد أن يكون حدّ النفي بنظر الحاكم.


        1- هكذا في جميع الطبعات. والصحيح: «الأليين».

      • الفصل الثالث في حدّ القذف
      •  

        الفصل الثالث في حدّ القذف

        والنظر فيه في الموجب والقاذف والمقذوف والأحكام.

        • القول في الموجب

           

          القول في الموجب

          مسألة 1 - موجب الحدّ الرمي بالزنا أو اللواط. وأمّا الرمي بالسحق وسائر الفواحش فلا يوجب حدّ القذف. نعم، للإمام (عليه السلام) تعزير الرامي.
          مسألة 2 - يعتبر في القذف أن يكون بلفظ صريح أو ظاهر معتمد عليه، كقوله: «أنت زنيت» أو «... لطت» أو «أنت زانٍ» أو «...لائط» أو «ليط بك» أو «أنت منكوح في دبرك» أو «يا زاني» «يا لاطئ» ونحو ذلك ممّا يؤدّي المعنى صريحاً أو ظاهراً معتمداً عليه؛ وأن يكون القائل عارفاً بما وضع له اللفظ ومفاده في اللغة الّتي يتكلّم بها؛ فلو قال عجميّ أحدَ الألفاظ المذكورة مع عدم علمه بمعناها لم يكن قاذفاً، ولا حدّ عليه ولو علم المخاطب؛ وعلى العكس لو قاله العارف باللغة لمن لم يكن عارفاً فهو قاذف وعليه الحدّ.
          مسألة 3 - لو قال لولده الّذي ثبت كونه ولده بإقرار منه أو بوجه شرعيّ: «لست بولدي» فعليه الحدّ؛ وكذا لو قال لغيره الّذي ثبت بوجه شرعي أنّه ولد زيد: «لست بولد زيد» أو «أنت ولد عمرو». نعم، لو كان في أمثال ذلك قرينة على عدم إرادة القذف ولو للتعارف فليس عليه الحدّ؛ فلو قال: «أنت لست بولدي» مريداً به ليس فيك ما يتوقّع منك أو «أنت لست بابن عمرو» مريداً به ليس فيك شجاعته -مثلاً- فلا حدّ عليه ولا يكون قذفاً.
          مسألة 4 - لو قال: «يا زوج الزانية» أو «يا اُخت الزانية» أو «يابن الزانية» أو «زنت اُمّك» وأمثال ذلك فالقذف ليس للمخاطب، بل لمن نسب إليه الزنا؛ وكذا لو قال: «يابن اللاطئ» أو «يابن الملوط» أو «يا أخ اللاطئ» أو «يا أخ الملوط» -مثلاً- فالقذف لمن نسب إليه الفاحشة لا للمخاطب. نعم، عليه التعزير بالنسبة إلى إيذاء المخاطب وهتكه في ما لا يجوز له ذلك.
          مسألة 5 - لو قال: «ولدتك اُمّك من الزنا» فالظاهر عدم ثبوت الحدّ، فإنّ المواجه لم يكن مقذوفاً. ويحتمل انفراد الأب بالزنا أو الاُمّ بذلك، فلا يكون القذف لمعيّن؛ ففي مثله تحصل الشبهة الدارئة، ويحتمل ثبوت الحدّ مع مطالبة الأبوين. وكذا لو قال: «أحدكما زانٍ» فإنّه يحتمل الدرء، ويحتمل الحدّ بمطالبتهما.
          مسألة 6 - لو قال: «زنيت أنت بفلانة» أو «لطت بفلان» فالقذف للمواجه دون المنسوب إليه على الأشبه. وقيل: عليه حدّان.
          مسألة 7 - لو قال لابن الملاعنة: «يابن الزانية» أو لها «يا زانية» فعليه الحدّ لها. ولو قال لامرأة: «زنيت أنا بفلانة» أو «زنيت بك» فالأشبه عدم الحدّ لها، ولو أقرّ بذلك أربع مرّات يحدّ حدّ الزاني.
          مسألة 8 - كلّ فحشٍ نحو «يا ديّوث» أو تعريضٍ بما يكرهه المواجه ولم يفد القذف في عرفه ولغته يثبت به التعزير لا الحدّ، كقوله: «أنت ولد حرام» أو «يا ولد الحرام» أو «يا ولد الحيض» أو يقول لزوجته: «ما وجدتك عذراء» أو يقول: «يافاسق» «يافاجر» «يا شارب الخمر» وأمثال ذلك ممّا يوجب الاستخفاف بالغير ولم يكن الطرف مستحقّاً ففيه التعزير لا الحدّ، ولو كان مستحقّاً فلا يوجب شيئاً.

        • القول في القاذف والمقذوف

           

          القول في القاذف والمقذوف

          مسألة 1 - يعتبر في القاذف البلوغ والعقل؛ فلو قذف الصبيّ لم يحدّ وإن قذف المسلم البالغ العاقل. نعم، لو كان مميّزاً يؤثّر فيه التأديب اُدّب على حسب رأي الحاكم؛ وكذا المجنون. وكذا يعتبر فيه الاختيار؛ فلو قذف مكرهاً لا شي ء عليه. والقصد؛ فلو قذف ساهياً أو غافلاً أو هزلاً لم يُحدّ.
          مسألة 2 - لو قذف العاقل أو المجنون أدواراً في دور عقله ثمّ جُنّ العاقل وعاد دور جنون الأدواريّ ثبت عليه الحدّ ولم يسقط، ويُحدّ حال جنونه.
          مسألة 3 - يشترط في المقذوف الإحصان. وهو في المقام عبارة عن البلوغ والعقل والحرّيّة والإسلام والعفّة؛ فمن استكملها وجب الحدّ بقذفه، ومن فقدها أو فقد بعضها فلا حدّ على قاذفه، وعليه التعزير؛ فلو قذف صبيّاً أو صبيّةً أو مملوكاً أو كافراً يعزّر. وأمّا غير العفيف: فإن كان متظاهراً بالزنا أو اللواط فلا حرمة له، فلا حدّ على القاذف ولا تعزير؛ ولو لم يكن متظاهراً بهما فقذفه يوجب الحدّ؛ ولو كان متظاهراً بأحدهما ففي ما يتظاهر لا حدّ ولا تعزير، وفي غيره الحدّ على الأقوى؛ ولو كان متظاهراً بغيرهما من المعاصي فقذفه يوجب الحدّ.
          مسألة 4 - لو قال للمسلم: «يابن الزانية» أو «اُمّك زانية» وكانت اُمّه كافرةً ففي روايةٍ: يضرب القاذف حدّاً، لأنّ المسلم حصّنها. والأحوط التعزير دون الحدّ.
          مسألة 5 - لو قذف الأب ولده بما يوجب الحدّ لم يُحدّ، بل عليه التعزير للحرمة لا للولد. وكذا لا يُحدّ لو قذف زوجته الميّتة ولا وارث لها إلّا ولده؛ ولو كان لها ولدٌ من غيره كان له الحدّ؛ وكذا لو كان لها وارث آخر غيره. والظاهر أنّ الجدّ والد، فلا يُحدّ بقذف ابن ابنه. ويحدّ الولد لو قذف أباه وإن علا. وتُحدّ الاُمّ لو قذفت ابنها، والأقارب لو قذفوا بعضهم بعضاً.
          مسألة 6 - إذا قذف جماعةً واحداً بعد واحد فلكلّ واحدٍ حدّ، سواء جاؤوا لطلبه مجتمعين أو متفرّقين. ولو قذفهم بلفظ واحد بأن يقول: «هؤلاء زناة»: فإن افترقوا في المطالبة فلكلّ واحدٍ حدّ، وإن اجتمعوا بها فللكلّ حدّ واحد. ولو قال: «زيد وعمرو وبكر - مثلاً - زناة» فالظاهر أنّه قذف بلفظ واحد. وكذا لو قال: «زيد زانٍ وعمرو وبكر». وأمّا لو قال: «زيد زانٍ وعمرو زانٍ وبكر زانٍ» فلكلّ واحدٍ حدّ، اجتمعوا في المطالبة أم لا. ولو قال: «يابن الزانيين» فالحدّ لهما، والقذف بلفظ واحد فيُحدّ حدّاً واحداً مع الاجتماع على المطالبة، وحدّين مع التعاقب.

        • القول في الأحكام

           

          القول في الأحكام

          مسألة 1 - يثبت القذف بالإقرار. ويعتبر على الأحوط أن يكون مرّتين، بل لا يخلو من وجه. ويشترط في المقرّ البلوغ والعقل والاختيار والقصد. ويثبت أيضاً بشهادة شاهدين عدلين. ولا يثبت بشهادة النساء منفردات ولا منضمّات.
          مسألة 2 - الحدّ في القذف ثمانون جلدةً، ذكراً كان المفتري أو اُنثى. ويضرب ضرباً متوسّطاً في الشدّة لا يبلغ به الضرب في الزنا. ويضرب فوق ثيابه المعتادة، ولا يجرّد. ويضرب جسده كلّه إلّا الرأس والوجه والمذاكير. وعلى رأي يشهّر القاذف حتّى تجتنب شهادته.
          مسألة 3 - لو تكرّر الحدّ بتكرّر القذف فالأحوط أن يقتل في الرابعة. ولو قذف فحُدّ فقال: «إنّ الّذي قلت حقّ» وجب في الثاني التعزير. ولو قذف شخصاً بسبب واحد عشر مرّات بأن قال: «أنت زانٍ» وكرّره ليس عليه إلّا حدّ واحد، ولو تعدّد المقذوف يتعدّد الحدّ. ولو تعدّد المقذوف به بأن قال: «أنت زانٍ وأنت لائط» ففي تكرّر الحدّ إشكال. والأقرب التكرّر.
          مسألة 4 - إذا ثبت الحدّ على القاذف لا يسقط عنه إلّا بتصديق المقذوف ولو مرّةً، وبالبيّنة الّتي يثبت بها الزنا، وبالعفو. ولو عفا ثمّ رجع عنه لا أثر لرجوعه. وفي قذف الزوجة يسقط باللعان أيضاً.
          مسألة 5 - إذا تقاذف اثنان سقط الحدّ وعُزّرا، سواء كان قذف كلّ بما يقذف به الآخر، كما لو قذف كلّ صاحبه باللواط فاعلاً أو مفعولاً، أو اختلف، كأن قذف أحدهما صاحبه بالزنا وقذف الآخر إيّاه باللواط.
          مسألة 6 - حدّ القذف موروث إن لم يستوفه المقذوف ولم يعف عنه. ويرثه من يرث المال ذكوراً وإناثاً إلّا الزوج والزوجة، لكن لا يورث كما يورث المال من التوزيع، بل لكلّ واحد من الورثة المطالبة به تامّاً وإن عفا الآخر.

        • فروع

           

          فروع

          الأوّل: من سبّ النبي(صلى الله عليه وآله وسلم) - والعياذ باللّه - وجب على سامعه قتله ما لم يخف على نفسه أو عرضه أو نفس مؤمن أو عرضه. ومعه لا يجوز. ولو خاف على ماله المعتدّ به أو مال أخيه كذلك جاز ترك قتله. ولا يتوقّف ذلك على إذنٍ من الإمام (عليه السلام) أو نائبه. وكذا الحال لو سبّ بعض الأئمّة:. وفي إلحاق الصدّيقة الطاهرة سلام اللّه عليها بهم وجه، بل لو رجع إلى سبّ النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) يقتل بلا إشكال.
          الثاني: من ادّعى النبوّة يجب قتله، ودمه مباح لمن سمعها منه إلّا مع الخوف كما تقدّم. ومن كان على ظاهر الإسلام وقال: «لا أدري أنّ محمّد بن عبداللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) صادق أو لا» يُقتل.
          الثالث: من عمل بالسحر يقتل إن كان مسلماً، ويؤدّب إن كان كافراً. ويثبت ذلك بالإقرار، والأحوط الإقرار مرّتين، وبالبيّنة. ولو تعلّم السحر لإبطال مدّعي النبوّة فلا بأس به بل ربما يجب.
          الرابع: كلّ ما فيه التعزير من حقوق اللّه - سبحانه وتعالى - يثبت بالإقرار، والأحوط الأولى أن يكون مرّتين، وبشاهدين عدلين.
          الخامس: كلّ من ترك واجباً أو ارتكب حراماً فللإمام 7 ونائبه تعزيره، بشرط أن يكون من الكبائر. والتعزير دون الحدّ، وحدّه بنظر الحاكم. والأحوط له في ما لم يدلّ دليل على التقدير عدم التجاوز عن أقلّ الحدود.
          السادس: قيل: إنّه يكره أن يزاد في تأديب الصبيّ على عشرةأسواط. والظاهر أنّ تأديبه بحسب نظر المؤدّب والوليّ، فربما تقتضي المصلحة أقلّ وربما تقتضي الأكثر. ولا يجوز التجاوز، بل ولا التجاوز عن تعزير البالغ، بل الأحوط دون تعزيره، وأحوط منه الاكتفاء بستّة أو خمسة.

      • الفصل الرابع في حدّ المسكر
      •  

        الفصل الرابع في حدّ المسكر

        والنظر في موجبه وكيفيّته وأحكامه.

        • القول في موجبه وكيفيته

           

          القول في موجبه وكيفيّته

          مسألة 1 - وجب الحدّ على من تناول المسكر أو الفقّاع وإن لم يكن مسكراً، بشرط أن يكون المتناول بالغاً عاقلاً مختاراً عالماً بالحكم والموضوع؛ فلا حدّ على الصبيّ والمجنون والمكره والجاهل بالحكم والموضوع أو أحدهما، إذا أمكن الجهل بالحكم في حقّه.
          مسألة 2 - لا فرق في المسكر بين أنواعه كالمتّخذ من العنب: وهو الخمر، أو التمر: و هو النبيذ، أو الزبيب: وهو النقيع، أو العسل: وهو البتع، أو الشعير: وهو المزر، أو الحنطة أو الذرّة أو غيرها. ويلحق بالمسكر الفقّاع وإن فرض أنّه غير مسكر. ولو عمل المسكر من شيئين فمازاد ففي شربه حدّ.
          مسألة 3 - لا إشكال في حرمة العصير العنبيّ، سواء غلى بنفسه أو بالنار أو بالشمس، إلّا إذا ذهب ثلثاه أو ينقلب خلّاً، لكن لم يثبت إسكاره. وفي إلحاقه بالمسكر في ثبوت الحدّ ولو لم يكن مسكراً إشكال، بل منع، سيّما إذا غلى بالنار أو بالشمس. والعصير الزبيبيّ والتمريّ لا يلحق بالمسكر حرمةً ولا حدّاً.
          مسألة 4 - لا إشكال في أنّ المسكر قليله وكثيره سواء في ثبوت الحدّ بتناوله ولو كان قطرةً منه ولم يكن مسكراً فعلاً؛ فما كان كثيره مسكراً يكون في قليله حدّ؛ كما لا إشكال في الممتزج بغيره إذا صدق اسمه عليه وكان غيره مستهلكاً فيه؛ كما لا إشكال في الممتزج بغيره إذا كان مسكراً و لم يخرج بامتزاجه عن الإسكار؛ ففي كلّ ذلك حدّ. وأمّا إذا امتزج بغيره - كالأغذية والأدوية - بنحو استهلك فيه ولم يصدق اسمه ولم يكن الممتزج مسكراً ففي ثبوت الحدّ به إشكال وإن كان حراماً لأجل نجاسة الممتزج؛ فلو استهلك قطرة منه في مائع فلا شبهة في نجاسة الممتزج، ولكن ثبوت حدّ المسكر عليه محلّ تأمّل وإشكال؛ لكنّ الحكم بالحدّ معروف بين أصحابنا.
          مسألة 5 - لو اضطرّ إلى شرب المسكر لحفظ نفسه عن الهلاك أو من المرض الشديد فشرب ليس عليه الحدّ.
          مسألة 6 - لو شرب المسكر مع علمه بالحرمة وجب الحدّ ولو جهل أنّه موجب للحدّ. ولو شرب مائعاً بتخيّل أنّه محرّم غير مسكر فاتّضح أنّه مسكر لم يثبت الحدّ عليه. ولو علم أنّه مسكر وتخيّل أنّ الموجب للحدّ ما أسكر بالفعل فشرب قليله فالظاهر وجوب الحدّ.
          مسألة 7 - يثبت شرب المسكر بالإقرار مرّتين. ويشترط في المقرّ البلوغ والعقل والحرّيّة والاختيار والقصد. ويعتبر في الإقرار أن لا يقرن بشي ء يحتمل معه جواز شربه كقوله: «شربت للتداوي، أو مكرهاً». ولو أقرّ بنحو الإطلاق وقامت قرينة على أنّه شربه معذورا لم يثبت الحدّ. ولو أقرّ بنحو الإطلاق ثمّ ادّعى عذرا قُبل منه، ويدرأ عنه الحدّ لو احتمل في حقّه ذلك. ولا يكفي في ثبوته الرائحة والنكهة مع احتمال العذر.
          مسألة 8 - و يثبت بشاهدين عادلين. ولا تقبل شهادة النساء منفردات ولامنضمّات. ولو شهد العدلان بنحو الإطلاق كفى في الثبوت. ولو اختلفا في الخصوصيّات كأن يقول أحدهما: «إنّه شرب الفقّاع» والآخر: «إنّه شرب الخمر» أو قال أحدهما: «إنّه شرب في السوق» والآخر: «إنه شرب في البيت» لم يثبت الشرب، فلا حدّ. وكذا لو شهد أحدهما بأنّه شرب عالما بالحكم، والآخر بأنّه شرب جاهلا، وغيره من الاختلافات. ولو أطلق أحدهما وقال: «شرب المسكر» وقيّد الثاني وقال: «شرب الخمر» فالظاهر ثبوت الحدّ.
          مسألة 9 - الحدّ في الشرب ثمانون جلدةً، كان الشارب رجلاًأوامرأةً.والكافر إذا تظاهر بشربه يُحدّ، وإذا استتر لم يُحدّ، وإذا شرب في كنائسهم و بيعهم لم يُحدّ.
          مسألة 10 - يضرب الشارب على ظهره و كتفيه وسائر جسده، ويُتّقى وجهه ورأسه وفرجه. والرجل يضرب عريانا ما عدا العورة قائما. والمرأة تُضرب قاعدةً مربوطةً في ثيابها. ولا يقام عليهما الحدّ حتّى يفيقا.
          مسألة 11 - لا يسقط الحدّ بعروض الجنون ولا بالارتداد، فيُحدّ حال جنونه وارتداده.
          مسألة 12 - لو شرب كرارا ولم يُحدّ خلالها كفى عن الجميع حدّ واحد. ولو شرب فحُدّ قتل في الثالثة، وقيل: في الرابعة.

        • القول في أحكامه وبعض اللواحق

           

          القول في أحكامه وبعض اللواحق

          مسألة 1 - لو شهد عدلٌ بشربه وآخر بقيئه وجب الحدّ، سواء شهد من غير تاريخ أو بتاريخ يمكن الاتّحاد، ومع عدم إمكانه لا يُحدّ. وهل يُحدّ إذا شهدا بقيئه؟ فيه إشكال.
          مسألة 2 - من شرب الخمر مستحلّاً لشربها أصلا وهو مسلم استتيب، فإن تاب اُقيم عليه الحدّ، وإن لم يتب ورجع إنكاره إلى تكذيب النبيّ 9 قُتل، من غير فرق بين كونه ملّيّا أو فطريّا. وقيل: حكمه حكم المرتدّ لا يستتاب إذا ولد على الفطرة، بل يقتل من غير استتابة. والأوّل أشبه. ولا يقتل مستحلّ شرب غير الخمر من المسكرات مطلقاً، بل يحدّ بشربه خاصّة، مستحلّاً كان له أو محرّما. وبائع الخمر يستتاب مطلقاً، فإن تاب قبل منه، وإن لم يتب ورجع استحلاله إلى تكذيب النبيّ 9 قتل. وبائع ما سواها لا يقتل وإن باعه مستحلّاً ولم يتب.
          مسألة 3 - لو تاب الشارب عنه قبل قيام البيّنة عليه بشربه سقط عنه الحدّ. ولو تاب بعد قيامها لم يسقط و عليه الحدّ. ولو تاب بعد الإقرار فلا يبعد تخيير الإمام (عليه السلام) في الإقامة والعفو. والأحوط له الإقامة.
          مسألة 4 - من استحلّ شيئا من المحرّمات المجمع على تحريمها بين المسلمين - كالميتة والدم ولحم الخنزير والربا - فإن ولد على الفطرة يقتل إن رجع إنكاره إلى تكذيب النبي(صلى الله عليه وآله وسلم) أو إنكار الشرع، وإلّا فيعزّر، ولوكان إنكاره لشبهة ممّن صحّت في حقّه فلا يعزّر. نعم، لو رفعت شبهته فأصرّ على الاستحلال قُتل، لرجوعه إلى تكذيب النبي(صلى الله عليه وآله وسلم) ولو ارتكب شيئا من المحرّمات - غير ما قرّر الشارع فيه حدّا - عالما بتحريمها لا مستحلّاً عزّر، سواء كانت المحرّمات من الكبائر أو الصغائر.
          مسألة 5 - من قتله الحدّ أو التعزير فلا دية له إذا لم يتجاوزه.
          مسألة 6 - لو أقام الحاكم الحدّ بالقتل فظهر بعد ذلك فسق الشاهدين أو الشهود كانت الدية في بيت المال، ولا يضمنها الحاكم ولا عاقلته. ولو أنفذ الحاكم إلى حامل لإقامة الحدّ عليها أو ذكرت بما يوجب الحدّ فأحضرها للتحقيق فخافت فسقط حملها فالأقوى أنّ دية الجنين على بيت المال.

      • الفصل الخامس في حد السرقة
      •  

        الفصل الخامس في حدّ السرقة

        والنظر فيه في السارق والمسروق وما يثبت به والحدّ واللواحق:

        • القول في السارق

           

          القول في السارق

          مسألة 1 - يشترط في وجوب الحدّ عليه اُمور:
          الأوّل: البلوغ؛ فلو سرق الطفل لم يُحدّ، ويؤدّب بما يراه الحاكم ولو تكرّرت السرقة منه إلى الخامسة فما فوق. وقيل: يعفى عنه أوّلا، فإن عاد اُدّب، فإن عاد حُكّت أنامله حتّى تدمي، فإن عاد قطعت أنامله، فإن عاد قطع كما يقطع الرجل. وفي سرقته روايات، وفيها:«لم يصنعه إلّارسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) وأنا» أي أميرالمؤمنين(عليه السلام)؛ فالأشبه ما ذكرنا.
          الثاني: العقل؛ فلا يقطع المجنون ولو أدوارا إذا سرق حال إدواره وإن تكرّرت منه، ويؤدّب إذا استشعر بالتأديب وأمكن التأثير فيه.
          الثالث: الاختيار؛ فلا يقطع المكره.
          الرابع: عدم الاضطرار؛ فلا يقطع المضطرّ إذا سرق لدفع اضطراره.
          الخامس: أن يكون السارق هاتكا للحرز منفردا أو مشاركا؛ فلو هتك غير السارق وسرق هو من غير حرز لا يقطع واحد منهما وإن جاءا معا للسرقة والتعاون فيها، ويضمن الهاتك ما أتلفه والسارق ما سرقه.
          السادس: أن يخرج المتاع من الحرز بنفسه أو بمشاركة غيره. ويتحقّق الإخراج بالمباشرة كما لو جعله على عاتقة وأخرجه، وبالتسبيب كما لو شدّه بحبل ثمّ يجذبه من خارج الحرز، أو يضعه على دابّة من الحرز ويخرجها، أو على جناح طائر من شأنه العود إليه، أو أمر مجنونا أو صبيّا غير مميّز بالإخراج؛ وأمّا إن كان مميّزا ففي القطع إشكال بل منع.
          السابع: أن لا يكون السارق والد المسروق منه؛ فلا يقطع الوالد لمال ولده، ويقطع الولد إن سرق من والده، والاُمّ إن سرقت من ولدها، والأقرباء إن سرق بعضهم من بعض.
          الثامن: أن يأخذ سرّا؛ فلو هتك الحرز قهرا ظاهرا وأخذ لا يقطع، بل لو هتك سرّا وأخذ ظاهرا قهرا فكذلك.
          مسألة 2 - لو اشتركا في الهتك وانفرد أحدهما بالسرقة يقطع السارق دون الهاتك. ولو انفرد أحدهما بالهتك واشتركا في السرقة قطع الهاتك السارق. ولو اشتركا فيهما قطعا مع تحقّق سائر الشرائط.
          مسألة 3 - يعتبرفي السرقة وغيرها ممّافيه حدّارتفاع الشبهةحكماوموضوعا؛ فلو أخذ الشريك المال المشترك بظنّ جواز ذلك بدون إذن الشريك لا قطع فيه ولو زاد ما أخذ على نصيبه بما يبلغ نصاب القطع. وكذا لو أخذ مع علمه بالحرمة لكن لاللسرقة بل للتقسيم والإذن بعده لم يقطع. نعم، لوأخذبقصدالسرقة مع علمه بالحكم يقطع. وكذا لا يقطع لو أخذ مال الغير بتوهّم ماله، فإنّه لا يكون سرقةً، ولو سرق من المال المشترك بمقدار نصيبه لم يقطع، وإن زاد عليه بمقدار النصاب يقطع.
          مسألة 4 - في السرقة من المغنم روايتان: إحداهما لا يقطع، والاُخرى يقطع إن زاد ما سرقه على نصيبه بقدر نصاب القطع.
          مسألة 5 - لا فرق بين الذكر والاُنثى؛ فتقطع الاُنثى في ما يقطع الذكر. وكذا المسلم والذمّيّ؛ فيقطع المسلم وإن سرق من الذمّيّ، والذمّيّ كذلك، سرق من المسلم أو الذمّيّ.
          مسألة 6 - لو خان الأمين لم يقطع ولم يكن سارقا. ولو سرق الراهن الرهن لم يقطع. وكذا لو سرق المؤجر عين المستأجرة.
          مسألة 7 - إذا سرق الأجير من مال المستأجر: فإن استأمنه عليه فلا يقطع؛ وإن أحرز المال من دونه فهتك الحرز وسرق يقطع. وكذا يقطع كلّ من الزوج والزوجة بسرقة مال الآخر إذا اُحرز عنه، ومع عدم الإحراز فلا. نعم، إذا أخذ (1) الزوجة من مال الرجل سرقةً عوضا من النفقة الواجبة الّتي منعها عنها فلا قطع عليها إذا لم يزد على النفقة بمقدار النصاب. وكذا الضيف يقطع إن اُحرز المال عنه، وإلاّ لا يقطع.
          مسألة 8 - لو أخرج متاعا من حرز وادّعى صاحب الحرز أنّه سرقه وقال المخرج: «وهبني» أو «أذن لي في إخراجه» سقط الحدّ، إلّا أن تقوم البيّنة بالسرقة. وكذا لو قال: «المال لي» وأنكر صاحب المنزل فالقول وإن كان قول صاحب المنزل بيمينه وأخذ المال من المخرج بعد اليمين لكن لا يقطع.


          1- هكذا في جميع الطبعات. والصحيح: «أخذت».

        • القول في المسروق

           

          القول في المسروق

          مسألة 1 - نصاب القطع ما بلغ ربع دينار ذهبا خالصا مضروبا عليه السكّة، أو ما بلغ قيمته ربع دينار كذائيّ، من الألبسة والمعادن والفواكه والأطعمة، رطبةً كانت أولا، كان أصله الإباحة لجميع الناس أولا، كان ممّا يسرع إليه الفساد -كالخَضروات والفواكه الرطبة ونحوها- أولا. وبالجملة: كلّ ما يملكه المسلم إذا بلغ الحدّ ففيه القطع حتّى الطير وحجارة الرخام.
          مسألة 2 - لا فرق في الذهب بين المسكوك وغيره؛ فلو بلغ الذهب غير المسكوك قيمة ربع دينار مسكوك قطع، ولو بلغ وزنه وزن ربع دينار مسكوك لكن لم تبلغ قيمته الربع لم يقطع، ولو انعكس وبلغ قيمته قيمته وكان وزنه أقلّ يقطع.
          مسألة 3 - لو فرض رواج دينارين مسكوكين بسكّتين وكانت قيمتهما مختلفةً لا لأجل النقص أو الغشّ في أحدهما بل لأجل السكّة فالأحوط عدم القطع إلّا ببلوغه ربع قيمة الأكثر وإن كان الأشبه كفاية بلوغ الأقلّ.
          مسألة 4 - المراد بالمسكوك هو المسكوك الرائج؛ فلو فرض وجود مسكوك غير رائج فلا اعتبار في ربع قيمته؛ فلو بلغ ربع قيمته ولم يكن قيمة ربعه بمقدار قيمة ربع الدارج لم يقطع.
          مسألة 5 - لو سرق شيئا وتخيّل عدم وصوله إلى حدّ النصاب - كأن سرق دينارا بتخيّل أنّه درهم - فالظاهر القطع. ولو انعكس وسرق مادون النصاب بتخيّل النصاب لم يقطع.
          مسألة 6 - ربع الدينار أو ما بلغ قيمة الربع هو أقلّ ما يقطع به؛ فلو سرق أكثر منه يقطع كقطعه بالربع بلغ ما بلغ، وليس في ا لزيادة شي ء غير القطع.
          مسألة 7 - يشترط في المسروق أن يكون في حرز، ككونه في مكان مقفّل أو مغلق، أو كان مدفونا، أو أخفاه المالك عن الأنظار تحت فرش أو جوف كتاب، أو نحو ذلك ممّا يعدّ عرفا محرزا. وما لا يكون كذلك لا يقطع به وإن لا يجوز الدخول إلّا بإذن مالكه؛ فلو سرق شيئا عن الأشياء الظاهرة في دكّان مفتوح لم يقطع وإن لا يجوز دخوله فيه إلّا بإذنه.
          مسألة 8 - لمّا كان الأشياء مختلفةً في الحرز في تعارف الناس فلو كان موضعٌ حرزا لشي ء من الأشياء فهل يكون حرزا لكلّ شي ء، فلو سقط من جيب المالك دينار في الإصطبل والسارق كسر القفل ودخل لسرقة الفرس -مثلا- فعثر على الدينار فسرقه كفى في لزوم القطع أو لا لعدم إخراجه من حرزه؟ الأشبه والأحوط هو الثاني. نعم، لو أخفى المالك ديناره في الإصطبل فأخرجه السارق يقطع.
          مسألة 9 - ما ليس بمحرز لا يقطع سارقه، كالسرقة من الخانات والحمّامات والبيوت الّتي كانت أبوابها مفتوحةً على العموم أو على طائفة، ونحو المساجد والمدارس والمشاهد المشرّفة والمؤسّسات العامّة؛ وبالجملة: كلّ موضع اُذن للعموم أو لطائفة. وهل مراعاة المالك ونحوه ومراقبته للمال حرزٌ؛ فلو كانت دابّته في الصحراء وكان لها مراعيا يقطع بسرقته أولا؟ الأقوى الثاني. وهل يقطع سارق ستارة الكعبة؟ قيل: نعم. والأقوى عدمه. وكذا سارق ما في المشاهد المشرّفة من الحرم المطهّر أو الرواق والصحن.
          مسألة 10 - لو سرق من جيب إنسان: فإن كان المسروق محرزا كأن كان في الجيب الّذي تحت الثوب أو كان على درب جيبه آلة كالآلات الحديثة تحرزه فالظاهر ثبوت القطع، وإن كان في جيبه المفتوح فوق ثيابه لا يقطع. ولو كان الجيب في بطن ثوبه الأعلى فالظاهر القطع؛ فالميزان صدق الحرز.
          مسألة 11 - لا إشكال في ثبوت القطع في أثمار الأشجار بعد قطفها وحرزها، ولا في عدم القطع إذا كانت على الأشجار إن لم تكن الأشجار محرزةً. وأمّا إذا كانت محرزةً - كأن كانت في بستان مقفّل - فهل يقطع بسرقة ثمرتها أو لا؟ الأحوط بل الأقوى عدم القطع.
          مسألة 12 - لا قطع على السارق في عام مجاعة إذا كان المسروق مأكولا ولو بالقوّة - كالحبوب - وكان السارق مضطرّا إليه. وفي غير المأكول وفي المأكول في غير مورد الاضطرار محلّ إشكال. والأحوط عدم القطع، بل في المحتاج إذا سرق غير المأكول لا يخلو من قوّة.
          مسألة 13 - لو سرق حرّا - كبيرا أو صغيرا، ذكرا أو اُنثى - لم يقطع حدّا، فهل يقطع دفعا للفساد؟ قيل: نعم،وبه رواية.والأحوطترك القطع وتعزيره بمايراه الحاكم.
          مسألة 14 - لو أعار بيتا -مثلا- فهتك المعير حرزه فسرق منه مالا للمستعير قطع. ولو آجر بيتا - مثلا - وسرق منه مالا للمستأجر قطع. ولو كان الحرز مغصوبا لم يقطع بسرقة مالكه. ولو كان ماله في حرز فهتكه وأخرج ماله لم يقطع وإن كان ماله مخلوطا بمال الغاصب فأخذ بمقدار ماله أو أزيد بما دون النصاب.
          مسألة 15 - لو كان المسروق وقفا يقطع لو قلنا بأنّه ملك للواقف - كما في بعض الصور - أو للموقوف عليه، ولو قلنا: إنّه فكّ ملك لدرّ المنفعة على الموقوف عليه لم يقطع. ولو سرق ما يكون مصرفه أشخاصا - كالزكاة بناءً على عدم الملك لأحد لم يقطع. ولو سرق مالا يكون للإمام (عليه السلام) - كنصف الخمس بناءً على كونه ملكا له (عليه السلام) - فهل يقطع بمطالبة الفقيه الجامع للشرائط أو لا؟ فيه تردّدٌ؛ وبناءً على عدم الملك وكونه (عليه السلام) وليّ الأمر لا يقطع على الأحوط.
          مسألة 16 - باب الحرز وكذا ما بني على الباب والجدار من الخارج ليس محرزا، فلا قطع بها. نعم، الظاهر كون الباب الداخل - وراء باب الحرز - محرزا بباب الحرز فيقطع به. وكذا ما على الجدار داخلا؛ فإذا كسر الباب ودخل الحرز وأخرج شيئا من أجزاء الجدار الداخل يقطع.
          مسألة 17 - يقطع سارق الكفن إذا نبش القبر وسرقه ولو بعض أجزائه المندوبة بشرط بلوغه حدّ النصاب. ولو نبش ولم يسرق الكفن لم يقطع ويعزّر. وليس القبر حرزا لغير الكفن؛ فلو جعل مع الميّت شي ء في القبر فنبش وأخرجه لم يقطع به على الأحوط. ولو تكرّر منه النبش من غير أخذ الكفن وهربٍ من السلطان قيل: يقتل. وفيه تردّدٌ.

        • القول فيما يثبت به

           

          القول في ما يثبت به

          مسألة 1 - يثبت الحدّ بالإقرار بموجبه مرّتين وبشهادة عدلين. ولو أقرّ مرّةً واحدةً لا يقطع، ولكن يؤخذ المال منه. ولا يقطع بشهادة النساء منضمّات ولامنفردات، ولا بشاهد ويمين.
          مسألة 2 - يعتبر في المقرّ البلوغ والعقل والاختيار والقصد؛ فلا يقطع بإقرار الصبيّ حتّى مع القول بقطعه بالسرقة، ولا بإقرار المجنون ولو أدوارا دور جنونه، ولا بالمكره ولا بالهازل والغافل والنائم والساهي والمغمى عليه؛ فلو أقرّ مكرها أو بلا قصد لم يقطع، ولم يثبت المال.
          مسألة 3 - لو أكرهه على الإقرار بضرب ونحوه فأقرّ ثمّ أتى بالمال بعينه لم يثبت القطع إلّا مع قيام قرائن قطعيّة على سرقته بما يوجب القطع.
          مسألة 4 - لو أقرّ مرّتين ثمّ أنكر فهل يقطع أولا؟ الأحوط الثاني، والأرجح الأوّل. ولو أنكر بعد الإقرار مرّة يؤخذ منه المال ولا يقطع. ولو تاب أو أنكر بعد قيام البيّنة يقطع. ولو تاب قبل قيام البيّنة وقبل الإقرار سقط عنه الحدّ. ولو تاب بعد الإقرار يتحتّم القطع، وقيل: يتخيّر الإمام (عليه السلام) بين العفو والقطع.

        • القول في الحدّ

           

          القول في الحدّ

          مسألة 1 - حدّ السارق في المرّة الاُولى قطع الأصابع الأربع من مفصل اُصولها من اليد اليمنى، ويترك له الراحة والإبهام. ولو سرق ثانيا قطعت رجله اليسرى من تحت قبّة القدم حتّى يبقى له النصف من القدم ومقدار قليل من محلّ المسح. وإن سرق ثالثا حبس دائما حتّى يموت، ويجري عليه من بيت المال إن كان فقيرا. وإن عاد وسرق رابعا ولو في السجن قتل.
          مسألة 2 - لوتكرّرت منه السرقة ولم يتخلّل الحدّ كفى حدّ واحد؛ فلو تكرّرت منه السرقة بعد الحدّ قطعت رجله، ثمّ لو تكرّرت منه حُبس، ثمّ لوتكرّرت قُتل.
          مسألة 3 - لا تقطع اليسار مع وجود اليمين، سواء كانت اليمين شلّاء واليسار صحيحةً أو العكس أو هما شلّاء. نعم، لو خيف الموت بقطع الشلّاء لاحتمالٍ عقلائيّ له منشأ عقلائيّ - كإخبار الطبيب بذلك - لم تقطع احتياطا على حياة السارق؛ فهل تقطع اليسار الصحيحة في هذا الفرض أو اليسار الشلّاء مع الخوف في اليمين دون اليسار؟ الأشبه عدم القطع.
          مسألة 4 - لو لم يكن للسارق يسار قطعت يمناه على المشهور. وفي رواية صحيحة: لا تقطع. والعمل على المشهور. ولو كان له يمين حين ثبوت السرقة فذهبت بعده لم تقطع اليسار.
          مسألة 5 - من سرق وليس له اليمنى قيل: فإن كانت مقطوعةً في القصاص أو غير ذلك وكانت له اليسرى قطعت يسراه، فإن لم تكن له أيضا اليسرى قطعت رجله اليسرى، فإن لم يكن له رجلٌ لم يكن عليه أكثر من الحبس. والأشبه في جميع ذلك سقوط الحدّ والانتقال إلى التعزير.
          مسألة 6 - لو قطع الحدّاد يساره مع العلم حكما و موضوعا فعليه القصاص، ولا يسقط قطع اليمنى بالسرقة. ولو قطع اليسرى لاشتباه في الحكم أو الموضوع فعليه الدية؛ فهل يسقط قطع اليمين بها؟ الأقوى ذلك.
          مسألة 7 - سراية الحدّ ليست مضمونةً - لا على الحاكم ولا على الحدّاد- وإن اُقيم في حرّ أو برد. نعم، يستحبّ إقامته في الصيف في أطراف النهار وفي الشتاء في وسطه، لتوقّي شدّة الحرّ والبرد.

        • القول في اللواحق

           

          القول في اللواحق

          مسألة 1 - لو سرق اثنان نصابا أو أكثر بما لا يبلغ نصيب كلّ منهما نصابا فهل يقطع كلّ واحد منهما أو لا يقطع واحد منهما؟ الأشبه الثاني.
          مسألة 2 - لو سرق ولم يقدر عليه ثمّ سرق ثانيةً فاُخذ واُقيمت عليه البيّنة بهما جميعا معا دفعةً واحدةً أو أقرّبهما جميعا كذلك قطع بالاُولى يده، ولم تقطع بالثانية رجله؛ بل لا يبعد أن يكون الحكم كذلك لو تفرّق الشهود، فشهد اثنان بالسرقة الاُولى ثمّ شهد اثنان بالسرقة الثانية قبل قيام الحدّ، أو أقرّ مرّتين دفعةً بالسرقة الاُولى ومرّتين دفعةً اُخرى بالسرقة الثانية قبل قيام الحدّ. ولوقامت الحجّة بالسرقة ثمّ أمسكت حتّى اُقيم الحدّ وقطع يمينه ثمّ قامت الاُخرى قطعت رجله.
          مسألة 3 - لو اُقيمت البيّنة عند الحاكم أو أقرّ بالسرقة عنده أو علم ذلك لم يقطع حتّى يطالبه المسروق منه؛ فلو لم يرفعه إلى الحاكم لم يقطعه. ولو عفا عنه قبل الرفع سقط الحدّ. وكذا لو وهبه المال قبل الرفع. ولو رفعه إليه لم يسقط الحدّ. وكذا لو وهبه بعد الرفع. ولو سرق مالا فملكه - بشراء ونحوه - قبل الرفع إلى الحاكم وثبوته سقط الحدّ. ولو كان ذلك بعده لم يسقط.
          مسألة 4 - لو أخرج السارق المال من حرزه ثمّ أعاده إليه: فإن وقع تحت يد المالك ولو في جملة أمواله لم يقطع؛ ولو أرجعه إلى حرزه ولم يقع تحت يده - كما لو تلف قبل وقوعه تحت يده - فهل يقطع بذلك؟ الأشبه ذلك وإن لا يخلو من إشكال.
          مسألة 5 - لو هتك الحرز جماعةٌ فأخرج المال منه أحدهم فالقطع عليه خاصّة. ولو قرّبه أحدهم من الباب وأخرجه الآخر من الحرز فالقطع على المخرج له. ولو وضعه الداخل في وسط النقب وأخرجه الآخر الخارج فالظاهر أنّ القطع على الداخل. ولكن لو وضعه بين الباب الّذي هو حرز للبيت بحيث لم يكن الموضوع داخلا ولا خارجا عرفا فالظاهر عدم القطع على واحد منهما. نعم، لووضعه بنحو كان نصفه في الخارج ونصفه في الداخل: فإن بلغ كلّ من النصفين النصاب يقطع كلّ منهما، وإن بلغ الخارج النصاب يقطع الداخل، وإن بلغ الداخل ذلك يقطع الخارج.
          مسألة 6 - لو أخرج النصاب دفعات متعدّدة فإن عدّت سرقةً واحدةً - كما لو كان شيئا ثقيلا ذا أجزاء فأخرجه جزءا فجزءا بلا فصل طويل يخرجه عن اسم الدفعة عرفا - يقطع. وأمّا لو سرق جزءا منه في ليلة وجزءا منه في ليلة اُخرى فصار المجموع نصابا فلا يقطع. ولو سرق نصف النصاب من حرز و نصفه من حرز آخر فالأحوط لو لم يكن الأقوى عدم القطع.
          مسألة 7 - لو دخل الحرز فأخذ النصاب وقبل الإخراج منه اُخذ لم يقطع. ولو أحدث في الشي ء الّذي قدر النصاب داخل الحرز ما أخرجه عن النصاب ثمّ أخرجه لم يقطع، كما لو ذبح الشاة أو خرق الثوب داخل الحرز.
          مسألة 8 - لو ابتلع النصاب داخل الحرز: فإن استهلك في الجوف كالطعام لم يقطع، وإن لم يستهلك لكن تعذّر إخراجه فلا قطع ولا سرقة؛ ولولم يتعذّر إخراجه من الجوف ولو بالنظر إلى عادته فخرج وهو في جوفه ففي القطع وعدمه وجهان، أشبههما القطع إذا كان البلع للسرقة بهذا النحو، وإلّا فلا قطع.

      • الفصل السادس في حدّ المحارب

         

        الفصل السادس في حدّ المحارب

        مسألة ۱ - المحارب: هو كلّ من جرّد سلاحه أو جهّزه لإخافة الناس وإرادة الإفساد في الأرض، في برّكان أو في بحر، في مصر أو غيره، ليلا أو نهارا. ولايشترط كونه من أهل الريبة مع تحقّق ما ذكر. ويستوي فيه الذكر والاُنثى. وفي ثبوته للمجرّد سلاحَه بالقصد المزبور مع كونه ضعيفا - لا يتحقّق من إخافته خوف لأحد - إشكال بل منع. نعم، لو كان ضعيفا لكن لا بحدّ لا يتحقّق الخوف من إخافته بل يتحقّق في بعض الأحيان والأشخاص فالظاهر كونه داخلا فيه.
        مسألة 2 - لا يثبت الحكم للطليع، وهو المراقب للقوافل ونحوها ليخبر رفقاءه من قطّاع الطريق؛ ولا للردء، وهو المعين لضبط الأموال؛ ولا لمن شهر سيفه أو جهّز سلاحه لإخافة المحارب ولدفع فساده، أو لدفع من يقصده بسوء ونحو ذلك ممّا هو قطع الفساد لا الإفساد؛ ولا للصغير والمجنون؛ ولا للملاعب.
        مسألة 3 - لو حمل على غيره من غير سلاح ليأخذ ماله أو يقتله جاز بل وجب الدفاع في الثاني ولو انجرّ إلى قتله، لكن لا يثبت له حكم المحارب. ولوأخاف الناس بالسوط والعصا والحجر ففي ثبوت الحكم إشكال، بل عدمه أقرب في الأوّلين.
        مسألة 4 - تثبت المحاربة بالإقرار مرّةً، والأحوط مرّتين؛ وبشهادة عدلين. ولا تقبل شهادة النساء منفردات ولا منضمّات. ولا تقبل شهادة اللصوص والمحاربين بعضهم على بعض، ولا شهادة المأخوذ منهم بعضهم لبعض، بأن قالوا جميعا: «تعرّضوا لنا وأخذوا منّا». وأمّا لو شهد بعضهم لبعض وقال: «عرضوا لنا وأخذوا من هؤلاء لا منّا» قُبل على الأشبه.
        مسألة 5 - الأقوى في الحدّ تخيير الحاكم بين القتل والصلب والقطع مخالفا والنفي. ولا يبعد أن يكون الأولى له أن يلاحظ الجناية ويختار ما يناسبها؛ فلو قتل اختار القتل أو الصلب؛ ولو أخذ المال اختار القطع؛ ولو شهر السيف وأخاف فقط اختار النفي. وقد اضطربت كلمات الفقهاء والروايات. والأولى ما ذكرنا.
        مسألة 6 - ما ذكرنا في المسألة السابقة حدّ المحارب، سواء قتل شخصا أولا، وسواء رفع وليّ الدم أمره إلى الحاكم أولا. نعم، مع الرفع يقتل قصاصا مع كون المقتول كفوا، ومع عفوه فالحاكم مختار بين الاُمور الأربعة، سواء كان قتله طلبا للمال أو لا. وكذا لو جرح ولم يقتل كان القصاص إلى الوليّ؛ فلو اقتصّ كان الحاكم مختارا بين الاُمور المتقدّمة حدّا، وكذا لو عفا عنه.
        مسألة 7 - لو تاب المحارب قبل القدرة عليه سقط الحدّ، دون حقوق الناس من القتل والجرح والمال. ولو تاب بعد الظفر عليه لم يسقط الحدّ أيضا.
        مسألة 8 - اللصّ إذا صدق عليه عنوان المحارب كان حكمه ما تقدّم، وإلّا فله أحكام تقدّمت في ذيل كتاب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
        مسألة 9 - يصلب المحارب حيّا. ولا يجوز الإبقاء مصلوبا أكثر من ثلاثة أيّام، ثمّ يُنزل فإن كان ميّتا يغسّل ويكفّن ويصلّى عليه ويدفن، وإن كان حيّا قيل: يجهز عليه. وهو مشكل. نعم، يمكن القول بجواز الصلب على نحو يموت به. وهو أيضا لا يخلو من إشكال.
        مسألة 10 - إذا نُفي المحارب عن بلده إلى بلد آخر يكتب الوالي إلى كلّ بلد يأوي إليه بالمنع عن مؤاكلته ومعاشرته ومبايعته ومناكحته ومشاورته. والأحوط أن لا يكون أقلّ من سنة وإن تاب. ولو لم يتب استمرّ النفي إلى أن يتوب. ولو أراد بلاد الشرك يمنع منها؛ قالوا: وإن مكّنوه من دخولها قوتلوا حتّى يخرجوه.
        مسألة 11 - لا يعتبر في قطع المحارب السرقة، فضلا عن اعتبار النصاب أو الحرز، بل الإمام (عليه السلام) مخيّر بمجرّد صدق المحارب. ولو قطع فالأحوط البدأة بقطع اليد اليمنى ثمّ يقطع الرجل اليسرى. والأولى الصبر بعد قطع اليمنى حتّى تحسم. ولو فقدت اليمنى أو فقد العضوان يختار الإمام (عليه السلام) غير القطع.
        مسألة 12 - لو أخذ المال بغير محاربة لا يجري عليه حكمها، كما لو أخذ المال وهرب، أو أخذ قهرا من غير إشهار سلاح، أو احتال في أخذ الأموال بوسائل، كتزوير الأسناد أو الرسائل ونحو ذلك، ففيها لا يجري حدّ المحارب ولا حدّ السارق، ولكن عليه التعزير حسب ما يراه الحاكم.

      • خاتمة في سائر العقوبات
        • القول في الارتداد

           

          القول في الارتداد

          مسألة 1 - ذكرنا في الميراث المرتدّ بقسميه وبعضَ أحكامه؛ فالفطريّ لايقبل إسلامه ظاهرا، ويقتل إن كان رجلا، ولا تقتل المرأة المرتدّة ولو عن فطرة، بل تحبس دائما وتضرب في أوقات الصلوات، ويضيّق عليها في المعيشة، وتقبل توبتها، فان تابت اُخرجت عن الحبس. والمرتدّ الملّيّ يستتاب، فإن امتنع قتل. والأحوط استتابته ثلاثة أيّام، وقُتل في اليوم الرابع.
          مسألة 2 - يعتبر في الحكم بالارتداد البلوغ والعقل والاختيار والقصد؛ فلاعبرة بردّة الصبيّ وإن كان مراهقا، ولا المجنون وإن كان أدواريّا دور جنونه، ولا المكره، ولا بما يقع بلا قصد كالهازل والساهي والغافل والمغمى عليه. ولو صدر منه حال غضب غالب لا يملك معه نفسه لم يحكم بالارتداد.
          مسألة 3 - لو ظهر منه ما يوجب الارتداد فادّعى الإكراه مع احتماله أو عدم القصد وسبق اللسان مع احتماله قُبل منه. ولو قامت البيّنة على صدور كلام منه موجب للارتداد فادّعى ما ذُكر قُبل منه.
          مسألة 4 - ولد المرتدّ الملّيّ قبل ارتداده بحكم المسلم؛ فلو بلغ واختار الكفر استتيب، فإن تاب وإلّا قُتل. وكذا ولد المرتدّ الفطريّ قبل ارتداده بحكم المسلم؛ فإذا بلغ واختار الكفر وكذا ولد المسلم إذا بلغ واختار الكفر قبل إظهار الإسلام فالظاهر عدم إجراء حكم المرتدّ فطريّا عليهما، بل يستتابان، وإلّا فيقتلان.
          مسألة 5 - إذا تكرّر الارتداد من الملّيّ قيل: يقتل في الثالثة، وقيل: يقتل في الرابعة. وهو أحوط.
          مسألة 6 - لو جُنّ المرتدّ الملّيّ بعد ردّته وقبل استتابته لم يُقتل. ولو طرأ الجنون بعد استتابته وامتناعه المبيح لقتله يُقتل، كما يُقتل الفطريّ إذا عرضه الجنون بعد ردّته.
          مسألة 7 - لو تاب المرتدّ عن ملّة فقتله من يعتقد بقاءه على الردّة قيل: عليه القود. والأقوى عدمه. نعم، عليه الدية في ماله.
          مسألة 8 - لو قتل المرتدّ مسلما عمدا فللوليّ قتله قودا. وهو مقدّم على قتله بالردّة. ولو عفا الوليّ أو صالحه على مال قُتل بالردّة.
          مسألة 9 - يثبت الارتداد بشهادة عدلين، وبالإقرار. والأحوط إقراره مرّتين. ولا يثبت بشهادة النساء منفردات ولا منضمّات.

        • القول في وطء البهيمة والميت

           

          القول في وطء البهيمة والميّت

          مسألة 1 - في وطءالبهيمة تعزير. وهومنوط بنظرالحاكم. ويشترط فيه البلوغ والعقل والاختيار وعدم الشبهة مع إمكانها؛ فلا تعزير على الصبيّ، وإن كان مميّزا يؤثّرفيه التأديب أدّبه الحاكم بمايراه؛ ولا على المجنون ولو أدوارا إذا فعل في دور جنونه؛ ولا على المكره؛ ولا على المشتبه مع إمكان الشبهة في حقّه حكما أوموضوعا.
          مسألة 2 - يثبت ذلك بشهادة عدلين، ولا يثبت بشهادة النساء لا منفردات ولا منضمّات؛ وبالإقرار إن كانت البهيمة له، وإلّا يثبت التعزير بإقراره. ولا يجري على البهيمة سائر الأحكام إلّا أن يصدّقه المالك.
          مسألة 3 - لو تكرّر منه الفعل: فإن لم يتخلّله التعزير فليس عليه إلّا التعزير، ولو تخلّله فالأحوط قتله في الرابعة.
          مسألة 4 - الحدّ في وطء المرأة الميّتة كالحدّ في الحيّة، رجما مع الإحصان، وحدّا مع عدمه، بتفصيل مرّ في حدّ الزنا. والإثم والجناية هنا أفحش وأعظم، وعليه تعزير زائدا على الحدّ بحسب نظر الحاكم على تأمّل فيه. ولو وطئ امرأته الميّتة فعليه التعزير دون الحدّ. وفي اللواط بالميّت حدّ اللواط بالحيّ؛ و يعزّر تغليظا على تأمّل.
          مسألة 5 - يعتبر في ثبوت الحدّ في الوطء بالميّت ما يعتبر في الحيّ: من البلوغ والعقل والاختيار وعدم الشبهة.
          مسألة 6 - يثبت الزنا بالميّتة واللواط بالميّت بشهادة أربعة رجال. وقيل: يثبت بشهادة عدلين. والأول أشبه. ولا يثبت بشهادة النساء منفردات ولامنضمّات حتّى ثلاثة رجال مع امرأتين، على الأحوط في وطء الميّتة، وعلى الأقوى في الميّت؛ وبالإقرار أربع مرّات.
          فرع: من استمنى بيده أو بغيرها من أعضائه عُزّر ويقدّر بنظر الحاكم. ويثبت ذلك بشهادة عدلين والإقرار. ولا يثبت بشهادة النساء منضمّات ولا منفردات.
          وأمّا العقوبة دفاعا فقد ذكرنا مسائلها في ذيل كتاب الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر.

      • تتمة فيها أحكام أهل الذمة
        • القول فيمن تؤخذ منه الجزية

           

          القول في من تؤخذ منه الجزية

          مسألة 1 - تؤخذ الجزية من اليهود والنصارى من أهل الكتاب وممّن له شبهة كتاب -وهم المجوس- من غير فرق بين المذاهب المختلفة فيهم، كالكاتوليكيّة والبروتستانيّة و غيرهما وإن اختلفوا في الفروع وبعض الاُصول بعد أن كانوا من إحدى الفرق.
          مسألة 2 - لا تقبل الجزية من غيرهم من أصناف الكفّار والمشركين، كعبّاد الأصنام والكواكب وغيرهما، عربيّا كانوا أو عجميّا، من غير فرق بين من كان منتسبا إلى من كان له كتاب - كإبراهيم وداود وغيرهما:- وبين غيره؛ فلايقبل من غير الطوائف الثلاث إلّا الإسلام أو القتل؛ وكذا لا تقبل ممّن تنصّر أو تهوّد أو تمجّس بعد نسخ كتبهم بالإسلام؛ فمن دخل في الطوائف حربيّ، سواء كان مشركا أو من سائر الفرق الباطلة.
          مسألة 3 - الفرق الثلاث إذا التزموا بشرائط الذمّة الآتية اُقرّوا على دينهم، سواء كانوا عربا أو عجما. وكذلك من كان من نسلهم، فإنّه يقرّ على دينه بشرائطها، وتُقبل منهم الجزية.
          مسألة 4 - من انتقل من دينه من غير الفرق الثلاث إلى إحدى الطوائف: فإن كان قبل نسخ شرائعهم اُقرّوا عليه، وإن كان بعده لم يقرّوا ولم تقبل منهم الجزية، فحكمهم حكم الكفّار غير أهل الكتاب. ولو انتقل مسلم إلى غير الإسلام فهو مرتدّ ذكرنا حكمه في بابه.
          مسألة 5 - لوأحاط المسلمون بقوم من المشركين فادّعوا أنّهم أهل الكتاب من الثلاث يُقبل منهم إذا بذلوا الجزية، ويقرّوا على ماادّعوا، ولم يكلّفوا البيّنة. ولوادّعى بعض أنّه أهل الكتاب وأنكر بعض يقرّ المدّعي ولا يقبل قول غيره عليه. ولو ثبت بعد عقدالجزية بإقرارمنهم أوبيّنة أو غيرذلك أنّهم ليسوا أهل الكتاب انتقض العهد.
          مسألة 6 - لا تؤخذ الجزية من الصبيان والمجانين والنساء. وهل تسقط عن الشيخ الفاني والمقعد والأعمى والمعتوه؟ فيه تردّدٌ. والأشبه عدم السقوط. وتؤخذ ممّن عدا ما استثني ولو كانوا رهبانا أو فقراء، لكن ينتظر حتّى يوسر الفقير.
          مسألة 7 - لا يجوز في عقد الذمّة اشتراط كون الجزية أو بعضها على النساء؛ فلو اشترط بطل الشرط. ولو حاصر المسلمون حصنا من أهل الكتاب فقتلوا الرجال قبل العقد فسألت النساء إقرارهنّ ببذل الجزية لا يصحّ؛ وكذا لو كان سؤال الإقرار بعد العقد.
          مسألة 8 - لا جزية على المجنون مطبقا؛ فلو أفاق حولا وجبت عليه. ولو أفاق وقتا وجُنّ وقتا قيل: يعمل بالأغلب. وفيه إشكال. وفي ثبوتها عليه إشكال وتردّدٌ.
          مسألة 9 - كلّ من بلغ من صبيانهم يؤمر بالإسلام أو الجزية؛ فإن امتنع صار حربيّا. ولابدّ في الصبيان بعد البلوغ من العقد معهم. ولا يكفي العقد الّذي مع آبائهم عنهم؛ فلو عقدوا اُخذت الجزية منهم بحلول الحول، ولا يدخل حولهم في حول آبائهم؛ ولو بلغوا سفيها فالظاهر أنّ العقد موقوف على إذن أوليائهم.
          مسألة 10 - إذا اختار الحرب وامتنع عن الإسلام والجزية ردّ إلى مأمنه. ولايجوز اغتياله، فإنّه داخل في أمان أبيه.

        • القول في كمية الجزية

           

          القول في كمّيّة الجزية

          مسألة 1 - لا تقدير خاصّ في الجزية ولا حدّ لها، بل تقديرها إلى الوالي بحسب ما يراه من المصالح في الأمكنة والأزمنة ومقتضيات الحال. والأولى أن لايقدّرها في عقد الذمّة، ويجعلها على نظر الإمام (عليه السلام) تحقيقا للصغار والذلّ.
          مسألة 2 - يجوز للوالي وضعها على الرؤوس أو على الأراضي أو عليهما معا، بل له أن يضعها على المواشي والأشجار والمستغلّات بما يراه مصلحةً.
          مسألة 3 - لو عيّن في عقد الذمّة الجزية على الرؤوس لا يجوز بعده أخذ شي ء من أراضيهم وغيرها. ولو وضع على الأراضي لا يجوز بعده الوضع على الرؤوس. ولو جعل عليهما لا يجوز النقل إلى إحداهما. وبالجملة: لابدّ من العمل على طبق الشرط.
          مسألة 4 - لو وضع مقدارا على الرؤوس أو الأراضي أو غيرهما في سنة جاز له تغييره في السنين الاُخر بالزيادة والنقيصة، أو الوضع على إحداهما دون الاُخرى، أو على الجميع.
          مسألة 5 - لو طرح التقدير وجعل على نظر الإمام (عليه السلام) فله الوضع أيّ نحو، وبأيّ مقدار، وبأيّ شي ء شاء.
          مسألة 6 - يجوز أن يشترط عليهم زائدا على الجزية ضيافةُ مارّة المسلمين، عسكرا كانوا أم لا. والظاهر لزوم تعيين زمان الضيافة كيوم أو ثلاثة أيّام. ويجوز إيكال كيفيّة الضيافة إلى العرف والعادة من ضيافة أهل نحلة غير أهلها ممّن يرى نجاستهم.
          مسألة 7 - الجزية كالزكاة والخراج تؤخذ كلّ حول. والظاهر جواز اشتراط الأداء عليهم أوّل الحول أو آخره أو وسطه. ولو أطلق فالظاهر أنّها تجب في آخر الحول؛ فحينئذٍ إن أسلم الذمّيّ قبل الحول أو بعده قبل الأداء أو قبل الأداء إذا شرط عليه أوّل الحول سقطت عنه.
          مسألة 8 - الظاهر سقوطها بالإسلام، سواء كان إسلامه لداعي سقوطها أولا. والقول بعدمه في الأوّل ضعيف.
          مسألة 9 - لو مات الذمّيّ بعد الحول لم تسقط واُخذت من تركته. ولو مات في أثنائه: فإن شرط عليه الأداء أوّل الحول فكذلك، وإن شرط في أثنائه ومات بعد تحقّق الشرط فكذلك أيضا، وإن وزّعت على الشهور فتؤخذ بمقداره، وإن وضعت عليه آخر الحول - بمعنى أن يكون حصول الدين في آخره - فمات قبله لم تؤخذ شيئا، وإن وضعت عليه وشرط التأخير إلى آخره تؤخذ، فهل لوارثه التأخير إلى آخره أو لا؟ فيه تأمّلٌ وإن لا يبعد تعجيلها كسائر الديون.
          مسألة 10 - يجوز أخذ الجزية من أثمان المحرّمات كالخمر والخنزير والميتة ونحوها، سواء أدّوها أو أحالوا إلى المشتري منهم إذا كان منهم. ولا يجوز أخذ أعيان المحرّمات جزيةً.
          مسألة 11 - الظاهر أنّ مصرف الجزية الآن هو مصرف خراج الأراضي. ولايبعد أن يكون مصرفها وكذا مصرف الخراج وسائر الماليّات مصالحَ الإسلام والمسلمين وإن عيّن مصرف بعض الأصناف في بعض الأموال.
          مسألة 12 - عقد الذمّة من الإمام (عليه السلام)، وفي غيبته من نائبه مع بسط يده. وفي الحال لو عقد الجائر كان لنا ترتيب آثار الصحّة وأخذ الجزية منه، كأخذ الجوائز والأخرجة، وخرجوا بالعقد معه عن الحربيّ.
          مسألة 13 - المال الّذي يجعل عليه عقد الجزية يكون بحسب ما يراه الحاكم من النقود أو العروض كالحليّ والأحشام وغيرهما.

        • القول في شرائط الذمة

           

          القول في شرائط الذمّة

          الأوّل: قبول الجزية بما يراه الإمام (عليه السلام) أو والي المسلمين على الرؤوس أو الأراضي أوهما أو غيرهما أو جميعها.
          الثاني: أن لا يفعلوا ما ينافي الأمان، مثل العزم على حرب المسلمين وإمداد المشركين.
          مسألة1 - مخالفة هذين الشرطين مستلزمة للخروج عن الذمّة، بل الأوّل منهما من مقوّمات عقد الجزية، والثاني منهما من مقتضيات الأمان، ولو لم يعدّا شرطا كان حسنا. ولو فعلوا ما ينافي الأمان كانوا ناقضين للعهد وخارجين عن الذمّة، اشترط عليهم أم لم يشترط.
          الثالث: أن لا يتظاهروا بالمنكرات عندنا، كشرب الخمر والزنا وأكل لحم الخنزير ونكاح المحرّمات.
          الرابع: قبول أن تجري عليهم أحكام المسلمين: من أداء حقّ أو ترك محرّم أو إجراء حدود اللّه تعالى ونحوها. والأ حوط اشتراط ذلك عليهم.
          مسأله 2 - لو شرط هذان القسمان في عقد الجزية فخالفوا نُقض العهد وخرجوا عن الذمّة، بل يحتمل أن يكون مخالفة هذين أيضا موجبةً لنقض العقد مطلقا، فيخرجون عنها بالامتناع والمخالفة وإن لم يشترطا عليهم.
          الخامس: أن لايؤذوا المسلمين، كالزنا بنسائهم واللواط بأبنائهم والسرقة لأموالهم وإيواء عين المشركين والتجسّس لهم. ولايبعد أن يكون الأخيران -سيّما الثاني منهما- من منافيات الأمان، ولزوم تركهما من مقتضياته.
          السادس: أن لايحدثوا كنيسةً ولايضربوا ناقوسا ولايطيلوا بناءً. ولو خالفوا عزّروا.
          مسألة 3 - هذان الشرطان أيضا كالثالث والرابع يحتمل أن يكون مخالفتهم فيهما ناقضا للعهد مطلقا، ويحتمل أن يكون ناقضامع الاشتراط. واحتمل بعضهم أن يكون النقض في ما إذا اشترط بنحو تعليق الأمان، لا الشرط في ضمن عقده. ولا شبهة في النقض على هذا الفرض.
          مسألة 4 - لو ارتكبوا جنايةً توجب الحدّ أو التعزير فعل بهم ما يقتضيه. ولو سبّوا النبيّ صلّى اللّه عليه وآله أو الأئمّة عليهم السلام أو فاطمة الزهراء سلام اللّه عليها -على احتمال غير بعيد- قتل السابّ كغيرهم من المكلّفين. ولو نالوهم بما دون السبّ عزّروا. ولو اشترط في العقد الكفّ عنه نقض العهد على قول. ولو علّق الأمان على الكفّ نقض العهد بالمخالفة.
          مسألة 5 - لو نسي فى عقد الذمّة ذكر الجزية بطل العقد. وأمّا رابع المذكورات ففي بطلانه بعدم ذكره وعدمه تردّدٌ، ولو قيل بعدم البطلان كان حسنا، ولزم عليهم مع عدم الشرط الالتزام بأحكام الإسلام، ومع الامتناع نقض العهد على احتمال. والثاني من مقتضيات الأمان كما مرّ، ولايبطل العهد بعدم ذكره. وغير ما ذكر أيضا لايوجب عدم ذكرها بطلان العقد.
          مسألة 6 - كلّ مورد يوجب الامتناع والمخالفة الخروج من الذمّة مطلقا -شرط عليهم أم لا- لو خالف أهل الذمّة الآن وامتنع منه يصير حربيّا ويخرج عن الذمّة. وكلّ مورد قلنا بأن الخروج عن الذمّة موقوف على الاشتراط والمخالفة يشكل الحكم بانتقاض العهد وخروجهم عن الذمّة لو خالفوا. ولو قلنا بأنّ جميع المذكورات من شرائط الذمّة - شرط في العقد أم لا - يخرج المخالف في واحد منها عنها ويصير حربيّا.
          مسألة 7 - ينبغي أن يشترط في عقد الذمّة كلّ ما فيه نفعٌ ورفعةٌ للمسلمين وضعةٌ لهم وما يقتضي دخولهم في الإسلام من جهته رغبةً أو رهبةً. ومن ذلك اشتراط التميّز عن المسلمين في اللباس والشعر والركوب والكنى بما هو مذكور في المفصّلات.
          مسألة 8 - إذا خرقوا الذمّة في دارالإسلام وخالفوا في موارد قلنا ينتقض عهدهم فيها فلوالي المسلمين ردّهم إلى مأمنهم؛ فهل له الخيار بين قتلهم واسترقاقهم ومفاداتهم؟ الظاهر ذلك على إشكال. وهل أموالهم بعد خرق الذمّة في أمان يردّ إليهم مع ردّهم إلى مأمنهم أم لا؟ الأشبه الأمان.
          مسألة 9 - إن أسلم الذمّيّ بعد الاسترقاق أو المفاداة لخرقه الذمّة لم يرتفع ذلك عنه، وبقي على الرقّ ولم يردّ إليه الفداء. وإن أسلم قبلهما وقبل القتل سقط عنه الجميع وغيرها ممّا عليه حال الكفر، عدا الديون والقود لو أتى بموجبه. ويؤخذ منه أموال الغير إذا كان عنده غصبا مثلا. وأمّا الحدود فقد قال الشيخ في المبسوط: إنّ أصحابنا رووا أنّ إسلامه لايُسقط عنه الحدّ.
          مسألة 10 - يكره السلام على الذمّيّ ابتداءً. وقيل: يحرم. وهو أحوط. ولو بدأ الذمّيّ بالسلام ينبغي أن يقتصر في الجواب على قوله «عليك». ويكره إتمامه ظاهرا. ولو اضطرّ المسلم إلى أن يسلّم عليه أو يتمّ جوابه جاز بلا كراهيّة. وأمّا غير الذمّيّ فالأحوط ترك السلام عليه إلّا مع الاضطرار وإن كان الأوجه الجواز على كراهيّة. وينبغي أن يقول عند ملاقاتهم: «السلام على من اتّبع الهدى». ويستحبّ أن يضطرّهم إلى أضيق الطرق.

        • القول في أحكام الأبنية

           

          القول في أحكام الأبنية

          مسألة 1 - لايجوز إحداث أهل الكتاب ومن في حكمهم المعابد في بلاد الإسلام، كالبيع والكنائس والصوامع وبيوت النيران وغيرها. ولو أحدثوها وجبت إزالتها على والي المسلمين.
          مسألة 2 - لافرق في ما ذكر من عدم جواز الإحداث ووجوب الإزالة بين ما كان البلد ممّا أحدثه المسلمون - كالبصرة والكوفة وبغداد وطهران وجملة من بلاد إيران ممّا مصّرها المسلمون - أو فتحها المسلمون عنوةً (ككثير من بلاد إيران وتركيا والعراق وغيرها) أو صلحا على أن تكون الأرض للمسلمين، ففي جميع ذلك تجب إزالة ما أحدثوه، ويحرم إبقاؤها كما يحرم الإحداث. وعلى الولاة -ولو كانوا جائرين - منعهم عن الإحداث وإزالة ما أحدثوه، سيّما مع ما نرى من المفاسد العظيمة الدينيّة والسياسيّة والخطر العظيم على شبّان المسلمين وبلادهم.
          مسألة 3 - لو فتحت أرض صلحا على أن تكون الأرض لواحد من أهل الذمّة ولم يشترط عليهم عدم إحداث المعابد جاز لهم إحداثها فيها. ولو انهدمت جاز لهم تعميرها وتجديدها. والمعابد الّتي كانت لهم قبل الفتح ولم يهدمها المسلمون جاز إقرارهم عليها على تأمّل وإشكال.
          مسألة 4 - كلّ بناء يستجدّه ويحدثه الذمّيّ لايجوز أن يعلو به على المسلمين من مجاوريه. وهل يجوز مساواته؟ فيه تأمّل وإن لايبعد. ولو ابتاع من مسلم ما هو مرتفع على ارتفاعه وعلوّه جاز ولم يؤمر بهدمه. ولو انهدم المرتفع من أصله أو خصوص ما علا به لم يجز بناؤه كالأوّل؛ فلم يعل به على المسلم، فيقتصر على مادونه على الأحوط وإن لايبعد جواز المساواة.
          مسألة 5 - لو انشعب شي ء من المبتاع من المسلم أو مال ولم ينهدم جاز رمّه وإصلاحه.
          مسألة 6 - لو بنى مسلم ما هو أخفض من مسكن ذمّيّ لم يؤمر الذمّيّ بهدمه وجعله مساويا. وكذا لو اشترى من ذمّيّ ما هو أخفض منه.
          مسألة 7 - لو كانت دار المسلم في أرض منخفضة هل يجوز للذمّيّ أن يبني في أرض مرتفعة إذا كان جداره مساوياً لجدار المسلم أو أدون؟ وجهان، لايبعد عدم الجواز. ولو انعكس ففيه أيضا وجهان. ولايبعد جواز كون جدار الذمّيّ أطول إذا لم يعل على جدار المسلم بملاحظة كونه في محلّ منخفض.
          مسألة 8 - الظاهر أنّ عدم جواز العلوّ من أحكام الإسلام؛ فلا دخل لرضا الجار وعدمه فيه. كما أنّه ليس من أحكام عقد الذمّة، بل من أحكام الذمّيّ والمسلم، فلا يكون المدار اشتراطه وعدمه.
          مسألة 9 - لايجوز دخول الكفّار المسجد الحرام بلا إشكال، سواء كانوا من أهل الذمّة أم لا؛ ولا سائر المساجد إذا كان في دخوله هتك، بل مطلقا على الأحوط لو لم يكن الأقوى. وليس للمسلمين إذنهم فيه، ولو أذنوا لم يصحّ.
          مسألة 10 - لايجوز مكثهم في المساجد ولا اجتيازهم ولا دخولهم لجلب طعام أو شي ء آخر. وهل يجوز دخولهم في الحرم مكثا أو اجتيازا أو امتيارا؟ قالوا: لايجوز، لأنّ المراد من المسجد الحرام في الآية الكريمة هو الحرم. وفيه أيضا رواية. والأحوط ذلك. واحتمل بعضهم إلحاق حرم الأئمّة (عليهم السلام) والصحن الشريف بالمساجد. وهو كذلك مع الهتك. والأحوط عدم الدخول مطلقا.
          مسألة 11 - لايجوز لهم استيطان الحجاز على قول مشهور. وادّعى شيخ الطائفة الإجماع عليه. وبه وردت الرواية من الفريقين. ولابأس بالعمل بها. والحجاز هو ما يسمّى الآن به. ولايختصّ بمكّة والمدينة. والأقوى جواز الاجتياز والامتيار منه.

        • فروع تلحق بالمقام

           

          وتلحق بالمقام فروع:

          الأوّل: كلّ ذمّيّ انتقل عن دينه إلى دين لايقرّ أهله عليه لم يقبل منه البقاء عليه ولايقرّ عليه، كالنصرانيّ يصير وثنيّا، واليهوديّ يصير بهائيّا فلا يقبل منه إلّا الإسلام أو القتل. ولو رجع إلى دينه الأوّل فهل يقبل منه ويقرّ عليه أم لا؟ فيه إشكال وإن لايبعد القبول. ولو انتقل من دينه إلى دين يقرّ أهله عليه كاليهوديّ يصير نصرانيّا أو العكس فهل يقبل منه ويقرّ عليه أم لا؟ لايبعد القبول والإقرار. وقيل: لايقبل منه إلّا الإسلام أو القتل.
          الثاني: لو ارتكب أهل الذمّة ما هو سائغ في شرعهم وليس بسائغ في شرع الإسلام لم يعترضوا ما لم يتجاهروا به. ولو تجاهروا به عمل بهم ما يقتضي الجناية بموجب شرع الإسلام: من الحدّ أو التعزير. ولو فعلوا ما ليس بسائغ في شرعهم يفعل بهم ما هو مقتضى الجناية في شرع الإسلام. قيل: وإن شاء الحاكم دفعه إلى أهل نحلته ليقيموا الحدّ عليه بمقتضى شرعهم. والأحوط إجراء الحدّ عليه حسب شرعنا. ولا فرق في هذا القسم بين المتجاهر وغيره.
          الثالث: لو أوصى الذمّيّ ببناء كنيسة أو بيعة أو بيت نار - معبدا لهم ومحلّاً لعباداتهم الباطلة - ورجع الأمر إلينا لم يجزلنا إنفاذها. وكذا لو أوصى بصرف شي ء في كتابة التوراة والإنجيل وسائر الكتب الضالّة المحرّفة وطبعها ونشرها. وكذا لو وقف شيئا على شي ء ممّا ذكر. ولو لم يرجع الأمر إلينا: فإن كان البناء ممّا لايجوز إحداثها أو تعميرها يجب المنع عنه، وإلّا ليس لنا الاعتراض إلّا إذا أرادوا بذلك تبليغ مذاهبهم الباطلة بين المسلمين وإضلال أبنائهم، فإنّه يجب منعهم ودفعهم بأيّة وسيلة مناسبة.
          الرابع: ليس للكفّار - ذمّيّا كانوا أولا - تبليغ مذاهبهم الفاسدة في بلاد المسلمين، ونشر كتبهم الضالّة فيها، ودعوة المسلمين وأبنائهم إلى مذاهبهم الباطلة. ويجب تعزيرهم. وعلى أولياء الدول الإسلاميّة أن يمنعهم عن ذلك بأيّة وسيلة مناسبة. ويجب على المسلمين أن يحترزوا عن كتبهم ومجالسهم ويمنعوا أبناءهم عن ذلك. ولو وصل إليهم من كتبهم والأوراق الضالّة منهم شيئا يجب محوها، فإنّ كتبهم ليست إلّا محرّفة غير محترمة. عصم اللّه تعالى المسلمين من شرور الأجانب وكيدهم، وأعلى اللّه تعالى كلمة الإسلام.

    • كتاب القصاص
    •  

      كتاب القصاص

      وهو إمّا في النفس وإمّا في ما دونها.

      • القسم الأول في قصاص النفس
      •  

        القسم الأوّل في قصاص النفس

        والنظر فيه في الموجب، والشرائط المعتبرة فيه، ومايثبت به، وكيفيّة الاستيفاء.

        • القول في الموجب

           

          القول في الموجب

          وهو إزهاق النفس المعصومة عمدا مع الشرائط الآتية.
          مسألة 1- يتحقّق العمد محضا بقصد القتل بما يقتل ولو نادرا؛ وبقصد فعلٍ يقتل به غالبا وإن لم يقصد القتل به. وقد ذكرنا تفصيل الأقسام في كتاب الديات.
          مسألة2-العمد قديكون مباشرةً، كالذبح والخنق باليد والضرب بالسيف والسكّين والحجر الغامز والجرح في المقتل ونحوها ممّا يصدر بفعله المباشريّ عرفا؛ ففيه القَوَد. وقد يكون بالتسبيب بنحو. وفيه صور نذكرها في ضمن المسائل الآتية.
          مسألة 3- لو رماه بسهم أو بندقة فمات فهو عمدٌ عليه القَوَد ولولم يقصد القتل به. و كذا لو خنقه بحبل ولم يزح عنه حتّى مات، أو غمسه في ماء ونحوه ومنعه عن الخروج حتّى مات، أو جعل رأسه فى جراب النورة حتّى مات، إلى غير ذلك من الأسباب الّتي انفرد الجاني في التسبيب المتلف، فهي من العمد.
          مسألة 4- في مثل الخنق وما بعده لو أخرجه منقطع النفس أو غير منقطع لكن متردّد النفس فمات من أثر ما فعل به فهو عمدٌ عليه القَوَد.
          مسألة 5- لو فعل به أحد المذكورات بمقدار لا يقتل مثله غالبا لمثله ثمّ أرسله فمات بسببه: فإن قصد ولو رجاءً القتلَ به ففيه القصاص، وإلّا فالدية. وكذا لو داس بطنه بما لايقتل به غالبا، أو عصر خصيته فمات، أو أرسله منقطع القوّة فمات.
          مسألة 6- لو كان الطرف ضعيفا - لمرض أو صغر أو كبر ونحوها - ففعل به ما ذكر في المسألة السابقة فالظاهر أنّ فيه القصاص ولو لم يقصد القتل مع علمه بضعفه، وإلّا ففيه التفصيل المتقدّم.
          مسألة 7- لو ضربه بعصاً - مثلا - فلم يقلع عنه حتّى مات أو ضربه مكرّرا ما لايتحمّله مثله بالنسبة إلى بدنه ككونه ضعيفا أو صغيرا أو بالنسبة إلى الضرب الوارد ككون الضارب قويّا أو بالنسبة إلى الزمان كفصل البرودة الشديدة -مثلا- فمات فهو عمدٌ.
          مسألة 8 - لو ضربه بما لايوجب القتل فأعقبه مرضا بسببه ومات به فالظاهر أنّه مع عدم قصد القتل لايكون عمدا ولا قَوَد، ومع قصده عليه القَوَد.
          مسألة 9- لو منعه عن الطعام أو الشراب مدّةً لايحتمل لمثله البقاء فهو عمدٌ وإن لم يقصد القتل، وإن كان مدّةً يتحمّل مثله عادةً ولايموت به لكن اتّفق الموت أو أعقبه بسببه مرض فمات ففيه التفصيل بين كون القتل مقصودا ولو رجاءً أولا.
          مسألة 10- لو طرحه في النار فعجز عن الخروج حتّى مات أو منعه عنه حتّى مات قتل به. ولو لم يخرج منها عمدا وتخاذلا فلا قَوَد ولا دية قتلٍ، وعليه دية جناية الإلقاء في النار. ولو لم يظهر الحال واحتمل الأمران لايثبت قَوَد ولا دية.
          مسألة 11- لو ألقاه في البحر ونحوه فعجز عن الخروج حتّى مات أو منعه عنه حتّى مات قتل به. ومع عدم خروجه عمدا وتخاذلا أو الشكّ في ذلك فحكمه كالمسألة السابقة. ولو اعتقد أنّه قادر على الخروج - لكونه من أهل فنّ السباحة- فألقاه ثمّ تبيّن الخلاف ولم يقدر الملقي على نجاته لم يكن عمدا.
          مسألة 12- لو فصده ومنعه عن شدّه فنزف الدم ومات فعليه القود. ولو فصده وتركه: فإن كان قادرا على الشدّ فتركه تعمّدا وتخاذلا حتّى مات فلا قَوَد ولا دية النفس، وعليه دية الفصد؛ ولو لم يكن قادرا: فإن علم الجاني ذلك فعليه القَوَد، ولو لم يعلم: فإن فصده بقصد القتل ولو رجاءً فمات فعليه القَوَد ظاهرا، وإن لم يقصده بل فصده برجاء شدّه فليس عليه القَوَد، وعليه دية شبه العمد.
          مسألة 13- لو ألقى نفسه من علوّ على إنسان عمداً: فإن كان ذلك ممّا يقتل به غالبا و لو لضعف الملقى عليه - لكبر أو صغر أو مرض - فعليه القَوَد؛ وإلّا: فإن قصد القتل به ولو رجاءً فكذلك هو عمدٌ عليه القَوَد، وإن لم يقصد فهو شبه عمد. وفي جميع التقادير دم الجاني هدر. ولو عثر فوقع على غيره فمات فلا شي ء عليه لاديةً ولاقَوَدا، وكذا لا شي ء على الّذي وقع عليه.
          مسألة 14- لو سحره فقتل وعلم سببيّة سحره له فهو عمدٌ إن أراد بذلك قتله، وإلّا فليس بعمد بل شبهه، من غير فرق بين القول بأنّ للسحر واقعيّة أو لا. ولو كان مثل هذا السحر قاتلا نوعا يكون عمدا ولو لم يقصد القتل به.
          مسألة 15- لو جنى عليه عمدا فسرت فمات: فإن كانت الجناية ممّا تسري غالبا فهو عمدٌ، أو قصد بها الموت فسرت فمات فكذلك، وأمّا لو كانت ممّا لاتسري ولا تقتل غالبا ولم يقصد الجاني القتل ففيه إشكال، بل الأقرب عدم القتل بها وثبوت دية شبه العمد.
          مسألة 16- لو قدّم له طعاما مسموما بما يقتل مثله غالبا أو قصد قتله به فلو لم يعلم الحال فأكل ومات فعليه القَوَد، ولا أثر لمباشرة المجنيّ عليه. وكذا الحال لو كان المجنيّ عليه غير مميّز، سواء خلطه بطعام نفسه وقدّم إليه أو أهداه أو خلطه بطعام الآكل.
          مسألة 17- لو قدّم إليه طعاما مسموما مع علم الآكل بأنّ فيه سمّا قاتلا فأكل متعمّدا وعن اختيار فلا قَوَد ولادية. ولوقال كذبا: «إنّ فيه سمّا غيرقاتل وفيه علاج لكذا» فأكله فمات فعليه القَوَد. ولو قال: «فيه سمّ» وأطلق فأكله فلا قَوَد ولادية.
          مسألة 18- لو قدّم إليه طعاما فيه سمّ غير قاتل غالبا: فإن قصد قتله ولو رجاءً فهو عمدٌ لو جهل الآكل، ولو لم يقصد القتل فلا قَوَد.
          مسألة 19- لو قدّم إليه المسموم بتخيّل أنّه مهدور الدم فبان الخلاف لم يكن قتل عمد ولا قَوَد فيه.
          مسألة 20- لو جعل السمّ في طعام صاحب المنزل فأكله صاحب المنزل من غير علم به فمات فعليه القَوَد لو كان ذلك بقصد قتل صاحب المنزل. وأمّا لو جعله بقصد قتل كلب - مثلا - فأكله صاحب المنزل فلا قَوَد، بل الظاهر أنّه لا دية أيضا. ولو علم أنّ صاحب المنزل يأكل منه فالظاهر أنّ عليه القَوَد.
          مسألة 21- لو كان في بيته طعام مسموم فدخل شخص بلا إذنه فأكل ومات فلاقَوَد ولادية. ولودعاه إلى داره لالأكل الطعام فأكله بلا إذن منه وعدوانا فلا قَوَد.
          مسألة 22- لو حفر بئرا ممّا يقتل بوقوعه فيها ودعا غيره - الّذي جهلها - بوجه يسقط فيها بمجيئه فجاء فسقط ومات فعليه القَوَد. ولو كانت البئر في غير طريقه ودعاه لا على وجه يسقط فيها فذهب الجائي على غير الطريق فوقع فيها لاقَوَد ولا دية.
          مسألة 23- لو جرحه فداوى نفسه بدواء سمّيّ مجهز بحيث يستند القتل إليه -لا الى الجرح- لاقَوَد في النفس، وفي الجرح قصاص إن كان ممّا يوجبه، وإلّا فأرش الجناية؛ ولو لم يكن مجهزا لكن اتّفق القتل به وبالجرح معا سقط ما قابل فعل المجروح، فللوليّ قتل الجارح بعد ردّ نصف ديته.
          مسألة 24- لو ألقاه في مسبعة كزبية الأسد ونحوه فقتله السباع فهو قتل عمد عليه القَوَد. وكذا لو ألقاه إلى أسدٍ ضارٍ فافترسه إذا لم يمكنه الاعتصام منه بنحو ولو بالفرار. ولو أمكنه ذلك وترك تخاذلا وتعمّدا لاقَوَد ولا دية. ولو لم يكن الأسد ضاريا فألقاه لا بقصد القتل فاتّفق أنّه قتله لم يكن من العمد. ولو ألقاه برجاء قتله فقتله فهو عمدٌ عليه القَوَد. ولو جهل حال الأسد فألقاه عنده فقتله فهو عمدٌ إن قصد قتله، بل الظاهر ذلك لو لم يقصده.
          مسألة 25- لو ألقاه في أرض مسبعة متكتّفا فمع علمه بتردّد السباع عنده فهو قتل عمد بلا اشكال، بل هو من العمد مع احتمال ذلك وإلقائه بقصد الافتراس ولو رجاءً. نعم، مع علمه أو اطمينانه بأنّه لايتردّد السباع فاتّفق ذلك لا يكون من العمد، والظاهر ثبوت الدية.
          مسألة 26- لو ألقاه عند السبع فعضّه بما لا يقتل به لكن سرى فمات فهو عمدٌ عليه القَوَد.
          مسألة 27- لو أنهشه حيّةً لها سمّ قاتل - بأن أخذها وألقمها شيئا من بدنه- فهو قتل عمدٍ عليه القَوَد. وكذا لو طرح عليه حيّةً قاتلةً فنهشته فهلك. وكذا لو جمع بينه وبينها في مضيق لا يمكنه الفرار أو جمع بينها وبين من لا يقدر عليه لضعفٍ -كمرض أو صغر أو كبر- فإنّ في جميعها وكذا في نظائرها قَوَدا.
          مسألة 28- لو أغرى به كلبا عقورا قاتلا غالبا فقتله فعليه القَوَد. وكذا لو قصد القتل به ولو لم يكن قاتلا غالبا أو لم يعلم حاله وقصد ولو رجاءً القتلَ فهو عمدٌ.
          مسألة 29- لو ألقاه إلى الحوت فالتقمه فعليه القَوَد. ولو ألقاه في البحر ليقتله فالتقمه الحوت بعد الوصول إلى البحر فعليه القَوَد وإن لم يكن من قصده القتل بالتقام الحوت بل كان قصده الغرق. ولو ألقاه في البحر وقبل وصوله إليه وقع على حجر ونحوه فقتل فعليه الدية. ولو التقمه الحوت قبل وصوله إليه فالظاهر أنّ عليه القَوَد.
          مسألة 30- لو جرحه ثمّ عضّه سبعٌ و سرتا فعليه القَوَد، لكن مع ردّ نصف الدية. ولو صالح الوليّ على الدية فعليه نصفها، إلّا أن يكون سبب عضّ السبع هو الجارح فعليه القَوَد. ومع العفو على الدية عليه تمام الدية.
          مسألة 31- لو جرحه ثمّ عضّه سبعٌ ثمّ نهشته حيّة فعليه القَوَد مع ردّ ثلثي الدية. ولو صالح بها فعليه ثلثها، وهكذا. وممّا ذكر يظهر الحال في جميع موارد اشتراك الحيوان مع الإنسان في القتل.
          مسألة 32- لو حفر بئرا ووقع فيها شخص بدفع ثالث فالقاتل الدافع لاالحافر. وكذا لو ألقاه من شاهق وقبل وصوله إلى الأرض ضربه آخر بالسيف -مثلا- فقدّه نصفين أو ألقاه في البحر وبعد وقوعه فيه قبل موته مع بقاء حياته المستقرّة قتله آخر فإنّ القاتل هو الضارب لا المُلقي.
          مسألة 33- لو أمسكه شخص وقتله آخر وكان ثالث عينا لهم فالقَوَد على القاتل لا الممسك، لكنّ الممسك يحبس أبدا حتّى يموت في الحبس، والربيئة تسمل عيناه بميل محمىً ونحوه.
          مسألة 34- لو أكرهه على القتل فالقَوَد على المباشر إذا كان بالغا عاقلا، دون المكره وإن أوعده على القتل، ويحبس الآمر به أبدا حتّى يموت. ولوكان المكرَه مجنونا أو طفلا غير مميّز فالقصاص على المكرِه الآمر. ولو أمر شخص طفلا مميّزا بالقتل فقتله ليس على واحد منهما القَوَد، والدية على عاقلة الطفل. ولو أكرهه على ذلك فهل على الرجل المكرِه القَوَد أو الحبس أبدا؟ الأحوط الثاني.
          مسألة 35- لو قال بالغ عاقل لآخر: «اقتلني وإلّا قتلتك» لايجوز له القتل، ولاترفع الحرمة، لكن لو حمل عليه بعد عدم إطاعته ليقتله جاز قتله دفاعا بل وجب، ولا شي ء عليه. ولو قتله بمجرّد الإيعاد كان آثما، وهل عليه القود؟ فيه إشكال وإن كان الأرجح عدمه، كما لا يبعد عدم الدية أيضا.
          مسألة 36- لو قال: «اقتل نفسك» فإن كان المأمور عاقلا مميّزا فلا شي ء على الآمر، بل الظاهر أنّه لو أكرهه على ذلك فكذلك، ويحتمل الحبس أبدا لإكراهه في ما صدق الإكراه، كما لو قال:«اقتل نفسك وإلّا قتلتك شرّ قتلة».
          مسألة 37- يصحّ الإكراه بما دون النفس؛ فلو قال له: «اقطع يد هذا وإلّا قتلتك» كان له قطعها وليس عليه قصاص، بل القصاص على المكره. ولو أمره من دون إكراه فقطعها فالقصاص على المباشر. ولو أكرهه على قطع إحدى اليدين فاختار إحداهما أو قطع يد أحد الرجلين فاختار أحدهما فليس عليه شي ء، وإنّما القصاص على المكره الآمر.
          مسألة 38- لو أكرهه على صعود شاهق فزلق رجله وسقط فمات فالظاهر أنّ عليه الدية لاالقصاص؛ بل الظاهر أنّ الأمر كذلك لو كان مثل الصعود موجبا للسقوط غالبا على إشكال.
          مسألة 39- لو شهد اثنان بما يوجب قتلا كالارتداد -مثلا- أو شهد أربعة بما يوجب رجما كالزنا ثمّ ثبت أنّهم شهدوا زورا بعد إجراء الحدّ أو القصاص لم يضمن الحاكم ولا المأمور من قبله في الحدّ، وكان القَوَد على الشهود زورا مع ردّ الدية على حساب الشهود. ولو طلب الوليّ القصاص كذبا وشهد الشهود زورا فهل القَوَد عليهم جميعا أو على الوليّ أو على الشهود؟ وجوه، أقربها الأخير.
          مسألة 40- لو جنى عليه فصيّره في حكم المذبوح بحيث لا يبقى له حياة مستقرّة فذبحه آخر فالقَوَد على الأوّل، وهو القاتل عمدا، وعلى الثاني دية الجناية على الميّت. ولو جنى عليه وكانت حياته مستقرّةً فذبحه آخر فالقَوَد على الثاني، وعلى الأوّل حكم الجرح قصاصا أو أرشا، سواء كان الجرح ممّا لايقتل مثله أو يقتل غالبا.
          مسألة 41- لو جرحه اثنان فاندمل جراحة أحدهما وسرت الاُخرى فمات فعلى من اندملت جراحته دية الجراحة أو قصاصها، وعلى الثاني القَوَد؛ فهل يقتل بعد ردّ دية الجرح المندمل أم يقتل بلا ردّ؟ فيه إشكال وإن كان الأقرب عدم الردّ.
          مسألة 42- لو قطع أحد يده من الزند وآخر من المرفق فمات: فإن كان قطع الأوّل بنحو بقيت سرايته بعد قطع الثاني كما لو كانت الآلة مسمومةً وسرى السمّ في الدم وهلك به وبالقطع الثاني كان القَوَد عليهما، كما أنّه لو كان القتل مستندا إلى السمّ القاتل في القطع ولم يكن في القطع سراية كان الأوّل قاتلا، فالقَوَد عليه، وإذا كان سراية القطع الأوّل انقطع بقطع الثاني كان الثاني قاتلا.
          مسألة 43- لو كان الجاني في الفرض المتقدّم واحدا دخل دية الطرف في دية النفس على تأمّل في بعض الفروض. وهل يدخل قصاص الطرف في قصاص النفس مطلقا، أو لا مطلقا، أو يدخل إذا كانت الجناية أو الجنايات بضربة واحدة، فلو ضربه ففقئت عيناه وشجّ رأسه فمات دخل قصاص الطرف في قصاص النفس، وأمّا إذا كانت الجنايات بضربات عديدة لم يدخل في قصاصها، أو يفرّق بين ماكانت الجنايات العديدة متواليةً - كمن أخذ سيفا وقطّع الرجل إربا إربا حتّى مات- فيدخل قصاصها في قصاص النفس، وبين ما إذا كانت متفرّقةً - كمن قطع يده في يوم وقطع رجله في يوم آخر وهكذا إلى أن مات - فلم يدخل قصاصها في قصاصها؟ وجوه، لايبعد أوجهيّة الأخير. والمسألة بعدُ مشكلة. نعم، لا إشكال في عدم التداخل لو كان التفريق بوجه اندمل بعض الجراحات؛ فمن قطع يد رجل فلم يمت واندملت جراحتها ثمّ قطع رجله فاندملت ثمّ قتله يقتصّ منه ثمّ يقتل.
          مسألة 44- لو اشترك اثنان فما زاد في قتل واحد اقتصّ منهم إذا أراد الوليّ؛ فيردّ عليهم ما فضل من دية المقتول، فيأخد كلّ واحد ما فضل عن ديته؛ فلو قتله اثنان وأراد القصاص يؤدّي لكلّ منهما نصف دية القتل، ولو كانوا ثلاثة فلكلّ ثلثا ديته وهكذا. وللوليّ أن يقتصّ من بعضهم ويردّ الباقون المتروكون ديةَ جنايتهم إلى الّذي اقتصّ منه. ثمّ لو فضل للمقتول أو المقتولين فضلٌ عمّا ردّه شركاؤهم قام الوليّ به ويردّه إليهم، كما لو كان الشركاء ثلاثة فاقتصّ من اثنين، فيردّ المتروك دية جنايته - وهي الثلث - إليهما، ويردّ الوليّ البقيّةَ إليهما، وهي دية كاملة، فيكون لكلّ واحدٍ ثلثا الدية.
          مسألة 45- تتحقّق الشركة في القتل، بأن يفعل كلّ منهم ما يقتل لو انفرد، كأن أخذوه جميعا فألقوه في النار أو البحر أو من شاهق، أو جرحوه بجراحات كلّ واحدة منها قاتلة لو انفردت. وكذا تتحقّق بما يكون له الشركة في السراية مع قصد الجناية؛ فلو اجتمع عليه عدّة فجرحه كلّ واحد بما لايقتل منفردا لكن سرت الجميع فمات فعليهم القَوَد بنحو مامرّ. ولايعتبر التساوي في عدد الجناية؛ فلو ضربه أحدهم ضربةً والآخر ضربات والثالث أكثر وهكذا فمات بالجميع فالقصاص عليهم بالسواء، والدية عليهم سواء. وكذا لايعتبر التساوي في جنس الجناية؛ فلو جرحه أحدهما جائفةً والآخر موضحةً - مثلا - أو جرحه أحدهما وضربه الآخر يقتصّ منهما سواء، والدية عليهما كذلك بعد كون السراية من فعلهما.
          مسألة 46- لو اشترك اثنان أو جماعة في الجناية على الأطراف يقتصّ منهم كما يقتصّ في النفس؛ فلو اجتمع رجلان على قطع يد رجل فإن أحبّ أن يقطعهما أدّى إليهما ديةَ يدٍ يقتسمانها ثمّ يقطعهما، وإن أحبّ أخذ منهما ديةَ يد، وإن قطع يد أحدهما ردّ الّذي لم يقطع يده على الّذي قطعت يده ربعَ الدية. وعلى هذا القياس اشتراك الجماعة.
          مسألة 47- الاشتراك فيها يحصل باشتراكهم في الفعل الواحد المقتضي للقطع، بأن يكرهوا شخصا على قطع اليد أو يضعوا خنجرا على يده واعتمدوا عليه أجمع حتّى تقطع. وأمّا لو انفرد كلّ على قطع جزء من يده فلا قطع في يدهما. وكذا لو جعل أحدهما آلته فوق يده والآخر تحتها فقطع كلّ جزءاً منها حتّى وصل الآلتان وقطعت اليد فلا شركة و لاقطع، بل كلّ جنى جنايةً منفردةً، وعليه القصاص أو الدية في جنايته الخاصّة.
          مسألة 48- لو اشترك في قتل رجل امرأتان قُتلتا به من غير ردّ شي ء. ولو كنّ أكثر فللوليّ قتلهنّ وردّ فاضل ديته يقسّم عليهنّ بالسويّة؛ فإن كنّ ثلاثا وأراد قتلهنّ ردّ عليهنّ ديةَ امرأة، وهي بينهنّ بالسويّة، وإن كنّ أربعا فدية امرأتين كذلك وهكذا. وإن قتل بعضهنّ ردّ البعض الآخر ما فضل من جنايتها؛ فلو قتل في الثلاث اثنتين ردّت المتروكةُ ثلث ديته على المقتولين بالسويّة. ولو اختار قتل واحدة ردّت المتروكتان على المقتولة ثلثَ ديتها، وعلى الوليّ نصف دية الرجل.
          مسألة 49- لو اشترك في قتل رجلٍ رجلٌ وامرأةٌ فعلى كلّ منهما نصف الدية؛ فلو قتلهما الوليّ فعليه ردّ نصف الدية على الرجل، ولا ردّ على المرأة. ولو قتل المرأة فلا ردّ، و على الرجل نصف الدية. ولو قتل الرجل ردّت المرأة عليه نصفَ ديته لا ديتها.
          مسألة 50- قالوا: كلّ موضع يوجب الردّ يجب أوّلا الردّ ثمّ يستوفى . وله وجه. ثمّ إنّ المفروض في المسائل المتقدّمة هو الرجل المسلم الحرّ والمرأة كذلك.

        • القول في الشرائط المعتبرة في القصاص

           

          القول في الشرائط المعتبرة في القصاص

          وهي اُمور:
          الأوّل: التساوي في الحرّيّة والرقّيّة؛ فيقتل الحرّ بالحرّ وبالحرّة لكن مع ردّ فاضل الدية، وهو نصف دية الرجل الحرّ. وكذا تقتل الحرّة بالحرّة وبالحرّ لكن لايؤخذ من وليّها أو تركتها فاضل دية الرجل.
          مسألة 1- لو امتنع وليّ دم المرأة عن تأدية فاضل الدية أو كان فقيرا ولم يرض القاتل بالدية أو كان فقيرا يؤخّر القصاص إلى وقت الأداء والميسرة.
          مسألة 2- يقتصّ للرجل من المرأة في الأطراف. وكذا يقتصّ للمرأة من الرجل فيها من غير ردّ. وتتساوى ديتهما في الأطراف ما لم يبلغ جراحة المرأة ثلث دية الحرّ؛ فإذا بلغته ترجع إلى النصف من الرجل فيهما؛ فحينئذٍ لايقتصّ من الرجل لها إلّا مع ردّ التفاوت.

          الثاني: التساوي في الدين؛ فلا يقتل مسلم بكافر مع عدم اعتياده قتل الكفّار.
          مسألة 1- لافرق بين أصناف الكفّار من الذمّيّ والحربيّ والمستأمن وغيره. ولوكان الكافر محرّم القتل كالذمّيّ والمعاهد يعزّر لقتله،ويغرم المسلم ديةالذمّيّ لهم.
          مسألة 2- لو اعتاد المسلم قتل أهل الذمّة جاز الاقتصاص منه بعد ردّ فاضل ديته. وقيل: إنّ ذلك حدّ لا قصاص. وهو ضعيف.
          مسألة 3- يقتل الذمّيّ بالذمّيّ وبالذمّيّة مع ردّ فاضل الدية، والذمّيّة بالذمّيّة وبالذمّيّ، من غير ردّ الفضل كالمسلمين، من غيرفرق بين وحدة ملّتهماواختلافهما؛ فيقتل اليهوديّ بالنصرانيّ وبالعكس، والمجوسيّ بهما وبالعكس.
          مسألة 4- لو قتل ذمّيّ مسلما عمدا دُفع هو وماله إلى أولياء المقتول، وهم مخيّرون بين قتله واسترقاقه، من غير فرق بين كون المال عينا أو دينا، منقولا أو لا، ولا بين كونه مساويا لفاضل ديةالمسلم أوزائدا عليه أومساوياللدية أوزائدا عليها.
          مسألة 5- أولاد الذمّيّ القاتل أحرار لايسترقّ واحد منهم لقتل والدهم. ولو أسلم الذمّيّ القاتل قبل استرقاقه لم يكن لأولياء المقتول غير قتله.
          مسألة 6- لو قتل الكافر كافرا وأسلم لم يقتل به، بل عليه الدية إن كان المقتول ذا دية.
          مسألة 7- يقتل ولد الرشدة بولد الزنية بعد وصفه الإسلام حين تميزه ولو لم يبلغ. و أمّا في حال صغره قبل التميز أو بعده وقبل إسلامه ففي قتله به وعدمه تأمّلٌ وإشكال.

          و من لو احق هذا الباب فروع:
          منها: لوقطع مسلم يدَ ذمّيّ عمدا فأسلم وسرت إلى نفسه فلاقصاص في الطرف و لا قَوَد في النفس، وعليه دية النفس كاملةً. وكذا لو قطع صبيّ يد بالغ فبلغ ثمّ سرت جنايته لاقصاص في الطرف ولا قَوَد في النفس، وعلى عاقلته دية النفس.
          ومنها: لو قطع يدَ حربيّ أو مرتدّ فأسلم ثمّ سرت فلا قَوَد، ولا دية على الأقوى. وقيل بالدية اعتبارا بحال الاستقرار. والأوّل أقوى. ولو رماه فأصابه بعد إسلامه فلا قَوَد ولكن عليه الدية. وربما يحتمل العدم اعتبارا بحال الرمي. وهو ضعيف. وكذا الحال لو رمى ذمّيّا فأسلم ثمّ أصابه فلا قَوَد، وعليه الدية.
          ومنها: لو قتل مرتدّ ذمّيّا يقتل به، وإن قتله ورجع إلى الإسلام فلا قَوَدَ وعليه دية الذمّيّ. ولو قتل ذمّيّ مرتدّا ولو عن فطرة قتل به. ولو قتله مسلم فلا قَوَد. والظاهر عدم الدية عليه، وللإمام 7 تعزيره.
          ومنها: لووجب على مسلمٍ قصاصٌ فقتله غير الوليّ كان عليه القَوَد. ولو وجب قتله بالزنا أو اللواط فقتله غير الإمام 7 قيل: لا قَوَد عليه ولا دية. وفيه تردّدٌ.

          الشرط الثالث: انتفاء الاُبوّة؛ فلا يقتل أب بقتل ابنه. والظاهر أن لا يقتل أب الأب و هكذا.
          مسألة 1- لاتسقط الكفّارة عن الأب بقتل ابنه ولا الدية، فيؤدّي الدية إلى غيره من الورّاث، ولا يرث هو منها.
          مسألة 2- لايقتل الأب بقتل ابنه ولو لم يكن مكافئا له؛ فلا يقتل الأب الكافر بقتل ابنه المسلم.
          مسألة 3- يقتل الولد بقتل أبيه؛ وكذا الاُمّ وإن علت بقتل ولدها، والولد بقتل اُمّه؛ و كذا الأقارب كالأجداد والجدّات من قبل الاُمّ، والإخوة من الطرفين، والأعمام والعمّات و الأخوال والخالات.
          مسألة 4- لو ادّعى اثنان ولدا مجهولا: فإن قتله أحدهما قبل القرعة فلا قَوَد، ولو قتلاه معا فهل هو كذلك لبقاء الاحتمال بالنسبة إلى كلّ منهما، أو يرجع إلى القرعة؟ الأقوى هو الثاني. ولو ادّعياه ثمّ رجع أحدهما وقتلاه توجّه القصاص على الراجع بعد ردّ ما يفضل عن جنايته، وعلى الآخر نصف الدية بعد انتفاء القصاص عنه. ولو قتله الراجع خاصّة اختصّ بالقصاص. ولو قتله الآخر لا يقتصّ منه. ولو رجعا معا فللوارث أن يقتصّ منهما بعد ردّ دية نفس عليهما. وكذا الحال لو رجعا أو رجع أحدهما بعد القتل، بل الظاهر أنّه لو رجع من أخرجته القرعة كان الأمر كذلك، بقي الآخر على الدعوى أم لا.
          مسألة 5- لو قتل رجل زوجته يثبت القصاص عليه لولدها منه على الأصحّ. وقيل: لايملك أن يقتصّ من والده. وهو غير وجيه.

          الشرط الرابع والخامس: العقل والبلوغ؛ فلا يقتل المجنون، سواء قتل عاقلا أو مجنونا. نعم، تثبت الدية على عاقلته. ولا يقتل الصبيّ بصبيّ ولا ببالغ وإن بلغ عشرا أو بلغ خمسة أشبار؛ فعمده خطأ حتّى يبلغ حدّ الرجال في السنّ أو سائر الأمارات، والدية على عاقلته.
          مسألة 1- لو قتل عاقل ثمّ خولط وذهب عقله لم يسقط عنه القَوَد، سواء ثبت القتل بالبيّنة أو بإقراره حال صحّته.
          مسألة 2- لايشترط الرشد بالمعنى المعهود في القصاص؛ فلو قتل بالغٌ غيرُ رشيد فعليه القَوَد.
          مسألة 3- لو اختلف الوليّ والجاني بعد بلوغه أو بعد إفاقته فقال الوليّ: «قتلته حال بلوغك أو عقلك» فأنكره الجاني فالقول قول الجاني بيمينه. ولكن تثبت الدية في مالهما بإقرارهما لا العاقلة، من غير فرق بين الجهل بتاريخهما أو بتاريخ أحدهما دون الآخر. هذا في فرض الاختلاف في البلوغ. وأمّا في الاختلاف في عروض الجنون فيمكن الفرق بين ما إذا كان القتل معلوم التاريخ وشكّ في تاريخ عروض الجنون فالقول قول الوليّ، وبين سائر الصور فالقول قول الجاني. ولولم يعهد للقاتل حال جنون فالظاهر أنّ القول قول الوليّ أيضا.
          مسألة 4- لو ادّعى الجاني صغره فعلا وكان ممكنا في حقّه: فإن أمكن إثبات بلوغه فهو، وإلّا فالقول قوله بلا يمين. ولا أثر لإقراره بالقتل إلّا بعد زمان العلم ببلوغه وبقائه على الإقرار به.
          مسألة 5- لو قتل البالغ الصبيّ قُتل به على الأشبه وإن كان الاحتياط أن لايختار وليّ المقتول قتله، بل يصالح عنه بالدية. ولايقتل العاقل بالمجنون وإن كان أدواريّا مع كون القتل حال جنونه. وتثبت الدية على القاتل إن كان عمدا أو شبهه، وعلى العاقلة إن كان خطأً محضا. ولو كان المجنون أراده فدفعه عن نفسه فلا شي ء عليه من قَوَد ولا دية، ويعطى ورثته الدية من بيت مال المسلمين.
          مسألة 6- في ثبوت القَوَد على السكران الآثم في شرب المسكر إن خرج به عن العمد والاختيار تردّدٌ. والأقرب الأحوط عدم القَوَد. نعم، لو شكّ في زوال العمد والاختيار منه يلحق بالعامد. وكذا الحال في كلّ مايسلب العمد والاختيار؛ فلو فرض أنّ في البنج وشرب المُرقِد حصول ذلك يلحق بالسكران. ومع الشكّ يعمل معه معاملة العمد. ولو كان السكر ونحوه من غير إثم فلا شبهة في عدم القَوَد. ولا قَوَد على النائم والمغمى عليه. وفي الأعمى تردّدٌ.

          الشرط السادس: أن يكون المقتول محقون الدم؛ فلو قتل من كان مهدور الدم كالسابّ للنبيّ 9 فليس عليه القَوَد. وكذا لاقَوَد على من قتله بحقّ كالقصاص والقتل دفاعا. وفي القَوَد على قتل من وجب قتله حدّا - كاللائط والزاني والمرتدّ فطرةً بعد التوبة - تأمّلٌ وإشكال. ولا قَوَد على من هلك بسراية القصاص أو الحدّ.

        • القول فيما يثبت به القود
          • الأمر الأول: الإقرار بالقتل

             

            الأوّل: الإقرار بالقتل

            ويكفي فيه مرّة واحدة. ومنهم من يشترط مرّتين. وهو غير وجيه.
            مسألة 1- يعتبر في المقرّ البلوغ والعقل والاختيار والقصد والحرّيّة؛ فلا عبرة بإقرار الصبيّ وإن كان مراهقا، ولا المجنون، ولا المكره، ولا الساهي والنائم والغافل والسكران الّذي ذهب عقله واختياره.
            مسألة 2- يقبل إقرار المحجور عليه لسفه أو فلس بالقتل العمديّ؛ فيؤخذ بإقراره، و يقتصّ منه في الحال من غير انتظار لفكّ حجره.
            مسألة 3- لو أقرّ شخص بقتله عمدا وآخر بقتله خطأً كان للوليّ الأخذ بقول صاحب العمد، فيقتصّ منه، والأخذ بقول صاحب الخطأ، فيلزمه بالدية، وليس له الأخذ بقولهما.
            مسألة 4- لو اتّهم رجل بقتلٍ وأقرّ المتّهم بقتله عمدا فجاء آخر وأقرّ أنّه هو الّذي قتله ورجع المُقرّ الأوّل عن إقراره درئ عنهما القصاص والدية، وتؤدّى دية المقتول من بيت المال على رواية عمل بها الأصحاب. ولا بأس به، لكن يقتصر على موردها والمتيقّن من مورد فتوى الأصحاب؛ فلو لم يرجع الأوّل عن إقراره عمل على القواعد. ولو لم يكن بيت مال للمسلمين فلا يبعد إلزامهما أو إلزام أحدهما بالدية. ولو لم يكن لهما مال ففي القَوَد إشكال.

          • الأمر الثاني: البينة

             

            الثاني: البيّنة

            لايثبت ما يوجب القصاص - سواء كان في النفس أو الطرف - إلّا بشاهدين عدلين. ولااعتبار بشهادة النساء فيه منفردات ولامنضمّات إلى الرجل، ولاتوجب بشهادتهنّ الدية في ما يوجب القصاص. نعم، تجوز شهادتهنّ في ما يوجب الدية كالقتل خطأً أو شبه عمد، وفي الجراحات الّتي لاتوجب القصاص كالهاشمة وما فوقها. ولايثبت ما يوجب القصاص بشهادة شاهد ويمين المدّعي على قول مشهور.
            مسألة 1- يعتبر في قبول الشهادة بالقتل أن تكون الشهادة صريحةً أو كالصريحة، نحو قوله: «قتله بالسيف» أو «ضربه به فمات» أو «أراق دمه فمات منه». ولو كان فيه إجمال أو احتمال لاتقبل. نعم، الظاهر عدم الاعتبار بالاحتمالات العقليّة الّتي لاتنافي الظهور أو الصراحة عرفا، مثل أن يقال في قوله «ضربه بالسيف فمات»: يحتمل أن يكون الموت بغير الضرب، بل الظاهر اعتبار الظهور العقلائيّ. ولا يلزم التصريح بما لايتخلّل فيه الاحتمال عقلا.
            مسألة 2- يعتبر في قبول الشهادة أن ترد شهادتهما على موضوع واحد ووصف واحد؛ فلو شهد أحدهما أنّه قتله غدوةً والآخر: عشيّةً، أو شهد أحدهما أنّه قتله بالسمّ والآخر: أنّه بالسيف، أو قال أحدهما: إنّه قتله في السوق وقال الآخر: في المسجد لم يقبل قولهما. والظاهر أنّه ليس من اللوث أيضا. نعم، لو شهد أحدهما بأنّه أقرّ بالقتل والآخر بمشاهدته لم يقبل شهادتهما، ولكنّه من اللوث.
            مسألة 3- لو شهد أحد الشاهدين بالإقرار بالقتل مطلقا وشهد الآخر بالإقرار عمدا ثبت أصل القتل الّذي اتّفقا عليه؛ فحينئذٍ يكلّف المدّعى عليه بالبيان: فإن أنكر أصل القتل لايقبل منه، وإن أقرّ بالعمد قُبل منه، وإن أنكر العمد وادّعاه الوليّ فالقول قول الجاني مع يمينه، وإن ادّعى الخطأ وأنكر الوليّ قيل: يقبل قول الجاني بيمينه. وفيه إشكال، بل الظاهر أنّ القول قول الوليّ. ولو ادّعى الجاني الخطأ وادّعى الوليّ العمد فالظاهر هو التداعي.
            مسألة 4- لو شهد أحدهما بمشاهدة القتل عمدا والآخر بالقتل المطلق وأنكر القاتل العمد وادّعاه الوليّ كانت شهادة الواحد لوثاً؛ فإن أراد الوليّ إثبات دعواه فلابدّ من القسامة.
            مسألة 5 - لو شهد اثنان بأنّ القاتل زيد - مثلا - وآخران بأنّه عمرو دونه قيل: يسقط القصاص، ووجب الدية عليهما نصفين لو كان القتل المشهود به عمدا أو شبيها به، وعلى عاقلتهما لو كان خطأً. وقيل: إنّ الوليّ مخيّر في تصديق أيّهما شاء، كما لو أقرّ اثنان كلّ واحد بقتله منفردا. والوجه سقوط القَوَد والدية جميعا.
            مسألة 6- لو شهدا بأنّه قتل عمدا فأقرّ آخر أنّه هو القاتل وأنّ المشهود عليه بري ء من قتله ففي رواية صحيحة معمول بها: «إن أراد أولياء المقتول أن يقتلوا الّذي أقرّ على نفسه فليقتلوه، ولا سبيل لهم على الآخر، ثمّ لاسبيل لورثة الّذي أقرّ على نفسه على ورثة الّذي شهد عليه. وإن أرادوا أن يقتلوا الّذي شهد عليه فليقتلوه، ولا سبيل لهم على الّذي أقرّ، ثمّ ليؤدّ الّذي أقرّ على نفسه إلى أولياء الّذي شهد عليه نصفَ الدية. وإن أرادوا أن يقتلوهما جميعا ذاك لهم، وعليهم أن يدفعوا إلى أولياء الّذي شهد عليه نصفَ الدية خاصّا دون صاحبه، ثمّ يقتلوهما. وإن أرادوا أن يأخذوا الدية فهي بينهما نصفان».
            والمسألة مشكلة جدّا يجب الاحتياط فيها وعدم التهجّم على قتلهما.
            مسألة 7- لو فرض في المسألة المتقدّمة أنّ أولياء الميّت ادّعوا على أحدهما دون الآخر سقط الآخر، فإن ادّعوا على المشهود عليه سقط إقرار المقرّ، وإن ادّعوا على المقرّ سقطت البيّنة.

          • الأمر الثالث: القسامة
          •  

            الثالث: القسامة

            والبحث فيها في مقاصد:

            • المقصد الأول في اللوث

               

              الأوّل في اللوث

              والمراد به: أمارة ظنّيّة قامت عند الحاكم على صدق المدّعي، كالشاهد الواحد أو الشاهدين مع عدم استجماع شرائط القبول، وكذا لو وجد متشحّطا بدمه وعنده ذو سلاح عليه الدم، أو وجد كذلك في دار قوم أو في محلّة منفردة عن البلد لايدخل فيها غير أهلها، أو في صفّ قتال مقابل الخصم بعد المراماة. وبالجملة: كلّ أمارة ظنّيّة عند الحاكم توجب اللوث، من غير فرق بين الأسباب المفيدة للظنّ؛ فيحصل اللوث بإخبار الصبيّ المميّز المعتمد عليه، والفاسق الموثوق به في إخباره، والكافر كذلك، والمرأة ونحوهم.
              مسألة 1- لو وجد في قرية مطروقة فيها الإياب والذهاب أو محلّة منفردة كانت مطروقةً فلا لوث، إلّا إذا كانت هناك عداوةٌ فيثبت اللوث.
              مسألة 2- لو وجد قتيل بين القريتين فاللوث لأقربهما إليه. ومع التساوي فهما سواء في اللوث. نعم، لو كان في إحداهما عداوةٌ فاللوث فيها وإن كانت أبعد.
              مسألة 3- لو لم يحصل اللوث فالحكم فيه كغيره من الدعاوي؛ فلاقسامة ولاتغليظ، والبيّنة على المدّعي واليمين على المدّعى عليه؛ فللوليّ مع عدم البيّنة إحلاف المنكر يمينا واحدا.
              مسألة 4- لو قُتل شخص في زحام الناس ليوم جمعة أو عيد أو وجد في فلاة أوسوق أو على جسر ولم يعلم من قتله فديته من بيت مال المسلمين. نعم، لوكان في المواردالمذكورة أمارةظنّيّة على كون القتل بفعل شخص معيّن - مثلا- حصل اللوث.
              مسألة 5 - لو تعارضت الأمارات الظنّيّة بطل اللوث، كما لو وجد بالقرب من القتيل ذو سلاح ملطّخ بالدم وسبعٌ من شأنه قتلُ الإنسان ولم تكن أمارةٌ لحصول القتل بأيّهما وفي كلّ طرف شكّ محض، فلابدّ في مثله فصل الخصومة بالطرف المعهود غير القسامة.
              مسألة 6 - لايشترط في اللوث وجود أثر القتل على الأقوى بعد قيام الأمارة الظنّيّة على أصل القتل. ولايشترط في القسامة حضور المدّعى عليه كما في سائر المقامات على الأصحّ.
              مسألة 7 - لو ادّعى الوليّ أنّ فلانا من أهل الدار قتله بعد أن وجد مقتولا فيها حصل اللوث، وثبتت الدعوى بالقسامة بشرط ثبوت كون المدّعى عليه في الدار حين القتل، وإلّا فلا لوث بالنسبة إليه؛ فلو أنكر كونه فيها وقت القتل كان القول قوله مع يمينه.

            • المقصد الثاني في كمّية القسامة

               

              المقصد الثاني في كمّيّة القسامة

              وهي في العمد خمسون يمينا، وفي الخطأ وشبهه خمس وعشرون على الأصحّ.
              مسألة 1- إن كان له قوم بلغ مقدار القسامة حلف كلّ واحد يمينا، وإن نقصوا عنه كرّرت عليهم الأيمان حتّى يكملوا القسامة. ولو كان القوم أكثر فهم مختارون في تعيين خمسين منهم في العمد وخمسةٍ وعشرين في غيره.
              مسألة 2- لو لم يكن للمدّعي قسامة أو كان ولكن امتنعوا - كلّاً أو بعضا - حلف المدّعي ومن يوافقه إن كان، وكرّر عليهم حتّى تتمّ القسامة، ولولم يوافقه أحد كرّر عليه حتّى يأتي بتمام العدد.
              مسألة 3- لو كان العدد ناقصا فهل يجب التوزيع عليهم بالسويّة، فإن كان عددهم عشرة يحلف كلّ واحد خمسة، أو يحلف كلّ مرّةً ويتمّ وليّ الدم النقيصة، أو لهم الخيرة بعد يمين كلّ واحد فلهم التوزيع بينهم بأيّ نحو شاؤوا؟ لايبعد الأخير وإن كان الأولى التوزيع بالسويّة. نعم، لو كان في التوزيع كسرٌ - كما إذا كان عددهم سبعةً - فبعد التوزيع بقي الكسر واحدا فلهم الخيرة. والأولى حلف وليّ الدم في المفروض، بل لو قيل: إنّ النقيصة مطلقا على وليّ الدم أو أوليائه فليس ببعيد؛ فإذا كان العدد تسعةً فالباقي خمسة يحلفها الوليّ أو الأولياء؛ فإن كان في التوزيع بين الأولياء كسرٌ فهم بالخيار. ولو وقع فيهم تشاحّ فلا يبعد الرجوع إلى القرعة، وليس هذا نكولا.
              مسألة 4- هل يعتبر في القسامة أن تكون من الورّاث فعلا أو في طبقات الإرث ولولم تكن وارثا فعلا أو يكفي كونها من قبيلة المدّعي وعشيرته عرفا وإن لم تكن من أقربائه؟ الظاهر عدم اعتبار الوراثة فعلا. نعم، الظاهر اعتبار ذلك في المدّعي. وأمّا سائر الأفراد فالاكتفاء بكونهم من القبيلة والعشيرة غير بعيد، لكنّ الأظهر أن يكونوا من أهل الرجل وأقربائه. والظاهر اعتبار الرجوليّة في القسامة. وأمّا في المدّعي فلا تعتبر فيه وإن كانت أحد المدّعين. ومع عدم العدد من الرجال ففي كفاية حلف النساء تأمّل وإشكال، فلابدّ من التكرير بين الرجال، ومع الفقد يحلف المدّعي تمام العدد ولو كان من النساء.
              مسألة 5- لو كان المدّعي أكثر من واحد فالظاهر كفاية خمسين قسامةً. وأمّا لو كان المدّعى عليه أكثر ففي كفاية خمسين قسامةً وعدمها إشكال. والأوجه تعدّد القسامة حسب تعدّد المدّعى عليه؛ فلو كان اثنين يحلف كلّ منهما مع قومه خمسين قسامةً على ردّ دعوى المدّعي وإن كان الاكتفاء بالخمسين لايخلو من وجه، لكنّ الأوّل أوجه.
              مسألة 6- لو لم يحلف المدّعي أو هو وعشيرته فله أن يردّ الحلف على المدّعى عليه فعليه أيضا خمسون قسامةً، فليحضر من قومه خمسين يشهدون ببراءته، وحلف كلّ واحد ببراءته. ولو كانوا أقلّ من الخمسين كرّرت عليهم الأيمان حتّى يكملوا العدد، وحكم ببراءته قصاصا وديةً. وإن لم يكن له قسامة من قومه يحلف هو خمسين يمينا، فإذا حلف حكم ببراءته قصاصا وديةً. وإن لم تكن له قسامة ونكل عن اليمين اُلزم بالغرامة. ولا يردّ في المقام اليمين على الطرف.
              مسألة 7- تثبت القسامة في الأعضاء مع اللوث. وهل القسامة فيها خمسون في العمد وخمس وعشرون في غيره في ما بلغت الجناية الدية - كالأنف والذكر- وإلّا فبنسبتها من خمسين يمينا في العمد وخمس وعشرين في الخطأ وشبهه أو ستّة أيمان في ما فيه دية النفس وبحسابه من الستّ في ما فيه دون الدية؟ الأحوط هو الأوّل، والأشبه هو الثاني. وعليه ففي اليد الواحدة أو الرجل الواحدة وكلّ ما فيه نصف الدية ثلاث أيمان، وفي ما فيه ثلثها اثنتان وهكذا، وإن كان كسرٌ في اليمين اُكمل بيمين، إذ لا تكسر اليمين؛ فحينئذٍ في الإصبع الواحدة يمين واحدة، وكذا في الأنملة الواحدة. وكذا الكلام في الجرح، فيجزي الستّ بحسب النسبة، وفي الكسر يكمل بيمين.
              مسألة 8 - يشترط في القسامة علم الحالف، ويكون حلفه عن جزم وعلم، ولايكفى الظنّ.
              مسألة 9 - هل تقبل قسامة الكافر على دعواه على المسلم في العمد والخطأ في النفس وغيرها؟ فيه خلاف. والوجه عدم القبول.
              مسألة 10- لابدّ في اليمين من ذكر قيود يخرج الموضوع ومورد الحلف عن الإبهام والاحتمال: من ذكر القاتل والمقتول ونسبهما ووصفهما بما يزيل الإبهام والاحتمال، و ذكر نوع القتل من كونه عمدا أو خطأ أو شبه عمد، وذكر الانفراد أو الشركة ونحو ذلك من القيود.

            • المقصد الثالث في أحكامها

               

              المقصد الثالث في أحكامها

              مسألة 1- يثبت القصاص بالقسامة في قتل العمد. والدية على القاتل في الخطأ شبيه العمد. وعلى العاقلة في الخطأ المحض. وقيل: تثبت في الخطأ المحض على القاتل لا العاقلة. وهو غير مرضيّ.
              مسألة 2- لو ادّعى على اثنين وله على أحدهما لوث فبالنسبة إلى ذي اللوث كان الحكم كما تقدّم من إثباته بخمسين قسامةً، وبالنسبة إلى غيره كانت الدعوى كسائر الدعاوي، اليمين على المدّعى عليه ولا قسامة؛ فلو حلف سقطت دعواه بالنسبة إليه، وإن ردّ اليمين على المدّعي حلف. وهذا الحلف لايدخل في الخمسين، بل لابدّ في اللوث من خمسين غير هذا الحلف على الأقوى.
              مسألة 3- لو أراد قتل ذي اللوث بعد الثبوت عليه بالقسامة يردّ عليه نصف ديته. وكذا لو ثبت على الآخر باليمين المردودة وأراد قتله يردّ عليه نصف الدية.
              مسألة 4- لو كان لوث وبعض الأولياء غائب ورفع الحاضر الدعوى إلى الحاكم تسمع دعواه، ويطالبه خسمين قسامةً، ومع الفقد يحلّفه خمسين يمينا في العمد، وفي غيره نصفها حسب ما عرفت، ويثبت حقّه، ولم يجب انتظار سائر الأولياء، وله الاستيفاء و لو قَوَدا. ثمّ لو حضر الغائب وأراد استيفاء حقّه قالوا: حلف بقدر نصيبه؛ فاذا كان واحدا ففي العمد خمس وعشرون، وإن كان اثنين فلكلّ ثلثٌ وهكذا، وفي الكسور يجبر بواحدة. ويحتمل ثبوت حقّ الغائب بقسامة الحاضر أو يمينه. ويحتمل التفصيل بين قسامة الحاضر فيقال بثبوت حقّ الغائب بها ويمينه خمسين يمينا مع فقد القسامة فيقال بعدم ثبوته بها. ويحتمل ثبوت حقّ الغائب بضمّ يمين واحدة إلى عدد القسامة، ومع فقدها ويمين الحاضر ضمّ حصّته من الأيمان. ويحتمل عدم ثبوت دعوى الغائب إلّا بخمسين قسامةً، ومع فقدها يحلف خمسين يمينا كالحاضر. ولو كان الغائب أزيد من واحد وادّعى الجميع كفاهم خمسون قسامةً أو خمسون يمينا من جميعهم. أقوى الاحتمالات الأخير، سيّما إذا ثبت حقّه بخمسين يميناً منه. ويأتي الاحتمالات مع قصور بعض الأولياء.
              مسألة 5- لو كذّب أحد الوليّين صاحبه لم يقدح في اللوث في ما إذا كانت أمارات على القتل. نعم، لايبعد القدح إذا كان اللوث بشاهد واحد مثلا. والمقامات مختلفة.
              مسألة 6- لو مات الوليّ قبل إقامة القسامة أو قبل حلفه قام وارثه مقامه في الدعوى؛ فعليه إذا أراد إثبات حقّه القسامة، ومع فقدها خمسون أو خمس وعشرون يمينا. وإن مات الوليّ في أثناء الأيمان فالظاهر لزوم استيناف الأيمان.ولو مات بعد كمال العدد ثبت للوارث حقّه من غير يمين.
              مسألة 7- لو حلف المدّعي مع اللوث واستوفى الدية ثمّ شهد اثنان أنّه كان غائبا غيبةً لايقدر معها على القتل أو محبوسا كذلك فهل تبطل القسامة بذلك واستعيدت الدية أم لامجال للبيّنة بعد فصل الخصومة باليمين؟ فيه تردّدٌ، والأرجح الثاني. نعم، لو علم ذلك وجدانا بطلت القسامة واستعيدت الدية. ولو اقتصّ بالقسامة أو الحلف اُخذت منه الدية لولم يعترف بتعمّد الكذب، وإلّا اقتصّ منه.
              مسألة 8 - لو استوفى حقّه بالقسامة فقال آخر: «أنا قتلته منفردا»: فإن كان المدّعي حلف وحده أو مع القسامة فليس له الرجوع إلى المقرّ إلّا إذا كذّب نفسه وصدّق المقرّ، وحينئذٍ ليس له العمل بمقتضى القسامة، ولابدّ من ردّ ما استوفاه؛ وإن لم يحلف وقلنا بعدم لزوم حلفه وكفى حلف قومه فإذا ادّعى جزما فكذلك ليس له الرجوع إلى المقرّ إلّا مع تكذيب نفسه، وإن ادّعى ظنّا وقلنا بسماع دعواه كذلك جاز له الرجوع إلى المقرّ، وجاز العمل بمقتضى القسامة. والظاهر ثبوت الخيار لو لم يكذّب نفسه ورجع عن جزمه إلى الترديد أو الظنّ.
              مسألة 9- لو اتّهم رجل بالقتل والتمس الوليّ من الحاكم حبسه حتّى يحضر البيّنة فالظاهر جواز إجابته إلّا إذا كان الرجل ممّن يوثق بعدم فراره، ولو أخّر المدّعي إقامة البيّنة إلى ستّة أيّام يخلّى سبيله.

        • القول في كيفية الأستيفاء

           

          القول في كيفيّة الاستيفاء

          مسألة 1- قتل العمد يوجب القصاص عينا، ولايوجب الدية لا عينا ولاتخييرا؛ فلو عفا الوليّ القَوَد يسقط وليس له مطالبة الدية. ولو بذل الجاني نفسه ليس للوليّ غيرها. ولو عفا الوليّ بشرط الدية فللجاني القبول وعدمه. ولا تثبت الدية إلا برضاه؛ فلو رضي بها يسقط القَوَد وتثبت الدية. ولو عفا بشرط الدية صحّ على الأصحّ. ولو كان بنحو التعليق فإذا قبل سقط القَوَد. ولو كان الشرط إعطاء الدية لم يسقط القَوَد إلّا بإعطائه، ولايجب على الجاني إعطاء الدية لخلاص نفسه، وقيل: يجب لوجوب حفظها.
          مسألة 2- يجوز التصالح على الدية أو الزائد عليها أو الناقص؛ فلو لم يرض الوليّ إلّا بأضعاف الدية جاز، وللجاني القبول؛ فإذا قبل صحّ، ويجب عليه الوفاء.
          مسألة 3- لايجوز للحاكم أن يقضي بالقصاص ما لم يثبت أن التلف كان بالجناية؛ فإن اشتبه عنده ولم يقم بيّنة على ذلك ولم يثبت بإقرار الجاني اقتصر على القصاص أو الارش في الجناية لا النفس؛ فإذا قطع يد شخص ولم يعلم -ولو بالبيّنة أو الإقرار - أنّ القتل حصل بالجناية لايجوز القتل.
          مسألة 4- يرث القصاص من يرث المال عدا الزوج والزوجة، فإنّهما لايستحقّان قصاصا. ومنهم من قال: لايرث القصاص الإخوة والأخوات من الاُمّ ومن يتقرّب بها. وقيل: ليس للنساء قَوَد ولا عفو وإن تقرّبن بالأب. والأول أشبه.
          مسألة 5- يرث الدية من يرث المال حتّى الزوج والزوجة. نعم، لايرث منها الإخوة و الأخوات من قبل الاُمّ، بل مطلق من يتقرّب بها على الأقوى، لكنّ الاحتياط في غير الإخوة والأخوات حسن.
          مسألة 6- الأحوط عدم جواز المبادرة للوليّ إذا كان منفردا إلى القصاص، سيّما في الطرف إلّا مع إذن والي المسلمين، بل لايخلو من قوّة. ولو بادر فللوالي تعزيره، ولكن لا قصاص عليه ولا دية.
          مسألة 7- لو كان أولياء الدم أكثر من واحد فالأقوى عدم جواز الاستيفاء إلّا باجتماع الجميع وإذن الوليّ، لا بمعنى ضرب كلّ واحد إيّاه، بل بمعنى إذنهم لأحد منهم أو توكيلهم أحدا. وعن جمع أنّه يجوز لكلّ منهم المبادرة، ولا يتوقّف على إذن الآخر، لكن يضمن حصص من لم يأذن. والأوّل أقوى. نعم، لو بادر واستبدّ فلا قَوَد، بل عليه حصص البقيّة مع عدم الإذن، وللإمام (عليه السلام) تعزيره.
          مسألة 8 - لو تشاحّ الأولياء في مباشرة القتل وتحصيل الإذن يقرع بينهم. ولو كان بينهم من لايقدر على المباشرة لكن أراد الدخول في القرعة ليوكّل قادرا في الاستيفاء يجب إدخاله فيها.
          مسألة 9- ينبغي لوالي المسلمين أو نائبه أن يحضر عند الاستيفاء شاهدين عدلين فطنين عارفين بمواقعه وشرائطه احتياطا، ولإقامة الشهادة إن حصلت منازعة بين المقتصّ وأولياء المقتصّ منه؛ وأن يعتبر الآلة لئلّا تكون مسمومةً موجبةً لفساد البدن وتقطّعه وهتكه عند الغسل أو الدفن؛ فلو علم مسموميّتها بما يوجب الهتك لايجوز استعمالها في قصاص المؤمن، ويعزّر فاعله.
          مسألة 10- لايجوز في قصاص الطرف استعمال الآلة المسمومة الّتي توجب السراية؛ فإن استعملها الوليّ المباشر ضمن؛ فلو علم بذلك ويكون السمّ ممّا يقتل به غالبا أو أراد القتل ولو لم يكن قاتلا غالبا يقتصّ منه بعد ردّ نصف ديته إن مات بهما؛ فلو كان القتل لا عن عمد يردّ نصف دية المقتول. ولو سرى السمّ إلى عضو آخر ولم يؤدّ إلى الموت فإنّه يضمن ما جنى ديةً وقصاصا مع الشرائط.
          مسألة 11- لايجوز الاستيفاء في النفس والطرف بالآلة الكالّة وما يوجب تعذيبا زائدا على ما ضرب بالسيف، مثل أن يقطع بالمنشار ونحوه. ولو فعل أثم وعزّر، لكن لاشي ء عليه، ولا يقتصّ إلّا بالسيف ونحوه. ولايبعد الجواز بما هو أسهل من السيف كالبندقة على المخّ، بل وبالاتّصال بالقوّة الكهربائيّة. ولو كان بالسيف يقتصر على ضرب عنقه ولو كانت جنايته بغير ذلك كالغرق أو الحرق أو الرضخ بالحجارة. ولايجوز التمثيل به.
          مسألة 12- اُجرة من يقيم الحدود الشرعيّة على بيت المال، واُجرة المقتصّ على وليّ الدم لو كان الاقتصاص في النفس، وعلى المجنيّ عليه لو كان في الطرف، ومع إعسارهما استدين عليهما، ومع عدم الإمكان فمن بيت المال. ويحتمل أن تكون ابتداءً على بيت المال، ومع فقده أو كان هناك ما هو أهمّ فعلى الوليّ أو المجنيّ عليه. وقيل: هي على الجاني.
          مسألة 13- لايضمن المقتصّ في الطرف سرايةَ القصاص إلّا مع التعدّي في اقتصاصه؛ فلو كان متعمّدا اقتصّ منه في الزائد إن أمكن، ومع عدمه يضمن الدية أو الأرش. ولو ادّعى المقتصّ منه تعمّد المقتصّ وأنكره فالقول قول المقتصّ بيمينه؛ بل لو ادّعى الخطأ وأنكر المقتصّ منه فالظاهر أنّ القول قول المقتصّ بيمينه على وجه. ولو ادّعى حصول الزيادة باضطراب المقتصّ منه أو بشي ء من جهته فالقول قول المقتصّ منه.
          مسألة 14- كلّ من يجري بينهم القصاص في النفس يجري في الطرف. ومن لا يقتصّ له في النفس لايقتصّ له في الطرف؛ فلا يقطع يد والدٍ لقطع يد ولده، ولايد مسلم لقطع يد كافر.
          مسألة 15- إذا كان له أولياء شركاء في القصاص فإن حضر بعض وغاب بعض فعن الشيخ 1 للحاضر الاستيفاء بشرط أن يضمن حصص الباقين من الدية. والأشبه أن يقال: لو كانت الغيبة قصيرةً يصبر إلى مجي ء الغائب. والظاهر جواز حبس الجاني إلى مجيئه لو كان في معرض الفرار. ولو كان غيرَ منقطعة أو طويلةً (1) فأمر الغائب بيد الوالي، فيعمل بما هو مصلحة عنده أو مصلحة الغائب. ولو كان بعضهم مجنونا فأمره إلى وليّه. ولو كان صغيرا ففي رواية: «انتظروا الّذين قتل أبوهم أن يكبروا، فإذا بلغوا خيّروا، فإن أحبّوا قتلوا أو عفوا أو صالحوا».
          مسألة 16- لو اختار بعض الأولياء الدية عن القَوَد فدفعها القاتل لم يسقط القَوَد لو أراد غيره ذلك، فللآخرين القصاص بعد أن يردّوا على الجاني نصيب من فاداه من الدية، من غير فرق بين كون ما دفعه أو صالح عليه بمقدار الدية أو أقلّ أو أكثر؛ ففي جميع الصور يردّ إليه مقدار نصيبه؛ فلو كان نصيبه الثلث يردّ إليه الثلث ولو دفع الجاني أقلّ أو أكثر. ولو عفا أو صالح بمقدار وامتنع الجاني من البدل جاز لمن أراد القَوَد أن يقتصّ بعد ردّ نصيب شريكه. نعم، لو اقتصر على مطالبة الدية وامتنع الجاني لايجوز الاقتصاص إلّا بإذن الجميع. ولو عفا بعض مجّانا لم يسقط القصاص، فللباقين القصاص بعد ردّ نصيب من عفا على الجاني.
          مسألة 17- إذا اشترك الأب والأجنبيّ في قتل ولده أو المسلم والذمّيّ في قتل ذمّيّ فعلى الشريك القَوَد، لكن يردّ الشريك الآخر عليه نصف ديته أو يردّ الوليّ نصفها ويطالب الآخر به. ولو كان أحدهما عامدا والآخر خاطئا فالقَوَد على العامد بعد ردّ نصف الدية على المقتصّ منه؛ فإن كان القتل خطأً محضا فالنصف على العاقلة، وإن كان شبه عمد كان الردّ من الجاني. ولو شارك العامدَ سبعٌ ونحوه يقتصّ منه بعد ردّ نصف ديته.
          مسألة 18- لايمنع الحجر - لفلس أو سفه - من استيفاء القصاص؛ فللمحجور عليه الاقتصاص. ولو عفا المحجور عليه لفلس على مال ورضي به القاتل قسّمه على الغرماء كغيره من الأموال المكتسبة بعد حجر الحاكم جديدا عنه. والحجر السابق لايكفي في ذلك. وللمحجور عليه العفو مجّانا وبأقلّ من الدية.
          مسألة 19- لو قُتل شخص وعليه دين فإن أخذ الورثة ديته صرفت في ديون المقتول ووصاياه كباقي أمواله. ولا فرق في ذلك بين دية القتل خطأً أو شبه عمد أو ما صولح عليه في العمد، كان بمقدار ديته أو أقلّ أو أكثر، بجنس ديته أو غيره.
          مسألة 20- هل يجوز للورثة استيفاء القصاص للمديون من دون ضمان الدية للغرماء؟ فيه قولان. والأحوط عدم الاستيفاء إلّا بعد الضمان، بل الأحوط مع هبة الأولياء دمه للقاتل ضمان الدية للغرماء.
          مسألة 21- لو قتل واحد رجلين أو أكثر عمدا على التعاقب أو معا قتل بهم، ولا سبيل لهم على ماله. فلو عفا أولياء بعض لا على مال كان للباقين القصاص من دون ردّ شي ء. وإن تراضى الأولياء مع الجاني بالدية فلكلّ منهم دية كاملة؛ فهل لكلّ واحد منهم الاستبداد بقتله من غير رضا الباقين أو لا، أو يجوز مع كون قتل الجميع معا، وأمّا مع التعاقب فيقدّم حقّ السابق فالسابق؛ فلو قتل عشرةً متعاقبا يقدّم حقّ وليّ الأوّل فجاز له الاستبداد بقتله بلا إذن منهم؛ فلو عفا فالحقّ للمتأخّر منه وهكذا؟ وجوه. لعلّ أوجهها عدم جواز الاستبداد ولزوم الإذن من الجميع، لكن لو قتله ليس عليه إلّا الإثم، وللحاكم تعزيره، ولا شي ء عليه ولا على الجاني في ماله. ولو اختلفوا في الاستيفاء ولم يمكن الاجتماع فيه فالمرجع القرعة، فإن استوفى أحدهم بالقرعة أو بلا قرعة سقط حقّ الباقين.
          مسألة 22- يجوز التوكيل في استيفاء القصاص؛ فلو عزله قبل استيفائه: فإن علم الوكيل بالعزل فعليه القصاص، وإن لم يعلم فلا قصاص ولا دية. ولو عفا الموكّل عن القصاص قبل الاستيفاء: فإن علم الوكيل واستوفاه فعليه القصاص، وإن لم يعلم فعليه الدية، ويرجع فيها بعد الأداء على الموكّل.
          مسألة 23- لايقتصّ من الحامل حتّى تضع حملها ولو تجدّد الحمل بعد الجناية، بل ولو كان الحمل من زناً. ولو ادّعت الحمل وشهدت لها أربع قوابل ثبت حملها. وإن تجرّدت دعواها فالأحوط التأخير إلى اتّضاح الحال. ولو وضعت حملها فلا يجوز قتلها إذا توقّف حياة الصبيّ عليها، بل لو خيف موت الولد لايجوز ويجب التأخير. ولو وجد ما يعيش به الولد فالظاهر أنّ له القصاص. ولو قتلت المرأة قصاصا فبانت حاملا فالدية على الوليّ القاتل.
          مسألة 24- لو قطع يدَ رجل وقتل رجلا آخر تقطع يده أوّلا ثمّ يقتل، من غير فرق بين كون القطع أوّلا أو القتل. ولو قتله وليّ المقتول قبل القطع أثم، وللوالي تعزيره، ولا ضمان عليه. ولو سرى القطع في المجنيّ عليه قبل القصاص يستحقّ وليّه ووليّ المقتول القصاص. ولو سرى بعد القصاص فالظاهر عدم وجوب شي ء في تركة الجاني. ولو قطع فاقتصّ منه ثمّ سرت جراحة المجنيّ عليه فلوليّه القصاص في النفس.
          مسألة 25- لو هلك قاتل العمد سقط القصاص بل والدية. نعم، لو هرب فلم يقدر عليه حتّى مات ففي رواية معمول بها: «إن كان له مال اُخذ منه، وإلّا اُخذ من الأقرب فالأقرب». ولا بأس به، لكن يقتصر على موردها.
          مسألة 26- لو ضرب الوليّ القاتل وتركه ظنّا منه أنّه مات فبرئ فالأشبه أن يعتبر الضرب؛ فإن كان ضربه ممّا يسوغ له القتل والقصاص به لم يقتصّ من الوليّ، بل جاز له قتله قصاصا؛ وإن كان ضربه ممّا لا يسوغ القصاص به - كأن ضربه بالحجر ونحوه - كان للجاني الاقتصاص، ثمّ للوليّ أن يقتله قصاصا أو يتتاركان.
          مسألة 27- لو قطع يده فعفا المقطوع ثمّ قتله القاطع فللوليّ القصاص في النفس. وهل هو بعد ردّ دية اليد أم يقتصّ بلا ردّ؟ الأشبه الثاني. وكذا لو قتل رجل صحيح رجلا مقطوع اليد قتل به. وفي رواية: «إن قطعت في جناية جناها أو قطع يده وأخذ ديتها يردّ عليه دية يده ويقتلوه. ولو قطعت من غير جناية ولا أخذ لها دية قتلوه بلا غرم». والمسألة مورد إشكال وتردّد. والأحوط العمل بها. وكذا الحال في مسألة اُخرى بها رواية. وهي: «لو قطع كفّا بغير أصابع قطعت كفّه بعد ردّ دية الأصابع». فإنّها مشكلة أيضا.


          1- هكذا في جميع الطبعات. ولكنّ الظاهر أنّ الصحيح: «كانت».

      • القسم الثاني في قصاص ما دون النفس

         

        القسم الثاني في قصاص مادون النفس

        مسألة 1- الموجب له هاهنا كالموجب في قتل النفس. وهو الجناية العمديّة مباشرةً أو تسبيبا حسب ما عرفت؛ فلو جنى بما يتلف العضو غالبا فهو عمدٌ، قصد الإتلاف به أولا. ولو جنى بما لايتلف به غالباً فهوعمدٌ مع قصدالإتلاف ولو رجاءً.
        مسألة 2- يشترط في جواز الاقتصاص فيه ما يشترط في الاقتصاص في النفس: من التساوي في الإسلام والحرّيّة وانتفاء الاُبوّة وكون الجاني عاقلا بالغا؛ فلا يقتصّ في الطرف لمن لايقتصّ له في النفس.
        مسألة 3- لايشترط التساوي في الذكورة والاُنوثة؛ فيقتصّ فيه للرجل من الرجل ومن المرأة من غير أخذ الفضل، ويقتصّ للمرأة من المرأة ومن الرجل لكن بعد ردّ التفاوت في ما بلغ الثلث كما مرّ.
        مسألة 4- يشترط في المقام - زائدا على ما تقدّم - التساوي في السلامة من الشلل ونحوه - على ما يجي ء - أو كون المقتصّ منه أخفض؛ والتساوي في الأصالة والزيادة؛ و كذا في المحلّ على ما يأتي الكلام فيه؛ فلا تقطع اليد الصحيحة -مثلا- بالشلّاء ولو بذلها الجاني، وتقطع الشلّاء بالصحيحة. نعم، لو حكم أهل الخبرة بالسراية بل خيف منها يعدل إلى الدية.
        مسألة 5 - المراد بالشلل هو يبس اليد بحيث تخرج عن الطاعة ولم تعمل عملها ولو بقي فيها حسّ وحركة غير اختياريّة. والتشخيص موكول إلى العرف كسائر الموضوعات. و لو قطع يدا بعض أصابعها شلّاء ففي قصاص اليد الصحيحة تردّد. ولا أثر للتفاوت بالبطش ونحوه؛ فيقطع اليد القويّة بالضعيفة، واليد السالمة باليد البرصاء والمجروحة.
        مسألة 6- يعتبر التساوي في المحلّ مع وجوده؛ فتقطع اليمين باليمين واليسار باليسار. ولو لم يكن له يمين وقطع اليمين قطعت يساره. ولو لم يكن له يد أصلا قطعت رجله على رواية معمول بها. ولا بأس به. وهل تقدّم الرجل اليمنى في قطع اليد اليمنى والرجل اليسرى في اليد اليسرى أو هما سواء؟ وجهان. ولو قطع اليسرى ولم تكن له اليسرى فالظاهر قطع اليمنى على إشكال، ومع عدمهما قطع الرجل. ولو قطع الرجل من لا رجل له فهل تقطع يده بدل الرجل؟ فيه وجه لايخلو من إشكال. والتعدّي إلى مطلق الأعضاء كالعين والاُذن والحاجب وغيرها مشكل وإن لايخلو من وجه، سيّما اليسرى من كلّ باليمنى.
        مسألة 7- لو قطع أيدي جماعة على التعاقب قطعت يداه ورجلاه بالأوّل فالأوّل، وعليه للباقين الدية. ولو قطع فاقد اليدين والرجلين يد شخص أو رجله فعليه الدية.
        مسألة 8- يعتبرفي الشجاج التساوي بالمساحة طولا وعرضا. قالوا: ولايعتبر عمقا و نزولا، بل يعتبر حصول اسم الشجّة. وفيه تأمّل وإشكال. والوجه التساوي مع الإمكان. و لو زاد من غير عمد فعليه الأرش. ولو لم يمكن إلّا بالنقص لايبعد ثبوت الأرش في الزائد على تأمّل. هذا في الحارصة والدامية والمتلاحمة. وأمّا في السمحاق والموضحة فالظاهر عدم اعتبار التساوي في العمق، فيقتصّ المهزول من السمين إلى تحقّق السمحاق والموضحة.
        مسألة 9 - لايثبت القصاص في ما فيه تغرير بنفس أو طرف؛ وكذا في ما لايمكن الاستيفاء بلا زيادة ونقيصة كالجائفة والمأمومة. ويثبت في كلّ جرح لاتغرير في أخذه بالنفس وبالطرف وكانت السلامة معه غالبةً؛ فيثبت في الحارصة والمتلاحمة والسمحاق و الموضحة، ولايثبت في الهاشمة ولا المنقّلة ولا لكسر شي ء من العظام. وفي رواية صحيحة: إثبات القَوَد في السنّ والذراع إذا كسرا عمدا. والعامل بها قليل.
        مسألة 10- هل يجوز الاقتصاص قبل اندمال الجناية؟ قيل: لا، لعدم الأمن من السراية الموجبة لدخول الطرف في النفس. والأشبه الجواز. وفي رواية: «لايقضى في شي ء من الجراحات حتّى تبرأ». وفي دلالتها نظر. والأحوط الصبر، سيّما في ما لا يؤمن من السراية. فلو قطع عدّة من أعضائه خطأً هل يجوز أخذ دياتها ولو كانت أضعاف دية النفس أو يقتصر على مقدار دية النفس حتّى يتّضح الحال، فإن اندملت أخذ الباقي، وإلّا فيكون له ما أخذ لدخول الطرف في النفس؟ الأقوى جواز الأخذ ووجوب الإعطاء. نعم، لو سرت الجراحات يجب إرجاع الزائد على النفس.
        مسألة 11- إذا اُريد الاقتصاص حلق الشعر عن المحلّ إن كان يمنع عن سهولة الاستيفاء أو الاستيفاء بحدّه، وربط الجاني على خشبة أو نحوها بحيث لايتمكّن من الاضطراب، ثمّ يقاس بخيط ونحوه ويعلّم طرفاه في محلّ الاقتصاص، ثمّ يشقّ من إحدى العلامتين إلى الاُخرى. ولو كان جرح الجاني ذا عرض يقاس العرض أيضا. وإذا شقّ على الجاني الاستيفاء دفعةً يجوز الاستيفاء بدفعات. وهل يجوز ذلك حتّى مع عدم رضا المجنيّ عليه؟ فيه تأمّل.
        مسألة 12- لو اضطرب الجاني فزاد المقتصّ في جرحه لذلك فلا شي ء عليه. ولو زاد بلا اضطراب أو بلا استناد إلى ذلك: فإن كان عن عمد يقتصّ منه، وإلّا فعليه الدية أو الأرش. ولو ادّعى الجاني العمد وأنكره المباشر فالقول قوله. ولو ادّعى المباشر الخطأ وأنكر الجاني قالوا: القول قول المباشر. وفيه تأمّل.
        مسألة 13- يؤخّر القصاص في الطرف عن شدّة الحرّ والبرد وجوبا إذا خيف من السراية، وإرفاقا بالجاني في غير ذلك. ولولم يرض في هذا الفرض المجنيّ عليه ففي جواز التأخير نظر.
        مسألة 14- لايقتصّ إلّا بحديدة حادّة غير مسمومة ولا كالّة مناسبةٍ لاقتصاص مثله. ولا يجوز تعذيبه أكثر ممّا عذّبه؛ فلو قلع عينه بآلة كانت سهلةً في القلع لايجوز قلعها بآلة كانت أكثر تعذيباً. وجاز القلع باليد إذا قلع الجاني بيده أو كان القلع بها أسهل. والأولى للمجنيّ عليه مراعاة السهولة، وجاز له المماثلة. ولو تجاوز واقتصّ بما هو موجب للتعذيب وكان أصعب ممّا فعل به فللوالي تعزيره، ولا شي ء عليه. ولو جاوز بما يوجب القصاص اقتصّ منه، أو بما يوجب الأرش أو الدية اُخذ منه.
        مسألة 15- لو كان الجرح يستوعب عضو الجاني مع كونه أقلّ في المجنيّ عليه لكبر رأسه - مثلا - كأن يكون رأس الجاني شبرا ورأس المجنيّ عليه شبرين وجنى عليه بشبر يقتصّ الشبر وإن استوعبه. وإن زاد على العضو - كأن جنى عليه في الفرض بشبرين - لا يتجاوز عن عضو بعضو آخر، فلا يقتصّ من الرقبة أو الوجه، بل يقتصّ بقدر شبر في الفرض، ويؤخذ للباقي بنسبة المساحة إن كان للعضو مقدّر، وإلّا فالحكومة. وكذا لايجوز تتميم الناقص بموضع آخر من العضو. ولو انعكس وكان عضو المجنيّ عليه صغيرا فجنى عليه بمقدار شبر وهو مستوعب لرأسه -مثلا- لايستوعب في القصاص رأس الجاني، بل يقتصّ بمقدار شبر وإن كان الشبر نصف مساحة رأسه.
        مسألة 16- لو أوضح جميع رأسه - بأن سلخ الجلد واللحم من جملة الرأس- فللمجنيّ عليه ذلك مع مساواة رأسهما في المساحة، وله الخيار في الابتداء بأيّ جهة. وكذا لو كان رأس المجنيّ عليه أصغر، لكن له الغرامة في المقدار الزائد بالتقسيط على مساحة الموضحة. ولو كان أكبر يقتصّ من الجاني بمقدار مساحة جنايته، ولايسلخ جميع رأسه. ولو شجّه فأوضح في بعضها فله دية موضحة، ولو أراد القصاص استوفى في الموضحة والباقي.
        مسألة 17- في الاقتصاص في الأعضاء - غير ما مرّ - كلّ عضو ينقسم إلى يمين وشمال - كالعينين والاُذنين والاُنثيين والمنخرين ونحوها - لايقتصّ إحداهما بالاُخرى؛ فلو فَقَأ عينه اليمنى لا يقتصّ عينه اليسرى، وكذا في غيرهما. وكلّ ما يكون فيه الأعلى والأسفل يراعى في القصاص المحلّ، فلا يقتصّ الأسفل بالأعلى كالجفنين والشفتين.
        مسألة 18- في الاُذن قصاص تقتصّ اليمنى باليمنى واليسرى باليسرى. وتستوي اُذن الصغير والكبير، والمثقوبة والصحيحة إذا كان الثقب على المتعارف، والصغيرة والكبيرة، والصمّاء والسامعة، والسمينة والهزيلة. وهل تؤخذ الصحيحة بالمخرومة وكذا الصحيحة بالمثقوبة على غير المتعارف بحيث تعدّ عيبا، أو يقتصّ إلى حدّ الخرم والثقب والحكومة في ما بقي أو يقتصّ مع ردّ دية الخرم؟ وجوه. لايبعد الأخير. ولو قطع بعضها جاز القصاص.
        مسألة 19- لو قطع اُذنه فألصقها المجنيّ عليه والتصقت فالظاهر عدم سقوط القصاص. ولو اقتصّ من الجاني فألصق الجاني اُذُنه والتصقت ففي رواية: «قطعت ثانيةً لبقاء الشين». وقيل: يأمر الحاكم بالإبانة لحمله الميتة والنجس. وفي الرواية ضعفٌ. ولو صارت بالإلصاق حيّةً كسائر الأعضاء لم تكن ميتةً، وتصحّ الصلاة معها. وليس للحاكم ولا لغيره إبانتها، بل لو أبانه شخص فعليه القصاص لو كان عن عمد وعلم، وإلّا فالدية. ولو قطع بعض الاُذُن ولم يُبنها فإن أمكنت المماثلة في القصاص ثبت، وإلّا فلا، وله القصاص و لو مع إلصاقها.
        مسألة 20- لو قطع اُذُنه فأزال سمعه فهما جنايتان. ولو قطع اُذُنا مستحشفةً شلّاء ففي القصاص إشكال، بل لايبعد ثبوت ثلث الدية.
        مسألة 21- يثبت القصاص في العين. وتقتصّ مع مساواة المحلّ؛ فلا تقلع اليمنى باليسرى ولا بالعكس. ولو كان الجاني أعور اقتصّ منه وإن عمي، فإنّ الحقّ أعماه. ولا يردّ شي ء إليه ولو كانت ديتها دية النفس إذا كان العور خلقةً أو بآفة من اللّه تعالى. ولا فرق بين كونه أعور خلقةً أو بجناية أو آفة أو قصاص. ولو قطع أعور العين الصحيحةَ من أعور يقتصّ منه.
        مسألة 22- لو قلع ذو عينين عين أعور اقتصّ له بعين واحدة، فهل له مع ذلك الردّ بنصف الدية؟ قيل لا. والأقوى ثبوته. والظاهر تخيير المجنيّ عليه بين أخذ الدية كاملةً وبين الاقتصاص وأخذ نصفها؛ كما أنّ الظاهر أنّ الحكم ثابت في ماتكون لعين الأعور دية كاملة، كما كان خلقةً أو بآفة من اللّه، لا في غيره مثل ماإذا قلع عينه قصاصا.
        مسألة 23- لو قلع عينا عمياء قائمةً فلا يقتصّ منه، وعليه ثلث الدية.
        مسألة 24- لو أذهب الضوء دون الحدقة اقتصّ منه بالمماثل بما أمكن إذهاب الضوء مع بقاء الحدقة، فيرجع إلى حذّاق الأطبّاء ليفعلوا به ما ذكر. وقيل في طريقه: يطرح على أجفانه قطن مبلول، ثمّ تُحمى المرآة وتقابل بالشمس، ثمّ تفتح عيناه ويكلّف بالنظر إليها حتّى يذهب النظر وتبقى الحدقة. ولو لم يكن إذهاب الضوء إلّا بإيقاع جناية اُخرى كالتسميل ونحوه سقط القصاص وعليه الدية.
        مسألة 25- تقتصّ العين الصحيحة بالعمشاء والحولاء والخفشاء والجهراء والعشياء.
        مسألة 26- في ثبوت القصاص لشعر الحاجب والرأس واللحية والأهداب ونحوها تأمّل وإن لايخلو من وجه. نعم، لو جنى على المحلّ بجرح ونحوه يقتصّ منه مع الإمكان.
        مسألة 27- يثبت القصاص في الأجفان مع التساوي في المحلّ. ولوخلت أجفان المجنيّ عليه عن الأهداب ففي القصاص وجهان. لايبعد عدم ثبوته، فعليه الدية.
        مسألة 28- في الأنف قصاص. ويقتصّ الأنف الشامّ بعادمه، والصحيح بالمجذوم ما لم يتناثر منه شي ء، وإلّا فيقتصّ بمقدار غير المتناثر. والصغير والكبير والأفطس والأشمّ والأقنى سواء. والظاهر عدم اقتصاص الصحيح بالمستحشف الّذي هو كالشلل. ويقتصّ بقطع المارن وبقطع بعضه. والمارن: هو ما لان من الأنف. ولو قطع المارن مع بعض القصبة فهل يقتصّ المجموع أو يقتصّ المارن وفي القصبة حكومة؟ وجهان. وهنا وجه آخر، وهو القصاص ما لم تصل القصبة إلى العظم، فيقتصّ الغضروف مع المارن، ولا يقتصّ العظم.
        مسألة 29- يقتصّ المنخر بالمنخر مع تساوي المحلّ، فتقتصّ اليمنى باليمنى واليسرى باليسرى. وكذا يقتصّ الحاجز بالحاجز. ولو قطع بعض الأنف قيس المقطوع إلى أصله واقتصّ من الجاني بحسابه؛ فلو قطع بعض المارن قيس إلى تمامه، فإن كان نصفا يقطع من الجاني النصف أو ثلثا فالثلث، ولا ينظر إلى عِظم المارن وصغره، أو قيس إلى تمام الأنف فيقطع بحسابه لئلّا يستوعب أنف الجاني إن كان صغيرا.
        مسألة 30- تقتصّ الشفة بالشفة مع تساوي المحلّ، فالشفة العليا بالعليا والسفلى بالسفلى. وتستوي الطويلة والقصيرة، والكبيرة والصغيرة، والصحيحة والمريضة ما لم يصل إلى الشلل، والغليظة والرقيقة. ولو قطع بعضها فبحساب المساحة كما مرّ. وقد ذكرنا حدّ الشفة في كتاب الديات.
        مسألة 31- يثبت القصاص في اللسان وبعضه ببعضه بشرط التساوي في النطق؛ فلا يقطع الناطق بالأخرس. ويقطع الأخرس بالناطق وبالأخرس، والفصيح بغيره، والخفيف بالثقيل. ولو قطع لسان طفل يقتصّ به إلّا مع إثبات خرسه. ولو ظهر فيه علامات الخرس ففيه الدية.
        مسألة 32- في ثدي المرأة وحَلَمَته قصاص؛ فلو قطعت امرأة ثدي اُخرى أو حَلَمَة ثديها يقتصّ منها. وكذا في حَلَمَة الرجل القصاص؛ فلو قطع حَلَمَته يقتصّ منه مع تساوي المحلّ، فاليمنى باليمنى واليسرى باليسرى. ولو قطع الرجل حَلَمَة ثدي المرأة فلها القصاص من غير ردّ.
        مسألة 33- في السنّ قصاص بشرط تساوي المحلّ؛ فلا يقلع ما في الفكّ الأعلى بما في الأسفل ولا العكس، ولا ما في اليمين باليسار وبالعكس. ولا يقلع الثنيّة بالرباعيّة أو الطاحن أو الناب أو الضاحك وبالعكس. ولا تقلع الأصليّة بالزائدة، ولا الزائدة بالأصليّة، ولا الزائدة بالزائدة مع اختلاف المحلّ.
        مسألة 34- لو كانت المقلوعة سنّ مُثْغَر - أي أصليّ نبت بعد سقوط أسنان الرضاع - ففيها القصاص. وهل في كسرها القصاص أو الدية والأرش؟ وجهان. الأقرب الأوّل، لكن لابدّ في الاقتصاص كسرها بما يحصل به المماثلة كالآلات الحديثة. ولايضرب بما يكسرها، لعدم حصولها نوعا.
        مسألة 35- لو عادت المقلوعة قبل القصاص فهل يسقط القصاص أم لا؟ الأشبه الثاني، والمشهور الأوّل. ولا محيص عن الاحتياط بعدم القصاص؛ فحينئذٍ لو كان العائدة ناقصةً متغيّرةً ففيها الحكومة، وإن عادت كما كانت فلا شي ء غير التعزير، إلّا مع حصول نقص ففيه الأرش.
        مسألة 36- لو عادت بعد القصاص فعليه غرامتها للجاني بناءً على سقوط القصاص إلّا مع عود سنّ الجاني أيضا. وتستعاد الدية لو أخذها صلحا. ولو اقتصّ وعادت سنّ الجاني ليس للمجنيّ عليه إزالتها. ولو عادت سنّ المجنيّ عليه ليس للجاني إزالتها.
        مسألة 37- لو قلع سنّ الصبيّ ينتظر به مدّة جرت العادة بالإنبات فيها، فإن عادت ففيها الأرش على قول معروف، ولايبعد أن يكون في كلّ سنّ منه بعير، وإن لم تعد ففيها القصاص.
        مسألة 38- يثبت القصاص في قطع الذكر. ويتساوى في ذلك الصغير ولو رضيعا و الكبير بلغ كبره ما بلغ، والفحل والّذي سلّت خصيتاه إذا لم يؤدّ إلى شلل فيه، والأغلف والمختون. ولايقطع الصحيح بذكر العنّين ومن في ذكره شلل. ويقطع ذكر العنّين بالصحيح والمشلول به. وكذا يثبت في قطع الحشفة، فتقطع الحشفة بالحشفة. وفي بعضها أو الزائد عليها استوفي بالقياس إلى الأصل، إن نصفا فنصفا وإن ثلثا فثلثا وهكذا.
        مسألة 39- في الخصيتين قصاص. وكذا في إحداهما مع التساوي في المحلّ، فتقتصّ اليمنى باليمنى واليسرى باليسرى. ولو خشي ذهاب منفعة الاُخرى تؤخذ الدية. ولايجوز القصاص إلّا أن يكون في عمل الجاني ذهاب المنفعة فيقتصّ؛ فلو لم تذهب بالقصاص منفعة الاُخرى مع ذهابها بفعل الجاني: فإن أمكن إذهابها مع قيام العين يجوز القصاص، وإلّا فعليه الدية. ولو قطع الذكر والخصيتين اقتصّ منه، سواء قطعهما على التعاقب أولا.
        مسألة 40- في الشفرين القصاص. والمراد بهما: اللحم المحيط بالفرج إحاطة الشفتين بالفم. وكذا في إحداهما. وتتساوى فيه البكر والثيّب؛ والصغيرة والكبيرة، والصحيحة والرتقاء والقرناء والعفلاء والمختونة وغيرها، والمفضاة والسليمة. نعم، لايقتصّ الصحيحة بالشلّاء. والقصاص في الشفرين إنّما هو في ما جنت عليها المرأة. ولو كان الجاني عليها رجلا فلا قصاص عليه، وعليه الدية. وفي رواية غير معتمد عليها: «إن لم يؤدّ إليها الدية قطع لها فرجه». وكذا لو قطعت المرأة ذكر الرجل أو خصيته لا قصاص عليها، وعليها الدية.
        مسألة 41- لو أزالت بكرٌ بكارة اُخرى فالظاهر القصاص. وقيل بالدية. وهو وجيه مع عدم إمكان المساواة. وكذا تثبت الدية في كلّ مورد تعذّر المماثلة والمساواة.

      • فروع

         

        وهنا فروع:

        الأوّل: لو قطع من كان يده ناقصةً بإصبع أو أزيد يدا كاملةً صحيحةً فللمجنيّ عليه القصاص؛ فهل له بعد القطع أخذ دية ما نقص عن يد الجاني؟ قيل: لا، وقيل: نعم في ما يكون قطع إصبعه بجناية وأخذ ديتها أو استحقّها، وأمّا إذا كانت مفقودةً خلقةً أو بآفة لم يستحقّ المقتصّ شيئا. والأشبه أنّ له الدية مطلقا. ولو قطع الصحيح الناقص عكس ما تقدّم فهل تقطع يد الجاني بعد أداء دية ما نقص من المجنيّ عليه أو لايقتصّ وعليه الدية أو يقتصّ ما وجد وفي الباقي الحكومة؟ وجوه. والمسألة مشكلة مرّ نظيرها.
        الثاني: لو قطع إصبع رجل فسرت إلى كفّه بحيث قطعت ثمّ اندملت ثبت القصاص فيهما، فتقطع كفّه من المفصل. ولو قطع يده من مفصل الكوع ثبت القصاص. ولو قطع معها بعض الذراع اقتصّ من مفصل الكوع، وفي الزائد يحتمل الحكومة ويحتمل الحساب بالمسافة. ولو قطعها من المرفق فالقصاص، وفي الزيادة ما مرّ. وحكم الرجل حكم اليد؛ ففي القطع من المفصل قصاص، وفي الزيادة ما مرّ.
        الثالث: يشترط في القصاص التساوي في الأصالة والزيادة، فلا تقطع أصليّة بزائدة ولو مع اتّحاد المحلّ، ولا زائدة بأصليّة مع اختلاف المحلّ، وتقطع الأصليّة بالأصليّة مع اتّحاد المحلّ، والزائدة بالزائدة كذلك. وكذا الزائدة بالأصليّة مع اتّحاد المحلّ وفقدان الأصليّة. ولا تقطع اليد الزائدة اليمنى بالزائدة اليسرى وبالعكس، ولا الزائدة اليمنى بالأصليّة اليسرى، وكذا العكس.
        الرابع: لو قطع كفّه: فإن كان للجاني والمجنيّ عليه إصبعا زائدةً في محلّ { P () هكذا في جميع الطبعات. والصحيح: «إصبعٌ». P} واحد - كالإبهام الزائدة في يمينهما - وقطع اليمين من الكفّ اقتصّ منه. ولو كانت الزائدة في الجاني خاصّةً: فإن كانت خارجةً عن الكفّ يقتصّ منه وتبقى الزائدة، وإن كانت في سمت الأصابع منفصلةً فهل يقطع الكفّ ويؤتى دية الزائدة أو يقتصّ الأصابع الخمس دون الزائدة ودون الكفّ وفي الكفّ الحكومة؟ وجهان. أقربهما الثاني. ولو كانت الزائدة في المجنيّ عليه خاصّةً فله القصاص في الكفّ، وله دية الإصبع الزائدة، وهي ثلث دية الأصليّة. ولو صالح بالدية مطلقا كان له دية الكفّ ودية الزائدة. ولو كان للمجنيّ عليه أربع أصابع أصليّة وخامسة غير أصليّة لم تقطع يد الجاني السالمة، وللمجنيّ عليه القصاص في أربع ودية الخامسة وأرش الكفّ.
        الخامس: لو قطع من واحد الأنملة العليا ومن آخر الوسطى: فإن طالب صاحب العليا يقتصّ منه، وللآخر اقتصاص الوسطى، وإن طالب صاحب الوسطى بالقصاص سابقا على صاحب العليا اُخّر حقّه إلى اتّضاح حال الآخر؛ فإن اقتصّ صاحب العليا اقتصّ لصاحب الوسطى، وإن عفا أو أخذ الدية فهل لصاحب الوسطى القصاص بعد ردّ دية العليا أو ليس له القصاص بل لابدّ من الدية؟ وجهان، أوجههما الثاني. ولو بادر صاحب الوسطى وقطع قبل استيفاء العليا فقد أساء، وعليه دية الزائدة على حقّه وعلى الجاني دية أنملة صاحب العليا.
        السادس: لو قطع يمينا - مثلا - فبذل شمالا للقصاص فقطعها المجنيّ عليه من غير علم بأنّها الشمال فهل يسقط القَوَد أو يكون القصاص في اليمنى باقيا؟ الأقوى هو الثاني، ولو خيف من السراية يؤخّر القصاص حتّى يندمل اليسار. ولادية لو بذل الجاني عالما بالحكم والموضوع عامدا، بل لايبعد عدمها مع البذل جاهلا بالموضوع أو الحكم. و لو قطعها المجنيّ عليه مع العلم بكونها اليسار ضمنها مع جهل الجاني، بل عليه القَوَد. وأمّا مع علمه وبذله فلا شبهة في الإثم، لكن في القَوَد والدية إشكال.
        السابع: لو قطع إصبع رجل من يده اليمنى - مثلا - ثمّ اليد اليمنى من آخر اقتصّ للأول، فيقطع إصبعه ثمّ يقطع يده للآخر، ورجع الثاني بدية إصبع على الجاني. ولو قطع اليد اليمنى من شخص ثمّ قطع إصبعا من اليد اليمنى لآخر اقتصّ للأوّل، فتقطع يده، وعليه دية إصبع الآخر.
        الثامن: إذا قطع إصبع رجل فعفا عن القطع قبل الاندمال فإن اندملت فلاقصاص في عمده، ولا دية في خطئه وشبه عمده. ولو قال: «عفوت عن الجناية» فكذلك. ولو قال في مورد العمد: «عفوت عن الدية» لا أثر له. ولو قال: «عفوت عن القصاص» سقط القصاص و لم يثبت الدية، وليس له مطالبتها. ولو قال: «عفوت عن القطع أو عن الجناية» ثمّ سرت إلى الكفّ خاصّة سقط القصاص في الإصبع، وهل له القصاص في الكفّ مع ردّ دية الإصبع المعفوّ عنها أو لابدّ من الرجوع إلى دية الكفّ؟ الأشبه الثاني، مع أنّه أحوط. ولو قال: «عفوت عن القصاص» ثمّ سرت إلى النفس فللوليّ القصاص في النفس، وهل عليه ردّ دية الإصبع المعفوّ عنها؟ فيه إشكال بل منعٌ وإن كان أحوط. ولو قال: «عفوت عن الجناية» ثمّ سرت إلى النفس فكذلك. ولو قال: «عفوت عنها و عن سرايتها» فلاشبهة في صحّته في ما كان ثابتا، وأمّا في ما لم يثبت ففيه خلاف، والأوجه صحّته.
        التاسع: لو عفا الوارث الواحد أو المتعدّد عن القصاص سقط بلا بدل؛ فلايستحقّ واحد منهم الدية، رضي الجاني أو لا. ولو قال: «عفوت إلى شهر أو إلى سنة» لم يسقط القصاص، وكان له بعد ذلك القصاص. ولو قال: «عفوت عن نصفك أو عن رجلك» فإن كنّى عن العفو عن النفس صحّ وسقط القصاص، وإلّا ففي سقوطه إشكال بل منع. ولوقال: «عفوت عن جميع أعضائك إلّا رجلك» -مثلا- لايجوز له قطع الرجل، ولايصحّ الإسقاط.
        العاشر: لو قال: «عفوت بشرط الدية» ورضي الجاني وجبت دية المقتول، لادية القاتل.

    • كتاب الديات
    •  

      كتاب الديات

      وهي جمع الدية بتخفيف الياء. وهي المال الواجب بالجناية على الحرّ في النفس أو ما دونها، سواء كان مقدّرا أولا، وربما يسمّى غير المقدّر بالأرش والحكومة، والمقدّر بالدية. والنظر فيه في أقسام القتل، ومقادير الديات، وموجبات الضمان، والجناية على الأطراف، واللواحق.

      • القول في أقسام القتل

         

        القول في أقسام القتل

        مسألة 1- القتل إمّا عمد محض، أو شبيه عمد، أو خطأ محض.
        مسألة 2- يتحقّق العمد بلا إشكال بقصد القتل بفعل يقتل بمثله نوعا. وكذا بقصد فعل يقتل به نوعا وإن لم يقصد القتل؛ بل الظاهر تحقّقه بفعل لا يقتل به غالبا رجاء تحقّق القتل، كمن ضربه بالعصا برجاء القتل فاتّفق ذلك.
        مسألة 3- إذا قصد فعلا لايحصل به الموت غالبا ولم يقصد به القتل - كما لو ضربه بسوط خفيف أو حصاة ونحوهما - فاتّفق القتل فهل هو عمدٌ أولا؟ فيه قولان. أشبههما الثاني.
        مسألة 4- لو ضربه بعصاً ولم يقلع عنه حتّى مات فهو عمدٌ وإن لم يقصد به القتل. و كذا لو منعه من الطعام أو الشراب في مدّة لا يحتمل فيها البقاء. ولو رماه فقتله فهو عمدٌ وإن لم يقصده.
        مسألة 5 - شبيه العمد ما يكون قاصدا للفعل الّذي لا يقتل به غالبا غير قاصد للقتل، كما ضربه تأديبا بسوط ونحوه فاتّفق القتل. ومنه علاج الطبيب إذا اتّفق منه القتل مع مباشرته العلاج. ومنه الختان إذا تجاوز الحدّ. ومنه الضرب عدوانا بما لايقتل به غالبا من دون قصد القتل.
        مسألة 6- يلحق بشبيه العمد لو قتل شخصا باعتقاد كونه مهدور الدم أو باعتقاد القصاص فبان الخلاف، أو بظنّ أنّه صيدٌ فبان إنسانا.
        مسألة 7- الخطأ المحض - المعبّر عنه بالخطأ الّذي لا شبهة فيه - هو أن لايقصد الفعل ولا القتل، كمن رمى صيدا أو ألقى حجرا فأصاب إنسانا فقتله. ومنه ما لو رمى إنسانا مهدور الدم فأصاب إنسانا آخر فقتله.
        مسألة 8- يلحق بالخطأ محضا فعل الصبيّ والمجنون شرعا.
        مسألة 9- تجري الأقسام الثلاثة في الجناية على الأطراف أيضا، فمنها عمد، ومنها شبه عمد، ومنها خطأ محض.

      • القول في مقادير الديات

         

        القول في مقادير الديات

        مسألة 1- في قتل العمد - حيث تتعيّن الدية أو يصالح عليها مطلقا - مائة إبل، أو مائتا بقرة، أو ألف شاة، أو مائتا حلّة، أو ألف دينار، أو عشرة آلاف درهم.
        مسألة 2- يعتبر في الإبل أن تكون مسنّة. وهي الّتي كمّلت الخامسة ودخلت في السادسة. وأمّا البقرة فلا يعتبر فيها السنّ ولا الذكورة والاُنوثة، وكذا الشاة؛ فيكفي فيهما ما يسمّى البقرة أو الشاة. والأحوط اعتبار الفحولة في الإبل وإن كان عدم الاعتبار لايخلو من قوّة.
        مسألة 3- الحلّة ثوبان. والأحوط أن تكون من برود اليمن. والدينار والدرهم هما المسكوكان. ولا يكفي ألف مثقال ذهب أو عشرة آلاف مثقال فضّة غيرمسكوكين.
        مسألة 4- الظاهر أنّ الستّة على سبيل التخيير، والجاني مخيّر بينها، وليس للوليّ الامتناع عن قبول بذله؛ لا التنويع، بأن يجب على أهل الإبل الإبل، وعلى أهل الغنم الغنم وهكذا؛ فلأهل البوادي أداء أيّ فرد منها، وهكذا غيرهم وإن كان الأحوط التنويع.
        مسألة 5 - الظاهر أنّ الستّة اُصول في نفسها، وليس بعضها بدلا عن بعض، ولابعضها مشروطا بعدم بعض. ولا يعتبر التساوي في القيمة ولا التراضي، فالجاني مخيّر في بذل أيّها شاء.
        مسألة 6- يعتبر في الأنعام الثلاثة هنا وفي قتل شبيه العمد والخطأ المحض السلامةُ من العيب والصحّةُ من المرض، ولا يعتبر فيها السمن. نعم، الأحوط أن لاتكون مهزولةً جدّا وعلى خلاف المتعارف، بل لايخلو ذلك من قوّة. وفي الثلاثة الاُخر السلامة من العيب؛ فلا تجزي الحلّة المعيوبة، ولا الدينار والدرهم المغشوشان أو المكسوران. ويعتبر في الحلّة أن لاتقصر عن الثوب؛ فلا تجزي الناقصة عنه، بأن يكون كلّ من جزءيها بمقدار ستر العورة، فإنّه لايكفي.
        مسألة 7- تستأدى دية العمد في سنة واحدة. ولا يجوز له التأخير إلّا مع التراضي. وله الأداء في خلال السنة أو آخرها. وليس للوليّ عدم القبول في خلالها؛ فدية العمد مغلّظة بالنسبة إلى شبه العمد والخطأ المحض في السنّ في الإبل والاستيفاء، كما يأتي الكلام فيهما.
        مسألة 8 - للجاني أن يبذل من إبل البلد أو غيرها، أو يبذل من إبله، أو يشتري أدون أو أعلى مع وجدان الشرائط من الصحّة والسلامة والسنّ؛ فليس للوليّ مطالبة الأعلى أو مطالبة الإبل المملوك له فعلا.
        مسألة 9- لايجب على الوليّ قبول القيمة السوقيّة عن الأصناف لو بذلها الجاني مع وجود الاُصول، ولا على الجاني أداؤها لو طالبها الوليّ مع وجودها. نعم، لو تعذّر جميع الأصناف وطالب الوليّ القيمة تجب أداء قيمة واحدة منها. والجاني مخيّر في ذلك. وليس للوليّ مطالبة قيمة أحدها المعيّن.
        مسألة 10- الظاهر عدم إجزاء التلفيق، بأن يؤدّي -مثلا- نصف المقدّر دينارا ونصفه درهما، أو النصف من الإبل والنصف من غيرها.
        مسألة 11- الظاهر جواز النقل إلى القيمة مع تراضيهما؛ كما أنّ الظاهر جواز التلفيق، بأن يؤدّي نصف المقدّر أصلا، وعن نصفه الآخر من المقدّر الآخر قيمةً عنه لا أصلا.
        مسألة 12- هذه الدية على الجاني، لا على العاقلة ولا على بيت المال، سواء تصالحا على الدية وتراضيا بها أو وجبت ابتداءً كما في قتل الوالد ولده ونحوه ممّا تعيّنت الدية.
        مسألة 13- دية شبيه العمد هي الأصناف المتقدّمة، وكذا دية الخطأ. ويختصّ العمد بالتغليظ في السنّ في الإبل والاستيفاء كما تقدّم.
        مسألة 14- اختلفت الأخبار والآراء في دية شبيه العمد؛ ففي روايةٍ: أربعون خِلفةً - أي الحامل - وثنيّةً، وهي الداخلة في السنة السادسة، وثلاثون حِقّةً، وهي الداخلة في السنة الرابعة، وثلاثون بنتَ لبون، وهي الداخلة في السنة الثالثة؛ وفي اُخرى: ثلاث وثلاثون حِقّةً وثلاث وثلاثون جَذعة - وهي الداخلة في السنة الخامسة- وأربع وثلاثون ثنيّةً كلّها طروقة، أي البالغة ضراب الفحل أو ما طرقها الفحل فحملت؛ وفي ثالثة: بدل «كلّها طروقة» «كلّها خلفة»؛ وفي رابعة جمع بينهما فقال: «كلّها خلفة من طروقة الفحل»، إلى غير ذلك؛ فالقول بالتخيير للجاني بينها غير بعيد، لكن لايخلو من إشكال؛ فالأحوط التصالح، وللجاني الأخذ بأحوطها.
        مسألة 15- هذه الدية أيضا من مال الجاني لا العاقلة؛ فلو لم يكن له مال استسعى ، أو اُمهل إلى الميسرة كما في سائر الديون. ولو لم يقدر عليها ففي كونها على بيت المال احتمال.
        مسألة 16- الأحوط للجاني أن لا يؤخّر هذه الدية عن سنتين. والأحوط للوليّ أن يمهله إلى سنتين وإن لايبعد أن يقال: تُستأدى في سنتين.
        مسألة 17- لو قلنا بلزوم إعطاء الحوامل لو اختلف الوليّ ومن عليه الدية في الحمل فالمرجع أهل الخبرة. ولا يعتبر فيه العدالة، وتكفي الوثاقة. واعتبار التعدّد أحوط و أولى. ولو تبيّن الخطأ لزم الاستدراك. ولو سقط الحمل أو وضع الحامل أو تعيّب ما يجب أداؤه فإن كان قبل الإقباض يجب الإبدال، وإلّا فلا.
        مسألة 18- في دية الخطأ روايتان: اُولاهما: ثلاثون حِقّةً وثلاثون بنتَ لبون وعشرون بنتَ مخاض - وهي الداخلة في السنة الثانية - وعشرون ابنَ لبون. والاُخرى: خمس وعشرون بنتَ مخاض وخمس وعشرون بنتَ لبون وخمس وعشرون حِقّةً وخمس وعشرون جَذَعةً. ولا يبعد ترجيح الاُولى. ويحتمل التخيير. والأحوط التصالح.
        مسألة 19 - دية الخطأ المحض مخفّفة عن العمد وشبيهه في سنّ الإبل وصفتها لو اعتبرنا الحمل في شبهه، وفي الاستيفاء فإنّها تُستأدى في ثلاث سنين في كلّ سنة ثلثها. وفي غير الإبل من الأصناف الاُخر المتقدّمة لا فرق بينها وبين غيرها.
        مسألة 20- تُستأدى الدية في سنة أو سنتين أو ثلاث سنين على اختلاف أقسام القتل، سواء كانت الدية تامّةً كدية الحرّ المسلم، أو ناقصةً كدية المرأة والذمّيّ والجنين أو دية الأطراف.
        مسألة 21- قيل: إن كانت دية الطرف قدر الثلث اُخذ في سنة واحدة في الخطأ، وإن كان أكثر حلّ الثلث بانسلاخ الحول، وحلّ الزائد عند انسلاخ الثاني إن كان ثلثا آخر فما دون، وإن كان أكثر حلّ الثلث عند انسلاخ الثاني والزائد عند انسلاخ الثالث. وفيه تأمّل وإشكال، بل الأقرب التوزيع إلى ثلاث سنين.
        مسألة 22- دية قتل الخطأ على العاقلة بتفصيل يأتي إن شاء اللّه تعالى. ولايضمن الجاني منها شيئا. ولا ترجع العاقلة على القاتل.
        مسألة 23- لو ارتكب القتل في أشهر الحُرُم - : رجب وذي القعدة وذي الحجّة والمحرّم - فعليه الدية وثلث من أيّ الأجناس كان تغليظا. وكذا لو ارتكبه في حرم مكّة المعظّمة. ولا يلحق بها حرم المدينة المنوّرة ولا سائر المشاهد المشرّفة. ولاتغليظ في الأطراف، ولا في قتل الأقارب.
        مسألة 24- لو رمى وهو في الحلّ بسهم ونحوه إلى من هو في الحرم فقتله فيه لزمه التغليظ. ولو رمى وهو في الحرم إلى من كان في الحلّ فقتله فيه فالظاهر أنّه لم يلزمه. وكذا لو رماه في الحلّ فذهب إلى الحرم ومات فيه أو العكس لم يلزمه، كان الرامي في الحلّ أو الحرم.
        مسألة 25- لو قتل خارج الحرم والتجأ إليه لايقتصّ منه فيه، لكن ضيّق عليه في المأكل والمشرب إلى أن يخرج منه، فيُقاد منه. ولو جنى في الحرم اقتصّ منه فيه. ويلحق به المشاهد المشرّفة على رأي.
        مسألة 26- ما ذكر من التقادير دية الرجل الحرّ المسلم. وأمّا دية المرأة الحرّة المسلمة فعلى النصف من جميع التقادير المتقدّمة؛ فمن الإبل خمسون ومن الدنانير خمسمائة، وهكذا.
        مسألة 27- تتساوى المرأة والرجل في الجراح قصاصا وديةً حتّى تبلغ ثلث دية الحرّ، فينتصف بعد ذلك ديتها؛ فما لم تبلغ الثلث يقتصّ كلّ من الآخر بلا ردّ، فإذا بلغته يقتصّ للرجل منها بلا ردّ، ولها من الرجل مع الردّ. ولايلحق بها الخنثى المشكل.
        مسألة 28- جميع فرق المسلمين المحقّة والمبطلة متساوية في الدية إلّا المحكوم منهم بالكفر، كالنواصب والخوارج والغُلاة مع بلوغ غلوّهم الكفر.
        مسألة 29- دية ولد الزنا إذا أظهر الإسلام بعد بلوغه بل بعد بلوغه حدّ التميز دية سائر المسلمين. وفي ديته قبل ذلك تردّد.
        مسألة 30- دية الذمّيّ الحرّ ثمانمائة درهم، يهوديّا كان أو نصرانيّا أو مجوسيّا. ودية المرأة الحرّة منهم نصف دية الرجل؛ بل الظاهر أنّ دية أعضائهما وجراحاتهما من ديتهما كدية أعضاء المسلم وجراحاته من ديته؛ كما أنّ الظاهر أنّ دية الرجل والمرأة منهم تتساوى حتّى تبلغ الثلث مثل المسلم، بل لايبعد الحكم بالتغليظ عليهم بما يُغلّظ به على المسلم.
        مسألة 31- لا دية لغير أهل الذمّة من الكفّار، سواء كانوا ذوي عهد أم لا، وسواء بلغتهم الدعوة أم لا؛ بل الظاهر أن لا دية للذمّيّ لو خرج عن الذمّة؛ وكذا لادية له لو ارتدّ عن دينه إلى غير أهل الذمّة. ولو خرج ذمّيّ من دينه إلى دين ذمّيّ آخر ففي ثبوتها إشكال وإن لايبعد ذلك.

      • القول في موجبات الضمان
      •  

        القول في موجبات الضمان

        وفيه مباحث:

        • المبحث الأول في المباشر

           

          المبحث الأوّل في المباشر

          مسألة 1- المراد بالمباشرة أعمّ من أن يصدر الفعل منه بلا آلة، كخنقه بيده أو ضربه بها أو برجله فقتل به؛ أو بآلة، كرميه بسهم ونحوه، أو ذبحه بمدية؛ أو كان القتل منسوبا إليه بلا تأوّل عرفا، كإلقائه في النار، أو غرقه في البحر، أو إلقائه من شاهق؛ إلى غير ذلك من الوسائط الّتي معها تصدق نسبة القتل إليه.
          مسألة 2- لو وقع القتل عمدا يثبت فيه القصاص. والكلام ها هنا في ما لا يقع عمدا، نحو أن يرمي غرضا فأصاب إنسانا، أو ضربه تأديبا فاتّفق الموت، وأشباه ذلك ممّا مرّ الكلام فيها في شبيه العمد والخطأ المحض.
          مسألة 3- لو ضرب تأديبا فاتّفق القتل فهو ضامن، زوجا كان الضارب أو وليّا للطفل أو وصيّا للوليّ أو معلّما للصبيان. والضمان في ذلك في ماله.
          مسألة 4 - الطبيب يضمن ما يتلف بعلاجه إن كان قاصراً في العلم أو العمل ولوكان مأذوناً، أو عالج قاصراً بدون إذن وليّه أو بالغاً بلا إذنه وإن كان عالماً متقناً في العمل. ولو أذن المريض أو وليّه الحاذقَ في العلم والعمل قيل: لا يضمن. والأقوى ضمانه في ماله. وكذا البيطار. هذا كلّه مع مباشرة العلاج بنفسه. وأمّا لو وصف دواءً وقال: «إنّه مفيد للمرض الفلانيّ» أو قال: «إنّ دواءك كذا» من غير أمر بشربه فالأقوى عدم الضمان. نعم، لايبعد الضمان في التطبّب على النحو المتعارف.
          مسألة 5 - الختّان ضامن إذا تجاوز الحدّ وإن كان ماهراً. وفي ضمانه إذا لم يتجاوزه - كما إذا أضرّ الختان بالولد فمات - إشكال. والأشبه عدم الضمان.
          مسألة 6 - الظاهر براءة الطبيب ونحوه - من البيطار والختّان - بالإبراء قبل العلاج. والظاهر اعتبار إبراء المريض إذا كان بالغاً عاقلاً في ما لا ينتهي إلى القتل، والوليّ في ما ينتهي إليه، وصاحبِ المال في البيطار، والوليّ ِ في القاصر. ولا يبعد كفاية إبراء المريض الكامل العقل حتّى في ما ينتهي إلى القتل. والأحوط الاستبراء منهما.
          مسألة 7 - النائم إذا أتلف نفساً أو طرفاً بانقلابه أو سائر حركاته - على وجه يستند الإتلاف إليه - فضمانه في مال العاقلة. وفي الظئر إذا انقلبت فقتلت الطفل روايةٌ بأنّ: «عليها الدية كاملة من مالها خاصّة إن كانت إنّما ظأرت طلباً للعزّ والفخر، وإن كانت إنّما ظأرت من الفقر فإنّ الضمان على عاقلتها». وفي العمل بها تردّدٌ. ولو كان ظئرها للفقر والفخر معاً فالظاهر أنّ الدية على العاقلة. والاُمّ لاتُلحق بالظئر.
          مسألة 8 - لو أعنف الرجل بزوجته جماعاً فماتت يضمن الدية في ماله. وكذا لو أعنف بها ضمّاً. وكذا الزوجة لو أعنفت بالرجل ضمّاً. وكذا الأجنبيّ والأجنبيّة مع عدم قصد القتل.
          مسألة 9 - من حمل شيئاً فأصاب به إنساناً ضمن جنايته عليه في ماله.
          مسألة 10 - من صاح ببالغ غير غافل فمات أو سقط فمات فلادية إلّا مع العلم باستناد الموت إليه؛ فحينئذٍ إن كان قاصدا لقتله فهو عمدٌ يقتصّ منه، وإلّا شبيه عمد فالدية من ماله؛ فلو صاح بطفل أو مريض أو جبان أو غافل فمات فالظاهر ثبوت الدية إلّا أن يثبت عدم الاستناد؛ فمع قصد القتل بفعله فهو عمدٌ، وإلّا فشبيهه مع عدم الترتّب نوعا أو غفلته عنه. ومن هذا الباب كلّ فعل يستند إليه القتل، ففيه التفصيل المتقدّم، كمن شهر سيفه في وجه إنسان، أو أرسل كلبه إليه فأخافه، إلى غير ذلك من أسباب الإخافة.
          مسألة 11- لو أخافه فهرب فأوقع نفسه من شاهق أو في بئر فمات: فإن زال عقله واختياره بواسطة الإخافة فالظاهر ضمان المخيف، وإلّا فلا ضمان. ولو صادفه في هربه سبعٌ فقتله فلا ضمان.
          مسألة 12- لو وقع من علوّ على غيره فقتله فمع قصد قتله فهو عمدٌ وعليه القَوَد، و إن لم يقصده وقصد الوقوع وكان ممّا لا يقتل به غالبا فهو شبيه عمد يلزمه الدية في ماله. وكذا لو وقع إلجاءً واضطرارا مع قصد الوقوع. ولو ألقته الريح أو زلق بنحو لايسند الفعل إليه فلا ضمان عليه ولا على عاقلته. ولو مات الّذي وقع فهو هدرٌ على جميع التقادير.
          مسألة 13 - لو دفعه دافعٌ فمات فالقَوَد في فرض العمد والدية في شبيهه على الدافع. ولو دفعه فوقع على غيره فمات فالقَوَد أو الدية على الدافع أيضا. وفي رواية صحيحة: «أنّها على الّذي وقع على الرجل فقتله لأولياء المقتول، ويرجع المدفوع بالدية على الّذي دفعه». ويمكن حملها على أنّ الدفع اضطرّه إلى الوقوع بحيث كان الفعل منسوبا إليه بوجه.
          مسألة 14- لو صدمه فمات المصدوم: فإن قصد القتل أو كان الفعل ممّا يقتل غالبا فهو عمدٌ يقتصّ منه، وإن قصد الصدم دون القتل ولم يكن قاتلا غالبا فديته في مال الصادم. ولو مات الصادم فهدرٌ لو كان المصدوم في ملكه أو محلّ مباحٍ أو طريق واسع. ولو كان واقفا في شارعٍ ضيّقٍ فصدمه بلا قصد يضمن المصدوم ديته. وكذا لو جلس فيه فعثر به إنسان. نعم، لو كان قاصدا لذلك وله مندوحة فدمه هدرٌ، وعليه ضمان المصدوم.
          مسألة 15- إذا اصطدم حرّان بالغان عاقلان فماتا: فإن قصدا القتل فهو عمدٌ، وإن لم يقصدا ذلك ولم يكن الفعل ممّا يقتل غالبا فهو شبيه العمد، يكون لورثة كلّ منهما نصف ديته، ويسقط النصف الآخر. ويستوي فيهما الراجلان والفارسان والفارس والراجل، وعلى كلّ واحد منهما نصف قيمة مركوب الآخر لو تلف بالتصادم، من غير فرق بين اتّحاد جنس المركوب واختلافه وإن تفاوتا في القوّة والضعف، ومن غير فرق بين شدّة حركة أحدهما دون الآخر أو تساويهما في ذلك إذا صدق التصادم. نعم، لو كان أحدهما قليل الحركة بحيث لا يصدق التصادم بل يقال صدمه الآخر فلا ضمان على المصدوم؛ فلو صادمت سيّارة صغيرة مع سيّارة كبيرة كان الحكم كما ذكر، فيقع التقاصّ في الدية والقيمة، ويرجع صاحب الفضل إن كان على ترِكة الآخر.
          مسألة 16- لو لم يتعمّد الاصطدام - بأن كان الطريق مظلما، أو كانا غافلين، أو أعميين - فنصف ديةكلّ منهما على عاقلةالآخر. وكذا لو كان المصطدمان صبيّين أو مجنونين أو أحدهما صبيّا والآخر مجنونا لو كان الركوب منهما أو من وليّهما في ما إذا كان سائغا له. ولو أركبهما أجنبيّ أو الوليّ في غير مورد الجواز -أي مورد المفسدة- فدية كلّ منهما تماما على الّذي ركّبهما. وكذا قيمة دابّتهما لو تلفتا.
          مسألة 17- لو اصطدم حرّان فمات أحدهما وكان القتل شبيه عمد يضمن الحيّ نصف دية التالف. وفي رواية: «يضمن الباقي تمام دية الميّت». وفيها ضعف. ولو تصادم حاملان فأسقطتا وماتتا سقط نصف دية كلّ واحدة منهما وثبت النصف، وثبت في مالهما نصف دية الجنين مع كون القتل شبيه العمد، ولو كان خطأً فعلى العاقلة.
          مسألة 18- لو دعا غيره فأخرجه من منزله ليلا فهو له ضامن حتّى يرجع إليه؛ فإن فقد ولم يعلم حاله فهو ضامن لديته؛ وإن وجد مقتولا وادّعى على غيره وأقام بيّنةً فقد برئ، وإن عدم البيّنة فعليه الدية ولا قَوَد عليه على الأصحّ، وكذا لو لم يقرّ بقتله ولا ادّعاه على غيره؛ وإن وُجد ميّتا: فإن علم أنّه مات حتف أنفه أو بلدغ حيّة أو عقرب ولم يحتمل قتله فلا ضمان، ومع احتمال قتله فعليه الضمان على الأصحّ.

        • المبحث الثاني في الأسباب

           

          المبحث الثاني في الأسباب

          والمراد بها هاهنا: كلّ فعل يحصل التلف عنده بعلّة غيره، بحيث لولاه لما حصل التلف، كحفر البئر ونصب السكّين وإلقاء الحجر وإيجاد المعاثر ونحوها.
          مسألة 1- لو وضع حجرا في ملكه أو ملك مباح أو حفر بئرا أو أوتد وتدا أو ألقى معاثر ونحو ذلك لم يضمن دية العاثر. ولو كان في طريق المسلمين أو في ملك غيره بلا إذنه فعليه الضمان في ماله. ولو حفر في ملك غيره فرضي به المالك فالظاهر سقوط الضمان من الحافر. ولو فعل ذلك لمصلحة المارّة فالظاهر عدم الضمان، كمن رشّ الماء في الطريق لدفع الحرّ أو لعدم نشر الغبار ونحو ذلك.
          مسألة 2- لو حفر بئرا -مثلا- في ملكه ثمّ دعا من لم يطّلع كالأعمى أو كان الطريق مظلما فالظاهر ضمانه. ولو دخل بلا إذنه أو بإذنه السابق قبل حفر البئر ولم يطّلع الآذن فلا يضمن.
          مسألة 3- لو جاء السيل بحجر فلا ضمان على أحد وإن تمكّن من إزالته. ولو رفع الحجر ووضعه في محلّ آخر نحو المحلّ الأوّل أو أضرّ منه فلاإشكال في الضمان. وأمّا لو دفعه عن وسط الطريق إلى جانبه لمصلحة المارّة فالظاهر عدم الضمان.
          مسألة 4- لو حفر بئرا في ملك غيره عدوانا فدخل ثالث فيه عدوانا ووقع في البئر ضمن الحافر.
          مسألة 5- من الإضرار بطريق المسلمين إيقاف الدوابّ فيه وإلقاء الأشياء للبيع. وكذا إيقاف السيّارات إلّا لصلاح المارّة بمقدار يتوقّف عليه ركوبهم ونقلهم.
          مسألة 6- ومن الإضرار إخراج الميازيب بنحو يضرّ بالطريق، فإنّ الظاهر فيه الضمان. ومع عدم الإضرار لو اتّفق إيقاعها على الغير فأهلكه فالظاهر عدم الضمان. وكذا الكلام في إخراج الرواشن والأجنحة. ولعلّ الضابط في الضمان وعدمه إذن الشارع وعدمه؛ فكلّ ما هو مأذون فيه شرعا ليس فيه ضمان ما تلف لأجله، كإخراج الرواشن غير المضرّة ونصب الميازيب كذلك، وكلّ ما هو غير مأذون فيه ففيه الضمان، كالإضرار بطريق المسلمين بأيّ نحو كان؛ فلو تلف بسببه فالضمان ثابت وإن لا تخلو الكلّيّة في الموضعين من كلام وإشكال.
          مسألة 7- لو اصطدم سفينتان فهلك ما فيهما من النفس والمال: فإن كان ذلك بتعمّد من القيّمين لهما فهو عمدٌ، وإن لم يكن عن تعمّد وكان الاصطدام بفعلهما أو بتفريط منهما مع عدم قصد القتل وعدم غلبة التصادم للتسبّب إليه فهو شبيه عمد أو من باب الأسباب الموجبة للضمان، فلكلّ منهما على صاحبه نصف قيمة ما أتلفه، وعلى كلّ منهما نصف دية صاحبه لو تلفا، وعلى كلّ منهما نصف دية من تلف فيهما. ولو كان القيّمان غير مالكين كالغاصب والأجير ضمن كلّ نصفَ السفينتين وما فيهما؛ فالضمان في أموالهما، نفسا كان التالف أو مالا. ولو كان الاصطدام بغير فعلهما ومن غير تفريط منهما - بأن غلبتهما الرياح - فلا ضمان. ولو فرّط أحدهما دون الآخر فالمفرّط ضامن. ولو كان إحدى السفينتين واقفةً أو كالواقفة ولم يفرّط صاحبها لا يضمن.
          مسألة 8 - لو بنى حائطا في ملكه أو ملك مباح على أساس يثبت مثله عادةً فسقط من دون ميل ولا استهدام بل على خلاف العادة - كسقوطه بزلزلة ونحوها- لايضمن صاحبه ما تلف به وإن سقط في الطريق أو في ملك الغير. وكذا لو بناه مائلا إلى ملكه. ولو بناه مائلا إلى ملك غيره أو إلى الشارع ضمن. وكذا لو بناه في غير ملكه بلا إذن من المالك. ولو بناه في ملكه مستويا فمال إلى غير ملكه: فإن سقط قبل تمكّنه من الإزالة فلا ضمان، وإن تمكّن منها فللضمان وجه. ولو أماله غيره فالضمان عليه إن لم يتمكّن المالك من الإزالة، وإن تمكّن فالضمان لا يرفع عن الغير؛ فهل عليه ضمان فيرجع الورثة إليه وهو يرجع إلى المتعدّي أو لا ضمان إلّا على المتعدّي؟ لايبعد الثاني.
          مسألة 9- لو أجّج نارا في ملكه بمقدار حاجته مع عدم احتمال التعدّي لم يضمن لو اتّفق التعدّي فأتلفت نفسا أو مالا بلا إشكال، كما لا إشكال في الضمان لو زاد على مقدار حاجته مع علمه بالتعدّي. والظاهر ضمانه مع علمه بالتعدّي وإن كان بمقدار الحاجة، بل الظاهر الضمان لو اقتضت العادة التعدّي مع الغفلة عنه، فضلا عن عدمها. ولو أجّج زائدا على مقدار حاجته: فلو اقتضت العادة عدم التعدّي فاتّفق بأمر آخر على خلاف العادة ولم يظنّ التعدّي فالظاهر عدم الضمان، ولو كان التعدّي بسبب فعله ضمن ولو كان التأجيج بقدر الحاجة.
          مسألة 10- لو أجّجها في ملك غيره بغير إذنه أو في الشارع لا لمصلحة المارّة ضمن ما يتلف بها بوقوعه فيها من النفوس والأموال وإن لم يقصد ذلك. نعم، لو ألقى آخر مالا أو شخصا في النار لم يضمن مؤجّجها، بل الضمان على المُلقي. ولو وقعت الجناية بفعله التوليديّ كما أجّجها وسرت إلى محلّ فيه الأنفس والأموال يكون ضامنا للأموال، وأمّا الأنفس فمع العمد وتعذّر الفرار فعليه القصاص، ومع شبيهه الدية في ماله، و مع الخطأ المحض فعلى العاقلة. ثمّ إنّه يأتي في فتح المياه ما ذكرنا في إضرام النار.
          مسألة 11- لو ألقى فضولات منزله المزلقة - كقشور البطّيخ - في الشارع أو رشّ الدرب بالماء على خلاف المتعارف لا لمصلحة المارّة فزلق به إنسان ضمن. نعم، لو وضع المارّ العاقل متعمّدا رجله عليها فالوجه عدم الضمان. ولو تلف به حيوان أو مجنون أو غير مميّز ضمن.
          مسألة 12- لو وضع على حائطه إناءً أو غيره فسقط وتلف به نفس أو مال لم يضمن إلّا أن يضعه مائلاً إلى الطريق أو وضعه بنحو تقتضي العادة سقوطه على الطريق، فإنّه يضمن حينئذٍ.
          مسألة 13- يجب حفظ دابّته الصائلة، كالبعير المغتلم والفرس العضوض والكلب العقور لو اقتناه؛ فلو أهمل حفظها ضمن جنايتها. ولو جهل حالها أو علم ولم يقدر على حفظها ولم يفرّط فلا ضمان. ولو صالت على شخص فدفعها بمقدار يقتضي الدفاع ذلك فماتت أو وردت عليها جناية لم يضمن، بل لو دفعها عن نفس محترمة أو مال كذلك لم يضمن؛ فلو أفرط في الدفاع فجنى عليها مع إمكان دفعها بغير ذلك أو جنى عليها لغير الدفاع ضمن. والظاهر جريان الحكم في الطيور الضارية والهرّة كذلك حتّى في الضمان مع التعدّي عن مقدار الدفاع.
          مسألة 14- لو هجمت دابّة على اُخرى فجنت الداخلة: فإن كان بتفريط المالك في الاحتفاظ ضمن، وإن جنت المدخول عليها كان هدرا.
          مسألة 15- من دخل دار قوم فعقره كلبهم ضمنوا إن دخل بإذنهم، وإلّا فلاضمان، من غير فرق بين كون الكلب حاضرا في الدار أو دخل بعد دخوله، ومن غير فرق بين علم صاحب الدار بكونه يعقره وعدمه.
          مسألة 16- راكب الدابّة يضمن ما تجنيه بيديها وإن لم يكن عن تفريط، لابرجليها. و لا يبعد ضمان ما تجنيه برأسها أو بمقاديم بدنها. ولو ركبها على عكس المتعارف ففي ضمان ما تجنيه برجليها دون يديها وجه لايخلو من إشكال. وإن كان كلتا رجليه إلى ناحية واحدة لايبعد ضمان جناية يديها، وفي ضمان جناية رجليها تردّدٌ. وهل يعتبر في الضمان التفريط؟ فيه وجه لايخلو من إشكال. نعم، لو سلبت الدابّة اختياره مع عدم علمه بالواقعة وعدم كون الدابّة شموسا فالوجه عدم الضمان، لا برجلها ولابيدها ومقاديم بدنها. وكذا الكلام في القائد في التفصيل المتقدّم، أي ضمان ما تجنيه بيدها ومقاديمها ورجلها. ولو وقف بها ضمن ما تجنيه بيدها ومقاديمها ورجلها وإن لم يكن عن تفريط. والظاهر عدم الفرق بين الطريق الضيّق والواسع. وكذا السائق يضمن ما تجنيه مطلقاً. ولو ضربها فجنت لأجله ضمن مطلقاً. وكذا لو ضربها غيره فجنت لأجله ضمن ذلك الغير، إلّا أن يكون الضرب دفاعا عن نفسه، فإنّه لا يضمن حينئذٍ الصاحب ولا غيره.
          مسألة 17- لو كان للدابّة راكب وسائق وقائد أو اثنان منها فالظاهر الاشتراك في مافيه الاشتراك والانفراد في ما فيه كذلك، من غيرفرق بين المالك وغيره. وقيل: لو كان صاحب الدابّة معها ضمن دون الراكب. وهو كذلك لو كان الراكب قاصرا.
          مسألة 18- لو ركبها رديفان تساويا في الضمان، إلّا إذا كان أحدهما ضعيفا لمرض أو صغر فالضمان على الآخر.

        • المبحث الثالث في تزاحم الموجبات

           

          المبحث الثالث في تزاحم الموجبات

          مسألة 1- إذا اجتمع السبب والمباشر فمع مساواتهما أو كان المباشر أقوى ضمن المباشر، كاجتماع الدافع والحافر، واجتماع واضع المعاثر وناصب السكّين والدافع، واجتماع مؤجّج النار مع المُلقي، واجتماع الباني لحائط مائل مع مسقطه.ولو كان المباشر ضعيفا والسبب قويّا فالضمان على السبب، كما لو حفر بئرا في الشارع وغطّاها فدفع غيره ثالثا مع جهله بالواقعة فسقط في البئر، فإنّ الضمان على الحافر.
          مسألة 2- لو اجتمع السببان فالظاهر أنّ الضمان على السابق تأثيرا وإن كان حدوثه متأخّرا، كما لو حفر بئرا في الشارع وجعل آخر حجرا على جنبها فسقط العاثر بالحجر في البئر فالضمان على الواضع. ولو نصب سكّينا في البئر فسقط في البئر على السكّين فالضمان على الحافر. ولو وضع حجرا ووضع آخر حجرا خلفه فعثر بحجر وسقط على آخر فالضمان على الواضع الّذي عثر بحجره، وهكذا. هذا مع تساويهما في العدوان. ولو كان أحدهما عاديا فالضمان عليه خاصّة، كما لو وضع حجرا في ملكه وحفر المتعدّي بئرا فعثر بالحجر وسقط في البئر فالضمان على الحافر المتعدّي.
          مسألة 3- لو حفر بئرا قليل العمق فعمّقها غيره فهل الضمان على الأوّل للسبق أو على الثاني أو عليهما؟ احتمالات. أرجحها الأوّل.
          مسألة 4- لو اشترك اثنان أو أكثر في وضع حجر - مثلا - فالضمان على الجميع. والظاهر أنّه بالسويّة وإن اختلف قواهم.
          مسألة 5- لو سقط اثنان في البئر فهلك كلّ منهما باصطدام الآخر فالضمان على الحافر.

      • القول في الجناية على الأطراف
      •  

        القول في الجناية على الأطراف

        و فيه مقاصد:

        • المقصد الأول في ديات الاعضاء
        •  

          المقصد الأوّل في ديات الأعضاء

          إعلم أنّ كلّ ما لاتقدير فيه شرعا ففيه الأرش المسمّى بالحكومة؛ فيفرض الحرّ عبدا قابلا للتقويم ويقوّم صحيحه ومعيبه ويؤخذ الأرش. ولابدّ من ملاحظة خصوصيّات الصحيح والمعيب حتّى كونه معيبا في أمد، كما في شعر الرأس الّذي ينبت في مدّة.
          وأمّا التقدير ففي موارد:

          • الأول: الشعر

             

            الأوّل: الشعر

            مسألة 1- في شعر رأس الذكر - صغيراً كان أو كبيرا، كثيفا أو خفيفا - الدية كاملة إن لم ينبت، كما لو صبّ على رأسه ماءً حارّا فسقط شعره ولم ينبت أو أذهب شعره بأيّ وجه كان. وكذا في اللحية إذا حلقت أو نتفت -مثلا- ولم تنبت الدية كاملة. وإن نبتا ففي اللحية ثلث الدية على الأقوى وفي شعر الرأس الأرش. وأمّا الاُنثى ففي شعرها ديتها كاملة إن لم ينبت، ولو نبت ففيه مهر نسائها، من غير فرق بين الصغيرة والكبيرة.
            مسألة 2- لو نبت بعضه دون بعض فهل فيه الأرش أو اُخذ من الدية بالحساب، فيلاحظ نسبة غير النابت إلى الجميع فيؤخذ نصف الدية إن كان نصفا وثلثها إن كان ثلثا وهكذا، ولايلاحظ خفّة الشعر وكثافته؟ الثاني أرجح في غير النابت، وفي النابت لايسقط الأرش على الظاهر.
            مسألة 3- تشخيص عدم نبات الشعر أبدا موكول إلى أهل الخبرة، فإن حكم أهل الخبرة بعدم النبات تؤخذالدية،ولونبت بعدذلك فالظاهررجوع مافضل من الدية.
            مسألة 4 - لو زاد مهر مثل المرأة على مهر السنّة يؤخذ مهر المثل. نعم، لو زاد على الدية الكاملة فليس لها إلّا الدية، ويحتمل الرجوع إلى الأرش.
            مسألة 5 - في شعر الحاجبين معا خمسمائة دينار، وفي كلّ واحد نصف ذلك، وفي بعض منه على حساب ذلك. هذا إذا لم ينبت، وإلّا ففيه الأرش؛ فلو نبت بعض ولم ينبت بعض ففي غير النابت بالحساب، وفي النابت الأرش ظاهرا.
            مسألة 6- في الأهداب الأربعة - أي الشعور النابتة على الأجفان - أقوال. أقربها الأرش، وأحوطها الدية كاملة مع عدم النبت.
            مسألة 7- لا تقدير في غير ما تقدّم من الشعر، لكن يثبت له الأرش إن قلع منفردا، و لا شي ء فيه لو انضمّ إلى العضو إذا قطع، أو إلى الجلد إذا كشط؛ فلا شي ء للأهداب إذا قطع الأجفان، ولا في شعر الساعد أو الساق إذا قطعا زائدا على دية العضو.
            مسألة 8- يثبت الأرش في لحية الخنثى المشكل، وكذا في لحية المرأة لو فرض النقص، وفي كلّ مورد ممّا لا تقدير فيه. ولو فرض أنّ إزالة الشعر في العبد أو الأمة تزيد في القيمة أو لا ينقص منها لا شي ء عليه إلّا التعزير. ولو فرض التعييب بذلك وجب الأرش.

          • الثاني: العينان

             

            الثاني: العينان

            مسألة 1- في العينين معا الدية. وفي كلّ واحدة منهما نصفها. والأعمش والأحول و الأخفش والأعشى والأرمد كالصحيح. ولو كان على سواد عينه بياض: فإن كان الإبصار باقيا - بأن لا يكون ذلك على الناظر - فالدية تامّة، وإلّا سقطت بالحساب من الدية لو أمكن التشخيص، وإلّا ففيه الأرش.
            مسألة 2- في العين الصحيحة من الأعور الدية كاملة إن كان العور خلقةً أو بآفة من اللّه تعالى. ولو أعورها جانٍ واستحقّ ديتها منه كان في الصحيحة نصف الدية، سواء أخذ ديتها أم لا، وسواء كان قادرا على الأخذ أم لا، بل وكذا النصف لو كان العور قصاصا.
            مسألة 3- في العين العوراء ثلث الدية إذا خسفها أو قلعها، سواء كانت عوراء خلقةً أو بجناية جانٍ.
            مسألة 4- في الأجفان الدية. وفي تقدير كلّ جفن خلاف؛ فمن قائلٍ في كلّ واحد ربع الدية، ومن قائلٍ في الأعلى ثلثاها وفي الأسفل الثلث، ومن قائلٍ في الأعلى ثلث الدية وفي الأسفل النصف. وهذا لا يخلو من ترجيح، لكن لايترك الاحتياط بالتصالح.

          • الثالث: الأنف

             

            الثالث: الأنف

            مسألة 1- في الأنف إذا قطع من أصله الدية كاملة. وكذا في مارنه. وهو ما لان منه ونزل عن قصبته. ولو قطع المارن وبعض القصبة دفعةً فالدية كاملة. ولو قطع المارن ثمّ بعض القصبة فالدية كاملة في المارن والأرش في القصبة. ولو قطع المارن ثمّ قطع جميع القصبة ففي المارن الدية؛ فهل للقصبة الدية أو الأرش؟ فيه تأمّل. ولو قطع بعض المارن فبحساب المارن.
            مسألة 2- لو فسد الأنف وذهب - بكسر أو إحراق أو نحو ذلك - ففيه الدية كاملة. ولو جبر على غير عيب فمائة دينار على قول مشهور.
            مسألة 3- في شلل الأنف ثلثا ديته صحيحا. وإذا قطع الأشلّ فعليه ثلثها.
            مسألة 4- في الروثة نصف الدية إذا قطعت، فهل هي طرف الأنف، أو الحاجز بين المنخرين، أو مجمع المارن؟ احتمالات. ويحتمل أن ترجع الاحتمالات إلى أمر واحد، وهو طرف الأنف الّذي يقطر منه الدم، وهو مجمع المارن، وهو محلّ الحاجز؛ فإذا قطع الحاجز من حيث يرى من الأعلى إلى الأسفل قطع طرف الأنف، وهو مجمع المارن، وإن لايخلو من تأمّل.
            مسألة 5- في أحد المنخرين ثلث الدية. وقيل: نصفها. والأوّل أرجح. ولو نفذت في الأنف نافذة على وجه لاتفسد - كرمح أو سهم - فخرقت المنخرين والحاجز فثلث الدية. وكذا لو ثقبته؛ فإن جبر وصلح فخمس الدية على الأحوط.

          • الرابع: الأذن

             

            الرابع: الاُذن

            مسألة 1- في الاُذنين إذا استؤصلا الدية كاملة. وفي استيصال كلّ واحدة منهما نصفها. وفي بعضها بحساب ديتها، إن كان نصفا فنصف، أو ثلثا فثلث، وهكذا.
            مسألة 2- في خصوص شحمة الاُذن ثلث دية الاُذن. وفي بعضها فبحسابها. وفي خرم الاُذن ثلث ديتها على الأحوط بل الأظهر.
            مسألة 3- لو ضربها فاستحشفت - أى يبست - فعليه ثلثا ديتها. ولو قطعها بعد الشلل فثلثها على الأحوط في الموضعين، بل لا يخلوان من قرب.
            مسألة 4- الأصمّ في ما مرّ كالصحيح. ولو قطع الاُذن -مثلا- فسرى إلى السمع فأبطله أو نقص منه ففيه - مضافا إلى دية الاُذن - دية المنفعة من غير تداخل. وكذا لو قطعها بنحو أوضح العظم وجب مع دية الاُذن دية الموضحة من غير تداخل.

          • الخامس: الشفتان

             

            الخامس: الشفتان

            مسألة 1- في الشفتين الدية كاملة. وفي كلّ واحدة منهما النصف على الأقوى. والأحوط في السفلى ستّمائة دينار. وفي قطع بعضها بنسبة مساحتها طولا وعرضا.
            مسألة 2- حدّ الشفة في العليا ما تجافى عن اللِثة متّصلةً بالمنخرين والحاجز عرضا، وطولها طول الفم. وحدّ السفلى ما تجافى عن اللِثة عرضا، وطولها طول الفم. وليست حاشية الشدقين منهما.
            مسألة 3- لو جنى عليها حتّى تقلّصت فلم تنطبق على الأسنان ففيه الحكومة.ولو استرختا بالجناية فلم تنفصلا عن الأسنان بضحك ونحوه فثلثا الدية على الأحوط. ولو قطعت بعد الشلل فثلثها.
            مسألة 4- لو شقّ الشفتين حتّى بدت الأسنان فعليه ثلث الدية؛ فإن برئت فخمس الدية. وفي إحداهما ثلث ديتها إن لم تبرأ. وإن برئت فخمس ديتها على قول معروف في الجميع.

          • السادس: اللسان

             

            السادس: اللسان

            مسألة 1 - في لسان الصحيح إذا استؤصل الدية كاملة. وفي لسان الأخرس ثلث الدية مع الاستيصال.
            مسألة 2 - لو قطع بعض لسان الأخرس فبحساب المساحة. وأمّا الصحيح فيعتبر قطعه بحروف المعجم. وتبسط الدية على الجميع بالسويّة، من غير فرق بين خفيفها وثقيلها، واللسنيّة وغيرها؛ فإن ذهبت أجمع فالدية كاملة، وإن ذهب بعضها وجب نصيب الذاهب خاصّة.
            مسألة 3 - حروف المعجم في العربيّة ثمانية وعشرون حرفا، فتجعل الدية موزّعةً عليها. وأمّا غير العربيّة: فإن كان موافقا لها فبهذا الحساب، ولو كان حروفه أقلّ أو أكثر فالظاهر التقسيط عليها بالسويّة كلّ بحسب لغته.
            مسألة 4 - الاعتبار في صحيح اللسان بما يذهب الحروف لا بمساحة اللسان؛ فلو قطع نصفه فذهب ربع الحروف فربع الدية؛ ولو قطع ربعه فذهب نصف الحروف فنصف الدية.
            مسألة 5 - لو لم يذهب الحرف بالجناية لكن تغيّر بما يوجب العيب فصار ثقيل اللسان أو سريع النطق بما يعدّ عيبا أو تغيّر حرف بحرف آخر ولو كان الثاني صحيحا لكن يعدّ عيبا فالمرجع الحكومة.
            مسألة 6 - لو قطع لسانه جانٍ فأذهب بعض كلامه ثمّ قطع آخر بعضه فذهب بعض الباقي اُخذ بنسبة ما ذهب بعد جناية الاُولى إلى ما بقي بعدها؛ فلو ذهب بجناية الأوّل نصف كلامه فعليه نصف الدية، ثمّ ذهب بجناية الثاني نصف ما بقي فعليه نصف هذا النصف أي الربع، وهكذا.
            مسألة 7 - لو أعدم شخصٌ كلامه بالضرب على رأسه ونحوه من دون قطع فعليه الدية. ولو نقص من كلامه فبالنسبة كما مرّ. ولو قطع آخر لسانه الّذي اُخرس بفعل السابق فعليه ثلث الدية وإن بقيت للّسان فائدة الذوق والعون بعمل الطحن، من غير فرق بين قدرة المجنيّ عليه على الحروف الشفويّة والحلقيّة أم لا.
            مسألة 8 - لوقطع لسان طفل قبل بلوغه حدّالنطق فعليه الديةكاملة. ولوبلغ حدّه ولم ينطق فبقطعه لايثبت إلّا الثلث. ولو انكشف الخلاف يؤخذ ما نقص من الجاني.
            مسألة 9 - لو جنى عليه بغير قطع فذهب كلامه ثمّ عاد فالظاهر أنّه تستعاد الدية. وأمّا لو قلع سنّه فعادت فلا تستعاد ديتها.

          • السابع: الأسنان

             

            السابع: الأسنان

            مسألة 1 - في الأسنان الدية كاملة. وهي موزّعة على ثمان وعشرين سنّا: اثنتا عشرة في مقاديم الفم، ثنيّتان ورباعيّتان ونابان من أعلى ومثلها من أسفل، ففي كلّ واحدة منها خمسون دينارا، فالجميع ستّمائة دينار، وستّ عشرة في مآخر الفم، في كلّ جانب من الجوانب الأربعة أربعة ضواحك وأضراسٌ ثلاثة، في كلّ واحدة منها خمسة وعشرون دينارا، فالجميع أربعمائة دينار. ولا يلحظ النواجذ في الحساب ولا الأسنان الزائدة.
            مسألة 2- لو نقصت الأسنان عن ثمان وعشرين نقص من الدية بإزائه، كان النقص خلقةً أو عارضا.
            مسألة 3- ليس للزائد على ثمان وعشرين ديةٌ مقدّرة. والظاهر الرجوع إلى الحكومة، سواء كانت الزيادة من قبيل النواجذ الّتي هي في رديف الأسنان أو نبت الزائد جنبها داخلا أو خارجا. ولولم يكن في قلعها نقصٌ أو زاد كمالا فلاشي ء وإن كان الفاعل ظالما آثما، وللحاكم تعزيره.
            مسألة 4 - لا فرق في الأسنان بين أبيضها وأصفرها وأسودها إذا كان اللون أصليّا لالعارض وعيب. ولو اسودّت بالجناية ولم تسقط فديتها ثلثا ديتها صحيحةً على الأقوى. ولو قلع السنّ السوداء بالجناية أو لعارض فثلث الدية على الأحوط، بل لايخلو من قرب. وفي انصداع السنّ بلا سقوطٍ الحكومةُ على الأقوى.
            مسألة 5 - لو كسر ما برز عن اللثة خاصّة وبقي السنخ - أي أصله المدفون فيها- فالدية كالسنّ المقلوعة. ولو كسر شخصٌ ما برز عنها ثمّ قلع الآخر السنخ فالحكومة للسنخ، سواء كان الجاني شخصين أو شخصا واحدا في دفعتين.
            مسألة 6- لو قلع سنّ الصغير غير المُثْغَر انتظر إلى مضيّ زمان جرت العادة بنباتها؛ فإن نبتت فالأرش على قول. ولا يبعد أن تكون دية كلّ سنّ بعيرا. وإن لم تنبت فديتها كسنّ البالغ.
            مسألة 7- لو قُلعت سنّ فاُثبتت في محلّها فنبتت كما كانت ففي قلعها الدية كاملة. ولو جُعلت في محلّها سنّ فصارت كالسنّ الأصليّة حيّةً نابتةً فالأحوط في قلعها دية الأصليّة كاملة، بل لايخلو من وجه.

          • الثامن: العنق

             

            الثامن: العنق

            مسألة 1- في العنق إذا كسر فصار الشخص أصغر - أي مال عنقه ويُثنى في ناحية - الدية كاملة على الأحوط. وكذا لو جنى عليه على وجه يثني عنقه وصغر.وكذا لو جنى عليه بما يمنع عن الازدراد وعاش كذلك بإيصال الغذاء إليه بطريق آخر. وقيل في الموردين بالحكومة. ولا يبعد هذا القول.
            مسألة 2- لو زال العيب - أي تمايل العنق وبطلان الازدراد - فلا دية، وعليه الأرش. وكذا لو صار بنحو يمكنه الازدراد وإقامة العنق والالتفات بعسر.

          • التاسع: اللحيان

             

            التاسع: اللحيان

            مسألة 1- في اللحيين إذا قلعا الدية كاملة. وفي كلّ واحد منهما نصفها خمسمائة دينار. وهما العظمان اللذان ملتقاهما الذقن، وفي جانب الأعلى يتّصل طرف كلّ واحد منهما بالاُذن من جانبي الوجه، وعليهما نبات الأسنان السفلى.
            مسألة 2- لو قلع بعض من كلّ منهما أو من أحدهما فبالحساب مساحةً. ولو قلع واحد منهما وبعض من آخر فنصف الدية للمقلوع، وبالحساب للبعض الآخر.
            مسألة 3- ما ذكرناه ثابت في ما إذا قلعا منفردين عن الأسنان، كقلعهما عمّن لا سنّ له. وأمّا لو قلعا مع الأسنان فتزاد دية الأسنان ولا تتداخلان.
            مسألة 4- لو جُني عليهما ونقص المضغ أو حصل نقص فيهما ففيه الحكومة.

          • العاشر: اليدان

             

            العاشر: اليدان

            مسألة 1- في اليدين الدية كاملة. وفي كلّ واحدة نصفها، من غير فرق بين اليمنى واليسرى. ومن كانت له يد واحدة خلقةً أو لعارض فلها نصف الدية.
            مسألة 2- حدّ اليد الّتي فيها الدية المعصم - أي المفصل الّذي بين الكفّ والذراع -؛ فلو قطعت إحداهما من المفصل ففيها نصف الدية، وإن كانت فيها الأصابع فلادية للأصابع في الفرض. ولو قطعت الأصابع منفردةً ففيها خمسمائة دينار نصف الدية.
            مسألة 3- في قطع الكفّ مع فقد الأصابع الحكومة، سواء كان بلا أصابع خلقةً أم بآفة أم بجناية جانٍ.
            مسألة 4- لو قطعت الكفّ ذات الأصابع مع زيادة من الزند ففي اليد خمسمائة دينار. وكذا لو قطعها مع مقدار من الذراع؛ فهل في الزيادة حكومة أو الاعتبار بحساب المساحة؟ فيه تردّد.
            مسألة 5- في قطع اليد من المرفق خمسمائة دينار كان لها كفّ أولا. ومن المنكب كذلك كان لها مرفقٌ أو لا. ولو قطعت من فوق المرفق فيحتمل في الزيادة الحكومة، ويحتمل الحساب مساحةً.
            مسألة 6- لو كانت له يدان على زند أو على مرفق أو على منكب ففي الأصليّة دية اليد كاملةً وفي الزائدة الحكومة. والتشخيص بينهما عرفيّ أو موكول إلى أهل الخبرة. ومع الاشتباه وعدم التميز لو قطعهما معا شخص واحد فعليه الدية والأرش. ومع تعدّد القاطع فالظاهر الحكومة بالنسبة إلى كلّ منهما. ولو كان القاطع واحدا لكن قطع الثاني بعد دفع الحكومة فالظاهر لزوم دية كاملة عليه.

          • الحادي عشر: الاصابع

             

            الحادي عشر: الأصابع

            مسألة 1- في أصابع اليدين الدية كاملة. وكذا في أصابع الرجلين. وفي كلّ واحدة منهما عشر الدية، من غير فرق بين الإبهام وغيره.
            مسألة 2- دية كلّ إصبع مقسومة على ثلاث عقد، في كلّ عقدة ثلثها. وفي الإبهام مقسومة على اثنتين، في كلّ منهما نصفها.
            مسألة 3- في الإصبع الزائدة إذا قطعت من أصلها ثلث الأصليّة. ولا يبعد جريان الحكم بالنسبة إلى الأنملة الزائدة.
            مسألة 4- لو كان عدد الأصابع الأصليّة في بعض الطوائف وكذا عدد أناملهم الأصليّة زائدا على القدر المتعارف لا يبعد أن يكون التقسيط على حسبها.
            مسألة 5- في شلل كلّ واحدة من الأصابع ثلثا ديتها. وفي قطعها بعد الشلل ثلثها.
            مسألة 6- في الظفر إذا لم ينبت أو نبت أسود فاسدا عشرة دنانير على الأحوط، وإن نبت أبيض فخمسة دنانير.

          • الثاني عشر: الظهر

             

            الثاني عشر: الظهر

            مسألة 1- في كسر الظهر الدية كاملة إذا لم يصلح بالعلاج والجبر. وكذا لو احدودب بالجناية فخرج ظهره وارتفع عن الاستواء، أو صار بحيث لايقدر على القعود أو المشي.
            مسألة 2- لو عولج وبقي على الاحديداب فالدية كاملة. وكذا لو بقي من آثار الكسر شي ء، بأن لايقدر على المشي إلّا بعصاً، أو ذهب بذلك جماعه أو ماؤه، أو حدث به سلس ونحو ذلك.
            مسألة 3- لو عولج فصلح ولم يبق من أثر الجناية شي ء فمائة دينار.
            مسألة 4- المراد بالظهر هو العظم الّذي ذو فقار ممتدّ من الكاهل إلى العجز وهو الصلب. وكسره يوجب الدية.
            مسألة 5- لوكسر فشلّت الرجلان فدية لكسرالظهر، وثلثاالدية لشلل الرجلين.

          • الثالث عشر: النخاع

             

            الثالث عشر: النخاع

            مسألة 1- في قطع النخاع دية كاملة. وفي بعضه الحساب بنسبة المساحة.
            مسألة 2- لو قطع النخاع فعيب به عضو آخر: فإن كان فيه الدية المقدّرة يثبت مضافا إلى دية النخاع دية اُخرى، وإن لم تكن فيه الدية فالحكومة.

          • الرابع عشر: الثديان

             

            الرابع عشر: الثديان

            مسألة 1- الثديان من المرأة فيهما ديتها. وفي كلّ واحدة منهما نصف ديتها.
            مسألة 2- لو قطعتا أو قطعت واحدة منهما مع شي ء من جلد الصدر ففي الثدي ديتها بما مرّ، وفي الجلد الحكومة. ولو أجاف الصدر لزم مع ذلك دية الجائفة.
            مسألة 3- لو اُصيب الثدي وانقطع لبنها مع بقائها أو تعذّر نزول اللبن مع كونه فيها أو تعذّر نزوله في وقته مع عدم كونه فعلا فيها أو قلّ لبنها أو عيب -كما إذا درّ مختلطا بالدم أو القيح - ففيه الحكومة.
            مسألة 4- لو قطع الحَلَمتين من المرأة قيل: فيه الدية. وفيه إشكال. ويحتمل الحكومة، ويحتمل الحساب بالمساحة. والأخير لايخلو من رجحان.
            مسألة 5- في حَلَمة ثدي الرجل ثمن الدية: مائة وخمسة وعشرون دينارا. وفيهما معا الربع. وفي قول: إنّ فيهما الدية. والأوّل أقوى.

          • الخامس عشر: الذكر

             

            الخامس عشر: الذكر

            مسألة 1- في الحشفة فما زاد الدية كاملة وإن استؤصل، إذا كان بقطع واحد، من غير فرق بين ذكر الشابّ والشيخ والصبيّ والخصيّ خلقةً ومن سلّت أو رضّت خصيتاه وغيره، إذا لم يكن موجبا للشلل.
            مسألة 2- لو قطع بعض الحشفة كانت دية المقطوع بنسبة الدية من مساحة الحشفة حسب، لا جميع الذكر.
            مسألة 3- لو انخرم مجرى البول من دون قطع ففيه الحكومة. ولو قطع بعض الحشفة وكان القطع ملازما لخرم المجرى فلا شي ء إلّا ما للحشفة، وإن لم يكن ملازما وكان الخرم جنايةً زائدةً فله الحكومة، وللحشفة ما تقدّم.
            مسألة 4- لو قطع الحشفة وقطع آخر - أو هو بقطع آخر - ما بقي فالدية لقطعها والحكومة لقطع الباقي. ولو قطع بعض الحشفة والآخر ما بقي منها فعلى كلّ منهما بحساب المساحة.
            مسألة 5- لو قطع بعض الحشفة وقطع آخر الذكر باستيصال ففي قطع بعضها الحساب بالمساحة، وفي قطع الباقي وجوه: الحكومة، أو الحساب بالنسبة إلى الحشفة والحكومة في ما بقي، أو الدية كاملة. أوجهها الأوّل، وأحوطها الأخير.
            مسألة 6- في ذكر العنّين ثلث الدية. وكذا في قطع الأشلّ. وفي قطع بعضه بحسابه. ولا يبعد أن يكون الحساب بالنسبة إلى المجموع، لا خصوص الحشفة.
            مسألة 7- لو قطع نصف الذكر طولا ولم يحصل في النصف الآخر خلل -من شلل ونحوه - فنصف الدية. وإن أحدث في الباقي شللاً فنصف الدية للقطع وثلثا دية النصف الآخر للشلل، فعليه خمسة أسداس.
            مسألة 8 - في ذكر الخنثى المشكل أو المعلوم اُنوثته الحكومة.

          • السادس عشر: الخصيتان

             

            السادس عشر: الخصيتان

            مسألة 1- في الخصيتين الدية كاملة؛ فهل لكلّ واحدة نصفها، أو لليسرى ثلثان ولليمنى الثلث؟ الأوجه الثاني. والأحوط الثلثان في اليسرى والنصف في اليمنى لو قلعتا دفعتين.
            مسألة 2- لا فرق في الحكم بين الصغير والكبير والشيخ والشابّ، ومقطوع الذكر و غيره، وأشلّه وغيره، والعنّين وغيره.
            مسألة 3- في اُدرة الخصيتين - وهي انتفاخهما - أربعمائة دينار؛ فإن فحج فلم يقدر على مشي ينفعه ففيه ثمانمائة دينار: أربعة أخماس دية النفس.

          • السابع عشر: الفرج

             

            السابع عشر: الفرج

            مسألة 1- في شفري المرأة - أي اللحم المحيط بالفرج إحاطة الشفتين بالفم- ديتها كاملة. وفي إحداهما نصفها، سواء كانت كبيرةً أو صغيرةً، ثيّبا أو بكرا، مختونةً أو غيرها، قرناء أو رتقاء أو سليمةً، مفضاةً أو غيرها.
            مسألة 2- لو شلّتا بالجناية فالظاهر ثلثا ديتها. ولو قطع ما بهما الشلل ففيه الثلث.
            مسألة 3- في الركب - وهو في المرأة موضع العانة من الرجل - الحكومة، قطعه منفردا أو منضمّا إلى الفرج. وكذا في عانة الرجل الحكومة.
            مسألة 4- في إفضاء المرأة ديتها كاملة، وهو أن يجعل مسلكي البول والحيض واحدا. وكذا لو جعل مسلكي الحيض والغائط واحدا على الأحوط في هذه الصورة، من غير فرق بين الأجنبيّ والزوج، إلّا في صورة واحدة، وهي ما إ ذا كان ذلك من الزوج بالوطء بعد البلوغ، وأمّا قبل البلوغ فعليه ديتها مع مهرها.
            مسألة 5- لو كانت المرأة مكرهةً من غير زوجها فلها مهر المثل مع الدية، ولو كانت مطاوعةً فلها الدية دون المهر. ولو كانت المكرهة بكرا هل يجب لها أرش البكارة زائدا على المهر والدية؟ فيه تردّدٌ. والأحوط ذلك.
            مسألة 6- المهر والأرش على القول به في ماله. وكذا الدية.

          • الثامن عشر: الأليان

             

            الثامن عشر: الأليان

            مسألة 1- في الأليين الدية كاملة. وفي كلّ واحدة منهما نصفها. وكذا في المرأة ديتها. وفي كلّ واحدة منهما نصف ديتها. وفي بعض كلّ منهما بحساب المساحة.
            مسألة 2- الظاهر أنّ الألية عبارة عن اللحم المرتفع بين الفخذ والظهر حتّى انتهى إلى العظم؛ فلولم يبلغ العظم فالظاهر الحساب بالمساحة وإن كان الأحوط الدية في القطع بنحو ينتهي إلى مساواة الظهر والفخذ وإن لم يصل إلى العظم.

          • التاسع عشر: الرجلان

             

            التاسع عشر: الرجلان

            مسألة 1- في الرجلين الدية كاملة. وفي كلّ منهما نصفها. وحدّهما مفصل الساق.
            مسألة 2- البحث هاهنا كالبحث في اليدين: في القطع من مفصل الركبة أو من أصل الفخذين، وفي كلّ واحدة منهما، وفي قطع بعض الساق مع مفصله، وكذا في قطع شخص من مفصل الساق وآخر بعض الساق، فالكلام فيهما واحد.
            مسألة 3- في أصابع الرجلين منفردةً دية كاملة. وفي كلّ واحدة منها عشرها. ودية كلّ إصبع مقسومة على ثلاث أنامل بالسويّة، إلّا الإبهام فإنّها مقسومة فيها على اثنين.
            مسألة 4- الكلام في الرجل الزائدة كالكلام في اليد الزائدة. وكذا في الأصابع.

          • العشرون: الأضلاع

             

            العشرون: الأضلاع

            مسألة 1- عن كتاب ظريف بن ناصح: «وفي الأضلاع في ما خالط القلب من الأضلاع إذا كسر منها ضلعٌ فديته خمسة وعشرون دينارا - إلى أن قال: - وفي الأضلاع ممّايلي العضدين دية كلّ ضلع عشرة دنانير إذا كسر». وبمضمونه أفتى الأصحاب. ولا بأس بذلك؛ لكن لم يظهر المراد منه، فهل التفصيل بين الجانب الّذي يلي القلب والجانب الّذي يلي العضد، أو التفصيل بين الضلع الّذي يحيط بالقلب وغيره، أو التفصيل بين الأضلاع في جانب الصدر والقدّام وغيرها ممّايلي العضدين إلى الخلف؟. ويحتمل التصحيف وكان الأصل «في ما حاط القلب» من حاطه يحوطه: أي حفظه وحرسه، أو كان الأصل «في ما أحاط بالقلب». فالأقوى في الأضلاع الّتي تحيط بالقلب من الجانب الأيسر في كلّ منها خمسة وعشرون، وأمّا في غيرها فالاحتياط بالصلح لا يترك، سيّما بالنسبة إلى ما يجاور المحيط بالقلب في جانب الأيمن، وإن كان القول بعدم وجوب الزائد على عشرة دنانير في غير الضلع المحيط لا يخلو من قرب.

          • الواحد والعشرون: الترقوة

             

            الواحد والعشرون: الترقوة

            مسألة 1- في الترقوتين الدية. وفي كلّ واحدة منهما إذا كسرت فجبرت من غير عيب أربعون دينارا.
            مسألة 2- لو كسرت واحدة منهما ولم تبرأ فالظاهر أنّ فيها نصف الدية. ولو برئت معيوبا فكذلك على الأحوط لو لم يكن الأقوى. وقيل فيهما بالحكومة.

          • خاتمة وفيها فروع

             

            خاتمة وفيها فروع:

            الأوّل: لو كسر بعصوص شخص فلم يملك غائطه ففيه الدية كاملة. وهو إمّا عظم الورك أو العصعص، أي عجب الذنب أو عظم دقيق حول الدبر. وإذا ملك غائطه ولم يملك ريحه فالظاهر الحكومة.
            الثاني: لو ضرب عجانه فلم يملك بوله ولا غائطه ففيه الدية كاملة. والعجان: مابين الخصيتين وحلقة الدبر. ولو ملك أحدهما ولم يملك الآخر فلا يبعد فيه الدية أيضا. ويحتمل الحكومة. والأحوط التصالح. ولو ضرب غير عجانه فلم يملكهما فالظاهر الدية. ولو لم يملك أحدهما فيحتمل الحكومة والدية. والأحوط التصالح.
            الثالث: في كسر كلّ عظمٍ من عضو له مقدّر خمس دية ذلك العضو؛ فإن جبر على غير عيب فأربعة أخماس دية كسره. وفي موضحته ربع دية كسره. وفي رضّه ثلث دية ذلك العضو إن لم يبرأ؛ فإن برئ على غير عيب فأربعة أخماس دية رضّه. وفي فكّه من العضو بحيث يتعطّل ثلثا دية ذلك العضو؛ فإن جبر على غير عيب فأربعة أخماس دية فكّه. كلّ ذلك على قول مشهور. والأحوط فيها التصالح.
            الرابع: من داس بطن إنسان حتّى أحدث ديس بطنه حتّى يحدث أو يغرم ثلث الدية. والظاهر أنّ الحدث بول أو غائط؛ فلو أحدث بالريح ففيه الحكومة.
            الخامس: من افتضّ بكرا بإصبعه فخرق مثانتها فلم تملك بولها ففيه ديتها ومهر مثل نسائها.

        • المقصد الثاني في الجناية على المنافع

           

          المقصد الثاني في الجناية على المنافع

          وهي في موارد:
          الأوّل: العقل. وفيه الدية كاملة. وفي نقصانه الأرش. ولا قصاص في ذهابه ولا نقصانه.
          مسألة 1- لا فرق في ذهابه أو نقصانه بين كون السبب فيهما الضرب على رأسه أو غيره وبين غير ذلك من الأسباب؛ فلو أفزعه حتّى ذهب عقله فعليه الدية كاملة، وكذا لو سحره.
          مسألة 2- لو جنى عليه جناية - كما شجّ رأسه أو قطع يده - فذهب عقله لم تتداخل دية الجنايتين. وفي رواية صحيحة: «إن كان بضربة واحدة تداخلتا». لكن أعرض أصحابنا عنها، و مع ذلك فالاحتياط بالتصالح حسن.
          مسألة 3- لو ذهب العقل بالجناية ودفع الدية ثمّ عاد العقل ففي ارتجاع الدية تأمّلٌ وإن كان الارتجاع والرجوع إلى الحكومة أشبه.
          مسألة 4- لو اختلف الجاني ووليّ المجنيّ عليه في ذهاب العقل أو نقصانه فالمرجع أهل الخبرة من الأطبّاء. ويعتبر التعدّد والعدالة على الأحوط. ويمكن اختباره في حال خلواته وغفلته، فإن ثبت اختلاله فهو، وإن لم يتّضح - لا من أهل الخبرة لاختلافهم مثلا، ولا من الاختبار - فالقول قول الجاني مع اليمين.

          الثاني: السمع. وفي ذهابه من الاُذنين جميعا الدية. وفي سمع كلّ اُذن نصف الدية.
          مسألة 1- لا فرق في ثبوت النصف بين كون إحدى الاُذنين أحدّ من الاُخرى أم لا. و لو ذهب سمع إحداهما بسبب من اللّه تعالى أو بجناية أو مرض أو غيرها ففي الاُخرى النصف.
          مسألة 2- لو علم عدم عود السمع أو شهد أهل الخبرة بذلك استقرّت الدية. وإن أمّل أهل الخبرة العود بعد مدّة متعارفة يتوقّع انقضاؤها، فإن لم يعد استقرّت، ولو عاد قبل أخذ الدية فالأرش، وإن عاد بعده فالأقوى أنّه لا يرتجع، ولو مات قبل أخذها فالأقرب الدية.
          مسألة 3- لو قطع الاُذنين وذهب السمع به فعليه الديتان. ولو جنى عليه بجناية اُخرى فذهب سمعه فعليه دية الجناية والسمع. ولو قطع إحدى الاُذنين فذهب السمع كلّه من الاُذنين فدية ونصف.
          مسألة 4- لو شهد أهل الخبرة بعدم فساد القوّة السامعة لكن وقع في الطريق نقص حجبها عن السماع فالظاهر ثبوت الدية لا الحكومة. وإن ذهب بسمع الصبيّ فتعطّل نطقه فالظاهر بالنسبة إلى تعطّل النطق الحكومة مضافا إلى الدية.
          مسألة 5- لو أنكر الجاني ذهاب سمع المجنيّ عليه أو قال: «لا أعلم صدقه» اعتبرت حاله عند الصوت العظيم والرعد القويّ، وصيح به بعد استغفاله، فإن تحقّق ما ادّعاه اُعطي الدية. ويمكن الرجوع إلى الحذّاق والمتخصّصين في السمع مع الثقة بهم. والأحوط التعدّد والعدالة. وإن لم يظهر الحال اُحلف القسامة للّوث وحكم له.
          مسألة 6- لو ادّعى نقص سمع إحداهما قيس إلى الاُخرى، وتلزم الدية بحساب التفاوت. وطريق المقايسة أن تسدّ الناقصة سدّا شديدا وتطلق الصحيحة ويضرب له بالجرس -مثلا- حيال وجهه ويقال له: «اسمع»، فإذا خفي الصوت عليه علّم مكانه، ثمّ يضرب به من خلفه حتّى يخفى عليه فيعلّم مكانه، فإن تساوى المسافتان فهو صادق وإلّا كاذب. والأحوط الأولى تكرار العمل في اليمين واليسار أيضا، ثمّ تسدّ الصحيحة سدّا جيّدا وتطلق الناقصة فيضرب بالجرس من قدّامه ثمّ يعلّم حيث يخفى الصوت، يصنع بها كما صنع باُذنه الصحيحة أوّلا، ثمّ يقاس بين الصحيحة والمعتلّة فيعطى الأرش بحسابه. ولابدّ في ذلك من توخّي سكون الهواء، ولا يقاس مع هبوب الرياح. وكذا يقاس في المواضع المعتدلة.

          الثالث: البصر. وفي ذهاب الإبصار من العينين الدية كاملة، ومن إحداهما نصفها.
          مسألة 1- لا فرق بين أفراد العين المختلفة، حديدها وغيره حتّى الحولاء والعشواء والّذي في عينه بياض لا يمنعه عن الإبصار والعمشاء بعد كونها باصرة.
          مسألة 2- لو قلع الحدقة فليس عليه إلّا دية واحدة ويكون الإبصار تبعاً لها. ولو جنى عليه بغير ذلك - كما لو شجّ رأسه فذهب إبصاره - عليه دية الجناية مع دية الإبصار.
          مسألة 3- لو قامت العين بحالها وادّعى المجنيّ عليه ذهاب البصر وأنكر الجاني فالمرجع أهل الخبرة؛ فإن شهد شاهدان عدلان من أهلها أو رجل وامرأتان ثبت الدية؛ فإن قالا: «لا يرجى عوده» استقرّت، ولو قالا: «يرجى العود» -من غير تعيين زمان- تؤخذ الدية، وإن قالا: «بعد مدّة معيّنة متعارفة» فانقضت ولم يعد استقرّت.
          مسألة 4- لو مات قبل مضيّ المدّة الّتي اُجّلت استقرّت الدية، وكذا لو قلع آخر عينه. نعم، لو ثبت عوده فقلعت فالظاهر الأرش، كما أنّه لو عاد قبل استيفاء الدية عليه الأرش، وأمّا بعده فالظاهر عدم الارتجاع.
          مسألة 5- لو اختلفا في عوده فالقول قول المجنيّ عليه.
          مسألة 6- لو ادّعى ذهاب بصره وعينه قائمة ولم يكن بيّنة من أهل الخبرة أحلفه الحاكم القسامة وقضى له.
          مسألة 7- لو ادّعى نقصان إحداهما قيست إلى الاُخرى واُخذت الدية بالنسبة بعد القسامة استظهارا. ولو ادّعى نقصانهما قيستا إلى من هو من أبناء سنّه، واُلزم الجاني التفاوت بعد الاستظهار بالأيمان إلّا مع العلم بالصحّة، فيسقط الاستظهار.
          مسألة 8 - طريق المقايسة هاهنا كما في السمع، فتشدّ عينه الصحيحة ويأخذ رجلٌ بيضةً - مثلا - ويبعد حتّى يقول المجنيّ عليه: «ما اُبصرها» فيعلّم عنده، ثمّ يعتبر في جهة اُخرى أو الجهات الأربع فإن تساوت صدّق، وإلّا كذّب، وفي فرض الصدق تشدّ المصابة وتطلق الصحيحة فتعتبر بالجهتين أو الجهات ويؤخذ من الدية بنسبة النقصان. وهذه المقايسة جارية في إصابة العينين ودعوى نقصانهما، لكن تعتبر مع العين الصحيحة من أبناء سنّه.
          مسألة 9- لابدّ في المقايسة من ملاحظة الجهات: من حيث كثرة النور وقلّته، والأراضي من حيث الارتفاع والانخفاض، فلا تقاس مع ما يمنع عن المعرفة، ولا تقاس في يوم غيم.

          الرابع: الشمّ. وفي إذهابه عن المنخرين الدية كاملة، وعن المنخر الواحد نصفها على إشكال في الثاني، فلا يترك الاحتياط بالتصالح.
          مسألة 1- لو ادّعى ذهابه وأنكر الجاني امتحن بالروائح الحادّة والمحرقة في حال غفلته، فإن تحقّق الصدق تؤخذ الدية، وإلّا فليستظهر عليه بالقسامة ويقضى له. وإن أمكن الاستكشاف في زماننا بالوسائل الحديثة يرجع إلى أهل الخبرة مع اعتبار التعدّد والعدالة احتياطا، فمع قيام البيّنة يعمل بها.
          مسألة 2- لو ادّعى نقص الشمّ: فإن أمكن إثباته بالآلات الحديثة وشهادة العدلين من أهل الخبرة فهو، وإلّا فلا يبعد الاستظهار بالأيمان، ويقضي بما يراه الحاكم من الحكومة أو الأرش.
          مسألة 3- لو أمكن إثبات مقدار النقص بالامتحان والمقايسة بشامّة أبناء سنّه -كما في البصر والسمع- لا يبعد القول به.
          مسألة 4- لو عاد الشمّ قبل أداء الدية فالحكومة. ولو عاد بعده ففيه إشكال لابدّ من التخلّص بالتصالح. ولو مات قبل انقضاء المدّة ولم يعد فالدية ثابتة.
          مسألة 5- لو قطع الأنف فذهب الشمّ فديتان. وكذا لو جنى عليه جنايةً ذهب بها الشمّ فعليه مع دية ذهابه دية الجناية، ولو لم يكن لها دية مقدّرة فالحكومة.

          الخامس: الذوق. قيل: فيه الدية، وهو وإن لم يكن ببعيد لكنّ الأقرب فيه الحكومة.
          مسألة 1- لو أمكن التشخيص بالوسائل الحديثة يرجع إلى شاهدين عدلين من أهل الخبرة، وإلّا فإن اختلفا ولا أمارة توجب اللوث فالقول قول الجاني، ومع حصوله يستظهر بالأيمان.
          مسألة 2- لو تحقّق النقصان يرجع إلى الحاكم ليحسم مادّة النزاع بالتصالح أو بالحكم. والأحوط لهما التصالح.
          مسألة 3- لو قطع لسانه فليس إلّا الدية للّسان، والذوق تبعٌ. ولو جنى عليه جنايةً اُخرى ذهب بذوقه ففي الذوق ما عرفت وفي الجناية ديتها، ولو لم يكن دية مقدّرة فالحكومة.
          مسألة 4- لوجنى على مغرس لحيته فلم يستطع المضغ فالحكومة، وقيل بالدية.
          مسألة 5- لو عاد الذوق تستعاد الدية. والأحوط التصالح.

          السادس: قيل: لو اُصيب بجناية فتعذّر عليه الإنزال ففيه الدية. وكذا لو تعذّر عليه الإحبال. وكذا لو تعذّر عليه الالتذاذ بالجماع. وفي الجميع إشكال، والأقرب الحكومة. نعم، لا يترك الاحتياط في انقطاع الجماع، أي تكون الجناية سببا لانقطاع أصل الجماع وعدم نشر الآلة.

          السابع: في سلس البول الدية كاملة إن كان دائما على الأقوى. والأحوط ذلك إن دام تمام اليوم، كما أنّ الأحوط في ما كان إلى نصف النهار ثلثا الدية وإلى ارتفاعه ثلثها، وفي سائر أجزاء الزمان الحكومة. والمراد من الدوام أو تمام اليوم أو بعضه هو كونه كذلك في جميع الأيّام. وإن صار كذلك في بعض الأيّام وبرئ ففيه الحكومة.

          الثامن: في ذهاب الصوت كلّه الدية كاملة. وإذا ورد نقصٌ على الصوت كما غَنّ أو بَحّ فالظاهر الحكومة. والمراد بذهاب الصوت أن لا يقدر صاحبه على الجهر. ولا ينافي قدرته على الإخفات.
          مسألة 1- لو جنى عليه فذهب صوته كلّه ونطقه كلّه فعليه الديتان.
          مسألة 2- لو ذهب صوته بالنسبة إلى بعض الحروف وبقي بالنسبة إلى بعضٍ يحتمل فيه الحكومة، ويحتمل التوزيع كما مرّ في أصل التكلّم. والأحوط التصالح.
          مسألة 3- في ذهاب المنافع الّتي لم يقدّر لهاديةٌ الحكومة، كالنوم واللمس وحصول الخوف والرعشة والعطش والجوع والغشوة وحصول الأمراض على أصنافها.
          مسألة 4- الأرش والحكومة الّتي بمعناه إنّما يكون في موارد لو قيس المعيب بالصحيح يكون نقصٌ في القيمة؛ فمقدار التفاوت هو الأرش والحكومة الّتي بمعناه. وأمّا لو فرض في مورد لا توجب الجناية نقصا بهذا المعنى ولا تقدير له في الشرع كما لو قطع إصبعه الزائدة أو جني عليه ونقص شمّه ولم يكن في التقويم بين مورد الجناية وغيره فرقٌ فلابدّ من الحكومة بمعنىً آخر، وهي حكومة القاضي بما يحسم مادّة النزاع إمّا بالأمر بالتصالح، أو تقديره على حسب المصالح، أو تعزيره.

        • المقصد الثالث في الشجاج والجراح

           

          المقصد الثالث في الشجاج والجراح

          الشجاج - بكسر الشين - جمع الشجّة بفتحها. وهي الجراح المختصّة بالرأس. وقيل: تطلق على جراح الوجه أيضا. ولا ثمرة بعد وحدة حكم الرأس والوجه. وللشجاج أقسام:
          الأوّل: الحارصة - بالمهملات - المعبّر عنها في النصّ ب«الحَرصة». وهي الّتي تقشر الجلد شبه الخدش من غير إدماء. وفيها بعير. والأقوى أنّها غير الدامية موضوعا وحكما، والرجل و المرأة سواء فيها وفي أخواتها، وكذا الصغير والكبير.
          الثاني: الدامية. وهي الّتي تدخل في اللحم يسيرا ويخرج معه الدم، قليلا كان أم كثيرا بعد كون الدخول في اللحم يسيرا. وفيها بعيران.
          الثالث: المتلاحمة. وهي الّتي تدخل في اللحم كثيرا لكن لم تبلغ المرتبة المتأخّرة، وهي السمحاق. وفيها ثلاثة أبعرة. والباضعة هي المتلاحمة.
          الرابع: السمحاق. وهي الّتي تقطع اللحم وتبلغ الجلدة الرقيقة المغشّية للعظم. وفيها أربعة أبعرة.
          الخامس: الموضحة. وهي الّتي تكشف عن وضح العظم - أي بياضه - وفيها خمسة أبعرة.
          السادس: الهاشمة. وهي الّتي تهشم العظم وتكسره. والحكم مخصوص بالكسر و إن لم يكن جرح. وفيها عشرة أبعرة. والأحوط في اعتبار الأسنان هاهنا أرباعا في الخطأ و أثلاثا في شبيه العمد. وقد مرّ اختلاف الروايات في دية الخطأ وشبيه العمد، واحتملنا التخيير وقلنا بالاحتياط؛ فلو قلنا في دية الخطأ عشرون بنت مخاض وعشرون ابن لبون وثلاثون بنت لبون وثلاثون حِقّةً فالأحوط هاهنا بنتا مخاض وابنالبون وثلاث بنات لبون وثلاث حِقق. ولابدّ من الأخذ بهذا الفرض دون الفروض الاُخر. والأحوط في شبيه العمد أربع خلفة ثنيّة وثلاث حِقق وثلاث بنات لبون.
          السابع: المنقّلة. وهي - على تفسير جماعة - الّتي تحوج إلى نقل العظام من موضع إلى غيره. وفيها خمسة عشر بعيرا.
          الثامن: المأمومة. وهي الّتي تبلغ اُمّ الرأس، أي الخريطة الّتي تجمع الدماغ. وفيها ثلث الدية حتّى في الإبل على الأحوط وإن كان الأقوى الاكتفاء في الإبل بثلاثة وثلاثين بعيرا.

        • مسائل

           

          هنا مسائل:

          مسألة 1- الدامغة - وهي الّتي تفتق الخريطة الّتي تجمع الدماغ وتصل إلى الدماغ - فالسلامة معها بعيدة، وعلى تقديرها تزيد على المأمومة بالحكومة.
          مسألة 2- الجائفة - وهي الّتي تصل إلى الجوف من أيّ جهة، سواء كانت بطنا أو صدرا أو ظهرا أوجنبا - فيها الثلث على الأحوط. وقيل تختصّ الجائفة بالرأس، فهي من الشِجاج. والأظهر خلافه. ولو أجافه واحد وأدخل آخر سكّينه -مثلا- في الجرح ولم يزد شيئا فعلى الثاني التعزير حسب. وإن وسّعها باطنا أو ظاهرا ففيه الحكومة. وإن وسّعها فيهما بحيث يحدث جائفة فعليه الثلث: دية الجائفة. ولو طعنه من جانب وأخرج من جانب آخر كما طعن في صدره فخرج من ظهره فالأحوط التعدّد. ولا فرق في الجائفة بين الآلات حتّى نحو الإبرة الطويلة، فضلا عن البندقة.
          مسألة 3- لو نفذت نافذة في شي ء من أطراف الرجل - كرجله أو يده - ففيها مائة دينار. ويختصّ الحكم ظاهرا بما كانت ديته أكثر من مائة دينار. وأمّا المرأة فالظاهر أنّ في النافذة في أطرافها الحكومة.
          مسألة 4- في الجناية بلطم ونحوه إذا اسودّ الوجه بها من غير جرح ولا كسر أرشها ستّة دنانير. وإن اخضرّ ولم يسودّ فثلاثة دنانير. وإن احمرّ فدينار ونصف. وفي البدن النصف؛ ففي اسوداده ثلاثة دنانير، وفي اخضراره دينار ونصف، وفي احمراره ثلاثة أرباع الدينار. ولا فرق في ذلك بين الرجل والاُنثى والصغير والكبير، ولا بين أجزاء البدن، كانت لها دية مقرّرة أولا، ولا في استيعاب اللون تمام الوجه وعدمه، ولا في بقاء الأثر مدّةً وعدمه. نعم، إذا كان اللطم في الرأس فالظاهر الحكومة. وإن أحدث الجناية تورّما من غير تغيير لون فالحكومة. ولو أحدثهما فالظاهر التقدير والحكومة.
          مسألة 5 - كلّ عضو ديته مقدرّة ففي شلله ثلثا ديته، كاليدين والرجلين، وفي قطعه بعد الشلل ثلث ديته.
          مسألة 6- دية الشِجاج في الرأس والوجه سواء كما مرّ. والمشهور أنّ دية شبيهها من الجراح في البدن بنسبة دية العضو الّذي يتّفق فيه الجراحة من دية الرأس - أي النفس - إن كان للعضو دية مقدّرة؛ ففي حارصة اليد نصف بعير أو خمسة دنانير، وفي حارصة إحدى أنملتي الإبهام نصف عشر بعير أو نصف دينار وهكذا. وإن لم يكن له دية مقدّرة فالحكومة.
          مسألة 7 - المرأة تساوي الرجل في ديات الأعضاء والجراحات حتّى تبلغ ثلث دية الرجل، ثمّ تصيرعلى النصف، سواءكان الجاني رجلاً أوامرأةً على الأقوى؛ ففي قطع الإصبع منها مائة دينار، وفي الاثنتين مائتان، وفي الثلاث ثلاثمائة، وفي الأربع مائتان. ويقتصّ من الرجل للمرأة وبالعكس في الأعضاء والجراح من غيرردّ حتّى تبلغ الثلث، ثمّ يقتصّ مع الردّ لو جنت هي عليه لا هو عليها.
          مسألة 8 - كلّ ما فيه دية من أعضاء الرجل - كاليدين والرجلين والمنافع والجراح - ففيه من المرأة ديتها. وكذا من الذمّيّ ديته، ومن الذمّيّة ديتها.
          مسألة 9 - كلّ موضع يقال فيه بالأرش أو الحكومة فهما واحد. والمراد أنّه يقوّم المجروح صحيحا إن كان مملوكا تارةً ويقوّم مع الجناية اُخرى، وينسب إلى القيمة الاُولى، ويعرف التفاوت بينهما، ويؤخذ من دية النفس بحسابه. وقد قلنا: إنّه لو لم يكن تفاوت بحسب القيمة أو كان مع الجناية أزيد - كما لو قطع إصبعه الزائدة الّتي هي نقصٌ وبقطعها تزيد القيمة - فلابدّ من الحكومة بمعنىً آخر، وهو حكم القاضي بالتصالح، ومع عدمه بما يراه من التعزير وغيره حسما للنزاع.
          مسألة 10- من لا وليّ له فالحاكم وليّه في هذا الزمان؛ فلو قتل خطأً أو شبيه عمد فله استيفاؤه، فهل له العفو؟ وجهان. الأحوط عدمه.

      • القول في اللواحق
        • الأول: في الجنين

           

          الأوّل في الجنين

          الجنين إذا ولج فيه الروح ففيه الدية كاملة - ألف دينار - إذا كان بحكم المسلم الحرّ وكان ذكرا. وفي الاُثنى نصفها. وإذا اكتسى اللحم وتمّت خلقته ففيه مائة دينار، ذكرا كان الجنين أو اُنثى. ولو لم يكتس اللحم وهو عظم ففيه ثمانون دينارا. وفي المضغة ستّون. وفي العلقة أربعون. وفي النطفة إذا استقرّت في الرحم عشرون. من غير فرق في جميع ذلك بين الذكر والاُنثى.
          مسألة 1- لو كان الجنين ذمّيّا فهل ديته عشر دية أبيه أو عشر دية اُمّه؟ فيه تردّد وإن كان الأوّل أقرب.
          مسألة 2- لا كفّارة على الجاني في الجنين قبل ولوج الروح. ولا تجب الدية كاملة ولاالكفّارة إلّا بعدالعلم بالحياة ولوبشهادة عادلين من أهل الخبرة. ولااعتبار بالحركة إلّا إذا علم أنّها اختياريّة. ومع العلم بالحياة تجب مع مباشرة الجناية.
          مسألة 3- الأقوى أنّه ليس بين كلّ مرتبة ممّا تقدّم ذكره والمرتبة الّتي بعدها شي ء؛ فما قيل بينهما شي ء بحساب ذلك غير مرضيّ.
          مسألة 4- لو قتلت المرأة فمات ما في جوفها فدية المرأة كاملة ودية اُخرى لموت ولدها؛ فإن علم أنّه ذكرٌ فديته، أو الاُنثى فديتها، ولو اشتبه فنصف الديتين.
          مسألة 5- لوألقت المرأة حملها فعليها دية ماألقته. ولانصيب لها من هذه الدية.
          مسألة 6- لو تعدّد الولد تعدّدت الدية؛ فلو كان ذكرا واُنثى فدية ذكر واُنثى وهكذا. وفي المراتب المتقدّمة كلّ مورد اُحرز التعدّد دية المرتبة متعدّدة.
          مسألة 7- دية أعضاء الجنين وجراحاته بنسبة ديته، أي من حساب المائة؛ ففي يده خمسون دينارا، وفي يديه مائة، وفي الجراحات والشجاج على النسبة. هذا في ما لم تلجه الروح، وإلّا فكغيره من الأحياء.
          مسألة 8- من أفزع مجامعا فعزل فعلى المفزع عشرة دنانير ضياع النطفة.
          مسألة 9- لو خفي على القوابل وأهل المعرفة كون الساقط مبدأ نشوء إنسان فإن حصل بسقوطه نقصٌ ففيه الحكومة، ولو وردت على اُمّها جناية فديتها.
          مسألة 10- دية الجنين إن كان عمدا أو شبهه في مال الجاني. وإن كان خطأً فعلى العاقلة إذا ولج فيه الروح. وفي غيره تأمّل وإن كان الأقرب أنّها على العاقلة.
          مسألة 11- في قطع رأس الميّت المسلم الحرّ مائة دينار. وفي قطع جوارحه بحساب ديته. وبهذه النسبة في سائر الجنايات عليه؛ ففي قطع يده خمسون دينارا، وفي قطع يديه مائة، وفي قطع إصبعه عشرةدنانير. وكذا الحال في جراحه وشجاجه. وهذه الدية ليست لورثته بل للميّت، تصرف في وجوه الخير. ويتساوى في الحكم الرجل والمرأة والصغير والكبير. وهل يؤدّى منها دين الميّت؟ الظاهر نعم.

        • الثاني: في العاقله

           

          الثاني من اللواحق في العاقلة

          والكلام فيها في أمرين:
          الأوّل: تعيين المحلّ. وهو العصبة، ثمّ المعتق، ثمّ ضامن الجريرة، ثمّ الإمام (عليه السلام) وضابط العصبة من تقرّب بالأبوين أو الأب كالإخوة وأولادهم وإن نزلوا والعمومة و أولادهم كذلك.
          مسألة 1- في دخول الآباء وإن علوا والأبناء وإن نزلوا في العصبة خلاف، والأقوى دخولهما فيها.
          مسألة 2- لاتعقل المرأة بلا إشكال، ولا الصبيّ ولا المجنون على الظاهر وإن ورثوا من الدية، ولا أهل الديوان إن لم يكونوا عصبة ولا أهل البلد إن لم يكونوا عصبة. ولا يشارك القاتل العصبة في الضمان. ويعقل الشباب والشيوخ والضعفاء والمرضى إذا كانوا عصبة.
          مسألة 3- هل يتحمّل الفقير حال المطالبة - وهو حول الحول - شيئا أم لا؟ فيه تأمّلٌ وإن كان الأقرب بالاعتبار عدم تحمّله.
          مسألة 4- تحمل العاقلة دية الموضحة فما زاد. والأقوى عدم تحمّلها ما نقص عنها.
          مسألة 5- تضمن العاقلة دية الخطأ. وقد مرّ أنّها تستأدى في ثلاث سنين كلّ سنة عند انسلاخها ثلثا، من غير فرق بين دية الرجل والمرأة. والأقرب أنّ حكم التوزيع إلى ثلاث سنين جارٍ في مطلق دية الخطأ من النفوس وجنايات اُخر.
          مسألة 6- لا رجوع للعاقلة بما تؤدّيه على الجاني كما مرّ. والقول بالرجوع ضعيف.
          مسألة 7- لا تعقل العاقلة ما يثبت بالإقرار بل لابدّ من ثبوته بالبيّنة؛ فلو ثبت أصل القتل بالبيّنة وادّعى القاتل الخطأ وأنكرت العاقلة فالقول قولها بيمين، فمع عدم ثبوت الخطأ بالبيّنة ففي مال الجاني.
          مسألة 8- لا تعقل العاقلة العمد وشبهه كما مرّ، ولا ما صولح به في العمد وشبهه ولا سائر الجنايات كالهاشمة والمأمومة إذا وقعت عن عمد أو شبهه.
          مسألة 9- لو جنى شخص على نفسه خطأً - قتلا أو ما دونه - كان هدرا ولاتضمنه العاقلة.
          مسألة 10- ليس بين أهل الذمّة معاقلة في ما يجنون من قتل أو جراحة، وإنّما يؤخذ ذلك من أموالهم، فإن لم يكن لهم مال رجعت الجناية على إمام المسلمين إذا أدّوا اليه الجزية.
          مسألة 11- لا يعقل إلّا من علم كيفيّة انتسابه إلى القاتل وثبت كونه من العصبة؛ فلا يكفي كونه من قبيلة فلان حتّى يعلم أنّه عصبته، ولو ثبت كونه عصبةً بالبيّنة الشرعيّة لا يسمع إنكار الطرف.
          مسألة 12- لو قتل الأب ولده عمدا أو شبه عمد فالدية عليه، ولا نصيب له منها. و لو لم يكن له وارث غيره فالدية للإمام(عليه السلام) ولو قتله خطأً فالدية على العاقلة يرثها الوارث. وفي توريث الأب هنا قولان أقربهما عدمه؛ فلو لم يكن له وارث غيره يرث الإمام (عليه السلام).
          مسألة 13- عمد الصبيّ والمجنون في حكم الخطأ؛ فالدية فيه على العاقلة.
          مسألة 14- لا يضمن العاقلة جناية بهيمةٍ لو جنت بتفريط من المالك أو بغيره. ولاتضمن إتلاف مال؛ فلو أتلف مال الغير خطأً أو أتلفه صغير أو مجنون فلاتضمنه العاقلة؛ فضمانها مخصوص بالجناية من الآدميّ على الآدميّ على نحو ما تقدّم، ثمّ إنّه لا ثمرة مهمّة في سائر المحالّ، أي المعتق وضامن الجريرة والإمام (عليه السلام).

          الثانى: في كيفيّة التقسيط. وفيها أقوال: منها: على الغنيّ عشرة قراريط - أي نصف الدينار - وعلى الفقير خمسة قراريط. ومنها: يقسّطها الإمام 7 أو نائبه على مايراه بحسب أحوال العاقلة بحيث لا يجحف على أحد منهم. ومنها: أنّ الفقير والغنيّ سواء في ذلك، فهي عليهما. والأخير أشبه بالقواعد بناءً على تحمّل الفقير.
          مسألة 1 - هل في التوزيع ترتيب حسب ترتيب الإرث، فيؤخذ من الأقرب فالأقرب على حسب طبقات الإرث، فيؤخذ من الآباء والأولاد، ثمّ الأجداد والإخوة من الأب وأولادهم وإن نزلوا، ثمّ الأعمام وأولادهم وإن نزلوا، وهكذا بالنسبة إلى سائر الطبقات، أو يجمع بين القريب والبعيد في العقل، فيوزّع على الأب والابن والجدّ والإخوة وأولادهم وهكذا من الموجودين حال الجناية؟ وجهان لايبعد أن يكون الأوّل أوجه.
          مسألة 2- هل التوزيع في الطبقات تابع لكيفيّة الإرث، فلو كان الوارث في الطبقة الاُولى - مثلا - منحصرا بأب وابن يؤخذ من الأب سدس الدية ومن الابن خمسة أسداس أو يؤخذ منهما على السواء؟ وجهان. ولو كان أحد الورّاث ممنوعا من الإرث فهل يؤخذ منه العقل أم لا؟ وجهان.
          مسألة 3- لو لم يكن في طبقات الإرث أحد ولم يكن ولاء العتق وضمان الجريرة فالعقل على الإمام (عليه السلام) من بيت المال. ولو كان ولم يكن له مال فكذلك. ولوكان له مال ولا يمكن الأخذ منه فهل هو كذلك؟ فيه تردّد.
          مسألة 4- لو كان في إحدى الطبقات وارث وإن كان واحدا لايؤخذ من الإمام (عليه السلام) العقل، بل يؤخذ من الوارث.
          مسألة 5 - ابتداء زمان التأجيل في دية القتل خطأً من حين الموت؛ وفي الجناية على الأطراف من حين وقوع الجناية؛ وفي السراية من حين انتهاء السراية على الأشبه. ويحتمل أن يكون من حين الاندمال. ولايقف ضرب الأجل إلى حكم الحاكم.
          مسألة 6- بعد حلول الحول يطالب الدية ممّن تعلّقت به. ولو مات بعد حلوله لم يسقط ما لزمه، وثبت في تركته. ولو مات في أثناء الحول ففي تعلّقه بتركته كمن مات بعد حلوله أو سقوطه عنه وتعلّقه بغيره إشكال وتردّد.
          مسألة 7- لو لم تكن له عاقلة غير الإمام (عليه السلام) أو عجزت عن الدية تؤخذ من الإمام (عليه السلام) دون القاتل، وقيل تؤخذ من القاتل، ولو لم يكن له مال تؤخذ من الإمام(عليه السلام) والأوّل أظهر.
          مسألة 8 - قد مرّ أنّ دية العمد وشبه العمد في مال الجاني، لكن لو هرب فلم يقدر عليه اُخذت من ماله إن كان له مال، وإلّا فمن الأقرب إليه فالأقرب، فإن لم تكن له قرابة أدّاها الإمام (عليه السلام)، ولا يبطل دم امرئ مسلم.

        • الثالث: في الجناية على الحيوان

           

          الثالث من اللواحق في الجناية على الحيوان

          وهي باعتبار المجنيّ عليه ثلاثة أقسام:
          الأوّل: ما يؤكل في العادة كالأنعام الثلاثة وغيرها؛ فمن أتلف منها شيئا بالذكاة لزمه التفاوت بين كونه حيّا وذكيّا؛ ولو لم يكن بينهما تفاوت فلا شي ء عليه وإن كان آثما. ولو أتلفه من غير تذكية لزمه قيمة يوم إتلافه. والأحوط أعلى قيمتي يوم التلف والأداء. ولو بقي فيه ما ينتفع به - كالصوف والوبر وغيرهما ممّا ينتفع به من الميتة - فهو للمالك، ويوضع من قيمة التالف الّتي يغرمها.
          مسألة 1- ليس للمالك دفع المذبوح - لو ذبح مذكّاةً - ومطالبة المثل أو القيمة، بل له ما به التفاوت.
          مسألة 2- لو فرض أنّه بالذبح خرج عن القيمة فهو مضمون كالتالف بلا تذكية.
          مسألة 3- لو قطع بعض أعضائه أو كسر شيئا من عظامه مع استقرار حياته فللمالك الأرش، ومع عدم الاستقرار فضمان الإتلاف، لكنّ الأحوط في ما إذا فُقئت عين ذات القوائم الأربع أكثرالأمرين من الأرش وربع ثمنهايوم فُقئت،كماأنّ الأحوط في إلقاء جنين البهيمة أكثر الأمرين من الأرش وعشر ثمن البهيمة يوم ألقت.

          الثاني: ما لا يؤكل لحمه لكن تقع عليه التذكية كالسباع؛ فإن أتلفه بالذكاة ضمن الارش؛ وكذا لو قطع جوارحه وكسر عظامه مع استقرار حياته. وإن أتلفه بغير ذكاة ضمن قيمته حيّا يوم إتلافه. والأحوط أكثر الأمرين من القيمة يوم إتلافه ويوم أدائها. ويستثنى من القيمة ما ينتفع به من الميتة كعظم الفيل.
          مسألة 4- إن كان المتلَف ما يحلّ أكله لكن لا يؤكل عادةً - كالخيل والبغال والحمير الأهليّة - كان حكمه كغير المأكول. لكنّ الأحوط في فق ء عينها ما ذكرنا في المسألة الثالثة.
          مسألة 5 - في ما لا يؤكل عادةً لو أتلفه بالتذكية لا يعتبر لحمه ممّا ينتفع به، فلايستثنى من الغرامة. نعم، لو فرض أنّ له قيمةً كسنة المجاعة تستثنى منها.

          الثالث: ما لا تقع عليه الذكاة؛ ففي كلب الصيد أربعون درهما. والظاهر عدم الفرق بين السلوقيّ وغيره، ولا بين كونه معلّماً وغيره. وفي كلب الغنم عشرون درهما. وفي روايةٍ: كبش. والأحوط الأخذ بأكثرهما. والأحوط في كلب الحائط عشرون درهما. وفي كلب الزرع قفيز من برّ عند المشهور على ما حكي. وفي روايةٍ: جريب من برّ. وهو أحوط. ولا يملك المسلم من الكلاب غير ذلك، فلاضمان بإتلافه.
          مسألة 6- كلّ ما لا يملكه المسلم كالخمر والخنزير لا ضمان فيه لو أتلفه. ومالم يدلّ دليل على عدم قابليّته للملك يتملّك لو كان له منفعة عقلائيّة. وفي إتلافه ضمان الإتلاف كما في سائر الأموال.
          مسألة 7- ما يملكه الذمّيّ - كالخنزير - مضمون بقيمته عند مستحلّيه. وفي الجناية على أطرافه الأرش.

        • فروع

           

          فروع:

          الأوّل: لو أتلف على الذمّيّ خمرا أو آلةً من اللهو ونحوه ممّا يملكه الذمّيّ في مذهبه ضمنها المتلف ولوكان مسلما. ولكن يشترط في الضمان قيام الذمّيّ بشرائط الذمّة، ومنه الاستتار في نحوها؛ فلو أظهرها ونقض شرائط الذمّة فلااحترام لها. ولو كان شي ء من ذلك لمسلم لا يضمنه الجاني، متجاهرا كان أو مستترا.
          مسألة 1- الخمر الّتي تتّخذ للخلّ محترمة لا يجوز إهراقها، ويضمن لو أتلفها. وكذا موادّ آلات اللهو والقمار محترمة، وإنّما هيئتها غير محترمة ولا مضمونة، إلّا أن يكون إبطال الهيئة ملازما لإتلاف المادّة، فلا ضمان حينئذٍ.
          مسألة 2- قارورة الخمر وكذا سائر ما فيه الخمر محترمة؛ ففي كسرها وإتلافها الضمان. وكذا محالّ آلات اللهو ومحفظتها.
          الثاني: إذا جنت الماشية على الزرع في الليل ضمن صاحبها، ولو كان نهارا لم يضمن. هذا إذا جنت الماشية بطبعها. وأمّا لو أرسلها صاحبها نهارا إلى الزرع فهو ضامن. كما أنّ الضمان بالليل ثابت في غير مورد جري الأمر على خلاف العادة، مثل أن تخرب حيطان الربض بزلزلة وخرجت الماشية أو أخرجها السارق فجنت، فالظاهر في الأمثال والنظائر لا ضمان على صاحبها.
          الثالث: دية الكلاب بما عرفت ديةٌ مقدّرةٌ شرعيّة، لا أنّها قيمٌ في زمان التقدير؛ فحينئذٍ لا يتجاوز عن الدية ولو كانت قيمتها أكثر أو أقلّ.
          مسألة 3- لو غصبها غاصب فإن أتلفها بعد الغصب فليس عليه إلّا الدية المقدّرة. واحتمال أنّ عليه أكثر الأمرين منها ومن قيمتها السوقيّة غير وجيه. وأمّا لو تلفت تحت يده وبضمانه فالظاهر ضمان القيمة السوقيّة - لا الدية المقدّرة - على إشكال، كما أنّه لو ورد عليها نقص وعيب فالأرش على الغاصب.
          مسألة 4- لو جنى على كلب له دية مقدّرة فالظاهر الضمان، لكن تلاحظ نسبة الناقص إلى الكامل بحسب القيمة السوقيّة، فيؤخذ بالنسبة من الدية؛ فلو فرض أنّ قيمته سليما مائة دينار ومعيبا عشرة دنانير ينقص عشر ما هو المقدّر.

        • الرابع: في كفارة القتل

           

          الرابع من اللواحق في كفّارة القتل

          مسألة 1- تجب كفّارة الجمع في قتل المؤمن عمدا وظلما. وهي عتق رقبة مع صيام شهرين متتابعين وإطعام ستّين مسكينا.
          مسألة 2- تجب الكفّارة المرتّبة في قتل الخطأ المحض وقتل الخطأ شبه العمد. وهي العتق، فإن عجز فصيام شهرين متتابعين، فإن عجز فإطعام ستّين مسكينا.
          مسألة 3- إنّما تجب الكفّارة إذا كان القتل بالمباشرة بحيث ينسب إليه بلاتأوّل، لا بالتسبيب كما لو طرح حجرا أو حفر بئرا أو أوتد وتدا في طريق المسلمين فعثر عاثر فهلك، فإنّ فيه الضمان كما مرّ، وليست فيه الكفّارة.
          مسألة 4- تجب الكفّارة بقتل المسلم، ذكرا كان أو اُنثى، صبيّا أو مجنونا محكومين بالإسلام، بل بقتل الجنين إذا ولجته الروح.
          مسألة 5- لا تجب الكفّارة بقتل الكافر، حربيّا كان أو ذمّيّا أو معاهدا، عن عمدٍ كان أولا.
          مسألة 6- لو اشترك جماعة في قتل واحد - عمدا أو خطأً - فعلى كلّ واحد منهم كفّارة.
          مسألة 7- لو أمر شخص بقتله فقتله فعلى القاتل الكفّارة. ولو أدّى العامد الدية أو صالح بأقلّ أو أكثر أو عفي عنها لم تسقط الكفّارة.
          مسألة 8- لو سلّم نفسه فقتل قَوَدا فهل تجب في ماله الكفّارة؟ وجهان، أوجههما العدم.
          وقد ذكرنا في كتاب الكفّارات ما يتعلّق بالمقام.

    • البحث حول المسائل المستحدثة
      • المعاملات المستحدثة
        • التأمين

           

          منها: التأمين

          مسألة 1- التأمين: عقد واقع بين المؤمّن والمستأمن (المؤمّن له) بأن يلتزم المؤمّن جبر خسارة كذائيّة إذا وردت على المستأمن في مقابل أن يدفع المؤمّن له مبلغا أو يتعهّد بدفع مبلغ يتّفق عليه الطرفان.
          مسألة 2- يحتاج هذا العقد كسائر العقود إلى إيجاب وقبول. ويمكن أن يكون الموجب المؤمّن والقابل المستأمن، بأن يقول المؤمّن: «عليّ جبر خسارة كذائيّة في مقابل كذا» أو «أنا ملتزم بجبر خسارة كذائيّة في مقابل كذا» فيقبل المستأمن، وبالعكس بأن يقول المستأمن: «عليّ أداء كذا في مقابل جبر خسارةٍ على كذا» فيقبل المؤمّن، أو «في مقابل عهدتك جبرها». ويقع بكلّ لفظ.
          مسألة 3- يشترط في الموجب والقابل كلّ ما يشترط فيهما في سائر العقود: كالبلوغ والعقل وعدم الحجر والاختيار والقصد؛ فلا يصحّ من الصغير والمجنون والمحجور عليه والمكره والهازل ونحوه.
          مسألة 4 - يشترط في التأمين مضافا إلى ما تقدّم اُمور:
          الأوّل: تعيين المؤمّن عليه من شخص أو مال أو مرض ونحو ذلك.
          الثاني: تعيين طرفي العقد من كونهما شخصا أو شركةً أو دولةً مثلا.
          الثالث: تعيين المبلغ الّذي يدفع المؤمّن له إلى المؤمّن.
          الرابع: تعيين الخطر الموجب للخسارة، كالحرق والغرق والسرقة والمرض والوفاة ونحو ذلك.
          الخامس: تعيين الأقساط الّتي يدفعها المؤمّن له لو كان الدفع أقساطا، وكذا تعيين أزمانها.
          السادس: تعيين زمان التأمين ابتداءً وانتهاءً. وأمّا تعيين مبلغ التأمين - بأن يعيّن ألف دينار مثلا - فغير لازم؛ فلو عيّن المؤمّن عليه والتزم المؤمّن بأنّ كلّ خسارة وردت عليه فعليّ أو أنا ملتزم بدفعها كفى .
          مسألة 5 - الظاهر صحّة التأمين مع الشرائط المتقدّمة، من غير فرق بين أنواعه: من التأمين على الحياة، أو على السيّارات والطائرات والسفن ونحوها، أو على المنقولات برّا وجوّا وبحرا، بل على عمّال شركة أو دولة، أو على أهل بيت أو قرية، أو على نفس القرية أو البلد أو أهلهما، وكان المستأمن حينئذٍ الشركاء أو رئيس الشركة أو الدولة أو صاحب البيت أو القرية، بل للدول أن يستأمنوا أهل بلد أو قطر أو مملكة.
          مسألة 6- الظاهر أنّ التأمين عقد مستقلّ. وما هو الرائج ليس صلحا ولا هبةً معوّضةً بلا شبهة. ويحتمل أن يكون ضمانا بعوض. والأظهر أنّه مستقلّ ليس من باب ضمان العهدة، بل من باب الالتزام بجبران الخسارة وإن أمكن الإيقاع بنحو الصلح والهبة المعوّضة والضمان المعوّض. ويصحّ على جميع التقادير على الأقوى. وعقد التأمين لازم ليس لأحد الطرفين فسخه إلّا مع الشرط. ولهما التقايل.
          مسألة 7- الظاهر صحّة التأمين بالتقابل، وذلك بأن تتّفق جماعة على تكوين مؤسّسة فيها رأس مال مشترك لجبر خسارة ترد على أحدهم. وهذا أيضا صحيح على الأظهر. وهو معاملة مستقلّة أيضا مرجعها الالتزام بجبر خسارة من المال المشترك في مقابل جبر خسارة كذلك. ويمكن أن يقع العقد بنحو عقد الضمان، بأن يضمن كلّ خسارة شركائه بالنسبة في مقابل ضمان الآخر، إلّا أنّ الأداء من المال المشترك. ولكنّ الأظهر فيه الالتزام بجبر الخسارة في مقابل جبر بنسبة مالهم المشترك من ذلك المال. وهذا العقد لازم. ويحتمل أن يكون عقد شركة التزم كلّ في ضمنه خسارةَ كلّ واحد منهم، وحينئذٍ يكون جائزا لا لازما.
          مسألة 8 - الظاهر صحّة التأمين المختلط مع الاشتراك في الأرباح الّتي تحصل للشركة من الاستفادة بالاتّجار بتلك المبالغ المجتمعة من المشتركين، سواء كان التأمين على الحياة (بأن يدفع مبلغ التأمين عند وفاة المؤمّن عليه أو عند انتهاء مدّة التأمين، وللمؤمّن الحقّ في الاشتراك في الأرباح حسب القرار، فيضاف نصيب كلّ من الأرباح إلى مبلغ التأمين) أو على جبر الخسارة مع الاشتراك في الأرباح كما ذكر، فإنّ ذلك شركة عقديّة مع شرط أو شرائط سائغة. ولو كان من بعضهم العمل ومن بعضهم النقود وكان القرار نحو المضاربة صحّ أيضا عندي، لعدم اعتبار كون المدفوع في مال المضاربة الذهب والفضّة المسكوكين، بل المعتبر كونه من النقود في مقابل العروض. وهذا العقد لازم إن لم يرجع إلى المضاربة. وإن كان عقد مضاربة في ضمنه التأمين فجائز من الطرفين.
          مسألة 9- لو التزم المؤمّن بدفع إضافة على مبلغ التأمين فالظاهر أنّه لا بأس به، كمن أمّن على حياته عند شركة التأمين لمدّة معلومة على مبلغ معلوم، واستوفت الشركة أقساطا شهريّةً مقدّرةً في قبال التأمين، وتلتزم الشركة بدفع مبلغ إضافة على مبلغ التأمين ترغيبا لأهل التأمين، فإنّ تلك الزيادة ليست من الربا القرضيّ، لعدم كون أداء الأقساط قرضا، بل التأمين معاملة مستقلّة اشترط في ضمنها ذلك، والشرط سائغ نافذ لازم العمل.
          مسألة 10- لا بأس بإعادة التأمين، بأن طلب بعض شركات التأمين لدى شركات عظيمة أوسع منها التأمين لشركته التأمينيّة.

        • الكمبيالات (سفته)

           

          ومنها: الكمپيالات (سفته)

          وهي على قسمين:
          أحدهما: ما يعبّر عن وجود قرض حقيقيّ، بأن كان لشخص على آخر دين -كمائة دينار- على مدّة معلومة فيأخذ الدائن من المديون الورقة.
          ثانيهما: ما يعبّر عن قرض صوريّ. ويسمّى بالمجاملة، فلا يكون دين على شخص.
          مسألة 1- في النوع الأوّل إذا أخذ الورقة لينزّلها عند شخص ثالث بمبلغ أقلّ -بأن يبيع ما في ذمّة المدين بأقلّ منه - لا إشكال فيه إذا لم يكن العوضان من المكيل والموزون، كالإسكناس الإيرانيّ والدينار العراقيّ والدلار وسائر الأوراق النقديّة، فإنّها غير مكيلة ولا موزونة، والاعتبار من الدول جعلها أثمانا، وليست أمثالها معبّرةً عن الذهب والفضّة، بل قابليّتها للتبديل بها موجبة لاعتبارها، والمعاملة تقع بنفسها. والكمپيالات معبّرة عن الأوراق النقديّة، وبعد المعاملة على ذمّة المدين يصير هو مديونا للشخص الثالث. هذا إذا قصدا بذلك البيع حقيقةً، لا الفرار من الربا القرضيّ. ولا يجوز ذلك إذا كانت ربويّةً وإن قصدا به البيع حقيقةً. وأمّا إذا أخذ الدائن عن الثالث قرضا وحوّله على ذمّة المدين أكثر ممّا أخذ فهو حرام مطلقاً، سواء كان من المكيل أو الموزون أولا وإن كان القرض صحيحا(1).
          (1) في طبعة النجف ورد هكذا: في النوع الأوّل إذا أخذ الورقة لينزّلها عند شخص ثالث بمبلغ أقلّ فلابدّ من التخلّص عن الربا، بأن يبيع ما في ذمّة المدين بأقلّ منه، ولا إشكال فيه إذا لم يكن العوضان من المكيل والموزون كالإسكناس الإيرانيّ والدينار العراقيّ والدلار وسائر الأوراق النقديّة، فإنّها غير مكيلة ولا موزونة، والاعتبار من الدول جعلها أثماناً. وليست أمثالها معبّرةً عن الذهب والفضّة، بل قابليّتها للتبديل بها موجبة لاعتبارها. والمعاملة تقع بنفسها، والكمپيالات معبّرة عن الأوراق النقديّة، وبعد المعاملة على ذمّة المدين يصير هو مديوناً للشخص الثالث. وكذا يجوز بيعها إذا كانت ربويّةً لو تخلّص عن الربا بوجه، كأن باعها بغير الجنس. وأمّا إذا أخذ الدائن عن الثالث قرضاً وحوّله على ذمّة المدين أكثر ممّا أخذ فهو باطل وحرام مطلقاً، سواء كان من المكيل أو الموزون أولا.
          مسألة 2- لا تجوز المعاملة بالكمپيالات الصوريّة المعبّر عنها بالمجاملة (سفته دوستانه) إلّا أن ترجع إلى أحد الوجوه الآتية:
          منها: أن يقال: إنّ دفع الورقة إلى الآخر لينزّلها عند شخص ثالث ويرجع الثالث في الموعد المقرّر إلى المدين الصوريّ يرجع في الحقيقة إلى توكيله بأن يوقع المعاوضة مع الثالث في ذمّة المدين الصوريّ، فيصير المدين الصوريّ بعد المعاملة بوكالته مديونا حقيقة للثالث، ولمّا كان المفروض بيع غير الأجناس الربويّة صحّت المبايعة بالأقلّ والأكثر. وأيضا ذلك العمل إذنٌ له في اقتراض الدائن الصوريّ ما يأخذه لنفسه. ولابدّ من عدم اشتراط الربح، ويدفع الزيادة مجّانا أو عملا بالاستحباب الشرعيّ. و للدافع الرجوع إلى الدائن الصوريّ، للقرار الضمنيّ وعدم كونه متبرّعا.
          ومنها: أنّ دفع الورقة إليه لينزّلها ويرجع الثالث إليه موجب لأمرين: أحدهما: صيرورة الدائن الصوريّ ذا اعتبار بمقدار الورقة لدى الثالث (البنك أو غيره) ولذلك يعامل على ذمّة الدائن الصوريّ، فيصير هو مديونا للشخص الثالث. ثانيهما: التزام من المديون الصوريّ بأداء المقدار المذكور لو لم يؤدّ الدائن الصوريّ الّذي صار مديونا حقيقةً للشخص الثالث. وهذا التزام ضمنيّ لأجل معهوديّة الرجوع إليه عند عدم دفع المدين. ويجوز للدافع الرجوع إلى المدفوع عنه لو لم يكن متبرّعا، وكان ذلك أيضا لازم القرار المذكور. والظاهر صحّة المعاملة بعد عدم كونها ربويّةً وصحّة الالتزام المذكور، فإنّه من قبيل ضمّ الذمّة إلى الذمّة، ويصحّ بحسب القواعد وإن لم يرجع إلى الضمان على المذهب الحقّ.
          ومنها: الصورة السابقة بحالها إلّا أنّ الدائن الصوريّ بعمله يصير ضامنا على فرض عدم أداء صاحبه، بمعنى نقل الذمّة إلى الذمّة في فرض عدم الأداء. وهذا أيضا له وجه صحّة وإن لايخلو من إشكال. ثمّ لو دفع المدين الصوريّ إلى الثالث ما التزمه أو ضمنه فله الرجوع إلى الدائن الصوريّ وأخذ ما دفعه عنه.
          مسألة 3- بعد ما كان المتعارف في عمل البنوك ونحوها الرجوع إلى بائع «الكمپيالة» وإلى كلّ من كان توقيعه عليها لدى عدم أداء دافعها لأجل القوانين الجارية عرفا وكان هذا أمرا معهودا عند جميعهم كان ذلك التزاما ضمنيّا منهم بعهدة الأداء عند المطالبة. وهذا أيضا شرط في ضمن القرار وهو لازم المراعاة. نعم، مع عدم العلم بذلك وعدم معهوديّته لم يكن قرارا ولم يلزم بشي ء.
          مسألة 4- ما يأخذه البنك أو غيره من المديون - عند تأخّر الدفع بعد حلول الأجل وعدم تسليم المبلغ من قبل المديون الصوريّ - حرام لا يجوز أخذه وإن كان بمراضاة المتعاملين.
          مسألة 5- الكمپيالات وسائر الأوراق التجاريّة لا ماليّة لها، وليست من النقود، والمعاملات الواقعة بها لم تقع بنفسها بل بالنقود وغيرها الّتي تلك الأوراق معبّرة عنها. ودفعها إلى الدائن لا يسقط ذمّة المدين. ولو تلف شي ء منها في يد غاصب ونحوه أو أتلفه شخص لم يضمنه ضمان التلف أو الإتلاف. وأمّا الأوراق النقديّة - كالإسكناس والدينار والدلار وغيرها - فلها ماليّة اعتباريّة، وهي نقود كالدينار والدرهم المسكوكين من الذهب والفضّة، دفعها إلى الدائن مسقط لذمّته، وفي تلفها وإتلافها ضمان كسائر الأموال.
          مسألة 6- قد تقدّم أنّ الأوراق النقديّة لا يجري فيها الربا غير القرضيّ؛ فيجوز تبديل بعضها ببعض بالزيادة والنقيصة، سواء كان المتبادلان من نقد مملكتين كتبديل الدينار بالإسكناس، أولا كتبديل الإسكناس بمثله والدينار بمثله، من غير فرق بين كون معتمدها (پشتوانه) ذهبا وفضّةً أو غيرهما من المعادن كالأحجار الكريمة والنفط. نعم، لو فرض في مورد تكون الأوراق المذكورة كالأوراق التجاريّة كان حكمها كتلك الأوراق، لكنّه مجرّد فرض. هذا إذا قصد بذلك البيع دون القرض، وإلّا فلا يجوز.
          مسألة 7- الأوراق النقديّة لا تتعلّق بها الزكاة، ولا يجري فيها حكم بيع الصرف. نعم، الأقوى جواز المضاربة بها.

        • السرقفلية

           

          ومنها: السرقفليّة

          مسألة 1- استيجار الأعيان المستأجرة - دكّةً كانت أو دارا أو غيرهما- لايوجب حدوث حقّ للمستأجر فيها بحيث لا يكون للمؤجر إخراجه بعد تمام الإجارة. وكذا طول مدّة بقائه وتجارته في محلّ الكسب أو كون وجاهته وقدرته التجاريّ الموجبتين لتوجّه النفوس إلى مكسبه لا يوجب شي ء منها حدوث حقّ له على الأعيان؛ فإذا تمّت مدّة الإجارة تجب عليه تخلية المحلّ وتسليمه إلى صاحبه؛ فلو بقي في المكان المذكور مع عدم رضا المالك كان غاصبا عاصيا، وعليه ضمان المكان لو تلف ولو بآفة سماويّة، كما عليه اُجرة مثل المكان مادام كونه تحت يده وعدم تسليمه إلى مالكه.
          مسألة 2- لو آجر هذا الشخص ذلك المكان المغصوب كانت الإجارة فاسدةً. ولو أخذ شيئا بعنوان مال الإجارة فهو حرام؛ فإن تلف أو أتلفه كان ضامنا للدافع، كما أنّ الدافع إذا قبض المحلّ صار ضامنا لمالكه وعليه اُجرة مثله له.
          مسألة 3- السرقفليّة الّتي يأخذها الغاصب في هذه الصورة حرام. ولو تلف ما أخذه عنده أو أتلفه فهو ضامن لمالكه.
          مسألة 4- لو استأجر محلّاً للتجارة في مدّة طويلة - كعشرين سنة مثلا - وكان له حقّ إيجاره من غيره واتّفق ترقّي اُجرة مثل المحلّ في أثناء المدّة فله إجارته بالمقدار الّذي استأجره وأخذُ مقدار بعنوان السرقفليّة لأن يؤجره منه على حسب توافقهما.
          مسألة 5 - لو استأجر دكّةً - مثلا - وشرط على المؤجر أن لا يزيد على مبلغ الإجارة إلى مدّة طويلة - مثلا - وشرط أيضا أنّه لو حوّل المحلّ إلى غيره وهو إلى غيره وهكذا يعمل المؤجر معه معاملته ثمّ اتّفق ارتفاع اُجرته فله أن يحوّل المحلّ إلى غيره ليعمل المؤجر معه معاملته معه ويأخذ مقدارا بعنوان السرقفليّة ليحوّل المحلّ إليه، ويحلّ السرقفليّة بهذا العنوان.
          مسألة 6- لو شرط على المؤجر في ضمن عقد الإجارة أن لا يزيد على مبلغ الإجارة ما دام المستأجر فيه ولا يكون له حقّ إخراجه وعليه إيجاره كلّ سنة بالمقدار المذكور فله أخذ مقدار بعنوان السرقفليّة من المؤجر أو من شخص آخر ليسقط حقّه أو لتخلية المحلّ.
          مسألة 7- لو شرط على المؤجر في ضمن العقد أن لا يؤجر المحلّ من غيره ويؤجره منه سنويّا بالإجارة المتعارفة في كلّ سنة فله أخذ مقدار بعنوان السرقفليّة لإسقاط حقّه أو لتخلية المحلّ.
          مسألة 8 - للمالك أن يأخذ أيّ مقدار شاء بعنوان السرقفليّة من شخص ليؤجر المحلّ منه، كما أنّ للمستأجر في أثناء مدّة الاجارة أن يأخذ السرقفليّة من ثالث للإيجار منه إذا كان له حقّ الإيجار.

        • أعمال البنوك

           

          ومنها: أعمال البنوك

          مسألة 1- لا فرق في البنوك وأنواعها من الداخليّة والخارجيّة والحكوميّة وغيرها في الأحكام الآتية، ولا في أنّ ما يؤخذ منها محلّل يجوز التصرّف فيها، كسائر ما يؤخذ من ذوي الأيادي من أرباب التجارات والصناعات وغيرها، إلّا مع العلم بحرمة ما أخذه أو اشتماله على حرام. وأمّا العلم بأنّ في البنك أو في المؤسّسة الكذائيّة محرّمات فلا يؤثّر في حرمة المأخوذ وإن احتمل كونه منها.
          مسألة 2- جميع المعاملات المحلّلة - الّتي لو أوقعها مع أحد المسلمين كانت صحيحةً - محكومة بالصحّة لو أوقعها مع البنوك مطلقا، حكوميّةً كانت أو لا، خارجيّةً أو داخليّةً.
          مسألة 3- الأمانات والودائع الّتي يدفعها أصحابها إلى البنوك إن كانت بعنوان القرض والتمليك بالضمان لا مانع منه، وجاز للبنك التصرّف فيها. ويحرم قرار النفع والفائدة، كما يحرم إعطاء تلك الفوائد وأخذها، ومع الإتلاف أو التلف يكون الآخذ ضامنا للفوائد وإن صحّ القرض.
          مسألة 4- لا فرق في قرار النفع بين التصريح به عند القرض وبين إيقاعه مبنيّا عليه؛ فلو كان قانون البنك إعطاء النفع في القرض وأقرضه مبنيّا على ذلك كان محرّما.
          مسألة 5- لو فرض في مورد لا يكون الاقتراض والقرض بشرط النفع جاز أخذ الزيادة بلا قرار.
          مسألة 6- لو كان ما يدفعه إلى البنك بعنوان الوديعة والأمانة: فإن لم يأذن في التصرّف فيها لا يجوز للبنك ذلك، ولو تصرّف كان ضامنا؛ ولو أذن جاز؛ وكذا لورضي به. وما يدفعه البنك إليه حلال على الصورتين، إلّا أن يرجع الإذن في التصرّف الناقل إلى التملّك بالضمان، فإنّ الزيادة المأخوذة مع قرار النفع حرام وإن كان القرض صحيحا. والظاهر أنّ الودائع في البنك من هذا القبيل؛ فما يسمّى وديعةً وأمانةً قرض واقعا، و مع قرار النفع تحرم الفائدة.
          مسألة 7- الجوائز الّتي يدفع البنك - تشويقا للإيداع والقرض ونحوهما - إلى من تصيبه القرعة المقرّرة محلّلة لا مانع منها. وكذا الجوائز الّتي تعطيها المؤسّسات بعدإصابةالقرعةللتشويق وجلب المشتري. وكذا مايجعله صاحب بعض المؤسّسات ضمن بعض أمتعته تشويقا وتكثيرا للمشتري، فإنّ كلّ ذلك حلال لامانع منه.
          مسألة 8 - قيل: من أعمال البنك الاعتمادات المستنديّة. والمراد منها: أن يتمّ عقد بين تاجر وشركة -مثلا- في خارج البلاد على نوع من البضاعة، وبعد تماميّة المعاملة من الجهات الدخيلة فيها يتقدّم التاجر إلى البنك ويطلب «فتح اعتماد» ويدفع إلى البنك قسما من قيمة البضاعة، ويقوم البنك بعد ذلك بدفع القيمة تامّةً إلى شركة ويتسلّم البضاعة، وتسجّل باسم البنك من حين التصدير، وعند وصولها إلى المحلّ يخبر البنك مالكها بالوصول، وتحوّل البضاعة من اسم البنك إلى اسم مالكها بعد أن يدفع ما دفعه البنك إلى الشركة ممّا بقي من قيمة البضاعة، ويتقاضى البنك عن هذه العمليّة عمولةً مقطوعةً إزاء خدماته وفائدةً على المبلغ الباقي طيلة الفترة الواقعة بين يوم تسليمه إلى الشركة إلى يوم تسلّمه من صاحب البضاعة. ثمّ إن دفع التاجر ما بقي من القيمة وما يتقاضى البنك يسلّمها إيّاه، وإلّا فيتصدّى لبيع البضاعة واستيفاء حقّه، فهل ما يأخذ البنك من الزيادة جائز حلال أم لا؟ أو مايأخذه بإزاء خدماته من التسجيل والتسلّم والتسليم ونحو ذلك جائز وما أخذه بعنوان الفائدة لتأخير ثمنه حرام؟ الظاهر الأخير إذا كان ما يدفع البنك إلى الشركة -أداءً لدين صاحب البضاعة - قرضا له، كما أنّ الظاهر كذلك في الخارج. وكذا لو كان ما يدفعه البنك أداءً لدينه فيصير صاحب البضاعة مديونا له ويأخذ مقدارا لأجل تأخير دينه فإنّه حرام. وأمّا تصدّي البنك لبيع البضاعة مع الشرط في ضمن القرار فلا مانع منه، لرجوع ما ذكر إلى توكيله لذلك، فيجوز الشراء منه.
          مسألة 9 - من أعمال البنوك ونحوها الكفالة، بأن يتعهّد شخص لآخر بالقيام بعمل -كبناء قنطرة مثلا- ويتعهّد البنك أو غيره للمتعهّد له بكفالة الطرف - أي المتعهّد - وضمانه، بأن يدفع عنه مبلغا لو فرض عدم قيامه بما تعهّد للمتعهّد له، ويتقاضى الكفيل ممّن يكفله عمولةً بإزاء كفالته. والظاهر صحّة هذه الكفالة الراجعة إلى عهدة الأداء عند عدم قيام المتعهّد بما تعهّد، وجوازُ أخذ العمولة بإزاء كفالته أو بإزاء أعمال اُخر من ثبت الكفالة ونحوها. وإذا كانت الكفالة بإذن المتعهّد جاز له الرجوع إليه لأخذ ما دفعه، وليس للمتعهّد أن يمتنع منه.
          مسألة 10- من أعمالها الحوالات. وقد يطلق عليها صرف البرات؛ فإن دفع شخص إلى البنك أو التاجر مبلغا معيّنا في بلد ويحوّله البنك - مثلا - إلى بنك بلد آخر ويأخذ البنك منه مبلغا معيّنا بإزاء تحويله فلا إشكال فيه، بيعا كان أو قرضا؛ وكذا لو كان الأخذ بعنوان حقّ العمل. وإن أراد أن يأخذ من البنك أو نحوه مبلغا معيّنا ويحوّله البنك على تسلّم المبلغ من بنك في بلد آخر ويأخذ البنك منه مبلغا معيّنا: فإن كان ذلك القرار بيع مبلغ بمبلغ أزيد ليحوّله إلى البنك صحّ، ولا إشكال فيه بشرط أن لا يكون هذا وسيلةً للفرار من الربا القرضيّ؛ وكذا إن كان قرضا لكن لم يشترط الزيادة بل أخذها بعنوان حقّ العمل مع عدم كونه فرارا من الربا. وأمّا إن كان قرضا بشرط الزيادة فهو حرام وإن كان القرض مبنيّا على الزيادة وكان الشرط ارتكازيّا غير مصرّح به، ولكنّ القرض صحيح.
          مسألة 11- الصكوك (چك) البنكيّة كالأوراق التجاريّة لا ماليّة لها، بل هي معبّرة عن مبلغ معيّن في البنك. ولا يجوز بيعها وشراؤها في نفسها. نعم، الصكّ الّذي يسمّى في إيران بالصكّ التضمينيّ (چك تضمينى) يكون من الأوراق النقديّة كالدينار والإسكناس فيصحّ بيعه وشراؤه. ومن أتلفه ضمن لمالكه كسائر الأموال. ويجوز بيعه بالزيادة. ولا ربا فيه إلّا إذا جعل البيع وسيلةً للتخلّص عن الربا القرضيّ.
          مسألة 12- أعمال البنوك الرهنيّة إن كانت إقراضا إلى مدّة بالنفع المعيّن وأخذ الرهن مقابله وشرط بيع المرهون وأخذ ماله لو لم يدفع المستقرض في رأس أجله يصحّ أصل القرض والرهن، ويبطل اشتراط النفع والزيادة، ولا يجوز أخذها. نعم، يجوز الأخذ لو كان بعنوان حقّ العمل إذا لم يكن حيلةً للتخلّص من الربا. وإن كانت من قبيل بيع السلف، بأن باع الطالب مائتين سلفا بمائة حالّاً واشترط المشتري عليه - ولو بنحو الشرط الضمنيّ الارتكازيّ - وثيقةً وكونه وكيلا في بيعها عند التخلّف وأخذ مقدار حقّه فلا يصحّ البيع ولا الرهن ولاالوكالة.

        • بطاقات اليانصيب (بخت آزمايى)

           

          ومنها: بطاقات اليانصيب (بخت آزمائى)

          مسألة 1- قد شاع في البلاد - من قبل بعض الشركات - نشر بطاقات اليانصيب وبيعها بإزاء مبلغ معيّن، ويتعهّد صاحب الشركة بأن يقرع؛ فمن أصابت القرعة بطاقته يعطيه مبلغا معيّنا. وهذا البيع باطل، وأخذ المال بازاء البطاقة موجب للضمان. وكذا أخذ المال بعد إصابة القرعة حرام موجب لضمان الآخذ للمالك الواقعيّ.
          مسألة 2- لا فرق في حرمة ثمن البطاقة بين أن يدفعه الطالب لاحتمال إصابة القرعة باسمه من غير بيع وشراء وبين بيعها وشرائها لهذا الغرض، ففي الصورتين أخذ المال حرام، وأخذ ما يعطى لأجل إصابة القرعة حرام.
          مسألة 3- قد بدّل أرباب الشركات عنوان اليا نصيب بعنوان الإعانة للمؤسّسات الخيريّة لإغفال المتديّنين والمؤمنين، والعمل خارجا هو العمل بلافرق جوهريّ يوجب الحلّيّة؛ فالمأخوذ بهذا العنوان أيضا حرام، وكذا المأخوذ بعد إصابة القرعة.
          مسألة 4- لو فرض بعيدا قيامُ شركة بنشر بطاقات للإعانة حقيقةً على المؤسّسات الخيريّة ودفعُ كلّ من أخذ بطاقةً مالا لذلك المشروع ودفعُ أو صرفُ الشركة ما أخذه فيها وتعطي من مالها مبلغا لمن أصابته القرعة هبةً ومجّانا للتشويق فلا إشكال في جواز الأمرين. وكذا لو اُعطي الجائزة من المال المأخوذ من الطالبين برضاً منهم؛ لكنّه مجرّد فرض لا واقعيّة له؛ فالأوراق المبتاعة في الحال الفعليّ بيعها وشراؤها غير جائز، والمأخوذ بعنوان إصابة القرعة حرام.
          مسألة 5- لو اُصيبت القرعة وأخذ المبلغ فإن عرف صاحب الأموال يجب الدفع إليه، وإلّا فهي من مجهول المالك يجب الصدقة بها عن مالكها الواقعيّ. والأحوط الاستيذان من الحاكم الشرعيّ في الصدقة.
          مسألة 6- لا يجوز على الأحوط لو لم يكن الأقوى لمن أخذ المال الّذي أصابته القرعة صرفه وتملّكه صدقةً عن مالكه ولو كان فقيرا، بل عليه أن يتصدّق به على الفقراء.
          مسألة 7- إذا أعطى ما أصابته القرعة من المال الكثير فقيرا وشرط عليه أن يأخذ لنفسه بعضا ويردّ الباقي إليه فالظاهر عدم جوازه وعدم جوازه للفقير أيضا. نعم، لو أعطاه الفقير ما يناسب حاله بلا اشتراط لا إشكال فيه.
          هذه جملة من المعاملات المستحدثة. وأمّا المسائل المستحدثة الاُخر وما ستستحدثها الأعصار الآتية فكثيرة جدّا، وتجري في كثير من أبواب الفقه، وقد صعب استقصاؤها، ولكن نذكر جملةً حادثةً منها أو في اُهبة الحدوث.

      • المسائل المستحدثة‌ الأخر
        • التلقيح والتوليد الصناعيان

           

          فمنها: التلقيح والتوليد الصناعيّان

          مسألة 1- لا إشكال في أنّ تلقيح ماء الرجل بزوجته جائز وإن وجب الاحتراز عن حصول مقدّمات محرّمة، ككون الملقّح أجنبيّا، أو التلقيح مستلزما للنظر إلى ما لا يجوز النظر إليه؛ فلو فرض أنّ النطفة خرجت بوجه محلّل ولقّحها الزوج بزوجته فحصل منها ولد كان ولدهما كما لو تولّد بالجماع، بل لو وقع التلقيح من ماء الرجل بزوجته بوجه محرّم - كما لو لقّح الأجنبيّ أو أخرج المنيّ بوجه محرّم - كان الولد ولدهما وإن أثما بارتكاب الحرام.
          مسألة 2- لا يجوز التلقيح بماء غير الزوج، سواء كانت المرأة ذات بعل أو لا، رضي الزوج والزوجة بذلك أو لا، كانت المرأة من محارم صاحب الماء كاُمّه واُخته أو لا.
          مسألة 3- لو حصل عمل التلقيح بماء غير الزوج وكانت المرأة ذات بعل وعلم أنّ الولد من التلقيح فلا إشكال في عدم لحوق الولد بالزوج، كما لا إشكال في لحوقه بصاحب الماء والمرأة إن كان التلقيح شبهةً كما في الوطء شبهةً، فلو لقّحها بتوهّم أنّها زوجته وأنّ الماء له فبان الخلاف يلحق الولد بصاحب الماء والمرأة؛ وأمّا لو كان مع العلم والعمد ففي الإلحاق إشكال وإن كان الأشبه ذلك. لكنّ المسألة مشكلة لابدّ فيها من الاحتياط. ومسائل الإرث في باب التلقيح شبهةً كمسائله في الوطء شبهةً. وفي العمديّ المحرّم لابدّ من الاحتياط.
          مسألة 4- لا يجوز تزويج المولود لو كان اُنثى من صاحب الماء، ولا تزويج الولد اُمّه أو اُخته أو غيرهما من المحارم. وبالجملة: لا يجوز نكاح كلّ من لايجوز نكاحه لو كان التوليد بوجه شرعيّ.
          مسألة 5- الأحوط ترك النظر إلى من جاز النظر إليه لو كان المولود بطريق شرعيّ و إن كان الأشبه الجواز. هذا في ما إذا لم يحصل التلقيح شبهةً، وإلّا فلاإشكال في الجواز.
          مسألة 6- للتلقيح والتوليد أنواع يمكن تحقّقها في المستقبل:
          منها: أن تؤخذ النطفة الّتي هي منشأ الولد من الأثمار والحبوب ونحوهما، وبعمل التلقيح بالمرأة تصير منشأً للولد، ومعلوم أنّه لا يلحق بغير اُمّه، وإلحاقه بها أضعف إشكالا من تلقيح ماء الرجل.
          ومنها: أن يؤخذ ماء الرجل ويربّى في رحم صناعيّة كتوليد الطيور صناعيّا، فيلحق بالرجل ولا يلحق بغيره.
          ومنها: أن تؤخذ النطفة من الأثمار ونحوها فتجعل في رحم صناعيّة فيحصل التوليد. وهذا القسم لو فرض لا إشكال فيه بوجه، ولا يلحق بأحد.
          مسألة 7- لو حصل من ماء رجل في رحم صناعيّة ذكرٌ واُنثى يكونان أخا وأختا من قبل الأب، ولا اُمّ لهما؛ فلا يجوز نكاحهما ولا نكاح من حرم نكاحه من قبل الأب لو كان التوليد بوجه عاديّ. ولو حصل من نطفة صناعيّة في رحم امرأة ذكرٌ واُنثى فهما أخ واُخت من قبل الاُمّ، ولا أب لهما؛ فلا يجوز تزويجهما ولاتزويج من حرم من قبل الاُمّ.
          مسألة 8 - لو تولّد الذكر والاُنثى من نطفةٍ صناعيّة ورحمٍ صناعيّة فالظاهر أنّه لا نسبة بينهما؛ فجاز تزويج أحدهما بالآخر، ولا توارث بينهما وإن اُخذت النطفة من تفّاحة واحدة مثلا.
          مسألة 9- لو تولّد الطفل بواسطة العلاج قبل مدّة أقلّ الحمل كما لو أسرع عن سيره الطبيعيّ بواسطة بعض الأشعّات أو تولّد بعد مدّة أكثر الحمل للمنع عن سيره الطبيعيّ والإبطاء به يلحق الطفل بأبيه بعد العلم بكونه من مائه. ولو صار ذلك طبيعيّا لأجل ضعف أشعّة الشمس وتغيير طبيعة الأرض يلحق الولد بالفراش مع الشكّ أيضا. وكذا لو كان في بعض المناطق طبيعيّ أكثر الحمل أو أقلّه على خلاف مناطقنا يحكم بإلحاق الولد مع إمكانه، ولا يُقاس بمناطقنا.
          مسألة 10- لو انتقل الحمل - في حال كونه علقةً أو مضغةً أو بعد ولوج الروح- من رحم امرأة إلى رحم امرأة اُخرى فنشأ فيها وتولّد هل هو ولد الاُولى أو الثانية؟ لا شبهة في أنّه من الاُولى إذا انتقل بعد تمام الخلقة وولوج الروح، كما أنّه لا إشكال في ذلك إذا اُخرج وجُعل في رحمٍ صناعيّة ورُبّي فيها؛ وأمّا لو اُخرج قبل ذلك - حال مضغته مثلا - ففيه إشكال. نعم، لو ثبت أنّ نطفة الزوجين منشأ للطفل فالظاهر إلحاقه بهما، سواء انتقل إلى رحم المرأة أو رحمٍ صناعيّة.

        • التشريح والترقيع

           

          ومنها: التشريح والترقيع

          مسألة 1- لا يجوز تشريح الميّت المسلم؛ فلو فعل ذلك ففي قطع رأسه وجوارحه دية ذكرناها في الديات؛ وأمّا غير المسلم فيجوز، ذمّيّا كان أو غيره، ولادية ولا إثم فيه.
          مسألة 2- لو أمكن تشريح غير المسلم للتعلّمات الطبّيّة لا يجوز تشريح المسلم وإن توقّف حياة مسلم أو جمع من المسلمين عليه؛ فلو فعل مع إمكان تشريح غيره أثم، وعليه الدية.
          مسألة 3- لو توقّف حفظ حياة المسلم على التشريح ولم يمكن تشريح غير المسلم فالظاهر جوازه. وأمّا لمجرّد التعلّم فلا يجوز ما لم تتوقّف حياة مسلم عليه.
          مسألة 4- لا إشكال في وجوب الدية إذا كان التشريح لمجرّد التعلّم؛ وأمّا في مورد الضرورة والتوقّف المتقدّم فلايبعد السقوط على إشكال.
          مسألة 5- لا يجوز قطع عضو من الميّت لترقيع عضو الحيّ إذا كان الميّت مسلما، إلّا إذا كان حياته متوقّفةً عليه. وأمّا إذا كان حياة عضوه متوقّفةً عليه فالظاهر عدم الجواز؛ فلو قطعه أثم، وعليه الدية. هذا إذا لم يأذن قطعه. وأمّا إذا أذن في ذلك ففي جوازه إشكال، لكن بعد الإجازة ليست عليه الدية وإن قلنا بحرمته. ولو لم يأذن الميّت فهل لأوليائه الإذن؟ الظاهر أنّه ليس لهم ذلك؛ فلو قطعه بإذن الأولياء عصى وعليه الدية.
          مسألة 6- لا مانع من قطع عضو ميّت غير مسلم للترقيع، لكن بعده يقع الإشكال في نجاسته وكونه ميتةً لا تصحّ الصلاة فيه. ويمكن أن يقال في ما إذا حلّ الحياة فيه: خرج عن عضويّة الميّت وصار عضوا للحيّ فصار طاهرا حيّا وصحّت الصلاة فيه. وكذا لو قطع العضو من حيوان - ولو كان نجس العين - ورقّع فصار حيّا بحياة المسلم.
          مسألة 7- لو قلنا بجواز القطع والترقيع بإذن من صاحب العضو زمان حياته فالظاهر جواز بيعه لينتفع به بعد موته، ولو قلنا بجواز إذن أوليائه فلا يبعد أيضا جواز بيعه للانتفاع به. ولابدّ من صرف الثمن للميّت، إمّا لأداء دينه أو صرفه للخيرات له، وليس للوارث حقّ فيه.

        • فروع

           

          فروع:

          الأوّل: الأقوى جواز الانتفاع بالدم في غير الأكل وجواز بيعه لذلك؛ فما تعارف من بيع الدم من المرضى وغيرهم لا مانع منه، فضلاً عمّا إذا صالح عليه أو نقل حقّ الاختصاص. ويجوز نقل الدم من بدن الإنسان إلى آخر وأخذ ثمنه بعد تعيين وزنه بالآلات الحديثة، ومع الجهل لا مانع من الصلح عليه. والأحوط أخذ المبلغ للتمكين على أخذ دمه مطلقا، لا مقابل الدم. ولا يترك الاحتياط ما أمكن.
          الثاني: الأقوى حرمة الذبيحة الّتي ذبحت بالمكائن الحديثة وإن اجتمع في الذبح جميع شرائطه، فضلا عمّا إذا كان الذبح من القفا أو غير مستقبل القبلة؛ فالذبح بالمكائن ميتة نجسة لا يجوز أكلها ولا شراؤها، ولا يملك البائع الثمن المأخوذ بإزائها، وهو ضامن للمشتري.
          الثالث: ما يسمّى عند بعض بحقّ الطبع ليس حقّا شرعيّا، فلا يجوز سلب تسلّط الناس على أموالهم بلا تعاقد وتشارط؛ فمجرّد طبع كتاب والتسجيل فيه بأنّ حقّ الطبع والتقليد محفوظ لصاحبه لا يوجب شيئا، ولا يعدّ قرارا مع غيره، فجاز لغيره الطبع والتقليد، ولا يجوز لأحدٍ منعه عن ذلك.
          الرابع: ما تعارف من ثبت صنعةٍ لمخترعها ومنع غيره عن التقليد وا لتكثير لاأثر له شرعا، ولا يجوز منع الغير عن تقليدها والتجارة بها وليس لأحدٍ سلب سلطنة غيره عن أمواله ونفسه.
          الخامس: ما تعارف من حصر التجارة في شي ء أو أشياء بمؤسّسة أو تجّار ونحوهما لا أثر له شرعا، ولا يجوز منع الغير عن التجارة والصنعة المحلّلتين وحصرهما في أشخاص.
          السادس: لا يجوز تثبيت سعر الأجناس ومنع ملّاكها عن البيع بالزيادة.
          السابع: للإمام(عليه السلام) ووالي المسلمين أن يعمل ماهوصلاح للمسلمين: من تثبيت سعر أو صنعةٍ أو حصر تجارة أو غيرها ممّا هو دخيل في النظام وصلاح للجامعة.

        • تغيير الجنسية

           

          ومنها: تغيير الجنسيّة

          مسألة 1- الظاهر عدم حرمة تغيير جنس الرجل بالمرأة بالعمل وبالعكس. وكذا لا يحرم العمل في الخنثى ليصير ملحقا بأحد الجنسين. وهل يجب ذلك لو رأت المرأة في نفسها تمايلات من سنخ تمايلات الرجل أو بعض آثار الرجوليّة أو رأى المرء في نفسه تمايلات الجنس المخالف أو بعض آثاره؟ الظاهر عدم وجوبه إذا كان الشخص حقيقةً من جنس ولكن أمكن تغيير جنسيّته بما يخالفه.
          مسألة 2- لو فرض العلم بأنّه داخل قبل العمل في جنس مخالف والعمليّة لاتبدّل جنسه بآخر بل تكشف عمّا هو مستور فلا شبهة في وجوب ترتيب آثار الجنس الواقعيّ وحرمة آثار الجنس الظاهر؛ فلو علم بأنّه رجل يجب عليه ما يجب على الرجال ويحرم عليه ما يحرم عليهم وبالعكس. وأمّا وجوب تغيير صورته وكشف ما هو باطن فلا يجب إلّا إذا توقّف العمل بالتكاليف الشرعيّة أو بعضها عليه وعدم إمكان الاحتراز عن المحرّمات الإلهيّة إلّا به فيجب.
          مسألة 3- لو تزوّج امرأةً فتغيّر جنسها فصارت رجلا بطل التزويج من حين التغيير و عليه المهر تماما لو دخل بها قبل التغيير؛ فهل عليه نصفه مع عدم الدخول أو تمامه؟ فيه إشكال. والاشبه التمام. وكذا لو تزوّجت امرأةٌ برجل فغيّر جنسه بطل التزويج من حين التغيير، وعليه المهر مع الدخول، وكذا مع عدمه على الأقوى.
          مسألة 4- لو تغيّر الزوجان جنسهما إلى المخالف فصار الرجل امرأةً وبالعكس: فإن كان التغيير غير مقارن فالحكم كما مرّ؛ وإن قارن التغاير فهل يبطل النكاح أو بقيا على نكاحهما وإن اختلفت الأحكام فيجب على الرجل الفعليّ النفقة وعلى المرأة الإطاعة؟ الأحوط تجديد النكاح وعدم زواج المرأة الفعليّة بغير الرجل الّذي كان زوجته إلّا بالطلاق بإذنهما وإن لايبعد بقاء نكاحهما.
          مسألة 5- لو تغيّر جنس المرأة في زمان عدّتها سقطت العدّة حتّى عدّة الوفاة.
          مسألة 6- لو تغيّر جنس الرجل إلى المخالف فالظاهر سقوط ولايته على صغاره، ولو تغيّر جنس المرأة لا يثبت لها الولاية على الصغار، فولايتهم للجدّ للأب، ومع فقده للحاكم.
          مسألة 7- لو تغيّر جنس كلّ من الأخ والاُخت بالمخالف لم ينقطع انتسابهما، بل يصير الأخ اُختا وبالعكس، وكذا في تغيير الأخين أو الاُختين. ولو تغيّر العمّ صار عمّةً وبالعكس، والخال خالةً وبالعكس وهكذا؛ فلو مات عن ابنٍ جديد وبنتٍ جديدة للذكر الفعليّ ضعف الاُنثى الفعليّة. وهكذا في سائر طبقات الإرث. لكن يبقى الإشكال في إرث الأب والاُمّ والجدّ والجدّة؛ فلو تغيّر جنس الأب إلى المخالف لا يكون فعلا أبا ولا اُمّا، وكذا في تغيير جنس الاُمّ، فإنّ الرجل الفعليّ لا يكون اُمّا ولا أبا؛ فهل يرثان بلحاظ حال التوليد أو لأجل الأقربيّة والأولويّة أو لا يرثان؟ فيه تردّد. والأشبه الإرث. والظاهر أنّ اختلافهما في الإرث بلحاظ حال انعقاد النطفة، فللأب حال الانعقاد ثلثان، وللاُمّ ثلث، والأحوط التصالح.
          مسألة 8 - لو تغيّر جنس الاُمّ فهل تكون بعد الرجوليّة محرما لحليلة ابنها كالأب أم لا؟ لا يبعد على إشكال. ولو تغيّر جنس الأب فهل يكون في حال اُنوثيّته محرما لابنه وإن لم يكن اُمّا له؟ الظاهر ذلك. ولو تغيّرت زوجة الابن وصارت رجلا فهل هي محرم على اُمّ زوجها السابق؟ لا يبعد ذلك على إشكال.
          مسألة 9- ما ذكرناه في الأقرباء نسبا يأتي في الأقرباء رضاعا، كالاُمّ والأب الرضاعيّين والاُخت والأخ وهكذا.
          مسألة 10- يثبت ما ذكرناه في ما إذا غيّر جنس بجنس واقعا. وأمّا لو كان العمل كاشفا عن واقع مستور وأنّ من صار رجلا بعد العمل كان رجلا من أوّل الأمر يستكشف منه أنّ ما رتّب على الرجل الصوريّ والمرأة الصوريّة رتّب على غير موضوعه، فتحدث مسائل اُخر.

        • الراديو والتلفزيون ونحوهما

           

          ومنها: الراديو والتلفيزيون ونحوهما

          مسألة 1- لهذه الآلات الحديثة منافع محلّلة عقلائيّة ومنافع محرّمة غير مشروعة، ولكلّ ٍ حكمه؛ فجاز الانتفاع المحلّل: من الأخبار والمواعظ ونحوهما من الراديو، وإراءة الصور المحلّلة لتعليم صنعة محلّلة، أو عرض متاع محلّل، أو إراءة عجائب الخلقة بحرا وبرّا. ولا يجوز الانتفاع المحرّم كسماع الغناء وإذاعته وإذاعة ما هو مخالف للشريعة المطهّرة، كالأحكام الصادرة من المصادر غير الصالحة المخالفة لأحكام الإسلام، وإراءة ما هو مخالف للشرع ومفسد لعقائد الجامعة وأخلاقها.
          مسألة 2- لمّا كان أكثر استعمال تلك الآلات في اُمور غير مشروعة بحيث يعدّ غير ذلك نادرا في بلادنا لا اُجيز بيعها إلّا ممّن يطمئنّ بعدم استعمالها إلّا في المحلّل ويجتنب عن محرّماتها ولا يجعلها في اختيار من يستعملها في المحرّمات، ولا شراءَها إلّا لمن لم يستعملها إلّا في المحلّل، ويمنع غيره عن استعمالها في غير المشروع.
          مسألة 3- لا يجب جواب سلام من يسلّم بواسطة الإذاعة، ويجب جواب من سلّم تلفونا.
          مسألة 4- لو سمع آية السجدة من مثل الراديو: فإن اُذيعت قراءة شخص مستقيمةً وجبت السجدة، وإن اُذيعت من المسجّلات لا تجب.
          مسألة 5- يسقط الأذان والإقامة إذا سمعهما من مثل الراديو بشرط إذاعتهما مستقيمةً. وإن اُذيعت من المسجّلات لم يسقطا بسماعهما، ولا يستحبّ حكايتهما في الفرض، ولا يسقطا بحكايتهما.(1)
          مسألة 6- يحرم استماع الغناء ونحوه من المحرّمات من مثل الراديو، سواء اُذيعت مستقيمةً أو بعد الضبط في المسجّلة.
          مسألة 7- استماع الغيبة إذا اُذيعت مستقيمةً حرام، وإلاّ فليس بمحرّم من حيث استماع الغيبة. نعم، يمكن التحريم من جهات اُخر ككشف سرّ المؤمن -مثلا- وإهانته.
          مسألة 8 - الأحوط ترك النظر إلى ما لا يجوز النظر إليه في مثل التلفزيون، كبدن الأجنبيّة وشعرها وعورة الرجل.
          مسألة 9- لا يبعد جواز الطلاق بواسطة الإذاعة والمكبّرة إذا سمعه شاهدان عدلان، ولا يجب حضورهما في مجلس الطلاق. والأحوط خلافه. هذا إذا أجرى الطلاق في الإذاعة مستقيما لا بواسطة المسجّلة. والحكم في الظهار كالطلاق.
          مسألة 10- لا إشكال في وجوب ترتيب الآثار على الإقرار بواسطة التلفون أو المكبّرة أو الراديو ونحوها إذا علم بأنّ الصوت من المقرّ وكان ذلك مستقيما لامن المسجّلات، سواء كان الإقرار بحقّ لغيره حتّى بما يوجب القصاص أو بما يوجب حدّا من حدود اللّه. كما لا إشكال في سماع البيّنة على حقّ أو حدّ إذا اُقيمت مستقيمةً لا من المسجّلة وعلم أنّ الصوت من الشاهدين العدلين. وكذا يجب ترتيب الآثار على حكم الحاكم وثبوت الحقّ به، وكذا الهلال وغيرهما من موارد الحكم مع الشرط المذكور. والظاهر جواز استحلاف القاضي من عليه الحلف بواسطة المكبّرة أو التلفون وحلفه من ورائهما بالشرط المذكور. والظاهر جريان الحكم في سائر الموارد الّتي رتّب فيها الحكم على إنشاء أو إخبار، كالقذف واللعان والغيبة والتهمة والفحش وسائر ما يكون موضوعا للحكم، بشرط العلم بكون المتكلّم به فلانا أو قامت البيّنة على ذلك.
          مسألة 11- هل تترتّب الأحكام والآثار على الأقارير وغيرها إذا كانت مضبوطةً في المسجّلات؟ لا شبهة في أنّ ما في المسجّلات لا تترتّب عليها الآثار؛ فلا يكون نشر ما في المسجّلة إقرارا ولا شهادةً ولا قذفا ولا حكما ولاغيرها؛ لكن لو علم أنّ ما سجّل في المسجّلات هو الإقرار المضبوط من فلان يؤخذ بإقراره من باب الحكاية عن إقراره لا من باب كون هذا إقرارا، ومن باب الكشف عن شهادة البيّنة وحكم الحاكم وقذف القاذف. وهكذا إذا علم أنّ ما هو المضبوط ضبط وسجّل من الواقع المحقّق؛ ومع احتمال كون هذا الصوت مشابها لما نسب إليه لا يترتّب عليه أثر، لا على ما اُذيع من المسجّلات، ولا على ما اُذيع مستقيما بغير وسط.


          1- هكذا في جميع الطبعات، والصحيح: «ولا يسقطان».

        • مسائل الصلاة والصوم وغيرهما

           

          ومنها: مسائل الصلاة والصوم وغيرهما

          مسألة 1- تجوز الصلاة في الطائرات مع مراعاة استقبال القبلة. ولو دخل في الصلاة مستقبلا فانحرفت الطائرة يمينا أو شمالا فحوّل المصلّي إلى القبلة بعد السكوت عن القراءة والذكر صحّت صلاته وإن انجرّ التحويل تدريجا إلى مقابل الجهة الاُولى. وأمّا لو استدبر ثمّ تحوّل بطلت صلاته؛ فلو صلّى في طائرة مارّة على مكّة أو الكعبة المكرّمة بطلت، لعدم إمكان حفظ الاستقبال. وأمّا لو طارت حول مكّة وحوّل المصلّي تدريجا وجهه إلى القبلة صحّت.
          مسألة 2- لو ركب طائرةً فطارت أربع فراسخ عموديّا تقصر صلاته وصومه. ولو طارت فرسخين - مثلا - عموديّا فألغت جاذبة الأرض بطريق علميّ فدارت الأرض وبقيت الطائرة غير دائرة فرجعت إلى الأرض بعد نصف دور - مثلا - لم تقصر صلاته ولا صومه؛ مثلا لو فرض كون الطائرة في بغداد فطارت عموديّا وبقيت في الفضاء غير دائرة بتبع الأرض وبعد ساعات رجعت وكان المرجع لندن -مثلا- كانت صلاته تامّةً ولم يكن مسافرا.
          مسألة 3- لو فاتت صلاة صبحه في طهران - مثلا - وركب طائرةً تقطع بين طهران وإسلامبول ساعةً ووصل إليه قبل طلوع الشمس بنصف ساعة كانت صلاته أداءً بعد ما صارت قضاءً. وهل يجب عليه مع عدم العسر والحرج أن يسافر لتحصيل الصلاة الأدائيّة؟ الظاهر ذلك. وهكذا بالنسبة إلى سائر صلواته. ولو فاتت صلاته في طهران - مثلا - وسافر مع تلك الطائرة وشرع في صلاته قضاءً ووصل إلى مكان لم يفت فيه الوقت فأدرك منه آخر صلاته: فإن أدرك ركعةً فالظاهر أنّها تقع أداءً، وإن أدرك أقلّ منها ففيه إشكال. ولو شرع في المغرب قضاءً فأدرك الركعة الثانية في الوقت ثمّ رجعت الطائرة فخرج الوقت بين صلاته - فيكون وسطها في الوقت وطرفيها خارجه - صحّت، لكن في كونها أداءً أو قضاءً تأمّلٌ،(1) ولا يبعد مع إدراك ركعة كونها أداءً، ولو ركب طائرةً فدخل في قضاء صلاة العصر من يومه بعد الغروب فصعدت عموديّا ورأى الشمس بين صلاته ثمّ هبطت وغربت الشمس ثمّ صعدت فرآها وهكذا صحّت صلاته. ولا يبعد كونها أداءً إذا أدرك من الوقت ركعةً متّصلة؛ وأمّا إذا أدرك الأقلّ أو بمقدارها لكن لامتّصلة ففي كونها أداءً أو قضاءً تأمّل.
          مسألة 4- لو صلّى الظهرين أوّل الوقت في طهران وركب الطائرة ووصل إسلامبول قبل زوال هذا اليوم فهل تجب عليه الظهران المأتيّ بهما عند الزوال؟ الظاهر عدم الوجوب.
          مسألة 5- لو رأى هلال ليلة الفطر في إسلامبول وسافر إلى طهران وكان فيه ليلة آخر الصيام فهل يجب عليه الصوم؟ الظاهر ذلك، بل الظاهر وجوبه ولو صام في إسلامبول ثلاثين يوما؛ ففرقٌ بين الصوم والصلاة في الحكم. ولو صام في طهران -مثلا- إلى غروب الشمس ولم يفطر فسافر إلى إسلامبول ووصل إليه قبل الغروب من هذا اليوم فهل يجب عليه الإمساك إلى الغروب أم لا؟ الظاهر عدم الوجوب وإن كان أحوط. ولو صام في إسلامبول وسافر قبل الغروب بساعتين إلى طهران وأدرك الليل في أثناء الطريق ولم يفطر ورجع إلى إسلامبول قبل غروب الشمس في هذا اليوم فهل يجب الامساك إلى الغروب؟ الأحوط ذلك وإن كان عدم الوجوب أشبه. وكذا لو صام في محلّ إلى الغروب ثمّ ركب طائرةً فصعدت عموديّا حتّى رأى الشمس. ولو سافر بعد الزوال من طهران بلا نيّة الصوم ووصل إسلامبول قبل زوال هذا اليوم فالظاهر جواز نيّة الصوم لو لم يأت بمفطر، ومراعاة الاحتياط حسن. ولو كان آخر شعبان في طهران أوّل رمضان في إسلامبول فبقي في طهران إلى الليل فذهب إلى إسلامبول ووصل إليه الليلة الثانية من الشهر وكان الشهر في إسلامبول تسعة وعشرين يوما فصام فيه وكان صومه ثمانية وعشرين يوما فهل يجب عليه قضاء يوم؟ الأحوط ذلك بل لا يخلو من قرب. ولو سافر مع طائرة ويكون تمام الشهر ليلا بالنسبة إليه يجب عليه القضاء ظاهرا. وكذا من كان في القطب وفات منه شهر رمضان على إشكال. ولو أصبح في طهران صائما فأفطر عمدا ثمّ سافر إلى إسلامبول فوصل إليه قبل الفجر فصام اليوم بعينه فهل تجب عليه الكفّارة والقضاء؟ لا إشكال في عدم وجوب القضاء. وفي وجوب الكفّارة إشكال. والأحوط ذلك، بل هو الأقرب.
          مسألة 6- لو صلّى صلاة عيد الفطر في إسلامبول وسافر إلى طهران ووصل إليه قبل الزوال من آخر شهر الصيام وبعد لم يفطر فهل يجب الصوم عليه كمن وصل إلى وطنه قبل زوال يوم الصوم؟ الظاهر وجوبه، وليس صومه مركّبا من حرام وواجب كما لم يكن كذلك لو حضر من السفر مع حرمة الصوم فيه. والأحوط له الإفطار قبل الوصول إلى طهران. وهل يجب عليه قضاء هذا اليوم الّذي كان يوم عيد له في إسلامبول ويوم صوم في طهران؟ فيه إشكال. والأشبه وجوبه إذا حضر اليوم من أوّله، بل من قبل الزوال على الأحوط.
          مسألة 7- لو عيّد في إسلامبول وأدّى زكاة الفطرة ووصل إلى طهران قبل غروب ليلة الفطر فهل يجب عليه زكاة الفطرة ثانيا بإدراك غروب العيد؟ الظاهر عدم الوجوب وإن كان أحوط. نعم، لو لم يؤدّها في إسلامبول يجب أداؤها في طهران. ولو صلّى العيد في إسلامبول فالظاهر عدم وجوبها أو استحبابها ثانيا.
          مسألة 8- لو كان يوم الفطر في إسلامبول يحرم عليه الصوم. ولو سافر إلى طهران و كان غدا يوم العيد يحرم عليه. وكذا الحال في الأضحى؛ فكان الصوم المحرّم عليه أربعة أيّام في السنة.
          مسألة 9- لو سافر مع طائرة تكون حركتها مساويةً لحركة الأرض وكان سيرها مخالفا لسير الأرض من الشرق إلى الغرب فلا محالة لو سافر أوّل طلوع الشمس كان سيرها دائما أوّل الطلوع ولو سارت ألف ساعة، فهل يحرم السفر معها للزوم ترك الصلاة أو يجوز ولا صلاة عليه أداءً ولا قضاءً أو عليه القضاء فقط؟ الظاهر عدم جواز السفر معها. ولو قيل بجوازه فالظاهر عدم صلاة عليه أداءً ولاقضاءً. وكذا لا صوم عليه أداءً ولا قضاءً لو سافر قبل طلوع الفجر. ولوكان بعده فهل يجب قضاء هذا اليوم فقط؟ فيه إشكال. والأحوط القضاء. ولو سافر عند زوال الشمس معها يجب عليه الظهران وإن وقع جميع الركعات في أوّل الزوال. ولو نذر صوم يوم الجمعة - مثلا - سفرا فنوى الصوم في محلّ ثمّ سافر أوّل طلوع الشمس فكان تمام يومه أوّل الطلوع ثمّ أسرعت بسيرها فلا محالة يدخل في ما بين الطلوعين ثمّ الليل - أي السحر - فصام يوم الجمعة إلى الليل بهذا النحو فلاتبعد صحّته والوفاء بنذره. نعم، لو أسرعت بعد ساعة أو ساعات قبل تمام اليوم بالنسبة إلينا فدخل ليلة الجمعة بسيرها فالظاهر عدم الوفاء بنذره، لعدم صوم تمام اليوم.
          مسألة 10- لو سافر مع طائرة تكون سرعتها أكثر من حركة الأرض وسارت من الشرق إلى الغرب فلا محالة تطلع الشمس عليه من مغرب الأرض عكس الطلوع لأهل الأرض، فهل الاعتبار في الصلوات بالطلوع والغروب بالنسبة إليه لاإلى أهل الأرض، فيصلّي الصبح قبل طلوع الشمس من المغرب الّذي هو وقت غروب أهل الأرض - مثلا - والعشاءين بعد غروبها في الاُفق الشرقيّ أو يكون تابعا للأرض فيكون عند طلوع الشمس من المغرب بمقدار أربع ركعات مختصّا بصلاة العصر ثمّ يشترك بين الظهر والعصر إلى مقدار أربع ركعات إلى زوالها فيختصّ بالظهر ويصلّي الصبح بعد غروب الشمس الّذي هو بين الطلوعين بالنسبة إلى أهل الأرض ثمّ بعد ذلك يدخل وقت الاختصاصيّ للعشاء ثمّ المغرب والعشاء ثمّ الاختصاصيّ للمغرب؟ فيه إشكال وإن لا يبعد لزوم التبعيّة لأهل الأرض فيصلّي في أوقاتها.
          مسألة 11- لو سافر مع القمر الصناعيّ فوصل إلى خارج الجاذبة فلا محالة لاوزن له فيه: فإن أمكن الوقوف على السطح الداخليّ بحيث تكون رجلاه إلى الأرض صلّى مراعيا لجهة القبلة، وإلّا صلّى معلّقا بين الفضاء؛ فإن أمكن مع ذلك أن تكون رجلاه إلى الأرض صلّى كذلك، وإلّا فبأيّ وجه أمكنه. ولا تترك الصلاة بحال. وفي الأحوال يراعي القبلة أو الجهة الأقرب إليها، ومع الجهل بها صلّى أربعا على الجهات.
          مسألة 12- لو ركب القمر الصناعيّ فدار به في اليوم والليل عشر مرّات حول الأرض ففي كلّ دور له ليل ونهار، فهل تجب عليه الصلوات الخمس في كلّ دور منه أو لا تجب إلّا الخمس في جميع أدواره الّتي توافق يوماً وليلةً من الأرض؟ الظاهر هو الثاني، لكن لابدّ من مراعاة الطلوع والغروب بالنسبة إلى نفسه؛ فيصلّي الصبح قبل أحد الطلوعات، والظهرين بعد زوال أحد الأيّام، والمغربين في إحدى الليالي. وله إتيان الظهر في زوال يوم والعصر في يوم آخر بعد الزوال، والمغرب في إحدى الليالي والعشاء في الاُخرى؛ فهل له إتيان الظهر عند الزوال ثمّ المغرب عند الغروب ثمّ العصر عند زوال آخر والعشاء في ليلة اُخرى فيتشابك الظهران والعشاءان؟ لا يبعد ذلك؛ لكنّ الأحوط ترك هذا النحو، بل الأحوط الإتيان بالظهرين في يوم والعشاءين في ليلة مع الإمكان.
          مسألة 13- لو ركبت المرأة في طائرة تدور مساويةً لحركة الأرض وكان سيرها مخالفا لسير الأرض فرأت الدم واستمرّ بها بمقدار ثلاثة أيّام من أيّامنا لكن كانت تلك المدّة بالنسبة إليها أوّل طلوع الشمس - مثلا - فالظاهر أنّ دمها محكوم بالحيضيّة؛ فالميزان استمرار هذه المدّة لا بياض الأيّام. وكذا لو كانت المرأة في قطر يكون يومه شهرا - مثلا - ورأت الدم واستمرّ بمقدار ثلاثة أيّام من آفاقنا يحكم بكونه حيضا. ولو ركبت قمرا صناعيّا وكان النهار والليل بالنسبة إليها ساعةً لابدّ من استمرار دمها بمقدار ثلاثة أيّام من آفاقنا لا بالنسبة إليها. ولو اُخرج دم الحيض - الّذي يستمرّ بطبعه ثلاثة أيّام - بآلة في يوم واحد لم يحكم بحيضيّته، كما لو اُدخل في رحمها شي ء يجذب الدم ثلاثة أيّام أو أكثر ولم يخرج إلى الخارج إلّا دفعةً فلا يحكم بحيضيّة الدم.
          مسألة 14- كما أنّ الميزان في الدم استمراره لا بياض الأيّام ولهذا تلفّق الأيّام كذلك الميزان ذلك في العدّة مطلقا، وقصد الإقامة، والبقاء في محلّ ثلاثون يوما مردّدا، وأكثر الحمل وأقلّه، وكذا الحيض والنفاس، وخيار الحيوان ثلاثة أيّام، وخيار تأخير الثمن، واليوم والليلة في مقدار الرضاع، وسنة تغريب الزاني، وإنظار ثلاثة أشهر في الظهار، والحلف على أزيد من أربعة أشهر في الإيلاء، وإنظار أربعة أشهر فيه، والسنة والسنتين والسنين الّتي تستأدى الديات عند حلولها، وحدّ البلوغ واليأس، وتأجيل أربع سنين للمرأة المفقود زوجها، وتأجيل سنة في العنن، وأحداث السنة في باب خيار العيب، وحقّ الحضانة للاُمّ سنتين أو سبع سنوات، والسنة المعتبرة في تعريف اللقطة، والأشهر الأربعة الّتي يحرم للزوج ترك وطء زوجته أكثر منها، والسنة المعتبرة في إرث الزوجة عن زوجها لو طلّقها في مرضه، والسنة الّتي تعتبر في ما لا تبقى اللقطة لسنة. والظاهر أنّ الأمر كذلك في باب القسم بين النساء، واختصاص البكر أوّل عرسها بسبع ليال والثيّب بثلاث وإن لا يخلو في باب القسم والاختصاص المذكورين من اشكال، من حيث أخذ الليالي بعناوينها فيهما. والالتزام بكون القسم حسب ليل القطبين - مثلا - وكذا السبع في العرس سبع ليالٍ فيهما غير ممكن، فلابدّ إمّا من القول بسقوط الحكم فيهما وفي مثلهما أو التقدير حسب الليالي المتعارفة. والأقرب الثاني. إلى غير ذلك ممّا هو من هذا القبيل، فإنّ الميزان فيها مضيّ مقدار الأيّام والشهور والسنين بحسب آفاقنا؛ فلو طلّق زوجته في أحد القطبين تخرج من العدّة في ربع يومه وليلته، وأكثر الحمل بناءً على كونه سنةً يومٌ وليلة. ولا يجوز ترك وطء الزوجة أكثر من ثلث يوم وليلة. نعم، لوكان أكثر الحمل في القطب بحسب الطبع أكثر من يوم وليلة يتّبع ولا يقاس بآفاقنا.
          مسألة 15- كما يجب على أهل القطب تطبيق مقدار الأيّام والأشهر والسنين على أيّامهم في المذكورات لو فرض وجود أهل في بعض السيّارات أو سافر البشر من الأرض إلى بعضها وكانت حركته حول نفسه في مقدار يومنا عشر مرّات وكان يومه وليلته عُشر يومنا لابدّ له من تطبيق أيّامه على مقدار أيّامنا، فيكون خيار الحيوان هناك ثلاثين يوما، وأقلّ الحيض ثلاثين يوما، وتأجيل المرأة المفقود زوجها أربعين سنةً، وهكذا.
          مسألة 16- ما ذكرناه إنّما يجري في كلّ مورد يعتبر فيه المقدار لا بياض اليوم، ولهذا تلفّق الأيّام فيها. وأمّا مثل الصوم المعتبر فيه الإمساك من طلوع الفجر إلى الغروب ولا يأتي فيه التلفيق فلا اعتبار بالمقدار. وكذا لا يجري ما ذكر في الصلاة، فإنّ أوقاتها مضبوطة معتبرة، فلا تصحّ صلاة الظهرين في الليل وإن انطبق على زوال آفاقنا، و لا يصحّ الصوم في بعض اليوم أو الليل وإن كان بمقدار يومنا.
          مسألة 17- لو فرض صيرورة حركة الأرض بطيئةً وصار اليوم ضِعف يومنا لابدّ في صحّة الصوم من إمساك يوم تامّ مع الإمكان، ومع عدمه يسقط الوجوب. ولا يجب عليه أكثر من الصلوات الخمس في يوم وليلة. وأمّا ما يعتبر فيه المقادير لابياض النهار وسواد الليل فلابدّ من مضيّ مقدار ما يعتبر في اُفق عصرنا، فأقلّ الحيض في ذلك العصر مقدار ثلاثة أيّام اُفقنا المنطبق على يوم وليلتين أو على يومين وليلة إذا كان اليوم ضِعفا. وبهذه النسبة إذا تغيّرت الحركة. وكذا الحال لو فرض صيرورتها أسرع بحيث كان اليوم والليلة نصف هذا العصر، فلابدّ في الصوم من إمساك يوم، وتجب في كلّ يوم وليلة خمس صلوات.
          مسألة 18- لا اعتبار برؤية الهلال بالآلات المستحدثة، فلو رُئي ببعض الآلات المكبّرة أو المقرّبة نحو تلسكوب - مثلا - ولم يكن الهلال قابلا للرؤية بلاآلة لم يحكم بأوّل الشهر؛ فالميزان هو الرؤية بالبصر من دون آلة مقرّبة أو مكبّرة. نعم، لو رئي بآلة وعلم محلّه ثمّ رئي بالبصر بلا آلة يحكم بأوّل الشهر. وكذا الحال في عدم الاعتبار بالآلات في الخسوف والكسوف، فلولم يتّضح الكسوف إلّا بالآلات ولم يره البصر غير المسلّح لم يترتّب عليه أثر.


          1- هكذا في جميع الطبعات، لكنّ الظاهر أنّ الصحيح: «وطرفاها».

      • خاتمة

         

        خاتمة:

        لو وُفّق البشر للسفر إلى بعض السيّارات والكرات تحدث عند ذلك مسائل شرعيّة كثيرة سيأتي الفقهاء - أعلى اللّه كلمتهم - بكشف معضلاتها، ولا بأس بإشارة إجماليّة إلى بعض منها.
        مسألة 1- يصحّ التطهير حدثا وخبثا بمائها وصعيدها بعد صدق الماء والتراب والحجر ونحوها عليها، وتصحّ السجدة على أرضها وما ينبت منها.
        مسألة 2- تختلف الأوزان فيها اختلافا فاحشا حسب ضعف الجاذبة وقوّتها؛ ففي القمر لمّا كانت الجاذبة أضعف من جاذبة الأرض تكون الأجسام مع الاتّحاد في المساحة مختلفةً في الوزن في الكرتين، فالكرّ بحسب المساحة يكون في الأرض موافقا للوزن المقدّر تقريبا، وفي كرة القمر تكون تلك المساحة أقلّ من عشر الوزن المقدّر؛ فلو اعتبرنا في القمر الوزن تكون مساحته أضعاف المساحة المقدّرة، فهناك يكون الاعتبار بالمساحة لا الوزن. ولو قيس بين المساحة والوزن في كرة تكون جاذبتها أضعاف الأرض ربما يكون شبران من الماء بمقدار الوزن المقدّر، فالاعتبار بالمساحة فيها لا الوزن، فينفعل الماء الّذي وزنه بمقدار الكرّ في الأرض. ويمكن الاعتبار هناك بالوزن، لكن يوزن بالكيلوات الأرضيّة حسب جاذبة تلك الكرة، فيوافق مع المساحات تقريبا. وفي ما يعتبر فيه الوزن فقط كالنصاب في الغلّات الأربع يحتمل أن لا يتغيّر حكمه ولو تغيّرت مساحته؛ فالحنطة يلاحظ نصابها المقدّر ولو صار كيلها في كرة القمر أضعاف كيلها في الأرض وفي المشتري -مثلا- عشر كيلها في الأرض. ولو أتى زمان على الأرض ضعفت جاذبتها فالحكم كما ذكر. ويحتمل أن يكون الاعتبار بالكيلوات أو الأمنان الأرضيّة لكن بجاذبة تلك الكُرات أو الأرض بعد ضعف جاذبتها.
        مسألة 3- لو وجد هناك ما تعلّقت به الزكاة والخمس - كالغلّات الأربع والأنعام الثلاثة والنقدين، وكالمعادن والكنوز وأشباههما - جرت عليها الأحكام الشرعيّة. ولو وجدت معادن وكنوز من غير جنس ما في الأرض تعلّق بها الخمس. وأمّا لو وجدت حبوب أو أنعام غير ما هاهنا لم تتعلّق بها الزكاة. ولو وجد ما تعلّق به الزكاة هناك أو هاهنا بغير الطريق العاديّ - كما لو وجدت الأنعام بطريق الصنعة وكذا الغلّات المصنوعيّات والنقدان المصنوعيّان - تعلّق بها الزكاة بعد صدق العناوين.
        مسألة 4- لو وجد هناك إنسان يعامل معه معاملة الإنسان في الأرض. ولوكان الموجودات هناك بأشكال اُخر لكن كانوا عاقلين مدركين فكذلك يعامل معهم معاملة الإنسان حتّى جازت المناكحة معهم، وجرت عليهم جميع التكاليف الشرعيّة والأحكام الالهيّة، ولو كان أشبارهم على خلاف أشبارنا يكون الميزان في مساحة الكرّ أشبارنا. وكذا في الذراع. ومع اختلافهم في عدد الأيدي والأرجل والأصابع معنا تختلف أحكامهم في باب الوضوء والديات والقصاص وغيرها.
        مسألة 5- يجب في الصلاة هناك استقبال الأرض، وباستقبالها يحصل استقبال القبلة، ولمّا كانت في حركتها الدوريّة تارةً في جانب من الأرض واُخرى في جانب آخر منها تختلف صلواتهم، فربما تكون صلاة الظهرين إلى المشرق والمغربين إلى المغرب و بالعكس. وأمّا كيفيّة دفن موتاهم فيمكن أن يقال بوجوب الاستقبال حدوثا ولو يتبدّل في كلّ يوم. وأمّا تكليف الصيام في القمر أو سائر الكرات فمشكل، ولا يبعد وجوبه في كلّ سنة شهرا مع الإمكان. ولو أمكن انطباق شهرها مع شهر رمضان في الأرض يجب على الأحوط. ولو انكسفت الشمس بالأرض أو بغيرها وجبت صلاة الآيات. وهل في انخساف الأرض أيضا صلاة؟ فيه إشكال. والظاهر وجوبها للآيات المخوّفة حتّى الزلزلة. والصلوات اليوميّة في تلك الكرات تابعة للزوال والغروب فيها، والصوم من طلوع الفجر إلى الغروب مع الإمكان.
        مسألة 6- لو بلغ الأطفال هناك حدّ الرجال في سنة - مثلا - فإن بلغوا بالاحتلام أو إنبات الشعر الخشن على العانة فلا إشكال في الحكم بالبلوغ وترتيب آثاره. وأمّا سقوط اعتبار السنّ فمشكل وإن لا يبعد إن علم أنّه بحدّ الرجال. ولو لم يبلغوا حدّ الرجال إلّا بعد ثلاثين سنةً بحيث علم أنّه طفل غير بالغ حدّ الرجال فالظاهر عدم الحكم بالبلوغ. وهكذا لو فرض أنّ الأطفال المصنوعيّة كذلك في طرفي القلّة والكثرة، وكذا لو أتى زمان أبطأ السير الطبيعيّ والرشد والبلوغ بجهات طبيعيّة كضعف حرارة الشمس وأشعّتها أو أسرع بجهات طبيعيّة أو صناعيّة إلى غير ذلك من الأحكام الكثيرة الّتي ليست الآن محلّ ابتلائنا. ولو أتى زمان انهدم القمر قبل الأرض تحدث مسائل اُخر. وكذا لو أبطأت حركة الأرض فتغيّر النهار والليل والفصول تحدث مسائل في كثير من أبواب الفقه. ولو صحّ ما قيل من إمكان مخابرة الأجسام تحدث لأجلها أحكام اُخر أيضا.